سفر أيوب – الإصحاح ٢٦
رد أيوب على بِلْدَد
أولًا. أيوب يتحدى أصدقاءه
أ ) الآيات (١-٢): هل ساعدتني عمليًا أو ساعدت شخصًا آخر؟
١وَعَادَ أَيُّوبُ يَنْطِقُ بِمَثَلِهِ فَقَالَ: ٢حَيٌّ هُوَ اللهُ الَّذِي نَزَعَ حَقِّي، وَالْقَدِيرُ الَّذِي أَمَرَّ نَفْسِي.
١. فَأَجَابَ أَيُّوبُ وَقَالَ: هذا يبدأ خطابًا طويلًا لأيوب، الذي أجاب أولًا على خطاب بِلْدَد الموجز (أيوب ٢٥)، ثم أصبح خطابًا عن الحكمة والدفاع النهائي، وانتهى في أيوب ٣١.
• “الضمائر مفردة. فأيوب يُخاطب شخصًا واحدًا، يُفترض أنه بِلْدَد.” أندرسن (Andersen)
• “يبدأ بعد ذلك، في الإصحاح ٢٦، بثلاث آيات من التهكم الساخر، موجهة على ما يبدو إلى المتكلم الأخير، ولكن من الواضح أن المقصود بها كل من الثلاثة.” برادلي (Bradley)
• “لقد ضرب بِلْدَد على وتر حساس جدًا. لم يستطع أيوب كبح جماح نفسه، فوجه ردًا ساخرًا إلى المتحدث. لم يكن لديه ما يقوله سوى احتقار حكمة بِلْدَد.” سميك (Smick)
٢. كَيْفَ أَعَنْتَ مَنْ لاَ قُوَّةَ لَهُ: فكر أيوب في كل حكمة بِلْدَد وصديقيه (أَلِيفَاز وصُوفَر)، وتساءل كيف أعانته أو شجعته؟
• ففي نهاية الأمر، كل ما كان يشغل أصدقاء أيوب ليس تقديم المساعدة لأيوب بل أن يكونوا على حق.
ب) الآيات (٣-٤): هل ساعدتني أو ساعدت أي شخص آخر بحكمتك؟
٣إِنَّهُ مَا دَامَتْ نَسَمَتِي فِيَّ، وَنَفْخَةُ اللهِ فِي أَنْفِي، ٤لَنْ تَتَكَلَّمَ شَفَتَايَ إِثْمًا، وَلاَ يَلْفِظَ لِسَانِي بِغِشٍّ.
١. كَيْفَ أَشَرْتَ عَلَى مَنْ لاَ حِكْمَةَ لَهُ: جعل أيوب هذه التصريحات واسعة بما يكفي لتشمل ليس فقط نفسه، بل لتشمل أيضًا أي شخص آخر فشل بِلْدَدُ وأصدقاؤه في مساعدته.
• “قدم خطابًا أكثر حكمة وعمقًا، وأصاب الهدف: تعبير ساخر، كما كان من قبل.” بوله (Poole)
٢. لِمَنْ أَعْلَنْتَ أَقْوَالًا: تساءل أيوب عمن تضرر أيضًا بسبب عدم حساسية أصدقائه وحكمتهم المضللة.
٣. وَنَسَمَةُ مَنْ خَرَجَتْ مِنْكَ: في أول خطاب لأصدقاء أيوب (أيوب ٤)، قال أَلِيفَاز إن روحًا غامضة قد كشفت له مبادئه. فكانت رسالة هذه الروح الغامضة: أَالإِنْسَانُ أَبَرُّ مِنَ اللهِ؟ (أيوب ٤: ١٧). ثم كرر بِلْدَد نفس الفكرة لأيوب في أيوب ٢٥: ٤، بالإضافة إلى الحجج الأخرى المُعاد استخدامها في ذلك الإصحاح الموجز. لذلك أراد أيوب أن يعرف من بِلْدَد: نَسَمَةُ مَنْ خَرَجَتْ مِنْكَ، أو كما هو الحال في ترجمة النسخة الدولية الجديدة للكتاب المقدس (NIV): من الذي تكلم من فمك؟
• “مثل الأسطوانة المكسورة، فالكلمة الأولى والكلمات الأخيرة لأصدقاء أيوب هي نفسها تمامًا، وما بين كلماتهم لم يكن سوى اختلافات في هذا الموضوع نفسه.” ماسون (Mason)
ثانيًا. يسبح أيوب الله وقوته الرهيبة في الخليقة
“ولإظهار فقر حجة بِلْدَد، تكلم أيوب عن عظمة الله لإثبات أنه يعرف ذلك، وبشكل أكثر كمالًا من أصدقائه.” مورغان (Morgan)
أ ) الآيات (٥-١٣): وصف قوة الله.
٥حَاشَا لِي أَنْ أُبَرِّرَكُمْ! حَتَّى أُسْلِمَ الرُّوحَ لاَ أَعْزِلُ كَمَالِي عَنِّي. ٦تَمَسَّكْتُ بِبِرِّي وَلاَ أَرْخِيهِ. قَلْبِي لاَ يُعَيِّرُ يَوْمًا مِنْ أَيَّامِي. ٧لِيَكُنْ عَدُوِّي كَالشِّرِّيرِ، وَمُعَانِدِي كَفَاعِلِ الشَّرِّ. ٨لأَنَّهُ مَا هُوَ رَجَاءُ الْفَاجِرِ عِنْدَمَا يَقْطَعُهُ، عِنْدَمَا يَسْلِبُ اللهُ نَفْسَهُ؟ ٩أَفَيَسْمَعُ اللهُ صُرَاخَهُ إِذَا جَاءَ عَلَيْهِ ضِيقٌ؟ ١٠أَمْ يَتَلَذَّذُ بِالْقَدِيرِ؟ هَلْ يَدْعُو اللهَ فِي كُلِّ حِينٍ؟ ١١«إِنِّي أُعَلِّمُكُمْ بِيَدِ اللهِ. لاَ أَكْتُمُ مَا هُوَ عِنْدَ الْقَدِيرِ. ١٢هَا أَنْتُمْ كُلُّكُمْ قَدْ رَأَيْتُمْ، فَلِمَاذَا تَتَبَطَّلُونَ تَبَطُّلاً؟ قَائِلِينَ: ١٣هذَا نَصِيبُ الإِنْسَانِ الشِّرِّيرِ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَمِيرَاثُ الْعُتَاةِ الَّذِي يَنَالُونَهُ مِنَ الْقَدِيرِ.
١. اَلأَخْيِلَةُ تَرْتَعِدُ مِنْ تَحْتِ الْمِيَاهِ وَسُكَّانِهَا: تم تقديم العديد من الاقتراحات لتحديد هوية هؤلاء “الموتى المائيين.” يعتقد البعض أن أيوب كان يعتقد أن الْهَاوِيَةُ (Sheol) كانت هاوية مائية، وربطها بالفكرة المذكورة في ٢ صموئيل ٢٢: ٥. يعتقد آخرون أنها مجرد طريقة شعرية لوصف أولئك الذين دُفنوا في أدنى حفرة، في الأعماق (مزمور ٨٨: ٦). حتى أن البعض يعتقد أن أولئك سُكَّانِ تَحْتِ الْمِيَاهِ هم في الواقع أسماك ومخلوقات بحرية. يبدو من الأفضل اعتبار ذلك وصفًا شعريًا وغير تقني لعدم اليقين والظلام وكآبة العالم الآخِر.
• استخدم أيوب صورًا مماثلة في أيوب ١٠: ٢١-٢٢ ’أَرْضِ ظُلْمَةٍ وَظِلِّ الْمَوْتِ، أَرْضِ ظَلاَمٍ مِثْلِ دُجَى ظِلِّ الْمَوْتِ.‘
• ولكن، لا ينبغي إغفال النقطة في السياق. فكرة أيوب هي أنه لا يوجد مكان مخفيّ عن الله. كل شيء (بما في ذلك عالم الموتى وأعماق البحر) كلها عُرْيَانَةٌ قُدَّامَهُ.
• وَالْهَلاَكُ لَيْسَ لَهُ غِطَاءٌ: “هذا هو الجحيم، مكان الدمار، قصر الملك أَبَدُّون (هكذا يدعى الشيطان، رؤيا ٩ :١١)، وهكذا يسمى الجحيم هلاكًا في هذا النص، لأنه يُدفع إليه كل من مصيره الهلاك، مكان الهلاك الذي لا يسبر غوره.” تراب (Trapp)
٢. وَيُعَلِّقُ الأَرْضَ عَلَى لاَ شَيْءٍ: لقد فهم أيوب هذا بشكل ملحوظ. على عكس الأساطير القديمة التي تقول إن الأرض كانت معلقة على ظهور الفيلة أو السلاحف العملاقة، عرف أيوب أنه يُعَلِّقُ الأَرْضَ عَلَى لاَ شَيْءٍ.
• إنه يُعَلِّقُ الأَرْضَ عَلَى لاَ شَيْءٍ. ترى هنا كيف يضع الشاعر الفيلسوف يده تقريبًا على أسرار الطبيعة التي لم يتم الكشف عنها بعد. ولا عجب من أن يكون هذا المقطع قد لفت انتباه كيبلير (Kepler)، وساعده على إزالة بعض الغموض.” برادلي (Bradley)
• “إن عظمة عمل الله تُظهر هنا، كما يقول ميرلين (Merlin)، أنه لا يمكن للمرء أن ينشر ستارة رقيقة عاليًا، دون شيء صلب يدعمها.” تراب (Trapp)
٣. رَسَمَ حَدًّا عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ عِنْدَ اتِّصَالِ النُّورِ بِالظُّلْمَةِ: فهم أيوب أيضًا مبادئ تكوُّر الأرض والطبيعة المُقوّسة للأفق (عِنْدَ اتِّصَالِ النُّورِ بِالظُّلْمَةِ).
• “حقيقة أن الله يستطيع أن ينشر السماوات على الفضاء الفارغ (يَمُدُّ الشَّمَالَ عَلَى الْخَلاَءِ)، وَيُعَلِّقُ الأَرْضَ عَلَى لاَ شَيْءٍ، ويَصُرُّ الْمِيَاهَ فِي سُحُبِهِ فَلاَ يَتَمَزَّقُ الْغَيْمُ تَحْتَهَا يقصد بها أن تجعلنا نقف أمامه برهبة (أيوب ٢٦: ٨).” سميك (Smick)
• أَعْمِدَةُ السَّمَاوَاتِ تَرْتَعِدُ: “يتكلم عن الجبال التي قد تبدو بارتفاعها وقوتها أنها تصل إلى السماء وتدعمها، كما قال الشعراء في أطلس؛ ولأنه كتاب شعري، فنجد فيه العديد من التعبيرات الشعرية.” بوله (Poole)
٤. بِقُوَّتِهِ يُزْعِجُ الْبَحْرَ: عرف أيوب الطاقة الجبارة التي تظهر في العواصف التي تحرك البحر، وعرف أنها كانت قُوَّةِ الله.
• “البحر الذي يُسمى حقًا ’كبرياء‘ وأمواجه المعتزة كما في أيوب ٣٨: ١١ لأنها عالية وشرسة ومنتفخة وجامحة؛ يضربها الله ليكبح غضبها، ويحول العاصفة إلى هدوء.” بوله (Poole)
٥. وَيَدَاهُ أَبْدَأَتَا الْحَيَّةَ الْهَارِبَةَ: هذه إشارة غامضة أخرى إلى التِّنِّينَ القديم الذي هزمه الله. أشعياء ٥١: ٩ ومزمور ٨٩: ٨-١٠ يتحدثان أيضًا عن تنين مرتبط بالبحر هزمه الله كدليل على قوته العظيمة، ويُعرف هذه التنين باسم رَهَبَ، أي المتكبر.
• تشير الأساطير العبرية القديمة إلى أن التنين الشرير كان في البحر البدائي يقاوم الخلق، وأن الله قتل التنين وجلب النظام إلى العالم (تكوين ١: ١-٢).
• غالبًا ما يتم تمثيل الشيطان على أنه تنين أو حية (تكوين ٣؛ رؤيا ١٢ و١٣)، ويُعتقد أن البحر مكان خطير أو يُشكل تهديدًا في العقل اليهودي (إشعياء ٥٧: ٢٠، مرقس ٤: ٣٩، رؤيا ٢١: ١). وبالتالي، قد يكون لوياثان هو مظهرًا آخر للشيطان يشبه التنين، الذي هو ’رَهَبَ‘ الأصلي (المتكبر).
• كان هناك العديد من الأساطير الشعبية في زمن أيوب حول الآلهة الذين حاربوا آلهة معادية من أجل خلق الأرض. أخذ أيوب بعض هذه القصص وجعل الرب الإله بطلها. وبالتالي، كان الرب الإله هو الذي بِقُوَّتِهِ يُزْعِجُ الْبَحْرَ، عندما قالت الأساطير القديمة أن الآلهة تيامات (إلهة المحيط) كانت هي الإلهة التي هزمها الإله البطل مردوخ (بيل) أو يام (البحر) الذي هزمه البعل.
• “هنا البحر الذي يخضعه الله ليس الإله يام. قام أيوب بتجريد يام من شخصيته باستخدام مادة التعريف (البحر)، ليعبر بالتالي عن لاهوته التوحيدي الفطري. استخدم مردوخ سبع رياح للإطاحة بتيامات. ولكن تكلم أيوب هنا كيف أن نفخة واحد من الله قادرة على تصفو وتنقي السَّمَاوَات. فكل قوة الريح هي نفخته. بالإضافة لذلك، بِفَهْمِهِ يَسْحَقُ رَهَبَ، ويقطعه إلى أشلاء وَيَدَاهُ أَبْدَأَتَا الْحَيَّةَ الْهَارِبَةَ، على عكس مردوخ الذي اعتمد على قوة آلهة قديمة… بهذا أظهر أيوب سلطان الله على عالم مُت (إله الموت) في أيوب ٢٦: ٥-٦ وعلى عالم البعل (إله العاصفة الكونية في أيوب ٢٦: ٧-١٠). وفي أيوب ٢٦: ١٢-١٣ لفت أيوب الانتباه إلى قوة الله المذهلة على عالم يام (إله البحر العاصف).” سميك (Smick)
• “تُظهر دراسة أسماء العهد القديم لوحوش البحر الأسطورية الكنعانية المعروفة مثل رَهَب كيف استخدم مؤلفو العهد القديم اللغة عن قصد لإثراء مفاهيمهم الشعرية عن سيادة الإله الواحد الحقيقي الوحيد.” سميك (Smick)
ب) الآية (١٤): الإنسان في ضوء قدرة الله.
١٤هَا هذِهِ أَطْرَافُ طُرُقِهِ، وَمَا أَخْفَضَ الْكَلاَمَ الَّذِي نَسْمَعُهُ مِنْهُ وَأَمَّا رَعْدُ جَبَرُوتِهِ فَمَنْ يَفْهَمُ؟
١. هَا هذِهِ أَطْرَافُ طُرُقِهِ: إن وصف أيوب لقوة الله في أيوب ٢٦: ٥-١٣ مدهش ومثير للإعجاب. لكن أيوب عرف أن هذا الوصف لا يعكس وصف الله بالكامل.
• عندما يتحدث الله أخيرًا إلى أيوب في وقت لاحق من السفر، سيتحدث إلى أيوب عن طرقه، التي لم يلمس أيوب إلا أَطْرَافَها. سيُنزل بعضًا من رَعْدِ جَبَرُوتِهِ على أيوب.
• “إن تفسير معاناة أيوب هو في حقيقة أن الله والشيطان قد جعلا نفسه ساحة معركة. لم يكن ذلك من أجل تأديب أيوب أو كماله، ولكن لغرض خفي لم يكن يعرفه، لكن حدسه جعله يتمسك بحقيقة أن الشخص الوحيد الذي يمكنه تفسير مهابة الطبيعة هو الشخص الذي يمكنه شرح ما كان هو يمر به.” شامبرز (Chambers)
٢. وَأَمَّا رَعْدُ جَبَرُوتِهِ فَمَنْ يَفْهَمُ: فهم أيوب الكثير عن الله. لكنه فهم ما يكفي ليعرف أن هناك أكثر بكثير مما لم يستطع فهمه.
• “فقوته الجبارة، التي يمكن أن تقارن بالرعد، من جهة قوتها التي لا تقاوم والرعب الذي تسببه للأشرار.” بوله (Poole)