سفر أيوب – الإصحاح ٧
ردًا على أليفاز، أيوب يصرخ إلى الله
أولًا. معاناة أيوب الصعبة
أ ) الآيات (١-٥): تشبه معاناة أيوب الخدمة الشاقة أو الجهاد.
١أَلَيْسَ جِهَادٌ لِلإِنْسَانِ عَلَى الأَرْضِ، وَكَأَيَّامِ الأَجِيرِ أَيَّامُهُ؟ ٢كَمَا يَتَشَوَّقُ الْعَبْدُ إِلَى الظِّلِّ، وَكَمَا يَتَرَجَّى الأَجِيرُ أُجْرَتَهُ، ٣هكَذَا تَعَيَّنَ لِي أَشْهُرُ سُوءٍ، وَلَيَالِي شَقَاءٍ قُسِمَتْ لِي. ٤إِذَا اضْطَجَعْتُ أَقُولُ: مَتَى أَقُومُ؟ اللَّيْلُ يَطُولُ، وَأَشْبَعُ قَلَقًا حَتَّى الصُّبْحِ. ٥لَبِسَ لَحْمِيَ الدُّودُ مَعَ مَدَرِ التُّرَابِ. جِلْدِي كَرِشَ وَسَاخَ.
١. هكَذَا تَعَيَّنَ لِي أَشْهُرُ سُوءٍ: رأى أيوب معاناته الحالية مثل العمل العقيم والمُحبِط لِعَبْدٍ أو أجِير. شعر أنه لا يوجد أمل أو مكافأة، فقط التعب.
• إن كلمات الجهاد الشاق في أيوب ٧: ١ (وفقًا لآدم كلاركAdam Clarke وآخرين) تمثل وصفًا للخدمة العسكرية. وتترجمها الفولجاتا اللاتينية، حياة الإنسان هي حرب على الأرض. تقول ترجمة كوفرديل الإنجليزية المبكرة، أليست حياة الإنسان على الأرض بحد ذاتها معركة ؟ بهذا، يعبر أيوب عن جهاد الحياة، ويربطه مع فكرة أنه قد تم تجنيده كرهًا في هذه المعركة.
٢. وَلَيَالِي شَقَاءٍ قُسِمَتْ لِي: وصف أيوب حالته الجسدية بعبارات مؤلمة. كان يعاني من الأرق، ومن الآفات الجلدية التي كانت تعود مرارًا وتكرارًا.
• كتب كلارك (Clarke) التعليق التالي على الكلمات ’لَبِسَ لَحْمِيَ الدُّودُ‘: “صورة بشعة لا يمكن توضيحها بشكل أكبر.”
ب) الآيات (٦-١٠): أيوب يرثي عبثية الحياة.
٦أَيَّامِي أَسْرَعُ مِنَ الْوَشِيعَةِ، وَتَنْتَهِي بِغَيْرِ رَجَاءٍ. ٧«اُذْكُرْ أَنَّ حَيَاتِي إِنَّمَا هِيَ رِيحٌ، وَعَيْنِي لاَ تَعُودُ تَرَى خَيْرًا. ٨لاَ تَرَانِي عَيْنُ نَاظِرِي. عَيْنَاكَ عَلَيَّ وَلَسْتُ أَنَا. ٩السَّحَابُ يَضْمَحِلُّ وَيَزُولُ، هكَذَا الَّذِي يَنْزِلُ إِلَى الْهَاوِيَةِ لاَ يَصْعَدُ. ١٠لاَ يَرْجعُ بَعْدُ إِلَى بَيْتِهِ، وَلاَ يَعْرِفُهُ مَكَانُهُ بَعْدُ.
١. أَيَّامِي أَسْرَعُ مِنَ الْوَشِيعَةِ (المِغزَلِ): لم يقصد أيوب هذا بالمعنى الإيجابي، كالقول: “يا إلهي، أنظر كيف يمر الوقت بسرعة.” فكما هو موضح في الآيات السابقة، فإن الوقت في فترة الألم هذه يتسحب لأيوب خلال لياليه الطوال والمؤلمة التي لم ير فيها النوم. ومع ذلك، عندما نظر إلى حياته في مجملها، بدت وكأنها ضبابية لا معنى لها، تَنْتَهِي بِغَيْرِ رَجَاءٍ وكأنها ريح.
• “لاحظ ابن عزرا (Ibn Ezra) منذ فترة طويلة اللعب في كلمة [tiqwah – ’رَجَاءٍ‘] ، والتي يمكن أن تعني أيضًا “خيط.” تتحرك أيام أيوب بسرعة مثل الْوَشِيعَةِ (المِغزَلِ)، وتأتي إلى نهايتها من خلال حاجته إلى خيط. كلا المعنيين كانا مقصودين بنفس القدر. هذا هو نوع النغمة المضافة إلى المعنى التي لا يمكن أن تُظهر في الترجمة بدون حاشية سفلية.” سميك (Smick)
• “وأسوأ من المرض نفسه، أن أيوب فقد كل أمل في الشفاء. كان يعتقد أن خلاصه الوحيد من الألم هو الموت.” سميك (Smick)
٢. هكَذَا الَّذِي يَنْزِلُ إِلَى الْهَاوِيَةِ لاَ يَصْعَدُ: هذه واحدة من تصريحات أيوب عن الحياة الآخرة التي تنتشر في جميع أنحاء السفر. هذه العبارات هي مزيج من عدم اليقين (كما هنا) والثقة المنتصرة (كما في أيوب ١٩: ٢٥-٢٦).
ثانيًا. أيوب يرفع شكواه إلى الله
أ ) الآيات (١١-١٦): ألَم أيوب: “اخْتَارَتْ نَفْسِي الْخَنِقَ.”
١١أَنَا أَيْضًا لاَ أَمْنَعُ فَمِي. أَتَكَلَّمُ بِضِيقِ رُوحِي. أَشْكُو بِمَرَارَةِ نَفْسِي. ١٢أَبَحْرٌ أَنَا أَمْ تِنِّينٌ، حَتَّى جَعَلْتَ عَلَيَّ حَارِسًا؟ ١٣إِنْ قُلْتُ: فِرَاشِي يُعَزِّينِي، مَضْجَعِي يَنْزِعُ كُرْبَتِي، ١٤تُرِيعُنِي بِالأَحْلاَمِ، وَتُرْهِبُنِي بِرُؤًى، ١٥فَاخْتَارَتْ نَفْسِي الْخَنِقَ، الْمَوْتَ عَلَى عِظَامِي هذِهِ. ١٦قَدْ ذُبْتُ. لاَ إِلَى الأَبَدِ أَحْيَا. كُفَّ عَنِّي لأَنَّ أَيَّامِي نَفْخَةٌ.
١. أَتَكَلَّمُ بِضِيقِ رُوحِي: صرخ أيوب هنا إلى الله، متسائلًا أولًا عما إذا كان مخلوقًا خطيرًا مثل بَحْرٌ أَنَا أَمْ تِنِّينٌ، يحتاج إلى حراسة وضبط من الله. (حَتَّى جَعَلْتَ عَلَيَّ حَارِسًا؟)
• “نسمع عن أشخاص خاضعين لمراقبة الشرطة، ويشعر بعض الناس كما لو كانوا خاضعين لمراقبة الله. يتم تتبعهم بشكل غامض من قبل الروح العظيم، وهم يعرفون ذلك ويشعرون به. أينما ذهبوا، هناك عين عليهم لا يمكنهم الاختباء منها.” سبيرجن (Spurgeon)
• “اسمعني جيدًا. إن الجدل من منطلق عدم أهميتنا هو مرافعة ضعيفة؛ لأن الأشياء الصغيرة هي من تكون في أمس الحاجة إلى من يراقبها ويحرسها. فإن كنت بحرًا أو حوتًا، فقد يتركك الله وشأنك. ولكن بما أنك مخلوق ضعيف وخاطئ، ويمكن أن يؤذيك أكثر من البحر أو الحوت، فأنت بحاجة إلى مراقبة مستمرة… لا تقل: ’أَبَحْرٌ أَنَا أَمْ تِنِّينٌ، حَتَّى جَعَلْتَ عَلَيَّ حَارِسًا؟‘ لأن الرب قد يجيب: ’أنت أكثر اتساعًا للشر من البحر، وأكثر وحشية من التنين.‘” سبيرجن (Spurgeon)
• في الواقع، نحن أشبه بالبحر أو التنين أكثر مما نود أن نعترف.
البحر لا يهدأ، وكذلك طبيعتنا.
يمكن أن يكون البحر غاضبًا ومخيفًا، وكذلك نحن.
لا يمكن أبدًا أن يشبع البحر، ولا يمكن للإنسان الخاطئ أن يشبع.
البحر مؤذ ومدمر، وكذلك الإنسان الخاطئ.
البحر لا يطيع، وكذلك الإنسان الخاطئ.
• تذكرنا كلمات أيوب هنا بشيء رائع. على الرغم من أن معاناته الجسدية كانت شديدة وطويلة، كما كتب جون تراب (John Trapp)، “كانت أكبر مشاكله داخلية.” كانت أزمة أيوب الروحية أعمق من أزمته الجسدية أو المادية.
٢. تُرِيعُنِي بِالأَحْلاَمِ: حُرم أيوب حتى من النوم والراحة. فعندما كان يستلقي للنوم (على فِراشِهِ أو مَضْجَعِهِ)، يكون منزعجًا من كَوابِيسِ الأحْلامِ وَالرُّؤى المرعبة.
• “كان بحاجة إلى النوم، لكنه كان يخاف من إغلاق عينيه بسبب الصور المرعبة التي يعرضها عليه خياله. هل يمكن أن تكون هناك حالة أكثر بؤسًا من هذه؟” كلارك (Clarke)
٣. فَاخْتَارَتْ نَفْسِي الْخَنِقَ… قَدْ ذُبْتُ (كَرِهْتُ الحَيَاةَ): حالة أيوب بائسة لدرجة أنه في هذه المرحلة، تفضل نَفْسُهُ حرية الموت.
• كان أيوب بائسًا لدرجة أنه قال لله، ’كُفَّ عَنّي.‘ “في هذه اللحظة يبدو لأيوب أن الله هو المُعذِّب. لكن القارئ يعرف أن الله كان يستخدم وسائل ثانوية وأن تصور أيوب عن الله كمُعذِّب غير صحيح.” سميك (Smick)
ب) الآيات (١٧-٢١): أيوب يناشد الله: أَأَخْطَأْتُ؟
١٧مَا هُوَ الإِنْسَانُ حَتَّى تَعْتَبِرَهُ، وَحَتَّى تَضَعَ عَلَيْهِ قَلْبَكَ؟ ١٨وَتَتَعَهَّدَهُ كُلَّ صَبَاحٍ، وَكُلَّ لَحْظَةٍ تَمْتَحِنُهُ؟ ١٩حَتَّى مَتَى لاَ تَلْتَفِتُ عَنِّي وَلاَ تُرْخِينِي رَيْثَمَا أَبْلَعُ رِيقِي؟ ٢٠أَأَخْطَأْتُ؟ مَاذَا أَفْعَلُ لَكَ يَا رَقِيبَ النَّاسِ؟ لِمَاذَا جَعَلْتَنِي عَاثُورًا لِنَفْسِكَ حَتَّى أَكُونَ عَلَى نَفْسِي حِمْلاً؟ ٢١وَلِمَاذَا لاَ تَغْفِرُ ذَنْبِي، وَلاَ تُزِيلُ إِثْمِي؟ لأَنِّي الآنَ أَضْطَجِعُ فِي التُّرَابِ، تَطْلُبُنِي فَلاَ أَكُونُ».
١. مَا هُوَ الإِنْسَانُ حَتَّى تَعْتَبِرَهُ… وَكُلَّ لَحْظَةٍ تَمْتَحِنُهُ؟: شعر أيوب في هذه اللحظة أن اهتمام الله غير مرحب به. فإذا كانت كل بليته من يد الله، تساءل أيوب لماذا لا يستطيع الله ببساطة أن يتركه وشأنه.
• “إن لغة الآية ١٧ تشبه إلى حد كبير لغة مزمور ٨ وهذا ليس بالصدفة. ينقسم العلماء حول أيهما جاء أولًا” أندرسن (Andersen). يبدو من الأفضل أن نقول إن الأقوال من أيوب جاءت أولًا، وأن داود في مزمور ٨ أعاد صياغة موضوع أيوب المؤلم إلى موضوع مليء بالتسبيح.
• سأل أيوب: “مَا هُوَ الإِنْسَانُ؟” لكنه لم ينتظر الإجابة. “الإنسان أعظم بكثير مما نظن، وإلا ما كان الله يأخذ مثل هذا الوقت والألم معه. عندما يقضي الجواهري سنوات على ماسة واحدة، يبدأ المتفحص الأكثر إهمالًا في تقدير قيمتها الحقيقية بشكل صحيح.” ماير (Meyer)
• رَيْثَمَا أَبْلَعُ رِيقِي: “مصطلح عربي، لوهلة. تمامًا كما نقول: “في طرفة عين” للتعبير عن نفس الفكرة” بولينجر (Bullinger). تساءل أيوب لماذا لم يستطع الله أن ينظر بعيدًا عنه ولو للحظة.
٢. مَاذَا أَفْعَلُ لَكَ يَا رَقِيبَ النَّاسِ؟: “أرجوك يا رب، اتركني وشأني فحسب. أي ذنب ارتكبته ضدك؟” لم يفهم أيوب لماذا استَهْدَفْه الله (لِمَاذَا جَعَلْتَنِي عَاثُورًا لِنَفْسِكَ)؛ وإن كانت معاناته هي فعلًا بسبب خطية ارتكبها، سأل الله: وَلِمَاذَا لاَ تَغْفِرُ ذَنْبِي، وَلاَ تُزِيلُ إِثْمِي؟
• كان أيوب صادقًا جدًا مع الله في مقاطع مثل أيوب ٧: ٢٠ لدرجة أنه يبدو أن الكتبة اليهود قد غيروها ولم يكونوا مرتاحين لصدقه وجرأته مع الله. ووفقًا لسميك (Smick): “يظهر كل من التقليد الكتابي القديم والترجمة السبعينية أن الكلمات الأصلية كانت كالتالي: هل أصبحت عبئًا عليك؟ تستخدم معظم الترجمات، من بعد المخطوطات العبرية المتأخرة، الكلمات: حَتَّى أَكُونَ عَلَى نَفْسِي حِمْلاً؟ ومع ذلك، يُظهر النص الأصلي مدى عمق حزن أيوب، وشعوره بأنه عبء على إله غير محب وغير مهتم.
• تساءل أيوب لماذا تضايق الله منه. “كان معناها البسيط هو أن الله عظيم لدرجة أنه، حتى لو أخطأ الإنسان، فلا يمكن أن يؤثر عليه. الجواب هو أن هذا الكلام لا يعكس حقيقة الله: الحقيقة هي أن الله عظيم جدًا لدرجة أنه يتأثر ويُجرح ويُسلب من الخطية البشرية. كان أيوب، مثل أصدقائه، تحده فلسفة ضيقة للغاية.” مورغان (Morgan)
• مرة أخرى، نستفيد من معرفة القصة من وراء القصة، والتي لا يعرفها أيوب وأصدقاؤه في هذه المرحلة من السرد. اعتقد أيوب أن الله كان ضده وكان يعاقبه، لكن هذا لم يكن صحيحًا. “لم يكن أيوب يُعاقب. بل كان يتم تكريمه. كان الله يعطيه اسمًا كما لعظماء الأرض. كان الرب يرفعه ويُرقيه ويضعه في الصف الأمامي، ويصنع منه قديسًا عظيمًا، ليكون أحد الآباء وأحد النماذج في كنيسة الله القديمة. لقد كان يفعل لأيوب أمور رائعة حقًا لدرجة أننا، وعند النظر إلى تاريخه كله، قد نقول: ’سأكون راضيًا تمامًا أن أعاني كأيوب إذا كنت سأحظى أيضًا بالنعمة والبركة والمكانة التي حصل عليها أيوب في كنيسة الله.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. لأَنِّي الآنَ أَضْطَجِعُ فِي التُّرَابِ، تَطْلُبُنِي فَلاَ أَكُونُ: تمنى أيوب أن يتمكن من الهروب من الحياة ومن الله بالذهاب إلى التُّرَاب (قبره). هذا واحد من مقاطع أيوب المتشائمة بشكل واضح حول الحياة الآخرة.
• “كل ما عرفه أيوب عن الله لا يزال يؤمن به. لكن طرق الله التي لا يمكن تفسيرها جعلته في حيرة من أمره إلى حد الانهيار. كان أيوب على حق. لكنه لا يعرف أن الله يراقب بشفقة صامتة وإعجاب حتى يتم الاختبار بالكامل وحتى يحين الوقت لإعلان مصادقته علنًا (أيوب ٤٢: ٨).” أندرسن (Andersen)
• “نحب أن نتكلم عن وجود الإيمان ’كي نُشفى،” ولكن ماذا عن وجود الإيمان ’كي نمرض؟‘” ماسون (Mason)