هوشع – الإصحاح ٥
حماقة الاتكال على خَلاص الإنسان
أولًا. عبادة إسرائيل الباطلة
أ ) الآيات (١-٣): توبيخ قادة إسرائيل على حالة الأمة الخاطئة.
١«اِسْمَعُوا هذَا أَيُّهَا الْكَهَنَةُ! وَانْصِتُوا يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ! وَأَصْغُوا يَا بَيْتَ الْمَلِكِ! لأَنَّ عَلَيْكُمُ الْقَضَاءَ، إِذْ صِرْتُمْ فَخًّا فِي مِصْفَاةَ، وَشَبَكَةً مَبْسُوطَةً عَلَى تَابُورَ. ٢وَقَدْ تَوَغَّلُوا فِي ذَبَائِحِ الزَّيَغَانِ، فَأَنَا تَأْدِيبٌ لِجَمِيعِهِمْ. ٣أَنَا أَعْرِفُ أَفْرَايِمَ. وَإِسْرَائِيلُ لَيْسَ مَخْفِيًّا عَنِّي. إِنَّكَ الآنَ زَنَيْتَ يَا أَفْرَايِمُ. قَدْ تَنَجَّسَ إِسْرَائِيلُ.
١. اِسْمَعُوا هذَا أَيُّهَا الْكَهَنَة: عندما نظر الله إلى الحالة الخاطئة التي تعيشها أمة إسرائيل، أدرك أن السبب هو القيادة غير التقيّة. قد يكون من السهل على الكهنة إلقاء اللوم على الشعب، إلا أن المسؤولية الحقيقية تقع على عاتق القيادة الروحية (الْكَهَنَة) والقيادة السياسية للأمة (بَيْتَ إِسْرَائِيل).
٢. وَقَدْ تَوَغَّلُوا فِي ذَبَائِحِ الزَّيَغَانِ، فَأَنَا تَأْدِيبٌ لِجَمِيعِهِمْ: لم تكن مأساة خطية إسرائيل الحقيقية مجرد سقوطهم، بل أنهم رفضوا التجاوب مع تَأْدِيب الله عند سقوطهم. فإذا كان الإنسان يعرف كيف يخضع لتقويم الله بتواضع، فالله يستطيع أن يعمل معه دائمًا.
ب) الآيات (٤-٩): خراب مُضاعف على إسرائيل
٤أَفْعَالُهُمْ لاَ تَدَعُهُمْ يَرْجِعُونَ إِلَى إِلهِهِمْ، لأَنَّ رُوحَ الزِّنَى فِي بَاطِنِهِمْ، وَهُمْ لاَ يَعْرِفُونَ الرَّبَّ. ٥وَقَدْ أُذِلَّتْ عَظَمَةُ إِسْرَائِيلَ فِي وَجْهِهِ، فَيَتَعَثَّرُ إِسْرَائِيلُ وَأَفْرَايِمُ فِي إِثْمِهِمَا، وَيَتَعَثَّرُ يَهُوذَا أَيْضًا مَعَهُمَا. ٦يَذْهَبُونَ بِغَنَمِهِمْ وَبَقَرِهِمْ لِيَطْلُبُوا الرَّبَّ وَلاَ يَجِدُونَهُ. قَدْ تَنَحَّى عَنْهُمْ. ٧قَدْ غَدَرُوا بِالرَّبِّ. لأَنَّهُمْ وَلَدُوا أَوْلاَدًا أَجْنَبِيِّينَ، اَلآنَ يَأْكُلُهُمْ شَهْرٌ مَعَ أَنْصِبَتِهِمْ. ٨«اِضْرِبُوا بِالْبُوقِ فِي جِبْعَةَ، بِالْقَرْنِ فِي الرَّامَةِ. اصْرُخُوا فِي بَيْتِ آوَنَ. وَرَاءَكَ يَا بَنْيَامِينُ. ٩يَصِيرُ أَفْرَايِمُ خَرَابًا فِي يَوْمِ التَّأْدِيبِ. فِي أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ أَعْلَمْتُ الْيَقِينَ.
١. وَقَدْ أُذِلَّتْ عَظَمَةُ إِسْرَائِيلَ فِي وَجْهِهِ: كما هو الحال مع كل تمرد، كان تمرد إسرائيل نابعًا من الكبرياء والشعور بالعظمة. فقد ظنوا بغطرسة أن آراءهم ورغباتهم أهم من كلام الله.
٢. يَذْهَبُونَ… لِيَطْلُبُوا الرَّبَّ وَلاَ يَجِدُونَهُ: عندما وعد الله أنه سيترك إسرائيل المتمردة (هوشع ٤: ١٧)، كان يقصد أنهم لن يَجِدُونَهُ حين يظهرون علامات التوبة الخارجية. كانت توبتهم سطحية لأن أَفْعَالُهُمْ لاَ تَدَعُهُمْ يَرْجِعُونَ إِلَى إِلهِهِمْ.
• يعتقد الناس اليوم أنهم يبحثون عن الله بطرق مختلفة، بينما هم في الواقع لا يفعلون. ما يفعلونه هو مجرد بحثًا سطحيًا. فعلى سبيل المثال، قد يقول أحدهم: “نشأتُ في الكنيسة المعمدانية ولم أجد الله، فجربتُ الكنيسة الميثودية – وما وجدته هناك. ثم ذهبتُ إلى الكنيسة الخمسينية، والآن أنا في الكنيسة المشيخية، وما زلتُ أبحث عن الله.” قد تتصور أنك بحثت بجد عن الله، ولكن غالبًا ما يكون هذا وهمًا. إن الحقيقة هي أنك تهرب من الله. فعندما بدأ الرب أن يقترب منك في الكنيسة المعمدانية، تركته وصرت ميثوديًا. وعندما بدأ بالاقتراب منك في الكنيسة الميثودية، تركته وصرت خمسينيًا. لقد اتبعت نفس النمط – بحث سطحي عن الله، يتراجع بمجرد أن تبدأ حقًا في الاقتراب منه.
• قَدْ تَنَحَّى عَنْهُمْ: هذا أمر وارد. قد نرفض التخلّي عن خطيتنا وتمردنا فيتركنا الله وشأننا. وعادة نحن لا ندرك ذلك في البداية، ولكن عندما ندعو الرب أخيرًا ولا يُجيب، ويكون قَدْ تَنَحَّى عَنّا، وحينها نرى نتائج انفصالنا عن الله وإبعاده عن حياتنا.
٣. يَصِيرُ أَفْرَايِمُ خَرَابًا فِي يَوْمِ التَّأْدِيبِ: لأن الله قَدْ تَنَحَّى عَنْهُمْ، لن يجدوا عونًا أو ملجأً عندما يهاجمهم الجيش الأشوري. سيَصِيرُون خَرَابًا.
ثانيًا. اعتماد إسرائيل الخاطئ على الإنسان للخلاص
أ ) الآيات (١٠-١٣): إسرائيل ويهوذا يتّكلان على حكمة الإنسان.
١٠صَارَتْ رُؤَسَاءُ يَهُوذَا كَنَاقِلِي التُّخُومِ. فَأَسْكُبُ عَلَيْهِمْ سَخَطِي كَالْمَاءِ. ١١أَفْرَايِمُ مَظْلُومٌ مَسْحُوقُ الْقَضَاءِ، لأَنَّهُ ارْتَضَى أَنْ يَمْضِيَ وَرَاءَ الْوَصِيَّةِ. ١٢فَأَنَا لأَفْرَايِمَ كَالْعُثِّ، وَلِبَيْتِ يَهُوذَا كَالسُّوسِ. ١٣«وَرَأَى أَفْرَايِمُ مَرَضَهُ وَيَهُوذَا جُرْحَهُ، فَمَضَى أَفْرَايِمُ إِلَى أَشُّورَ، وَأَرْسَلَ إِلَى مَلِكٍ عَدُوٍّ. وَلكِنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَشْفِيَكُمْ وَلاَ أَنْ يُزِيلَ مِنْكُمُ الْجُرْحَ.
١. صَارَتْ رُؤَسَاءُ يَهُوذَا كَنَاقِلِي التُّخُومِ: يُظهر هذا أن القادة السياسيين في يهوذا كانوا غير أمناء وغشّاشين. لقد كانوا من النوع الذي على استعداد أن يُغيّر حدود الأراضي لتحقيق مكاسب شخصية، لو ظنّوا أنهم سيفلتون من العقاب. هذا يُذكّرنا بأنه على الرغم من أن يهوذا كانت في حالة أفضل من إسرائيل، إلا أنهم كانوا بحاجة إلى التوبة أيضًا.
• “لكن قادة يهوذا لم يكونوا يغيّرون حدودًا مادية فحسب، بل كانوا يغيّرون حدودًا روحية وضعها الله، وينقلون الفاصل بين الحق والباطل، بين الدين الحقيقي والدين الزائف، بين الله الحقيقي والأصنام.” وود (Wood)
• يمكننا أن نتخيل أحد سكان يهوذا يقرأ نبوة هوشع فيشعر بالرضا لأن جاره في الشمال قد توبّخ بشدة. لكن الله يُذكّر يهوذا بأن لديها خطاياها الخاصة التي يجب أن تتعامل معها.
٢. لأَنَّهُ ارْتَضَى أَنْ يَمْضِيَ وَرَاءَ الْوَصِيَّةِ: أخطأ أَفْرَايِم باختياره العيش وفقًا لمعايير الإنسان وآراءه بدلًا من المعايير الإلهية. لا يمكننا أن نسير وَرَاءَ وَصِيَّةِ الإنسان إلا إذا رفضنا أولًا وصايا الله، وهذا بالضبط ما فعلته إسرائيل.
• فَمَضَى أَفْرَايِمُ إِلَى أَشُّور: كان إسرائيل غبيًا بما يكفي ليضع ثقته في الإنسان – الذي سيقهره لاحقًا – بدلًا من أن يضع ثقته في الله. إن اختيار مَلِكٍ مثل عَدُوّ بدلًا من الرب هو حماقة في كل الأحوال وينتهي في النهاية بالهلاك.
• “’عَدُوٍّ‘ ليس اسمًا أشوريًا معروفًا، ولكنه يعني ’مُحارِب.‘” وود (Wood)
٣. كَالْعُثِّ… كَالسُّوسِ: سيكون الله هو من يأكل ويفسد ما لإسرائيل ويهوذا. لا بركة لهم، ولا نموّ فيهم.
ب) الآيات (١٤-١٥): دينونة الله وغايتها.
١٤لأَنِّي لأَفْرَايِمَ كَالأَسَدِ، وَلِبَيْتِ يَهُوذَا كَشِبْلِ الأَسَدِ. فَإِنِّي أَنَا أَفْتَرِسُ وَأَمْضِي وَآخُذُ وَلاَ مُنْقِذٌ. ١٥أَذْهَبُ وَأَرْجعُ إِلَى مَكَانِي حَتَّى يُجَازَوْا وَيَطْلُبُوا وَجْهِي. فِي ضِيقِهِمْ يُبَكِّرُونَ إِلَيَّ».
١. لأَنِّي … كَالأَسَدِ: ستأتي دينونة الله على إسرائيل ويهوذا بطرق خفية (كَالْعُثِّ… كَالسُّوسِ). لكنها ستأتي أيضًا بطرق واضحة لا مجال فيها للشك. فالْعُثّ والأَسَدِ كلاهما يجلبان الدمار، ولكن كلٍ بطريقته.
٢. فِي ضِيقِهِمْ يُبَكِّرُونَ إِلَيَّ: هذا كان هدف دينونة الله لإسرائيل. فلم يكن القصد هو الهلاك والدمار، بل ردهم إليه. من المحزن أننا غالبًا ما نُبَكِّر إلى الرب ونطلبه فقط فِي الضِيقِ. لماذا لا نلجأ إلى الرب الآن، قبل أن يُجبرنا الضِيقِ على ذلك؟