سفر حزقيال – الإصحاح ٢٩
الله في مواجهة ’الملك التِّمْسَاح‘
أولًا. ضد مصر
أ ) الآيات (١-٣): الله يقاوم كبرياء مصر وفرعونها.
١فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ، فِي الثَّانِي عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الْعَاشِرِ، كَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: ٢يَا ابْنَ آدَمَ، اجْعَلْ وَجْهَكَ نَحْوَ فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ وَتَنَبَّأْ عَلَيْهِ وَعَلَى مِصْرَ كُلِّهَا. ٣تَكَلَّمْ وَقُلْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا عَلَيْكَ يَا فِرْعَوْنُ مَلِكُ مِصْرَ، التِّمْسَاحُ الْكَبِيرُ الرَّابِضُ فِي وَسْطِ أَنْهَارِهِ، الَّذِي قَالَ: نَهْرِي لِي، وَأَنَا عَمِلْتُهُ لِنَفْسِي.
١. فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ: جاءت هذه النبوءة المتعلقة بمصر إلى حزقيال قبل سقوط أورشليم، وفي ذلك الوقت كان هناك بعض الأشخاص في يهوذا وأورشليم يأملون أن تنقذهم مصر من البابليين الأقوياء.
• يبدأ حزقيال ٢٩ سلسلة تتكون من أربعة إصحاحات من النبوءات ضد مصر. وكان هذا ضروريًا لأنه على الرغم من أن مصر احتجزت إسرائيل في عبودية لمدة ٤٠٠ عام، كان لدى إسرائيل أيضًا دافع للتطلع إلى مصر في أوقات الأزمات التي سبقت سنوات العبودية، منذ القدم، حين كان إبراهيم في كنعان (تكوين ١٢: ١٠-٢٠). وقد حذر إشعياء شعب الله، وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَنْزِلُونَ إِلَى مِصْرَ لِلْمَعُونَةِ (إشعياء ٣١: ١). وحتى في أيام أرميا وحزقيال، كانوا ما زالوا يتطلعون إلى مصر للحصول على المعونة بدلًا من الثقة بالله وخطته.
• “وكما أدركنا من خلال قراءة هذه النبوة ونبوة أرميا، فإن الخطر السياسي الذي واجه هؤلاء الناس كان السبب فيه هو نظرتهم إلى مصر. وهذا ما يفسر طول هذه الرسائل ووضوحها.” مورجان (Morgan)
• “إن التاريخ الذي ذُكر في الآية الأولى واضح. كان ذلك بعد سنة ويومين من حصار نبوخذنصر لأورشليم (٢٤: ١-٢؛ ٢ ملوك ٢٥: ١)، وكان أيضًا قبل تدمير أورشليم بسبعة أشهر (٢ ملوك ٢٥: ٣-٨).” فاينبرغ (Feinberg)
٢. اجْعَلْ وَجْهَكَ نَحْوَ فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ: لقد كانت مصر عدوًا لشعب إسرائيل منذ فترة طويلة، سواء لأنها كانت مكانًا لعبوديتهم الطويلة أو لأنها كانت إغواءً مستمرًا لهم سواء من الناحية الروحية أو السياسية. وكان حزقيال مأمورًا بثبيت وَجْهَه نَحْوَ فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ لأن الله قال: “هأَنَذَا عَلَيْكَ.”
• قد يبدو غريبًا أن يعتقد النبي المسبي من إسرائيل الصغيرة أن لديه المكانة للتحدث إلى ممالك عظيمة مثل مصر. ومع ذلك، فقد كان حزقيال يمثل إله الأرض بأسرها. “رأى المؤرخ العلماني إسرائيل مستصغرة بشكل تام من قبل جيرانها الأقوياء؛ ورأى الملاحظ الديني، النبي، أن القوى العظمى هي بكل قوة في يد الرب القدير والعظيم، إله إسرائيل الصغيرة.” تايلور (Taylor)
• “على الرغم من عدم ذكر النبي لاسم ملك مصر، فإن الفرعون في ذلك الوقت كان حَفْرَعَ الذي هاجم نبوخذنصر في ربيع عام ٥٨٨ ق.م. مما اضطر البابليين لرفع حصارهم عن أورشليم.” فاوتر (Vawter) وهوب (Hoppe)
• وهذا هو نفس الفرعون المذكور في إرميا ٤٤: ٣٠: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هأَنَذَا أَدْفَعُ فِرْعَوْنَ حَفْرَعَ مَلِكَ مِصْرَ لِيَدِ أَعْدَائِهِ وَلِيَدِ طَالِبِي نَفْسِهِ، كَمَا دَفَعْتُ صِدْقِيَّا مَلِكَ يَهُوذَا لِيَدِ نَبُوخَذْرَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ عَدُوِّهِ وَطَالِبِ نَفْسِهِ.
٣. التِّمْسَاحُ الْكَبِيرُ الرَّابِضُ فِي وَسْطِ أَنْهَارِهِ: وصف الله مصر بأحد التماسيح الْكَبِيرة التي تعيش في النيل وأَنْهَارِهِ المرتبطة به.
• التِّمْسَاحُ الْكَبِيرُ: “يشير المصطلح بشكل ملموس إلى مخلوق بحري، في هذه الحالة تمساح، حاكم النيل، الرابض في قنوات النهر.” بلوك (Block)
• “التمساح، رمز فرعون؛ الذي يمكن مقارنة أمراءه وشعبه بالأسماك الأصغر، ومصر بالمياه التي تفيض.” تراب (Trapp)
• “لقد شجعت الصلوات المصرية الفرعون ليكون تمساحًا لأعدائه.” فاوتر (Vawter) وهوب (Hoppe)
• “لقد عُقدت مقارنة بين فرعون وتمساح شرس، يحرس مياه الأرض – النيل وكل القنوات – ويهاجم أي شخص يجرؤ على تحدي مطالبه.” ويرزبي (Wiersbe)
٤. نَهْرِي لِي، وَأَنَا عَمِلْتُهُ لِنَفْسِي: كان هذا الزعم المتكبر هو لمصر وفرعونها. كانوا يعتقدون أن نَهْرِ النيل العظيم هو يخصهم وأنهم هم من خلقوه. رفضوا الاعتراف بإله إسرائيل وإكرامه كخالق ومالك لكل شيء.
• “يروي نهر النيل مصر ويجعلها خصبة بشكل خيالي. كل ما عليهم هو أن يلقوا البذور، ويحصدون أربع محاصيل غنية في أقل من أربعة أشهر، كما يقول المسافرون. ومن هنا كان المصريون فخورين بشكل عام ومسرفين ومؤمنين بالخرافات بشكل لا يصدق.” تراب (Trapp)
• “كان النيل مصدر عظمة مصر. فقد قدم لها تربة غنية على طول مجراه، وخلفها الصحراء. وقد قدم إمدادًا مستمرًا من المياه لري الأراضي ولإرواء عطش المصريين وحيواناتهم. وقدم وسيلة نقل جعلت من الممكن لمصر تقديم محاصيلها الوفيرة إلى السوق. لم يمكن أن يكون هناك مصر من دون النيل.” فاوتر (Vawter) وهوب (Hoppe)
• “كان النيل بكل ما فيه مفتاح ثروة وقوة تلك الأرض وشعبها. هنا يتم تمثيل فرعون، ليس كعابد للنهر، ولكن كمدعي بامتلاكه وأنه هو من خلقه.” مورجان (Morgan)
• “في الواقع، بدلًا من أن يكون هو من صنع النهر، فإن النهر هو من صنعه، لأنه بدونه كانت الأرض ستكون صحراء.” فاينبرغ (Feinberg)
• “إنها طريقة حيّة لإعادة الانتباه إلى حقيقة أن كل نسيان لله يؤدي في النهاية إلى تأليه الذات. وهذه هي الخطية الأساسية لكل ملك وكل شعب يفشل في التعرف على الله والتعامل معه.” مورجان (Morgan)
ب) الآيات (٤-٥): وعد الله أن يأسر مصر وفرعون مثل تمساح عظيم.
٤فَأَجْعَلُ خَزَائِمَ فِي فَكَّيْكَ وَأُلْزِقُ سَمَكَ أَنْهَارِكَ بِحَرْشَفِكَ، وَأُطْلِعُكَ مِنْ وَسْطِ أَنْهَارِكَ وَكُلُّ سَمَكِ أَنْهَارِكَ مُلْزَقٌ بِحَرْشَفِكَ. ٥وَأَتْرُكُكَ فِي الْبَرِّيَّةِ أَنْتَ وَجَمِيعَ سَمَكِ أَنْهَارِكَ. عَلَى وَجْهِ الْحَقْلِ تَسْقُطُ فَلاَ تُجْمَعُ وَلاَ تُلَمُّ. بَذَلْتُكَ طَعَامًا لِوُحُوشِ الْبَرِّ وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ.
١. فَأَجْعَلُ خَزَائِمَ فِي فَكَّيْكَ: يتحدث الرب يهوه وكأنه صياد عظيم للتماسيح، حيث أعلن يهوه أنه سيوقف مصر ويأسرها ويقتلعها. سيتم إخلاءهم بشكل مريع، مثل تمساح يتم سحبه من النيل بواسطة خطاف.
• “عادة ما يتم اصطياد التمساح بواسطة خطافات في الفكين ثم سحبه على اليابسة حيث يتم ذبحه (انظر Herodotus 2.70). هذه هي الرمزية التي اُستخدمت في هذه الآيات. كان إلاله التمساح، “سوبيك أو سوبِك أو سُبِك،” مهمًا جدًا بالنسبة للمصريين في منطقة دلتا النيل. كان يُعتبر حامي مصر وفي بعض الأحيان كان يتم توحيده مع إله الشمس رع (انظر Diodorus 1.35).” ألكسندر (Alexander)
• “على الرغم من زعمه المتعجرف، إلا أن السيد المجيد لنهر النيل لا يشكل تحديًا ليهوه، الذي يلهو به كما يفعل الصياد بصيده، ثم يلقيه كجثة غير صالحة للاستهلاك البشري.” بلوك (Block)
٢. وَأُلْزِقُ سَمَكَ أَنْهَارِكَ بِحَرْشَفِكَ: سيتأثر ازدهارهم واستمراريتهم بشكل كبير. ستكون الفترة القادمة على مصر هي فترة الْبَرِّيَّةِ، كما لو أن تمساحًا تم التقاطه من النهر وطُرح عَلَى وَجْهِ الْحَقْلِ.
• سَمَكِ: “الأسماك التي تحدث عنها هنا هي أتباع الملك. فسيورط الملك شعبه في سقوطه بسبب ولائهم له.” فاينبرغ (Feinberg)
٣. بَذَلْتُكَ طَعَامًا لِوُحُوشِ الْبَرِّ: سيتعرض فرعون ومصر للعار، وسيُعاملون كشيء يفترسه الآخرون ويتغذون عليه. وبينما يتضح الاهتمام الكبير بالدفن والأنصبة التذكارية بين الفراعنة من خلال المقابر التي لا تزال قائمة وعد الله بأن عارهم سيكون كبيرًا لدرجة أنه سيكونون كما لو أنهم لم يدفنوا على الإطلاق.
• “كان الفراعنة المصريون مجتهدين في إعداد مواقع دفنهم، ولكن سيتم دفن حَفْرَعَ كحيوان ميت غير مرغوب فيه. يا لها من وسيلة مذلة لدفن رجل يدّعي أنه إله!” ويرزبي (Wiersbe)
ج) الآيات (٦-٧): سيمجد الله نفسه من خلال دينونته لمصر.
٦وَيَعْلَمُ كُلُّ سُكَّانِ مِصْرَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ، مِنْ أَجْلِ كَوْنِهِمْ عُكَّازَ قَصَبٍ لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ. ٧عِنْدَ مَسْكِهِمْ بِكَ بِالْكَفِّ، انْكَسَرْتَ وَمَزَّقْتَ لَهُمْ كُلَّ كَتِفٍ، وَلَمَّا تَوَكَّأُوا عَلَيْكَ انْكَسَرْتَ وَقَلْقَلْتَ كُلَّ مُتُونِهِمْ.
١. وَيَعْلَمُ كُلُّ سُكَّانِ مِصْرَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ: ستُظهر الدينونة القادمة على مصر لهم أن يهوه، إله إسرائيل، هو الذي يحكم فعليًا.
٢. لَمَّا تَوَكَّأُوا عَلَيْكَ انْكَسَرْتَ: كانت مملكة يهوذا تأمل في الاتكال على قوة مصر لمساعدتها في مواجهة إمبراطورية بابل، لكن مصر كانت مثل عُكَّازَ قَصَبٍ لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ. فكانت مصر هدفًا لدينونة الله، ولم تستطع أن تساعد يهوذا الذي كان هو الآخر معيّنًا تحت دينونة الله وقضاءه.
• “إن هذا يشير بوضوح إلى تجاوب فرعون حَفْرَعَ الضعيف لنداء صدقيا للمعونة (انظر إرميا ٣٧: ٧). لا يُعرف الكثير عن هذه المحاولة إلا أنها أدت إلى هدوء مؤقت فقط في حصار أورشليم، ولكن يمكننا أن نفترض أنه لم يكن أكثر من هجوم رمزي من جانب المصريين.” تايلور (Taylor)
• “كان لدى المصريين سمعة بتقديم الوعود وعدم الالتزام بها (٢ ملوك ١٨: ٢٠-٢١؛ إشعياء ٣٦: ٦).” ويرزبي (Wiersbe)
• “كانت خطية اليهود هي الاتكال على مصر والوثوق بها؛ وكانت الخطية الكبرى لمصر هي فَسَخ الوعود مع اليهود، ولهذا يعاقب الله مصر الآن.” بوله (Poole)
د ) الآيات (٨-١٢): سيف على مصر.
٨لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا أَجْلِبُ عَلَيْكَ سَيْفًا، وَأَسْتَأْصِلُ مِنْكَ الإِنْسَانَ وَالْحَيَوَانَ. ٩وَتَكُونُ أَرْضُ مِصْرَ مُقْفِرَةً وَخَرِبَةً، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ، لأَنَّهُ قَالَ: النَّهْرُ لِي وَأَنَا عَمِلْتُهُ. ١٠لِذلِكَ هأَنَذَا عَلَيْكَ وَعَلَى أَنْهَارِكَ، وَأَجْعَلُ أَرْضَ مِصْرَ خِرَبًا خَرِبَةً مُقْفِرَةً، مِنْ مَجْدَلَ إِلَى أَسْوَانَ، إِلَى تُخْمِ كُوشَ. ١١لاَ تَمُرُّ فِيهَا رِجْلُ إِنْسَانٍ، وَلاَ تَمُرُّ فِيهَا رِجْلُ بَهِيمَةٍ، وَلاَ تُسْكَنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً. ١٢وَأَجْعَلُ أَرْضَ مِصْرَ مُقْفِرَةً فِي وَسْطِ الأَرَاضِي الْمُقْفِرَةِ، وَمُدُنَهَا فِي وَسْطِ الْمُدُنِ الْخَرِبَةِ تَكُونُ مُقْفِرَةً أَرْبَعِينَ سَنَةً. وَأُشَتِّتُ الْمِصْرِيِّينَ بَيْنَ الأُمَمِ، وَأُبَدِّدُهُمْ فِي الأَرَاضِي.
١. هأَنَذَا أَجْلِبُ عَلَيْكَ سَيْفًا، وَأَسْتَأْصِلُ مِنْكَ الإِنْسَانَ وَالْحَيَوَانَ: سيأتي حكم الله بواسطة سَيْف الحرب، وسيدمر كلٍ من الإِنْسَانَ وَالْحَيَوَانَ. وستأتي هذه الدينونة بسبب كبرياء مصر، وخاصة عندما يركز على النيل (النَّهْرُ لِي).
• يقول تراب (Trapp) عن تكرار عبارة النَّهْرُ لِي وَأَنَا عَمِلْتُهُ: “مع هذا الخطاب المتعجرف، قد سخر بالرب مرتين. إن المصريون كانوا يثقون بشكل كبير في نهرهم؛ النيل، كما لو أنهم لا يحتاجون إلى مساعدة من السماء.”
• مِنْ مَجْدَلَ إِلَى أَسْوَانَ: “مثلما تُعرف الأراضي الإسرائيلية بـ ’من دان إلى بئر سبع،‘ هكذا عبارة ’من مجدل إلى أسوان،‘ فيما يخص الأراضي المصرية، وذلك لأن حدود كوش تحدد حدود الدولة.” بلوك (Block)
٢. لاَ تَمُرُّ فِيهَا رِجْلُ إِنْسَانٍ، وَلاَ تَمُرُّ فِيهَا رِجْلُ بَهِيمَةٍ: وعد الله بأن يكون هناك دمار كبير في مصر يستمر لمدة أَرْبَعِينَ سَنَةً. ستصبح دولة مُقْفِرَةً، وَسْطِ الْمُدُنِ الْخَرِبَةِ.
• وَلاَ تُسْكَنُ أَرْبَعِينَ سَنَة: “لأنه لم يتم العثور على فترة أربعين عامًا في تاريخ مصر كهذه، يدعي البعض أنه لم يكن المقصود أبدًا التحقيق الحرفي للنبوة وأنه يجب أن يتم استخدامها كمبالغة في التعبير. ولكن لا يوجد شيء في السياق يشير إلى تحول من الحرفي إلى المجازي.” فاينبرغ (Feinberg)
٣. وَأُشَتِّتُ الْمِصْرِيِّينَ بَيْنَ الأُمَمِ: كما سيتم السيطرة على قادة وشعب يهوذا وتشتيتهم، فسيتم تشتيت المصريين أيضًا. لقد وعد الله بأن يبَدِّدُهُمْ فِي الأَرَاضِي.
• “يذكر بيروسوس، المؤرخ البابلي، أن نبوخذنصر، بعد أن احتل مصر، أخذ أعدادًا كبيرة من الأسرى إلى بابل. بينما، بلا شك، قد هرب الآخرون إلى المناطق المجاورة كما في الحالات المماثلة.” فاينبرغ (Feinberg)
هـ) الآيات (١٣-١٦): وعد باسترداد مصر.
١٣لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: عِنْدَ نَهَايَةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً أَجْمَعُ الْمِصْرِيِّينَ مِنَ الشُّعُوبِ الَّذِينَ تَشَتَّتُوا بَيْنَهُمْ، ١٤وَأَرُدُّ سَبْيَ مِصْرَ، وَأُرْجِعُهُمْ إِلَى أَرْضِ فَتْرُوسَ، إِلَى أَرْضِ مِيلاَدِهِمْ، وَيَكُونُونَ هُنَاكَ مَمْلَكَةً حَقِيرَةً. ١٥تَكُونُ أَحْقَرَ الْمَمَالِكِ فَلاَ تَرْتَفِعُ بَعْدُ عَلَى الأُمَمِ، وَأُقَلِّلُهُمْ لِكَيْلاَ يَتَسَلَّطُوا عَلَى الأُمَمِ. ١٦فَلاَ تَكُونُ بَعْدُ مُعْتَمَدًا لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ، مُذَكِّرَةَ الإِثْمِ بِانْصِرَافِهِمْ وَرَاءَهُمْ، وَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا السَّيِّدُ الرَّبُّ.
١. أَجْمَعُ الْمِصْرِيِّينَ مِنَ الشُّعُوبِ الَّذِينَ تَشَتَّتُوا بَيْنَهُمْ: وعد الله بالرحمة والاسترداد لمصر. وَأَرُدُّ سَبْيَ مِصْرَ، على الرغم من أنها ستَكُونُ أَحْقَرَ الْمَمَالِكِ، ولن يصلوا إلى ذروة الإمبراطورية والتأثير التي كانت لديهم سابقًا.
• “هذه هي الحالة الوحيدة في السِفر التي يتحدث فيها النبي عن استعادة أمة أخرى غير إسرائيل ويهوذا.” فاوتر (Vawter) وهوب (Hoppe)
• وضح رايت (Wright) فهمه للاسترداد الموعود والمحدود هذا بقوله: “جاء استرداد مصر تحت الحكم اليوناني، وأصبحت الإسكندرية بشكل خاص مركزًا هامًا لليهودية والمسيحية، وبالتالي ربما يكون هذا تتميمًا لنبوة إشعياء ١٩: ١٩-٢٥.”
• تَكُونُ أَحْقَرَ الْمَمَالِكِ: “لقد عانت مصر من غزو نبوخذنصر، وتم كسر حكمها على الأمم ولم يتم اكتساب ذلك ثانية أبدًا. انحدرت مصر في عهد الفرس والبطالمة وروما. ولقد كانت مصر دولة ضعيفة في القرون اللاحقة باستثناء إحياء للقوة للحظات خلال العصور الوسطى.” فاينبرغ (Feinberg)
٢. فَلاَ تَكُونُ بَعْدُ مُعْتَمَدًا لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ: أحد الأسباب التي سيقوم الله بها بإذلال مصر وَإقَلِّال قوتها هي لكيلا يعتمد إسرائيل على مصر بشكل خاطئ. إن دولة مصر المتضائلة المتواضعة تُذَكِّرَهم باثْمِهم بِانْصِرَافِهِمْ وَرَاءَهُمْ.
ثانيًا. نبوخذنصر ينهب مصر
أ ) الآيات (١٧-١٨): عدم حصول نبوخذنصر على أجر من نهب صُور.
١٧وَكَانَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ، فِي الشَّهْرِ الأَوَّلِ، فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ، أَنَّ كَلاَمَ الرَّبِّ كَانَ إِلَيَّ قَائِلًا: ١٨يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّ نَبُوخَذْرَاصَّرَ مَلِكَ بَابِلَ اسْتَخْدَمَ جَيْشَهُ خِدْمَةً شَدِيدَةً عَلَى صُورَ. كُلُّ رَأْسٍ قَرِعَ، وَكُلُّ كَتِفٍ تَجَرَّدَتْ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ وَلاَ لِجَيْشِهِ أُجْرَةٌ مِنْ صُورَ لأَجْلِ خِدْمَتِهِ الَّتِي خَدَمَ بِهَا عَلَيْهَا.
١. وَكَانَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ: استقبل حزقيال هذه النبوة بعد فترة طويلة من النبوة التي سُجلت سابقًا في هذا الإصحاح.
• السَّنَةِ السَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ: “أي أسر يكنيا، خمسة عشر عامًا بعد الاستيلاء على أورشليم… تم توصيل النبوءة السابقة قبل الاستيلاء على أورشليم بسنة واحدة؛ وهذه، بعد ستة عشر عامًا؛ ويُفترض أنها كانت الأخيرة التي كتبها هذا النبي.” كلارك (Clarke)
• “وبالتالي فإن هذه هي آخر نبوءاته المؤرخة، بعد عامين من رؤية الإصحاحات ٤٠-٤٨ (انظر حزقيال ٤٠: ١)، تقريبًا بعد مرور ما يقرب من سبعة عشر عامًا عن النبوءة السابقة (حزقيال ٢٩: ١-١٩)، وبعد مرور ما يقرب من ستة عشر عامًا عن النبوءة المؤرخة التالية في السفر (حزقيال ٣٠: ٢٠).” بلوك (Block)
٢. إِنَّ نَبُوخَذْرَاصَّرَ مَلِكَ بَابِلَ اسْتَخْدَمَ جَيْشَهُ خِدْمَةً شَدِيدَةً عَلَى صُورَ: قاد نبوخذنصر حصارًا طويلًا ضد صُور، والذي لم يكن في النهاية يستحق أو يساوي كل ما بذله في هذا الحصار. أي يمكن القول إنه لَمْ تَكُنْ لَهُ وَلاَ لِجَيْشِهِ أُجْرَةٌ مِنْ صُورَ.
• “ذكر المؤرخ اليهودي والمدافع يوسيفوس فلافيوس في القرن الأول الميلادي أن حصار بابل لصُور استمر لمدة ثلاثة عشر عامًا (Antiquities x. 11.1). استنزفت صُور كنوزها في الدفاع عن نفسها وإلا لجعلتها غير متاحة للبابليين.” فاوتر (Vawter) وهوب (Hoppe)
• “وجد الصوريون أنه من المستحيل في النهاية الدفاع عن مدينتهم، فوضعوا كل ثرواتهم على متن سفنهم، وأبحروا من الميناء، وهربوا إلى قرطاج. وبالتالي فقد نبوخذنصر كل سلب وغنيمة من واحدة من أغنى المدن في العالم.” كلارك (Clarke)
• ووفقًا للتاريخ العلماني، “لا نعرف ما إذا تم الاستيلاء على صُور من قبل القوة البابلية أم لا، على الرغم من أن مسئولين بابليين كانوا أقاموا في المدينة بعد بضع سنوات، وتم الاعتراف بالسيادة البابلية. كل ما يخبرنا به حزقيال هو أن مكافآت الحصار لم تكن متناسبة مع الجهد المبذول.” تايلور (Taylor)
• “على الرغم من أن بعض الناس يرون أن هذا المقطع يوضح عدم التحقيق الكامل لنبوءات حزقيال ضد صُور، إلا أن مثل هذا الموقف ما يناسبه هو الصمت. على العكس، تثبت هذه الآيات أن الله نفذ كلمته بأمانة ضد صُور من خلال بابل كما وعد. والكتاب المقدس لا يتطلب بأن يكون التحقيق الكامل يكمن في هذا الحصار وحده.” ألكسندر (Alexander)
• كُلُّ رَأْسٍ قَرِعَ، وَكُلُّ كَتِفٍ تَجَرَّدَتْ: “يمكن أن تشير هذه العبارات إلى آثار الخوذ والدروع، ولكن نظرًا لأن استراتيجيات البابليين انطوت على حصار بدلًا من الدخول في المعركة، فمن الأفضل التفكير في العمل الشاق الذي يتطلبه القيام بحصار. كانت الصلع والكتفين الخشنة نتيجة حمل كميات هائلة من التراب المطلوب لبناء تلال الحصار والمنحدرات، وربما كانت أيضًا محاولة فاشلة لبناء جسر للوصول إلى قلعة الجزيرة المحصنة.” بلوك (Block)
ب) الآيات (١٩-٢١): الله سيمنح مصر كغنيمة لنبوخذنصر.
١٩لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا أَبْذُلُ أَرْضَ مِصْرَ لِنَبُوخَذْرَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ، فَيَأْخُذُ ثَرْوَتَهَا، وَيَغْنَمُ غَنِيمَتَهَا، وَيَنْهَبُ نَهْبَهَا فَتَكُونُ أُجْرَةً لِجَيْشِهِ. ٢٠قَدْ أَعْطَيْتُهُ أَرْضَ مِصْرَ لأَجْلِ شُغْلِهِ الَّذِي خَدَمَ بِهِ، لأَنَّهُمْ عَمِلُوا لأَجْلِي، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. ٢١فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أُنْبِتُ قَرْنًا لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ. وَأَجْعَلُ لَكَ فَتْحَ الْفَمِ فِي وَسْطِهِمْ، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ.
١. هأَنَذَا أَبْذُلُ أَرْضَ مِصْرَ لِنَبُوخَذْرَاصَّرَ: نظرًا لأن الملك البابلي قد حصل على القليل جدًا من غنائم فتحه لصُور، وعد الله بتعويضه عن طريق إعطاء نبوخذنصر ثَرْوَة وغَنِيمَة ونَهْبَ مصر.
• “هناك نص مسماري مجزأ يشير إلى السنة السابعة والثلاثين من حكم نبوخذنصر (٥٦٨ ق.م) عندما توجه ملك بابل إلى مصر، وهذا كان خلال ثلاث سنوات من هذه النبوءة.” بلوك (Block)
• “يشير نص بابلي مجزأ من سجلات ملوك الكلدانيين (B.M. 33041) إلى أن بابل غزت مصر حوالي عام ٥٦٨/٥٦٧ ق.م. ويتطابق ذلك مع ما ذكره يوسيفوس (Antiquities X, 180–82 [ix.7]).” ألكسندر (Alexander)
٢. لأَنَّهُمْ عَمِلُوا لأَجْلِي: كان هناك إحساس حقيقي بأن نبوخذنصر وجيوش بابل عَمِلُوا لأَجْلِ الله كأدوات لتنفيذ دينونته. كان من حق الله أن يكافئ هؤلاء العمال بحسب إرادته وحكمته.
• ربط ف ب ماير (F.B. Meyer) هذه المكافأة التي وعد الله بها ملكًا وثنيًا بما وعد الله به الذين يبنون كنيسته، فيقول: “إذا كان الله أعطى مصر لملك وثني كمكافأة لخدمته له فيما يتعلق بصُور، فقد نتوقع أيضًا أن يغمر الله أولئك الذين بنوا ذهبًا وفضة وأحجار كريمة في كنيسته المقدسة.”
٣. فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أُنْبِتُ قَرْنًا لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ: كما سمح الله لمصر بأن تُنهب، كذلك سيُعيد الله القوة إلى إسرائيل. في كل هذا العمل، سيعلن الله عن نفسه لإسرائيل وللعالم (فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ).
• يذكر أيضًا مزمور ١٣٢: ١٧ قَرْنًا لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ: “هُنَاكَ أُنْبِتُ قَرْنًا لِدَاوُدَ. رَتَّبْتُ سِرَاجًا لِمَسِيحِي.” ومع ذلك، يبدو أن السياق هنا هو استعادة إسرائيل بدلًا من ظهور المسيح.
• “أضاف النبي كلمة وعد لليهود (الآية ٢١)، مؤكدًا لهم أنه سيأتي وقتٌ لاستردادهم عندما سيمنحهم الله قوةً جديدةً (القرن النابت) لمواجهة تحدياتهم الجديدة.” ويرزبي (Wiersbe)
• “لم يأتِ مسيح أو أي حاكم آخر في إسرائيل منذ حوالي عام ٥٨٦ قبل الميلاد. يجب أن يشير الرمز إلى القوة والتشجيع الذي كان ينبغي لإسرائيل أن تقبله عندما تشهد أمانة الله في تنفيذ دينونته على عدوتها، مصر، وفقًا لكل من هذه النبوءات والعهد الإبراهيمي (تكوين ١٢: ٣).” ألكسندر (Alexander)
• وَأَجْعَلُ لَكَ فَتْحَ الْفَمِ فِي وَسْطِهِمْ: “يبدو أن هذا يعني أن الشك الذي كان يحيط بالمسبيين بخصوص حقيقة نبوءات حزقيال سيزول وسيأتون إليه ليعتبروه نبيًا حقيقيًا.” سميث (Smith)