سفر التكوين – الإصحاح ٤٩
بركة أبناء يعقوب
أولًا. البركة النبويَّة لأبناء إسرائيل
أ ) الآيات (١-٢): ماذا سيُصيبُ أبناء يعقوب في نهاية الأيَّام؟
١وَدَعَا يَعْقُوبُ بَنِيهِ وَقَالَ: ٱجْتَمِعُوا لِأُنْبِئَكُمْ بِمَا يُصِيبُكُمْ فِي آخِرِ ٱلْأَيَّامِ. ٢ٱجْتَمِعُوا وَٱسْمَعُوا يَا بَنِي يَعْقُوبَ، وَٱصْغَوْا إِلَى إِسْرَائِيلَ أَبِيكُمْ.
- وَدَعَا يَعْقُوبُ بَنِيهِ: كان هذا آخِرَ عملٍ مُهمٍّ قام به الأبُ كَوريثٍ لإبراهيم وإسحاق. وهُنا نراه يتنبَّأ عن البركات التي لِبَنيهِ، واحدٍ تلوَ الآخَر.
- بِمَا يُصِيبُكُمْ فِي آخِرِ ٱلْأَيَّامِ: إنَّ البعض ممَّا هو آتٍ لم تكُن بركاتٍ بِقَدَر ما كانت نبوَّاتٍ تتعلَّق بِصَنيع الله مع هذه العشائر في المستقبَل.
- كانت هذه أوَّلُ نبوءةٍ مُدرَكَة تكلَّم بها الإنسان في الكتاب المقدَّس. بالرغم من أنَّ هُناك العديد بل الكثير من النبوءات التي أعلنها الله (كالوعد بانتصار نسل المرأة في تكوين ١٥:٣)، بالإضافة إلى نبوءاتٍ بواسطة الإنسان غير مُعلَنة، فإنَّ هذه النبوءة هي الأُولى الـمُعلَنة بواسطة الإنسان في الكتاب المقدَّس.
- يُخبرنا التَّقليد اليهوديّ بأنَّه بينما كان يعقوب على وشَكِ أن يُبارِك بنيه، كان على استعدادٍ بأن يُخبِرَهُم بـ ‘السرِّ العظيم المتعلِّق بآخِر الأيَّام.’ ولكِن في تلك اللَّحظة، ظهر مجدُ الله واختفى فجأةً، آخِذًا معه معرفة ذلك السرِّ العظيم، فَمِن أجلِ ذلك لم يستطِع يعقوب إعلانَهُ. مُجدَّدًا، نعتبِر هذا التَّقليد مُجرَّد خُرافة.
- ٱجْتَمِعُوا وَٱسْمَعُوا يَا بَنِي يَعْقُوبَ، وَٱصْغَوْا إِلَى إِسْرَائِيلَ أَبِيكُمْ: في بداية تلاوة البركة، لاحظ يعقوب بأنَّه يحمِلُ اسمَين، يعقوب وإسرائيل، وأنَّ بنيه هُم أبناءُ الإثنَين معًا. كان هذا مكانًا للنُّضوج الروحيّ حيث يُلاحَظ صَنيعَ الله معه (إِسْرَائِيل) وما حارَب هو من أجله (يَعْقُوب).
ب) الآيات (٣-٤): رأوبين: لَا تَتَفَضَّلُ.
٣رَأُوبَيْنُ، أَنْتَ بِكْرِي، قُوَّتِي وَأَوَّلُ قُدْرَتِي، فَضْلُ ٱلرِّفْعَةِ وَفَضْلُ ٱلْعِزِّ. ٤فَائِرًا كَٱلْمَاءِ لَا تَتَفَضَّلُ، لِأَنَّكَ صَعِدْتَ عَلَى مَضْجَعِ أَبِيكَ. حِينَئِذٍ دَنَّسْتَهُ. عَلَى فِرَاشِي صَعِدَ.
- أَنْتَ بِكْرِي: كان لِرأوبين الحقُّ بأن يُطالِب بحقوق الوراثة التي للبكر، كَونُهُ بكرُ العائلة، لكنَّه فَقَدها بالكبرياء (فَضْلُ ٱلرِّفْعَةِ وَفَضْلُ ٱلْعِزِّ) والفِسق اللَّاأخلاقيَّيَن (حِينَئِذٍ دَنَّسْتَهُ).
- سُجِّلَ فِسقُ رأوبين مع سُرِّيَّة أبيه بِلهَة (أُمُّ أخويَهِ دان ونفتالي) في تكوين ٢٢:٣٥.
- فَائِرًا كَٱلْمَاءِ لَا تَتَفَضَّلُ: قُسِمَت حقوق البكوريَّة بسبب عدم ثبات رأوبين. بحسب العادة، كان البكر قائدًا روحيًّا واجتماعيًّا للعشيرة؛ ولكن نُلاحِظ أنَّ حقوق البركة و الكهنوت و سُلطة الحُكم بين أبناء إسرائيل كانت مُوزَّعة بين الأبناء وليست مُركَّزة في شخصٍ واحدٍ.
- بالرغم من رؤيتنا لحكمة الله في توزيع الصَّلاحيَّات بين أبناء إسرائيل، فإنَّنا نرى أيضًا أنَّ رأوبين دفع ثمنًا غاليًا نتيجةً لِعدَم ثباته. وبِقَدَر أيِّ شيء آخَرٍ، ينظُر الله إلى الشخصيَّة الثَّابتة في أُولئك الَّذين سيقودون شعبَهُ.
- لَا تَتَفَضَّلُ: لم يتميَّز سِبطُ رأوبين أبدًا. فلا يوجد نبيٌ أو قاضيٌ أو ملكٌ نعرف عنه تحدَّر من سِبطِ رأوبين. كان رأوبين مثالًا على الشخص الأوَّل الَّذي يحِلُّ آخِرًا (متَّى ٣٠:١٩).
- “يُمكِن للمرءِ أن يتمتَّع بِفُرَصٍ عظيمة، لكنَّه يخسرُها. فالأهواء والرَّغبات غير المنضبِطة تجعل مَن كان بإمكانهم أن يكونوا عُظماء صغارًا جدًّا” سبيرجن (Spurgeon)
ج) الآيات (٥-٧): شمعون ولاوي: سأُفَرِّقُهُمَا.
٥شِمْعُونُ وَلَاوِي أَخَوَانِ، آلَاتُ ظُلْمٍ سُيُوفُهُمَا. ٦فِي مَجْلِسِهِمَا لَا تَدْخُلُ نَفْسِي. بِمَجْمَعِهِمَا لَا تَتَّحِدُ كَرَامَتِي. لِأَنَّهُمَا فِي غَضَبِهِمَا قَتَلَا إِنْسَانًا، وَفِي رِضَاهُمَا عَرْقَبَا ثَوْرًا. ٧مَلْعُونٌ غَضَبُهُمَا فَإِنَّهُ شَدِيدٌ، وَسَخَطُهُمَا فَإِنَّهُ قَاسٍ. أُقَسِّمُهُمَا فِي يَعْقُوبَ، وَأُفَرِّقُهُمَا فِي إِسْرَائِيلَ.
- شِمْعُونُ وَلَاوِي أَخَوَانِ: سَمِع الابن الثاني شمعون والابن الثالث لاوي نفس كلِمات المأثرَة الشرِّيرة. كانا آلَاتِ ظُلْمٍ عندما أعدَموا رجال شَكيم في انتقامهم لاغتصاب أُختِهم دينة (تكوين ٢٥:٣٤-٢٩).
- لم يقُم يعقوب آنذاك – لَرُبَّما بسبب ضِعفهِ – بأيِّ شيءٍ باستثناء تسجيلهِ اعتراضًا شخصيًّا بسيطًا (تكوين ٣٠:٣٤). بالرغم من ذلك، فهو (كما الرَّبُّ أيضًا) تذكَّر هذا الحادِث. يُمثِّل هذا ذلك المبدأ القائل بأنَّ خطايا الماضي يُمكنها العودةُ مُجدَّدًا لِتَنتَابَ الإنسان. حتَّى ولَو غُفِرَت هذه الخطايا، يُمكِنها أن تحمِل معها تَبِعاتٍ قد نواجه آثارها طيلة أيَّام حياتنا.
- مَلْعُونٌ غَضَبُهُمَا فَإِنَّهُ شَدِيدٌ: إنَّ المشكِلة الحقيقيَّة في شمعون ولاوي هي في غَضَبِهِمَا (فِي غَضَبِهِمَا قَتَلَا إِنْسَانًا). كان غضَبُهُما خطيَّة بسبب تجذُّرِه في إرادتهما بـِ رِضَاهُمَا (وَفِي رِضَاهُمَا عَرْقَبَا ثَوْرًا).
- يتكلَّم الكتاب المقدَّس عن غضبٍ وَرِع أو تقيٍّ (اِغْضَبُوا وَلَا تُخْطِئُوا، أفسس ٢٦:٤) وآخَر غير وَرِع أو تقيٍّ (لِيُرْفَعْ مِنْ بَيْنِكُمْ كُلُّ مَرَارَةٍ وَسَخَطٍ وَغَضَبٍ وَصِيَاحٍ وَتَجْدِيفٍ مَعَ كُلِّ خُبْثٍ، أفسس ٣١:٤). على الأغلَب، إنَّ الفرق بين الغضب الوَرِع والتَّقيِّ وذلك غير الوَرِع هو الإرادة الذَّاتيَّة.
- أُقَسِّمُهُمَا فِي يَعْقُوبَ، وَأُفَرِّقُهُمَا فِي إِسْرَائِيلَ: إنَّ نبوءَة التَّقسيم والتَّفريق تحوَّلت إلى لَعنة بالنسبة إلى شمعون. كان سِبطُ شمعون الأضعَفَ عددًا بين الأسباط الإثنَي عشَر (عدد ١٤:٢٦) وهو مَن شارك يهوذا بحُصَّةِ الأرض (يشوع ١:١٩).
- أُقَسِّمُهُمَا فِي يَعْقُوبَ، وَأُفَرِّقُهُمَا فِي إِسْرَائِيلَ: إنَّ نبوءَة التَّقسيم والتَّفريق تحوَّلت إلى بَركة بالنسبة إلى لاوي. فَبِسبب أمانة هذا السِّبطِ خلال عصيان العجل الذَّهبيّ (خروج ٢٦:٣٢-٢٨)، تمَّ تفريقهم في وسط الأُمَّة على كامل الأرض الإسرائيليَّة. لم يأخذوا نصيبًا بارِزًا من الأرض، ذلك لأنَّ الرَّبَّ كان ميراثًا لهم وليست الأرض (يشوع ٣٣:١٣).
- إذًا، كلٌّ من شمعون ولاوي فُرِّق، لكن واحدٌ كَبَركة والآخر كَلَعنة. “سعيدٌ هو ذلك الرجُل، الَّذي وإن بدأ في ظلالٍ مُظلِمَةٍ تحومُ من حولِهِ، يحيا ويُحوِّل الظلمة إلى نورِ شمسٍ بهيٍّ. حَظيَ لاوي بِبَركةٍ على يدَي موسى، فكانت هذه أعظم البركات التي أخذها أيٌّ من الأسباط” سبيرجن (Spurgeon)
- قال المؤلِّف الأمريكيّ واشنطن ايرفينغ (Washington Irving) التالي: ‘هناك بصيصُ أملٍ عندما نقترب إلى ذاك الَّذي يحمل كلَّ الأشياء.’ عندما نتألَّم بسبب خطيَّتنا، يجب علينا أن نقترِب إلى الله مُتوقِّعين أنَّه برحمته سَيُحوِّلُ عذابنا إلى بِرَكة.
د ) الآيات (٨-١٢): يهوذا: لَا يَزُولُ قَضِيبٌ مِنْ يَهُوذَا.
٨يَهُوذَا، إِيَّاكَ يَحْمَدُ إِخْوَتُكَ، يَدُكَ عَلَى قَفَا أَعْدَائِكَ، يَسْجُدُ لَكَ بَنُو أَبِيكَ. ٩يَهُوذَا جَرْوُ أَسَدٍ، مِنْ فَرِيسَةٍ صَعِدْتَ يَا ٱبْنِي، جَثَا وَرَبَضَ كَأَسَدٍ وَكَلَبْوَةٍ. مَنْ يُنْهِضُهُ؟ ١٠لَا يَزُولُ قَضِيبٌ مِنْ يَهُوذَا وَمُشْتَرِعٌ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ شِيلُونُ وَلَهُ يَكُونُ خُضُوعُ شُعُوبٍ. ١١رَابِطًا بِٱلْكَرْمَةِ جَحْشَهُ، وَبِالْجَفْنَةِ ٱبْنَ أَتَانِهِ، غَسَلَ بِٱلْخَمْرِ لِبَاسَهُ، وَبِدَمِ ٱلْعِنَبِ ثَوْبَهُ. ١٢مُسْوَدُّ ٱلْعَيْنَيْنِ مِنَ ٱلْخَمْرِ، وَمُبْيَضُّ ٱلْأَسْنَانِ مِنَ ٱللَّبَنِ.
- يَهُوذَا، إِيَّاكَ يَحْمَدُ إِخْوَتُكَ: لم يكُن يهوذا شخصيَّة نموذجيَّة يُقتدَى بها بالكامل. فقد اقترح الحصول على منفعةٍ مادِّيَّة من أجلِ التَّخلُّص من يوسُف (تكوين ٢٦:٣٧). لم يتعامَل بأمانة مع كِنَّته ثامار (تكوين ٢٦:٣٨) ومارسَ الجنس معها كزانية (تكوين ١٨:٣٨). لكنَّه أظهر شخصيَّةً طيِّبة عندما تلمَّس الرَّحمة وقدَّم نفسَهُ بديلًا عن بنيامين (تكوين ١٨:٤٤-٣٤). بالـمُجمَل، هذه البَرَكة هي مثالٌ عن غنى النِّعمة الإلهيَّة لِمَن لا يستحقُّها.
- أظهرَت هذه النبوَّة عن يهوذا، بأُسلوبِ قويٍّ، وصفًا لسَليل يهوذا الأعظَم: يسوع المسيح. “كان يتكلَّم الأبُ الـمُشرِف على الموت عن ابنه يهوذا الَّذي من صِلبِهِ؛ ولكن، بينما كان يتكلَّم عن يهوذا، كانت عينه شاخِصة نحو ربِّنا الَّذي انحدَرَ من سبط يهوذا. لذلك كلُّ أمرٍ تكلَّم به عن يهوذا، ذلك الرمز، إنَّما كان يعني به يهوذا الأعظَم، ذلك الـمَرموز الـمُشار إليهِ رمزيًّا، ربَّنا يسوع المسيح” سبيرجن (Spurgeon)
- إِيَّاكَ يَحْمَدُ إِخْوَتُكَ … جَرْوُ أَسَدٍ … لَا يَزُولُ قَضِيبٌ مِنْ يَهُوذَا وَمُشْتَرِعٌ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ… وَلَهُ يَكُونُ خُضُوعُ شُعُوبٍ: كانت كلُّ كلِمةٍ من هذه الكلِمات تُشيرُ إلى موقع الـحُكم الَّذي ليهوذا بين إخوته. فقد ورِث جانِب القيادة من إرث البكوريَّة. كان يعني هذا الموقع القياديّ بين إخوته أنَّه في النِّهاية سيأتي ملوك إسرائيل من سِبطِ يهوذا وسيأتي المسيَّا – القائد الإلهيِّ الأسمى – من هذا السِّبط أيضًا.
- يُسمَّى يسوع في رؤيا ٥:٥ ٱلْأَسَدُ ٱلَّذِي مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا.
- “كان للبكر، عادةً، حقَّان: أوَّلًا، يُصبِح قائدَ العائلة، الأبُ الجديد. ثانيًا، كان له الحقُّ في ضِعفَي الإرث، مرَّتَين أكثر من أيٍّ من إخوته الآخَرين” بويس (Boice)
- حَتَّى يَأْتِيَ شِيلُونُ: استغرقَت نبوءة القيادة حوالي ٦٤٠ سنةً لِتَتحقَّق جزئيًّا في حُكم داود، الملِك الأوَّل من سُلالة ملوك يهوذا. واستغرقَت النُّبوءة حوالي ١٦٠٠ سنةٍ لِتَتحقَّق بالكامل في يسوع. يسوع هو الـمُشارُ إليه بـ شِيلُون، الإسم الَّذي يعني، الَّذي لهُ أو حتَّى يأتي إلى ما يخصُّهُ، وهو لقَبٌ، كما يُفهَمُ قديمًا، يُشير إلى المسيَّا.
- من داود إلى الهيرودسيِّين، كان أميرٌ من يهوذا مُتسلِّطًا على إسرائيل (وحتَّى دانيال في الأسر). كان الوعد بأنَّ إسرائيل ستحتفِظ بقضيبها حَتَّى يَأْتِيَ شِيلُونُ. كان لإسرائيل حقٌّ محدودٌ في الحكم الذاتيّ حتَّى تحت حُكم الغرباء لغاية ٧ ب.م. ففي ذلك الوقت، خلال حُكم هيرودس والرُّومان، أُخِذ حقُّ الإعدام، العنصُر المتبقِّي من حقبة الحُكم الذاتيّ، من بين أيديهم.
- في ذلك الوقت، اعتبَر الحاخامات هذه الكلِمات كارثة دالَّة على عدم إتمام النبوَّة. فَبِحسب الظَّاهِر، انتقل آخِرُ أثَرٍ لِقضيب يهوذا من هذا السِّبط ولم يأتِ المسيَّا. بحسب التَّقارير، مشى الحاخامات في شوارع أُورشليم مُردِّدين، ‘الويل لنا، لقد أُخِذ القضيب من يهوذا وشيلون لم يأتِ.’ بالرغم من هذا، فإنَّ كلِمة الله لَم تُكسَر.
- بكلِّ تأكيدٍ، كان يسوع حيًّا آنذاك. لَرُبَّما كانت هذه السنة بالذَّات، أي حينما كان في سنِّ ١٢ وهو يتباحَثُ بكلمة الله في الهيكَل مع المعلِّمين في تلك الأيَّام. لَرُبَّما أثَّر فيهم بمعرفته عن هذا الموضوع بالتَّحديد.
- رَابِطًا بِٱلْكَرْمَةِ جَحْشَهُ: تحتوي هذه البَرَكة أيضًا على وصْفٍ لِوِفرة يهوذا المادِّيَّة (ٱلْكَرْمَة). كانت أرضُ يهوذا موقِعًا عظيمًا لزراعة الكَرمة والعِنَب.
هـ) الآية (١٣): زبولون: وَهُوَ عِنْدَ سَاحِلِ ٱلسُّفُنِ.
١٣زَبُولُونُ، عِنْدَ سَاحِلِ ٱلْبَحْرِ يَسْكُنُ، وَهُوَ عِنْدَ سَاحِلِ ٱلسُّفُنِ، وَجَانِبُهُ عِنْدَ صَيْدُونَ.
- زَبُولُونُ: تخطَّى يعقوب في هذه اللَّحظة التَّرتيب العُمريّ وانتقل إلى الابنَين التَّاسع والعاشر بحسب ولادتهما، واضعًا نُصبَ أعيُنهِ الأبناء الَّذين وُلِدوا لِلَيئَة.
- تميَّز سِبطُ زبولون بولائه لِداود من خلالِ تقديمه أكبر عددٍ من الجنود يُمكِن تقديمه من سِبطٍ واحدٍ: مِنْ زَبُولُونَ ٱلْخَارِجُونَ لِلْقِتَالِ ٱلْمُصْطَفُّونَ لِلْحَرْبِ بِجَمِيعِ أَدَوَاتِ ٱلْحَرْبِ خَمْسُونَ أَلْفًا، وَلِلِٱصْطِفَافِ مِنْ دُونِ خِلَافٍ (١ أخبار الأيَّام ٣٣:١٢).
- عِنْدَ سَاحِلِ ٱلْبَحْرِ يَسْكُنُ، وَهُوَ عِنْدَ سَاحِلِ ٱلسُّفُنِ: يبدو أنَّ سِبطَ زبولون سكن في تلك البقعة من الأرض الواقعة بين البحر الأبيض المتوسِّط وبحر الجليل. حرفيًّا، يُمكِن ترجمة عِنْدَ سَاحِلِ ٱلْبَحْرِ يَسْكُنُ كـ النَّاظرين لِجهَّة البحر. بالفعل، كان سِبطُ زبولون يتطلَّع إلى البحر من كِلا الجهَّتَين الشرقيَّة والغربيَّة.
و ) الآيات (١٤-١٥): يسَّاكِر: حِمَارٌ جَسِيمٌ.
١٤يَسَّاكَرُ، حِمَارٌ جَسِيمٌ رَابِضٌ بَيْنَ ٱلْحَظَائِرِ. ١٥فَرَأَى ٱلْمَحَلَّ أَنَّهُ حَسَنٌ، وَٱلْأَرْضَ أَنَّهَا نَزِهَةٌ، فَأَحْنَى كَتِفَهُ لِلْحِمْلِ وَصَارَ لِلْجِزْيَةِ عَبْدًا.
- حِمَارٌ جَسِيمٌ رَابِضٌ: كان سِبطُ يسَّاكَر سِبطًا كبيرًا – ثالِثًا من حيث عددهِ الكبير بحسب إحصاء سفر العدد ٢٦.
- وَصَارَ لِلْجِزْيَةِ عَبْدًا: بسبب حجمهِ وَوِفرَتهِ، كان هذا السِّبطُ هدفًا لإخضاع الجيوش الغريبة الَّذين أخذوه في الأسر. لذلك صَارَ السِّبطُ لِلْجِزْيَةِ عَبْدًا.
- “وكأنَّ هذه الكلِمات تعني أنَّ يسَّاكَر كان قويًّا، لكنَّه طَيِّعٌ وسهل الانقياد وقابلٌ للتَّعلُّم وكَسولٌ. سيتمتَّع بالأرض الجيِّدة التي كانت من نصيبه، لكنَّه لَن يتعَب من أجلها. لذلك، في نهاية المطاف سوف يُرغَم على العبوديَّة لِمُجرَّد حَمْلِ أثقالِ أسياده” ليوبولد (Leupold)
ز ) الآيات (١٦-١٨): دان: حَيَّةٌ عَلَى ٱلطَّرِيقِ.
١٦دَانُ، يَدِينُ شَعْبَهُ كَأَحَدِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ. ١٧يَكُونُ دَانُ حَيَّةً عَلَى ٱلطَّرِيقِ، أُفْعُوانًا عَلَى ٱلسَّبِيلِ، يَلْسَعُ عَقِبَيِ ٱلْفَرَسِ فَيَسْقُطُ رَاكِبُهُ إِلَى ٱلْوَرَاءِ. ١٨لِخَلَاصِكَ ٱنْتَظَرْتُ يَا رَبُّ.
- دَانُ، يَدِينُ شَعْبَهُ: دانَ سِبطُ دَان بالفعل شَعْبَهُ. فقد كان مصدرًا لأبرز القضاة ألا وهو شمشون (قضاة ٢:١٣).
- يَكُونُ دَانُ حَيَّةً عَلَى ٱلطَّرِيقِ: كان سِبطُ دان سِبطًا مُزعِجًا. فقد أدخلوا عبادة الأوثان إلى إسرائيل (قضاة ٣٠:١٨). هذا وعَمِلَ يَرُبْعَامُ عجلا ذهبيًّا وجعله في دان (١ ملوك ٢٦:١٢-٣٠)، وأصبح سِبطُ دان في فترةٍ لاحِقة معروفًا بالعبادة الوثنيَّة في إسرائيل (عاموس ١٤:٨).
- يعتقِد البعض أنَّ عبارة حَيَّة عَلَى ٱلطَّرِيقِ إنَّما تُشير إلى ضدِّ المسيح الآتي من سِبط دان (بناءً على دانيال ٣٧:١١ وإرميا ١٦:٨).
- لَم يُذكَر سِبطُ دان في قائمة الأسباط الإثنَي عشر المتعلِّقة بعدد الـ ١٤٤،٠٠٠ المذكور في رؤيا ٥:٧-٨. لكنَّ دان هو السِّبطُ الأوَّل المذكور في دِرْج الأسباط الألفيّ للنبيِّ حزقيال (حزقيال ٤٨). فهذا إن دلَّ على شيءٍ فهو علامةٌ دالَّة على خلاص الله وفدائهِ.
- لِخَلَاصِكَ ٱنْتَظَرْتُ يَا رَبُّ: إنَّ الكلِمة العبريَّة لـ خَلَاص هي ’yeshuwah.‘ ففي هذه اللَّحظة من النبوَّة، عندما كان يعقوب يقترِب من ساعة الموت، صرخ إلى الله طالِبًا الخلاص. سواء كان يعلَمُ بذلك أم لا، يعتقِد البعض بأنَّ يعقوب كان يستدعي أو يصرخ إلى يسوع.
- “يُمكِننا تنفُّسُ الصُّعداء هُنا! عندما ندنو نحن، أنا وأنتُم، إلى نهاية رحلة الحياة، هل يُمكِننا أن نقول كما قال يعقوب، ‘لِخَلَاصِكَ ٱنْتَظَرْتُ يَا رَبُّ’؟” سبيرجن (Spurgeon)
ح) الآية (١٩): جاد: وَلَكِنَّهُ يَزْحَمُ مُؤَخَّرَهُ.
١٩جَادُ، يَزْحَمُهُ جَيْشٌ، وَلَكِنَّهُ يَزْحَمُ مُؤَخَّرَهُ.
- جَادُ: استطاع سِبطُ جاد أن يُقدِّم فِرَقًا من الجيش مُدرَّبة تدريبًا حسنًا للملِك الَّذي سيأتي، أي داود (١ أخبار الأيَّام ١٤:١٢).
- يَزْحَمُهُ جَيْشٌ: أخضعت جيوشٌ أجنبيَّة سِبطَ جاد في زَمَن النبيِّ إرميا (وفي أوقاتٍ أُخرى أيضًا) (إرميا ١:٤٩). لكنَّ الغلّبة كانت من نصيبهِ في الختام (وَلَكِنَّهُ يَزْحَمُ مُؤَخَّرَهُ).
- وَلَكِنَّهُ يَزْحَمُ مُؤَخَّرَهُ: “كانت هذه البَرَكة للكثيرين من أبناء الله – أن يُحارِبوا ويخسروا الحربَ بحسب الظَّاهِر، ولكن أن يربحوا أيضًا في الختام” سبيرجن (Spurgeon)
ط) الآية (٢٠): أشير: هُوَ يُعْطِي لَذَّاتِ مُلُوكٍ.
٢٠أَشِيرُ، خُبْزُهُ سَمِينٌ وَهُوَ يُعْطِي لَذَّاتِ مُلُوكٍ.
- وَهُوَ يُعْطِي لَذَّاتِ مُلُوكٍ: في سفر التَّثنية ٢٤:٣٣، أعاد موسى تأكيد هذه النبوَّة المتعلِّقة بـ أشير: وَلِأَشِيرَ قَالَ: مُبَارَكٌ مِنَ ٱلْبَنِينَ أَشِيرُ. لِيَكُنْ مَقْبُولًا مِنْ إِخْوَتِهِ، وَيَغْمِسْ فِي ٱلزَّيْتِ رِجْلَهُ.
- وَهُوَ يُعْطِي لَذَّاتِ مُلُوكٍ: يبدو أنَّ الأرض التي أخذها سِبطُ أشير كانت صالحة ليس فقط لإنتاج الحاجات الضَّروريَّة بل أيضًا تلك التي كانت تتَّسِم بالتَّنعُّم والرَّفاهية.
ي) الآية (٢١): نفتالي: هُوَ يُعْطِي لَذَّاتِ مُلُوكٍ.
٢١نَفْتَالِي، أَيِّلَةٌ مُسَيَّبَةٌ يُعْطِي أَقْوَالًا حَسَنَةً.
- نَفْتَالِي: كانت أرضُ نفتالي قطعةً قريبة من بحر الجليل، تلك المنطقة التي شهِدَت على الكثير من تعليم وخدمة يسوع.
- “وَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ أَنَّ يُوحَنَّا أُسْلِمَ، ٱنْصَرَفَ إِلَى ٱلْجَلِيلِ. وَتَرَكَ ٱلنَّاصِرَةَ وَأَتَى فَسَكَنَ فِي كَفْرَنَاحُومَ ٱلَّتِي عِنْدَ ٱلْبَحْرِ فِي تُخُومِ زَبُولُونَ وَنَفْتَالِيمَ، لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِإِشَعْيَاءَ ٱلنَّبِيِّ ٱلْقَائِلِ: أَرْضُ زَبُولُونَ، وَأَرْضُ نَفْتَالِيمَ، طَرِيقُ ٱلْبَحْرِ، عَبْرُ ٱلْأُرْدُنِّ، جَلِيلُ ٱلْأُمَمِ. ٱلشَّعْبُ ٱلْجَالِسُ فِي ظُلْمَةٍ أَبْصَرَ نُورًا عَظِيمًا، وَٱلْجَالِسُونَ فِي كُورَةِ ٱلْمَوْتِ وَظِلَالِهِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ” (متَّى ١٢:٤-١٦).
- يُعْطِي أَقْوَالًا حَسَنَةً: بما أنَّ جزءًا لا يُستهانُ به من خدمة الرَّبِّ يسوع المسيح قد جرى في منطقة نفتالي، نعتبِر هذه الكلِمات مُناسبة له.
ك) الآيات (٢٢-٢٦): يوسُف: غُصْنُ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ.
٢٢يُوسُفُ، غُصْنُ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ، غُصْنُ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ عَلَى عَيْنٍ. أَغْصَانٌ قَدِ ٱرْتَفَعَتْ فَوْقَ حَائِطٍ. ٢٣فَمَرَّرَتْهُ وَرَمَتْهُ وَٱضْطَهَدَتْهُ أَرْبَابُ ٱلسِّهَامِ. ٢٤وَلَكِنْ ثَبَتَتْ بِمَتَانَةٍ قَوْسُهُ، وَتَشَدَّدَتْ سَوَاعِدُ يَدَيْهِ. مِنْ يَدَيْ عَزِيزِ يَعْقُوبَ، مِنْ هُنَاكَ، مِنَ ٱلرَّاعِي صَخْرِ إِسْرَائِيلَ، ٢٥مِنْ إِلَهِ أَبِيكَ ٱلَّذِي يُعِينُكَ، وَمِنَ ٱلْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ٱلَّذِي يُبَارِكُكَ، تَأْتِي بَرَكَاتُ ٱلسَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَبَرَكَاتُ ٱلْغَمْرِ ٱلرَّابِضِ تَحْتُ. بَرَكَاتُ ٱلثَّدْيَيْنِ وَٱلرَّحِمِ. ٢٦بَرَكَاتُ أَبِيكَ فَاقَتْ عَلَى بَرَكَاتِ أَبَوَيَّ. إِلَى مُنْيَةِ ٱلْآكَامِ ٱلدَّهْرِيَّةِ تَكُونُ عَلَى رَأْسِ يُوسُفَ، وَعَلَى قِمَّةِ نَذِيرِ إِخْوَتِهِ.
- يُوسُفُ، غُصْنُ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ: كانت هذه الكلِمات وصفًا لحياةِ يوسُف وبركةً شخصيَّة لِنَسله. وبمعنًى ما، كانت عشائر يوسف مُبارَكة بالفعل عندما نال أبناؤه البركة في تكوين ٤٨.
- هذا الوصف عن يوسُف – كـ غُصْنِ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ – يتكلَّم عن شخصيَّتهِ المرتوية والشَّبعانة في علاقةٍ عميقة وحقيقيَّة مع الله. “كانت الصِّفة الأساسيَّة في شخصيَّة يوسُف تَتَّسِمُ بعلاقةٍ واضحة وثابتة مع الله، لذلك باركهُ الله أكثر جدًّا. فقد عاش لله وكان خادِمًا له؛ وعاش مع الله وكان ابنًا له” سبيرجن (Spurgeon)
- فَمَرَّرَتْهُ وَرَمَتْهُ وَٱضْطَهَدَتْهُ أَرْبَابُ ٱلسِّهَامِ: بالرغم من أنَّ يوسُف مَرَّرَتْهُ وَٱضْطَهَدَتْهُ أَرْبَابُ ٱلسِّهَامِ، فهو لا يزال غُصْنَ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ. يعود هذا إلى أنَّ سَوَاعِدَ يَدَيْهِ قد تَشَدَّدَتْ مِنْ يَدَيْ عَزِيزِ يَعْقُوبَ. تتمحوَر هذه الفكرة حول يدَي الله اللَّتَين أحاطتا بيدَي يوسُف مُعطيةً إيَّاهُ القوَّة والحرفيَّة لِيعملَ كَرَامٍ مُحترِف. لقد كان الله هُناك حتَّى عندما لم يكُن يوسُف يُدرِك ذلك.
- وَمِنَ ٱلْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ٱلَّذِي يُبَارِكُكَ: كان يوسُف حتمًا مُبارَكًا في أجيالهِ التي ستأتي. لقد كانت عشائرهُ وقبائلهُ الأكثر عددًا. وبهذا المعنى، قد أخذ البركة المادِّيَّة، أي ضِعفَي ذلك الجزء من الميراث الَّذي للبكر.
- بَرَكَاتُ أَبِيكَ فَاقَتْ عَلَى بَرَكَاتِ أَبَوَيَّ: يُمكِن ليعقوب أن يقول ذلك لأنَّه في مُعظَم حياته كان وغدًا ونذلًا. والآن، في نهاية حياته فقد رأى كَم كان الله صالِحًا معه. فقد تمَّت مُسامحتهُ وهو أُحِبَّ كثيرًا (لوقا ٤٧:٧).
- مِنْ يَدَيْ عَزِيزِ يَعْقُوبَ: عدَّد يعقوب خمسةَ أسماءٍ أو صفاتٍ لله في كلِماته لِيوسُف. تُظهِر هذه الصِّفات فهمًا عمَّن هو الله.
- عَزِيزُ يَعْقُوب.
- ٱلرَّاعِي.
- صَخْرُ إِسْرَائِيل.
- إِلَهُ أَبِيكَ.
- ٱلْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.
- كانت هذه العبارات أفضلَ بكثيرِ من تلك العبارات التي وصفَ بها الله كـ إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ أو هَيْبَةِ أَبِيهِ إِسْحَاقَ (تكوين ٥٣:٣١). لقد عَلِمَ الآن بالفعل من هو الله بالنسبة إليه.
ل) الآية (٢٧): بنيامين: ذِئْبٌ يَفْتَرِسُ.
٢٧بَنْيَامِينُ ذِئْبٌ يَفْتَرِسُ. فِي ٱلصَّبَاحِ يَأْكُلُ غَنِيمَةً، وَعِنْدَ ٱلْمَسَاءِ يُقَسِّمُ نَهْبًا.
- بَنْيَامِينُ ذِئْبٌ يَفْتَرِسُ: كان هذا سِبطًا يتَّصِفُ بالعُنفِ والرَّهبَة.
- يَأْكُلُ غَنِيمَةً: كي نستطيع أن نرى المدى البعيد لهذه الكلِمات، فَلْنَنظُر إلى إِهُود (قُضاة ١٥:٣-٢٣) وشاول (١ صموئيل ١:٩، ٤٧:١٤-٥٢) وبولس (شاول؛ أعمال الرُّسُل ١:٨-٣). فَيُمكِن رؤية وَحشيَّة هذا السِّبط بشكلٍ عام في سفر القُضاة في الأصحاحَين ١٩ و ٢٠.
م ) الآية (٢٨): يَختَتِم يعقوب بركة أبنائه.
٢٨جَمِيعُ هَؤُلَاءِ هُمْ أَسْبَاطُ إِسْرَائِيلَ ٱلِٱثْنَا عَشَرَ. وَهَذَا مَا كَلَّمَهُمْ بِهِ أَبُوهُمْ وَبَارَكَهُمْ. كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ بَرَكَتِهِ بَارَكَهُمْ.
- وَبَارَكَهُمْ: نذكُر أنَّ بعض الأشياء المذكورة عن الأسباط تبدو وكأنَّها ضبابيَّةٌ بعض الشيء، فقط لأنَّنا لا ندري تمامًا تحقيق هذه النبوَّات إلَّا في أوقاتها المحدَّدة.
- كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ بَرَكَتِهِ بَارَكَهُمْ: كان لكلِّ ابنٍ وسِبطٍ خارجٍ من صُلبهِ دعوتُهُ الخاصَّة ومصيرَهُ. إلَّا أنَّ الوعد الرَّائع لَهُوَ راسخٌ وثابت – أن يعيشَ كلُّ سِبطٍ وينمو إلى سِبطٍ ذي أهمِّيَّة من دون أن يزول أحدٌ منهم خلال القرون الطويلة التي ستأتي عليهم في أرضِ مصرَ.
ثانيًا. موت يعقوب
أ ) الآيات (٢٩-٣٢): يعقوب يوصي أبنائه بأن يدفنوه في كنعان.
٢٩وَأَوْصَاهُمْ وَقَالَ لَهُمْ: «أَنَا أَنْضَمُّ إِلَى قَوْمِي. اِدْفِنُونِي عِنْدَ آبَائِي فِي ٱلْمَغَارَةِ ٱلَّتِي فِي حَقْلِ عِفْرُونَ ٱلْحِثِّيِّ. ٣٠فِي ٱلْمَغَارَةِ ٱلَّتِي فِي حَقْلِ ٱلْمَكْفِيلَةِ، ٱلَّتِي أَمَامَ مَمْرَا فِي أَرْضِ كَنْعَانَ، ٱلَّتِي ٱشْتَرَاهَا إِبْرَاهِيمُ مَعَ ٱلْحَقْلِ مِنْ عِفْرُونَ ٱلْحِثِّيِّ مُلْكَ قَبْرٍ. ٣١هُنَاكَ دَفَنُوا إِبْرَاهِيمَ وَسَارَةَ ٱمْرَأَتَهُ. هُنَاكَ دَفَنُوا إِسْحَاقَ وَرِفْقَةَ ٱمْرَأَتَهُ، وَهُنَاكَ دَفَنْتُ لَيْئَةَ. ٣٢شِرَاءُ ٱلْحَقْلِ وَٱلْمَغَارَةِ ٱلَّتِي فِيهِ كَانَ مِنْ بَنِي حِثَّ».
- أَنَا أَنْضَمُّ إِلَى قَوْمِي: كان يعقوب واثِقًا بأنَّ أباهُ إسحاق وجدَّهُ إبراهيم استمرَّا في العيش في حالةٍ أبديَّة وأنَّه سينضمُّ إليهما.
- اِدْفِنُونِي عِنْدَ آبَائِي: بالرغم من أنَّ يعقوب كان موجودًا آنذاك في مصرَ، فقد عَلِمَ أنَّه ليس مصريًّا. كان ابنًا للموعِد ووريثًا لِعهدِ الله مع إبراهيم لذلك طلب أن يُدفَنَ في أرض الموعِد – الموعِد الَّذي أُعطيَ بالعهد لإبراهيم وإسحاق ويعقوب.
- فِي ٱلْمَغَارَةِ ٱلَّتِي فِي حَقْلِ ٱلْمَكْفِيلَةِ: كانت مصر مملوءة بالمدافن الهائلة، وبسبب الاحترام الَّذي كان يعقوب يمتلِكَهُ، كان يُمكِنه أن يُدفَنَ كَفِرعَون. لكنَّه آثَر أن يُدفَن في مكانٍ مجهولٍ في كنعان، ذلك بسبب أنَّ كنعان كانت أرضَ الموعِد.
ب) الآية (٣٣): موتُ يعقوب.
٣٣وَلَمَّا فَرَغَ يَعْقُوبُ مِنْ تَوْصِيَةِ بَنِيهِ ضَمَّ رِجْلَيْهِ إِلَى ٱلسَّرِيرِ، وَأَسْلَمَ ٱلرُّوحَ وَٱنْضَمَّ إِلَى قَوْمِهِ.
- وَأَسْلَمَ ٱلرُّوحَ: يُنهي هذا حياة آخِر الآباء العظام، إبراهيم وإسحاق ويعقوب. بالرغم من ذلك، فإنَّ عمل وخُطَّة الله لن ينتهِيَا. لقد استمرَّا من خلال الرِّجال والأجيال القادِمة.
- وَلَمَّا فَرَغَ يَعْقُوبُ مِنْ تَوْصِيَةِ بَنِيهِ: “لَم يُسلِم يعقوب الرُّوح حتَّى فرَغَ من آخِر وصيَّةٍ له مُتعلِّقة بِمَنحِ البرَكة أو بالعتاب والنُّصحِ والتَّحذير لأبنائه الإثنَي عشر. لم يكُن مُستعدًّا للموت إلى أن أكمل عمَلَهُ. لطالَما كان الله يضع في فَمِهِ كلامًا، فَلَم تكُن للموت قُدرةٌ على تكبيل فَمِهِ” سبيرجن (Spurgeon)
- وَٱنْضَمَّ إِلَى قَوْمِهِ: يُقال أنَّه يوجَد ثلاثةُ مواقِف تجاه الموت. تمسَّك اليونانيُّون القدامى بما أسمَوهُ رأيَ قَبول الموت. أمَّا عالَمُنا المعاصر فاستسلَمَ لِنَهجِ إنكار الموت. لكنَّ النَّظرة والنَّهج الكتابيَّيَن يتبنَّان مَوقِفًا يتحدَّى الموت.