سفر التكوين – الإصحاح ٤٣
يلتقي يوسُف بإخوته مرَّةً ثانية
أولًا. يُقرِّر يعقوب بأن يسمح لأبنائه بالعودة إلى مصرَ مع بنيامين
أ ) الآيات (١-٢): يأمر يعقوب بجَلب المزيد من الطعام.
١وَكَانَ ٱلْجُوعُ شَدِيدًا فِي ٱلْأَرْضِ. ٢وَحَدَثَ لَمَّا فَرَغُوا مِنْ أَكْلِ ٱلْقَمْحِ ٱلَّذِي جَاءُوا بِهِ مِنْ مِصْرَ، أَنَّ أَبَاهُمْ قَالَ لَهُمُ: «ٱرْجِعُوا ٱشْتَرُوا لَنَا قَلِيلًا مِنَ ٱلطَّعَامِ».
- وَكَانَ ٱلْجُوعُ شَدِيدًا فِي ٱلْأَرْضِ: لدينا سببٌ للاعتقاد بأنَّ الإخوة ذهبوا إلى مصرَ من أجل القمح في السنة الأولى للمجاعة. عرف يوسُف أنَّ الجوع سيدوم لمدَّة سبع سنين، أمَّا إخوته فلم يعرفوا ذلك. لَربَّما ظنُّوا أنَّها سنةٌ سيِّئة، لكن سرعان ما أتت سنةٌ أُخرى من الجوع.
- وَحَدَثَ لَمَّا فَرَغُوا مِنْ أَكْلِ ٱلْقَمْحِ ٱلَّذِي جَاءُوا بِهِ مِنْ مِصْرَ: ربَّما اعتقد يعقوب في الأصل بأنَّ لديهم ما يكفي ليتخطَّوا مرحلة الجوع فَلَن يضطرُّوا للذهاب إلى مصرَ مرَّة ثانية ومعهم بنيامين لشراء القمح أو لاسترجاع شمعون. لكنَّ المجاعة استمرَّت، وفي النهاية نفذَ الطَّعام.
- ٱرْجِعُوا ٱشْتَرُوا لَنَا قَلِيلًا مِنَ ٱلطَّعَامِ: دفعت الضَّرورة يعقوب إلى القيام بأمرٍ لا يفعله في العادة. قد نتخيَّل أنَّ يعقوب صلَّى بلجاجة من أجل كَسر المجاعة، كما وسأل الله أن يُرسِل المعونة. قد نتخيَّل يعقوب في حالةٍ من الغضب والمرارة ضدَّ الله لِعَدم استجابة هذه الصلوات. لله خُطَّة وهو يمتلِك شيئًا أفضل بكثير ليعقوب ممَّا يُمكِن أن يتخيَّله.
ب) الآيات (٣-٥): يشرح يهوذا لماذا يجب عليهم أن يأخذوا بنيامين معهم إلى مصر.
٣فَكَلَّمَهُ يَهُوذَا قَائِلًا: «إِنَّ ٱلرَّجُلَ قَدْ أَشْهَدَ عَلَيْنَا قَائِلًا: لَا تَرَوْنَ وَجْهِي بِدُونِ أَنْ يَكُونَ أَخُوكُمْ مَعَكُمْ. ٤إِنْ كُنْتَ تُرْسِلُ أَخَانَا مَعَنَا، نَنْزِلُ وَنَشْتَرِي لَكَ طَعَامًا، ٥وَلَكِنْ إِنْ كُنْتَ لَا تُرْسِلُهُ لَا نَنْزِلُ. لِأَنَّ ٱلرَّجُلَ قَالَ لَنَا: لَا تَرَوْنَ وَجْهِي بِدُونِ أَنْ يَكُونَ أَخُوكُمْ مَعَكُمْ».
- فَكَلَّمَهُ يَهُوذَا قَائِلًا: استمرَّ يهوذا بإظهار نوعٍ من القيادة بين إخوته.
- إِنَّ ٱلرَّجُلَ قَدْ أَشْهَدَ عَلَيْنَا قَائِلًا: لم يكُن يهوذا يدري بأنَّ ذلك الرجُل هو أخوه يوسُف، لكنَّه تذكَّر كم كان شخصًا قويًّا ومُخيفًا. فقد قال، لَا تَرَوْنَ وَجْهِي بِدُونِ أَنْ يَكُونَ أَخُوكُمْ مَعَكُمْ.
ج) الآيات (٦-٧): يتذمَّر يعقوب ويُدافع الإخوة عمَّا قالوه لذلك الرجل المصريّ.
٦فَقَالَ إِسْرَائِيلُ: «لِمَاذَا أَسَأْتُمْ إِلَيَّ حَتَّى أَخْبَرْتُمُ ٱلرَّجُلَ أَنَّ لَكُمْ أَخًا أَيْضًا؟» ٧فَقَالُوا: «إِنَّ ٱلرَّجُلَ قَدْ سَأَلَ عَنَّا وَعَنْ عَشِيرَتِنَا، قَائِلًا: هَلْ أَبُوكُمْ حَيٌّ بَعْدُ؟ هَلْ لَكُمْ أَخٌ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ بِحَسَبِ هَذَا ٱلْكَلَامِ. هَلْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ يَقُولُ: ٱنْزِلُوا بِأَخِيكُمْ؟».
- لِمَاذَا أَسَأْتُمْ إِلَيَّ حَتَّى أَخْبَرْتُمُ ٱلرَّجُلَ أَنَّ لَكُمْ أَخًا أَيْضًا؟: من الواضح أنَّ يعقوب كان يائسًا. لا بدَّ أنَّهم تباحثوا في هذا السؤال مرارًا وتكرارًا، لكنّه ما لبث إلَّا وأن تناولَهُ مرَّةً أُخرى.
- هَلْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ يَقُولُ: قدَّم الإخوة تفسيرًا منطقيًّا لأبيهم. كان سؤال المسؤول المصريّ مُفاجئًا فَلَم يتوقَّعونه.
د ) الآيات (٨-١٠): يُقنِع يهوذا أباهُ كي يسمح لهم بالذهاب إلى مصرَ ومعهم بنيامين.
٨وَقَالَ يَهُوذَا لِإِسْرَائِيلَ أَبِيهِ: «أَرْسِلِ ٱلْغُلَامَ مَعِي لِنَقُومَ وَنَذْهَبَ وَنَحْيَا وَلَا نَمُوتَ، نَحْنُ وَأَنْتَ وَأَوْلَادُنَا جَمِيعًا. ٩أَنَا أَضْمَنُهُ. مِنْ يَدِي تَطْلُبُهُ. إِنْ لَمْ أَجِئْ بِهِ إِلَيْكَ وَأُوقِفْهُ قُدَّامَكَ، أَصِرْ مُذْنِبًا إِلَيْكَ كُلَّ ٱلْأَيَّامِ. ١٠لِأَنَّنَا لَوْ لَمْ نَتَوَانَ لَكُنَّا قَدْ رَجَعْنَا ٱلْآنَ مَرَّتَيْنِ».
- أَرْسِلِ ٱلْغُلَامَ مَعِي: إنَّ الإشارة إلى بنيامين كَـ غُلَامٍ يجعلنا نتساءل عن عُمرهِ في ذلك الوقت. يعتقِد آدم كلاك (Adam Clarke) وآخَرون بأنَّ كلمة غُلَام هُنا يجب أن تُترجَم كَـ شابٍّ أو رجلٍ شابٍّ وأنَّ بنيامين كان في منتصف العشرينات أن بداية الثلاثينات مع عائلةٍ خاصَّة به (تكوين ٢١:٤٦).
- أَنَا أَضْمَنُهُ: وضع يهوذا حياته على المِحكِّ من أجل بنيامين. نرى هُنا أوَّلَ عملٍ جيِّد يقوم به يهوذا. ففي وقتٍ سابق هو مَن كان قد اقترح بَيعَ يوسُف. وهو مَن أذنب بحقِّ ثامار كِنَّتهُ ومارس الجنس معها كزانية.
- سابقًا، من الممكِن أن يكون إبليس قد وجَّه هجومه على يوسُف لأنَّه كان يعتقِدُ بأنَّ المسيَّا سيأتي من صُلبِهِ. وحتَّى هذه اللَّحظة، لم يكشِف الله مَن مِن الإثنَي عشر ابنًا لِيعقوب سيأتي المسيح منهُ.
- لم يكره إبليس أولاد يعقوب فحسب لِما كانوا عليه، بل بسبب ما سيصنعه الله من خلالهم. يوجِّه الشيطان نفس الكراهيَّة ضدَّ المؤمنين اليوم عندما يُفكِّر بالمصير الَّذي أعدَّه الله لشعبه.
هـ) الآيات (١١-١٤): أرسلهم يعقوب مع مالٍ وهدايا للقائد المصريّ.
١١فَقَالَ لَهُمْ إِسْرَائِيلُ أَبُوهُمْ: «إِنْ كَانَ هَكَذَا فَٱفْعَلُوا هَذَا: خُذُوا مِنْ أَفْخَرِ جَنَى ٱلْأَرْضِ فِي أَوْعِيَتِكُمْ، وَأَنْزِلُوا لِلرَّجُلِ هَدِيَّةً. قَلِيلًا مِنَ ٱلْبَلَسَانِ، وَقَلِيلًا مِنَ ٱلْعَسَلِ، وَكَثِيرَاءَ وَلَاذَنًا وَفُسْتُقًا وَلَوْزًا. ١٢وَخُذُوا فِضَّةً أُخْرَى فِي أَيَادِيكُمْ. وَٱلْفِضَّةَ ٱلْمَرْدُودَةَ فِي أَفْوَاهِ عِدَالِكُمْ رُدُّوهَا فِي أَيَادِيكُمْ، لَعَلَّهُ كَانَ سَهْوًا. ١٣وَخُذُوا أَخَاكُمْ وَقُومُوا ٱرْجِعُوا إِلَى ٱلرَّجُلِ. ١٤وَٱللهُ ٱلْقَدِيرُ يُعْطِيكُمْ رَحْمَةً أَمَامَ ٱلرَّجُلِ حَتَّى يُطْلِقَ لَكُمْ أَخَاكُمُ ٱلْآخَرَ وَبَنْيَامِينَ. وَأَنَا إِذَا عَدِمْتُ ٱلْأَوْلَادَ عَدِمْتُهُمْ».
- خُذُوا مِنْ أَفْخَرِ جَنَى ٱلْأَرْضِ فِي أَوْعِيَتِكُمْ، وَأَنْزِلُوا لِلرَّجُلِ هَدِيَّةً: في مرَّةٍ سابقة، أعطى يعقوب هديَّةً سخيَّة لِعَدوٍّ مُحتمَل ونجحت مُحاولته تمامًا (في الإشارة إلى عيسو في تكوين ١٠:٣٣-١١).
- وَخُذُوا فِضَّةً أُخْرَى فِي أَيَادِيكُمْ: أخذوا فِضَّةً أُخْرَى معهم إلى مصرَ لابتياع القمح ولاسترضاء الحاكِم المصريّ. وبما أنَّ عشرة إخوة نزلوا إلى مصرَ، فهذا يعني وجودَ ٢٠ وِحْدَةٍ من المال. وكأنَّ ذلك يُحاكي تلك الـ ٢٠ قطعة من الفضَّة التي دُفِعَت ثمنًا لِيوسُف عند بَيعِهِ (تكوين ٢٨:٣٧). إنَّ الكلِمتَين فِضَّة و مَالْ هُما نفس الشيء.
- وَٱللهُ ٱلْقَدِيرُ يُعْطِيكُمْ رَحْمَةً أَمَامَ ٱلرَّجُلِ: كان أمرًا حسنًا لدى يعقوب أن يقول ويؤمِن بما قالَه من كلماتٍ، لكنَّنا نشعرُ بوجود الكثير من القَدَر والقليل من الإيمان (وَأَنَا إِذَا عَدِمْتُ … عَدِمْتُهُمْ!). فالإيمان والقَدَر ليسا نفس الشيء.
ثانيًا. يواجِه أبناء يعقوب يوسُف مُجدَّدًا
أ ) الآيات (١٥-١٨): يدعو يوسُف الإخوة إلى الغذاء.
١٥فَأَخَذَ ٱلرِّجَالُ هَذِهِ ٱلْهَدِيَّةَ، وَأَخَذُوا ضِعْفَ ٱلْفِضَّةِ فِي أَيَادِيهِمْ، وَبَنْيَامِينَ، وَقَامُوا وَنَزَلُوا إِلَى مِصْرَ وَوَقَفُوا أَمَامَ يُوسُفَ. ١٦فَلَمَّا رَأَى يُوسُفُ بَنْيَامِينَ مَعَهُمْ، قَالَ لِلَّذِي عَلَى بَيْتِهِ: «أَدْخِلِ ٱلرِّجَالَ إِلَى ٱلْبَيْتِ وَٱذْبَحْ ذَبِيحَةً وَهَيِّئْ، لِأَنَّ ٱلرِّجَالَ يَأْكُلُونَ مَعِي عِنْدَ ٱلظُّهْرِ». ١٧فَفَعَلَ ٱلرَّجُلُ كَمَا قَالَ يُوسُفُ. وَأَدْخَلَ ٱلرَّجُلُ ٱلرِّجَالَ إِلَى بَيْتِ يُوسُفَ. ١٨فَخَافَ ٱلرِّجَالُ إِذْ أُدْخِلُوا إِلَى بَيْتِ يُوسُفَ، وَقَالُوا: «لِسَبَبِ ٱلْفِضَّةِ ٱلَّتِي رَجَعَتْ أَوَّلًا فِي عِدَالِنَا نَحْنُ قَدْ أُدْخِلْنَا لِيَهْجِمَ عَلَيْنَا وَيَقَعَ بِنَا وَيَأْخُذَنَا عَبِيدًا وَحَمِيرَنَا».
- أَدْخِلِ ٱلرِّجَالَ إِلَى ٱلْبَيْتِ وَٱذْبَحْ ذَبِيحَةً وَهَيِّئْ، لِأَنَّ ٱلرِّجَالَ يَأْكُلُونَ مَعِي عِنْدَ ٱلظُّهْرِ: كانت هذه الدعوة بمثابةِ لُطفٍ واهتمامٍ غير عاديٍّ. لا شكَّ بأن الإخوة تعجَّبوا من اهتمام هذا المسؤول المصريّ بهم وبدعوتهم لتناول الغذاء معه.
- يوسُف هو صورة عن يسوع: فهو يريد أن يأكُل معنا، أي أنَّه يريدُ علاقةً وثيقة معنا. هَأَنَذَا وَاقِفٌ عَلَى ٱلْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ ٱلْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي (رؤيا ٢٠:٣).
- فَخَافَ ٱلرِّجَالُ إِذْ أُدْخِلُوا إِلَى بَيْتِ يُوسُفَ: ربَّما خافوا من أنَّ هذا اللُّطف من الحاكِم المصريّ كان مُجرَّد تدبيرٍ لإعدامهم.
ب) الآيات (١٩-٢٣): يشرح الإخوة موضوع المال وهُم عُومِلوا جيِّدًا في بيت يوسُف.
١٩فَتَقَدَّمُوا إِلَى ٱلرَّجُلِ ٱلَّذِي عَلَى بَيْتِ يُوسُفَ، وَكَلَّمُوهُ فِي بَابِ ٱلْبَيْتِ ٢٠وَقَالُوا: «ٱسْتَمِعْ يَا سَيِّدِي، إِنَّنَا قَدْ نَزَلْنَا أَوَّلًا لِنَشْتَرِيَ طَعَامًا. ٢١وَكَانَ لَمَّا أَتَيْنَا إِلَى ٱلْمَنْزِلِ أَنَّنَا فَتَحْنَا عِدَالَنَا، وَإِذَا فِضَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ فِي فَمِ عِدْلِهِ. فِضَّتُنَا بِوَزْنِهَا. فَقَدْ رَدَدْنَاهَا فِي أَيَادِينَا. ٢٢وَأَنْزَلْنَا فِضَّةً أُخْرَى فِي أَيَادِينَا لِنَشْتَرِيَ طَعَامًا. لَا نَعْلَمُ مَنْ وَضَعَ فِضَّتَنَا فِي عِدَالِنَا». ٢٣فَقَالَ: «سَلَامٌ لَكُمْ، لَا تَخَافُوا. إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ أَبِيكُمْ أَعْطَاكُمْ كَنْزًا فِي عِدَالِكُمْ. فِضَّتُكُمْ وَصَلَتْ إِلَيَّ». ثُمَّ أَخْرَجَ إِلَيْهِمْ شِمْعُونَ.
- وَكَلَّمُوهُ فِي بَابِ ٱلْبَيْتِ: اعتقد الإخوة أنَّه من الحكمة أن يشرحوا الأمور لذلك ٱلرَّجُلِ ٱلَّذِي عَلَى بَيْتِ يُوسُفَ قبل أن يشرحوا ذلك للمسؤول المصريّ شخصيًّا.
- إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ أَبِيكُمْ أَعْطَاكُمْ كَنْزًا فِي عِدَالِكُمْ. فِضَّتُكُمْ وَصَلَتْ إِلَيَّ: لم تكُن هذه كِذبة، ذلك لأنَّه حصل عليها بالفعل ثمَّ ردَّها إليهم. كان هذا بالفعل بسبب نعمة الله أنَّ مالَهم رُدَّ إليهم.
- ثُمَّ أَخْرَجَ إِلَيْهِمْ شِمْعُونَ: وفَى يوسُف بوعدهِ.
ج) الآيات (٢٤-٢٦): يلتقي الإخوة بيوسُف ويُقدِّمون له هديَّة.
٢٤وَأَدْخَلَ ٱلرَّجُلُ ٱلرِّجَالَ إِلَى بَيْتِ يُوسُفَ وَأَعْطَاهُمْ مَاءً لِيَغْسِلُوا أَرْجُلَهُمْ، وَأَعْطَى عَلِيقًا لِحَمِيرِهِمْ. ٢٥وَهَيَّأُوا ٱلْهَدِيَّةَ إِلَى أَنْ يَجِيءَ يُوسُفُ عِنْدَ ٱلظُّهْرِ، لِأَنَّهُمْ سَمِعُوا أَنَّهُمْ هُنَاكَ يَأْكُلُونَ طَعَامًا. ٢٦فَلَمَّا جَاءَ يُوسُفُ إِلَى ٱلْبَيْتِ أَحْضَرُوا إِلَيْهِ ٱلْهَدِيَّةَ ٱلَّتِي فِي أَيَادِيهِمْ إِلَى ٱلْبَيْتِ، وَسَجَدُوا لَهُ إِلَى ٱلْأَرْضِ.
- وَأَعْطَاهُمْ مَاءً لِيَغْسِلُوا أَرْجُلَهُمْ: توقَّع الإخوة اعتقالهم كعبيدٍ وتجريدهم من كلِّ ما يملكونه (تكوين ١٨:٤٣). إلَّا أنَّ يوسُف عامَلَهُم بالحُسنى. كانت هذه المحبَّة وهذا اللُّطف من يوسُف عاملَين لربحهم واقتيادهم إلى التَّوبة الكامِلة.
- أخذ الإخوة بركات المحبَّة واللُّطف من يوسُف من دون علمهم بهويَّته الحقيقيَّة. وبنفس الطريقة، يُغدِقُ الله علينا وابلًا من المحبَّة والبركات من دون علمنا بأنَّها من لَدُنِه.
- وَهَيَّأُوا ٱلْهَدِيَّةَ … وَسَجَدُوا لَهُ إِلَى ٱلْأَرْضِ: وبهذا أيضًا حقَّق الإخوة من حيث لا يدرون حُلُم يوسُف الَّذي قصَّه عليهم منذ سنينٍ طويلة. فقد كرَّموا هذا المسؤول المصريّ ليس احترامًا له فحسب، وليس امتنانًا له فقط، بل بسبب حاجتهم إليهم. عندما نشعر بحاجتنا، يُحفِّزنا يسوع أن نُعطي ممَّا لنا ونُقدِّم العبادة له.
د ) الآيات (٢٧-٣٠): لقاء يوسُف العاطفيّ بِبَنيامين.
٢٧فَسَأَلَ عَنْ سَلَامَتِهِمْ، وَقَالَ: «أَسَالِمٌ أَبُوكُمُ ٱلشَّيْخُ ٱلَّذِي قُلْتُمْ عَنْهُ؟ أَحَيٌّ هُوَ بَعْدُ؟» ٢٨فَقَالُوا: «عَبْدُكَ أَبُونَا سَالِمٌ. هُوَ حَيٌّ بَعْدُ». وَخَرُّوا وَسَجَدُوا. ٢٩فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ بَنْيَامِينَ أَخَاهُ ٱبْنَ أُمِّهِ، وَقَالَ: «أَهَذَا أَخُوكُمُ ٱلصَّغِيرُ ٱلَّذِي قُلْتُمْ لِي عَنْهُ؟» ثُمَّ قَالَ: «ٱللهُ يُنْعِمُ عَلَيْكَ يَا ٱبْنِي». ٣٠وَٱسْتَعْجَلَ يُوسُفُ لِأَنَّ أَحْشَاءَهُ حَنَّتْ إِلَى أَخِيهِ وَطَلَبَ مَكَانًا لِيَبْكِيَ، فَدَخَلَ ٱلْمَخْدَعَ وَبَكَى هُنَاكَ.
- فَسَأَلَ عَنْ سَلَامَتِهِمْ: كان لهذا المسؤول المصريّ الغريب اهتمامٌ شخصيٌّ غير اعتياديٍّ بهؤلاء الإخوة وبعائلاتهم. وبكلِّ تأكيد، لم يُعامِل مُشتريِّ القمح الآخَرين بهذه الطريقة.
- لِأَنَّ أَحْشَاءَهُ حَنَّتْ إِلَى أَخِيهِ: تأثَّر يوسُف بشكلٍ خاص بلقائه بأخيه بنيامين الَّذي رآه للمرَّة الأخيرة حيث كان صبيًّا صغيرًا. أُخِذ بالمشاعر إلى درجة أنَّه طَلَبَ مَكَانًا لِيَبْكِيَ، فَدَخَلَ ٱلْمَخْدَعَ وَبَكَى هُنَاكَ. لقد كان حزينًا وعاطفيًّا بسبب أنَّه لم يحظَ بعلاقةٍ طبيعيَّة مع أخيه بنيامين.
هـ) الآيات (٣١-٣٢): فُصِلت طاولات الطَّعام عن بعضها.
٣١ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَخَرَجَ وَتَجَلَّدَ، وَقَالَ: «قَدِّمُوا طَعَامًا». ٣٢فَقَدَّمُوا لَهُ وَحْدَهُ، وَلَهُمْ وَحْدَهُمْ، وَلِلْمِصْرِيِّينَ ٱلْآكِلِينَ عِنْدَهُ وَحْدَهُمْ، لِأَنَّ ٱلْمِصْرِيِّينَ لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يَأْكُلُوا طَعَامًا مَعَ ٱلْعِبْرَانِيِّينَ، لِأَنَّهُ رِجْسٌ عِنْدَ ٱلْمِصْرِيِّينَ.
- فَقَدَّمُوا لَهُ وَحْدَهُ: لم يأكُل يوسُف مع إخوتهِ، ذلك بسبب أنَّ مصرَ كانت في تلك الأيَّام من أكثر المجتمعات تقوقُعًا وانعزالًا على الأرض. كانوا يعتقدون بأنَّ المصريِّين جاءوا من الآلِهة، بينما كلُّ الشعوب الأُخرى انحدرت من أُصولٍ أقلَّ شأنًا. كان هناك انعدامٌ للاختلاط الاجتماعيّ مع الغرباء في أيَّام يوسُف.
- وَلِلْمِصْرِيِّينَ ٱلْآكِلِينَ عِنْدَهُ وَحْدَهُمْ: وإذا كان المصريُّون لا يأكلون مع يوسُف، فماذا بشأن هؤلاء الغُرباء الآتين من كنعان. وبالرغم من مقامه وسلطته، لم يكُن يوسُف يقدِر أن يأكل مع المصريِّين الأصليِّين.
- “بحسب هيرودوتس، كان المصريُّون يمقتون كلَّ شيءٍ غريب لدرجة أنَّ كهنتهم، على الأقلِّ، لم يكونوا يأكلون أو يشربون أيَّ شيءٍ مُستَورَد، كما أنَّهم لم يستخدموا أيَّة أدواتٍ مطبخيَّة كان يستعملها اليونانيُّون” ليوبولد (Leupold)
- نرى هُنا حكمة الله. فَقَبل ختام سجلِّ التَّكوين، أتى الله بكامل عائلة يعقوب إلى مصرَ حيث فُصِلوا عن الشعوب المحيطة لِمُدَّة ٤٠٠ سنة. تكاثر العبرانيُّون بشكلٍ كبيرٍ خلال هذه الحقبة وغَدَوا بالملايين. لَو سمح الله ببقائهم في أرض كنعان، فقد كان من الممكِن انصهارهم مع الشعوب الكنعانيَّة الفاسدة وغير التَّقيَّة.
- لَم يأتِ الله بعائلة إسرائيل من بيئةٍ كنعانيَّة فاسِدة فحسب، بل وضعهم أيضًا في وسط شعبٍ مُنفصِلٍ بشكلٍ عنصريّ لا يتزوَّج من الغرباء أو يختلط بهم. بكلِّ بساطةٍ، أرسل الله يوسُف أمامهم كي يُهيِّئ الأمور.
و ) الآيات (٣٣-٣٤): رتَّبهم يوسُف بحسب أعمارهم مُفضِّلًا بنيامين.
٣٣فَجَلَسُوا قُدَّامَهُ: ٱلْبِكْرُ بِحَسَبِ بَكُورِيَّتِهِ، وَٱلصَّغِيرُ بِحَسَبِ صِغَرِهِ، فَبُهِتَ ٱلرِّجَالُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ. ٣٤وَرَفَعَ حِصَصًا مِنْ قُدَّامِهِ إِلَيْهِمْ، فَكَانَتْ حِصَّةُ بَنْيَامِينَ أَكْثَرَ مِنْ حِصَصِ جَمِيعِهِمْ خَمْسَةَ أَضْعَافٍ. وَشَرِبُوا وَرَوُوا مَعَهُ.
- ٱلْبِكْرُ بِحَسَبِ بَكُورِيَّتِهِ، وَٱلصَّغِيرُ بِحَسَبِ صِغَرِهِ: لا عجب أنَّ الإخوة بُهِتُوا. لم يكُن بإمكان هذا الترتيب أن يحدُث بالصدفة. إحصائيًّا، احتمال جلوس ١١ أخًا في أمكِنَتهم الصحيحة بحسب الولادة هو ١ من ٤٠ مليون.
- فَكَانَتْ حِصَّةُ بَنْيَامِينَ أَكْثَرَ مِنْ حِصَصِ جَمِيعِهِمْ خَمْسَةَ أَضْعَافٍ: كان هذا امتحانًا آخَر لرؤية ردَّة فعلهم عند تفضيل أخيهم الصغير، لا سيَّما وأنَّهم قد مقتوا تفضيل أبيهم لِيوسُف.
- أراد يوسُف أن يرى أيَّ تغييرٍ قي القلب لدى إخوته، أو أنَّهم ما زالوا نفس الإخوة الَّذين ألقَوا به في البئر مُتجاهلين نداء استغاثته.
- قد يكون هذا هو الدَّافع الرئيسيّ لدى يوسُف عندما طالب ببنيامين. كان يترقَّب إذا كانوا سيهتمّون ببنيامين في رحلةٍ كهذه، بما أنَّهم فشلوا في تحقيق ذلك مع يوسُف.
- نتوقَّع عند فشلنا في امتحانٍ ما، في مكانٍ ما، أن يُرتِّب الله لنا امتحانًا آخَر مرَّةً أُخرى. وقد يكون هذا سببًا وجيهًا يدعونا للنَّجاح من المرَّة الأُولى.