تفسير سفر اللاويين 10
سلوك الكهنة
أولًا. ناداب وأبيهو
أ ) الآية (1): خطية ابنَي هارون.
1وَأَخَذَ ٱبْنَا هَارُونَ: نَادَابُ وَأَبِيهُو، كُلٌّ مِنْهُمَا مِجْمَرَتَهُ وَجَعَلَا فِيهِمَا نَارًا وَوَضَعَا عَلَيْهَا بَخُورًا، وَقَرَّبَا أَمَامَ ٱلرَّبِّ نَارًا غَرِيبَةً لَمْ يَأْمُرْهُمَا بِهَا.
1. وَأَخَذَ ٱبْنَا هَارُونَ: نَادَابُ وَأَبِيهُو، كُلٌّ مِنْهُمَا مِجْمَرَتَهُ وَجَعَلَا فِيهِمَا نَارًا: في أعقاب خبرة التكريس التي اشترك ناداب وأبيهو فيها، حاول ابنا هارون هذان أن يتواصلا مع الله بطريقتهم الخاصة، بعيدًا عن الطقوس المحددة التي أعلنها الله لموسى.
· لا ندري طبيعة دوافعهما. ربما وجدا أن تكرار الذبائح على مدى الأيام السبعة (8: 35) مملًّا، فأرادا شيئًا جديدًا مثيرًا لكسْر ما عدّوه رتابة. ومهما كانت دوافعهما، لم تكن مقدسة.
· نحن لا نعرف ما كان دافعهم. ربما كان الكبرياء، ربما كان الطموح، ربما الغيرة، ربما نفاد الصبر هو الذي دفعهم. ربما وجدوا أن تكرار التضحيات لمدة سبعة أيام (8: 35) مملًا وأرادوا إثارة جديدة لكسر ما اعتبروه مللًا. مهما كانت دوافعهم بالضبط، لم تكن قداسة للرب.
· كانت لدى ناداب وأبيهو تَرِكَة أو إرث من الخبرات الروحية العظيمة.
ü رأَيا بأمّ أعينهما كل المعجزات التي أجراها الله لإخراج الأمة من مصر
ü سمعا صوت الله، ورأَيا مشهد النار والبرق والدخان. وقد أحسّا بالرعد والزلزال مع بقية الأمة في جبل سيناء.
ü صعِدا مع موسى وهارون والشيوخ السبعين للقاء خاص مع الله على جبل سيناء (خروج 24: 1-2)، حيث رأَيا إله إسرائيل… وأكلا وشربا (خروج 24: 9-11).
· يبيّن هذا أنه حتى تَرِكَة أو إرث من الخبرات الروحية العظيمة لا يمكن أن تبقينا على علاقة سليمة بالله. فما يُبقينا على علاقة سليمة به هو الارتكاز على حق كلمة الله.
2. لَمْ يَأْمُرْهُمَا بِهَا: جاءا بطريقة غير مصرّح بها. جاءا إلى الله مطالبين بأن يأتيا وفق خياراتهما. ولهذا عدّ الله ما فعلاه نارًا دنسة (غريبة) أمام الرب.
· كان هذا إساءة استخدام لبخور خاص. كان هذا البخور يُعَد مقدَّسًا للرب (خروج 30: 35-37). ولم يكن ليستخدم في خبرة شخص مع الله.
· لم تكن هذه النار الدنسة أو الغريبة من مذبح المحرقة. ولم ترتبط بالعمل الكفاري الفدائي للذبيحة. فكان سهلًا أن يعتقدا أن “النار هي نار ما دامت تشتعل. فلا بأس بها.” وفي حالة ناداب وأبيهو، كان هذا خطأ مميتًا بشكل حرفي.
· كانت النار في مذبح المحرقة مقدسة لأنها أُضرِمت من الله نفسه (لاويين 9: 24). لكن ناداب وأبيهو قدّما نارًا من صُنعهما. فربما اعتقدا أن كل نار هي واحدة. وربما كان يمكن لأي شخص يفتقر إلى التمييز أن يوافقهما على هذا. لكن ليست كل نار هي نفسها. إذ هنالك فرق بين النار التي يضرمها الله وتلك التي يستحضرها إنسان.
· “غالبًا ما تشتعل مباخرنا بنار غريبة. فهنالك قدر كبير مما يُزعم أنه عبادة مسيحية تتوهج بإرادة الذات وحماسة منحازة. فعندما نسعى إلى عبادة الله من أجل ما يمكن الحصول عليه، وعندما نندفع إلى محضره برغبات حارة متحمسة غير خاضعة لإرادته، فإننا نضرم نارًا غريبة لم يأمر بها الله.” ماكلارين (Maclaren)
· لا ينبغي أن ننسى أن إبليس نفسه يستطيع أن يخدع الناس بالنار. ففي الضيقة العظيمة، سيكون ضد المسيح وشريكه قادرين على إرسال نار من السماء على الأرض على مرأى من الناس (رؤيا 13: 13)، وسيستخدمان هذه النار في خداع الأشخاص غير المميِّزِين.
3. أَمامَ الرَّبِ: ربما أحسّا بأنهما يستطيعان التجاسر على تخطي الحجاب ودخول قدس الأقداس، حيث تابوت العهد. ولعلهما أحسّا بأنهما أنجزا أشياء كثيرة جدًّا وقت تكريسهما فصارا مستحقين للدخول إليه.
· في لاويين 16: 1-2، تُذكر خطية ناداب وأبيهو مرة أخرى مع دخول رئيس الكهنة قدس الأقداس في يوم الكفارة. ويضيف هذا إلى فكرة أن إحدى خطاياهما كانت تخطّي القدس إلى قدس الأقداس، وهو أمر غير مسموح لهما بفعله.
ب) الآية (2): دينونة الله على ناداب وأبيهو.
2فَخَرَجَتْ نَارٌ مِنْ عِنْدِ ٱلرَّبِّ وَأَكَلَتْهُمَا، فَمَاتَا أَمَامَ ٱلرَّبِّ.
1. فَخَرَجَتْ نَارٌ مِنْ عِنْدِ ٱلرَّبِّ: أظهرت نفس النار التي بيّنت مجد الله في لاويين 9: 24 الآن دينونته على هذين الكاهنين الخائنين.
· “يَرِد تعبير ’نار من الرب‘ 12 مرة في العهد القديم، ست مرات بطريقة مفيدة [لاويين 9: 24؛ قضاة 6: 24؛ قضاة 13: 20؛ 1 أخبار 21: 26؛ 2 أخبار 7: 2؛ 1 ملوك 18: 38]، وست مرات في دينونة [لاويين 10: 1؛ عدد 11: 1؛ عدد 16: 35؛ أيوب 1: 16؛ 2 ملوك 1: 10،
12].” روكر (Rooker)
2. وَأَكَلَتْهُمَا: كانت نار لاويين 9: 24 نار مجد، بينما كانت هذه نار دينونة. لكنها من نواحٍ كثيرة نفس النار. ففي لاويين 9: 24، أرسل الله نارًا تقول: ’أنا أقبل ذبيحتك وأستحسن نظامك الكهنوتي.‘ وجاءت هذه النار من الرب وأكلتهما قائلة: “لن أقبل محاولتكما الجسدانية المتمحورة حول الإنسان في تقليد ناري. ولهذا سأرسل دينونة.”
· النار صورة لدينونة فاحصة وتطهير. إذ ستُمتحن أعمالنا من أجل يسوع بالنار (1 كورنثوس 3: 13-15). وتصور عينا يسوع مثل ألسنة النار (رؤيا 1: 14). فلديه عينان فاحصتان مميزتان للحُكم.
· “كان سطح الخطية بذاءة احتفالية، وقلبها استهزاء بالرب وشريعته. فكان خيرًا أن يموت هذان الرجلان ولا تهلك الأمة كلها. إذ كان من الممكن أن تموت لو اقتدت بما فعلاه. إنها لرحمة أن تدوس على الشرارات الأولى بجانب برميل من البارود.” ماكلارين (Maclaren)
· يصرخ كثيرون إلى الله، ’أرسل نارًا بيننا،‘ بينما لا يفكرون إلا في نار لاويين 9: 24 من دون أن يضعوا في اعتبارهم أن النار نفسها موجودة للتنقية والتطهير في لاويين 10: 2. والحقيقة المعلومة أن كثيرين يتوسلون إلى الله ألّا يرسل ناره لئلا تُعْرَف نقاوة دينونته بيننا. فالله يقرأ قلوبنا، وليس صلواتنا التقية لإرسال نار انتعاش فقط.
· كلمة ’أكلت‘ في لاويين 10: 2 هي نفس الكلمة العبرية المستخدمة في لاويين 9: 24 المترجمة إلى ’أحرقت،‘ وهي تعني ’التهمت.‘ فنفس النار التي التهمت الذبيحة في استحسان وقبول هي نفس النار التي التهمت ناداب وأبيهو في دينونة.
· أكلتهما (التهمتهما): “قضت النار على حياتهما. لم يُلتهم جسداهما أو ثيابهما كما يظهر من لاويين 10: 4-5. ويقال أيضًا إن السيف يلتهم، كما في 2 صموئيل 2: 26. ويقتل البرق مرات كثيرة أشخاصًا من دون أن يؤذي أجسادهم أو ثيابهم.” بوله (Poole)
3. فَماتَا أَمَامَ الرَّبِّ: ربما طُرحا أرضًا في خيمة الاجتماع نفسها.
ج) الآية (3): تحذير الله لموسى وهارون.
3فَقَالَ مُوسَى لِهَارُونَ: «هَذَا مَا تَكَلَّمَ بِهِ ٱلرَّبُّ قَائِلًا: فِي ٱلْقَرِيبِينَ مِنِّي أَتَقَدَّسُ، وَأَمَامَ جَمِيعِ ٱلشَّعْبِ أَتَمَجَّدُ». فَصَمَتَ هَارُونُ.
1. فِي ٱلْقَرِيبِينَ مِنِّي أَتَقَدَّسُ: يعتقد كثيرون أنهم يستطيعون أن يمضوا في طريقهم الخاص أمام الرب ويفعلوا ما يريدون في حضرته. لكن الله يطالب الذين يقتربون إليه بأن يضعوا في اعتبارهم أنه قدوس (أتقدس).
· إياك أن تغفل عن هذه الحقيقة: نستطيع أن نأتي إلى الله كما نحن، لكن لا يمكننا أن نأتي إليه بأية طريقة تحلو لنا. إذ يتوجب أن نأتي إليه حسب الطريقة التي دبّرها لنا في يسوع المسيح.
ü تعني ’أتقدس‘ أن الله سيُظهر قداسته.
ü تعني ’أتقدس‘ أنه يتوجب على خدامه أن يُكرموه بطريقة لائقة يإله قدوس.
· “سيتقدس الله إما في صدق أحاديث الأشخاص وإما في دينونتهم القاسية.” تراب (Trapp)
2. وَأَمَامَ جَمِيعِ ٱلشَّعْبِ أَتَمَجَّدُ: يذكّرنا هذا بأنه يتوجب تمجيد الله في اجتماعات شعبه. فلا يتوجب أن ينصب التركيز على الإنسان، أو على ذكائه، أو على بصيرته، أو على براعته. ولن يكافأ الذين لا يمجدون الله.
· وَأَمَامَ جَمِيعِ ٱلشَّعْبِ أَتَمَجَّدُ: يعني هذا أن الله سيحرس ويعلن مجده.
· وَأَمَامَ جَمِيعِ ٱلشَّعْبِ أَتَمَجَّدُ: يعني أنه يتوجب على خدامه أن يهتموا بمجده، لا بمجدهم الخاص، أو بسعيهم إلى الإثارة، أو الفضول.
3. فَصَمَتَ هَارُوْنُ: رأى هارون اثنين من أبنائه يُطرحان ميتين أمام الرب. فكان طبيعيًا له أن يسأل أو حتى أن يندب. لكن الله لم يسمح له بذلك. ففي تلك اللحظة، كان توقير قداسة الله أكثر أهمية من حق هارون في التفجّع. فاستطاع هارون أن يفهم هذا الخطأ من منظور الله، لا من منظوره الخاص.
· كم كان هذا معبّرًا بشكل أنيق عن عاطفته الأبوية، وإحساسه العميق بتجاسر ابنيه، وخضوعه لعدالة الله!” كلارك (Clarke)
ثانيًا. ما بعد دينونة الله على ناداب وأبيهو
أ ) الآيات (4-5): إزالة الجثتين.
4فَدَعَا مُوسَى مِيشَائِيلَ وَأَلْصَافَانَ ٱبْنَيْ عُزِّيئِيلَ عَمِّ هَارُونَ، وَقَالَ لَهُمَا: «تَقَدَّمَا ٱرْفَعَا أَخَوَيْكُمَا مِنْ قُدَّامِ ٱلْقُدْسِ إِلَى خَارِجِ ٱلْمَحَلَّةِ». 5فَتَقَدَّمَا وَرَفَعَاهُمَا فِي قَمِيصَيْهِمَا إِلَى خَارِجِ ٱلْمَحَلَّةِ، كَمَا قَالَ مُوسَى.
1. مِيشَائِيلَ وَأَلْصَافَانَ ٱبْنَيْ عُزِّيئِيلَ عَمِّ هَارُونَ: كان الرجلان المختاران لإخراج جثتي ناداب وأبيهو من أقرباء هارون وابنيه، لكنهما لم يكونا من السلالة الكهنوتية.
2. فَتَقَدَّمَا وَرَفَعَاهُمَا فِي قَمِيصَيْهِمَا إِلَى خَارِجِ ٱلْمَحَلَّةِ: لم يكن موسى ليرسل كاهنًا مقدَّسًا (هارون أو أحد أبنائه الآخرين) لحمل الجثتين خارج ساحات خيمة الاجتماع للدفن. فكان لا بد من أن يتم عمل الدفن من قِبَل هذين القريبين.
ب) الآيات (6-7): الحداد ممنوع.
6وَقَالَ مُوسَى لِهَارُونَ وَأَلِعَازَارَ وَإِيثَامَارَ ٱبْنَيْهِ: «لَا تَكْشِفُوا رُؤُوسَكُمْ وَلَا تَشُقُّوا ثِيَابَكُمْ لِئَلَّا تَمُوتُوا، وَيُسْخَطَ عَلَى كُلِّ ٱلْجَمَاعَةِ. وَأَمَّا إِخْوَتُكُمْ كُلُّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ فَيَبْكُونَ عَلَى ٱلْحَرِيقِ ٱلَّذِي أَحْرَقَهُ ٱلرَّبُّ. 7وَمِنْ بَابِ خَيْمَةِ ٱلِٱجْتِمَاعِ لَا تَخْرُجُوا لِئَلَّا تَمُوتُوا، لِأَنَّ دُهْنَ مَسْحَةِ ٱلرَّبِّ عَلَيْكُمْ». فَفَعَلُوا حَسَبَ كَلَامِ مُوسَى.
1. لَا تَكْشِفُوا رُؤُوسَكُمْ وَلَا تَشُقُّوا ثِيَابَكُمْ لِئَلَّا تَمُوتُوا: لعلّ هذا كان أصعب يوم في حياة هارون. إذ قُتل اثنان من أبنائه فجأة تحت دينونة الله، ولم يستطع أن ينوح عليهما. فربما عنى الحداد أو النواح – حتى في أخف صورة – أن الله أخطأ في جلب دينونته على ناداب وأبيهو. ولم يكن بوسع هارون وموسى إيصال هذه الفكرة. إذ سيكون هذا إهانة للرب.
· “لأن الكهنة كانوا وسطاء بين الله وشعبه. فكانوا مطالبين أكثر من كل الآخرين أن يتجنبوا الاتصال بالموت. وشمل هذا كُلًّا من الاتصال بالجثث وبعملية إجراءات الحداد.” بيتر كونتيس (Peter-Contesse)
2. وَمِنْ بَابِ خَيْمَةِ ٱلِٱجْتِمَاعِ لَا تَخْرُجُوا لِئَلَّا تَمُوتُوا: لعلّ هارون فكّر في نفسه: ’لقد فعلتُ أسوأ من هذا في حادثة العجل الذهبي. فلماذا دانهما الله‘ لكن هارون فعل هذا قبل تكريسه ككاهن. وبعد تكريسه، كانت لديه ولبنيه مسؤولية أعظم (لِأَنَّ دُهْنَ مَسْحَةِ ٱلرَّبِّ عَلَيْكُمْ).
ج) الآيات (8-11): تحريم السُّكْر.
8وَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ هَارُونَ قَائِلًا: “خَمْرًا وَمُسْكِرًا لَا تَشْرَبْ أَنْتَ وَبَنُوكَ مَعَكَ عِنْدَ دُخُولِكُمْ إِلَى خَيْمَةِ ٱلِٱجْتِمَاعِ لِكَيْ لَا تَمُوتُوا. فَرْضًا دَهْرِيًّا فِي أَجْيَالِكُمْ وَلِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ ٱلْمُقَدَّسِ وَٱلْمُحَلَّلِ وَبَيْنَ ٱلنَّجِسِ وَٱلطَّاهِرِ، وَلِتَعْلِيمِ بَنِي إِسْرَائِيلَ جَمِيعَ ٱلْفَرَائِضِ ٱلَّتِي كَلَّمَهُمُ ٱلرَّبُّ بِهَا بِيَدِ مُوسَى.”
1. خَمْرًا وَمُسْكِرًا لَا تَشْرَبْ أَنْتَ وَبَنُوكَ مَعَكَ عِنْدَ دُخُولِكُمْ إِلَى خَيْمَةِ ٱلِٱجْتِمَاعِ لِكَيْ لَا تَمُوتُوا: جاءت هذه الوصية لكهنة إسرائيل فور دينونة ناداب وأبيهو، ما يدفعنا إلى الاعتقاد أنهما كانا مخمورين عندما قدّما بحمق نارهما الدنسة أمام الرب.
· “وبالفعل، فإن الفطرة السليمة تبيّن أنه لا ينبغي للسكران أو المدمن على الكحول أن يخدم في الأمور المقدسة.” كلارك (Clarke)
· هنالك من يعتقد أن الله لم يحرم استخدام الكحول بين الكهنة في كل الحالات إلا عندما يؤدّون وظائفهم الكهنوتية. وفي ما يتعلق بهذا المبدأ، إنه لغز كبير كيف أن بعض الكنائس الحديثة تجعل تقديم الكحول جزءًا من اجتماعاتها الكنسية.
· “لا شيء يمتلك قوة أكبر على طمس حدة البصيرة الأخلاقية والدينية من كمية صغيرة من الكحول. ويتوجب أن يُعبَد الله بدماغ صافٍ، وبقلب يدق بشكل طبيعي. لكن الشفاه الملطخة بكأس النبيذ لا تصلح لأن تنطق بكلمات مقدسة. فكلمات كهذه لا تحمل أية قوة.” ماكلارين (Maclaren)
· وإنه لأمر ذو دلالة أن هذه كلمات موجهة من الرب إلى هارون. “تبدأ هذه الفقرة الجديدة بالتعبير عن صيغ شائعة عن وحي الرب في لاويين. وفي هذه المرة، فإن المتلقّي هنا هو هارون، لا موسى. وفي واقع الأمر، فإن هذه هي أول مرة في سفر اللاويين يتحدث فيها الله إلى هارون مباشرة.” روكر (Rooker)
2. وَلِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ ٱلْمُقَدَّسِ وَٱلْمُحَلَّلِ وَبَيْنَ ٱلنَّجِسِ وَٱلطَّاهِرِ: هذه هي أولى المسؤوليتين في الآية 11. إذ كان على الكاهن أن يميز ويشرح ما هو مقدس وما هو غير مقدس، وبين ما هو طاهر وما هو غير طاهر. كان عليه أن يعرفه بنفسه ويشرحه للشعب.
· احتاج الكاهن إلى كل قدراته للتفكير والتمييز بين الخير والشر. فلم يُرِد الله أن تضبّب الخمر قلوب خدامه وعقولهم عند شروعهم في خدمتهم له. وبما أن الكحول مادة تقلّص من فاعلية النشاط العصبي، فإنها تنتزع القدرة على إعطاء الذات بشكل كامل لله.
3. وَلِتَعْلِيمِ بَنِي إِسْرَائِيلَ جَمِيعَ ٱلْفَرَائِضِ ٱلَّتِي كَلَّمَهُمُ ٱلرَّبُّ بِهَا بِيَدِ مُوسَى: تعلّقت المسؤولية الثانية في الآية 11 بتعليم بني إسرائيل. كان عليهم أن يعلّموا كلمة الله كما أعلنها موسى (جَمِيعَ ٱلْفَرَائِضِ ٱلَّتِي كَلَّمَهُمُ ٱلرَّبُّ). ومع مرور الوقت، سيشمل هذا كل ما تكلم به الرب من خلال الأنبياء والرسل المعينين الإضافيين.
· غالبًا ما يتم التغاضي عن هذه المسؤولية المتعلقة بتعليم الكهنة. فنحن نميل إلى النظر إليهم بصفتهم أشخاصًا قدّموا ذبائح. وبطبيعة الحال، فإنهم فعلوا ذلك. لكنهم دُعُوا أيضًا إلى أن يكونوا معلّمين نشطين للكتاب المقدس. ونحن نرى ’الكاهن المعلم‘ في نصوص كثيرة من العهد القديم.
ü تثنية 33: 10 يُعَلِّمُونَ يَعْقُوبَ أَحْكَامَكَ، وَإِسْرَائِيلَ نَامُوسَكَ. يَضَعُونَ بَخُورًا فِي أَنْفِكَ، وَمُحْرَقَاتٍ عَلَى مَذْبَحِكَ.
ü 2 أخبار 17: 7 وَفِي ٱلسَّنَةِ ٱلثَّالِثَةِ لِمُلْكِهِ أَرْسَلَ إِلَى رُؤَسَائِهِ، إِلَى بِنْحَائِلَ وَعُوبَدْيَا وَزَكَرِيَّا وَنَثَنْئِيلَ وَمِيخَايَا أَنْ يُعَلِّمُوا فِي مُدُنِ يَهُوذَا.
ü 2 أخبار 15: 3 وَلِإِسْرَائِيلَ أَيَّامٌ كَثِيرَةٌ بِلَا إِلَهٍ حَقٍّ وَبِلَا كَاهِنٍ مُعَلِّمٍ وَبِلَا شَرِيعَةٍ.
ü نحميا 8: 7 وَيَشُوعُ وَبَانِي وَشَرَبْيَا وَيَامِينُ وَعَقُّوبُ وَشَبْتَايُ وَهُودِيَّا وَمَعْسِيَا وَقَلِيطَا وَعَزَرْيَا وَيُوزَابَادُ وَحَنَانُ وَفَلَايَا وَٱللَّاوِيُّونَ أَفْهَمُوا ٱلشَّعْبَ ٱلشَّرِيعَةَ، وَٱلشَّعْبُ فِي أَمَاكِنِهِمْ.
ü ميخا 3: 11 رُؤَسَاؤُهَا يَقْضُونَ بِٱلرَّشْوَةِ، وَكَهَنَتُهَا يُعَلِّمُونَ بِٱلْأُجْرَةِ، وَأَنْبِيَاؤُهَا يَعْرِفُونَ بِٱلْفِضَّةِ، وَهُمْ يَتَوَكَّلُونَ عَلَى ٱلرَّبِّ قَائِلِينَ: «أَلَيْسَ ٱلرَّبُّ فِي وَسَطِنَا؟ لَا يَأْتِي عَلَيْنَا شَرٌّ!
ü حزقيال 7: 26 سَتَأْتِي مُصِيبَةٌ عَلَى مُصِيبَةٍ، وَيَكُونُ خَبَرٌ عَلَى خَبَرٍ، فَيَطْلُبُونَ رُؤْيَا مِنَ ٱلنَّبِيِّ، وَٱلشَّرِيعَةُ تُبَادُ عَنِ ٱلْكَاهِنِ، وَٱلْمَشُورَةُ عَنِ ٱلشُّيُوخِ.
ü ملاخي 2: 7 لِأَنَّ شَفَتَيِ ٱلْكَاهِنِ تَحْفَظَانِ مَعْرِفَةً، وَمِنْ فَمِهِ يَطْلُبُونَ ٱلشَّرِيعَةَ، لِأَنَّهُ رَسُولُ رَبِّ ٱلْجُنُودِ.
ü عزرا 7: 25 أَمَّا أَنْتَ يَا عَزْرَا، فَحَسَبَ حِكْمَةِ إِلَهِكَ ٱلَّتِي بِيَدِكَ ضَعْ حُكَّامًا وَقُضَاةً يَقْضُونَ لِجَمِيعِ ٱلشَّعْبِ ٱلَّذِي فِي عَبْرِ ٱلنَّهْرِ مِنْ جَمِيعِ مَنْ يَعْرِفُ شَرَائِعَ إِلَهِكَ. وَٱلَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ فَعَلِّمُوهُمْ.
ü هوشع 4: 6 قَدْ هَلَكَ شَعْبِي مِنْ عَدَمِ ٱلْمَعْرِفَةِ. لِأَنَّكَ أَنْتَ رَفَضْتَ ٱلْمَعْرِفَةَ أَرْفُضُكَ أَنَا حَتَّى لَا تَكْهَنَ لِي. وَلِأَنَّكَ نَسِيتَ شَرِيعَةَ إِلَهِكَ أَنْسَى أَنَا أَيْضًا بَنِيكَ.
ü إرميا 18: 18 فَقَالُوا: “هَلُمَّ فَنُفَكِّرُ عَلَى إِرْمِيَا أَفْكَارًا، لِأَنَّ ٱلشَّرِيعَةَ لَا تَبِيدُ عَنِ ٱلْكَاهِنِ، وَلَا ٱلْمَشُورَةَ عَنِ ٱلْحَكِيمِ، وَلَا ٱلْكَلِمَةَ عَنِ ٱلنَّبِيِّ. هَلُمَّ فَنَضْرِبُهُ بِٱللِّسَانِ وَلِكُلِّ كَلَامِهِ لَا نُصْغِي.”
· وترتبط بهذه وظيفة لاحقة، وهي انخراط الكهنة في نسخ المخطوطات الكتابية، حيث إن معظم الكتبة كانوا كهنة أيضًا.” روكر (Rooker)
د ) الآيات (12- 15): تحديد حصص الكهنة.
12وَقَالَ مُوسَى لِهَارُونَ وَأَلِعَازَارَ وَإِيثَامَارَ ٱبْنَيْهِ ٱلْبَاقِيَيْنِ: «خُذُوا ٱلتَّقْدِمَةَ ٱلْبَاقِيَةَ مِنْ وَقَائِدِ ٱلرَّبِّ وَكُلُوهَا فَطِيرًا بِجَانِبِ ٱلْمَذْبَحِ لِأَنَّهَا قُدْسُ أَقْدَاسٍ. 13كُلُوهَا فِي مَكَانٍ مُقَدَّسٍ لِأَنَّهَا فَرِيضَتُكَ وَفَرِيضَةُ بَنِيكَ مِنْ وَقَائِدِ ٱلرَّبِّ، فَإِنَّنِي هَكَذَا أُمِرْتُ. 14وَأَمَّا صَدْرُ ٱلتَّرْدِيدِ وَسَاقُ ٱلرَّفِيعَةِ فَتَأْكُلُونَهُمَا فِي مَكَانٍ طَاهِرٍ أَنْتَ وَبَنُوكَ وَبَنَاتُكَ مَعَكَ، لِأَنَّهُمَا جُعِلَا فَرِيضَتَكَ وَفَرِيضَةَ بَنِيكَ مِنْ ذَبَائِحِ سَلَامَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. 15سَاقُ ٱلرَّفِيعَةِ وَصَدْرُ ٱلتَّرْدِيدِ يَأْتُونَ بِهِمَا مَعَ وَقَائِدِ ٱلشَّحْمِ لِيُرَدَّدَا تَرْدِيدًا أَمَامَ ٱلرَّبِّ، فَيَكُونَانِ لَكَ وَلِبَنِيكَ مَعَكَ فَرِيضَةً دَهْرِيَّةً، كَمَا أَمَرَ ٱلرَّبُّ.
1. خُذُوا ٱلتَّقْدِمَةَ ٱلْبَاقِيَةَ مِنْ وَقَائِدِ ٱلرَّبِّ وَكُلُوهَا فَطِيرًا بِجَانِبِ ٱلْمَذْبَحِ: يخص ما يتبقى من قربان الدقيق الكهنة. لكن لم يكن مسموحًا لهم بأكله في بيوتهم. إذ كان عليهم أن يأكلوه بجانب المذبح.
2. وَأَمَّا صَدْرُ ٱلتَّرْدِيدِ وَسَاقُ ٱلرَّفِيعَةِ فَتَأْكُلُونَهُمَا فِي مَكَانٍ طَاهِرٍ: كانت هذه الحصص من القربان من نصيب الكاهن وأهل بيته. ويمكن أن تؤكل في أي مكان طاهر.
هـ) الآيات (16-20): ارتباك حول ما ينبغي أن يأكله الكهنة.
16وَأَمَّا تَيْسُ ٱلْخَطِيَّةِ فَإِنَّ مُوسَى طَلَبَهُ فَإِذَا هُوَ قَدِ ٱحْتَرَقَ. فَسَخِطَ عَلَى أَلِعَازَارَ وَإِيثَامَارَ، ٱبْنَيْ هَارُونَ ٱلْبَاقِيَيْنِ، وَقَالَ: 17«مَا لَكُمَا لَمْ تَأْكُلَا ذَبِيحَةَ ٱلْخَطِيَّةِ فِي ٱلْمَكَانِ ٱلْمُقَدَّسِ؟ لِأَنَّهَا قُدْسُ أَقْدَاسٍ، وَقَدْ أَعْطَاكُمَا إِيَّاهَا لِتَحْمِلَا إِثْمَ ٱلْجَمَاعَةِ تَكْفِيرًا عَنْهُمْ أَمَامَ ٱلرَّبِّ. 18إِنَّهُ لَمْ يُؤْتَ بِدَمِهَا إِلَى ٱلْقُدْسِ دَاخِلًا. أَكْلًا تَأْكُلَانِهَا فِي ٱلْقُدْسِ كَمَا أَمَرْتُ». 19فَقَالَ هَارُونُ لِمُوسَى: «إِنَّهُمَا ٱلْيَوْمَ قَدْ قَرَّبَا ذَبِيحَةَ خَطِيَّتِهِمَا وَمُحْرَقَتَهُمَا أَمَامَ ٱلرَّبِّ، وَقَدْ أَصَابَنِي مِثْلُ هَذِهِ. فَلَوْ أَكَلْتُ ذَبِيحَةَ ٱلْخَطِيَّةِ ٱلْيَوْمَ، هَلْ كَانَ يَحْسُنُ فِي عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ؟». 20فَلَمَّا سَمِعَ مُوسَى حَسُنَ فِي عَيْنَيْهِ.
1. وَأَمَّا تَيْسُ ٱلْخَطِيَّةِ فَإِنَّ مُوسَى طَلَبَهُ (تفحّصه) فَإِذَا هُوَ قَدِ ٱحْتَرَقَ: أراد موسى أن يعرف لماذا لم يأكل ألعازار وإيثامار حصص الذبيحة للكهنة. وبما أن هارون أجاب عنهما في لاويين 10: 19، يبدو أنهما لم يأكلا لأنهما تبعا مثال أبيهما.
· على ما يبدو، بعد موت ناداب وأبيهو، لم يُستهلك الطعام الموجود على المذبح.” روكر (Rooker)
· غالبًا ما نجد أن من السهل حرق قربان الخطية. ويصعب علينا أن نأكله. والاحتراق الشديد على الخطية بأسلوب ينمّ عن الحُكم والإدانة أمر سهل. ويعني الجلوس مع أخ كشريك خاطئ والاشتراك معه في قربان الخطية أنك لست أفضل منه. فهذا النوع من القلب هو الوحيد الذي يستطيع أن يخدم الناس.
· كان لدى يسوع مثل هذا القلب رغم أنه لم تكن فيه خطية. إذ تعاطف مع شعبه في ولادته المتواضعة، وحياته البسيطة، ومعموديته، وموته. قال موسى إن قربان الخطية أُعطي ليحمل ذنب الجماعة، وليكفّر عنهم أمام الرب. ولهذا انزعج عندما لم يأكل هارون. غير أن يسوع أكل قربان الخطية عندما وقف كخاطئ مكاننا، وتلقّى الدينونة التي نستحقها نحن.
2. وَقَدْ أَصَابَنِي مِثْلُ هَذِهِ: لم يأكل هارون من قربان الخطية، لأنه تفجّع على فقدان ابنيه. ورغم أنه لم يُسمح لهارون بالقيام بأي شيء من الأمور الأخرى المتعلقة بالحداد. إلا أنه كان أمرًا ملائمًا أن يصوم في يوم موت ابنيه – وهكذا فعل، واكتفى موسى بهذا التفسير (فَلَمَّا سَمِعَ مُوسَى حَسُنَ فِي عَيْنَيْهِ).
· حَسُنَ فِي عَيْنَيْهِ: “تقول بعض الترجمات: اقتنع أو رضي. لكن هذا هو نفس التعبير المستخدم سابقًا في نفس الآية، ’يَحْسُنُ فِي عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ.‘” بيتر كونتيس (Peter-Contesse)