سفر التكوين – الإصحاح ١٧
الله يُعيد تأكيد العهد
أولًا. ظهورٌ من الله، وتغييرُ اسمٍ إلى إبراهيم
أ ) الآيات (١-٢): يظهر الله لأبرام وهو في عمر التاسعة والتسعين.
١وَلَمَّا كَانَ أَبْرَامُ ٱبْنَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً ظَهَرَ ٱلرَّبُّ لِأَبْرَامَ وَقَالَ لَهُ: «أَنَا ٱللهُ ٱلْقَدِيرُ. سِرْ أَمَامِي وَكُنْ كَامِلًا، ٢فَأَجْعَلَ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَأُكَثِّرَكَ كَثِيرًا جِدًّا».
- وَلَمَّا كَانَ أَبْرَامُ ٱبْنَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ: كان عمر أبرام ٧٥ سنة عندما ترك حاران (تكوين ٤:١٢). كان عمره ٨٦ سنة عندما ولِد ابنه إسماعيل من هاجر، الجارية المصريَّة (تكوين ١٥:١٦-١٦). انتظر لحوالي ٢٥ سنة لتتميم وعد الله في أن يكون له ابنٌ من ساراي. لقد مرَّ حوالي ١٣ عامًا منذ آخر كلمة مُسجَّلة له من الله.
- ظَهَرَ ٱلرَّبُّ لِأَبْرَامَ: من دون أدنى شكٍّ، كان هذا ظهورًا آخَر لله في شخص يسوع، الَّذي أخذ شكل إنسانٍ مُؤقَّت قبل تجسُّده على الأرض (كما مع هاجر في تكوين ٧:١٦-٩).
- أَنَا ٱللهُ ٱلْقَدِيرُ: إنَّ كلمات الله الأولى لأبرام كانت مقدِّمة وإعلان عن ذاته. فبهذا الإسم الشادَّاي (الله القدير)، أظهر الله شخصه وطبيعته لأبرام. ومع ذلك، هناك بعض الجدل حولَ معنى الإسم الشادَّاي تحديدًا.
- “إنَّ التَّحليل التَّقليديّ للاسم هو ’الله (الـ) الَّذي (شا) هو الكافي (دَّاي).‘” كيدنر (Kidner)
- “الشادَّاي، أنا الله الكافي؛ من شادَّا، لـ يسفك، لـ ينسكِب. أنا الله الَّذي يسكب البركات، الَّذي يُعطيها بغنى، بوفرة، باستمرار.” كلارك (Clarke)
- استخدم دونالد بارنهاوس (Donald Barnhouse) أسلوب الكلمة العبريَّة شادَّا التي تعني ‘صدر’ أو ‘ثدي.’ قد تحمل بين طيَّاتها فكر قوَّة صدر الإنسان (الله القدير) أو الراحة والتغذية لثدي المرأة (الله الَّذي يعتني/إله العناية).
- شرح ليوبولد أنَّ كلمة الشادَّاي تأتي من الجذر شادَّاد، الَّذي يعني ‘المظهِر قوَّةً.’
- تُترجِم النسخة السبعينيَّة – وهي ترجمة من العبريَّة إلى اليونانيَّة قبل أيَّام يسوع – كلمة القدير مع الكلمة اليونانيَّة بانتوكراتور (pantokrator) إلى: ‘الَّذي له اليد الطويلة في كلِّ شيء أو من له يده على كلِّ شيء.’
- سِرْ أَمَامِي وَكُنْ كَامِلًا: بعد إعلانه لاسمه الشادَّاي، أخبر الله أبرام ما هو المتوقَّع منه. كان أوَّلًا إعلانًا، ثمَّ توقُّعًا. هذا يدعَم المبدأ القائل بأنَّه لا يمكننا أن نفعل ما يتوقَّعه الله منَّا إلَّا عندما نعرف من هو، ونعرفه بشكلٍ كاملٍ وشخصيٍّ وحقيقيّ.
- إنَّ الكلمة كَامِلًا تعني حرفيًّا ‘بلا لوم.’ أراد الله من كلِّ أبرام، التزامًا كاملًا.
- فَأَجْعَلَ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ: ذكَّر الله أبرام أنَّه لم ينسَ العهد. بالرغم من مضيِّ حوالي ٢٥ سنة منذ أن قُطِع العهد لأوَّل مرَّة، وبالرغم من أنَّ ذلك يبدو وكأنَّ الله قد نسيَ، لم ينسَ الله أيَّ شيءٍ.
- إنَّ المرَّة الأخيرة التي قيل لنا فيها أنَّ الله تواصل مع أبرام بشكلٍ مباشر كان قبل ١٣ سنة تقريبًا (تكوين ١٥:١٦-١٦). على ما يبدو، كان لأبرام ١٣ سنة من العلاقة ‘الطبيعيَّة’ مع الله، مُنتظرًا الوعد طوال الوقت. سيكون مفهومًا لو، في أوقاتٍ ما خلال فترة ١٣ سنة، شعر أبرام أنَّ الله نسيَ الوعد.
- “كلُّ هذه السنين الثلاث عشرة، بقدر ما يُخبرنا الكتاب المقدَّس، لم يحظَ أبرام بزيارةٍ واحدة من الله. لا نمتلك أيَّ سجلٍّ له سواء قام بعملٍ ما لا يُنسى أو لديه حضورٌ ما مع العليِّ” سبيرجن (Spurgeon)
- أصبح أبرام رجل إيمان عظيم، لكنَّك لا تستطيع أن تصنع رجل إيمان عظيم بين عشيَّة وضحاها. سيستغرق الوقت سنواتٍ من عمل الله فيهم، سنواتٍ من الثقة بالله تكاد تكون عاديَّة. ربَّما يتخلَّلُها بعضٌ من اللِّقاءات المدهشة مع الرَّبِّ.
ب) الآيات (٣-٨): يشير الله إلى شروطٍ خاصَّة بالعهد الَّذي لم ينساه.
٣فَسَقَطَ أَبْرَامُ عَلَى وَجْهِهِ. وَتَكَلَّمَ ٱللهُ مَعَهُ قَائِلًا: ٤«أَمَّا أَنَا فَهُوَذَا عَهْدِي مَعَكَ، وَتَكُونُ أَبًا لِجُمْهُورٍ مِنَ ٱلْأُمَمِ، ٥فَلَا يُدْعَى ٱسْمُكَ بَعْدُ أَبْرَامَ بَلْ يَكُونُ ٱسْمُكَ إِبْرَاهِيمَ، لِأَنِّي أَجْعَلُكَ أَبًا لِجُمْهُورٍ مِنَ ٱلْأُمَمِ. ٦وَأُثْمِرُكَ كَثِيرًا جِدًّا، وَأَجْعَلُكَ أُمَمًا، وَمُلُوكٌ مِنْكَ يَخْرُجُونَ. ٧وَأُقِيمُ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَبَيْنَ نَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ فِي أَجْيَالِهِمْ، عَهْدًا أَبَدِيًّا، لِأَكُونَ إِلَهًا لَكَ وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ. ٨وَأُعْطِي لَكَ وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ أَرْضَ غُرْبَتِكَ، كُلَّ أَرْضِ كَنْعَانَ مُلْكًا أَبَدِيًّا. وَأَكُونُ إِلَهَهُمْ».
- فَسَقَطَ أَبْرَامُ عَلَى وَجْهِهِ: بما أنَّ هذا يبدو وكأنَّه ظهورٌ لله مباشرًا وشخصيًّا، قام أبرام بفعل الأمر الصائب والخاشع؛ فَسَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ، مُظهرًا خضوعه ومُقدِّما كرامة لله.
- فَلَا يُدْعَى ٱسْمُكَ بَعْدُ أَبْرَامَ بَلْ يَكُونُ ٱسْمُكَ إِبْرَاهِيمَ: لِيُشجِّع إيمان أبرام بالوعد المتعلِّق بنسلهِ من ساراي، غيَّر الله اسم أبرام (أبًا لكثيرين) إلى إبراهيم (أبًا لأمم كثيرة).
- كان هناك شعورٌ ما، من دون شكٍّ، بأنَّ أبرام، ‘أبًا لكثيرين،’ كان اسمًا من الصعب احتماله لرجلٍ لم يكن أبًا لأحد، خصوصًا في بيئةٍ خاصة يكون فيها الاستفسار عن الحياة الشخصيَّة ممارسةً مهذَّبة. الآن، ذهب الله خطوةً إضافيَّة وجعل اسمه ‘أبًا لأممٍ كثيرة.’ إنَّه من الجنون بأن يكون هذا الإسم لرجلٍ عاقر.
- افتكِر في ذلك الوقت الَّذي أعلن فيه إبراهيم تغيير اسمه للآخرين. لا بدَّ وأن فكَّروا أنَّه أراد أن يهرب من ثقل اسمه. في حين أنَّ ذلك زاد من حِملهِ.
- هناك الكثير من التَّغييرات للأسماء الرائعة في الكتاب المقدَّس، كتغيير الله اسمَ يعقوب إلى إسرائيل (تكوين ٢٨:٣٢)، وسمعان إلى بطرس (مرقُس ١٦:٣). يعِد الله باسمٍ رائعٍ جديد لكلِّ غالبٍ فيه (رؤيا ١٧:٢).
- يُعطينا الله أسماء كثيرة في الإيمان (قدِّيس، بار، مختار، كهنوت ملوكيّ، أبناء الله، إلى ما هنالك)، ويعلَم أنَّه سيُتمِّم معاني هذه الأسماء فينا – حتَّى ولو بدا ذلك جُنونًا إلى حدٍّ ما.
- لِأَنِّي أَجْعَلُكَ أَبًا لِجُمْهُورٍ مِنَ ٱلْأُمَمِ .وَأُثْمِرُكَ كَثِيرًا جِدًّا، وَأَجْعَلُكَ أُمَمًا، وَمُلُوكٌ مِنْكَ يَخْرُجُونَ: وِفقًا لذلك، جعل الله الوعد الَّذي طال انتظاره لإبراهيم أعظم. لم يسبق أن قال الله تحديدًا أنَّ أُممًا كثيرة ستأتي من إبراهيم (أُمَّةً واحدة وعِد بها في تكوين ٢:١٢). لم يسبق أن قال الله على وجه التحديد أنَّ ملوكًا سينحدرون من إبراهيم.
- “آه! هذه الكلمات ’سوف‘ و’يجب‘ العظيمة. إخوتي، لا يمكننا أن نخدم الرَّبّ بقلب كامل حتَّى يفهم إيماننا معاني ’سوف‘ و’يجب‘ الروحيَّة” سبيرجن (Spurgeon)
- وَأُقِيمُ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَبَيْنَ نَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ فِي أَجْيَالِهِمْ، عَهْدًا أَبَدِيًّا، لِأَكُونَ إِلَهًا لَكَ وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ: وعد الله خصِّيصًا أيضًا بأنَّ العهد الَّذي صنعه مع أبرام في تكوين ١:١٢-٣ سيشمل نسله المختار، حتَّى أولئك الَّذين لم يولدوا بعد. لم يكن العهد لأبرام فحسب، بل كان عهدًا أبديًّا.
- وَأُعْطِي لَكَ وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ أَرْضَ غُرْبَتِكَ، كُلَّ أَرْضِ كَنْعَانَ مُلْكًا أَبَدِيًّا: إنَّ الوعد الخاص بالأرض أُعطي ليس لأبرام فحسب، بل أيضًا لنسل العهد. كان هذا العهد الأبديّ صالحًا لهم كما كان لإبراهيم. كانت الأرض وما زالت في وعد الله بالعهد للشعب اليهوديّ.
ج) الآيات (٩-١٤): يضع الله علامةً للعهد مع إبراهيم ونسله.
٩وَقَالَ ٱللهُ لِإِبْرَاهِيمَ: «وَأَمَّا أَنْتَ فَتَحْفَظُ عَهْدِي، أَنْتَ وَنَسْلُكَ مِنْ بَعْدِكَ فِي أَجْيَالِهِمْ. ١٠هَذَا هُوَ عَهْدِي ٱلَّذِي تَحْفَظُونَهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، وَبَيْنَ نَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ: يُخْتَنُ مِنْكُمْ كُلُّ ذَكَرٍ، ١١فَتُخْتَنُونَ فِي لَحْمِ غُرْلَتِكُمْ، فَيَكُونُ عَلَامَةَ عَهْدٍ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ. ١٢اِبْنَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ يُخْتَنُ مِنْكُمْ كُلُّ ذَكَرٍ فِي أَجْيَالِكُمْ: وَلِيدُ ٱلْبَيْتِ، وَٱلْمُبْتَاعُ بِفِضَّةٍ مِنْ كُلِّ ٱبْنِ غَرِيبٍ لَيْسَ مِنْ نَسْلِكَ. ١٣يُخْتَنُ خِتَانًا وَلِيدُ بَيْتِكَ وَٱلْمُبْتَاعُ بِفِضَّتِكَ، فَيَكُونُ عَهْدِي فِي لَحْمِكُمْ عَهْدًا أَبَدِيًّا. ١٤وَأَمَّا ٱلذَّكَرُ ٱلْأَغْلَفُ ٱلَّذِي لَا يُخْتَنُ فِي لَحْمِ غُرْلَتِهِ فَتُقْطَعُ تِلْكَ ٱلنَّفْسُ مِنْ شَعْبِهَا. إِنَّهُ قَدْ نَكَثَ عَهْدِي».
- هَذَا هُوَ عَهْدِي ٱلَّذِي تَحْفَظُونَهُ: أدخل الله الوصيَّة المتعلِّقة بالختان في هذه الكلمات. فخِتانُ لحم الغرلة لكلِّ ذكَرٍ من نسل إبراهيم سيكون علامةً على أنَّهم ضمن العهد. وبما أنَّ هذا العهد قُطِع لأنسال إبراهيم الجسديِّين، حرفيًّا وجينيًّا، من خلال وعد الله، كان من المناسب أنَّ علامة العهد هذه تُعطى للمولودين في العهد وتكون مرتبطة بالجزء التَّناسليّ للجسم.
- “كان الختان يشير إلى ذريَّة إبراهيم وكأنَّه يوجد دنسٌ في جسد الإنسان يجب أن يؤخذ إلى الأبد، وإلَّا سيبقى الإنسان غير طاهرٍ، وخارج العهد الَّذي مع الله” سبيرجن (Spurgeon)
- يُخْتَنُ مِنْكُمْ كُلُّ ذَكَرٍ: لأوَّل مرَّة، أعطى الله إبراهيم شيئًا ما يعمله بالنسبة إلى العهد. قال له أنَّ أنساله يجب أن يأخذوا على عاتقهم علامة العهد، لإظهار أنَّهم قبلوا العهد بالإيمان.
- فَتُخْتَنُونَ فِي لَحْمِ غُرْلَتِكُمْ: كانت العلامة الختان، قطع لحم الغرلة. اختار الله هذه العلامة لعدَّة أسبابٍ مُهمَّة.
- لم يكن الختان غير معروفٍ في العالَم في ذلك الوقت. كان طقسًا يُمارس بين شعوبٍ مختلفة.
- كان هناك بدون شكٍّ أسبابٌ تتعلَّق بالنظافة الشخصيَّة، أسبابٌ منطقيَّة بشكلٍ خاص في العالم القديم. “هناك بعض الأدلَّة الطبِّيَّة التي تُشير إلى أنَّ هذه الممارسة ساهمت، بالفعل، بالقوَّة الطويلة الأمد للجنس اليهوديّ” موريس (Morris). لاحظ ماكميلين، في كتابه ‘لا شيء من هذه الأمراض،’ دراساتٍ في سنتَي ١٩٤٩ و ١٩٥٤ تُظهِر معدَّلًا مُنخفضًا بشكلٍ ملحوظٍ من سرطان عنق الرحم عند النساء اليهوديَّات، بسبب أنَّ معظمهنَّ لهنَّ أزواجًا مختونين.
- ولكن الأهم من ذلك، إنَّ الختان هو قطع لحم الغرلة وعلامةٌ مناسبة للعهد لأولئك الَّذين لا يجب أن يضعوا ثقةً بالجسد.
- أيضًا، لأنَّ الختان مُرتبطٌ بعضو التَّناسُل، كان تذكيرًا بذريَّة إبراهيم الخاصَّة، التي منها في نهاية المطاف سيأتي المسيَّا.
- اِبْنَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ يُخْتَنُ مِنْكُمْ: بما أنَّ نسل العهد لإبراهيم يُولَد في العهد بولادته الطبيعيَّة، فمن المنطقيّ أن تُعطى له علامةُ العهدِ في طفولته.
- في كولوسي ١١:٢-١٢، ربط بولس فكرة الختان مع المعموديَّة المسيحيَّة. كانت فكرته أنَّه في المسيح نحن مختونون روحيًّا، ونحن أيضًا مدفونون مع يسوع في المعموديَّة. لم يقُل بولس أنَّ المعموديَّة هي علامة العهد التي يأخذها المسيحيُّون ويعيشون بموجبها، في العهد الجديد. حتَّى ولو تمَّ هذا الربط، من المهمِّ الإشارة إلى أنَّ الإنسان يولَد جينيًّا في العهد الموصوف هنا في تكوين١٧. لا يولد الإنسان جينيًّا في العهد الجديد؛ فهو يولد فيه بنعمة الله بالإيمان. لذلك نرى أنَّه أمرٌ خاطئ ومؤذي أن نقوم بهذا التَّشبيه، ‘تمَّ ختان الأطفال، لذلك يجب تعميد الأطفال.’
- “بطبيعة الختان لدى ذريَّة إبراهيم؛ يمكنك الإستنتاج بأنَّ كلَّ مَن له هذه الطبيعة من ذريَّة إبراهيم يجب أن يعتمد، وأنا لا أتعجَّب من هذا الاستنتاج؛ لكنَّني أسألك، مَن هُم ذريَّة إبراهيم الحقيقيِّين؟ يُجيب بولس في رومية ٨:٩، ‘أَيْ لَيْسَ أَوْلَادُ ٱلْجَسَدِ هُمْ أَوْلَادَ ٱللهِ، بَلْ أَوْلَادُ ٱلْمَوْعِدِ يُحْسَبُونَ نَسْلًا.’” سبيرجن (Spurgeon)
- “كلُّ الَّذين يؤمنون بالرَّبِّ يسوع المسيح، يهودًا كانوا أم أُممًا، هم ذريَّة إبراهيم. سواء كان عمرهم ثمانية أيَّامٍ في النعمة، أكثر أو أقل، كلُّ واحدٍ من ذريَّة إبراهيم له الحقَّ في المعموديَّة. لكنَّني أَنكرُ أنَّ غير المتجدِّدين، أطفالًا كانوا أم بالغين، هم ذريَّة إبراهيم الروحيَّة” سبيرجن (Spurgeon)
- اِبْنَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ يُخْتَنُ مِنْكُمْ: أمر الله بختان الأطفال في اليوم الثامن لأنَّ هذا هو اليوم الَّذي تكون مناعة الرضيع على مستوًى مثاليٍّ لإجراء هكذا عمليَّة.
- يلاحظ ماكميلين (McMillen) أيضًا أنَّ المولودين حديثًا لديهم قابليَّة غريبة للنزيف بين اليومَين الثاني والخامس من الحياة. يبدو أنَّ عامل تخثُّر الدم المهم، فيتامين ك، لا يُصنع بكميَّاتٍ طبيعيَّة حتَّى اليوم الخامس إلى السابع من الحياة. هناك عاملٌ آخَر لتخثُّر الدم، البروثرومبين، يكون في أعلى مستوياته في الرضَّع تحديدًا في اليوم الثامن من الحياة، ممَّا يجعل اليوم الثامن أكثر أمانًا، واليوم الأقرب لختان الرضيع.
- وَأَمَّا ٱلذَّكَرُ ٱلْأَغْلَفُ ٱلَّذِي لَا يُخْتَنُ فِي لَحْمِ غُرْلَتِهِ … إِنَّهُ قَدْ نَكَثَ عَهْدِي: أولئك الَّذين رفضوا الختان رفضوا علامة العهد. فهُم لم يكونوا أصدقاء عهد الله الَّذي قطعه الله مع إبراهيم. لم يكن الختان مَن جعلهم جزءًا من العهد (بل الإيمان)، لكن رفضهم الختان كان رفضًا للعهد.
- للأسف، عبر القرون، بدأ اليهود يثقون أكثر بعلامة العهد (الختان) من إله العهد، معتقدين أنَّ الختان بحدِّ ذاته كان كافيًا وضروريًّا للخلاص. ينفي بولس هذه الفكرة على نطاق واسع، خصوصًا في ضوء عمل يسوع المسيح المنجَز (غلاطية ١:٥-١٥).
- لذلك، إنَّ المسيحيِّين هم أحرارٌ أن يُختتنوا أم لا. يمكن لأحدهم أن يقوم بذلك لأسبابٍ اجتماعيَّة أو تتعلَّق بالنظافة الشخصيَّة، لكن لا يمكن للختان أن يُقرِّبنا أكثر إلى الله: لِأَنَّهُ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ لَا ٱلْخِتَانُ يَنْفَعُ شَيْئًا وَلَا ٱلْغُرْلَةُ، بَلِ ٱلْإِيمَانُ ٱلْعَامِلُ بِٱلْمَحَبَّةِ (غلاطية ٦:٥).
- أيضًا، تكلَّم بولس عن الختان والمعموديَّة في كولوسي ١١:٢-١٢، رابطًا إيَّاهُما بدون القول بأنَّهما نفس الشيء. في هذا السياق، هُما على الأقلِّ مرتبطان: لا يُخلِّص الختان إنسانًا يهوديًّا، لكن رفض الختان يعني عدم الطاعة للعهد، وربَّما رفضًا له. في ذات السياق، المعموديَّة لا تُخلِّص، لكن لا يجب على أيِّ مسيحيٍّ أن يرفض المعموديَّة.
ثانيًا. الوعد بالابن هو لإبراهيم وسارة
أ ) الآيات (١٥-١٦): ذُكِر الوعد: سيأتي ابنٌ من خلال سارة، التي تغيَّر اسمها من ساراي.
١٥وَقَالَ ٱللهُ لِإِبْرَاهِيمَ: «سَارَايُ ٱمْرَأَتُكَ لَا تَدْعُو ٱسْمَهَا سَارَايَ، بَلِ ٱسْمُهَا سَارَةُ. ١٦وَأُبَارِكُهَا وَأُعْطِيكَ أَيْضًا مِنْهَا ٱبْنًا. أُبَارِكُهَا فَتَكُونُ أُمَمًا، وَمُلُوكُ شُعُوبٍ مِنْهَا يَكُونُونَ».
- سَارَايُ ٱمْرَأَتُكَ لَا تَدْعُو ٱسْمَهَا سَارَايَ، بَلِ ٱسْمُهَا سَارَةُ: هناك اختلافٌ بسيط بين ساراي و سارة، لكنَّه اختلافٌ مهمٌّ. يُشير سارة على مكانة ومقام أرفع وأسمى من ساراي.
- “يدلُّ ساراي إلى سيِّدتي، أو أميرتي، الَّذي يحصر سلطتها في عائلةٍ واحدة؛ لكن سارة يدلُّ على إمَّا سيِّدة أو أميرة، ببساطة وبشكل مطلق بدون قيود، أو أميرة جمهورٍ كبير.” بوله (Poole)
- وَأُبَارِكُهَا وَأُعْطِيكَ أَيْضًا مِنْهَا ٱبْنًا: بتأكيد الضمير المتَّصِل ’ها،‘ أوضح الله أنَّ هذا الابن لن يأتي بواسطة أُمٍّ بديلة (كما مع هاجر وإسماعيل). ستُنجِب سارة نفسها الابن، على الرغم من مرور وقتها في الحياة على القيام بذلك (كانت سارة حوالي ٩٠ سنة في هذا الوقت).
ب) الآيات (١٧-١٨): جواب إبراهيم عن الوعد.
١٧فَسَقَطَ إِبْرَاهِيمُ عَلَى وَجْهِهِ وَضَحِكَ، وَقَالَ فِي قَلْبِهِ: «هَلْ يُولَدُ لِٱبْنِ مِئَةِ سَنَةٍ؟ وَهَلْ تَلِدُ سَارَةُ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِينَ سَنَةً؟». ١٨وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لِلهِ: «لَيْتَ إِسْمَاعِيلَ يَعِيشُ أَمَامَكَ!».
- فَسَقَطَ إِبْرَاهِيمُ عَلَى وَجْهِهِ وَضَحِكَ: لم تبدو ضحكة إبراهيم ذلك الشكّ السَّاخر، لكنَّها كانت تلك السعادة بأمرٍ ما علِم أنَّه مستحيل بكلِّ المقاييس، ولكن يمكن أن يؤدِّيه الله.
- هَلْ يُولَدُ لِٱبْنِ مِئَةِ سَنَةٍ؟: علِم إبراهيم وسارة أنَّهما تجاوزا الوقت الَّذي يُنجِب فيه الناس الأولاد بشكلٍ طبيعيّ. بالرغم من ذلك، آمن إبراهيم، وفي رومية ١٧:٤-٢١، يصِف بولس بشكلٍ رائع إيمان إبراهيم في هذا الوعد.
- كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «إِنِّي قَدْ جَعَلْتُكَ أَبًا لِأُمَمٍ كَثِيرَةٍ». أَمَامَ ٱللهِ ٱلَّذِي آمَنَ بِهِ، ٱلَّذِي يُحْيِي ٱلْمَوْتَى، وَيَدْعُو ٱلْأَشْيَاءَ غَيْرَ ٱلْمَوْجُودَةِ كَأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ. فَهُوَ عَلَى خِلَافِ ٱلرَّجَاءِ، آمَنَ عَلَى ٱلرَّجَاءِ، لِكَيْ يَصِيرَ أَبًا لِأُمَمٍ كَثِيرَةٍ، كَمَا قِيلَ: «هَكَذَا يَكُونُ نَسْلُكَ. »وَإِذْ لَمْ يَكُنْ ضَعِيفًا فِي ٱلْإِيمَانِ لَمْ يَعْتَبِرْ جَسَدَهُ – وَهُوَ قَدْ صَارَ مُمَاتًا، إِذْ كَانَ ٱبْنَ نَحْوِ مِئَةِ سَنَةٍ – وَلَا مُمَاتِيَّةَ مُسْتَوْدَعِ سَارَةَ. وَلَا بِعَدَمِ إِيمَانٍ ٱرْتَابَ فِي وَعْدِ ٱللهِ، بَلْ تَقَوَّى بِٱلْإِيمَانِ مُعْطِيًا مَجْدًا لِلهِ. وَتَيَقَّنَ أَنَّ مَا وَعَدَ بِهِ هُوَ قَادِرٌ أَنْ يَفْعَلَهُ أَيْضًا (رومية ١٧:٤-٢١).
- لَيْتَ إِسْمَاعِيلَ يَعِيشُ أَمَامَكَ: في نفس الوقت، لم يفهم إبراهيم حقًّا وعد الله بالكامل. لقد ظنَّ ربَّما أنَّ الله كان يعني أنَّ إسماعيل سيكون ابنًا روحيًّا لسارة. إبراهيم – مثلنا جميعنا – يجد صعوبةً في الثقة بالله من نحوِ أُمورٍ لا يمكنه أن يستوعبها.
ج) الآيات (١٩-٢٢): يُكرِّر الله الوعد ويُسمِّي الطفل الَّذي سيأتي من إبراهيم وسارة.
١٩فَقَالَ ٱللهُ: «بَلْ سَارَةُ ٱمْرَأَتُكَ تَلِدُ لَكَ ٱبْنًا وَتَدْعُو ٱسْمَهُ إِسْحَاقَ. وَأُقِيمُ عَهْدِي مَعَهُ عَهْدًا أَبَدِيًّا لِنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ. ٢٠وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَقَدْ سَمِعْتُ لَكَ فِيهِ. هَا أَنَا أُبَارِكُهُ وَأُثْمِرُهُ وَأُكَثِّرُهُ كَثِيرًا جِدًّا. اِثْنَيْ عَشَرَ رَئِيسًا يَلِدُ، وَأَجْعَلُهُ أُمَّةً كَبِيرَةً. ٢١وَلَكِنْ عَهْدِي أُقِيمُهُ مَعَ إِسْحَاقَ ٱلَّذِي تَلِدُهُ لَكَ سَارَةُ فِي هَذَا ٱلْوَقْتِ فِي ٱلسَّنَةِ ٱلْآتِيَةِ». ٢٢فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ ٱلْكَلَامِ مَعَهُ صَعِدَ ٱللهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ.
- بَلْ سَارَةُ ٱمْرَأَتُكَ تَلِدُ لَكَ ٱبْنًا وَتَدْعُو ٱسْمَهُ إِسْحَاقَ: سيُدعى الصبيُّ إسحاق (الضحك) لأنَّه سيكون فرحًا كبيرًا لولِدَيه، لكن أيضًا لتذكير إبراهيم دائمًا أنَّه ضحك على وعد الله بأن يُعطيه ابنًا من خلال سارة في هذا العمر المتقدِّم.
- وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَقَدْ سَمِعْتُ لَكَ فِيهِ. هَا أَنَا أُبَارِكُهُ: سيُبارك إسماعيل. سيستجيب الله لصلاة إبراهيم في مباركة إسماعيل، جاعلًا إيَّاه مُثمرًا ومكثَّرًا كثيرًا جدًّا. ومع ذلك، فإنَّ العهد والمواعيد ستتمُّ في الابن العتيد أن يأتي، ابن الموعد.
د ) الآيات (٢٣-٢٧): يُنفِّذ إبراهيم أمر الله في الختان.
٢٣فَأَخَذَ إِبْرَاهِيمُ إِسْمَاعِيلَ ٱبْنَهُ، وَجَمِيعَ وِلْدَانِ بَيْتِهِ، وَجَمِيعَ ٱلْمُبْتَاعِينَ بِفِضَّتِهِ، كُلَّ ذَكَرٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ إِبْرَاهِيمَ، وَخَتَنَ لَحْمَ غُرْلَتِهِمْ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ عَيْنِهِ كَمَا كَلَّمَهُ ٱللهُ. ٢٤وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ ٱبْنَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً حِينَ خُتِنَ فِي لَحْمِ غُرْلَتِهِ، ٢٥وَكَانَ إِسْمَاعِيلُ ٱبْنُهُ ٱبْنَ ثَلَاثَ عَشَرَةَ سَنَةً حِينَ خُتِنَ فِي لَحْمِ غُرْلَتِهِ. ٢٦فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ عَيْنِهِ خُتِنَ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ ٱبْنُهُ. ٢٧وَكُلُّ رِجَالِ بَيْتِهِ وِلْدَانِ ٱلْبَيْتِ وَٱلْمُبْتَاعِينَ بِٱلْفِضَّةِ مِنِ ٱبْنِ ٱلْغَرِيبِ خُتِنُوا مَعَهُ.
- وَخَتَنَ لَحْمَ غُرْلَتِهِمْ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ عَيْنِهِ كَمَا كَلَّمَهُ ٱللهُ: إنَّ إيمان إبراهيم بالعهد تبرهَن بطاعتهِ لهذه الوصيَّة. إنَّ ما نؤمن به حقًّا يظهرُ في أفعالنا.
- فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ عَيْنِهِ خُتِنَ إِبْرَاهِيمُ: كانت طاعة إبراهيم كاملةً (كُلَّ ذَكَرٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ إِبْرَاهِيمَ) وفوريَّة (فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ عَيْنِهِ) وجريئة (عمليًّا لإضعاف جميع رجاله المحاربين في نفس الوقت).
- لم يحتاج إبراهيم أن يُصلِّي بخصوص هذا الموضوع. لم يكن محتاجًا أن ينموَ أو يتَّجِه نحوَهُ. أمر به الله ونفَّذهُ. إنَّه مثالٌ رائع عن الطاعة النَّابعة من رجلٍ عظيمٍ في الإيمان.