هوشع – الإصحاح ٧
اَلتَّنُّور وَالْخُبْز وَالْحَمَامَة
أولًا. قَلْب كَتَنُّورٍ
أ ) الآيات (١-٣): جَهلُ إسْرَائِيلَ الأثيم وتَعامِيهم المتعمَّد.
١«حِينَمَا كُنْتُ أَشْفِي إِسْرَائِيلَ، أُعْلِنَ إِثْمُ أَفْرَايِمَ وَشُرُورُ السَّامِرَةِ، فَإِنَّهُمْ قَدْ صَنَعُوا غِشًّا. السَّارِقُ دَخَلَ وَالْغُزَاةُ نَهَبُوا فِي الْخَارِجِ. ٢وَلاَ يَفْتَكِرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ أَنِّي قَدْ تَذَكَّرْتُ كُلَّ شَرِّهِمْ. اَلآنَ قَدْ أَحَاطَتْ بِهِمْ أَفْعَالُهُمْ. صَارَتْ أَمَامَ وَجْهِي. ٣«بِشَرِّهِمْ يُفَرِّحُونَ الْمَلِكَ، وَبِكَذِبِهِمِ الرُّؤَسَاءَ.
١. وَلاَ يَفْتَكِرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ أَنِّي قَدْ تَذَكَّرْتُ كُلَّ شَرِّهِمْ: كانت مشكلة شعب إسرائيل وقادتهم أنهم نسوا عمدًا أن الرب رأى خطاياهم وتذكّرها. كثيرًا ما نختار أن ننسى أن الرب يرى خطايانا ويتذكّرها. قد تكون الخطية خفية عن الناس، لكنها ليست خفية عن الله أبدًا، فهو قال: صَارَتْ أَمَامَ وَجْهِي.
• على كل مؤمن اليوم أن يسأل نفسه: هل نسيتَ؟ هل تعتقد أن الله لا يرى؟ هل تظن أنه يتعامى عن زناكَ أو علاقاتكَ الجنسية قبل الزواج؟ هل تفترض أن إدمانكَ للمواد الإباحية يمرّ دون أن يلاحظه؟ هل تعتقد أنه يصرف نظره عنك عندما تسكر أو تتعاطى المخدرات؟ كثيرون يذهبون إلى الكنائس اليوم ويظنون أن الله ينسى مثل هذه الأمور أو لا يراها أبدًا، لأنهم يفعلونها ثم يأتون إلى الكنيسة متظاهرين بالتقوى، وكأن هذه الخطايا ليست جزءًا من حياتهم.
• هناك وعد ثمين لمن يأتون إلى الله بموجب العهد الجديد: لأَنِّي أَصْفَحُ عَنْ إِثْمِهِمْ، وَلاَ أَذْكُرُ خَطِيَّتَهُمْ بَعْدُ. (إرميا ٣١: ٣٤). كثيرًا ما نأمل أن ينسى الله خطايانا مع الوقت، لكنه لا يفعل. فقط، الذبيحة الكفارية ليسوع الذي صُلب مكاننا تحت ظل العهد الجديد، تجعل الله ينسى خطايانا.
٢. حِينَمَا كُنْتُ أَشْفِي إِسْرَائِيلَ: كان الله مستعدًا لشفاء إسرائيل من خطيتهم وعواقبها، ولكن ليس وهم يتصرفون كما لو أنه لا يرى شرهم. كان عليهم أن يعاملوا الله كما هو فعلًا، كإله يرى ويتذكر الخطية التي لم يتوبوا عنها وغير المغطّاة.
٣. بِشَرِّهِمْ يُفَرِّحُونَ الْمَلِكَ: يُرجَّح أن هذه العبارة، إلى جانب “يَمْرَضُ الرُّؤَسَاءُ” (هوشع ٧:٥) و”سَقَطَ جَمِيعُ مُلُوكِهِمْ” (هوشع ٧:٧) تُشير إلى واحدة من المؤامرات الناجحة التي أُطيح فيها بأحد ملوك إسرائيل خلال فترة خدمة النبي هوشع. وبما أن أربعة ملوك أُسقِطوا بعنف في تلك الحقبة، فمن الصعب الجزم بمن كان المقصود تحديدًا في هذا السياق.
ب) الآيات (٤-٧): قلبُ إسرائيل مُلتهِبٌ شوقًا للأصنام.
٤كُلُّهُمْ فَاسِقُونَ كَتَنُّورٍ مُحْمًى مِنَ الْخَبَّازِ. يُبَطِّلُ الإِيقَادَ مِنْ وَقْتِمَا يَعْجِنُ الْعَجِينَ إِلَى أَنْ يَخْتَمِرَ. ٥يَوْمُ مَلِكِنَا يَمْرَضُ الرُّؤَسَاءُ مِنْ سَوْرَةِ الْخَمْرِ. يَبْسُطُ يَدَهُ مَعَ الْمُسْتَهْزِئِينَ. ٦لأَنَّهُمْ يُقَرِّبُونَ قُلُوبَهُمْ فِي مَكِيدَتِهِمْ كَالتَّنُّورِ. كُلَّ اللَّيْلِ يَنَامُ خَبَّازُهُمْ، وَفِي الصَّبَاحِ يَكُونُ مُحْمًى كَنَارٍ مُلْتَهِبَةٍ. ٧كُلُّهُمْ حَامُونَ كَالتَّنُّورِ وَأَكَلُوا قُضَاتَهُمْ. جَمِيعُ مُلُوكِهِمْ سَقَطُوا. لَيْسَ بَيْنَهُمْ مَنْ يَدْعُو إِلَيَّ.
١. كَتَنُّورٍ مُحْمًى مِنَ الْخَبَّازِ: كانت إسرائيل تشتعل بالشهوة والرغبة نحو الأصنام، مثل جمر نار أُضرِم حديثًا، مستعدّ لخبز الخبز.
• وقد استخدم بولس الرسول الصورة نفسها عن “الشهوة المتقدة” في كورنثوس الأولى ٧: ٩ حين قال: “وَلَكِنْ إِنْ لَمْ يَضْبِطُوا أَنْفُسَهُمْ، فَلْيَتَزَوَّجُوا، لِأَنَّ التَّزَوُّجَ أَفْضَلُ مِنَ التَّحَرُّقِ.”
٢. لَيْسَ بَيْنَهُمْ مَنْ يَدْعُو إِلَيَّ: لم يكن بإمكان بني إسرائيل أن يشتعلوا شوقًا للأصنام كتَّنُّور ساخن، وفي الوقت ذاته يدعون الرب بإخلاص. فرغم أنهم استمروا في تقديم الذبائح له (هوشع ٥: ٦)، إلا أنها كانت طقوسًا فارغة، وغير نابعة من صرخة قلب صادق لإله عهدهم.
ج) الآيات (٣-١٠): كبرياء شعب إسرائيل وعنادهم.
٨«أَفْرَايِمُ يَخْتَلِطُ بِالشُّعُوبِ. أَفْرَايِمُ صَارَ خُبْزَ مَلَّةٍ لَمْ يُقْلَبْ. ٩أَكَلَ الْغُرَبَاءُ ثَرْوَتَهُ وَهُوَ لاَ يَعْرِفُ، وَقَدْ رُشَّ عَلَيْهِ الشَّيْبُ وَهُوَ لاَ يَعْرِفُ. ١٠وَقَدْ أُذِلَّتْ عَظَمَةُ إِسْرَائِيلَ فِي وَجْهِهِ، وَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ إِلَى الرَّبِّ إِلهِهِمْ وَلاَ يَطْلُبُونَهُ مَعَ كُلِّ هذَا.
١. أَفْرَايِمُ صَارَ خُبْزَ مَلَّةٍ لَمْ يُقْلَبْ: الصورة هنا هي صورة كعكة “نصف ناضجة.” في ذلك الزمان، كان الخُبْز يُحضَّر غالبًا ككعكة تُخبَز من الجانبين، أشبه بفطيرة. وإذ ظنّ بنو إسرائيل أنهم يستطيعون أن يَجمعوا بين عبادة الرب وعبادة الأصنام، صاروا ككعكة لم تُقلَب: محروقة من جانب، ونِيئة من الآخر.
٢. أَكَلَ الْغُرَبَاءُ ثَرْوَتَهُ وَهُوَ لاَ يَعْرِفُ: وهذا يزيد من مأساة سقوط إسرائيل. لقد دمرت الخطية إسرائيل تمامًا وَهُوَ لاَ يَعْرِف. كان ينبغي أن يدركوا ذلك، لأن عَظَمَةُ إِسْرَائِيلَ قَدْ أُذِلَّتْ فِي وَجْهِهِ – ومع ذلك، في جهلهم الأعمى، ما زالوا لاَ يَرْجِعُونَ إِلَى الرَّبِّ إِلهِهِمْ.
• إن للإنسان قدرة مذهلة على خداع نفسه عندما يخطئ. وقد أحسن إرميا حين قال: اَلْقَلْبُ أَخْدَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ نَجِيسٌ، مَنْ يَعْرِفُهُ؟ (إرميا ٩:١٧). وبالنظر إلى مدى سهولة أن نخدع أنفسنا، ومدى وضوح خطايانا للآخرين باستثنائنا، فإن ما حدث مع إسرائيل ليس أمرًا نادر الحدوث.
مَحرُوق ومُدمّر – وَهُوَ لاَ يَعْرِف.
قُوَّتَه قد استُنزِفت – وَهُوَ لاَ يَعْرِف.
شَاخَ وضَعُف – وَهُوَ لاَ يَعْرِف.
كِبرِيَاءُه يَشْهَدُ ضِدَّهُ – وَهُوَ لاَ يَعْرِف.
• قيل عن شَمْشُون بعد أن قصّت دَلِيلَة شعره: وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الرَّبَّ قَدْ فَارَقَهُ (قضاة ٢٠:١٦). هذا هو حال إسرائيل، وهو أيضًا حال بعض المؤمنين اليوم، فهم بعيدون عن الله، وقد بدأوا يشعرون بالعواقب، لكنهم ما زالوا غافلين.
٣. وَقَدْ رُشَّ عَلَيْهِ الشَّيْبُ وَهُوَ لاَ يَعْرِفُ: كان شعب إسرائيل أحمق كالرجل العجوز الذي يظن ويتصرّف وكأنه لا يزال شابًا.
• “لقد بدأ للتو في التراجع والذُبُول، كما يفعل رجل يقترب من سن الخمسين.” جون تراب، ١٦٥٤ (John Trapp)
ثانيًا. طَائِشًا كَالحَمَامَة
أ ) الآيات (١١-١٢): مثل حمامة، يطير إسرائيل نحو الأمم.
١١وَصَارَ أَفْرَايِمُ كَحَمَامَةٍ رَعْنَاءَ بِلاَ قَلْبٍ. يَدْعُونَ مِصْرَ. يَمْضُونَ إِلَى أَشُّورَ. ١٢عِنْدَمَا يَمْضُونَ أَبْسُطُ عَلَيْهِمْ شَبَكَتِي. أُلْقِيهِمْ كَطُيُورِ السَّمَاءِ. أُؤَدِّبُهُمْ بِحَسَبِ خَبَرِ جَمَاعَتِهِمْ.
١. وَصَارَ أَفْرَايِمُ كَحَمَامَةٍ رَعْنَاءَ بِلاَ قَلْبٍ: يكدّس هوشع الصور الواحدة تلو الأخرى. ويُشبَّه إسرائيل الآن بطائر يرفرف في ارتباك، بلا اتجاه. يظنون أنهم يستطيعون الهرب من الله باللجوء إلى أمم أخرى، لكن الرب يقول: أَبْسُطُ عَلَيْهِمْ شَبَكَتِي.
٢. أُؤَدِّبُهُمْ بِحَسَبِ خَبَرِ جَمَاعَتِهِمْ: إن ذنب إسرائيل يتزايد بِحَسَبِ ما سمعوه. فكلما ازدادت المعرفة، ازدادت معها المسؤولية. وكما قال يسوع ” فَكُلُّ مَنْ أُعْطِيَ كَثِيرًا يُطْلَبُ مِنْهُ كَثِيرٌ، وَمَنْ يُودِعُونَهُ كَثِيرًا يُطَالِبُونَهُ بِأَكْثَرَ (لوقا ٤٨:١٢).
ب) الآيات (١٣-١٦): في ركضه نحو الأمم، كان إسرائيل يهرب من الله.
١٣«وَيْلٌ لَهُمْ لأَنَّهُمْ هَرَبُوا عَنِّي. تَبًّا لَهُمْ لأَنَّهُمْ أَذْنَبُوا إِلَيَّ. أَنَا أَفْدِيهِمْ وَهُمْ تَكَلَّمُوا عَلَيَّ بِكَذِبٍ. ١٤وَلاَ يَصْرُخُونَ إِلَيَّ بِقُلُوبِهِمْ حِينَمَا يُوَلْوِلُونَ عَلَى مَضَاجِعِهِمْ. يَتَجَمَّعُونَ لأَجْلِ الْقَمْحِ وَالْخَمْرِ، وَيَرْتَدُّونَ عَنِّي. ١٥وَأَنَا أَنْذَرْتُهُمْ وَشَدَّدْتُ أَذْرُعَهُمْ، وَهُمْ يُفَكِّرُونَ عَلَيَّ بِالشَّرِّ. ١٦يَرْجِعُونَ لَيْسَ إِلَى الْعَلِيِّ. قَدْ صَارُوا كَقَوْسٍ مُخْطِئَةٍ. يَسْقُطُ رُؤَسَاؤُهُمْ بِالسَّيْفِ مِنْ أَجْلِ سَخَطِ أَلْسِنَتِهِمْ. هذَا هُزْؤُهُمْ فِي أَرْضِ مِصْرَ.
١. يَرْجِعُونَ لَيْسَ إِلَى الْعَلِيِّ: رأى بنو إسرائيل مشكلتهم، لكنهم لم يروا خطيتهم. عندما تكون يد الله على أحد، يدرك بسهولة أن هناك مشكلة، لكنه كثيرًا ما يعجز عن فهم أن عدم رجوعه لله هو خطية تجاه الله. لذلك، عندما واجه إسرائيل المتاعب، كانوا يُوَلْوِلُونَ عَلَى مَضَاجِعِهِمْ، ولكن ليس إلى الرب. لقد سعوا ليجدوا حلول، ولكن لَيْسَ مِنَ الْعَلِيِّ.
٢. قَدْ صَارُوا كَقَوْسٍ مُخْطِئَةٍ: يضيف هوشع صورة أخرى: إسرائيل كقوس مَعيب لا يُصيب الهدف. كل ما يطلقونه يضل، كَقَوْسٍ مُخْطِئَةٍ. إنهم يشبهون سلاح بلا فائدة وخطر.