سفر التكوين – الإصحاح ٣٢
يُحضِّر يعقوب لِلقاء عيسو
أولًا. يسمع يعقوب عن اقتراب عيسو
أ ) الآيات (١-٢): يلتقي يعقوب بملائكة الله في مَحَنَايِم.
١وَأَمَّا يَعْقُوبُ فَمَضَى فِي طَرِيقِهِ وَلَاقَاهُ مَلَائِكَةُ ٱللهِ. ٢وَقَالَ يَعْقُوبُ إِذْ رَآهُمْ: «هَذَا جَيْشُ ٱللهِ!». فَدَعَا ٱسْمَ ذَلِكَ ٱلْمَكَانِ «مَحَنَايِمَ».
- وَلَاقَاهُ مَلَائِكَةُ ٱللهِ: لا ندري تحديدًا ماذا يعني هذا. فَبِطريقةٍ ما، ظهرت الكائنات الملائكيَّة غير المنظورة عادةً لِيَعقوب والتَقَوا به. لَربَّما أراد الله أن يُدرِك يعقوب عِظَم العناية الإلهيَّة له ولعائلته.
- جاء هذا الإعلان الرائع عن حضور الله وعنايته بعد أن انفصل يعقوب أخيرًا عن لابان، ذلك الرجُل الأرضيّ. فالانفصال عن العالَم يُعطي بصيرةً للإنسان المؤمِن.
- “تحدث ‘مَحَنَايِم’ الخاصَّة بنا في وقتٍ شبيهٍ بذلك الوقت الَّذي رأى فيه يعقوب هذه الرؤيا العظيمة. كان يعقوب يدخل إلى حياةٍ أكثر انفصالًا. كان يَهُمُّ بِتَرك لابان وتلك المدرسة من الخداع والمساومة والمقايضة التي تنتمي إلى عالَمٍ شرِّير.” سبيرجن (Spurgeon)
- هَذَا جَيْشُ ٱللهِ: حرفيًّا، لاحظ يعقوب أنَّه موجودٌ في مُخيَّمٍ مُزدوج. لم يكُن وحيدًا؛ كان لله جيشٌ من الملائكة ليكونوا معه في مَحَنَايِم.
- لم يكُن الأمر كما لو أنَّ ملائكة الله انضمُّوا إلى يعقوب للتَّوِّ. كانوا دائمًا معهُ. أمَّا الآن، فيستطيع يعقوب أن يرى ملائكة الله معه، مُقدِّمين له تشجيعًا عظيمًا.
- بالرغم من أنَّ الملائكة هي خلائق ‘أسمى’ منَّا، فقد أرسلها الله لكي تكون خادمةً لنا (عبرانيِّين ١٤:١)، وهُم يخدمون شعب الله كما خدموا يسوع (متَّى ١١:٤). وفي ١٧، فُتِحت عينا خادم أليشع ليرى الجيش الملائكيّ الهائل المحيط بهم.
- يُروي جون باتون (John Paton)، مُرسَلٌ إلى جزُر هيبريدس الجديدة، كيف أنَّ السكَّان الأصليِّين المعادينَ حاوطوا ذات ليلةٍ المقرَّ الرئيسيّ لإرساليَّته. وكان في نيَّتهم إخراج عائلة باتون من بيتهم وقتلهم. صلَّى باتون وزوجته كلَّ اللَّيل، وعندما طلع الفجر، كان المهاجمون قد اختفَوا. وبعد سنةٍ من هذه الحادثة، اعتنق رئيس القبيلة المسيحيَّة، فسأله باتون عن تلك اللَّيلة. أجاب رئيس القبيلة، ‘مَن كان جميع هؤلاء الرِّجال الَّذين معك هناك؟’ فشرح المرسَل أنَّه كان وحيدًا مع زوجته آنذاك. أصرَّ رئيس القبيلة أنَّه رأى مئات الرِّجال الكبار لابسين لباسًا لامعًا وحاملين سيوفًا حول الإرساليَّة، الأمر الَّذي سبَّب الخوف في وسط السكَّان المحلِّيِّين فامتنعوا عن الهجوم (بيلي غراهام في الملائكة: وكلاء الله السرِّيُّون، ص. ٣). ففي تلك اللَّيلة تَوَاجد في جزُر هيبريدس الجديدة ‘مُعسكرٌ مُزدوِج،’ مجموعة من الملائكة لمساعدة وخدمة عائلة المرسَل.
- هذا ما قاله سبيرجن (Spurgeon) عن الجماهير الملائكيَّة الكبيرة التي أعدَّها الله لتقديم المساعدة لشعبه: “قد يكون كلُّ نجمٍ عالَمًا بحدِّ ذاته، أضِف إلى هذه النُّجوم جيشًا من خدَّام الله الَّذين يقفون مُستعدِّين ومُتأهِّبين كي يكونوا كألسنةٍ من نار عندما يُرسِلَهم يهوه بمحبَّته. إذا لم يكُن مُمكِنًا أن تتأمَّن لِمُختاري الرَّبِّ الحماية بواسطة قوًى في عالَمٍ واحِد، فما عليهم إلَّا وأن يتكلَّموا أو يشاؤوا فتجتمعَ جيوشٌ من الأرواح الخادمة من أقاصي الفضاء وتتقدَّم لحراسة أولاد مَلِكِهم.”
- “لا أُطالِبَك بأن ترى الملائكة: ولكن، إن رأيت، فَلْيَكُن. لكن، بعد كلِّ هذا، ما معنى أن ترى ملاكًا؟ ألا تعتقد بأنَّ حضور الله أفضل من رؤية أعظم خلائقه؟ لَربَّما خصَّى الله يعقوب برؤية الملائكة بسبب افتقارهِ وإيمانه الضَّعيف.” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآيات (٣-٦): رسالةُ يعقوب إلى عيسو.
٣وَأَرْسَلَ يَعْقُوبُ رُسُلًا قُدَّامَهُ إِلَى عِيسُوَ أَخِيهِ إِلَى أَرْضِ سَعِيرَ بِلَادِ أَدُومَ، ٤وَأَمَرَهُمْ قَائِلًا: «هَكَذَا تَقُولُونَ لِسَيِّدِي عِيسُوَ: هَكَذَا قَالَ عَبْدُكَ يَعْقُوبُ: تَغَرَّبْتُ عِنْدَ لَابَانَ وَلَبِثْتُ إِلَى ٱلْآنَ. ٥وَقَدْ صَارَ لِي بَقَرٌ وَحَمِيرٌ وَغَنَمٌ وَعَبِيدٌ وَإِمَاءٌ. وَأَرْسَلْتُ لِأُخْبِرَ سَيِّدِي لِكَيْ أَجِدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ». ٦فَرَجَعَ ٱلرُّسُلُ إِلَى يَعْقُوبَ قَائِلِينَ: «أَتَيْنَا إِلَى أَخِيكَ، إِلَى عِيسُو، وَهُوَ أَيْضًا قَادِمٌ لِلِقَائِكَ، وَأَرْبَعُ مِئَةِ رَجُلٍ مَعَهُ».
- وَأَرْسَلَ يَعْقُوبُ رُسُلًا قُدَّامَهُ إِلَى عِيسُوَ أَخِيهِ: في سَعيهِ لمصالَحة أخيه الَّذي تعهَّد قبل عشرين عامًا بقتله، تصرَّف يعقوب بتواضعٍ أوَّلًا، ثمَّ ثانيًا تكلَّم قائلًا: ‘سَيِّدِي عِيسُو.’
- وَقَدْ صَارَ لِي بَقَرٌ وَحَمِيرٌ وَغَنَمٌ وَعَبِيدٌ وَإِمَاءٌ: لم يكُن يعقوب يتفاخَر. فقد أراد أن يقول لـِعيسو بأنَّه رجلٌ غنيٌّ ولم يأتِ ليأخذ أيَّ شيءٍ منه. حاول يعقوب أن يتوقَّع طريقة تفكير أخيه كي يستطيع الإجابة عن مخاوِف عيسو.
- وَهُوَ أَيْضًا قَادِمٌ لِلِقَائِكَ، وَأَرْبَعُ مِئَةِ رَجُلٍ مَعَهُ: وعندما رَجِع المرسَلُون، استمع يعقوب إلى أخبارٍ كانت سبب قلقٍ عظيمٍ لديه – كان عيسو قادِمًا لِلِقائه ومعه ٤٠٠ رجُل. ولأنَّ يعقوب لم يكُن في مقدوره أن يفهم عيسو (لأسبابٍ مفهومة)، فقد كان مُقتنِعًا بأنَّ هذا الجيش المؤلَّف من ٤٠٠ رجُل كان ينوي القضاء عليه وعلى عائلته.
ج) الآيات (٧-٨): خوفُ يعقوب وتحضيراته المذعورة.
٧فَخَافَ يَعْقُوبُ جِدًّا وَضَاقَ بِهِ ٱلْأَمْرُ، فَقَسَمَ ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ مَعَهُ وَٱلْغَنَمَ وَٱلْبَقَرَ وَٱلْجِمَالَ إِلَى جَيْشَيْنِ. ٨وَقَالَ: «إِنْ جَاءَ عِيسُو إِلَى ٱلْجَيْشِ ٱلْوَاحِدِ وَضَرَبَهُ، يَكُونُ ٱلْجَيْشُ ٱلْبَاقِي نَاجِيًا».
- فَخَافَ يَعْقُوبُ جِدًّا وَضَاقَ بِهِ ٱلْأَمْرُ: عندما واجَه لابان يعقوب بميليشيا مُعادية، وقف يعقوب بصلابة وعبَّر عن فكره (تكوين ٣٦:٣١-٤٢)؛ لكنَّ يعقوب كان خائفًا من لقاءِ عيسو. وكان سببُ ذلك أنَّ يعقوب عرف أنَّه لم يكُن مُخطئًا تجاهَ لابان، ولكنَّه كان مُخطئًا تجاهَ عيسو.
- “كان يعقوب قد نجا للتوِّ من لابان، لكنَّه كان مظلومًا بِحِملٍ آخَر: فقد كانت رَهبةُ عيسو مُسيطِرةً عليه. فهو قد أخطأ بحقِّ أخيه؛ وأنت لا يُمكنك أن ترتكب خطأً ما من دون أن تتحمَّل وِزرَهُ فيما بعد.” سبيرجن (Spurgeon)
- كان شيكسبير صائبًا عندما كتب، ‘يجعل منَّا الضمير جميعًا جبناء،’ (هاملت، الحلقة ٣، المشهد ١). وكما لم يكُن ليعقوب قوَّة بوجه عيسو بسبب ذنبهِ، فإنَّ الكثيرين من المسيحيِّين اليوم هُم أيضًا مُعوَّقون بذكريات الماضي من الخطايا والسَّقطات.
- فَخَافَ يَعْقُوبُ جِدًّا وَضَاقَ بِهِ ٱلْأَمْرُ: قبل أن يترك يعقوب البيت، وبعد أنَّ تعهَّد أخوه بقتله، أخبرت رفقة يعقوب بهذه الكلمات، حَتَّى يَرْتَدَّ غَضَبُ أَخِيكَ عَنْكَ، وَيَنْسَى مَا صَنَعْتَ بِهِ. ثُمَّ أُرْسِلُ فَآخُذُكَ مِنْ هُنَاكَ. لِمَاذَا أُعْدَمُ ٱثْنَيْكُمَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ؟ (تكوين ٤٥:٢٧). لم تُرسِل رفقة أبدًا لإرجاعِ يعقوب؛ لذلك، كان لدى يعقوب كلُّ الأسباب للاعتقاد بأنَّ عيسو كان لا يزال غاضبًا منه بعد ٢٠ عامًا.
- لكن كان لدى يعقوب أيضًا كلُّ الأسباب للاعتقاد بأنَّ الله سيحميه. إلَّا أنَّه يبدو وكأنَّه قد نسيَ أنَّ لله جيشًا من الملائكة لحمايته (تكوين ١:٣٢-٢). كان خوفهُ وقلقهُ الكبيرَين غير مُنسجِمَين مع حماية الله لأيِّ شخصٍ.
- كان خوفُ يعقوب خطأً، ذلك لأنَّه أتى بعد تحريرٍ كبير.
- كان خوفُ يعقوب خطأً، ذلك لأنَّه تمتَّع بزيارةٍ إلهيَّة فريدة.
- كان خوفُ يعقوب خطأً، ذلك لأنَّه نابعٌ ربَّما من تذكُّرهِ لخطاياه السَّالِفة.
- كان من الممكِن ليعقوب القَول، “لا أدري ما إذا كان عيسو سيأتي إليَّ بسلامٍ أم بحَرب. أرجو السلام، لكن إذا أتت الحرب، فأنا واثقٌ أنَّ الله سيحميني.”
- لكن كان لدى يعقوب أيضًا كلُّ الأسباب للاعتقاد بأنَّ الله سيحميه. إلَّا أنَّه يبدو وكأنَّه قد نسيَ أنَّ لله جيشًا من الملائكة لحمايته (تكوين ١:٣٢-٢). كان خوفهُ وقلقهُ الكبيرَين غير مُنسجِمَين مع حماية الله لأيِّ شخصٍ.
- فَقَسَمَ ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ مَعَهُ وَٱلْغَنَمَ وَٱلْبَقَرَ وَٱلْجِمَالَ إِلَى جَيْشَيْنِ: بقسمتهِ للقَوم الَّذين معه، استخدم يعقوب الحكمة البشريَّة وبعض الأساليب تحضيرًا لِمجيء عيسو. كان يجب عليه أن يثِق بالله الَّذي يستطيع أن يحميَ كلَّ ما ومَن لَهُ. فقد نسيَ يعقوب وجود مُعسكَرٍ لله – جيشُ الله (تكوين ٢:٣٣) – وقسم قومَهُ إلى مُعسكَرَين.
- “كان يعقوب ذلك النوع من المؤمنين الَّذين يُخطِّطون وهُم مُولَعون بحياكة المكائد من حولِهم؛ كان رجُلًا حكيمًا بنظر العالَم … لم ينزل إبراهيم أبدًا إلى مستوى أيٍّ من الحِيَل التي سعى يعقوب بواسطتها إلى زيادة قطعانه؛ فقد عاش كأميرٍ ببساطةٍ وبثقةِ البنين بالله، مُبديًا استعدادهُ لتلقِّي الصَّدمات والجروحات بدلًا من السعي وراء مصالحه.” سبيرجن (Spurgeon)
د ) الآيات (٩-١٢): صلاةُ يعقوب.
٩وَقَالَ يَعْقُوبُ: «يَا إِلَهَ أَبِي إِبْرَاهِيمَ وَإِلَهَ أَبِي إِسْحَاقَ، ٱلرَّبَّ ٱلَّذِي قَالَ لِيَ: ٱرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ وَإِلَى عَشِيرَتِكَ فَأُحْسِنَ إِلَيْكَ. ١٠صَغِيرٌ أَنَا عَنْ جَمِيعِ أَلْطَافِكَ وَجَمِيعِ ٱلْأَمَانَةِ ٱلَّتِي صَنَعْتَ إِلَى عَبْدِكَ. فَإِنِّي بِعَصَايَ عَبَرْتُ هَذَا ٱلْأُرْدُنَّ، وَٱلْآنَ قَدْ صِرْتُ جَيْشَيْنِ. ١١نَجِّنِي مِنْ يَدِ أَخِي، مِنْ يَدِ عِيسُوَ، لِأَنِّي خَائِفٌ مِنْهُ أَنْ يَأْتِيَ وَيَضْرِبَنِي ٱلْأُمَّ مَعَ ٱلْبَنِينَ. ١٢وَأَنْتَ قَدْ قُلْتَ: إِنِّي أُحْسِنُ إِلَيْكَ وَأَجْعَلُ نَسْلَكَ كَرَمْلِ ٱلْبَحْرِ ٱلَّذِي لَا يُعَدُّ لِلْكَثْرَةِ».
- وَقَالَ يَعْقُوبُ: وبعد ردَّة فعله الأوَّليَّة المملوءة بالخوف وعدم الإيمان، قام يعقوب بفعل الصواب. مَثُلَ أمام الرَّبِّ وصلَّى صلاةً جيِّدة ومتواضعة ومملوءة بالإيمان وبالشكر وبكلِمة الله.
- “كُن على ثقةٍ كاملة، سيكون من الصعب جدًّا على أيِّ رجُلٍ مُحارَبةُ رجُل الصلاة.” سبيرجن (Spurgeon)
- كان خوفُ يعقوب صائبًا، ذلك لأنَّه قادَهُ إلى الصلاة.
- كان خوفُ يعقوب صائبًا، ذلك لأنَّه قادَهُ لِيَسترجِعَ حياته ويُراجِع حساباته.
- كان خوفُ يعقوب صائبًا، ذلك لأنَّه قادَهُ لِيَبحثَ عن وعدٍ مُناسبٍ من الله.
- “كُن على ثقةٍ كاملة، سيكون من الصعب جدًّا على أيِّ رجُلٍ مُحارَبةُ رجُل الصلاة.” سبيرجن (Spurgeon)
- يَا إِلَهَ أَبِي إِبْرَاهِيمَ وَإِلَهَ أَبِي إِسْحَاقَ، ٱلرَّبَّ ٱلَّذِي قَالَ لِيَ: ٱرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ وَإِلَى عَشِيرَتِكَ فَأُحْسِنَ إِلَيْكَ: اعتمدت صلاة يعقوب على كلِمة الله (على ما قالَه الله في تكوين ٣:٣١). واقتبس أيضًا من مواعيد الله، ‘فَأُحْسِنَ إِلَيْكَ’ (مُتذكِّرًا كلمات الله في تكوين ١٣:٢٨-١٥).
- تفشل الكثير من صلواتنا بسبب عدم احتوائها على كلمة الله. وغالِبًا ما تحتوي صلاتنا على أيِّة عبارةٍ من كلمة الله بسبب وجود القليل من كلمة الله فينا. تذكَّر يعقوب ما قالَهُ له الله. فقال لله، ٱلرَّبَّ ٱلَّذِي قَالَ لِيَ.
- “أحبَّائي، أقول لكم ولِكُلِّ واحدٍ منكم، أن تُمحِّصوا مواعيد الله في كلمته! لِتكُن هذه المواعيد في مُتناول أصابع أيديكم. تذكَّروا الأمور التي قالها الله للإنسان ومتى قالَها ولِمَن قِيلَت، واكتشفوا أبعاد المعاني التي تُقَال لكم” سبيرجن (Spurgeon)
- “عندما أعطى الله وعدَهُ، وضع نفسه في تصرُّف الَّذين عرفهم بأنَّهم سيُطالِبونه بالمواعيد. وكلُّ وعدٍ يمتلك تلك القوَّة التي تُعطى للإنسان الَّذي يمتلك الإيمان في الوعد، لأنَّه يغلِب بواسطته حتَّى الله الكلِّيِّ القدرة.” سبيرجن (Spurgeon)
- صَغِيرٌ أَنَا عَنْ جَمِيعِ أَلْطَافِكَ وَجَمِيعِ ٱلْأَمَانَةِ ٱلَّتِي صَنَعْتَ إِلَى عَبْدِكَ: كانت صلاته مُمتلِئة بالانكسار و الشكر. عرف يعقوب أنَّه لا يستحقُّ ما عمِله الله من أجله أو ما طلبهُ الله منه أن يعملَهُ، لكنَّه اعتمد على وعد الله وليس على استحقاقه أو جدارته.
- “نُلاحظ أنَّه بينما كان يعقوب يُدافع عن عدم استحقاقه، فهو لم يكُن بطيئًا في الدِّفاع عن صلاح الله.” سبيرجن (Spurgeon)
- نَجِّنِي: كان لِنوعيَّةِ صَلاتهِ إيمانٌ. طلب بجرأةٍ من الله أن يفعل شيئًا، وأرسى الأرضيَّة المتواضعة لماذا ينبغي على الرَّبِّ أن يُتمِّم كلمته.
- سُئِل جورج مولر (George Mueller)، رجُل الإيمان والصلاة العظيم، ذات مرَّةٍ عن ما هو الجزء الأهمّ من الصلاة. فأجاب: “خمسَ عشرةَ دقيقة بعد أن قُلتُ، ‘آمين.’ مهما كانت صلاة يعقوب عظيمة، فسيظهر إيمانه بما قام به بعد صلاته.”
هـ) الآيات (١٣-٢١): يُرسِل يعقوب الكثير من الهدايا إلى عيسو.
١٣وَبَاتَ هُنَاكَ تِلْكَ ٱللَّيْلَةَ وَأَخَذَ مِمَّا أَتَى بِيَدِهِ هَدِيَّةً لِعِيسُو أَخِيهِ: ١٤مِئَتَيْ عَنْزٍ وَعِشْرِينَ تَيْسًا، مِئَتَيْ نَعْجَةٍ وَعِشْرِينَ كَبْشًا، ١٥ثَلَاثِينَ نَاقَةً مُرْضِعَةً وَأَوْلَادَهَا، أَرْبَعِينَ بَقَرَةً وَعَشْرَةَ ثِيرَانٍ، عِشْرِينَ أَتَانًا وَعَشْرَةَ حَمِيرٍ، ١٦وَدَفَعَهَا إِلَى يَدِ عَبِيدِهِ قَطِيعًا قَطِيعًا عَلَى حِدَةٍ. وَقَالَ لِعَبِيدِهِ: «ٱجْتَازُوا قُدَّامِي وَٱجْعَلُوا فُسْحَةً بَيْنَ قَطِيعٍ وَقَطِيعٍ». ١٧وَأَمَرَ ٱلْأَوَّلَ قَائِلًا: «إِذَا صَادَفَكَ عِيسُو أَخِي وَسَأَلَكَ قَائِلًا: لِمَنْ أَنْتَ؟ وَإِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ؟ وَلِمَنْ هَذَا ٱلَّذِي قُدَّامَكَ؟ ١٨تَقُولُ: لِعَبْدِكَ يَعْقُوبَ. هُوَ هَدِيَّةٌ مُرْسَلَةٌ لِسَيِّدِي عِيسُوَ، وَهَا هُوَ أَيْضًا وَرَاءَنَا». ١٩وَأَمَرَ أَيْضًا ٱلْثَانِى وَٱلثَّالِثَ وَجَمِيعَ ٱلسَّائِرِينَ وَرَاءَ ٱلْقُطْعَانِ قَائِلًا: «بِمِثْلِ هَذَا ٱلْكَلَامِ تُكَلِّمُونَ عِيسُوَ حِينَمَا تَجِدُونَهُ، ٢٠وَتَقُولُونَ: هُوَذَا عَبْدُكَ يَعْقُوبُ أَيْضًا وَرَاءَنَا». لِأَنَّهُ قَالَ: «أَسْتَعْطِفُ وَجْهَهُ بِٱلْهَدِيَّةِ ٱلسَّائِرَةِ أَمَامِي، وَبَعْدَ ذَلِكَ أَنْظُرُ وَجْهَهُ، عَسَى أَنْ يَرْفَعَ وَجْهِي». ٢١فَٱجْتَازَتِ ٱلْهَدِيَّةُ قُدَّامَهُ، وَأَمَّا هُوَ فَبَاتَ تِلْكَ ٱللَّيْلَةَ فِي ٱلْمَحَلَّةِ.
- وَأَخَذَ مِمَّا أَتَى بِيَدِهِ هَدِيَّةً لِعِيسُو أَخِيهِ: أرسل يعقوب هذه الهديَّة المؤثِّرة لأنَّه أراد أن يوضِّح لعيسو تمامًا أنَّه لا يحتاج أو يريد أيَّ شيءٍ منه. ولَربَّما كانت أيضًا مُحاوَلة لِشراء استحسانٍ جيِّدٍ من أخيه.
- أَسْتَعْطِفُ وَجْهَهُ بِٱلْهَدِيَّةِ ٱلسَّائِرَةِ أَمَامِي، وَبَعْدَ ذَلِكَ أَنْظُرُ وَجْهَهُ، عَسَى أَنْ يَرْفَعَ وَجْهِي: يبدو يعقوب كَمِثالٍ جيِّدٍ لِرَجُل المبدأ، ‘عندما يفشَلُ كلُّ شيءٍ آخَر، صلِّ.’ وعندما فرغ يعقوب من صلاته، عاد وتبنَّى استراتيجيَّته مُجدَّدًا.
- وبعد هذا كلِّه، لو وثِق يعقوب بالله، لَكَان على رأس الموكب لملاقاة عيسو، وليس في المؤخَّرة.
- كان يُمنِّن يعقوب نفسه بالقول، ‘عَسَى أَنْ يَرْفَعَ وَجْهِي،’ ولكن ليس في ذهنه، لربَّما. وافتكر يعقوب أيضًا، ‘ربَّما سيقتلني تمامًا كما قال.’
- فَٱجْتَازَتِ ٱلْهَدِيَّةُ قُدَّامَهُ: كانت هذه الهديَّة مثلًا عن الطريقة التي نثِق فها بقدرتنا على صُنع الأشياء والقيام بها بعيدًا عن الثقة بالله. هناك ترنيمة مسيحيَّة تقليديَّة رائجة تقول: الكلُّ ليسوع، أنا أُسلِّم، وله أُعطي بسخاء؛ سأُحبُّه للأبد وأثِقُ به، سأعيش في محضره في كلِّ يومٍ. سأُسلِّم الكلَّ، سأُسلِّمُ الكلَّ، الكلُّ لك، يا مُخلِّصي المبارَك، سأُسلِّم الكلَّ.
- ولكنَّنا كيعقوب غالِبًا ما نقول، “سأُسلِّمُ كلَّ الماعز. وإذا لم يكُن هذا كافيًا، سأُسلِّمُ كلَّ الخراف. وإذا لم يكُن هذا كافيًا، سأُسلِّمُ كلَّ الجمال ….” إلى الآن، فقد رفض يعقوب أن يُسلِّم نفسَهُ، واثِقًا حقًّا بوعد الله بالحماية.
- “يا لَعُظمِ اهتمامه بكلِّ هذه القضيَّة! لا يمكننا أن نَلُومَهُ في ظلِّ هذه الظروف، لكن ما أعظم ذلك السلوك النبيل والهادئ لإبراهيم الَّذي يثق بالله ويترك الأمور أكثر بين يديّ الله.” سبيرجن (Spurgeon)
ثانيًا. يُصارِع يعقوب مع الله
أ ) الآيات (٢٢-٢٣): أجازَ يعقوب كلَّ مُقتنياتهِ عبر النهر.
٢٢ثُمَّ قَامَ فِي تِلْكَ ٱللَّيْلَةِ وَأَخَذَ ٱمْرَأَتَيْهِ وَجَارِيَتَيْهِ وَأَوْلَادَهُ ٱلْأَحَدَ عَشَرَ وَعَبَرَ مَخَاضَةَ يَبُّوقَ. ٢٣أَخَذَهُمْ وَأَجَازَهُمُ ٱلْوَادِيَ، وَأَجَازَ مَا كَانَ لَهُ.
- أَخَذَهُمْ وَأَجَازَهُمُ ٱلْوَادِيَ: كان هذا تعبيرًا عن الإيمان لأنَّ يعقوب لم يَترُك مجالًا له للتَّراجُع إلى الوراء. فإذا أراد عيسو الهجوم على فريقه، فسيصطدِمُ هذا الفريق بحدود النهر.
- وَأَجَازَ مَا كَانَ لَهُ: أمضى يعقوب ليلَتَهُ وحيدًا. كانت هذه اللَّيلَة الأخيرة على الجهَّة الشرقيَّة لِنَهر الأردن، وهو ربَّما أمضاها كلَّها في الصلاة.
- كان لا بُدَّ ليعقوب أن يكون وحيدًا كي يتعامل الله معه. فبينما كانت كلُّ النشاطات لِمَوكبهِ الضَّخم تُحيط به، انشغل بآلاف المهام المختلِفة. ولكنَّه عندما غدا وحيدًا، استحوذ الله على اهتمامه.
- هلَّا تفكَّرت بما صلَّى يعقوب من أجله؟ فهو يشكر الله مُتذكِّرًا كلَّ صنيعِ الرَّبِّ معه ومُتسائِلًا كيف سَيُتمِّم الله عمله فيه. كانت هذه نقطة تحوُّلٍ مُهمَّة في حياة يعقوب وهو قد أدرك ذلك بالفعل.
ب) الآيات (٢٤-٢٥): يُصارِع إنسانٌ مع يعقوب.
٢٤فَبَقِيَ يَعْقُوبُ وَحْدَهُ، وَصَارَعَهُ إِنْسَانٌ حَتَّى طُلُوعِ ٱلْفَجْرِ. ٢٥وَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، ضَرَبَ حُقَّ فَخْذِهِ، فَٱنْخَلَعَ حُقُّ فَخْذِ يَعْقُوبَ فِي مُصَارَعَتِهِ مَعَهُ.
- وَصَارَعَهُ إِنْسَانٌ حَتَّى طُلُوعِ ٱلْفَجْرِ: لم يَتصارَع يعقوب مع إِنْسَان. بدلًا من ذلك، صَارَعَهُ إِنْسَانٌ. لم يبدأ يعقوب مع الله وكأنَّه كان يريد أيَّ شيءٍ منه؛ فقد أراد الله شيئًا من يعقوب. أراد الله كلَّ فخرهِ بالاعتماد على نفسه ومكائده الجسديَّة؛ فقد أتى الله ليأخُذَها بالقوَّة إذا لَزِم الأمر.
- “لا يقول الكتاب المقدَّس أنَّه صارَع إنسانًا، لكن ‘صَارَعَهُ إِنْسَانٌ.’ نُسمِّيه ‘مُصارِع يعقوب،’ وهو كان كذلك؛ لكن لا يجب أن ننسى الإنسان المصَارِع – أو، بدلًا من ذلك، المسيح المصَارِع، – ملاك العهد المصَارِع الَّذي جاء لِيَقتلِع منه قوَّته وحكمته.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَصَارَعَهُ إِنْسَانٌ: وكما تُشير هذه الأعداد، لم يكُن هذا مُجرَّد إنسان. كان هذا ظهورًا مُميَّزًا آخَر ليسوع المسيح في العهد القديم قبل تجسُّده وولادته في بيتَ لحم. كان هذا الله في هيئةٍ بشريَّة.
- “تحضيرًا لِتَجسُّدهِ الكامِل، أعتقِد أنَّ ربَّنا يسوع المسيح هُنا، كما في عدَّة مُناسباتٍ أُخرى، اتَّخذ هيئة إنسانٍ، وهو جاء لِيُصارِع أحد الآباء” سبيرجن (Spurgeon)
- حَتَّى طُلُوعِ ٱلْفَجْرِ: يمكننا أن نتخيَّل فقط شكلَ هذا المشهَد. لربَّما يبدو أحيانًا وكأنَّه صراعٌ في حُجرَة ‘البار’ أو ‘الحانوت’ (في إشارة إلى خلاف السَّكارى)، وأحيانًا أُخرى يبدو وكأنَّه مبارزةُ صراعٍ شديد.
- “كيف أمكَن يعقوب الصُّمودَ أمام هذا الصِّراع طوال اللَّيل؟ لا أدري. لكنَّني أعرف أنَّ عزمَهُ على الصُّمود لم يكُن مُختلِفًا عن عزمِنا المتكرِّر على أن يكون لنا طريقنا الخاص وننتصِر في النهاية على الله” بويس (Boice)
- “كان من الشجاعة أن يُصارِع يعقوب هكذا، لكن هناك الكثير من بروز الذات في هذا كلِّه. وكأنَّ الاكتفاء الذاتيّ ليعقوب هو مَن كان يُصارِع الله -الإنسان، يسوع المسيح” سبيرجن (Spurgeon)
- وَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ: وبينما تطوَّر الصِّراع، كان واضحًا أنَّ يعقوب بدا مُتكافئًا إلى حدٍّ ما مع ذلك الإنسان، غيرَ أنَّ هذا التَّكافؤ لَم يكُن إلَّا ظاهريًّا. فقد كان من الممكِن أن يتغلَّب ذلك الإنسان عليه في أيِّ وقتٍ باستخدامه قوَّةً خارقة للطَّبيعة.
- نشعرُ أحيانًا أنَّ الإنسان يمكنه أن يُقاوِمَ الله. قد يبدو أنَّ الرجل أو المرأة المتمرِّدين على الله يعملان بشكلٍ جيِّد. تبدو المبارزة في تكافؤٍ ظاهريّ. فالله يُمكِنه أن يقلِب التيَّار في أيَّة لحظةٍ، ويسمح باستمرار الصِّراع من أجل تتميم مقاصده.
- ليس صعبًا أن نتخيَّل يعقوب وهو يعملُ بشكلٍ مُضنٍ ويشعر بأنَّه يمتلك زمام الأمر كي يهزم خصمَه، إلى أن غيَّر ذلك الإنسان طبيعة الصِّراع في لحظةٍ من الزمن. لا بدَّ أنَّ يعقوب شعر بالهزيمة الشديدة.
ج) الآية (٢٦): التِماسُ واسترحامُ يعقوب ذلك الإنسان.
٢٦وَقَالَ: «أَطْلِقْنِي، لِأَنَّهُ قَدْ طَلَعَ ٱلْفَجْرُ». فَقَالَ: «لَا أُطْلِقُكَ إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي».
- أَطْلِقْنِي، لِأَنَّهُ قَدْ طَلَعَ ٱلْفَجْرُ: أخبر ذلك الإنسان يعقوب أنَّ هذا لن يستمرَّ طويلاً. وعلى الرغم من أنَّ يعقوب كان مُتمسِّكًا به بشدَّةٍ، فقد خسِر المعركة. خَسِر يعقوب على يديِّ إنسانٍ أفضل وأعظم.
- هذا المكان الَّذي يأتي إليه كلُّ شخصٍ لا يُقدَّر بِثمَن: حيث يُخضعنا الله ويُسيطِر علينا. هناك شيءٌ ما يُمكِن أن يُقَال لكلِّ رجُلٍ يُصارِع مع الله، ثمَّ يأتي الاعتراف بعظمة الله بعد الخسارة المدوِّية. يجب أن نعرف أنَّنا نخدم إلهًا أعظم منَّا، وأنَّه لا يُمكننا إخضاع أيِّ شيءٍ ما لم نَخضَع له.
- لَا أُطْلِقُكَ إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي: لم تكُن هذه شروط يعقوب لله كما كانت عادته سابقًا. فقد تغلَّب الله على يعقوب هنا، كما ونُدرِك من هوشع ٣:١٢-٥ أنَّ يعقوب التمس هذه البركة باكيًا. لقد أدرك أنَّه هُزِم، لكنَّه أراد الحصول على البركة بشدَّة من ذلك الإنسان الأعظم.
- فِي ٱلْبَطْنِ قَبَضَ بِعَقِبِ أَخِيهِ، وَبِقُوَّتِهِ جَاهَدَ مَعَ ٱللهِ. جَاهَدَ مَعَ ٱلْمَلَاكِ وَغَلَبَ. بَكَى وَٱسْتَرْحَمَهُ. وَجَدَهُ فِي بَيْتِ إِيلَ وَهُنَاكَ تَكَلَّمَ مَعَنَا (هوشع ٣:١٢-٥).
- إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي: بالرجوع إلى تاريخه، كان يعقوب دائمًا رجُلًا ذكيًّا وحذِقًا إلى درجة الاستغناء عن حاجته إلى الثقة بالله. أمَّا الآن، فهو يستطيع الاعتماد فقط على بركة الله.
- تحجَّم يعقوب إلى مُستوى ذلك المكان من التَّواضُع حيث جُلَّ ما يُمكن أن يفعلُه هو التَّمسُّك بالرَّبِّ بكلِّ ما لديه. لم يعُد بمقدور يعقوب أن يُحارِب بعد الآن، لكنَّه يستطيع التَّمسُّك. إنَّ هذا ليس بالمكان السيِّئ إطلاقًا ليكون فيه.
- وهنا نرى أنَّ الله استجاب لصلاة يعقوب في تكوين ٩:٣٢-١٢. ولكن، قبل أن يُنقَذ يعقوب من يدِ أخيه، كان عليه أن يتحرَّر من إرادته الذاتيَّة واعتماده على نفسه. “من الواضح أنَّه سرعان ما أحسَّ يعقوب بالسقوط حتَّى تمسَّك بذلك ‘الإنسان’ كَمَن يُمسِك بقبضة الموت ولَما يسمح له بالذهاب. والآن، في ضعفه، سيغلِب. فبينما كان قويًّا جدًّا، لم يأخذ أيَّة بركةٍ؛ ولكن، لـمَّا أصبح ضعيفًا بالمطلَق، عندها استطاع أن يغلِب” سبيرجن (Spurgeon)
- اعتقد يعقوب أنَّ العدوَّ الحقيقيّ كان خارجَهُ، عنينا بذلك عيسو. لكنَّ طبيعته الجسديَّة كانت ذلك العدوُّ الحقيقيّ الَّذي لم يُخضَع بعدُ لله.
د ) الآيات (٢٧-٢٩): تغيَّر اسمُ يعقوب، وهو الآن رجلٌ مُبارَك.
٢٧فَقَالَ لَهُ: «مَا ٱسْمُكَ؟» فَقَالَ: «يَعْقُوبُ». ٢٨فَقَالَ: «لَا يُدْعَى ٱسْمُكَ فِي مَا بَعْدُ يَعْقُوبَ بَلْ إِسْرَائِيلَ، لِأَنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ ٱللهِ وَٱلنَّاسِ وَقَدَرْتَ». ٢٩وَسَأَلَ يَعْقُوبُ وَقَالَ: «أَخْبِرْنِي بِٱسْمِكَ». فَقَالَ: «لِمَاذَا تَسْأَلُ عَنِ ٱسْمِي؟». وَبَارَكَهُ هُنَاكَ.
- مَا ٱسْمُكَ: لا بدَّ أنَّ يعقوب شعر بالخزي والعار مُعترِفًا بأنَّ اسمه يعقوب، مع كلِّ ارتباطات هذا الاسم بالخداع والغش. ومع ذلك، فقد كان هذا كلُّ ما كان عليه، وكان على يعقوب الاعتراف بذلك.
- نُحاوِل جميعنا أن نُسمِّيَ أنفسنا أسماءً مُفضَّلة. نقول على سبيل المثال، ‘أنا حازمٌ؛ أنت عنيد؛ إنَّهم حمقَى عنيدون.’ لن يسمح الله ليعقوب بالتَّستُّرِ خلفَ اسمه، لأنَّه في وضعه هذا كان يعكِس طبيعته الحقيقيَّة.
- لَا يُدْعَى ٱسْمُكَ فِي مَا بَعْدُ يَعْقُوبَ بَلْ إِسْرَائِيلَ: إنَّ اسمَ إِسْرَائِيل هو مُركَّبٌ من كلمتَين: يسرا أو إسرا (التي تعني يُحارب أو صراع أو يحكُم) و إيل (التي تعني الله). أمَّا البعض الآخَر فيأخذ اسمَ إسرائيل بمعنى، ذلك الَّذي يُصارِع مع الله أو ذلك الَّذي يحكُم مع الله. لكن بالنسبة إلى الأسماء العبريّة، ففي بعض الأحيان لا يكون اسم الله هو موضوع الفعل بل الفاعل. مثلًا، يعني اسمُ دانيال الله يدين، وليس يدين الله. يُشير هذا المبدأ إلى أنَّ اسمَ إِسْرَائِيل يعني، الله يحكُم.
- من هذه النقطة فصاعدًا، سيُدعى هذا الابن لإسحاق يعقوب الَّذي يُمثِّل ضِعفَي اسمَ إِسْرَائِيل. يبدو أنَّ الإنسان القديم ما زال جزءًا منه قابعًا داخل يعقوب.
- “أصدقائي الأعزَّاء، أنا قلِقٌ بأنَّ الكثيرين من مُختاري شعب الله يترنَّحونَ بين ‘إسرائيل’ و ‘يعقوب.’ أحيانًا نكون ‘أقوياء في الرَّبِّ وفي شدَّة قوَّته،’ وفي أحيانٍ أخرى، ‘مَن هو كُفؤٌ لهذه الأمور؟’ كأُمراء نغلِب ونسود مع الله، وبذلك نكون إسرائيليِّين حقيقيِّين؛ لكن قبل مغيب الشمس نبدأ بالعرَج مع يعقوب، وبالرغم من أنَّ الروح نشيط، فالجسد ضعيف. فنحن ‘يعقوب’ قبل أن نكون ‘إسرائيل؛’ وبينما نحن ‘إسرائيل،’ فنحن أيضًا ‘يعقوب؛’ لِيتبارَك الله، فنحن إسرائيليُّون مع الله عندما نتوقَّف عن أن نكون ‘يعقوب’ بين الناس” سبيرجن (Spurgeon)
- لِأَنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ ٱللهِ وَٱلنَّاسِ وَقَدَرْتَ: قَدِر يعقوب بمعنى أنَّه احتمل المعاناة إلى أن تغلَّب الله عليه بالكامِل. عندما تُصارِع مع الله، يُمكنك أن تربح فقط عندما تخسَر ولا تستسلِم إلَّا بعد أن تعرِف بأنَّك خسِرت. وهكذا قَدِرَ (تغلَّب) يعقوب.
- لِمَاذَا تَسْأَلُ عَنِ ٱسْمِي: رفض ذلك الإنسان بأن يُفصِح عن اسمه ليعقوب لأنَّه اعتقد أنَّ يعقوب هو من يجب عليه أن يعرف ذلك، واتَّضح أنَّ يعقوب كان يعرف بالضبط من يكون هذا.
- وَبَارَكَهُ هُنَاكَ: كانت هذه بالطبع بركة الهزيمة مع الله. وكانت بركة مَوت الحياة القديمة (يعقوب) وانبثاق الحياة الجديدة (إسرائيل). كما ويمكنها أن تُشير إلى بركة إبراهيم وتلبية احتياجات يعقوب العاجلة من الأمن وسط الخوف. فكلُّ ما احتاجه يعقوب أمَّنته بركة الله في تلك اللَّحظة.
- نُلاحِظ أنَّه بَارَكَهُ هُنَاكَ – في ذلك المكان المحدَّد.
- مكان التجربة الخاصَّة والامتحان.
- مكان التماس الله الشَّديد.
- مكان رؤية وجه الله.
- مكان ادراك الضعف.
- نُلاحِظ أنَّه بَارَكَهُ هُنَاكَ – في ذلك المكان المحدَّد.
هـ) الآيات (٣٠-٣٢): تذكاران لهذه الحادثة.
٣٠فَدَعَا يَعْقُوبُ ٱسْمَ ٱلْمَكَانِ «فَنِيئِيلَ» قَائِلًا: «لِأَنِّي نَظَرْتُ ٱللهَ وَجْهًا لِوَجْهٍ، وَنُجِّيَتْ نَفْسِي». ٣١وَأَشْرَقَتْ لَهُ ٱلشَّمْسُ إِذْ عَبَرَ فَنُوئِيلَ وَهُوَ يَخْمَعُ عَلَى فَخْذِهِ. ٣٢لِذَلِكَ لَا يَأْكُلُ بَنُو إِسْرَائِيلَ عِرْقَ ٱلنَّسَا ٱلَّذِي عَلَى حُقِّ ٱلْفَخْذِ إِلَى هَذَا ٱلْيَوْمِ، لِأَنَّهُ ضَرَبَ حُقَّ فَخْذِ يَعْقُوبَ عَلَى عِرْقِ ٱلنَّسَا.
- فَدَعَا يَعْقُوبُ ٱسْمَ ٱلْمَكَانِ فَنِيئِيلَ: كان التذكار الأوَّل إسمًا. دعا يعقوب اسمَ المكان فَنِيئِيل (وجه الله)، لأنَّه لم يكن يعلَم اسمَ ذلك الإنسان الَّذي صارَعَ معه. فقد كان نَفس الشخص الَّذي صارع مع يعقوب طوال حياته.
- فَهِم يعقوب أيضًا أنَّه بنعمة الله ورحمتهِ فقط استطاع أن يتخطَّى هذه الحقبة من حياته. لا أحد من الناس يمكنه أن يُصارِع مع الله ويعيش، لكنَّ الله كان مُنعِمًا.
- وَهُوَ يَخْمَعُ عَلَى فَخْذِهِ: كان التذكار الثاني عَرَجًا دائمًا. سيتذكَّر يعقوب هزيمته مع الله في كلِّ خطوةٍ سيمشيَها حتَّى نهاية حياته. لقد كان هذا ثمنًا بخسًا بالمقارنة مع العطيَّة الكبيرة.
- “إنَّ تذكار ضعفه هذا كان سيبقى معه طوال حياته … فكيف نُسَرُّ نحن إذا توقَّفت أيَّامنا في ضعفٍ كهذا كما كان يعقوب. لكنَّنا نطمح بأن تكون لنا تلك البركة التي ربحها!” سبيرجن (Spurgeon)