سفر أيوب – الإصحاح ٣١
أيوب يعلن طهارته وبراءته
“هذا الاصحاح بأكمله يتكلم عن قَسَم البراءة الرصين لأيوب. إنها رده النهائي والصريح على الحجة التي اعتمدها أصدقاؤه الثلاثة.” ج. كامبل مورغان (G. Campbell Morgan)
أولًا. أيوب يعلن براءته
أ ) الآيات (١-٤): لم يكن مذنبًا بالشهوة.
١عَهْدًا قَطَعْتُ لِعَيْنَيَّ، فَكَيْفَ أَتَطَلَّعُ فِي عَذْرَاءَ؟ ٢وَمَا هِيَ قِسْمَةُ اللهِ مِنْ فَوْقُ، وَنَصِيبُ الْقَدِيرِ مِنَ الأَعَالِي؟ ٣أَلَيْسَ الْبَوَارُ لِعَامِلِ الشَّرِّ، وَالنُّكْرُ لِفَاعِلِي الإِثْمِ؟ ٤أَلَيْسَ هُوَ يَنْظُرُ طُرُقِي، وَيُحْصِي جَمِيعَ خَطَوَاتِي؟
١. عَهْدًا قَطَعْتُ لِعَيْنَيَّ، فَكَيْفَ أَتَطَلَّعُ فِي عَذْرَاءَ: في هذا الجزء، احتج أيوب بأنه كان رجلًا تقيًا بلا لوم، على الأقل وفقًا للمقياس البشري. كان سياقه الأكبر هو شرح كيف شعر بالظلم أثناء معاناته وإذلاله، وأن يقدم دفاعه النهائي أمام أصدقائه الذين اتهموه بخطية خاصة تستحق دينونة خاصة.
• يشبه هذا الإصحاح وثائق الدفاع القديمة. إذ تتشابه المادة في الشكل، إن لم تكن في المحتوى، مع الاعتراف السلبي الذي يقدمه الشخص الميت الذي يقف أمام أوزيريس (Osiris) إله البعث والحساب ورئيس محكمة الموتى عند قدماء المصريين. تحت القَسَم، يسرد الشخص الأشياء الشريرة التي لم يفعلها على أمل أن يتم تبرئته ويمر عبر البوابات سالمًا.” سميك (Smick)
• “إنه قَسَم تبرئة في شكل اعتراف سلبي. كان هذا الإجراء معروفًا جيدًا في التشريع القديم. إذ يمكن التبرؤ من جريمة من خلال استدعاء لعنة على النفس إذا ارتكبها المرء.” أندرسن (Andersen)
• ومع ذلك، نرى أن لها أيضًا صلة واضحة بالموعظة على الجبل. “الإصحاح ٣١ هو عظة أيوب على الجبل، لأنه يتطرق فيها إلى العديد من نفس قضايا الأخلاق الروحية التي يغطيها يسوع في متى ٥-٧، بما في ذلك العلاقة بين الشهوة والزنا (أيوب ٣١: ١، ٩-١٢)، ومحبة القريب كمحبة النفس (أيوب ٣١: ١٣-١٥)، والصدقة والعدالة الاجتماعية (أيوب ٣١: ١٦-٢٣)، ومحبة المال وعبادة الأصنام الأخرى (أيوب ٣١: ٢٤-٢٨).” ماسون (Mason)
• قد قيل لنا بوضوح في أيوب ١ أن أيوب كان رجلًا مستقيمًا بلا لوم؛ وهذا هو الإصحاح الذي يوضح شكل تلك الحياة التقية. “إن الإصحاح الذي نفتتحه الآن يتنفس، معظم الوقت أو طواله، روحًا تنتمي إلى العهد الجديد أكثر من العهد القديم. إنه توقع عملي للكثير من التعليم الذي كان سيأتي من الذي ’جلس وعلم‘ تلاميذه على الجبل. إنها صورة شخص كَامِل وَمُسْتَقِيم، يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ.” برادلي (Bradley)
٢. عَهْدًا قَطَعْتُ لِعَيْنَيَّ، فَكَيْفَ أَتَطَلَّعُ فِي عَذْرَاءَ: في دفاعه عن حياته الصالحة، بدأ أيوب بشرح أنه رجل طاهر أخلاقيًا لم يَتَطَلَّعُ فِي عَذْرَاءَ بطرق نجسة وغير لائقة.
• من المهم، في هذا الجزء الطويل حيث شرح أيوب حياته الصالحة، أنه بدأ بالإشارة إلى أنه كان يحمي عينيه من النظرات الشهوانية لِيَتَطَلَّع فِي عَذْرَاءَ. وهذا بحق يشير إلى أن قدرة الرجل على عدم النظر إلى الصور الشهوانية هي مؤشر مهم لبره العام وصلاحه.
• هذا يشير أيضًا إلى أن العيون هي بوابة للشهوة، خاصة بالنسبة للرجال. ويتضح ذلك مرارًا وتكرارًا في كل من التجربة الشخصية والدراسة التجريبية. فعندما يضع الرجل صورًا مُغرية وحسية ومحفزة للشهوة أمام عينيه، فهذا شكل من أشكال المداعبة، لأن ذلك يسبب غالبًا أو في كثير من الأحيان مستوى معينًا من الإثارة الجنسية لدى الرجل.
• “في العبرية، نفس الكلمة تعني عينًا وينبوعًا؛ لتُظهر، كما يقول أحدهم، أنه من العين، كما الينبوع، تتدفق الخطية والبؤس.” تراب (Trapp)
• “أفكر في جمالها بشهوة، حتى يصبح قلبي ساخنًا كفرن به شهوات غير مضبوطة، وجسدي مليئًا بتلك القذارة البغيضة… أُنظر إلى سلسلة شهوة داود المحزنة، وأتَذكَّر كم الذين ماتوا من جرح في العين.” تراب (Trapp)
٣. عَهْدًا قَطَعْتُ لِعَيْنَيَّ: كانت قدرة أيوب على التحكم في نفسه مرتبطة بِعَهْدٍ قطعه. لقد قطع نذرًا ووعدًا والتزامًا مع عينيه بأنه لن ينظر إلى عَذْرَاءَ بطريقة خاطئة.
• يقول بولينجر (Bullinger) أن العبرية لا تقول حرفيًا أن أيوب قطع عَهْدًا مع عينيه. “لم ’يقطع مع…‘ ولكن كان العهد هنا مع الله، ضد عينيه، اللتين تُعتبران عدوًا من المحتمل أن تضلاه.”
• “عندما يقول أيوب أنه قطع عهدًا مع عينيه للامتناع عن الشهوة، فهذا لا يعني أنه توقف عن اختبار الشهوة تمامًا. ما يعنيه هو أنه يرفض الانغماس في المشاعر الشهوانية، التي تأتي إليه بشكل طبيعي للغاية كذكر طبيعي.” ماسون (Mason)
• أصر أيوب على أنه لن ينظر إلى عَذْرَاءَ. كان لهذا مغزى خاص، لأنه في تلك الثقافة كان من المقبول إلى حد ما لرجل غني وقوي مثل أيوب أن يغوي أو يفتن عذراء، ثم يضيفها إما كزوجة أو سريّة. ضبط أيوب نفسه عن النساء اللواتي لن يضبط الآخرون في نفس ظروفه أنفسهم عنهن.
• “لقد ضبط نفسه من التفكير كهؤلاء الأشخاص ومن رغباتهم القذارة، حيث سمح الرجال بشكل عام لأنفسهم بارتكاب الزنا الجسيم، معتبرين أنه إما لا شيء، أو مجرد خطية صغيرة جدًا.” بوله (Poole)
٤. وَمَا هِيَ قِسْمَةُ اللهِ مِنْ فَوْقُ: في سياق ضبط النفس لدى أيوب عندما يتعلق الأمر بالشهوة، فكر في قِسْمَةُ اللهِ مِنْ فَوْقُ. لقد فهم أن العذْرَاءَ التي ستغريه للنظر إليها لا تكون قِسْمَةُ اللهِ له؛ فهي وعورتها لا ينتميان إلى أيوب بأي معنى من المعاني.
• ويعزز سفر اللاويين ١٨: ١-١٨ هذا المبدأ الكتابي. فعورة الفرد ’تخص‘ ذلك الفرد وزوجته، ولا ’تخص‘ أي شخص آخر. لذلك، عندما ينظر الرجل إلى عورة امرأة ليست زوجته، فإنه يأخذ شيئًا لا يخصه.
• كان هناك بالتأكيد نوع من الإباحية في أيام أيوب؛ نرى ذلك في بعض الصور الفنية المبكرة لنساء ورجال في زخارف جنسية للغاية. لكن، من المؤكد أن أيوب لم يكن مضطرًا للتعامل مع صناعة المواد الإباحية الحديثة المتطورة والعملاقة والبعيدة المدى. إن توفر المواد الإباحية الحديثة جعل من الصعب على الرجال أن يقصروا استثارتهم البصرية على قِسْمَةُ اللهِ مِنْ فَوْقُ لهم.
• في هذا السياق، من المفيد للرجل أن يسأل نفسه: “أي عورة لي، وأيها لا؟” فقط الرجل المغرور والمنحرف يعتقد أن عورة كل النساء تخصه. فلحظة تفكير من الرجل ستعزز المبدأ الواضح: إن عورة زوجته فقط هي قِسْمَةُ اللهِ مِنْ فَوْقُ له؛ فقط زوجته هي نَصِيبُ الْقَدِيرِ مِنَ الأَعَالِي لإثارته البصرية.
• “هنا نرى بوضوح أن وصية المسيح في متى ٢٩: ٥، لم تكن وصية جديدة خاصة بالإنجيل كما قد يظن البعض، لكنها نفسها التي أعلنتها شريعة الله في كلمته، وكتبتها الطبيعة في قلوب البشر.” بوله (Poole)
٥. أَلَيْسَ الْبَوَارُ لِعَامِلِ الشَّرِّ، وَالنُّكْرُ لِفَاعِلِي الإِثْمِ: في سياق ضبط أيوب لنفسه عندما يتعلق الأمر بالشهوة، فكَّر أيضًا في التأثير المدمر للسماح لنفسه بالإثارة من خلال الصور المغرية. وربما فكَّر في حياة الآخرين التي دمرتها الشهوة والخطية الجنسية التي بدأت بالإثارة البصرية.
• “لأنه في تلك الأيام، كان يعلم جيدًا، وأخبرنا، أن الله قد خصص أثقل أحكامه كميراث أكيد لأولئك الذين انتهكوا شريعة الطهارة النبيلة التي ترفع الإنسان فوق الوحشية.” برادلي (Bradley)
• إن إمكانية الْبَوَار (الخراب) هي الأكثر واقعية في العالم الحديث، لأن التحديات التي تواجه الطهارة الكتابية تزداد صعوبة. وباستخدام تقديرات تقريبية للغاية، يمكننا مقارنة عالم الرجل في عام ١٥٠٠م بالعالم في عام ٢٠٠٠م على النحو التالي:
في عام ١٥٠٠ كان متوسط عمر الاستقلال الاقتصادي للرجل ١٦ عامًا؛ واليوم هو ٢٦.
في عام ١٥٠٠ كان متوسط سن الزواج للرجل ١٨ عامًا؛ واليوم هو ٢٨ (أو أكثر).
في عام ١٥٠٠ كان متوسط سن البلوغ عند الذكور ٢٠ عامًا؛ واليوم هو ١٢.
• “خراب النفوس النجسة أمر حتمي، لا يمكن وقفه، ولا مفر منه. إذا كان الله يمقت جميع الخطاة الآخرين، فلديه كراهية واشمئزاز للفاجر؛ هذه الجداء النتنة ستوضع على اليسار وترسل إلى الجحيم؛ حيث سيكون عقابهم أشد بكثير مما كان لديهم هنا من مُتع حسية وخاطئة، تكون مثل صلصة حامضة للحومهم الحلوة.” تراب (Trapp)
• هذا يعني أن هناك العديد من العوامل البيولوجية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية التي تجعل من الصعب على الرجل اليوم أن يَقَطَع عَهْدًا لِعَيْنَيْه بألّا يِتَطَلَّع فِي عَذْرَاءَ بالمعنى المقصود هنا بأيوب. ومن الصعب جدًا على الرجل أن يختار الرضا عن قِسْمَةُ اللهِ مِنْ فَوْقُ له وأن يتجنب الدمار (الْبَوَارُ) والكارثة (النُّكْرُ) التي تحدَّث عنها أيوب. ولكن، بقوة روح الله يمكن القيام بذلك، وطاعة الله في هذه المجال هي أَنْ نُقَدِّم أَجْسَادَنا ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ، عِبَادَتَنا الْعَقْلِيَّةَ؛ وَلاَ نُشَاكِل هذَا الدَّهْرَ (رومية ١٢: ١-٢).
٦. أَلَيْسَ هُوَ يَنْظُرُ طُرُقِي، وَيُحْصِي جَمِيعَ خَطَوَاتِي: في سياق ضبط أيوب لنفسه عندما يتعلق الأمر بالشهوة، كان من المفيد له أن يعرف أن عين الله كانت عليه طوال الوقت. قد ينغمس معظم الرجال في الإثارة البصرية الشريرة واهمون (على الأقل مؤقتًا) بأن سلوكهم غير مرئي من قبل الله. وهذا ساعد أيوب أن يعرف أن الله يَنْظُرُ طُرُقَه.
ب) الآيات (٥-٨): لم يكن مذنبًا بالباطل.
٥إِنْ كُنْتُ قَدْ سَلَكْتُ مَعَ الْكَذِبِ، أَوْ أَسْرَعَتْ رِجْلِي إِلَى الْغِشِّ، ٦لِيَزِنِّي فِي مِيزَانِ الْحَقِّ، فَيَعْرِفَ اللهُ كَمَالِي. ٧إِنْ حَادَتْ خَطَوَاتِي عَنِ الطَّرِيقِ، وَذَهَبَ قَلْبِي وَرَاءَ عَيْنَيَّ، أَوْ لَصِقَ عَيْبٌ بِكَفِّي، ٨أَزْرَعْ وَغَيْرِي يَأْكُلْ، وَفُرُوعِي تُسْتَأْصَلْ.
١. إِنْ كُنْتُ قَدْ سَلَكْتُ مَعَ الْكَذِبِ: أعلن أيوب أيضًا عن نزاهته لأنه عاش حياة صادقة في الأساس. ولم يكن خائفًا من أن يُوْزَن فِي مِيزَانِ الْحَقِّ، وأن تُفحص حياته بطريقة شريفة.
• “تشير لعنة النفس في فشل المحاصيل (أيوب ٣١: ٨) إلى أن الآية ٥ تشير إلى ممارسات تجارية مشبوهة.” أندرسن (Andersen)
٢. إِنْ حَادَتْ خَطَوَاتِي عَنِ الطَّرِيقِ… أَزْرَعْ وَغَيْرِي يَأْكُلْ: لم يكن أيوب خائفًا من استدعاء اللعنة على نفسه إن لم يكن بالفعل رجلًا أمينًا. فهو على استعداد لأن يُحرم من ثمار عمله إن وجد ناقصًا حقًا فِي مِيزَانِ الْحَقِّ لدينونة الله.
• إن الثقة التي كانت لدى أيوب في استدعاء اللعنات على نفسه إن لم يكن صادقًا مثيرة للإعجاب. يبدو الأمر كما لو أنه قال لأصدقائه، “هل تعتقدون أنني أحاول أن أظهر أمام الله بصورة غير حقيقية؟ هل سأتحدث إلى الله بهذه الجرأة إن لم يكن لدي الحقائق التي تدعمني؟” شامبرز (Chambers)
ج) الآيات (٩-١٢): لم يكن زانيًا.
٩«إِنْ غَوِيَ قَلْبِي عَلَى امْرَأَةٍ، أَوْ كَمَنْتُ عَلَى بَابِ قَرِيبِي، ١٠فَلْتَطْحَنِ امْرَأَتِي لآخَرَ، وَلْيَنْحَنِ عَلَيْهَا آخَرُونَ. ١١لأَنَّ هذِهِ رَذِيلَةٌ، وَهِيَ إِثْمٌ يُعْرَضُ لِلْقُضَاةِ. ١٢لأَنَّهَا نَارٌ تَأْكُلُ حَتَّى إِلَى الْهَلاَكِ، وَتَسْتَأْصِلُ كُلَّ مَحْصُولِي.
١. إِنْ غَوِيَ قَلْبِي عَلَى امْرَأَةٍ: المجال التالي من النزاهة الذي أعلنه أيوب كان متعلقًا بإخلاصه لزوجته في إطار الزواج. لقد فهم أن هذا كان أكثر من مجرد جانب جنسي (ربما ذُكر لأول مرة في أيوب ٣١: ١-٤)، لكنه شمل أيضًا القلب الذي تم إغوائه.
• لمس أيوب حقيقة مهمة. أنه من الممكن تمامًا السماح لقلب المرء أن يُغوى بآخر. تحدُث هذه الأشياء بسبب الخيارات التي يتخذها المرء، وليس فقط لأنه تم التأثير عليه بقوة الحب الرومانسية المبهمة أو السحرية.
• وفي المقابل، أصر أيوب على أنه إن كان قلبه يُغوى بأخرى فهذِهِ رَذِيلَةٌ، وَهِيَ إِثْمٌ يُعْرَضُ لِلْقُضَاةِ. لقد فهم أنه يتحكم في من سيسمح لقلبه أن يغوى به.
• “العبارة هنا أكيدة للغاية، فالكل يأخذ من نفسه ومن الآخرين الأعذار الباطلة التي يستخدمها الناس لتبرير خطاياهم، ويتظاهرون بأنهم لم يخططوا للشر، بل تم جذبهم وإغواؤهم من الآخرين بإغراءات واستفزازات قوية؛ فكل ما يفترضه أيوب، أنه لا يمتلك الذنب العظيم لمثل هذه الممارسات حتى في تلك الحالة، بالإضافة إلى أنه يعرف تمامًا أن تجربة الخطية لا مبرر لها.” بوله (Poole)
٢. فَلْتَطْحَنِ امْرَأَتِي لآخَرَ: أصر أيوب على أنه إذا كان غير مخلص في قلبه أو في تصرفاته تجاه زوجته، فإنه يستحق أن تؤخذ زوجته منه وتعطى لآخر.
• “لتكن عبدة لآخر… أو بالأحرى، لتكن عاهرة لآخر. ولتكن خطيتي، التي خدمتها كمثال، أن تخدمها أيضًا للحصول على عذر.” تراب (Trapp)
• “وَلْيَنْحَنِ عَلَيْهَا آخَرُونَ؛ تعبير محتشم آخر لعمل قذر؛ حيث يعطينا الروح القدس نمطًا وقانونًا لتجنب ليس فقط الأعمال النجسة، بل أيضًا جميع التعبيرات البذيئة.” بوله (Poole)
• “كان أيوب مدركًا جدًا لبراءته، لدرجة أنه كان مستعدًا لأثباتها إلى أقصى حد. وإن ثبتت إدانته، فهو مستعد أن يتعرض لأشد العقوبات إيلامًا وإذلالًا، حتى إلى عقوبة حرمانه من ممتلكاته، وفقدان أولاده، وجعل زوجته عبدة، وأن يتعرض لجميع الإهانات في تلك الحالة.” كلارك (Clarke)
٣. لأَنَّهَا نَارٌ تَأْكُلُ حَتَّى إِلَى الْهَلاَكِ: أدرك أيوب أيضًا أن السماح لقلبه بأن تُغويه امرأة أخرى غير زوجته سيؤدي إلى نتيجة مدمرة ومحرقة.
• وَتَسْتَأْصِلُ كُلَّ مَحْصُولِي: كثير من الرجال الذين يدفعون النفقة لزوجاتهم أو لإعالة أطفالهم لأنهم سمحوا لقلوبهم أن تُغويها امرأة أخرى، يعيشون ما قاله أيوب هنا، وقد رأوا فعلًا أن كل مَحْصُولِهم قد أُسْتَأْصِل من جذوره.
• يبدو أن أيوب كان قد وقع في تجربة الزنا لكنه قاوم التجربة. “إن نار الشيطان سقطت على مادة سريعة الاشتعال؛ وإن طرق باب أيوب، فلن يسمح له أحد في المنزل بالدخول؛ لأنه عرف أن العقاب سيكون بشريًا، أيوب ٣١: ١١ وإلهيًا، أيوب ٣١: ١٢، بسبب هذا الشر العظيم.” تراب (Trapp)
د ) الآيات (١٣-١٥): لم يعامل عبيده بقسوة.
١٣«إِنْ كُنْتُ رَفَضْتُ حَقَّ عَبْدِي وَأَمَتِي فِي دَعْوَاهُمَا عَلَيَّ، ١٤فَمَاذَا كُنْتُ أَصْنَعُ حِينَ يَقُومُ اللهُ؟ وَإِذَا افْتَقَدَ، فَبِمَاذَا أُجِيبُهُ؟ ١٥أَوَلَيْسَ صَانِعِي فِي الْبَطْنِ صَانِعَهُ، وَقَدْ صَوَّرَنَا وَاحِدٌ فِي الرَّحِمِ؟
١. إِنْ كُنْتُ رَفَضْتُ حَقَّ عَبْدِي وَأَمَتِي: واصل أيوب بالحديث عن بره بملاحظة المعاملة الطيبة والرحيمة لعبيده. أن صلاح الرجل أو المرأة يمكن أن يُعرف بشكل أفضل من خلال كيفية معاملتهم لأولئك الذين يعتقد أنهم أقل شأنًا منهم، وليس كيف يعاملون أقرانهم أو أولئك الذين يُعتقَد أنهم أعلى منهم.
٢. فَمَاذَا كُنْتُ أَصْنَعُ حِينَ يَقُومُ اللهُ؟ وَإِذَا افْتَقَدَ، فَبِمَاذَا أُجِيبُهُ؟: أحد الأسباب التي جعلت أيوب يعامل عبيده معاملة حسنة هو لأنه فهم أنه يتعيّن عليه أن يُقدم حسابًا لله على أفعاله تجاه الآخرين، بما في ذلك عبيده. لقد فهم أن اللهَ يهتم بعبيده وسوف ينتقم لسوء معاملتهم.
• “يجسد هذا الجزء أخلاقيات إنسانية لا مثيل لها في العالم القديم.” أندرسن (Andersen)
• ومرة أخرى يظهر أيوب القلب الطاهر والحياة الأخلاقية الصحيحة التي سنرها لاحقًا بوضوح في العهد الجديد. أعطى بولس نفس الفكرة في أفسس ٦: ٩، حيث قال للسادة أن يعاملوا عبيدهم بشكل جيد: وَأَنْتُمْ أَيُّهَا السَّادَةُ، افْعَلُوا لَهُمْ هذِهِ الأُمُورَ، تَارِكِينَ التَّهْدِيدَ، عَالِمِينَ أَنَّ سَيِّدَكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا فِي السَّمَاوَاتِ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ مُحَابَاةٌ.
٣. أَوَلَيْسَ صَانِعِي فِي الْبَطْنِ صَانِعَهُ: سبب آخر جعل أيوب يعامل عبيده بشكل جيد هو أنه أدرك إنسانيتهم الجوهرية. كان هذا رائعًا ومثيرًا للإعجاب في وقت كان مفهومًا فيه عالميًا أن الخدم والعبيد هم دون البشر مقارنة بأسيادهم.
• “فَكِّر في هذا، وقارنه بقوانين أو مشاعر مالكي العبيد في اليونان أو روما، أو في أوقات أقرب بكثير إلى زمننا – في جامايكا المسيحية في أيام آبائنا، في أمريكا الشمالية المسيحية في أيامنا هذه.” هذا ما كتبه برادلي (Bradley) في العام ١٨٨٦.
هـ) الآيات (١٦-٢٣): لم يؤذِ المساكين أو الضعفاء.
١٦إِنْ كُنْتُ مَنَعْتُ الْمَسَاكِينَ عَنْ مُرَادِهِمْ، أَوْ أَفْنَيْتُ عَيْنَيِ الأَرْمَلَةِ، ١٧أَوْ أَكَلْتُ لُقْمَتِي وَحْدِي فَمَا أَكَلَ مِنْهَا الْيَتِيمُ. ١٨بَلْ مُنْذُ صِبَايَ كَبِرَ عِنْدِي كَأَبٍ، وَمِنْ بَطْنِ أُمِّي هَدَيْتُهَا. ١٩إِنْ كُنْتُ رَأَيْتُ هَالِكًا لِعَدَمِ اللِّبْسِ أَوْ فَقِيرًا بِلاَ كِسْوَةٍ، ٢٠إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي حَقَوَاهُ وَقَدِ اسْتَدْفَأَ بِجَزَّةِ غَنَمِي. ٢١إِنْ كُنْتُ قَدْ هَزَزْتُ يَدِي عَلَى الْيَتِيمِ لَمَّا رَأَيْتُ عَوْنِي فِي الْبَابِ، ٢٢فَلْتَسْقُطْ عَضُدِي مِنْ كَتِفِي، وَلْتَنْكَسِرْ ذِرَاعِي مِنْ قَصَبَتِهَا، ٢٣لأَنَّ الْبَوَارَ مِنَ اللهِ رُعْبٌ عَلَيَّ، وَمِنْ جَلاَلِهِ لَمْ أَسْتَطِعْ.
١. إِنْ كُنْتُ مَنَعْتُ الْمَسَاكِينَ عَنْ مُرَادِهِمْ، أَوْ أَفْنَيْتُ عَيْنَيِ الأَرْمَلَةِ: كشهادة أخرى على بره، أصر أيوب على أنه كان خيِّرًا وعطوفًا مع الْمَسَاكِينَ والضعفاء (مثل الأَرْمَلَةِ والْيَتِيمُ).
٢. إِنْ كُنْتُ رَأَيْتُ هَالِكًا لِعَدَمِ اللِّبْسِ… فَلْتَسْقُطْ عَضُدِي مِنْ كَتِفِي: بنفس الطريقة كما كان من قبل، استدعى أيوب اللعنة على نفسه إن كان صحيحًا أنه لم يهتم بالمساكين والضعفاء كما ادعى. كان يعلم أنه لو كان قاسيًا وجائرًا على الفقراء والمحتاجين، لكان يستحق العقاب بالفعل. وكان جزءًا من دوافِعِه للاهتمام بالفقراء والمحتاجين هو: لأَنَّ الْبَوَارَ مِنَ اللهِ رُعْبٌ عَلَيَّ.
• “معظم الأعمال الصالحة التي يقدمها أيوب كدليل على بره هي أشياء بسيطة وعادية… أكثر من عمل كل واحدة على حده، ولكن تراكمها هو المثير للإعجاب.” ماسون (Mason)
و ) الآيات (٢٤-٢٨): لم يكن جشعًا أو باحثًا عن آلهة كاذبة.
٢٤إِنْ كُنْتُ قَدْ جَعَلْتُ الذَّهَبَ عَمْدَتِي، أَوْ قُلْتُ لِلإِبْرِيزِ: أَنْتَ مُتَّكَلِي. ٢٥إِنْ كُنْتُ قَدْ فَرِحْتُ إِذْ كَثُرَتْ ثَرْوَتِي وَلأَنَّ يَدِي وَجَدَتْ كَثِيرًا. ٢٦إِنْ كُنْتُ قَدْ نَظَرْتُ إِلَى النُّورِ حِينَ ضَاءَ، أَوْ إِلَى الْقَمَرِ يَسِيرُ بِالْبَهَاءِ، ٢٧وَغَوِيَ قَلْبِي سِرًّا، وَلَثَمَ يَدِي فَمِي، ٢٨فَهذَا أَيْضًا إِثْمٌ يُعْرَضُ لِلْقُضَاةِ، لأَنِّي أَكُونُ قَدْ جَحَدْتُ اللهَ مِنْ فَوْقُ.
١. إِنْ كُنْتُ قَدْ جَعَلْتُ الذَّهَبَ عَمْدَتِي: عرف أيوب أن الرجال الأثرياء غالبًا ما يجدون من السهل الوثوق بثرواتهم. فقال مرة أخرى بإصرار شديد: لم أجعل الثروة عَمْدَتِي أَوْ مُتَّكَلِي، ولم أفرح إِذْ كَثُرَتْ ثَرْوَتِي وَلأَنَّ يَدِي وَجَدَتْ كَثِيرًا.
٢. إِنْ كُنْتُ قَدْ نَظَرْتُ إِلَى النُّورِ حِينَ ضَاءَ: قصد أيوب أنه لم ينخرط في ممارسة عبادة الشمس الشائعة، ولم يُغَوَ قَلْبِه سِرًّا بعبادة الأوثان، التي يبدو أنها كانت تُعبد أحيانًا بتقبيل اليد.
• إِنْ كُنْتُ قَدْ نَظَرْتُ إِلَى النُّورِ: “لا ببساطة، ولا حتى بإعجاب. (لأنه عمل الله المجيد، الذي يجب أن نتأمل فيه ونعجب به) ولكن حتى النهاية سأنسَب الكرامة والمجد لله.” بوله (Poole)
• “عندما لم يتمكنوا من تقبيل الأوثان لأنها كانت بعيدة عنهم، اعتادوا تقبيل أيديهم وكأنهم يرمون القبلات عليها؛ ولدينا أمثلة كثيرة عن هذا في كتابات الوثنيين.” بوله (Poole)
٣. فَهذَا أَيْضًا إِثْمٌ يُعْرَضُ لِلْقُضَاةِ، لأَنِّي أَكُونُ قَدْ جَحَدْتُ اللهَ مِنْ فَوْقُ: من المحتمل (وإن لم يكن مؤكدًا) أن أيوب كتب هذا قبل أن يُعطى أي من أسفار الكتاب المقدس الأخرى. لذلك، كان يعلم أن عبادة الأوثان خاطئة من خلال الاعلان الطبيعي والضمير. ويعلم أن هناك إلهًا حقيقيًا حيًا متوجًا في السماوات، وهذا إِثْمٌ يُعْرَضُ لِلْقُضَاةِ، لأَنِّي أَكُونُ قَدْ جَحَدْتُ اللهَ مِنْ فَوْقُ لأعبد إله آخر.
ز ) الآيات (٢٩-٣٤): كان أيوب بشكل عام بلا لوم.
٢٩إِنْ كُنْتُ قَدْ فَرِحْتُ بِبَلِيَّةِ مُبْغِضِي أَوْ شَمِتُّ حِينَ أَصَابَهُ سُوءٌ. ٣٠بَلْ لَمْ أَدَعْ حَنَكِي يُخْطِئُ فِي طَلَبِ نَفْسِهِ بِلَعْنَةٍ. ٣١إِنْ كَانَ أَهْلُ خَيْمَتِي لَمْ يَقُولُوا: مَنْ يَأْتِي بِأَحَدٍ لَمْ يَشْبَعْ مِنْ طَعَامِهِ؟ ٣٢غَرِيبٌ لَمْ يَبِتْ فِي الْخَارِجِ. فَتَحْتُ لِلْمُسَافِرِ أَبْوَابِي. ٣٣إِنْ كُنْتُ قَدْ كَتَمْتُ كَالنَّاسِ ذَنْبِي لإِخْفَاءِ إِثْمِي فِي حِضْنِي. ٣٤إِذْ رَهِبْتُ جُمْهُورًا غَفِيرًا، وَرَوَّعَتْنِي إِهَانَةُ الْعَشَائِرِ، فَكَفَفْتُ وَلَمْ أَخْرُجْ مِنَ الْبَابِ.
١. إِنْ كُنْتُ قَدْ فَرِحْتُ بِبَلِيَّةِ مُبْغِضِي: كشهادة أخرى على بره الشخصي، ادعى أيوب أنه لم يكن فرحًا عندما أبتليَ مبغضيه وماتوا. وهذه بالتأكيد علامة لرجل كان حسب قلب الله، الذي لا يُسر أيضًا بموت الأشرار (حزقيال ٣٣: ١١).
٢. فِي طَلَبِ نَفْسِهِ بِلَعْنَةٍ: لم يلعن أيوب أعداءه. فقد حفظ نفسه من رد الفعل الطبيعي هذا.
٣. غَرِيبٌ لَمْ يَبِتْ فِي الْخَارِجِ: كان أيوب أيضًا رجلًا مجتهدًا فيما يتعلق بالضيافة. لم يسمح للزائر أن يبيت في الخارج، بل فتح للمسافر أبوابه (فَتَحْتُ لِلْمُسَافِرِ أَبْوَابِي).
٤. إِنْ كُنْتُ قَدْ كَتَمْتُ كَالنَّاسِ ذَنْبِي لإِخْفَاءِ إِثْمِي فِي حِضْنِي: كانت الحجة الأساسية والثابتة لأصدقاء أيوب ضده هي أنه على الرغم من أنه كان يبدو بارًا، فلا بد أنه كان يكتم بعض الخطايا الخطيرة التي كانت منطقية للكارثة التي حلّت به. لذلك، أصر أيوب على أنه لم يكن يُخفي خطاياه مثل آدم، الذي ألقى باللوم على حواء وحاول عبثًا أن يُخفي خطيته.
• “لم ينافق أيوب أبدًا، محاولًا إخفاء خطيته ’مثل آدم.‘” أندرسن (Andersen)
٥. إِذْ رَهِبْتُ جُمْهُورًا غَفِيرًا: هنا، أجاب أيوب على الاتهام بأنه كان مدفوعًا لإخفاء خطيته بسبب الخوف من كيفية ظهورها أمام العَلَن. ولربما كان أصدقاء أيوب يعرفون العديد من الأشخاص الصالحين الذين أخفوا خطاياهم ودُمروا عندما انكشفوا في النهاية، مفترضين أن أيوب كان مثلهم. احتج أيوب هنا بحق على أنه لم يكن مثل هؤلاء الناس الذين يخفون خطاياهم خوفًا من الإذلال والإهانة العلنية.
ثانيًا. يختتم أيوب حجته
أ ) الآيات (٣٥-٣٧): أيوب يطالب بمقابَلَة رسميّة مع الله.
٣٥مَنْ لِي بِمَنْ يَسْمَعُنِي؟ هُوَذَا إِمْضَائِي. لِيُجِبْنِي الْقَدِيرُ. وَمَنْ لِي بِشَكْوَى كَتَبَهَا خَصْمِي، ٣٦فَكُنْتُ أَحْمِلُهَا عَلَى كَتِفِي. كُنْتُ أُعْصِبُهَا تَاجًا لِي. ٣٧كُنْتُ أُخْبِرُهُ بِعَدَدِ خَطَوَاتِي وَأَدْنُو مِنْهُ كَشَرِيفٍ.
١. مَنْ لِي بِمَنْ يَسْمَعُنِي؟: يبدو أن أيوب قاطع دفاعه عن حياته التي كانت تتسم بالأخلاق والبر. ربما كان لديه الكثير مما يمكن أن يقوله للدفاع عن نفسه، لكنه كسر هذا الخط من التفكير ووجه نداء نهائيًا ودراماتيكيًا ليتم سماعه أمام عرش الله.
• “بشكل استراتيجي أوصل أيوب خطبته إلى ذروتها مع تغيير مفاجئ في النغمة… الآن كان متأكدًا من براءته، واثقًا جدًا من صدق هذه الأقسام فوضع إمضاءه وقدمها كمذكرة دفاع متحديًا الله بلائحة اتهام مكتوبة مماثلة.” سميك (Smick)
• تجلّت نهاية خطابه بجملة: ’هُوَذَا إِمْضَائِي.‘ “تعني عبارة أيوب حرفيًا: ’هُوَذَا إِمْضَائِي‘ (كما في الترجمة العربية). ترجمت العديد من الإصدارات هذه الجملة كالتالي: ’هذا هو توقيعي،‘ حيث يمكن استخدام taw، الحرف الأخير من الأبجدية العبرية، مثل حرف “X” للدلالة على ’دمغة‘ الشخص أو ’توقيعه.‘ ولكن الأمر المثيرة للاهتمام حقًا هو أن كاتب سفر أيوب استخدم في النص العبري القديم الحرف تاو (taw) الذي كان علامة على شكل صليب. بمعنى، أن ما كان يقوله أيوب هو: ’هذا هو صليبي.‘ ماسون (Mason)
٢. لِيُجِبْنِي الْقَدِيرُ: كان أيوب مقتنعًا تمامًا بأن ما يحتاجه هو تبرئة (أو على الأقل إجابة) من الله. قام أصدقاؤه بتحليل وضعه بدقة وتوصلوا إلى استنتاجات خاطئة تمامًا. لم يستطع أيوب أن يفهم الأمر بنفسه. ولهذا يدعو الله هنا أن يجيبه ليوضح الأمر.
• هذا هو الطلب الذي سيتوب عنه أيوب لاحقًا في أيوب ٤٢: ٥-٦. سيكتشف أيوب لاحقًا أنه ليس من حقه المطالبة بإجابة من الله، وأن عليه أن يكون راضيًا عندما بدا أن الله يرفض أن يُجيب.
٣. وَمَنْ لِي بِشَكْوَى كَتَبَهَا خَصْمِي: هذا دليل على الارتباك الروحي العميق (ولكن المفهوم) لأيوب. لقد شعر أن الله هو الخصم (خَصْمِي)، بينما كان حقًا هو الشيطان. نحن نتعاطف مع أيوب، عالمين أنه لم يستطع أن يرى وراء ذلك الستار الغامض الذي فصل الأرض عن السماء؛ لكننا نتعلم مما كان يجب أن يعرفه أيوب.
• “هناك تهكم واضح يتمثل في مطالبة أيوب بأن يقدم ’خَصْمِه‘ (الذي يعتقد أنه الله) جوابه بشكل خطي. بالطبع يعرف القارئ طيلة الوقت أن المتهم الحقيقي لأيوب ليس الله، بل الشيطان. لكن أيوب لا يعرف هذا.” ماسون (Mason)
٤. فَكُنْتُ أَحْمِلُهَا عَلَى كَتِفِي: رغم أن أيوب تخطى هنا حدًا سيتوب عنه لاحقًا، إلا أنه كان يتوق أن يكون اتهام الله ضده مكتوبًا حتى يتمكن من دحضه كما فعل بنجاح مع أصدقائه. كان واثقًا جدًا مما يعرفه عن نفسه لدرجة أنه قال لأَدْنُو من الله كَشَرِيفٍ.
• كان أيوب واثقًا بالفعل مما كان يعرفه؛ أنه كان رجلًا مستقيمًا وكاملًا ولم يجلب الكارثة على نفسه بسبب خطية معينة. ولكن الأشياء التي لم يستطع رؤيتها، الأشياء التي حدثت في العالم الروحي، المعروفة لقارئ أيوب ١-٢، لم تكن معروفة لأيوب في القصة. فهو مثل أصدقائه، اعتقد أنه أدرك حقيقة الأمر، ولكنه في الواقع، لم يعرف شيئًا على الإطلاق.
• “عَلَى كَتِفِي: ككأس أو وسام شرف. لا ينبغي أن أخافها ولا أكبتَها، بل أن أتشرف بها، وأظهرها علنًا، باعتبارها التي أعطتني الفرصة السعيدة والمطلوبة منذ فترة طويلة لتبرئة نفسي.” بوله (Poole)
• كُنْتُ أُخْبِرُهُ بِعَدَدِ خَطَوَاتِي: “بعيدًا عن الخجل، كان أيوب عدوانيًا حتى النهاية، حريصًا على تسوية قضيته، واثقًا من النتيجة. إنه قادر على تقديم حساب كامل بعدد خطواته.” أندرسن (Andersen)
ب) الآيات (٣٨-٤٠): خاتمة كلمات أيوب.
٣٨إِنْ كَانَتْ أَرْضِي قَدْ صَرَخَتْ عَلَيَّ وَتَبَاكَتْ أَتْلاَمُهَا جَمِيعًا. ٣٩إِنْ كُنْتُ قَدْ أَكَلْتُ غَلَّتَهَا بِلاَ فِضَّةٍ، أَوْ أَطْفَأْتُ أَنْفُسَ أَصْحَابِهَا، ٤٠فَعِوَضَ الْحِنْطَةِ لِيَنْبُتْ شَوْكٌ، وَبَدَلَ الشَّعِيرِ زَوَانٌ».
١. إِنْ كَانَتْ أَرْضِي قَدْ صَرَخَتْ عَلَيَّ: في هذا الإصحاح شهد أيوب على نزاهته بأكثر العبارات جدية، داعيًا اللعنات المتكررة على نفسه إن استطاع أصدقاؤه بالفعل أن يثبتوا أنه كان يستحق الدينونة أو التأديب من الله بسبب خطية معينة ارتكبها. والآن، استدعى شاهدًا آخر نيابة عنه: أرضه وممتلكاته.
• لم يكن هذا غير عادي في التفكير القديم. “حيث يتم تجسيد الأرض على أنها الشاهد الرئيسي على الجرائم المرتكبة عليها… أيوب مستعد لقبول اللعنات القديمة التي كانت على آدم (تكوين ٣: ١٧) وقايين (تكوين ٤: ١١).” أندرسن (Andersen)
٢. اكتَمَلَتْ أقْوَالُ أيُّوبَ: ليس لأنه لا توجد كلمات أخرى من أيوب في سفر أيوب هذا. فسوف يتحدث مرة أخرى بإيجاز في إصحاحات لاحقة. ولكن، أيوب قد انتهى بالتأكيد من الدفاع عن موقفه. لقد انتهى؛ وسيحاول رجل آخر عبثًا حل المشكلة؛ وبعد ذلك سيظهر الله. قد نقول بحق أن الله – الذي ظل صامتًا حتى هذه النقطة – لا يمكن أن (أو لن) يظهر ويتكلم حتى يتم استنفاد جميع حجج الإنسان.
• “هذه ليست مجرد أقوال لكاتب أو محرر، بل الكلمات الختامية التي نطق بها أيوب: والتي أخبر بها أصدقاءه أنه لم يكن ينوي مواصلة الجدل معهم، وأنه قال كل ما لديه. فبالنسبة له، انتهى الجدل.” بولينجر (Bullinger)
• “قد وصلنا في هذه المرحلة إذًا، إلى نهاية حديث أيوب عن ألمه. كانت النهاية هي الصمت. هذه هي فرصة الله للكلام. الذي غالبًا ينتظر حتى نقول كل شيء: ومن ثم، في الصمت المُعد لمثل هذا الكلام، هو يُجيب.” مورغان (Morgan)