سفر التكوين – الإصحاح ٣٤
يرتكب شمعون ولاوي مجزةً بحقِّ رجال شَكيم
أولًا. اغتصاب دينة
أ ) الآيات (١-٤): يعتدي أميرٌ محلِّيٌّ على دينة ثمَّ يبغي الزواج بها.
١وَخَرَجَتْ دِينَةُ ٱبْنَةُ لَيْئَةَ ٱلَّتِي وَلَدَتْهَا لِيَعْقُوبَ لِتَنْظُرَ بَنَاتِ ٱلْأَرْضِ، ٢فَرَآهَا شَكِيمُ ٱبْنُ حَمُورَ ٱلْحِوِّيِّ رَئِيسِ ٱلْأَرْضِ، وَأَخَذَهَا وَٱضْطَجَعَ مَعَهَا وَأَذَلَّهَا. ٣وَتَعَلَّقَتْ نَفْسُهُ بِدِينَةَ ٱبْنَةِ يَعْقُوبَ، وَأَحَبَّ ٱلْفَتَاةَ وَلَاطَفَ ٱلْفَتاةَ. ٤فَكَلَّمَ شَكِيمُ حَمُورَ أَبَاهُ قَائِلًا: «خُذْ لِي هَذِهِ ٱلصَّبِيَّةَ زَوْجَةً».
- وَخَرَجَتْ دِينَةُ ٱبْنَةُ لَيْئَةَ: يحتوي هذا الأصحاح على واحدة من أكثر الأحداث المخزية في التَّاريخ الإسرائيليّ. فقد ارتُكِبت جريمة فظيعة بحقِّ دِينَة ٱبْنَة لَيْئَة، إلَّا أنَّ ردَّة فعل أخويها كانت أسوأ من الجريمة. عندما يُظهِر الكتاب المقدَّس قادَتهُ وأبطالَهُ في إطار هذه الحقيقة الرَّهيبة والواضحة، يمكننا التَّأكُّد بأنَّه كتابٌ من الله. غالبًا، لا يكتب البشر عن أنفسهم وعن أجدادهم هكذا.
- تُعطينا اقتراحات ليوبولد في الوعظ من هذا الأصحاح فكرةً عن ذلك: “يمكننا التَّعجُّب حول ما إذا كان احدٌ من الناس يمتلك حُسنَ التَّمييز قد حاول استخلاص رسالةٍ ما من هذا الأصحاح … فقد تمَّ تقييمه بشكلٍ صائب من قِبَل العقول الأكثر نُضوجًا والتَّعامل معه لصالح صفٍّ من درس الكتاب المقدَّس. لكن لا يمكننا المجازفة بتقديم اقتراحاتٍ في الوعظ لتفسيره.”
- وَخَرَجَتْ لِتَنْظُرَ بَنَاتِ ٱلْأَرْضِ: نتذكَّر أنَّ يعقوب أتى بعائلته إلى منطقةٍ من أرض الموعد لم يُرِد الله لهم حقًّا أن يتواجدوا فيها. يبدو أنَّ الله وجَّههُ إلى العودة إلى بيت إيل (تكوين ١٣:٣١)، فالوقت الَّذي أمضاه في مدينة شَكيم كان سببًا لأذيَّة عائلته.
- اختار يعقوب مكانًا للعيش فيه بناءً على كلِّ الأسباب الخاطئة. أراد أن يكون قريبًا من المدينة (تكوين ١٨:٣٣) بالرغم من تأثيرها القويّ والشرِّير. دعاه الله إلى بيت إيل، أمَّا اختيار يعقوب الضعيف لمكانٍ يعيش فيه جعل عائلته عُرضةً لتأثيرٍ شرِّير.
- وَخَرَجَتْ لِتَنْظُرَ بَنَاتِ ٱلْأَرْضِ: كان شوق دينة للقيام بذلك مفهومًا لكن غير حكيمٍ. لم يقُم يعقوب بما هو كافٍ للتَّأكُّد من أنَّها تحت إشرافٍ سليم. فأن يَسمح للتَّخالُط الاجتماعيّ في مدينةٍ وثنيَّة كان فشلًا للمسؤوليَّة الملقاة على عاتقَي يعقوب ولَيئَة.
- “كانت تُعتبَر الشابَّات غير المرتبطات لُقمةً سائغة في مُدُن تلك الأيَّام حيث كان الاختلاط ومُمارسة الجنس أمرَين شائِعَين، ولكن، في الحقيقة، كانت هذه الممارسات جزءًا من النظام الدينيّ بحدِّ ذاته” موريس (Morris)
- “نستطيع استخدام هذه الحادثة للإشارة إلى انتشار القِيَم الأخلاقيَّة الـمُتدنِّيَة بين الكنعانيِّين. من الممكِن لأيَّةِ شابَّةٍ غير مُرتبطة أن تتعرَّض للاغتصاب، فالعرف المتداوَل في تلك المجتمعات يحمي المرتكبين حتَّى أنَّ الحاجة إلى الاعتذار أو تبرير الفعل المرتكَب تنتفي” ليوبولد (Leupold)
- لكن، حاوِل أن تقول هذا الكلام إلى مُراهِقة كَدِينة! غالبًا ما يريد المراهقون تجربة كلِّ شيء، ويريدون كلَّ شيءٍ الآن. إنَّه لَمِن المستحيل بمكان ما أن يرَوا منافع انتظار بعص الأمور حتَّى نضوجهم.
- إنَّ إحدى الطرق لقياس هذه الصعوبة هي ما يُعرَف بـ ’تجربة مارشميلو ستانفورد‘ الاجتماعيَّة والبحثيَّة. يُقدِّم أحدُ الباحثين حَلوى المارشميلو الخطميَّة لطفلٍ في الرابعة من عمره، قائلًا: “سأتركك لبضعة دقائق للقيام ببعض الأعمال، ويمكنك أن تحصل على الحلوى خلال غيابي، لكن إذا استطعت الانتظار إلى حين عودتي، يمكنك الحصول على اثنَتَين منها.” قام الباحثون في جامعة ستانفورد بهذا الاختبار في الستِّينات من القرن الماضي حيث وجدوا أنَّ الأطفال الَّذين مدُّوا أياديهم إلى الحلوى حلال الاختبار كانوا أكثر عرضةً لاضطرابِ حياتهم خلال فترة المراهقة. هذا وأبلى هؤلاء المراهقون بلاءً سيِّئًا في امتحانات الدخول الجامعيَّة بمعدَّل أقلّ بحوالي ٢١٠ من النِّقاط مُقارنةً مع الآخرين. إنَّ تعلُّم الانتظار وتأخير الاكتفاء لَأمران مُهمَّان جدًّا.
- فَرَآهَا شَكِيمُ ٱبْنُ حَمُورَ ٱلْحِوِّيِّ رَئِيسِ ٱلْأَرْضِ، وَأَخَذَهَا وَٱضْطَجَعَ مَعَهَا: نعتبِر أنَّ غياب الاهتمام والحماية لدى يعقوب كان مسؤولًا ولو بشكلٍ جزئيٍّ عن هذه المأساة. فَمُساومته الشخصيَّة جعلته غير قادرٍ على الوقوف أمام أولاده لِنُصحهم وإرشادهم كما يجب.
- كان أولاد يعقوب على عِلمٍ بأنَّه أبلغ عيسو أخاه أنَّه سيذهب معه إلى الجنوب، لكنَّه توجَّه شمالًا بدلًا من ذلك. لقد بَنَوا على هذه المساومة واستخدموها لغاياتهم الخاصَّة.
- وَأَخَذَهَا وَٱضْطَجَعَ مَعَهَا وَأَذَلَّهَا: أمَّا بالنسبة إلى ذلك الشاب الَّذي اسمه شَكيم، فقد تَعَلَّقَتْ نَفْسُهُ بِدِينة حتَّى أنَّه لاطفَ ٱلفتاة. لكنَّنا لا نستطيع القول أنَّه أحبَّها، ذلك لأنَّه أَذَلَّهَا.
- كان لِشَكيم حبٌّ شعوريٌّ أو عاطفيٌّ لِدِينة، وليس روحيٌّ أو تقويٌّ أو نوعٌ من الحبِّ الرقيق. لقد أحبَّها بما يتناسَب مع مقدرتها على إعطائه ما يحتاجه، وليس بناءً على ما يمكنه أن يُقدِّمه لها. لقد انكشف قلبه في هذه الكلمات ‘خُذْ لِي هَذِهِ ٱلصَّبِيَّةَ زَوْجَةً.’ فقد كان نوعًا من الحبِّ الشعوريّ الَّذي يقول ‘خُذ لي.’
- من الممكِن أن ينجذِب رجُلٌ ما إلى امرأةٍ ويُظهِر لها اللُّطف لأسبابٍ لا علاقة لها بالحبِّ الحقيقيّ. وفي توقِها للتَّواصل عاطفيًّا مع رجُلٍ ما، يمكن للمرأة أن تغُضَّ الطَّرفَ عن ذلك إراديًّا وتتمنَّى الأفضل.
ب) الآيات (٥-٧): سُكون الغضب عند يعقوب؛ غضبُ شمعون ولاوي.
٥وَسَمِعَ يَعْقُوبُ أَنَّهُ نَجَّسَ دِينَةَ ٱبْنَتَهُ. وَأَمَّا بَنُوهُ فَكَانُوا مَعَ مَوَاشِيهِ فِي ٱلْحَقْلِ، فَسَكَتَ يَعْقُوبُ حَتَّى جَاءُوا. ٦فَخَرَجَ حَمُورُ أَبُو شَكِيمَ إِلَى يَعْقُوبَ لِيَتَكَلَّمَ مَعَهُ. ٧وَأَتَى بَنُو يَعْقُوبَ مِنَ ٱلْحَقْلِ حِينَ سَمِعُوا. وَغَضِبَ ٱلرِّجَالُ وَٱغْتَاظُوا جِدًّا لِأَنَّهُ صَنَعَ قَبَاحَةً فِي إِسْرَائِيلَ بِمُضَاجَعَةِ ٱبْنَةِ يَعْقُوبَ، وَهَكَذَا لَا يُصْنَعُ.
- فَسَكَتَ يَعْقُوبُ حَتَّى جَاءُوا: يترك هذا المقطع انطباعًا بأنَّ أبناء يعقوب كانوا أكثر غضبًا وعُرضةً للإهانة من والدهم. فعند سماعه أنَّ شَكيم قد نَجَّسَ دِينَةَ ٱبْنَتَهُ، سَكَتَ إلى أن جاء أبناؤه من الحقل.
- إنَّ رفض يعقوب لِعَمل الصواب فيما يتعلَّق بعائلته شجَّع ابناه أن يقوما بفعلِ أمرٍ ما، بفعل أمرٍ رهيبٍ كردَّة فعل. عندما لا يمارِس مَن عيَّنهم الله كقوَّادِ القيادة الصحيحة، يُخلَق الفراغ الَّذي غالِبًا ما يُملأ بالخطيَّة.
- بَنُو يَعْقُوبَ … وَغَضِبَ ٱلرِّجَالُ وَٱغْتَاظُوا جِدًّا: كانت الثقافات والمجتمعات الشرق أوسطيَّة القديمة تمتلك حسًّا قويًّا لِشرف العائلة، قويًّا إلى درجة استخدام العنف في الدِّفاع عن هذا الشرف. وفي هذه البيئة، كان للإخوة مسؤوليَّة أكبر من مسؤوليَّة والدهم في حماية أُختهم. إلَّا أنَّ بني يعقوب تمادَوا في الدِّفاع عن شرف العائلة باستخدامهم طرائق غير حكيمة وخاطئة.
ج) الآيات (٨-١٢): يسعى حَمور وشَكيم لترتيبِ الزواج بِدينة.
٨وَتَكَلَّمَ حَمُورُ مَعَهُمَ قَائِلًا: «شَكِيمُ ٱبْنِي قَدْ تَعَلَّقَتْ نَفْسُهُ بِٱبْنَتِكُمْ. أَعْطُوهُ إِيَّاهَا زَوْجَةً ٩وَصَاهِرُونَا. تُعْطُونَنَا بَنَاتِكُمْ، وَتَأْخُذُونَ لَكُمْ بَنَاتِنَا. ١٠وَتَسْكُنُونَ مَعَنَا، وَتَكُونُ ٱلْأَرْضُ قُدَّامَكُمُ. ٱسْكُنُوا وَٱتَّجِرُوا فِيهَا وَتَمَلَّكُوا بِهَا». ١١ثُمَّ قَالَ شَكِيمُ لِأَبِيهَا وَلإِخْوَتِهَا: «دَعُونِي أَجِدْ نِعْمَةً فِي أَعْيُنِكُمْ. فَٱلَّذِي تَقُولُونَ لِي أُعْطِي. ١٢كَثِّرُوا عَلَيَّ جِدًّا مَهْرًا وَعَطِيَّةً، فَأُعْطِيَ كَمَا تَقُولُونَ لِي. وَأَعْطُونِي ٱلْفَتَاةَ زَوْجَةً».
- وَصَاهِرُونَا. تُعْطُونَنَا بَنَاتِكُمْ، وَتَأْخُذُونَ لَكُمْ بَنَاتِنَا: كان الاقتراح الكنعانيّ بالزواج بابنة يعقوب تحدِّيًا خطيرًا لعائلة العهد. فالاختلاط بالزواج غير المسؤول بالكنعانيِّين قد يكون مُضرًّا بهذه العائلة ولا سيَّما أنَّها تمتلك قصدًا هامًّا في خطَّة الله للفداء.
- وَصَاهِرُونَا. تُعْطُونَنَا بَنَاتِكُمْ، وَتَأْخُذُونَ لَكُمْ بَنَاتِنَا: كان لهذا الموضوع أبعادٌ أخرى أكثر من مُجرَّد علاقةٍ بين شابٍّ كنعانيّ ودِينة، ابنة يعقوب. فإذا تزوَّجا، سيكون هذا نموذجًا لزيجاتٍ مُستقبليَّة بين عائلة يعقوب وشعب كنعان. ويمكن أن تكون النتيجة انصهارًا كاملًا لعائلة يعقوب في المجتمع والثقافة الكنعانيَّة (وَتَسْكُنُونَ مَعَنَا، وَتَكُونُ ٱلْأَرْضُ قُدَّامَكُمُ. ٱسْكُنُوا وَٱتَّجِرُوا فِيهَا وَتَمَلَّكُوا بِهَا). بذلك سيُصبح مُستقبل عائلة العهد هذه، كشعبٍ مُميَّز ومُختلِف، مُهدَّدًا.
- فَٱلَّذِي تَقُولُونَ لِي أُعْطِي: ربَّما اعتقد حَمُور وشَكيم أنَّهما سخيَّان. لكنَّ أسلوبهما في التَّفاوض في ترتيب الزواج كان إهانةً لِدِينة وعائلتها ولا سيَّما باعتمادهما موقفًا شبيهًا بالمقايضة وتحديد السِّعر ’تَقُولُونَ لِي أُعْطِي.‘
د ) الآيات (١٣-١٧): يسعى حَمور وشَكيم لترتيبِ الزواج بِدينة.
١٣فَأَجَابَ بَنُو يَعْقُوبَ شَكِيمَ وَحَمُورَ أَبَاهُ بِمَكْرٍ وَتَكَلَّمُوا. لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ نَجَّسَ دِينَةَ أُخْتَهُمْ، ١٤فَقَالُوُا لَهُمَا: «لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَفْعَلَ هَذَا ٱلْأَمْرَ أَنْ نُعْطِيَ أُخْتَنَا لِرَجُلٍ أَغْلَفَ، لِأَنَّهُ عَارٌ لَنَا. ١٥غَيْرَ أَنَّنَا بِهَذَا نُواتِيكُمْ: إِنْ صِرْتُمْ مِثْلَنَا بِخَتْنِكُمْ كُلَّ ذَكَرٍ. ١٦نُعْطِيكُمْ بَنَاتِنَا وَنَأْخُذُ لَنَا بَنَاتِكُمْ، وَنَسْكُنُ مَعَكُمْ وَنَصِيرُ شَعْبًا وَاحِدًا. ١٧وَإِنْ لَمْ تَسْمَعُوا لَنَا، أَنْ تَخْتَتِنُوا، نَأْخُذُ ٱبْنَتَنَا وَنَمْضِي».
- فَأَجَابَ بَنُو يَعْقُوبَ … بِمَكْرٍ وَتَكَلَّمُوا: كان جوابهم لشَكيم وحَمُور مُخطَّطًا له وخداعًا مُبرمَجًا.
- إِنْ صِرْتُمْ مِثْلَنَا بِخَتْنِكُمْ كُلَّ ذَكَرٍ .نُعْطِيكُمْ بَنَاتِنَا وَنَأْخُذُ لَنَا بَنَاتِكُمْ: وافق حَمُور وشَكيم لِمِثْل هذا الطلب المتطرِّف لأنَّ الختان لم يكُن فقط مُمارسًا بين الإسرائيليِّين، بل لأنَّ بعض الشعوب القديمة كانت تُمارِس ختان الذكور أيضًا. عرف شَكيم وحَمُور عن هذه الممارسة من عادات الأمم الأخرى.
- لِأَنَّهُ عَارٌ لَنَا: منذ البداية، كان شمعون ولاوي يُخطِّطان شرًّا ضدَّ شَكيم وحَمُور وشعبه. إلَّا أنَّهم تستَّرا على خُطَّتهما الشرِّيرة بكلماتٍ روحيَّة واستخدما دِينة كغطاءٍ لِنَوى شرِّهم.
- شعروا بالتَّبرير لِعَملهم هذا لأنَّ رجال شَكيم عاملوا دِينة أُختَهم كزانية (تكوين ٣١:٣٤)، لكنَّهما أفسدا علامة الله للعهد من أجل إتمام قصدهما العنيف.
هـ) الآيات (١٨-٢٤): يُقنِع حَمُور وشَكيم سائر الرجال في المدينة كي يتماشوا مع هذا الخطَّة.
١٨فَحَسُنَ كَلَامُهُمْ فِي عَيْنَيْ حَمُورَ وَفِي عَيْنَيْ شَكِيمَ بْنِ حَمُورَ. ١٩وَلَمْ يَتَأَخَّرِ ٱلْغُلَامُ أَنْ يَفْعَلَ ٱلْأَمْرَ، لِأَنَّهُ كَانَ مَسْرُورًا بِٱبْنَةِ يَعْقُوبَ. وَكَانَ أَكْرَمَ جَمِيعِ بَيْتِ أَبِيهِ. ٢٠فَأَتَى حَمُورُ وَشَكِيمُ ٱبْنُهُ إِلَى بَابِ مَدِينَتِهْمَا، وَكَلَّمَا أَهْلَ مَدِينَتِهْمَا قَائِلَيْنِ: ٢١«هَؤُلَاءِ ٱلْقَوْمُ مُسَالِمُونَ لَنَا. فَلْيَسْكُنُوا فِي ٱلْأَرْضِ وَيَتَّجِرُوا فِيهَا. وَهُوَذَا ٱلْأَرْضُ وَاسِعَةُ ٱلطَّرَفَيْنِ أَمَامَهُمْ. نَأْخُذُ لَنَا بَنَاتِهِمْ زَوْجَاتٍ وَنُعْطِيهِمْ بَنَاتِنَا. ٢٢غَيْرَ أَنَّهُ بِهَذَا فَقَطْ يُواتِينَا ٱلْقَوْمُ عَلَى ٱلسَّكَنِ مَعَنَا لِنَصِيرَ شَعْبًا وَاحِدًا: بِخَتْنِنَا كُلَّ ذَكَرٍ كَمَا هُمْ مَخْتُونُونَ. ٢٣أَلَا تَكُونُ مَوَاشِيهِمْ وَمُقْتَنَاهُمْ وَكُلُّ بَهَائِمِهِمْ لَنَا؟ نُواتِيهِمْ فَقَطْ فَيَسْكُنُونَ مَعَنَا». ٢٤فَسَمِعَ لِحَمُورَ وَشَكِيمَ ٱبْنِهِ جَمِيعُ ٱلْخَارِجِينَ مِنْ بَابِ ٱلْمَدِينَةِ، وَٱخْتَتَنَ كُلُّ ذَكَرٍ. كُلُّ ٱلْخَارِجِينَ مِنْ بَابِ ٱلْمَدِينَةِ.
- فَحَسُنَ كَلَامُهُمْ فِي عَيْنَيْ حَمُورَ وَفِي عَيْنَيْ شَكِيمَ بْنِ حَمُورَ: بالرغم من التضحية الكبيرة، سُرَّ (حَسُنَ) حَمُور وشَكيم بالخطَّة. وفيما إذا تطلَّعوا إلى أبعد من تعلُّق شَكيم بِدِينة، بدَوا مُغتبطين ببداية سلسلةٍ من الزيجات مع عائلةٍ كبيرة وثريَّة ومُؤثِّرة.
- وَكَانَ أَكْرَمَ جَمِيعِ بَيْتِ أَبِيهِ: ومن بين جميع الكنعانيِّين من أترابهِ وفي مكانه، كان شَكيم أكرَمَهُم. فقد كَانَ مَسْرُورًا بِٱبْنَةِ يَعْقُوبَ بالفعل.
- أَلَا تَكُونُ مَوَاشِيهِمْ وَمُقْتَنَاهُمْ وَكُلُّ بَهَائِمِهِمْ لَنَا: كان على الأبِ والابن (حَمُورُ وَشَكِيمُ) أن يُقنِعا رجال مجتمعهم بِقَبول ممارسة عمليَّة الختان المؤلِمة ولربَّما الخطيرة. أقنعاهم بجدواها لأنَّه باستطاعتهم أن يستحقُّوا التالي: نَأْخُذُ لَنَا بَنَاتِهِمْ زَوْجَاتٍ و ألَا تَكُونُ مَوَاشِيهِمْ وَمُقْتَنَاهُمْ وَكُلُّ بَهَائِمِهِمْ لَنَا. فالمكاسب المحتمَلَة للثروة جعلت هذا الأمر يستحقُّ ذلك.
- وَٱخْتَتَنَ كُلُّ ذَكَرٍ: وافق رجالُ شَكيم على هذا الأمر وخضعوا جميعهم لعمليَّة ختانٍ مُؤلِمة ولربَّما خطيرة.
ثانيًا. يُدمِّر شمعون ولاوي مدينة شَكيم
أ ) الآية (٢٥): مجزرة رجال مدينة شَكيم.
٢٥فَحَدَثَ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ إِذْ كَانُوا مُتَوَجِّعِينَ أَنَّ ٱبْنَيْ يَعْقُوبَ، شِمْعُونَ وَلَاوِيَ أَخَوَيْ دِينَةَ، أَخَذَا كُلُّ وَاحِدٍ سَيْفَهُ وَأَتَيَا عَلَى ٱلْمَدِينَةِ بِأَمْنٍ وَقَتَلَا كُلَّ ذَكَرٍ.
- إِذْ كَانُوا مُتَوَجِّعِينَ … أَخَذَا كُلُّ وَاحِدٍ سَيْفَهُ وَأَتَيَا عَلَى ٱلْمَدِينَةِ بِأَمْنٍ وَقَتَلَا كُلَّ ذَكَرٍ: لم يكُن هذا عملٌ بربريٌّ وماكِرٌ فحسب، بل أيضًا مُهينٌ لعهدِ الله في الختان. وبكلِّ تأكيد، فبهذا العمل الذكيّ من الخداع العنيف، أظهر شمعون ولاوي أنَّهما ابنان ليعقوب من عائلةٍ تمتلكُ بيئتَها المرارةُ والمنافسة.
- إِذْ كَانُوا مُتَوَجِّعِينَ: “بممارستهما الفجَّة، يُمكِن للختان كعمليَّةٍ أن تكون تقريبًا عملًا مُعوِّقًا، ولا سيَّما بعد يومَين أو ثلاثة أيَّام” كيدنر (Kidner)
- وَأَتَيَا: كانت خطَّةً مُحكَمَةً وجريئةً لذبح مجتمعٍ من الرِّجال بأكمله تحت غطاء قَبُول طَلَب الختان. كان أمرًا جريئًا بغاية الشرِّ.
- “إنَّ الجرأة التي استخدماها في تنفيذ خُطَّتهما الغبيَّة تُظهِرُ صلابة قلبَيهما” بارنهاوس (Barnhouse)
ب) الآيات (٢٦-٢٩): خلَّصا دينة ونهبا المدينة.
٢٦وَقَتَلَا حَمُورَ وَشَكِيمَ ٱبْنَهُ بِحَدِّ ٱلسَّيْفِ، وَأَخَذَا دِينَةَ مِنْ بَيْتِ شَكِيمَ وَخَرَجَا. ٢٧ثُمَّ أَتَى بَنُو يَعْقُوبَ عَلَى ٱلْقَتْلَى وَنَهَبُوا ٱلْمَدِينَةَ، لِأَنَّهُمْ نَجَّسُوا أُخْتَهُمْ. ٢٨غَنَمَهُمْ وَبَقَرَهُمْ وَحَمِيرَهُمْ وَكُلُّ مَا فِي ٱلْمَدِينَةِ وَمَا فِي ٱلْحَقْلِ أَخَذُوهُ. ٢٩وَسَبَوْا وَنَهَبُوا كُلَّ ثَرْوَتِهِمْ وَكُلَّ أَطْفَالِهِمْ، وَنِسَاءَهُمْ وَكُلَّ مَا فِي ٱلْبُيُوتِ.
- وَقَتَلَا حَمُورَ وَشَكِيمَ ٱبْنَهُ بِحَدِّ ٱلسَّيْفِ: لم تكُن هناك من حدودٍ للسيف. حتَّى الرجال الصَّالحون مثل شَكِيم (تكوين ١٩:٣٤) قُتِلوا. برَّر بَنُو يَعْقُوبَ الجريمةَ والنهبَ بقولهم أنَّ دِينة أُختَهم وعائلتهم قد تنجَّست، لكنَّ العقاب كان مُفرِطًا.
- وَنَهَبُوا ٱلْمَدِينَةَ … غَنَمَهُمْ وَبَقَرَهُمْ وَحَمِيرَهُمْ وَكُلُّ مَا فِي ٱلْمَدِينَةِ وَمَا فِي ٱلْحَقْلِ أَخَذُوهُ … وَسَبَوْا وَنَهَبُوا كُلَّ ثَرْوَتِهِمْ: نهب أبناء يعقوب مدينة شَكيم بالكامل، وأخذوا ما فيها من النساء الأحياء والأولاد كعبيد.
- “باتِّخاذهم بعض الإجراءات كتعويضٍ على تدنيس أُختهم وبِغَدرٍ جبانٍ وخسيس، ذبح أبناء يعقوب جميع الشَكيميِّين، وبذلك جلبوا ذنب جريمتهم على عائلةٍ كانت يجب أن تكون مُقدَّسةً للرَّبِّ” سبيرجن (Spurgeon)
ج) الآيات (٣٠-٣١): ردَّة فعل يعقوب.
٣٠فَقَالَ يَعْقُوبُ لِشَمْعُونَ وَلَاوِي: «كَدَّرْتُمَانِي بِتَكْرِيهِكُمَا إِيَّايَ عِنْدَ سُكَّانِ ٱلْأَرْضِ ٱلْكَنْعَانِيِّينَ وَٱلْفِرِزِيِّينَ، وَأَنَا نَفَرٌ قَلِيلٌ. فَيَجْتَمِعُونَ عَلَيَّ وَيَضْرِبُونَنِي، فَأَبِيدُ أَنَا وَبَيْتِي». ٣١فَقَالَا: «أَنَظِيرَ زَانِيَةٍ يَفْعَلُ بِأُخْتِنَا؟».
- كَدَّرْتُمَانِي بِتَكْرِيهِكُمَا إِيَّايَ: وفي ردَّة فعلِهِ على هذه الجريمة الرَّهيبة ونَهبِ شَكيم، بدا يعقوب وكأنَّه قَلِقٌ فقط على نفسه وخطر الانتقام من عائلته الصغيرة (وَأَنَا نَفَرٌ قَلِيلٌ). لم يكُن هناك من قلقٍ على الخطأِ والصواب ولا على بِرَّ الله أو موت ونَهب الأبرياء. كان هذا الرجُل يعقوب وليس إسرائيل في ردَّةِ الفعلِ هذه.
- “كان كلُّ شيءٍ في حالةٍ من الفوضى ومُهدَّدًا بأن يُصبِح أكثر سوءًا. حتَّى الوثنيُّون الَّذين هُم من خارج بدأوا بشمِّ الرَّائحة السيِّئة لعائلة يعقوب غير المنظَّمَة، فكان الحلُّ الوحيد – إصلاح أو إنهاء” سبيرجن (Spurgeon)
- “يا يعقوب! لقد جلبت المشاكل على نفسك. وورَّثت بنيك طبيعتك المخادِعة. كنت لَهُم مثالًا مُستدامًا للمكر. فقد سمعوا كذبَك لعيسو في فنيئيل وبدأت بالتَّرحال شمالًا وغربًا بعد ذهابه باتِّجاه الجنوب الشرقيّ. رأوا اهتمامك بالمراعي الخصبة عندما نصبت خيامك في شَكيم. لم تقُل أيَّ شيءٍ عندما نُجِّست دِينة … تكلَّم مع الله عن خطيَّتك فبل أن تتكلَّم مع أبنائك عن خطاياهم” بارنهاوس (Barnhouse)
- أَنَظِيرَ زَانِيَةٍ يَفْعَلُ بِأُخْتِنَا: كانت هذه الكلمات جواب شمعون ولاوي الوحيد. كانا صائبَين في موقفهما بأنَّ دِينة قد نُجِّسَت وعُومِلَت بشكلٍ رهيب. على الرغم من ذلك، لَن يُبرِّر هذا الموقف شرورهما الشَّنيعة في القتل الجماعيّ واستعباد النساء والأولاد والسرقة والنهب.
- “عندما شارف يعقوب على الموت، تنبَّأ عن كلِّ واحدٍ من أبنائه الإثني عشَر. وهذا ما قاله عن شمعون ولاوي: شِمْعُونُ وَلَاوِي أَخَوَانِ، آلَاتُ ظُلْمٍ سُيُوفُهُمَا. فِي مَجْلِسِهِمَا لَا تَدْخُلُ نَفْسِي. بِمَجْمَعِهِمَا لَا تَتَّحِدُ كَرَامَتِي. لِأَنَّهُمَا فِي غَضَبِهِمَا قَتَلَا إِنْسَانًا، وَفِي رِضَاهُمَا عَرْقَبَا ثَوْرًا. ٧مَلْعُونٌ غَضَبُهُمَا فَإِنَّهُ شَدِيدٌ، وَسَخَطُهُمَا فَإِنَّهُ قَاسٍ. أُقَسِّمُهُمَا فِي يَعْقُوبَ، وَأُفَرِّقُهُمَا فِي إِسْرَائِيلَ (تكوين ٥:٤٩-٧). فقد رأى يعقوب شمعون ولاوي بما يُمثِّلانه، لكنَّه وبَّخهما في وقتٍ مُتأخِّرٍ جدًّا”
- إن كلمة الله النبويَّة التي تنبَّأَ بها يعقوب كانت صادقة. فقد قسم الله بالفعل سبطَي شمعون ولاوي وشتَّتهما بين الإسرائيليِّين. لكن، وبشكلٍ أساسيّ، تمَّ هذا الأمر بطريقةٍ مُختلِفة لكلِّ سبطٍ.
- أُلغيَ سبطُ شمعون وأُدمِج بمنطقة سبط يهوذا بسبب عدم الأمانة.
- شُتِّت سبطُ لاوي، لكن بسبب أمانتهم خلال ذلك العصيان حينما صُنِعَ ذلك العجل الذهبيّ (خروج ٢٦:٣٢-٢٨)، انتشر بين جميع الأسباط كبركةٍ لجماعة إسرائيل.
- تشتَّت كلاهما، إلَّا أنَّ واحدًا كان بركة والآخَر لعنة.