سفر التكوين – الإصحاح ٢٥
موت إبراهيم؛ يعقوب وعيسو أبناء إسحاق
أولًا. حياة إبراهيم الأخيرة وموته
أ ) الآيات (١-٤): يتزوَّج إبراهيم مرَّةً أُخرى وكان له أولادٌ كثيرون من قطُورة.
١وَعَادَ إِبْرَاهِيمُ فَأَخَذَ زَوْجَةً ٱسْمُهَا قَطُورَةُ، ٢فَوَلَدَتْ لَهُ: زِمْرَانَ وَيَقْشَانَ وَمَدَانَ وَمِدْيَانَ وَيِشْبَاقَ وَشُوحًا. ٣وَوَلَدَ يَقْشَانُ: شَبَا وَدَدَانَ. وَكَانَ بَنُو دَدَانَ: أَشُّورِيمَ وَلَطُوشِيمَ وَلَأُمِّيمَ. ٤وَبَنُو مِدْيَانَ: عَيْفَةُ وَعِفْرُ وَحَنُوكُ وَأَبِيدَاعُ وَأَلْدَعَةُ. جَمِيعُ هَؤُلَاءِ بَنُو قَطُورَةَ.
- وَعَادَ إِبْرَاهِيمُ فَأَخَذَ زَوْجَةً: كان هذا بعد موت سارة، المذكور في تكوين ١:٢٣-٢ و١٩:٢٣. لم يكُن هناك من أيِّ خطأٍ ارتُكِب من جهَّة إبراهيم عندما اتَّخذ زوجةً أخرى بعد وفاة سارة.
- ٱسْمُهَا قَطُورَةُ: من السُّهولة أن ننسى أنَّه كان لإبراهيم زوجة ثانية وأنَّه كان أبًا لستَّة أبناء منها. بالمجمل، كان لإبراهيم ثمانية بنين: إسحاق من سارة وإسماعيل من هاجر وهؤلاء الستَّة من قطُورة.
- فَوَلَدَتْ لَهُ: زِمْرَانَ وَيَقْشَانَ وَمَدَانَ وَمِدْيَانَ وَيِشْبَاقَ وَشُوحًا: أصبح هؤلاء الأبناء أنفسهم آباءً لشعوبٍ مختلفة. لنأخذ مثالًا على ذلك، انحدار المديانيِّين من مِدْيَان. كان هؤلاء الأبناء أيضًا من قطُورة إشارةً إضافيَّة إلى أنَّه إن كانت هناك أيَّةُ مشاكِل في العُقم في زواج إبراهيم من سارة، فقد كانت من جهَّة سارة وليس إبراهيم.
ب) الآيات (٥-٦): يحرص إبراهيم على فصل إسحاق كابنٍ للوعد.
٥وَأَعْطَى إِبْرَاهِيمُ إِسْحَاقَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ. ٦وَأَمَّا بَنُو ٱلسَّرَارِيِّ ٱللَّوَاتِي كَانَتْ لِإِبْرَاهِيمَ فَأَعْطَاهُمْ إِبْرَاهِيمُ عَطَايَا، وَصَرَفَهُمْ عَنْ إِسْحَاقَ ٱبْنِهِ شَرْقًا إِلَى أَرْضِ ٱلْمَشْرِقِ، وَهُوَ بَعْدُ حَيٌّ.
- وَأَعْطَى إِبْرَاهِيمُ إِسْحَاقَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ: أعطى إبراهيم ثروته لإسحاق، وأعطاه أيضًا الوعد بالأرض التي وعده بها الله (وَصَرَفَهُمْ عَنْ إِسْحَاقَ ٱبْنِهِ شَرْقًا إِلَى أَرْضِ ٱلْمَشْرِقِ).
- وَأَمَّا بَنُو ٱلسَّرَارِيِّ … فَأَعْطَاهُمْ إِبْرَاهِيمُ عَطَايَا: إنَّ العلاقة المماثلة الوحيدة في حياة إبراهيم التي نعرف عنها كانت مع هاجر (تكوين ١:١٦-٤). ربَّما في هذا إشارة أيضًا إلى قطُورة، لكن نعلَم أنَّه بالرغم من كونها زوجة إبراهيم (تكوين ١:٢٥)، فبالنسبة لوعد العهد الإلهيّ ونسله لم تكُن على نفس المستوى كسَارة.
ج) الآيات (٧-١١): موت إبراهيم ودفنه.
٧وَهَذِهِ أَيَّامُ سِنِي حَيَاةِ إِبْرَاهِيمَ ٱلَّتِي عَاشَهَا: مِئَةٌ وَخَمْسٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً. ٨وَأَسْلَمَ إِبْرَاهِيمُ رُوحَهُ وَمَاتَ بِشَيْبَةٍ صَالِحَةٍ، شَيْخًا وَشَبْعَانَ أَيَّامًا، وَٱنْضَمَّ إِلَى قَوْمِهِ. ٩وَدَفَنَهُ إِسْحَاقُ وَإِسْمَاعِيلُ ٱبْنَاهُ فِي مَغَارَةِ ٱلْمَكْفِيلَةِ فِي حَقْلِ عِفْرُونَ بْنِ صُوحَرَ ٱلْحِثِّيِّ ٱلَّذِي أَمَامَ مَمْرَا، ١٠ٱلْحَقْلِ ٱلَّذِي ٱشْتَرَاهُ إِبْرَاهِيمُ مِنْ بَنِي حِثٍّ. هُنَاكَ دُفِنَ إِبْرَاهِيمُ وَسَارَةُ ٱمْرَأَتُهُ. ١١وَكَانَ بَعْدَ مَوْتِ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ ٱللهَ بَارَكَ إِسْحَاقَ ٱبْنَهُ. وَسَكَنَ إِسْحَاقُ عِنْدَ بِئْرِ لَحَيْ رُئِي.
- وَأَسْلَمَ إِبْرَاهِيمُ رُوحَهُ وَمَاتَ: اختفى إبراهيم من المشهد، كونَهُ واحدًا من أبرز الشخصيَّات وأهمّها في الكتاب المقدَّس. ذُكِر ٧٠ مرَّةً في العهد الجديد فقط. وحدَهُ موسى ذُكِر أكثر المرَّات في العهد الجديد (٨٠ مرَّة).
- وَمَاتَ بِشَيْبَةٍ صَالِحَةٍ، شَيْخًا وَشَبْعَانَ أَيَّامًا: عاش إبراهيم حياةً ملحوظة طويلة، مِئَةٌ وَخَمْسٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً .بمقاييس عديدة، لم تكن حياته مثاليَّة لكنَّه كان رجُلَ إيمانٍ، رجُلًا له علاقة حقيقيَّة مع الله في طاعةٍ استثنائيَّة، وخليلًا حقيقيًّا لله (٢ أخبار الأيَّام ٧:٢٠ ويعقوب ٢٣:٢).
- كتب آدم كلارك (Adam Clarke) رثاءً جيِّدا لإبراهيم: “كَونَهُ يفوق الجميع كـ رجلِ الله، فهو يقف من دون منافس؛ وبكلِّ المعايير الكتابيَّة السَّامية والكاملة، في إنجيل يسوع المسيح، هو مُقترَحٌ كـ نموذج وكـ نمطٍ يُبنى عليهما إيمان وطاعة واحتمال المؤمنين بالمسيَّا. قارئي، بينما تنظر بفخرٍ إلى الرجُل، لا تنسى الله الَّذي صنعه عظيمًا وحسنًا ونافعًا. حتَّى إبراهيم لم يمتلك أيَّ شيءٍ إلَّا الَّذي أُعطيَ له؛ فمن رحمة الله التي لا نستحقّها ينبع كلّ أمرٍ سامٍ؛ لكنَّه كان عاملًا مع الله، لذلك لم ينَل نعمة الله عبثًا. إذهب وآمِن وأحبب وأطِع واصبر بطريقةٍ مماثلة.”
- وَكَانَ بَعْدَ مَوْتِ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ ٱللهَ بَارَكَ إِسْحَاقَ ٱبْنَهُ: كان إبراهيم رجلًا عظيمًا، لكنَّه كان إنسانًا فقط. إنَّ عمل الله ينتقل من جيلٍ إلى آخَر. الآن، سيحمل الله عمل العهد هذا الَّذي وعد به إبراهيم إلى إسحاق.
د ) الآيات (١٢-١٨): حياة ونسل إسماعيل.
١٢وَهَذِهِ مَوَالِيدُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، ٱلَّذِي وَلَدَتْهُ هَاجَرُ ٱلْمِصْرِيَّةُ جَارِيَةُ سَارَةَ لِإِبْرَاهِيمَ. ١٣وَهَذِهِ أَسْمَاءُ بَنِي إِسْمَاعِيلَ بِأَسْمَائِهِمْ حَسَبَ مَوَالِيدِهِمْ: نَبَايُوتُ بِكْرُ إِسْمَاعِيلَ، وَقِيدَارُ، وَأَدَبْئِيلُ وَمِبْسَامُ ١٤وَمِشْمَاعُ وَدُومَةُ وَمَسَّا ١٥وَحَدَارُ وَتَيْمَا وَيَطُورُ وَنَافِيشُ وَقِدْمَةُ. ١٦هَؤُلَاءِ هُمْ بَنُو إِسْمَاعِيلَ، وَهَذِهِ أَسْمَاؤُهُمْ بِدِيَارِهِمْ وَحُصُونِهِمْ. ٱثْنَا عَشَرَ رَئِيسًا حَسَبَ قَبَائِلِهِمْ. ١٧وَهَذِهِ سِنُو حَيَاةِ إِسْمَاعِيلَ: مِئَةٌ وَسَبْعٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً، وَأَسْلَمَ رُوحَهُ وَمَاتَ وَٱنْضَمَّ إِلَى قَوْمِهِ. ١٨وَسَكَنُوا مِنْ حَوِيلَةَ إِلَى شُورَ ٱلَّتِي أَمَامَ مِصْرَ حِينَمَا تَجِيءُ نَحْوَ أَشُّورَ. أَمَامَ جَمِيعِ إِخْوَتِهِ نَزَلَ.
- وَهَذِهِ مَوَالِيدُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ: نرى هنا تسمية أبناء إسماعيل الاثنَي عشر. وبأبناءٍ كثيرين سيحملون اسمَ عائلته، نُدرِك أنَّ إسماعيل كان رجُلًا مُبارَكًا. بالرغم من ذلك، لم يتبارَك إسماعيل ببركة الميراث الَّذي صار بالوعد لإبراهيم.
- ٱثْنَا عَشَرَ رَئِيسًا حَسَبَ قَبَائِلِهِمْ … مِئَةٌ وَسَبْعٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً، وَأَسْلَمَ رُوحَهُ وَمَاتَ وَٱنْضَمَّ إِلَى قَوْمِهِ … أَمَامَ جَمِيعِ إِخْوَتِهِ نَزَلَ: تشير جميع هذه الأوصاف إلى كَم كان إسماعيل رجلًا مُبارَكًا. وبالرغم من أنَّه لم يحصل على العهد الَّذي لإبراهيم، لكن كانت بركة الرَّبِّ ويده معه.
ثانيًا. أبناء إسحاق: يعقوب وعيسو
أ ) الآيات (١٩-٢٣): الحبَل بيعقوب وعيسو.
١٩وَهَذِهِ مَوَالِيدُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ: وَلَدَ إِبْرَاهِيمُ إِسْحَاقَ. ٢٠وَكَانَ إِسْحَاقُ ٱبْنَ أَرْبَعِينَ سَنَةً لَمَّا ٱتَّخَذَ لِنَفْسِهِ زَوْجَةً، رِفْقَةَ بِنْتَ بَتُوئِيلَ ٱلْأَرَامِيِّ، أُخْتَ لَابَانَ ٱلْأَرَامِيِّ مِنْ فَدَّانِ أَرَامَ. ٢١وَصَلَّى إِسْحَاقُ إِلَى ٱلرَّبِّ لِأَجْلِ ٱمْرَأَتِهِ لِأَنَّهَا كَانَتْ عَاقِرًا، فَٱسْتَجَابَ لَهُ ٱلرَّبُّ، فَحَبِلَتْ رِفْقَةُ ٱمْرَأَتُهُ. ٢٢وَتَزَاحَمَ ٱلْوَلَدَانِ فِي بَطْنِهَا، فَقَالَتْ: «إِنْ كَانَ هَكَذَا فَلِمَاذَا أَنَا؟» فَمَضَتْ لِتَسْأَلَ ٱلرَّبَّ. ٢٣فَقَالَ لَهَا ٱلرَّبُّ: «فِي بَطْنِكِ أُمَّتَانِ، وَمِنْ أَحْشَائِكِ يَفْتَرِقُ شَعْبَانِ: شَعْبٌ يَقْوَى عَلَى شَعْبٍ، وَكَبِيرٌ يُسْتَعْبَدُ لِصَغِيرٍ».
- وَصَلَّى إِسْحَاقُ إِلَى ٱلرَّبِّ لِأَجْلِ ٱمْرَأَتِهِ لِأَنَّهَا كَانَتْ عَاقِرًا: حتَّى ابنُ الموعِد لم يحصل على بركات الموعد بسهولة. جاءت هذه البركات بالانتظار والصلاة. يمكننا أن نثق بأنَّ صلاة الزوج وزوجته يمكن أن تكون لها فعاليَّة خاصَّة.
- فَٱسْتَجَابَ لَهُ ٱلرَّبُّ، فَحَبِلَتْ رِفْقَةُ ٱمْرَأَتُهُ: استُجيبت هذه الصلاة، لكن بعد حوالي ٢٠ سنة من زواج إسحاق ورفقة (تكوين ٢٠:٢٥، ٢٦). امتُحِن إيمانهما وصبرهما في الصلاة وكَبُر هذا الإيمان مع مرورِ سنينٍ عديدة. بالإضافة إلى ذلك، نلاحظ أنَّ يعقوب وعيسو كانا الابنَين الوحيدَين لإسحاق ورفقة.
- فَمَضَتْ لِتَسْأَلَ ٱلرَّبَّ: يبدو أنَّ الصراع أو التَّزاحم الَّذي كان يحدث في بطن رفقة جعلها تسأل الرَّبّ. وعندما سألته، تكلَّم الرَّبُّ إليها عن عدد الأولاد في بطنها وجنسهم ومصيرهم.
- جيِّدٌ أن نشتهي أن يُكلِّمنا الرَّبَّ، لكنَّنا يجب أن نُدرِك أيضًا أننَّا، أحيانًا كثيرة، لا نسمع الله بوضوح. نثق بقدراتنا على سماع الرَّبِّ، وننسى سهولة التوقُّف عن السمع عندما يريد الرَّبّ أن يستمرَّ بالكلام. قد نزيد على ما يقوله الرَّبّ أو نسمع ما قالَهُ بوضوح لكنَّنا نُسيء فهم الكلام والتوقيت وتطبيق ما يُريده منَّا.
- في العلاقة المرتبطة بكلمة الله الأبديَّة (كما هي الحال مع رفقة هنا)، أعطانا الله هبةً فريدة للإصغاء الكامل، تلك الهبة المتعلِّقة بإعلان كلمته المكتوبة.
- فِي بَطْنِكِ أُمَّتَانِ: ما قاله الله كان مُبسَّطًا؛ ستلِد رفقة توأمَين. وكلُّ توأمٍ سيصيرُ شعبًا. شعبٌ يقوى على شعب، والصغير يكون أعظم من الكبير.
- تقول الأساطير اليهوديَّة أنَّ عيسو ويعقوب حاولا قتل أحدهما الآخَر في بطن رفقة. أيضًا، في كلِّ مرَّةٍ كانت رفقة تقترب من مذبحٍ وثنيّ، كان يرتكض عيسو في بطنها، وعندما تقترب من مكانٍ حيث يُعبَد الرَّبّ، كان يرتكض يعقوب في بطنها. بالطبع، لا ينبغي اعتبار هذه القصص الخياليَّة أكثر من مجرَّد أساطير.
- وَكَبِيرٌ يُسْتَعْبَدُ لِصَغِيرٍ: في هذه الحالة، اختار الله أن يكسُرَ العُرف المتَّبَع بأن يخدم الصغير الكبير. في رومية ١٠:٩-١٣، استخدم الرَّسُول بولس اختيار يعقوب وعيسو قبل ولادتهما كنموذجٍ على سلطان الله في الاختيار.
- إنَّ اختيار الله لإسحاق بدلًا من إسماعيل يبدو منطقيًّا بالنسبة إلينا. لكنَّ اختيار الله ليعقوب بدلًا من عيسو، بالنسبة إلى مَن منهما سيكون وريثًا للخلاص في العهد الإلهيّ، كان صحيحًا تمامًا بالرغم من أنَّه كان يبدو غير منطقيٍّ في بعض النواحي.
- كتب بولس أنَّ اختيار الله لم يكن مبنيًّا على أداء يعقوب أو عيسو. لقد تمَّ الاختيار قبل ولادتهما: لِأَنَّهُ وَهُمَا لَمْ يُولَدَا بَعْدُ، وَلَا فَعَلَا خَيْرًا أَوْ شَرًّا، لِكَيْ يَثْبُتَ قَصْدُ ٱللهِ حَسَبَ ٱلِٱخْتِيَارِ، لَيْسَ مِنَ ٱلْأَعْمَالِ بَلْ مِنَ ٱلَّذِي يَدْعُو (رومية ١١:٩).
- أعلن الله هذه النيَّات لرفقة قبل ولادة التَّوأمين (وَكَبِيرٌ يُسْتَعْبَدُ لِصَغِيرٍ)، وكرَّر حُكمَه بعد فترةٍ طويلة من موتهما (أَحْبَبْتُكُمْ، قَالَ ٱلرَّبُّ. وَقُلْتُمْ: بِمَ أَحْبَبْتَنَا؟ أَلَيْسَ عِيسُو أَخًا لِيَعْقُوبَ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، وَأَحْبَبْتُ يَعْقُوبَ وَأَبْغَضْتُ عِيسُوَ، وَجَعَلْتُ جِبَالَهُ خَرَابًا وَمِيرَاثَهُ لِذِئَابِ ٱلْبَرِّيَّةِ؟ (ملاخي ٢:١-٣).
- يعترض البعض على عدالة الله في هذا الاختيار بين يعقوب وعيسو حتَّى قبل الولادة. لكن يجب أن ننظر إلى المحبَّة و الكراهيَّة التي تكلَّم الله عنهما في ملاخي ٢:١-٣ ورومية ٩: ١٠-١٣ في ضوء قصده في الاختيار – اختيار أولئك الَّذين سيُصبحون ورثة للعهد الَّذي بحسب الوعد الَّذي أُعطيَ لإبراهيم. في هذا الإطار، إنَّنا نرى بوضوحٍ اختيار الله الَّذي يُظهِر محبَّةً تجاه يعقوب و كراهيَّةً تجاه عيسو. أمَّا الفكر الرئيسيّ في ملاخي ١ ورومية ٩ فيتمحوَر حول مبدأ ‘القبول’ أو ‘الرفض’ أكثر من مبدأ ’المحبَّة‘ أو ’الكراهيَّة.‘
- لم يكره الله عيسو بمعنى أنَّه لعنه لحياةٍ مُحتَّمة في هذا العالَم أو الآتي. وللإنصاف، كان عيسو رجُلًا مُباركًا وفي بعض الحالات أكثر تأقلُمًا مع بيئته من يعقوب (تكوين ٤:٣٣-٩). لكن، بالنسبة إلى ميراث العهد، لسنا مُخطئين إن اعتبرنا أنَّ الله ‘أحبَّ’ يعقوب و ’أبغض‘ عيسو.
- “قالت إحدى السيِّدات لسبيرجن (Spurgeon) ذات مرَّة، ’لا يمكنني أن أفهم لماذا يقول الله أنَّه أبغض عيسو؟‘ أجابها سبيرجن، ’هذا ليس صعبًا، سيِّدتي. مُشكلتي هي في فهم كيف أمكن الله أن يُحبَّ يعقوب.‘” نيويل (Newell) في رومية، عددًا بعدد.
- إنَّ الخطأ الجسيم الَّذي نقع فيه جميعنا هو ظنُّنا أنَّ اختيار الله هو اعتباطيّ أو تعسُّفيّ، وكأنَّ اختياراته كانت عشوائيَّة وبلا معنًى. يختار الله بناءً على حكمتهِ الإلهيَّة ومحبَّتهِ وصلاحهِ. قد لا نفهم أحيانًا كثيرة أسباب الله في الاختيار، فهذه الأسباب هو وحده يعلمها ويفهمها. إلَّا أنَّ اختيارات الله ليست عشوائيَّة أو مُتقلِّبة.
ب) الآيات (٢٤-٢٦): ولادة يعقوب وعيسو.
٢٤فَلَمَّا كَمُلَتْ أَيَّامُهَا لِتَلِدَ إِذَا فِي بَطْنِهَا تَوْأَمَانِ. ٢٥فَخَرَجَ ٱلْأوَّلُ أَحْمَرَ، كُلُّهُ كَفَرْوَةِ شَعْرٍ، فَدَعَوْا ٱسْمَهُ «عِيسُوَ». ٢٦وَبَعْدَ ذَلِكَ خَرَجَ أَخُوهُ وَيَدُهُ قَابِضَةٌ بِعَقِبِ عِيسُو، فَدُعِيَ ٱسْمُهُ «يَعْقُوبَ». وَكَانَ إِسْحَاقُ ٱبْنَ سِتِّينَ سَنَةً لَمَّا وَلَدَتْهُمَا.
- إِذَا فِي بَطْنِهَا تَوْأَمَانِ: إنَّ حقيقة الوعد غير المنظور تُمِّمَت بأمرٍ يمكن رؤيته.عندما حان وقت ولادتهما، إذا في بطن رفقة توأمان حقًّا، فتأكَّدت كلمة الله.
- فَخَرَجَ ٱلْأوَّلُ أَحْمَرَ: كانت الظروف المحيطة بولادة كلٍّ منهما مسؤولة عن تسميتهما. فاسمُ عيسو يعني أَحْمر، كلُّه كَفَرْوَةِ شَعرٍ. واسمُ يعقوب يرجع إلى الطريقة التي كانت فيها يدا يعقوب تُمسكان بعَقِب عيسو أخيه.
- بالإضافة إلى ذلك، إنَّ فكرة ‘قابض العَقِب’ كانت تعني شيئًا في تلك الأيَّام. تحمل هذه الفكرة معنى ‘المحتال’ أو ‘المخادِع’ أو ‘الوغد’ أو ‘النذل.’ لم تكُن هذه مُجاملة.
ج) الآيات (٢٧-٢٨): شخصيَّات يعقوب وعيسو المختلِفة.
٢٧فَكَبِرَ ٱلْغُلَامَانِ، وَكَانَ عِيسُو إِنْسَانًا يَعْرِفُ ٱلصَّيْدَ، إِنْسَانَ ٱلْبَرِّيَّةِ، وَيَعْقُوبُ إِنْسَانًا كَامِلًا يَسْكُنُ ٱلْخِيَامَ. ٢٨فَأَحَبَّ إِسْحَاقُ عِيسُوَ لِأَنَّ فِي فَمِهِ صَيْدًا، وَأَمَّا رِفْقَةُ فَكَانَتْ تُحِبُّ يَعْقُوبَ.
- وَكَانَ عِيسُو إِنْسَانًا يَعْرِفُ ٱلصَّيْدَ، إِنْسَانَ ٱلْبَرِّيَّةِ، وَيَعْقُوبُ إِنْسَانًا كَامِلًا: كالكثيرين من الإخوة ضِمن العائلة الواحِدة، كان يعقوب وعيسو مُختلِفَين في الشخصيَّة والذَوق. وكما هي الحال في بعض الأحيان، كان لكلِّ والدٍ طفلُه المفضَّل.
- وَيَعْقُوبُ إِنْسَانًا كَامِلًا: إنَّ الكلمة العبريَّة كَامِلًا تعني ‘اكتمالًا’ بدلًا من شخصٍ ما ضعيف أو مُخنَّث. فالكلمة العبريَّةtam (كَامِلًا) استُخدِمت في سفر أيوب ٨:١: فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: هَلْ جَعَلْتَ قَلْبَكَ عَلَى عَبْدِي أَيُّوبَ؟ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُهُ فِي ٱلْأَرْضِ. رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ، يَتَّقِي ٱللهَ وَيَحِيدُ عَنِ ٱلشَّرِّ.
د ) الآيات (٢٩-٣٤): يبيع عيسو البكوريَّة ليعقوب.
٢٩وَطَبَخَ يَعْقُوبُ طَبِيخًا، فَأَتَى عِيسُو مِنَ ٱلْحَقْلِ وَهُوَ قَدْ أَعْيَا .٣٠فَقَالَ عِيسُو لِيَعْقُوبَ: «أَطْعِمْنِي مِنْ هَذَا ٱلْأَحْمَرِ لِأَنِّي قَدْ أَعْيَيْتُ». لِذَلِكَ دُعِيَ ٱسْمُهُ «أَدُومَ». ٣١فَقَالَ يَعْقُوبُ: «بِعْنِي ٱلْيَوْمَ بَكُورِيَّتَكَ». ٣٢فَقَالَ عِيسُو: «هَا أَنَا مَاضٍ إِلَى ٱلْمَوْتِ، فَلِمَاذَا لِي بَكُورِيَّةٌ؟» ٣٣فَقَالَ يَعْقُوبُ: «ٱحْلِفْ لِيَ ٱلْيَوْمَ». فَحَلَفَ لَهُ، فَبَاعَ بَكُورِيَّتَهُ لِيَعْقُوبَ. ٣٤فَأَعْطَى يَعْقُوبُ عِيسُوَ خُبْزًا وَطَبِيخَ عَدَسٍ، فَأَكَلَ وَشَرِبَ وَقَامَ وَمَضَى. فَٱحْتَقَرَ عِيسُو ٱلْبَكُورِيَّةَ.
- وَطَبَخَ يَعْقُوبُ طَبِيخًا، فَأَتَى عِيسُو مِنَ ٱلْحَقْلِ: هنا، تصرَّف كلُّ ابنٍ بشكلٍ مُنسجمٍ مع ميوله الطبيعيَّة. اصطاد عيسو وطبخ يعقوب.
- بِعْنِي ٱلْيَوْمَ بَكُورِيَّتَكَ: عرف يعقوب أنَّ البكوريَّة كانت ثمينة وأرادها. فبعض المقاطع مثل تثنية ١٧:٢١ و١ أخبار ١:٥-٢ تقول لنا أنَّ البكوريَّة ترتبط بديناميكيَّة مادِّيَّة وروحيَّة. كان الابن البكر محظوظًا بنواله حصَّتَين من الميراث، بالإضافة إلى ترأُّسه للعائلة واعتباره قائدًا روحيًّا عند انتقال الأب.
- في حالة هذه العائلة، حدَّدت البكوريَّة مَن يرث عهد الله مع إبراهيم؛ عهد الأرض والأمَّة والمسيَّا.
- هَا أَنَا مَاضٍ إِلَى ٱلْمَوْتِ: لم يفتكر عيسو أنَّ جوعه سيؤدِّي به إلى الموت. كانت الفكرة التالية: “بما أنَّني سأموت في يومٍ من الأيَّام، ما المنفعة من بكوريَّتي؟”
- ٱحْلِفْ لِيَ ٱلْيَوْمَ: تصرَّف يعقوب نسبةً إلى مَعنى اسمه، كقابض العَقِب. كان يتصرَّف كوغدٍ وكنذلٍ باستغلاله لأخيه.
- كان يعقوب مُذنِبًا في التَّخطيط لأعمالِ الجسد كي يربح شيئًا قال الله أنَّه يمتلكه بالفعل. بالرغم من ذلك، يجب أن نتذكَّر أنَّ الملامة الكبرى تقع على عاتق عيسو الَّذي ٱحْتَقَرَ ٱلْبَكُورِيَّةَ.
- بحسب ليوبولد، جذبَ مارتن لوثر الانتباه إلى حقيقةٍ هامَّة: لم تكن هذه معاملة صالحة، ذلك لأنَّ يعقوب حاول أن يشتري ما يملكه أصلًا وعيسو حاول أن يبيع شيئًا لا يمتلكه.
- فَبَاعَ بَكُورِيَّتَهُ لِيَعْقُوبَ: لم يُفكِّر عيسو إلَّا قليلًا بالميراث الروحيّ المتعلِّق بالبكوريَّة. فقد ثمَّن الأشياء المادِّيَّة، لذلك لم تعنِ له البكوريَّة الروحيَّة أيَّ شيءٍ عندما كانت مَعِدته خاوية. كثيرون، إن لم نقُل معظم الناس، يُقلِّلون من قيمة الأمور الروحيَّة.
- “يشهد التَّاريخ على رجالٍ يُفضِّلون الأوهام على الحقائق ويختارون الآن بدل الأبديَّة، وملذَّات الخطيَّة إلى حين بدل أفراح الله الأبديَّة. يقرأ الناس النفاية بدل كلمة الله ويلتزمون بنظام الأولويَّات الَّذي يُبعِد الله عن حياتهم. كثيرون من الرجال يقضون أوقاتًا طويلة في الحلاقة، مثلًا، بدل الاهتمام بأرواحهم؛ والعديد من النساء يقضين أوقاتًا طويلة في التَّبرُّج بدل الاهتمام بأبديَّتهنَّ الروحيَّة. لا يزال الكثيرون يبيعون بكوريَّتهم مقابل قِدْرٍ من الفوضى.” بارنهاوس (Barnhouse)
- من الناحية الروحيَّة، كثيرون اليوم يحتقرون بكوريَّتهم. تشير كلمات أفسس ٣:١-١٤ إلى كنزٍ من الغنى نمتلكه في بكوريَّتنا في المسيح يسوع:
- كلُّ بركةٍ روحيَّة.
- بركة الاختيار في المسيح يسوع.
- التَّبنِّي والانتماء إلى عائلة الله.
- القبول الكامل من الله في المسيح يسوع.
- الخلاص من عبوديَّة الخطيَّة.
- غفران حقيقيّ وكامل.
- غنى نعمة الله.
- إعلان ومعرفة سرّ مشيئة الله.
- ميراثٌ أبديٌّ.
- ضمان الامتلاء بالروح القدس.
- هناك الكثيرون، الَّذين لا يمكن إحصاؤهم، مِمَّن يُهمِلون أو يُتاجرون ببكوريَّتهم مُقابل تسليةٍ بَخسَة ورخيصة وشهرةً آنيَّة وملذَّاتٍ زائلة.
- فَٱحْتَقَرَ عِيسُو ٱلْبَكُورِيَّةَ: إنَّ شخصيَّة عيسو كزانٍ مُستبيح وشخصٍ دنسٍ مُستهتِر (بحسب سفر العبرانيِّين ١٦:١٢) تُظهِر صواب اختيار الله ليعقوب بدلًا من عيسو في حَمل البكوريَّة، بالرغم من أنَّ يعقوب كان الأصغَر.
- بالرغم من أنَّ شخصيَّة عيسو لم تكن أساس اختيار الله (اختار يعقوب بدلًا من عيسو قبل ولادتهما)، أظهرَت شخصيَّة عيسو في نهاية المطاف حكمة الاختيار الإلهيّ.