سفر حزقيال – الإصحاح ١١
مغادرة مجد الرب، والوعد بعهد جديد
أولًا. دينونة على أورشليم وما ورائها
أ ) الآيات (١-٤): نبوة ضد رؤساء الشعب.
١ثُمَّ رَفَعَنِي رُوحٌ وَأَتَى بِي إِلَى بَابِ بَيْتِ الرَّبِّ الشَّرْقِيِّ الْمُتَّجِهِ نَحْوَ الشَّرْقِ، وَإِذَا عِنْدَ مَدْخَلِ الْبَابِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ رَجُلًا، وَرَأَيْتُ بَيْنَهُمْ يَازَنْيَا بْنَ عَزُورَ، وَفَلَطْيَا بْنَ بَنَايَا رَئِيسَيِ الشَّعْبِ. ٢فَقَالَ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ، هؤُلاَءِ هُمُ الرِّجَالُ الْمُفَكِّرُونَ بِالإِثْمِ، الْمُشِيرُونَ مَشُورَةً رَدِيئَةً فِي هذِهِ الْمَدِينَةِ. ٣اَلْقَائِلُونَ: مَا هُوَ قَرِيبٌ بِنَاءُ الْبُيُوتِ! هِيَ الْقِدْرُ وَنَحْنُ اللَّحْمُ. ٤لأَجْلِ ذلِكَ تَنَبَّأْ عَلَيْهِمْ. تَنَبَّأْ يَا ابْنَ آدَمَ».
١. ثُمَّ رَفَعَنِي رُوحٌ: هذا هو امتداد لرؤية حزقيال التي بدأت في الإصحاح ٨. بالرغم من أن حزقيال بقي جسديًا في بابل، إلا أن الله أعطاه رؤية عن الفساد الروحي الذي حدث في أورشليم ورد فعل الله على ذلك، سواء بالقضاء أو بمغادرة مجد الله من الهيكل والمدينة.
٢. وَأَتَى بِي إِلَى بَابِ بَيْتِ الرَّبِّ الشَّرْقِيِّ: هذا هو آخر ذكر لبَابِ بَيْتِ الرَّبِّ الشَّرْقِيِّ في رؤية حزقيال، وفيه وصف كيف أن تجسيد مجد الله الظاهري كان يحوم هناك في طريقه بعيدًا عن قدس الأقداس (حزقيال ١٠: ١٩).
٣. وَإِذَا عِنْدَ مَدْخَلِ الْبَابِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ رَجُلًا: لقد تم ذكر هذه المجموعة من الرجال الذين وقفوا بظهورهم إلى الهيكل، وعبدوا الشمس وهم يواجهون الباب الشرقي في وقت سابق في حزقيال ٨: ١٦. والآن، رأى حزقيال كلٍ من يَازَنْيَا وَفَلَطْيَا في وسطهم.
• يَازَنْيَا: يبدو أن يازنيا الذي ذُكر هنا مختلف عن الذي ذُكر في حزقيال ٨: ٩-١١، حيث يذكر أن اسم الأب مختلف.
٤. هؤُلاَءِ هُمُ الرِّجَالُ الْمُفَكِّرُونَ بِالإِثْمِ، الْمُشِيرُونَ مَشُورَةً رَدِيئَةً فِي هذِهِ الْمَدِينَةِ: كان الله يقصد بهذا كل مجموعة الخمسة والعشرين رجلًا، على الرغم من أن يَازَنْيَا وَفَلَطْيَا كانا بارزين بينهم. فهؤلاء كانا الزعماء الأشرار لمدينة شريرة.
٥. مَا هُوَ قَرِيبٌ بِنَاءُ الْبُيُوتِ! هِيَ الْقِدْرُ وَنَحْنُ اللَّحْمُ: يبدو أن هذا هو محتوى مَشُورَتهم الرَدِيئَة. إن هذا التعبير غامض وربما يشير إلى معاني من الألفاظ التي كانت معروفة جيدًا في زمن حزقيال، ولكنها غامضة بالنسبة لنا. ويبدو أن المعنى هو أنهم كانوا واثقين تمامًا بأنهم سيكونون آمنين في أورشليم، على الرغم مما قاله الأنبياء مثل إرميا (كما في إرميا ٢٩: ٥) كما أن حزقيال كان قد أخبرهم أيضًا.
• يبدو أنه من الأفضل النظر إلى مَا هُوَ قَرِيبٌ بِنَاءُ الْبُيُوتِ على أنه سؤال وليس كتصريح أو بيان. ’ألم يحن الوقت لبناء البيوت؟‘ كان هذا تعبيرًا عن ثقتهم بأن أورشليم ستكون آمنة وستخلص من التهديد البابلي. تمامًا كما تكون قطع اللحم آمنة في قِدْرُ مغطى، فزعموا أنهم آمنون.
• “تعبّر هذه المشاعر عن الثقة بأن كل شيء سيكون على ما يرام إذا اعتبر بناء البيوت رمزًا للنشاط السلمي (انظر٢٨: ٢٦). إنه يؤيد سياسة تجاهل تهديد غزو بابلي آخر.” تايلور (Taylor)
• “ستكون المدينة درعًا حولهم كما يكون القدر للحم المغلي. وبالتالي كانوا يستهزؤون برسالة نبي الله، ويعتمدون على ثقة كاذبة في أورشليم وفي قدرتها على تحمّل الحصار والسبي الحتمي.” فاينبرغ (Feinberg)
• “التلميح في هذا المجاز هو أن الناس في أورشليم كانوا أنواعًا مختارة من اللحم بينما المسبيون في بابل هم مجرد فضلات وأجزاء مرفوضة.” ويرزبي (Wiersbe)
ب) الآيات (٥-٦): سبب الدينونة المدمرة على أورشليم.
٥وَحَلَّ عَلَيَّ رُوحُ الرَّبِّ وَقَالَ لِي: «قُلْ: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هكَذَا قُلْتُمْ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، وَمَا يَخْطُرُ بِبَالِكُمْ قَدْ عَلِمْتُهُ. ٦قَدْ كَثَّرْتُمْ قَتْلاَكُمْ فِي هذِهِ الْمَدِينَةِ وَمَلأْتُمْ أَزِقَّتَهَا بِالْقَتْلَى.
١. وَمَا يَخْطُرُ بِبَالِكُمْ قَدْ عَلِمْتُهُ: عرف الله ليس فقط أفعالهم، ولكنه عرف أيضًا أفكار قادة أورشليم وشعبها.
٢. قَدْ كَثَّرْتُمْ قَتْلاَكُمْ فِي هذِهِ الْمَدِينَةِ: يُذكّر الله القادة والشعب بمسئوليتهم من جهة هذه الدينونة العظيمة القادمة عليهم. لقد كانت دينونة الله هي رده على تمردهم المستمر والمتغلغل.
ج) الآيات (٧-١٠): إن تعامل الله مع إسرائيل لن ينتهي بسقوط أورشليم.
٧لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: قَتْلاَكُمُ الَّذِينَ طَرَحْتُمُوهُمْ فِي وَسْطِهَا هُمُ اللَّحْمُ وَهِيَ الْقِدْرُ. وَإِيَّاكُمْ أُخْرِجُ مِنْ وَسْطِهَا. ٨قَدْ فَزِعْتُمْ مِنَ السَّيْفِ، فَالسَّيْفُ أَجْلِبُهُ عَلَيْكُمْ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. ٩وَأُخْرِجُكُمْ مِنْ وَسْطِهَا وَأُسَلِّمُكُمْ إِلَى أَيْدِي الْغُرَبَاءِ، وَأُجْرِي فِيكُمْ أَحْكَامًا. ١٠بِالسَّيْفِ تَسْقُطُونَ. فِي تُخْمِ إِسْرَائِيلَ أَقْضِي عَلَيْكُمْ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ.
١. هِيَ الْقِدْرُ وَنَحْنُ اللَّحْمُ: حوّل حزقيال ادعائهم الواثق المتمرد إلى تنبؤ بالمصير المحتوم. لن يتم حمايتهم في الْقِدْر، بل سيتم طهيهم – ومن ثَمّ سيتم ابتلاعهم!
• “وبالتالي، يتم بمهارة رد كلماتهم عليهم التي نطقوا بها للاستهزاء، وإعادتها مرة أخرى لتقف عالقة في حلوقهم كما كانت من قبل.” تراب (Trapp)
• “لم تعُد أورشليم تُستخدم كوعاءٍ يتم فيه تخزين الطعام بأمان؛ بل هي إناءٌ فوق النار ويُطهى فيه اللحم.” بلوك (Block)
٢. وَإِيَّاكُمْ أُخْرِجُ مِنْ وَسْطِهَا: وعد الله بأنه على الرغم من أن الدمار الذي سيأتي على أورشليم سيكون رهيبًا، إلا أنه لن يكون هو الكلمة النهائية الأخيرة. لن تنتهي قصة إسرائيل وأورشليم بانتصار بابل.
٣. وَأُخْرِجُكُمْ مِنْ وَسْطِهَا وَأُسَلِّمُكُمْ إِلَى أَيْدِي الْغُرَبَاءِ: لن يهلك الجميع في أورشليم. سيُرسل الله كثيرين إلى السبي. وعندما يتم تدمير أورشليم لن ينتهي الدينونة؛ سيستمر الله في التعامل مع شعبه فِي تُخْمِ إِسْرَائِيلَ وخارجها.
• فِي تُخْمِ إِسْرَائِيلَ أَقْضِي عَلَيْكُمْ: في الحدود الشمالية، حتى في ربلة. [٢ ملوك ٢٥: ٦؛ ٢ ملوك ٢٥: ٢١؛ إرميا ٥٢: ١٠؛ إرميا ٥٢: ٢٦؛ إرميا ٥٢: ٢٧].” تراب (Trapp)
د ) الآيات (١١-١٢) سيمتد قضاء الله إلى ما وراء مدينة أورشليم.
١١هذِهِ لاَ تَكُونُ لَكُمْ قِدْرًا، وَلاَ أَنْتُمْ تَكُونُونَ اللَّحْمَ فِي وَسْطِهَا. فِي تُخْمِ إِسْرَائِيلَ أَقْضِي عَلَيْكُمْ، ١٢فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ الَّذِي لَمْ تَسْلُكُوا فِي فَرَائِضِهِ، وَلَمْ تَعْمَلُوا بِأَحْكَامِهِ، بَلْ عَمِلْتُمْ حَسَبَ أَحْكَامِ الأُمَمِ الَّذِينَ حَوْلَكُمْ».
١. هذِهِ لاَ تَكُونُ لَكُمْ قِدْرًا، وَلاَ أَنْتُمْ تَكُونُونَ اللَّحْمَ فِي وَسْطِهَا: اقتبس حزقيال ادعائهم الواثق المتمرد ثانية للمرة الأخيرة. لن تكون أورشليم حماية لهم بأي شكل من الأشكال.
٢. فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ: إن تعامل الله مع شعبه بعد سقوط أورشليم سيكون وسيلة أخرى للإعلان عن نفسه لشعبه. فالله لن يستسلم من جهتهم، سواءً كان في إنهاء تأديبه لهم أو تتميم وعوده.
٣. بَلْ عَمِلْتُمْ حَسَبَ أَحْكَامِ الأُمَمِ الَّذِينَ حَوْلَكُمْ: نظرًا لأن إسرائيل كانت تقلّد عبادة الأصنام وشر الأمم الوثنية المحيطة بها، كان من المناسب أن يسبي الله إسرائيل إلى تلك الأمم.
ثانيًا. هناك وعد بالتجديد بينما يغادر المجد
أ ) الآية (١٣): السؤال بعد موت أحد رؤساء أورشليم.
١٣وَكَانَ لَمَّا تَنَبَّأْتُ أَنَّ فَلَطْيَا بْنَ بَنَايَا مَاتَ. فَخَرَرْتُ عَلَى وَجْهِي وَصَرَخْتُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقُلْتُ: «آهِ، يَا سَيِّدُ الرَّبُّ، هَلْ تُفْنِي أَنْتَ بَقِيَّةَ إِسْرَائِيلَ؟».
١. فَلَطْيَا بْنَ بَنَايَا مَاتَ: رأى حزقيال في الرؤيا أن أحد قادة أورشليم (الذي ذُكر سابقًا في الإصحاح) يموت، دون شك تحت الدينونات الموعودة من الله.
• “قد يكون فَلَطْيَا قائد الذين سخروا من كلمة الله (الآيات ١-٣). وكان موته مثال لما كان ينتظر الباقين الذين حذرهم حزقيال.” فاينبرغ (Feinberg)
• فاوتر (Vawter) وهوب (Hoppe) يقولان إن اسم فَلَطْيَا يعني يهوه يحفظ بقية. ويقدم بلوك (Block) المعنى على أنه يهوه قد أنقذ.
٢. هَلْ تُفْنِي أَنْتَ بَقِيَّةَ إِسْرَائِيلَ؟ طرح حزقيال على الله نفس السؤال الذي طرحه سابقًا في الرؤية (حزقيال ٩: ٨). وبسبب دهشته من عمق ومدى دينونات الله، تساءل عما إذا كان سيبقى أي شخص أم لا.
ب) الآيات (١٤-١٦) وعد الله بدعم شعبه في السبي.
١٤وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: ١٥«يَا ابْنَ آدَمَ، إِخْوَتُكَ ذَوُو قَرَابَتِكَ، وَكُلُّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ بِأَجْمَعِهِ، هُمُ الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ سُكَّانُ أُورُشَلِيمَ: ابْتَعِدُوا عَنِ الرَّبِّ. لَنَا أُعْطِيَتْ هذِهِ الأَرْضُ مِيرَاثًا. ١٦لِذلِكَ قُلْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: وَإِنْ كُنْتُ قَدْ أَبْعَدْتُهُمْ بَيْنَ الأُمَمِ، وَإِنْ كُنْتُ قَدْ بَدَّدْتُهُمْ فِي الأَرَاضِي، فَإِنِّي أَكُونُ لَهُمْ مَقْدِسًا صَغِيرًا فِي الأَرَاضِي الَّتِي يَأْتُونَ إِلَيْهَا.
١. ابْتَعِدُوا عَنِ الرَّبِّ. لَنَا أُعْطِيَتْ هذِهِ الأَرْضُ مِيرَاثًا: يبدو أن هذه هي صرخة أولئك الذين تجاهلوا تحذيرات أرميا وحزقيال، كما أنها صرخة الذين نادوا برحيل كل الذين يظنون أن أورشليم ستسقط، إنهم ينادون بذلك معتقدين أن الأرض أُعْطِيَتْ ملكًا لهم.
• ابْتَعِدُوا عَنِ الرَّبِّ: “هذه هي كلمات سكان أورشليم ضد الذين تم سبيهم من اسرائيل إلى بابل مع يكنيا. ابْتَعِدُوا عَنِ الرَّبِّ: أما بالنسبة لنا، فأرض إسرائيل أعطيت ملكًا لنا، ولن نُنزاَحَ عنها أبدًا، أما أولئك الآخرون فلن يعودوا إليها أبدًا.” كلارك (Clarke)
• “يُذكّرنا هذا القول الساخر ’ابْتَعِدُوا عَنِ الرَّبِّ‘ (av, rv) برثاء داود في ١ صموئيل ٢٦: ١٩، ’لأَنَّهُمْ قَدْ طَرَدُونِي الْيَوْمَ مِنَ الانْضِمَامِ إِلَى نَصِيبِ الرَّبِّ قَائِلِينَ: اذْهَبِ اعْبُدْ آلِهَةً أُخْرَى.‘” تايلور (Taylor)
٢. وَإِنْ كُنْتُ قَدْ أَبْعَدْتُهُمْ بَيْنَ الأُمَمِ: نعلم من إرميا (إرميا ٢٤: ١-٧) أن اليهود الذين بقوا في أورشليم والذين لم يتم سبيهم يرون أنفسهم أفضل من أولئك الذين تم نفيهم. هنا تكلم الله جيدًا عن أولئك الذين تم سبيهم بالفعل، قائلًا إنه على الرغم من أنه أَبْعَدْهُمْ إلا أنه لم يتخل عنهم.
٣. فَإِنِّي أَكُونُ لَهُمْ مَقْدِسًا صَغِيرًا فِي الأَرَاضِي الَّتِي يَأْتُونَ إِلَيْهَا: وعد الله بدعم شعبه في السبي. إن أحد الأسباب التي تمسّك لأجلها القادة والشعب بالأمل في امتلاك الأرض حتى وإن كان ذلك بمعارضة الله ذاته، هو أنهم لم يتمكنوا من فهم أنه يمكن لله أن يكون معهم في السبي. لقد اعتقدوا أن معارضة الله كانت أفضل فرصة لهم للإبقاء عليهم كشعب، بينما كان العكس هو الصحيح.
• لقد كانت طبيعة نبوءات حزقيال المسجّلة في السفر حتى هذه النقطة مظلمة ومليئة بالدينونة. لم يكن هناك إلا القليل الذي يدعو إلى الأمل والنور. وهنا واحدة من تلك النبوات التي تدعو للأمل: لقد وعد الله – أنه بنفس الأمانة التي وعد بها بالقضاء – سيعتني ويدعم شعبه حتى في السبي. لن يكون احتلال بابل هو نهاية إسرائيل، كما كان الحال بالنسبة لعدة أمم وشعوب أخرى.
• “سيكون هو مقدسهم في فترة غيابهم عن أرضهم وهيكلهم الأرضي.” مورجان (Morgan)
• ” لا يوجد مثيل لهذا التصريح في العهد القديم. كان المقدس عادة يُفكّر فيه على أنه موقع لممارسة الطقوس أو مبنى يتم تكريسه بوجود الإله. وهنا نجد يهوه يعد بأن يكون للمسبيين ما كان الهيكل عليه بالنسبة لهم حتى هذا الوقت في أورشليم.” بلوك (Block)
• “بعيدًا عن التدابير الظاهرية والبناء المادي، سيجد المسبيون أكثر من هذا في الله نفسه. إنه سيقدم لهم الحقيقة، أي ما كان يُرمز له هناك في الهيكل برموز خارجية ومرئية.” ماير (Meyer)
• مَقْدِسًا صَغِيرًا: ليس المقصود بكلمة صَغِيرًا، أنه صغير الحجم، ولكن بالمدة القصيرة. فهو”ليس مقدسًا صغيرًا (الآية ١٦، والتي لا يمكن أن تكون صحيحة بالنسبة لله)، ولكن ’لفترة قصيرة.‘” فاينبرغ (Feinberg)
ج) الآيات (١٧-٢١): وعد الله بإعادة إسرائيل إلى الأرض وتجديدهم روحيًا.
١٧لِذلِكَ قُلْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: إِنِّي أَجْمَعُكُمْ مِنْ بَيْنِ الشُّعُوبِ، وَأَحْشُرُكُمْ مِنَ الأَرَاضِي الَّتِي تَبَدَّدْتُمْ فِيهَا، وَأُعْطِيكُمْ أَرْضَ إِسْرَائِيلَ. ١٨فَيَأْتُونَ إِلَى هُنَاكَ وَيُزِيلُونَ جَمِيعَ مَكْرُهَاتِهَا، وَجَمِيعَ رَجَاسَاتِهَا مِنْهَا. ١٩وَأُعْطِيهِمْ قَلْبًا وَاحِدًا، وَأَجْعَلُ فِي دَاخِلِكُمْ رُوحًا جَدِيدًا، وَأَنْزِعُ قَلْبَ الْحَجَرِ مِنْ لَحْمِهِمْ وَأُعْطِيهِمْ قَلْبَ لَحْمٍ، ٢٠لِكَيْ يَسْلُكُوا فِي فَرَائِضِي وَيَحْفَظُوا أَحْكَامِي وَيَعْمَلُوا بِهَا، وَيَكُونُوا لِي شَعْبًا، فَأَنَا أَكُونُ لَهُمْ إِلهًا. ٢١أَمَّا الَّذِينَ قَلْبُهُمْ ذَاهِبٌ وَرَاءَ قَلْبِ مَكْرُهَاتِهِمْ وَرَجَاسَاتِهِمْ، فَإِنِّي أَجْلِبُ طَرِيقَهُمْ عَلَى رُؤُوسِهِمْ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ».
١. هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: الرسالة المعلنة من أدوناي يهوه عادة ما تستخدم في سفر حزقيال (أكثر من ٢٠٠ مرة). وهي تولي اهتمامًا خاصًا لوضع يهوه كرب وسيد على شعبه عهده.
٢. إِنِّي أَجْمَعُكُمْ مِنْ بَيْنِ الشُّعُوبِ: لقد وعد الله أولًا بحفظ شعبه في السبي (حزقيال ١١: ١٤-١٦). ثم وعد بجمعهم وتجميعهم وَأَحْشُرُكُمْ مِنَ الأَرَاضِي الَّتِي تَبَدَّدْتُمْ فِيهَا (أماكن السبي) وَأُعْطِيكُمْ أَرْضَ إِسْرَائِيلَ. لقد كانت الدينونة مؤكدة، وهكذا كان الاسترداد أيضًا.
• وَأُعْطِيكُمْ أَرْضَ إِسْرَائِيلَ: إنه وعد مذهل يقدمه الرب لإسرائيل بعد زمن السبي. “سيتم جمعهم بتوجيه إلهي ومن كل الأراضي والبلدان التي تم تشريدهم إليها. والوعد واضح: وَأُعْطِيكُمْ أَرْضَ إِسْرَائِيلَ (الآية ١٧). أليس إذًا من غير المجدي الآن الحديث إن كانت أرض الوعد تنتمي لإسرائيل؟ متى أخلف الله وعده لهم بمنحهم الأرض؟” فاينبرغ (Feinberg)
٣. فَيَأْتُونَ إِلَى هُنَاكَ وَيُزِيلُونَ جَمِيعَ مَكْرُهَاتِهَا، وَجَمِيعَ رَجَاسَاتِهَا مِنْهَا: وعد الله بأن وقت السبي الذي يمر به إسرائيل سيكون وقتًا للتطهير، ووقتًا ليُزِيلُونَ عبادتهم السابقة للأصنام. تحقق هذا في التاريخ؛ فالشعب الإسرائيلي لم يكن لديه نفس المشكلة مع أصنام الأمم بعد السبي كما كانت لديهم قبل ذلك.
٤. وَأُعْطِيهِمْ قَلْبًا وَاحِدًا، وَأَجْعَلُ فِي دَاخِلِكُمْ رُوحًا جَدِيدًا: وبما أن الله وعد بعمله للاسترداد، بدأ يتكلم بمصطلحات مرتبطة بعمله الأكبر من الاسترداد في العهد الجديد (إرميا ٣١: ٣١-٣٤). ويتم تكرار هذه الوعود في وقت لاحق بواسطة حزقيال ويتحدث عنها بشكلٍ خاصٍ في صورة عهد (حزقيال ٣٧: ٢١-٢٨). هنا في حزقيال ١١ نرى عدة ملامح من العهد الجديد.
• تجميع إسرائيل مجددًا معًا (قلبًا واحدًا).
• التجديد الروحي (رُوحًا جَدِيدًا… وَأُعْطِيهِمْ قَلْبَ لَحْمٍ).
• الشريعة المكتوبة على القلب (لِكَيْ يَسْلُكُوا فِي فَرَائِضِي).
• علاقة خاصة مع الله (وَيَكُونُوا لِي شَعْبًا، فَأَنَا أَكُونُ لَهُمْ إِلهًا).
عبر كل الكتاب المقدس، يكشف الله خطة الفداء من خلال سلسلة من العهود، وبعد القصة الممتدة عن سقوط وخراب الإنسانية في سفر التكوين ١-١١، تبدأ قصة العهود.
– العهد الإبراهيمي: وعد إبراهيم وذريته التي في العهد بالأرض والأمة والبركة التي ينبغي أن تمتد إلى جميع الأمم (تكوين ١٢: ١-٣).
– العهد الموسوي أو السينائي: أعطى إسرائيل الشريعة والذبائح والاختيار بين البركة واللعنة (خروج ١٩).
– العهد الداودي: وعد بسلالة أبدية، وحاكم كامل، والمسيا المنتظر الموعود (٢ صموئيل ٧).
– لقد تمت خطة الله للفداء من خلال العهود وتحققت في العهد الجديد. وعبر نصوص العهد القديم التي تعلن عن العهد الجديد (وخاصة حزقيال ١١: ١٦-٢٠، ٣٦: ١٦-٢٨، و٣٧: ٢١-٢٨)، نرى وعود تجميع إسرائيل [قَلْبًا وَاحِدًا]، والتطهير والتجديد الروحي [رُوحًا جَدِيدًا… وَقَلْبَ لَحْمٍ]، وعلاقة جديدة وحقيقية مع الله [وَيَكُونُوا لِي شَعْبًا، فَأَنَا أَكُونُ لَهُمْ إِلهًا] ومُلك المسيا المنتظر.
• “إن المصطلح (berit) أي العهد غير موجود، ولكن في الإعلان: ’وَيَكُونُوا لِي شَعْبًا، فَأَنَا أَكُونُ لَهُمْ إِلهًا‘ “يتعرف القارئ لأول مرة على ما هو معروف بشكل عام بـ ’صيغة العهد.‘” بلوك (Block)
• الوعد بالقلْب الوَاحِد قد يتحدث عن قلب مكرس له اتجاه واحد، أو عن إسرائيل الموحدة والتي قد تجمعت. “إذا اتبعنا نص MT، مع النسخ العبرية الأخرى، فإن العطية هي قلب واحد، مما يعني إعادة توحيد الممالك الشمالية والجنوبية القديمة، كما هو الحال في ٣٧: ١٥-٢٢.” تايلور (Taylor)
٥. فَإِنِّي أَجْلِبُ طَرِيقَهُمْ عَلَى رُؤُوسِهِمْ: إن وعد الاسترداد الآتي (وخاصة كما يظهر في العهد الجديد) ليس رسالة كونية، تقول أن الجميع سيستردون حتى لو استمروا في رفضهم لله. سيتم دينونة أولئك الَّذِينَ قَلْبُهُمْ ذَاهِبٌ وَرَاءَ قَلْبِ مَكْرُهَاتِهِمْ وَرَجَاسَاتِهِمْ بسبب خطاياهم.
د ) الآيات (٢٢-٢٣): رحيل مجد الرب.
٢٢ثُمَّ رَفَعَتِ الْكَرُوبِيمُ أَجْنِحَتَهَا وَالْبَكَرَاتِ مَعَهَا، وَمَجْدُ إِلهِ إِسْرَائِيلَ عَلَيْهَا مِنْ فَوْقُ. ٢٣وَصَعِدَ مَجْدُ الرَّبِّ مِنْ عَلَى وَسْطِ الْمَدِينَةِ وَوَقَفَ عَلَى الْجَبَلِ الَّذِي عَلَى شَرْقِيِّ الْمَدِينَةِ.
١. ثُمَّ رَفَعَتِ الْكَرُوبِيمُ أَجْنِحَتَهَا وَالْبَكَرَاتِ مَعَهَا: كما رأينا في الإصحاح السابق، كانت سحابة مجد الله تحملها عربة عرش الله، وكان الْكَرُوبِيم يخدمونها. ومع حركة الْكَرُوبِيم هكذا تحرك مَجْدُ إِلهِ إِسْرَائِيل.
٢. وَصَعِدَ مَجْدُ الرَّبِّ مِنْ عَلَى وَسْطِ الْمَدِينَةِ وَوَقَفَ عَلَى الْجَبَلِ: بعدما تحرك من قدس الأقداس إلى مدخل الهيكل، ثم إلى باب الشرق، غادر مَجْدُ الرَّبِّ الهيكل ومدينة أورشليم، لكنه توقف قليلًا على جبل الزيتون الَّذِي عَلَى شَرْقِيِّ الْمَدِينَةِ. يمكننا أن نتصور ذلك المشهد على أنه وقفة للندم والحزن على الرحيل، تمامًا كما نظر فيما بعد يسوع إلى أورشليم بحزن وندم.
• أنهى حزقيال وصفه بمَجْد الرَّبِّ الذي كان يحوم فوق جبل الزيتون. لم يخبرنا حزقيال إذا كان مجد الرب قد ابتعد بعيدًا. “إن نهاية الرؤية الحالية تعكس اهتمامها الأساسي: رحيل يهوه الرب عن الهيكل. وعلى أي حال، فبالنسبة للشخص الذي بداخل المدينة، يمثل جبل الزيتون الأفق الشرقي للمدينة.” بلوك (Block)
• “لم يتم وصف أي حركة إضافية، كما لو أن النبي يقول إن الرب على الرغم من مغادرته لهيكله والمدينة المقدسة إلا أنه ما زال قريبًا من الشعب في حالة توبتهم.” تايلور (Taylor).
• “وقد عدّد معلمي اليهود عشر مراحل تعبّر عن انسحاب الشكينة (أي مجد الرب). وتكشف هذه المراحل بشكل لا لبس فيه عن محبة الله وشوقه نحو الشعب الذي جعله يبدو مترددًا في مغادرة هيكله الذي كان يسكن فيه وسط شعبه المحبوب والفاسد. ومع ذلك، وقبل رحيله، وضع وعدًا مُعزيًا باسترداد البقية التي كنا نتكلم عنها.” فاينبرغ (Feinberg)
هـ) الآيات (٢٤-٢٥) نهاية الرؤية.
٢٤وَحَمَلَنِي رُوحٌ وَجَاءَ بِي فِي الرُّؤْيَا بِرُوحِ اللهِ إِلَى أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ إِلَى الْمَسْبِيِّينَ، فَصَعِدَتْ عَنِّي الرُّؤْيَا الَّتِي رَأَيْتُهَا. ٢٥فَكَلَّمْتُ الْمَسْبِيِّينَ بِكُلِّ كَلاَمِ الرَّبِّ الَّذِي أَرَانِي إِيَّاهُ.
١. وَحَمَلَنِي رُوحٌ وَجَاءَ بِي فِي الرُّؤْيَا: في رؤيته، عاد حزقيال إلى أرض الْكَلْدَانِيِّين (بابل)، ثم انتهت الرؤية.
٢. فَكَلَّمْتُ الْمَسْبِيِّينَ بِكُلِّ كَلاَمِ الرَّبِّ الَّذِي أَرَانِي إِيَّاهُ: لم يتم إعطاء هذه الرسالة لحزقيال لإدهاشه فقط، بل لتوجيه وتحذير الشعب وشيوخ إسرائيل. وربما بالفعل اندهشوا من عمق الفساد في أورشليم، وشدة الدينونة القادمة، والرحيل الموعود لمجد الله.
• فَكَلَّمْتُ الْمَسْبِيِّينَ: “لقد تكلم سواء مع الشيوخ الذين جاءوا إليه، كما هو مدوّن في حزقيال ٨: ١، أو مع جموع الشعب الذين كانوا في تلك المناطق حيث كان حزقيال يعيش؛ لأن الكثيرين تشتتوا في أجزاء أخرى من أرض الْكَلْدَانِيِّين.” بوله (Poole)