سفر التكوين – الإصحاح ٢٦
يُخطئُ إسحاق كإبراهيم
أولًا. يُكرِّر إسحاق أخطاء إبراهيم
أ ) الآية (١): يتفاعل إسحاق مع الجوع بذهابهِ إلى مصر.
١وَكَانَ فِي ٱلْأَرْضِ جُوعٌ غَيْرُ ٱلْجُوعِ ٱلْأَوَّلِ ٱلَّذِي كَانَ فِي أَيَّامِ إِبْرَاهِيمَ، فَذَهَبَ إِسْحَاقُ إِلَى أَبِيمَالِكَ مَلِكِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ، إِلَى جَرَارَ.
- وَكَانَ فِي ٱلْأَرْضِ جُوعٌ: بالرغم من أنَّ إسحاق كان يعيش في الأرض التي وعد بها الله أبيه، إبراهيم ونسله، لم يعني هذا بأنَّ الحياة ستكون خاليةٌ من المشاكل أو التَّحدِّيات. وكما كان هناك جوعٌ في أيَّام إبراهيم (تكوين ١٠:١٢)، كان هناك أيضًا جوعٌ في أيَّام إسحاق.
- فَذَهَبَ إِسْحَاقُ إِلَى أَبِيمَالِكَ مَلِكِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ، إِلَى جَرَارَ: بدأ إسحاق بالتَّرحال جنوبًا نحو مصر، تمامًا كما فعل إبراهيم في أيَّام الجوع (تكوين ١٠:١٢). يبدو أن إسحاق كان يفكر في السفر باستخدام الطريق الشهير بين مصر وكنعان الذي كان على طول البحر الأبيض المتوسط.
- كانت منطقة جَرَار نفس المكان الَّذي التقى فيه أبو إسحاق، إبراهيم، بأُمِّ إسحاق (تكوين ١:٢٠-١٨). قصَّةٌ مُشابِهة، مُشابِهة في طريقة تصرُّف الرجُل وطريقة مُعاملات الله مع ابن إبراهيم.
- كان حاكِم جرار يُدعى أَبِيمَالِكَ وذلك كمقامٍ وليس كاسمٍ. لهذا السبب بالذات تعامل كلٌّ من إبراهيم وإسحاق مع شخصٍ اسمُه أو لقَبُه أبيمالك (تكوين ٢٠، ٢٦).
ب) الآيات (٢-٥): يُعلِن الله العهد لإسحاق.
٢وَظَهَرَ لَهُ ٱلرَّبُّ وَقَالَ: «لَا تَنْزِلْ إِلَى مِصْرَ. ٱسْكُنْ فِي ٱلْأَرْضِ ٱلَّتِي أَقُولُ لَكَ. ٣تَغَرَّبْ فِي هَذِهِ ٱلْأَرْضِ فَأَكُونَ مَعَكَ وَأُبَارِكَكَ، لِأَنِّي لَكَ وَلِنَسْلِكَ أُعْطِي جَمِيعَ هَذِهِ ٱلْبِلَادِ، وَأَفِي بِٱلْقَسَمِ ٱلَّذِي أَقْسَمْتُ لِإِبْرَاهِيمَ أَبِيكَ. ٤وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ كَنُجُومِ ٱلسَّمَاءِ، وَأُعْطِي نَسْلَكَ جَمِيعَ هَذِهِ ٱلْبِلَادِ، وَتَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ ٱلْأَرْضِ، ٥مِنْ أَجْلِ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ سَمِعَ لِقَوْلِي وَحَفِظَ مَا يُحْفَظُ لِي: أَوَامِرِي وَفَرَائِضِي وَشَرَائِعِي».
- لَا تَنْزِلْ إِلَى مِصْرَ: وكما كان إسحاق مُرتحلًا جنوبًا، حذَّره الله من السَّير قُدُمًا. كان على إسحاق أن يعيش دائمًا فِي ٱلْأَرْضِ التي قال الله عنها. كان على ابن الموعد أن يعيش دائمًا في أرض الموعد؛ وإذا أطاع إسحاق، سيكون الله معه وسيُباركه.
- وَأَفِي بِٱلْقَسَمِ ٱلَّذِي أَقْسَمْتُ لِإِبْرَاهِيمَ أَبِيكَ: نظريًّا، كان من الممكِن للعهد أن ينتهي بموت إبراهيم، لكنَّ الله كان أمينًا لكلمته. فالعهد الَّذي صنعه الله مع إبراهيم لم يكُن ليشمل إبراهيم وحَسْب، بل نسله المختار أيضًا (تكوين ٧:١٧-٨). حقَّق هذا وعدًا خاصًّا قُطِعَ في تكوين ١٩:١٧.
- يحتوي هذا التَّكرار الرسميّ للعهد على ثلاث خواصٍ سُجِّلت أوَّلًا في تكوين ٢:١٢-٣ وكُرِّرت فيما بعد، بما فيها الوعد:
- بالأرض (جَمِيعَ هَذِهِ ٱلْبِلَادِ).
- بالأمَّة (وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ كَنُجُومِ ٱلسَّمَاءِ).
- بالبركة (وَتَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ ٱلْأَرْضِ).
- يحتوي هذا التَّكرار الرسميّ للعهد على ثلاث خواصٍ سُجِّلت أوَّلًا في تكوين ٢:١٢-٣ وكُرِّرت فيما بعد، بما فيها الوعد:
- مِنْ أَجْلِ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ سَمِعَ لِقَوْلِي وَحَفِظَ مَا يُحْفَظُ لِي: قال الله بأنَّه حفِظ العهد مع إسحاق بسبب طاعة إبراهيم. إذا ألقينا نظرةً عن كثَب على حياة إبراهيم، نُدرِك أنَّ طاعتَهُ لم تكُن كاملة أو مُستمرَّة؛ ومع ذلك، فقد لاحظَها الله.
- يُمكِن أن يقول الله هذا عن إبراهيم لأنَّه حُسِب بارًّا بالإيمان (تكوين ٦:١٥)؛ وبقدَر اهتمام الله، يُمكِن أن يُقال أنَّ كلَّ ما رآه الله في إبراهيم كان البرَّ الَّذي في يسوع المسيح.
ج) الآيات (٦-٨): يأخذ أبيمالك رفقة لأنَّ إسحاق قال عنها أنَّها أخته.
٦فَأَقَامَ إِسْحَاقُ فِي جَرَارَ. ٧وَسَأَلَهُ أَهْلُ ٱلْمَكَانِ عَنِ ٱمْرَأَتِهِ، فَقَالَ: «هِيَ أُخْتِي». لِأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَقُولَ: «ٱمْرَأَتِي» لَعَلَّ أَهْلَ ٱلْمَكَانِ: «يَقْتُلُونَنِي مِنْ أَجْلِ رِفْقَةَ» لِأَنَّهَا كَانَتْ حَسَنَةَ ٱلْمَنْظَرِ. ٨وَحَدَثَ إِذْ طَالَتْ لَهُ ٱلْأَيَّامُ هُنَاكَ أَنَّ أَبِيمَالِكَ مَلِكَ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ أَشْرَفَ مِنَ ٱلْكُوَّةِ وَنَظَرَ، وَإِذَا إِسْحَاقُ يُلَاعِبُ رِفْقَةَ ٱمْرَأَتَهُ.
- فَأَقَامَ إِسْحَاقُ فِي جَرَارَ: أطاع إسحاق تحذير الله وبقيَ في الأرض؛ ومع ذلك عاش بين شعوب كنعان، أكثر قُربًا منهم من ذي قبل، الأمر الَّذي جلب له المشاكل.
- فَقَالَ: «هِيَ أُخْتِي». لِأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَقُولَ: «ٱمْرَأَتِي»: انحدَر إسحاق من اختبارٍ روحيٍّ سامٍ (تكوين ١:٢٦-٥) إلى هذه الخطيَّة الصَّارخة بسب ضعفه الجسديّ، وأيضًا بسبب مثالِ أبيه السيِّء.
- بطرس، الَّذي باعترافه ومشورته السيِّئة بيسوع المسيح، كان مثالًا للخطيَّة التي تتغلغل في الإنسان بُعيد انهمار بركة الله. ولسببٍ وجيه، يقول في ١ كورنثوس ١٢:١٠: إِذًا مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ قَائِمٌ، فَلْيَنْظُرْ أَنْ لَا يَسْقُطَ.
- لَعَلَّ أَهْلَ ٱلْمَكَانِ: «يَقْتُلُونَنِي مِنْ أَجْلِ رِفْقَةَ» لِأَنَّهَا كَانَتْ حَسَنَةَ ٱلْمَنْظَرِ: لا يُعلِّم الكتاب المقدَّس بأنَّنا تحت قيدِ أو أسْرِ ما يُعرَف بلعنات الأجيال، لكن غالِبًا ما نجد خطايا الآباء في الأبناء. قد يكون هذا بسبب أنَّ تلك الخطايا الجسديَّة نمَت في نفس البيئة ونُقِشت بروحيَّة الأجيال السَّالفة.
- وَإِذَا إِسْحَاقُ يُلَاعِبُ رِفْقَةَ ٱمْرَأَتَهُ: عندما رأى أبيمالك ذلك، توصَّل إلى النتيجة المنطقيَّة، ألا وهي حقيقة طبيعة العلاقة بينهما.
- لِنَسخة الملك جيمس المنقَّحة ترجمةٌ رائعة في هذا الخصوص، فهي تقول بأنَّ إسحاق كان يُلاعِب رفقة.
د ) الآيات (٩-١١): يُوبَّخ إسحاق من ملكٍ وثنيٍّ تمامًا كأبيه.
٩فَدَعَا أَبِيمَالِكُ إِسْحَاقَ وَقَالَ: «إِنَّمَا هِيَ ٱمْرَأَتُكَ! فَكَيْفَ قُلْتَ: هِيَ أُخْتِي؟» فَقَالَ لَهُ إِسْحَاقُ: «لِأَنِّي قُلْتُ: لَعَلِّي أَمُوتُ بِسَبَبِهَا». ١٠فَقَالَ أَبِيمَالِكُ: «مَا هَذَا ٱلَّذِي صَنَعْتَ بِنَا؟ لَوْلَا قَلِيلٌ لَٱضْطَجَعَ أَحَدُ ٱلشَّعْبِ مَعَ ٱمْرَأَتِكَ فَجَلَبْتَ عَلَيْنَا ذَنْبًا». ١١فَأَوْصَى أَبِيمَالِكُ جَمِيعَ ٱلشَّعْبِ قَائِلًا: «ٱلَّذِي يَمَسُّ هَذَا ٱلرَّجُلَ أَوِ ٱمْرَأَتَهُ مَوْتًا يَمُوتُ».
- إِنَّمَا هِيَ ٱمْرَأَتُكَ: قد يكون أنَّ ما تَفكَّر به إسحاق مُعتقِدًا بأنَّه مخفيٌّ، كان جليًّا للآخرين. غالِبًا ما تكون هذه الحالة مُنتشرة في أواسط شعب الله.
- مَا هَذَا ٱلَّذِي صَنَعْتَ بِنَا؟: بطريقةٍ مُماثلة لتوبيخ فرعون لإبراهيم (تكوين ١٨:١٢-١٩) وتوبيخ سَلَف أبيمالك لإبراهيم (تكوين١٠:٢٠)، وبَّخ حاكم جرَار إسحاق على خداعه.
- ٱلَّذِي يَمَسُّ هَذَا ٱلرَّجُلَ أَوِ ٱمْرَأَتَهُ مَوْتًا يَمُوتُ: وكما حفِظ الله أباه إبراهيم وأُمَّه سارة (حتَّى في خضمِّ هذا السلوك الخاطئ)، حفِظ إسحاق ورفقة.
ثانيًا. يحفر إسحاق الآبار
أ ) الآيات (١٢-١٤): يُصبح إسحاق غنيًّا، كما كان إبراهيم قبله.
١٢وَزَرَعَ إِسْحَاقُ فِي تِلْكَ ٱلْأَرْضِ فَأَصَابَ فِي تِلْكَ ٱلسَّنَةِ مِئَةَ ضِعْفٍ، وَبَارَكَهُ ٱلرَّبُّ. ١٣فَتَعَاظَمَ ٱلرَّجُلُ وَكَانَ يَتَزَايَدُ فِي ٱلتَّعَاظُمِ حَتَّى صَارَ عَظِيمًا جِدًّا. ١٤فَكَانَ لَهُ مَوَاشٍ مِنَ ٱلْغَنَمِ وَمَوَاشٍ مِنَ ٱلْبَقَرِ وَعَبِيدٌ كَثِيرُونَ. فَحَسَدَهُ ٱلْفِلِسْطِينِيُّونَ.
- وَزَرَعَ إِسْحَاقُ فِي تِلْكَ ٱلْأَرْضِ: أُغدِقت البحبوحة على إسحاق كبركةٍ لجهده. ربَّما حصل على ميراثٍ كافٍ من أبيه، الأمر الَّذي يُمكن أن يجعله غير مُحتاجٍ إلى العمل، لكنَّه كان يعمل بالرغم من ذلك، وباركه الله جدًّا فَتَعَاظَمَ ٱلرَّجُل.
- فَحَسَدَهُ ٱلْفِلِسْطِينِيُّونَ: استنبط غنى إسحاق حسدَ جيرانه. كانت هذه مُشكلة أُخرى نابعة من تواجده في عِشرةٍ قريبة مع فلسطينيِّي جرار.
ب) الآيات (١٥-١٧): يترك إسحاق جرار.
١٥وَجَمِيعُ ٱلْآبَارِ، ٱلَّتِي حَفَرَهَا عَبِيدُ أَبِيهِ فِي أَيَّامِ إِبْرَاهِيمَ أَبِيهِ، طَمَّهَا ٱلْفِلِسْطِينِيُّونَ وَمَلَأُوهَا تُرَابًا. ١٦وَقَالَ أَبِيمَالِكُ لِإِسْحَاقَ: «ٱذْهَبْ مِنْ عِنْدِنَا لِأَنَّكَ صِرْتَ أَقْوَى مِنَّا جِدًّا». ١٧فَمَضَى إِسْحَاقُ مِنْ هُنَاكَ، وَنَزَلَ فِي وَادِي جَرَارَ وَأَقَامَ هُنَاكَ.
- وَجَمِيعُ ٱلْآبَارِ … طَمَّهَا ٱلْفِلِسْطِينِيُّونَ وَمَلَأُوهَا تُرَابًا: كانت الآبار غالية، وكانت عمليَّة الحَفر صعبةً ومُكلِفة. لذلك نرى أنَّ تدمير الآبار كان يُعتبَرُ هجومًا جدِّيًّا. يُشير هذا إلى شراسة الحسد الَّذي تميَّز به الفلسطينيُّون تجاه إسحاق.
- حُفِرت هذه الآبار تحديدًا في أيَّام إبراهيم (تكوين ٣٠:٢١) وخدمت إبراهيم وابنه سنواتٍ كثيرة.
- فَمَضَى إِسْحَاقُ مِنْ هُنَاكَ، وَنَزَلَ فِي وَادِي جَرَارَ: لم يُرِد إسحاق الاستمرار في الصراع، فقد كان واثقًا بأنَّ الله سيعتني به إذا مضى من ذلك المكان. وقام بذلك بالفعل، لكن ليس لمسافةٍ بعيدة.
ج) الآيات (١٨-١٩): ينبش إسحاق آبار إبراهيم.
١٨فَعَادَ إِسْحَاقُ وَنَبَشَ آبَارَ ٱلْمَاءِ ٱلَّتِي حَفَرُوهَا فِي أَيَّامِ إِبْرَاهِيمَ أَبِيهِ، وَطَمَّهَا ٱلْفِلِسْطِينِيُّونَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ، وَدَعَاهَا بِأَسْمَاءٍ كَٱلْأَسْمَاءِ ٱلَّتِي دَعَاهَا بِهَا أَبُوهُ. ١٩وَحَفَرَ عَبِيدُ إِسْحَاقَ فِي ٱلْوَادِي فَوَجَدُوا هُنَاكَ بِئْرَ مَاءٍ حَيٍّ.
- فَعَادَ إِسْحَاقُ وَنَبَشَ آبَارَ ٱلْمَاءِ ٱلَّتِي حَفَرُوهَا فِي أَيَّامِ إِبْرَاهِيمَ أَبِيهِ: رجع إسحاق إلى نفس المصادر التي أمَّنت حياة أبيه وامتلكها (تكوين ٢٥:٢١-٣١). تطلَّب نبش الآبار مرَّةً ثانيةً إيمانًا وعملًا والتزامًا وكانت النعمة التي طلبها إسحاق بجدِّيَّةٍ وإصرار موجودة.
- كانت المياه بالنسبة إلى رُعاة المواشي البدو، حتَّى أولئك العظام أمثال إبراهيم وإسحاق، حياتًا. ففي بعض الفصول من السنة، لا يُمكِن أن تستمرَّ الحياة البشريَّة أو الحيوانيَّة من دون مياه الآبار. لم تكُن هذه الآبار ترَفًا، بل حاجةً مُلِحَّة.
- تتواجد هنا صورةٌ قويَّة عن الحياة الروحيَّة. إنَّ المصادر الروحيَّة التي أمَّنت استمراريَّة الأجيال السَّالفة مُؤمَّنةٌ لنا اليوم إذا بحثنا عنها بالإيمان وبالعمل وبالالتزام.
- وَدَعَاهَا بِأَسْمَاءٍ كَٱلْأَسْمَاءِ ٱلَّتِي دَعَاهَا بِهَا أَبُوهُ: كرَّم إسحاق هذه النعمة التي حصل عليها أبوه وذلك بتسميتهِ الآبار بنفس الأسماء.
- باستخدامنا لهذا المشهد كصورةٍ روحيَّة، يُمكِننا القول بأنَّ آبار السلام و القوَّة و النعمة و الحكمة و التَّغيير جميعها مُؤمَّنة للمؤمن اليوم كما كانت في الأجيال السَّابقة. أمَّا السؤال المطروح حاليًّا فهو التالي: هل تمتلك أجيال الحاضر الإيمان والعمل والالتزام لِتَحفُر آبارًا مرَّةً أخرى؟
- فَوَجَدُوا هُنَاكَ بِئْرَ مَاءٍ حَيٍّ: يبدو أنَّ إسحاق وجد شيئًا لم يكتشفه إبراهيم من ذي قَبل. اكتشف إسحاق أفضل نوعِ بئرٍ – بئرًا بمياهٍ جارية. كان هذا أفضل نوعٍ من العناية والنعمة الالهيَّتَين اللَّتَين حصل عليهما إسحاق وكان أبوه إبراهيم يتمتَّع بهما.
د ) الآيات (٢٠-٢٣): الآبار الثلاثة وأسماؤها.
٢٠فَخَاصَمَ رُعَاةُ جَرَارَ رُعَاةَ إِسْحَاقَ قَائِلِينَ: «لَنَا ٱلْمَاءُ». فَدَعَا ٱسْمَ ٱلْبِئْرِ «عِسِقَ» لِأَنَّهُمْ نَازَعُوهُ. ٢١ثُمَّ حَفَرُوا بِئْرًا أُخْرَى وَتَخَاصَمُوا عَلَيْهَا أَيْضًا، فَدَعَا ٱسْمَهَا «سِطْنَةَ». ٢٢ثُمَّ نَقَلَ مِنْ هُنَاكَ وَحَفَرَ بِئْرًا أُخْرَى وَلَمْ يَتَخَاصَمُوا عَلَيْهَا، فَدَعَا ٱسْمَهَا «رَحُوبُوتَ»، وَقَالَ: «إِنَّهُ ٱلْآنَ قَدْ أَرْحَبَ لَنَا ٱلرَّبُّ وَأَثْمَرْنَا فِي ٱلْأَرْضِ». ٢٣ثُمَّ صَعِدَ مِنْ هُنَاكَ إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ.
- فَدَعَا ٱسْمَ ٱلْبِئْرِ «عِسِقَ»: سُمِّيَت البئر الأوَّلى نزاع، ذلك بسبب جَعله الآخرين حسودين. يبدو أنَّه وبالرغم من أنَّ إسحاق أسمَى هذه الآبار بالأسماء التي أُعطيت لها من قِبَل إبراهيم (تكوين ٢٦: ١٨)، إلَّا أنَّه أسمَاها هكذا مُتأثِّرًا بالظروف الحاليَّة.
- فَدَعَا ٱسْمَهَا «سِطْنَةَ»: سُمِّيَت البئر الثانية خصام، وذلك لنفس السبب.
- فَدَعَا ٱسْمَهَا «رَحُوبُوتَ»: سُمِّيَت البئر الثالثة وئام، وذلك بسبب وجوده في مكانٍ ناءٍ بعيدٍ عن المشاكل. رأى إسحاق ذلك كشهادةٍ على أمانة الله وبركته (إِنَّهُ ٱلْآنَ قَدْ أَرْحَبَ لَنَا ٱلرَّبُّ وَأَثْمَرْنَا فِي ٱلْأَرْضِ).
- رأى إسحاق في هذه الآبار ما كانت تعنيه بالفعل: رَحْبُ الله وبركاته. رأى فيها نعمة الله أكثر من مُجرَّد عملٍ مُضني.
- ثُمَّ صَعِدَ مِنْ هُنَاكَ إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ: استخدم الله النزاعات كي يقود إسحاق رجوعًا إلى بئر سبع، حيث كان إبراهيم قبلًا. ولأنَّ الله أظهر مرارًا وتكرارًا أمانته لإسحاق، علِم بأنَّه سيكون مُباركًا ومُثمرًا حيثما قاده الله (وَأَثْمَرْنَا فِي ٱلْأَرْضِ).
- بالطبع، لم يُقلِّل هذا من مسؤوليَّة أولئك الَّذين قاوموا إسحاق بدون وجه حقٍّ. وإن استخدم الله حسدهم الخاطئ تجاه إسحاق، فهو ما زال خطيَّة.
ثالثًا. بركة الله على إسحاق
أ ) الآيات (۲٤-۲٥): يؤكِّد الله وعده لإسحاق من أجل إبراهيم.
٢٤فَظَهَرَ لَهُ ٱلرَّبُّ فِي تِلْكَ ٱللَّيْلَةِ وَقَالَ: «أَنَا إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ أَبِيكَ. لَا تَخَفْ لِأَنِّي مَعَكَ، وَأُبَارِكُكَ وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ مِنْ أَجْلِ إِبْرَاهِيمَ عَبْدِي». ٢٥فَبَنَى هُنَاكَ مَذْبَحًا وَدَعَا بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ. وَنَصَبَ هُنَاكَ خَيْمَتَهُ، وَحَفَرَ هُنَاكَ عَبِيدُ إِسْحَاقَ بِئْرًا.
- فَظَهَرَ لَهُ ٱلرَّبُّ فِي تِلْكَ ٱللَّيْلَةِ: كان لأبي إسحاق، إبراهيم، امتياز التَّمتُّع بعدَّة ظهوراتٍ شخصيَّة للرَّبِّ. يبدو أنَّ هذا الظهور كان الاختبار الأوَّل لإسحاق.
- لَا تَخَفْ لِأَنِّي مَعَكَ: في خضمِّ هذا الجوِّ من النزاعات بين رُعاة إسحاق ورُعاة الفلسطينيِّين، كان خوفُ إسحاق معذورًا. هُنا، يدعو الله إسحاق لأن يضع مخاوفه جانبًا.
- مِنْ أَجْلِ إِبْرَاهِيمَ عَبْدِي: حفظ الله العهد مع إسحاق مِنْ أَجْلِ إِبْرَاهِيم. باعتماد الأسلوب ذاته، يحفظ الله عهده معنا من أجل يسوع المسيح.
- فَبَنَى هُنَاكَ مَذْبَحًا … وَنَصَبَ هُنَاكَ خَيْمَتَهُ … وَحَفَرَ هُنَاكَ … بِئْرًا: سارَ إسحاق على خُطَى أبيه إبراهيم. كانت المذابح والخِيَم علاماتٍ فارقة في حياة إبراهيم، وهي تُشير إلى حياة العبادة والثقة. عاش إسحاق هكذا، دَاعيًا بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ، فتمتَّع ببركةٍ إضافيَّة ألا وهي بئرًا أُخرى.
ب) الآيات (۲٦-۳١): يُبرِم السكَّان الأصليُّون سلامًا مع إسحاق لأنَّ الرَّبَّ كان معه، تمامًا كما حدث مع إبراهيم.
٢٦وَذَهَبَ إِلَيْهِ مِنْ جَرَارَ أَبِيمَالِكُ وَأَحُزَّاتُ مِنْ أَصْحَابِهِ وَفِيكُولُ رَئِيسُ جَيْشِهِ. ٢٧فَقَالَ لَهُمْ إِسْحَاقُ: «مَا بَالُكُمْ أَتَيْتُمْ إِلَيَّ وَأَنْتُمْ قَدْ أَبْغَضْتُمُونِي وَصَرَفْتُمُونِي مِنْ عِنْدِكُمْ؟» ٢٨فَقَالُوا: «إِنَّنَا قَدْ رَأَيْنَا أَنَّ ٱلرَّبَّ كَانَ مَعَكَ، فَقُلْنَا: لِيَكُنْ بَيْنَنَا حَلْفٌ، بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ، وَنَقْطَعُ مَعَكَ عَهْدًا: ٢٩أَنْ لَا تَصْنَعَ بِنَا شَرًّا، كَمَا لَمْ نَمَسَّكَ وَكَمَا لَمْ نَصْنَعْ بِكَ إِلَا خَيْرًا وَصَرَفْنَاكَ بِسَلَامٍ. أَنْتَ ٱلْآنَ مُبَارَكُ ٱلرَّبِّ». ٣٠فَصَنَعَ لَهُمْ ضِيَافَةً، فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا. ٣١ثُمَّ بَكَّرُوا فِي ٱلْغَدِ وَحَلَفُوا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، وَصَرَفَهُمْ إِسْحَاقُ. فَمَضَوْا مِنْ عِنْدِهِ بِسَلَامٍ.
- مَا بَالُكُمْ أَتَيْتُمْ إِلَيَّ وَأَنْتُمْ قَدْ أَبْغَضْتُمُونِي وَصَرَفْتُمُونِي مِنْ عِنْدِكُمْ؟: كان سؤال إسحاق منطقيًّا. لقد طُرِد من جرار بسبب خصام رعاة المواشي. كان له كلُّ العذر ليعتقد بأنَّه لم يكن مُرحَّبًا به – من أجل ذلك توجَّه إلى بئر سبع.
- إِنَّنَا قَدْ رَأَيْنَا أَنَّ ٱلرَّبَّ كَانَ مَعَكَ: قدَّم أبيمالك جوابًا مُدهِشًا. فهو والآخرون الَّذين معه يمكنهم رؤية أنَّ إله العهد، يهوه، كان مع إسحاق وباركه. أتى يسأل سلامًا وبركةً من إسحاق، هذا الرجُل المبارك بشكلٍ رائع، لأنَّه عرف أنَّ الله كان معه، وهو هكذا – كما قيل له – أَنْتَ ٱلْآنَ مُبَارَكُ ٱلرَّبِّ.
- نرى الحكمة العمليَّة الهائلة لأفعال إسحاق. لم يَرُدّ على الشرِّ بالشرِّ، بل سعى إلى اكتشاف تدبير الله على غرار طُرقٍ قديمة.
- فَمَضَوْا مِنْ عِنْدِهِ بِسَلَامٍ: وبعد ضِيَافَةٍ كعلامةٍ لعهد السلام، مضى أبيمالك من عند إسحاق.
ج) الآيات (٣٢-۳٣): بركة الله لإسحاق على شكل بئر.
٣٢وَحَدَثَ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ أَنَّ عَبِيدَ إِسْحَاقَ جَاءُوا وَأَخْبَرُوهُ عَنِ ٱلْبِئْرِ ٱلَّتِي حَفَرُوا، وَقَالُوا لَهُ: «قَدْ وَجَدْنَا مَاءً». ٣٣فَدَعَاهَا «شِبْعَةَ»، لِذَلِكَ ٱسْمُ ٱلْمَدِينَةِ بِئْرُ سَبْعٍ إِلَى هَذَا ٱلْيَوْمِ.
- وَحَدَثَ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ: اعترضت طريقَ إسحاق بركاتٌ كثيرة من الله في آنٍ معًا. فقد اختبر فصلًا غنيًّا من البركات المنهمِرة.
- قَدْ وَجَدْنَا مَاءً: كان إبراهيم رجُل المذابح ويعقوب فسيكون رجُل الخيام. أمَّا إسحاق فكان رجُل الآبار وقد علِمَ بعناية الله الثَّابتة. لقد عرف بالاختبار أنَّ الله سيُؤمِّن احتياجاته بطرقٍ مختلِفة، وليس بطريقةٍ واحدة.
- فَدَعَاهَا «شِبْعَةَ»: “كإسحاق، بعدما شربتَ من مياه ’الخصام‘ و’الكراهيَّة،‘ لا بُدَّ وأن تأتي إلى رَحُوبُوت، حيث ستكون لك ’نافذة،‘ نعم، حتَّى إلى بئر سبع، ’بئر العهد‘ أو ’البئر السابعة‘ أو ’بئرُ الاكتفاء والشبع،‘ حيث أعداؤك يُسالمونك وإلهك يتعظَّمُ مُبارَكًا” سبيرجن (Spurgeon)
د ) الآيات (٣٤-۳٥): يتزوَّج عيسو ويُصبح مرارةً لِذَويه.
٣٤وَلَمَّا كَانَ عِيسُو ٱبْنَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ٱتَّخَذَ زَوْجَةً: يَهُودِيتَ ٱبْنَةَ بِيرِي ٱلْحِثِّيِّ، وَبَسْمَةَ ٱبْنَةَ إِيلُونَ ٱلْحِثِّيِّ. ٣٥فَكَانَتَا مَرَارَةَ نَفْسٍ لِإِسْحَاقَ وَرِفْقَةَ.
- ٱتَّخَذَ زَوْجَةً: يَهُودِيتَ ٱبْنَةَ بِيرِي ٱلْحِثِّيِّ، وَبَسْمَةَ ٱبْنَةَ إِيلُونَ ٱلْحِثِّيِّ: ذهب عيسو، ابنُ إسحاق والأخ التَّوأم ليعقوب، ضدَّ ذلك النمط الَّذي رسَّخه إبراهيم، ألا وهو أنَّ نسله لا يتزوَّج بنساءِ كنعان (تكوين ٣:٢٤-٤).
- فَكَانَتَا مَرَارَةَ نَفْسٍ لِإِسْحَاقَ وَرِفْقَةَ: يُظهِر هذا شخصيَّة عيسو كزانٍ وكشخصٍ دَنِسٍ أيضًا (عبرانيِّين ١٦:١٢).