سفر حزقيال – الإصحاح ٢٤
موت زوجة النبيّ
أولًا. مثل الْقِدْرَ المغلي
أ ) الآيات (١-٢): بدء حصار أورشليم.
١وَكَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَيَّ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ، فِي الشَّهْرِ الْعَاشِرِ، فِي الْعَاشِرِ مِنَ الشَّهْرِ قَائِلًا: ٢يَا ابْنَ آدَمَ، اكْتُبْ لِنَفْسِكَ اسْمَ الْيَوْمِ، هذَا الْيَوْمَ بِعَيْنِهِ. فَإِنَّ مَلِكَ بَابِلَ قَدِ اقْتَرَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ هذَا الْيَوْمَ بِعَيْنِهِ.
١. فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ، فِي الشَّهْرِ الْعَاشِرِ، فِي الْعَاشِرِ مِنَ الشَّهْرِ: كما أمر الله، قام حزقيال بتسجيل يوم هذه النبوءة بعناية. كان هذا تاريخًا غيّر مجرى الأمة والحياة، تاريخًا يمكن تذكُّره لفترة طويلة. لربط هذا بأحداث الولايات المتحدة في القرن ٢١، فقد كان تاريخًا أيقونيًا مثل الحادثة في ١١ سبتمبر ٢٠٠١ الذي نذكر فيه الهجمات التي تعرضت لها الولايات المتحدة.
• لقد تم تسجيل هذا التاريخ بالتدقيق أيضًا في سفر الملوك الثاني ٢٥: ١، وإرميا ٣٩: ١، وإرميا ٥٢: ٤.
• “إنه تاريخ معروف أيضًا من سفر زكريا ٨: ١٩ بأنه أصبح صومًا للمسبيين، لتخليد أحد الأيام الحرجة في سقوط المدينة المقدسة.” تايلور (Taylor)
٢. فَإِنَّ مَلِكَ بَابِلَ قَدِ اقْتَرَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ: لقد كان هذا اليوم مهمًا لأنه كان بداية ما وعد الله به منذ فترة طويلة – الحصار النهائي والاحتلال وتدمير أورشليم.
ب) الآيات (٣-٥): أورشليم كقِدر للطبخ، وكغَلَّايَة تغلي.
٣وَاضْرِبْ مَثَلًا لِلْبَيْتِ الْمُتَمَرِّدِ وَقُلْ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: ضَعِ الْقِدْرَ. ضَعْهَا وَأَيْضًا صُبَّ فِيهَا مَاءً. ٤اِجْمَعْ إِلَيْهَا قِطَعَهَا، كُلَّ قِطْعَةٍ طَيِّبَةٍ: الْفَخِذَ وَالْكَتِفَ. امْلأُوهَا بِخِيَارِ الْعِظَامِ. ٥خُذْ مِنْ خِيَارِ الْغَنَمِ وَكُومَةَ الْعِظَامِ تَحْتَهَا. أَغْلِهَا إِغْلاَءً فَتُسْلَقَ أَيْضًا عِظَامُهَا فِي وَسْطِهَا.
١. ضَعِ الْقِدْرَ. ضَعْهَا (ضَعِ القِدرَ عَلَى النّارِ): لا نعرف ما إذا كان حزقيال قد مثّل هذه الأمثلة بشكل حرفي، أم أنه سردها ببساطة كقصة. على أي حال، فالمعنى واحد. الصورة هي لقِدْر طبخ أو غلاية كبيرة مملوء بماء وبه كُلَّ قِطَعِ اللَّحمِ الجَيِّدَةِ (كُلَّ قِطْعَةٍ طَيِّبَةٍ).
• “كلمة الغلاية [الْقِدْرَ] تشير عادة إلى أي أداة فخارية كبيرة ذات فم واسع تستخدم للغسيل أو الطهي، مع أننا نجد في الآية ١١ أن هذا القدر كان مصنوعًا من النحاس.” تايلور (Taylor)
• “مثل معظم الوعاظ، يستخدم حزقيال مثالًا توضيحيًا أكثر من مرة، منوِعًا في تطبيقه وفقًا لرسالته. وقد استخدم حزقيال صورة القِدر في حزقيال ١١: ٣-١٢. والآن يعيد استخدامها مرة ثانية. أورشليم هي القِدر، وأهلها هم اللحم الذي يجب أن يُطهى.” رايت (Wright)
• بحسب الوصف، ستكون أورشليم وليمة مميزة لنبوخذ نصر وجيوشه. “لا يبدو أن الطباخ يقوم بتحضير عشاء عادي؛ بل وجبة فاخرة غير عادية، وهذا مفهوم ضمنيًا من خلال التركيز على جودة وكمية اللحم المُحضّر.” بلوك (Block)
٢. وكُومَةَ الْعِظَامِ تَحْتَهَا: مع نار تتغذى على الْعِظَامِ، كان الأمر بغلي ما في القِدرِ بشكل جيد (أَغْلِهَا إِغْلاَءً) على نار هادئة حتى يُسْلَقَ محتواها وتُطهى.
• يعتبر معظم المفسرين أن الصورة هي لعظام حيوانية، ولكن يقدم بلوك (Block) حجته بأنها صورة مرعبة لنار تتغذى بعظام بشرية: “نظرًا لأن الصيغة الجمعية المؤنثة تستخدم في أماكن أخرى في حزقيال فقط كإشارة للعظام البشرية، فقد تم بالفعل إدخال عنصر تفسيري: محتويات القدِر التي ستُدمَر ليست عظام حيوانية – إنها بشرية.”
ج) الآيات (٦-٨): ويل لأورشليم مدينة الدماء.
٦لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: وَيْلٌ لِمَدِينَةِ الدِّمَاءِ، الْقِدْرِ الَّتِي فِيهَا زِنْجَارُهَا، وَمَا خَرَجَ مِنْهَا زِنْجَارُهَا. أَخْرِجُوهَا قِطْعَةً قِطْعَةً. لاَ تَقَعُ عَلَيْهَا قُرْعَةٌ. ٧لأَنَّ دَمَهَا فِي وَسْطِهَا. قَدْ وَضَعَتْهُ عَلَى ضِحِّ الصَّخْرِ. لَمْ تُرِقْهُ عَلَى الأَرْضِ لِتُوَارَيهُ بِالتُّرَابِ. ٨لِصُعُودِ الْغَضَبِ، لِتُنْقَمَ نَقْمَةً، وَضَعْتُ دَمَهَا عَلَى ضِحِّ الصَّخْرِ لِئَلاَّ يُوارَى.
١. وَيْلٌ لِمَدِينَةِ الدِّمَاءِ: نظرًا لأنه هذا اليوم كان هو الذي حاصر فيه جيش نبوخذ نصر أورشليم، فلا شك أن مَدِينَةِ الدِّمَاءِ هي أورشليم. لقد كانت مَدِينَةِ الدِّمَاءِ بطريقتين على الأقل. أولًا، فهي المدينة التي سُفك فيها الكثير من الدم البريء، وفي أغلب الأحيان كان ذلك تحت مظلة السلطة (حزقيال ٢١: ١٣ والعديد من المقاطع الأخرى). ثانيًا، كانت هي المدينة التي سيُسفك فيها الكثير من الدم في هجوم نبوخذ نصر.
٢. الْقِدْرِ الَّتِي فِيهَا زِنْجَارُهَا: بينما تغلي وتُطهى أورشليم، ستصبح أسوأ صفاتها واضحة للجميع. يعتقد معظم المفسرين أن ’زِنْجَارُهَا‘ هنا يجب فهمه على أنه الصدأ، خاصة في ضوء لونه الأحمر.
• “يترجم البعض الكلمة على أنها ’رغوة،‘ ولكن ’الصدأ‘ هو الصحيح. فهذا كان رمزًا للتآكل والفساد في المدينة وقد يُمثل دم الضحايا الذين قُتلوا بسبب المكائد والقمع.” فاينبيرغ (Feinberg)
• وَمَا خَرَجَ مِنْهَا زِنْجَارُهَا: “الدنس، ورجاستها، وكل فسقها الذي لا زال موجود بداخلها، ولم تُعاقب، ولم يتم ضبطه، ولم يُطرد من داخلها من خلال تنفيذ النواميس العادلة والصالحة؛ ولكن المواطنون استمروا بعنادهم وعدم التوبة والوقاحة التي فيهم.” بوله (Poole)
• أَخْرِجُوهَا قِطْعَةً قِطْعَةً: “انتزعوا اللحم بلا تمييز؛ لا تسمحوا للملك أو الكاهن باختيار قطعة؛ مما يظهر أنه يجب أن يُشمل الجميع في دمار عشوائي واحد.” كلارك (Clarke)
• “ربما اعتقد أهل أورشليم أنهم قطع مختارة، ولكن بالنسبة لحزقيال، كانوا غير صالحين للاستهلاك؛ لن تقع القرعة على أورشليم.” بلوك (Block)
٣. لأَنَّ دَمَهَا فِي وَسْطِهَا: إن الموت وإراقة الدم القادمة على أورشليم ستمنع إجراءات الدفن اللائق. لن يتم تغطية الموتى الممتلئين بالدم سواء بالوحل وبِالتُّرَابِ؛ ستكون جثثهم الميتة مكشوفة بشكل مروع. وهذا كان مثالًا آخر على غَضَبِ الله ونَقْمَته ضد أورشليم ويهوذا.
• “الدم في حزقيال ٢٤: ٧ هو دم القتل والإدانة الخاطئة والذبائح البشرية. إن الدم المُراق بشكل غير عادل يصرخ للانتقام (تكوين ٤: ١٠؛ أيوب ١٦: ١٨).” رايت (Wright)
• “وفقًا لسفر التكوين ٤: ١٠، فإن الدم الذي يتم كشفه يطالب بتبرئة من الله (انظر أيضًا إلى إشعياء ٢٦: ٢١). عندما لا يتم تغطية الدم بالتراب، فهذا يشير إلى انتهاك للشريعة الموسوية (لاويين ١٧: ١٣).” فاينبيرغ (Feinberg)
• هذا المبدأ صحيح حتى فيما يتعلق بدم الحيوانات. “كانت الشريعة الموسوية تتطلب أنه في كل مرة يتم فيها قتل حيوان للصيد أو طائر، يتم صب الدم وتغطيته بالتراب (تثنية ١٢: ١٦، ٢٤؛ ١٥: ٢٣). إن تركه مكشوفًا فهذا يثير غضب الله، مصدر وضامن لكل حياة.” بلوك (Block)
د) الآيات (٩-١٣): مزيد من الويلات على المدينة الدامية.
٩لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: وَيْلٌ لِمَدِينَةِ الدِّمَاءِ. إِنِّي أَنَا أُعَظِّمُ كُومَتَهَا. ١٠كَثِّرِ الْحَطَبَ، أَضْرِمِ النَّارَ، أَنْضِجِ اللَّحْمَ، تَبِّلْهُ تَتْبِيلًا، وَلْتُحْرَقِ الْعِظَامُ. ١١ثُمَّ ضَعْهَا فَارِغَةً عَلَى الْجَمْرِ لِيَحْمَى نُحَاسُهَا وَيُحْرَقَ، فَيَذُوبَ قَذَرُهَا فِيهَا وَيَفْنَى زِنْجَارُهَا. ١٢بِمَشَقَّاتٍ تَعِبَتْ وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْهَا كَثْرَةُ زِنْجَارِهَا. فِي النَّارِ زِنْجَارُهَا. ١٣فِي نَجَاسَتِكِ رَذِيلَةٌ لأَنِّي طَهَّرْتُكِ فَلَمْ تَطْهُرِي، وَلَنْ تَطْهُرِي بَعْدُ مِنْ نَجَاسَتِكِ حَتَّى أُحِلَّ غَضَبِي عَلَيْكِ.
١. وَيْلٌ لِمَدِينَةِ الدِّمَاءِ: لم ينته بؤس أورشليم بالأحداث المأساوية الموصوفة في الجزء السابق. هناك المزيد لوصفه.
٢. إِنِّي أَنَا أُعَظِّمُ كُومَتَهَا: يتم وصف النار تحت القِدر للطهي الآن بأنها كومة حطب لحرق الموتى. ستكون النار هائلة، ستُحْرَق محتويات القدر أولًا – أما عن القدر نفسه فسيُحْمَّى نُحَاسُهَ وَيُحْرَقَ. أما عن شوائب أورشليم، سيَذُوبَ قَذَرُهَا فِيهَا وَيَفْنَى زِنْجَارُهَا في الدينونة القادمة عليها.
• “ليكن الحصار شديدًا، والمذبحة كبيرةً، والخراب والكارثة كاملًا.” كلارك (Clarke)
• “لقد مضت الفرصة العظيمة. ولذلك، يقول الرب، ستكون النار مسئولة عن التدمير دون استخدام خصائصها في التنقية. النار- الآن سيكون الدمار النهائي لأورشليم على يد البابليين – ستتراكم، والقدر سينصهر ليصبح معدن مُذاب. لن يكون هناك تجديد، فقط الدمار الكامل.” فوتر (Vawter) وهوب (Hoppe)
٣. لأَنِّي طَهَّرْتُكِ فَلَمْ تَطْهُرِي: عبر العديد من الأجيال، أرسل الله أنبياءه إلى شعبه. كان لديهم مؤسسات الهيكل والذبائح والأعياد والكهنوت. وكان يجب أن تكون كل هذه الأشياء عوامل تطهير وتنقية لشعبه – ولكنهم لم يكونوا كذلك. لذلك، لن يطهرهم الله بعد الآن؛ ففي غضبه، سيدينهم ويحاكمهم.
• لأَنِّي طَهَّرْتُكِ: “لا يمكن للشخص سوى التخمين إلى أي أحداث تاريخية يلمح حزقيال لها. يجب أن يكون في الاعتبار محاولات يوشيا الأخيرة للإصلاح (٢ ملوك ٢٢-٢٣)، ولكن يجب أيضًا تضمين الجهود السابقة لحزقيا (٢ ملوك ١٨: ٤، ٢٢؛ ٢ أخبار ٣١).” بلوك (Block)
• “إن نبوءة حزقيال بأكملها تعني أن غضب الله سيتوقف وسيتم تطهير إسرائيل بالكامل عندما يبدأ في استرداد إسرائيل إلى أرض كنعان في الزمن الأخير.” ألكسندر (Alexander)
• رَذِيلَةٌ: “إن هذه الكلمة تعني أسوأ أنواع النجاسة؛ الزنا، الزِّنَا بِالْمُحَرَّمَات، وما إلى ذلك، والهدف والإرادة والتمني والتدبير والرغبة الحارقة في فعل هذه الأشياء. لم تكن خطاياها عرضية، بل كانت رجاسات متعمدة.” كلارك (Clarke)
هـ) الآية (١٤): يقين إعلان الله.
١٤أَنَا الرَّبَّ تَكَلَّمْتُ. يَأْتِي فَأَفْعَلُهُ. لاَ أُطْلِقُ وَلاَ أُشْفِقُ وَلاَ أَنْدَمُ. حَسَبَ طُرُقِكِ وَحَسَبَ أَعْمَالِكِ يَحْكُمُونَ عَلَيْكِ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ.
١. أَنَا الرَّبَّ تَكَلَّمْتُ. يَأْتِي فَأَفْعَلُهُ: لم يترك الله أي مجال للشك في أن هذا سيحدث كما قال. بالتأكيد ستحدث الكارثة الرهيبة المعلنة لأورشليم ويهوذا.
٢. حَسَبَ طُرُقِكِ وَحَسَبَ أَعْمَالِكِ: بموجب العهد الذي عقده إسرائيل مع الله في جبل سيناء، سيباركهم في طاعتهم وسيلعنهم في عصيانهم. يَحْكُمُونَ عَلَيْكِ طُرُقِكِ وأَعْمَالِكِ الشريرة.
ثانيًا. موت زوجة حزقيال
أ ) الآيات (١٥-١٧): الرب يقول لحزقيال أن زوجته ستموت، وكيف ينبغي أن يتصرف.
١٥وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: ١٦«يَا ابْنَ آدَمَ، هأَنَذَا آخُذُ عَنْكَ شَهْوَةَ عَيْنَيْكَ بِضَرْبَةٍ، فَلاَ تَنُحْ وَلاَ تَبْكِ وَلاَ تَنْزِلْ دُمُوعُكَ. ١٧تَنَهَّدْ سَاكِتًا. لاَ تَعْمَلْ مَنَاحَةً عَلَى أَمْوَاتٍ. لُفَّ عِصَابَتَكَ عَلَيْكَ، وَاجْعَلْ نَعْلَيْكَ فِي رِجْلَيْكَ، وَلاَ تُغَطِّ شَارِبَيْكَ، وَلاَ تَأْكُلْ مِنْ خُبْزِ النَّاسِ».
١. هأَنَذَا آخُذُ عَنْكَ شَهْوَةَ عَيْنَيْكَ بِضَرْبَةٍ: أتى الله برسالة صادمة إلى حزقيال بشأن زوجته (التي يشير إليها بشكل مؤثر بلفظ شَهْوَةَ عَيْنَيْكَ). كانت الرسالة بأنها ستموت فجأة وبشكل غير متوقع (هأَنَذَا آخُذُ… بِضَرْبَةٍ).”
• شَهْوَةَ عَيْنَيْكَ: “سواء كان يشير إلى جمالها كشخص أم لا، فإنه بالتأكيد يشير إلى لطف طباعها وروعة ما تمثله بالنسبة للنبي.” بوله (Poole)
• “في هذه الآيات نلمح نظرة على الحالة الداخلية لحزقيال التي نادرًا ما تظهر من خلال القسوة والصلابة الظاهرية. إن صرامته وانضباطه الذاتي الشديد، وأحشاءه هي للحق ولمجد اسم الله القدوس، وكل ذلك يكاد يخفي القلب الرقيق الذي يكمن بداخله.” تايلور (Taylor)
• بِضَرْبَةٍ: “بالطاعون أو بالشلل أو ببعض الأمراض المماثلة التي تؤدي إلى الموت المفاجئ. لم تكن هذه تجربة صغيرة لصبر وطاعة النبي. دعونا نتعلم التخلي عن كل مصادر التعزية الخارجية.” تراب (Trapp)
• وجد ويرزبي (Wiersbe) أن زوجة النبي بحسب الكتاب المقدس كانت مرتبطة بمهمته أو رسالته بطريقة ما.
كان إبراهيم نبيًا (تكوين ٢٠: ٧) وكذب مرتين من جهة زوجته وواجه مشاكل.
كان موسى نبيًا وقد أنتُقد بسبب اختياره لزوجته (سفر العدد ١٢: ١).
كانت زوجة إشعياء نبية (إشعياء ٨: ٣). ولدت له ابنين على الأقل وكانت أسماؤهم علامات لشعب يهوذا.
لم يُسمح للنبي إرميا بالزواج (إرميا ١٦: ١-٤)، وكان هذا علامة لليهود بأن الدينونة قادمة، وأنه ليس وقتًا للزواج.
زوجة هوشع تحولت إلى عاهرة واضطر لشرائها من سوق العبيد (هوشع ١-٣).
٢. فَلاَ تَنُحْ وَلاَ تَبْكِ وَلاَ تَنْزِلْ دُمُوعُكَ: كان من الغريب أن يمنع الله حزقيال من الحزن أو حتى أن يَبْكِ على فقدان شَهْوَةَ عَيْنَيْه. كان الأمر قويًا: وَلاَ تَنْزِلْ دُمُوعُكَ، ولا بوادر حداد ظاهرة.
• بحسب ما ورد في سفر اللاويين ٢١: ١-٤، حدّ الله عزاء الكهنة. ويمكن اعتبار هذا امتدادًا لهذا المبدأ.
• “لم يكن ممنوعًا من الحزن، فحتى ربنا بكى عند قبر لعازر. لم يُمنع إلا من إظهار حزنه بصوت عالٍ، وهو ما يتناقض مع النحيب الصاخب المعتاد في مثل هذه المناسبات.” فاينبرغ (Feinberg)
• “يمكننا الوصول للحقيقة العامة في إرميا ١٦: ٥، حيث يظهر أن كل حزن شخصي سيختفي في ساعة الكارثة العالمية.” فاينبرغ (Feinberg)
• تَنَهَّدْ سَاكِتًا: “يمكن أن نرى في ذلك تفهم قلب الله. لقد عرف حزن روح خادمه الشخصي والعام ولم ينتهره. في الأيام التي تتطلب فيها الشهادة العامة منا أن نتفوق على أحزاننا الخاصة، يكون من الجيد أن نعرف أن الرب يتفهم صعوبة الأمر ولا يمنع التنهد.” مورجان (Morgan)
• “تُستخدم كلمة ’تنهد‘ عادةً للإشارة إلى الأنين الصاخب للجرحى من الرجال، والكلمة تحمل تذكير بطقوس الرثاء التي كانت تُمارس بانتظام في المناسبات الجنائزية.” تايلور (Taylor)
ب) الآيات (١٨-١٩): موت زوجة حزقيال.
١٨فَكَلَّمْتُ الشَّعْبَ صَبَاحًا وَمَاتَتْ زَوْجَتِي مَسَاءً. وَفَعَلْتُ فِي الْغَدِ كَمَا أُمِرْتُ. ١٩فَقَالَ لِيَ الشَّعْبُ: «أَلاَ تُخْبِرُنَا مَا لَنَا وَهذِهِ الَّتِي أَنْتَ صَانِعُهَا؟»
١. فَكَلَّمْتُ الشَّعْبَ صَبَاحًا: من المفترض أن حزقيال تحدث كما تحدث مرات عديدة من قبل، حيث كان يخبر بما قاله الله له ليعلنه. هذه المرة كانت الرسالة غريبة ومحزنة. فكنبيّ، أخبرهم أن زوجته ستموت. لا يسعنا إلا أن نتساءل عما قاله حزقيال لزوجته في الليلة السابقة.
٢. وَمَاتَتْ زَوْجَتِي مَسَاءً: كانت هذه خسارة كبيرة لحزقيال. خسارة يعاني منها الكثيرون. يشير العنوان: شَهْوَةَ عَيْنَيْك (حزقيال ٢٤: ١٦)، إلى علاقة عزيزة وعلاقة محبة. في جميع أنحاء الكتاب، قُدِّم لنا حزقيال كرجل ذو مشاعر وعاطفة عميقة، غالبًا ما رثى وبكى على مصير أورشليم ويهوذا. من المؤكد أنه تأثر بشدة بهذه الخسارة المفاجئة لرفيقته العزيزة وزوجته.
٣. وَفَعَلْتُ فِي الْغَدِ كَمَا أُمِرْتُ: من الملفت للنظر أن حزقيال أطاع الله. فمهما كان الشعور الغامر بالحزن والبكاء، كان حزقيال مصممًا على إكرام الله بطاعته على الرغم من مشاعره والظروف التي يمكن تفهمها تمامًا.
• “يجب أن تكون الطاعة خاضعة تمامًا لله حتى في أصعب الواجبات، ويجب للمحبة الزوجية بكل حقوقها أن تعطي مكانًا لمحبتنا لله.” تراب (Trapp)
• تُعلّمنا هذه الحادثة الغريبة أشياء كثيرة عن الحداد والحزن على فقدان أحد الأحباء.
قد تحدث مثل هذه الخسائر المفاجئة والعظيمة لأي شخص، بما في ذلك كبار الأنبياء وخدام الله.
كان هذا غير عادي. نحن لا نقرأ مرة أخرى في الكتاب المقدس عن فقدان عزيز مثل هذا وأمر كهذا بعدم رد الفعل. في مجمل تفاصيل القصة، لا ينبغي أبدًا اعتبار هذه الحادثة الغريبة نموذجًا لعمل الله.
الحداد والبكاء على فقدان أحد الأحباء أمر طبيعي جدًا ومن المتوقع أن حزقيال كان بحاجة إلى أمر صريح من الله حتى لا يقوم بذلك.
في طاعة الله وبقوة الروح القدس، فإن شعب الله ليسوا عبيدًا مُطلَقين لمشاعرهم.
٢. أَلاَ تُخْبِرُنَا مَا لَنَا وَهذِهِ الَّتِي أَنْتَ صَانِعُهَا: كان للحدث الغريب التأثير المقصود به. أصيب الناس بالصدمة والحيرة من فقدان حزقيال المفاجئ لزوجته وسلوكه الغريب.
• “بحلول ذلك الوقت، كان المسبيون على دراية بمنهجية حزقيال بما يكفي لمعرفة أن غياب العاطفة عند وفاة زوجته الحبيبة يجب أن يكون له بعض المعاني النبوية. لذلك طلبوا من النبي شرح سلوكه.” سميث (Smith)
ج) الآيات (٢٠-٢٤): الله يشرح الآية للشعب: الموت بدون القدرة على النحيب.
٢٠فَأَجَبْتُهُمْ: «قَدْ كَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: ٢١كَلِّمْ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا مُنَجِّسٌ مَقْدِسِي فَخْرَ عِزِّكُمْ، شَهْوَةَ أَعْيُنِكُمْ وَلَذَّةَ نُفُوسِكُمْ. وَأَبْنَاؤُكُمْ وَبَنَاتُكُمُ الَّذِينَ خَلَّفْتُمْ يَسْقُطُونَ بِالسَّيْفِ، ٢٢وَتَفْعَلُونَ كَمَا فَعَلْتُ: لاَ تُغَطُّونَ شَوَارِبَكُمْ وَلاَ تَأْكُلُونَ مِنْ خُبْزِ النَّاسِ. ٢٣وَتَكُونُ عَصَائِبُكُمْ عَلَى رُؤُوسِكُمْ، وَنِعَالُكُمْ فِي أَرْجُلِكُمْ. لاَ تَنُوحُونَ وَلاَ تَبْكُونَ وَتَفْنَوْنَ بِآثَامِكُمْ. تَئِنُّونَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ. ٢٤وَيَكُونُ حِزْقِيَالُ لَكُمْ آيَةً. مِثْلَ كُلِّ مَا صَنَعَ تَصْنَعُونَ. إِذَا جَاءَ هذَا، تَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا السَّيِّدُ الرَّبُّ.
١. فَأَجَبْتُهُمْ: كان للحدث المأساوي ورد الفعل الغريب هدف إلهي. وبوحي من الروح القدس، كان لدى حزقيال إجابة عن سؤالهم المشروع، والإجابة لم تكن القَدَر، أو الصدفة، أو الجهل.
٢. هأَنَذَا مُنَجِّسٌ مَقْدِسِي فَخْرَ عِزِّكُمْ، شَهْوَةَ أَعْيُنِكُمْ وَلَذَّةَ نُفُوسِكُمْ: كما يجد الزوج مصدرًا صحيحًا للفرح والثقة والأمان في علاقته بزوجته، هكذا كان لدى إسرائيل مصدر غير صحيح للثقة والأمان في الهيكل (فَخْرَ عِزِّكُمْ). وكما ماتت زوجة حزقيال فجأة، سرعان ما سيهلك المَقْدِسِ.
• في كل من السبي والأرض، في أيام حزقيال، كان لدى شعب إسرائيل ثقة غير منطقية وخطيرة لمجرد وجود الهيكل. ظنوا: “أن هذا بيت الله. إنه عزيز عليه وعلينا. لن يسمح له بأن يتم غزوه.” لقد حطم الله هذه الثقة الخاطئة.
• ونحن نلاحظ كيف أشار الله إلى الهيكل الذي أصبح صنمًا ومصدر رجاء كاذب ليهوذا:
فَخْرَ عِزِّكُمْ: أُعتقِد أنه ضمان أمنهم.
شَهْوَةَ أَعْيُنِكُمْ: أُعتقِد أنه الأغلى بالنسبة لهم.
وَلَذَّةَ نُفُوسِكُمْ: أُعتقِد أنه أكثر ما يسرهم.
٣. وَأَبْنَاؤُكُمْ وَبَنَاتُكُمُ الَّذِينَ خَلَّفْتُمْ يَسْقُطُونَ بِالسَّيْفِ: كان للمسبيين في بابل العديد من الأَبْنَاء وَالبَنَاتُ في أورشليم ويهوذا، ومات كثير من هؤلاء الأعزاء في الدينونة التي حلت الآن على الأرض.
٤. وَتَفْعَلُونَ كَمَا فَعَلْتُ: عندما تأتي كل هذه المآسي على أعزاءهم وعلى هيكلهم الغالي، كان على الناس أن يتفاعلوا تمامًا كما فعل حزقيال. فصدمتهم ستجعلهم غير قادرين على الحداد “بشكل طبيعي،” وربما تعيق الثقافة البابلية أيضًا تعبيرهم عن الحزن.
• ” لم يبكِ حزقيال، وإسرائيل لن تبكي أيضًا: لأنه في كلتا الحالتين كانت المأساة عميقة ومذهلة لدرجة أن أي تعبير عن الحزن لا يكفي.” تايلور (Taylor)
• “ومع ذلك، لا يوجد حداد لأن هذه الدينونة لا تدعو إلى المواساة المتبادلة بل إلى الخزي المتبادل والاتهام.” فاوتر (Vawter) وهوب (Hoppe)
• “سيشعرون بالحزن الذي يتجاوز دموع، اليأس الذي لا يمكن التعبير عنه بأفعال ظاهرية… إن التعبير الظاهري الوحيد الذي يمكن أن يُسمع بينهم سيكون أنينًا هادئًا.” سميث (Smith)
٥. إِذَا جَاءَ هذَا، تَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا السَّيِّدُ الرَّبُّ: إن غرض الله الثابت في كل أركان سفر حزقيال هو الإعلان عن نفسه حتى من خلال المأساة والأزمات. ففي كل حزنهم غير المعلن، سيكون هناك إعلان من السَّيِّدُ الرَّبُّ.
• لم يكن ينبغي عليهم أن يحزنوا على غزو أورشليم وتدمير الهيكل لأنه كان مستحقًا، وقد أُعلن ذلك بوضوح في وقت مبكر جدًا. وعلى النقيض، لم يكن موت زوجة حزقيال مستحقًا ولم يُعلن عنه منذ فترة طويلة – ومع ذلك فقد أُمر حزقيال بعدم الحداد. كان ومن الأصح أن إسرائيل لا ينبغي أن تحزن على احتلال يهوذا وأورشليم والهيكل.
د ) الآيات (٢٥-٢٧): الله يفسر آية حزقيال.
٢٥وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، أَفَلاَ يَكُونُ فِي يَوْمٍ آخُذُ عَنْهُمْ عِزَّهُمْ، سُرُورَ فَخْرِهِمْ، شَهْوَةَ عُيُونِهِمْ وَرَفْعَةَ نَفْسِهِمْ: أَبْنَاءَهُمْ وَبَنَاتِهِمْ، ٢٦أَنْ يَأْتِيَ إِلَيْكَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ الْمُنْفَلِتُ لِيُسْمِعَ أُذُنَيْكَ. ٢٧فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَنْفَتِحُ فَمُكَ لِلْمُنْفَلِتِ وَتَتَكَلَّمُ، وَلاَ تَكُونُ مِنْ بَعْدُ أَبْكَمَ. وَتَكُونُ لَهُمْ آيَةً، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ».
١. فِي يَوْمٍ آخُذُ عَنْهُمْ عِزَّهُمْ، سُرُورَ فَخْرِهِمْ، شَهْوَةَ عُيُونِهِمْ: إن بداية حزقيال ٢٤ كانت هي بداية حصار نبوخذ نصر لأورشليم. وسيأتي اليوم قريبًا ولا محالة عندما يتم غزو وتدمير الهيكل (عِزَّهُمْ) وكل شيء آخر عزيز عليهم.
٢. فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَنْفَتِحُ فَمُكَ لِلْمُنْفَلِتِ وَتَتَكَلَّمُ، وَلاَ تَكُونُ مِنْ بَعْدُ أَبْكَمَ: كان هناك، بمعنى ما، قيود على نشر رسالة حزقيال التي انتظرت سقوط أورشليم أخيرًا. سيأتي اليوم الذي تنتهي فيه هذه القيود قريبًا.
• “إلى أن يهرب أحد من أورشليم ويصل إلى المسبيين ويخبرهم عن دمار المدينة والهيكل والعائلة المالكة والشعب عامة، عليه أن يكتم دموعه ونواحه. ونحن نجد في حزقيال ٣٣: ٢١، أنه بالفعل قد هرب أحدهم من المدينة، وأخبر النبي وإخوته في السبي أنه قد ضُربت المدينة.” كلارك (Clarke)
٣. تَتَكَلَّمُ، وَلاَ تَكُونُ مِنْ بَعْدُ أَبْكَمَ: إن انفلات لسان حزقيال يعني أنه سيبدأ في التنبؤ بنبرة أكثر تفاؤلًا. لقد نزلت الدينونة بكل قوتها. والآن يمكن أن يبدأ الله في إعادة البناء والقيام بذلك برجاء حقيقي. إن الاسترداد النهائي سيكون مجيدًا.
• “لن يكون هناك حاجة للتلفظ بنبوءاته عن الهلاك. سيكون قادرًا على العمل كراعي وكرقيب لشعبه. سيكون حرًا في العمل بشكل فَعّال من أجل بناء مجتمع جديد، إسرائيل الجديدة.” تايلور (Taylor)
• سوف تتغير خدمته. سيكون قادرًا على مواساتهم وتشجيعهم بكلمات الرجاء بدلًا من أقوال الموت والصمت الحجري. إن هذا النبي الذي كان في السابق سلبيًا جدًا سيصبح في ذلك الوقت المشجع العظيم.” سميث (Smith)
٤. وَتَكُونُ لَهُمْ آيَةً، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ: في النهاية، فيما يخص النبي وإلهه، إله إسرائيل، فسيتم تبريرهما والإعلان عنهما.
• “سوف يتميّز ذلك اليوم بحدثين مهمين: سيسحب الرب البساط من تحت الشعب عن طريق إزالة أرض آمالهم، وسوف يبرئ نبيه من خلال تأكيد قيمة آيته للأمة.” بلوك (Block)