سفر التكوين – الإصحاح ٢٨
يهرب يعقوب من وجه عيسو
أولًا. وداع إسحاق ليعقوب
أ ) الآيات (١-٢): توجيهات لعدم أخذ امرأة كنعانيَّة.
١فَدَعَا إِسْحَاقُ يَعْقُوبَ وَبَارَكَهُ، وَأَوْصَاهُ وَقَالَ لَهُ: «لَا تَأْخُذْ زَوْجَةً مِنْ بَنَاتِ كَنْعَانَ. ٢قُمِ ٱذْهَبْ إِلَى فَدَّانِ أَرَامَ، إِلَى بَيْتِ بَتُوئِيلَ أَبِي أُمِّكَ، وَخُذْ لِنَفْسِكَ زَوْجَةً مِنْ هُنَاكَ، مِنْ بَنَاتِ لَابَانَ أَخِي أُمِّكَ.
- فَدَعَا إِسْحَاقُ يَعْقُوبَ وَبَارَكَهُ: حتَّى الآن، استسلم إسحاق لما كان يعلم، طوال الوقت، بأنَّها إرادة الرَّبِّ – أي أنَّ الكبير يُستعبَد للصغير، وأنَّ يعقوب، وليس عيسو، سيأخذ البكوريَّة (تكوين ٢٣:٢٥). فأرسل يعقوبَ مع بركةٍ وتوجيه (وَأَوْصَاهُ).
- لَا تَأْخُذْ زَوْجَةً مِنْ بَنَاتِ كَنْعَانَ: كان من الضروريّ أن لا يتَّخِذ يعقوب زوجةً من بنات كنعان، كما فعل أخوه عيسو. كان يعقوب هو مَن سيرث البكوريَّة ويحمل نسل المسيَّا.
ب) الآيات (٣-٥): الانتقال المهم للغاية لبركة إبراهيم.
٣وَٱللهُ ٱلْقَدِيرُ يُبَارِكُكَ، وَيَجْعَلُكَ مُثْمِرًا، وَيُكَثِّرُكَ فَتَكُونُ جُمْهُورًا مِنَ ٱلشُّعُوبِ. ٤وَيُعْطِيكَ بَرَكَةَ إِبْرَاهِيمَ لَكَ وَلِنَسْلِكَ مَعَكَ، لِتَرِثَ أَرْضَ غُرْبَتِكَ ٱلَّتِي أَعْطَاهَا ٱللهُ لِإِبْرَاهِيمَ. ٥فَصَرَفَ إِسْحَاقُ يَعْقُوبَ فَذَهَبَ إِلَى فَدَّانِ أَرَامَ، إِلَى لَابَانَ بْنِ بَتُوئِيلَ ٱلْأَرَامِيِّ، أَخِي رِفْقَةَ أُمِّ يَعْقُوبَ وَعِيسُوَ.
- وَٱللهُ ٱلْقَدِيرُ يُبَارِكُكَ: بارك إسحاق يعقوب باسمِ ٱللهُ ٱلْقَدِيرُ، أي الشادَّاي. استُخدِم هذا الاسم لله قبلًا في تكوين ١:١٧، حيث وصف الله نفسه لإبراهيم بهذه العبارة. نقل إبراهيم هذه المعرفة عن الشادَّاي إلى إسحاق، الَّذي نقلها بدوره إلى يعقوب. فقد أغدق على يعقوب بركة عامَّة مُتعلِّقة بالازدهار.
- وَيُعْطِيكَ بَرَكَةَ إِبْرَاهِيمَ: وبعد البركة العامَّة، أعطى إسحاق بركةً خاصَّة: بَرَكَةَ إِبْرَاهِيم، بركة العهد التي أُعطيَت لإبراهيم ونسله (تكوين ٧:١٢، ٨:١٥، ٧:١٧-٨). كان هذا الجانب من البكوريَّة مكروهًا من عيسو، لكنَّ يعقوب (الَّذي بدا غير مُستحقٍّ بنفس القَدْر) سيستفيد. كان يعقوب ذلك الشخص الَّذي سيحمل وعد الله لإبراهيم.
- وُعِد يعقوب بأرض الموعد (لِتَرِثَ الأَرضَ)، وهي أُمَّة (وَيُكَثِّرُكَ فَتَكُونُ جُمْهُورًا مِنَ ٱلشُّعُوبِ) وبركة (وَيُعْطِيكَ بَرَكَةَ إِبْرَاهِيمَ)، تمامًا مثلما وُعِد إبراهيم (تكوين ١:١٢-٣).
- لَكَ وَلِنَسْلِكَ مَعَكَ: لم يكن يعقوب يستحقُّ هذه البركة بأيِّة حالٍ من الأحوال. فقد تصرَّف كلُّ واحدٍ من الأفرقاء المنغمِسين في فوضى البكوريَّة بأسلوبٍ غير روحيّ في وقتٍ ما من الأحداث. ومن المدهش أنَّ الله استنبط خيرًا من كلِّ هذه الأمور. فكان هذا انتصارًا لسيادة الله وسلطانه.
- فَصَرَفَ إِسْحَاقُ يَعْقُوبَ: سيرتحل يعقوب باتِّجاه الشرق حيث تربَّت رفقة أُمَّه. لم يرَ والده إسحاق مرَّةً أخرى لأكثر من ٢٠ عامًا، عندما كان إسحاق حقًّا قريبًا من الموت.
ج) الآيات (٦-٩): يُضيف عيسو الزوجات.
٦فَلَمَّا رَأَى عِيسُو أَنَّ إِسْحَاقَ بَارَكَ يَعْقُوبَ وَأَرْسَلَهُ إِلَى فَدَّانِ أَرَامَ لِيَأْخُذَ لِنَفْسِهِ مِنْ هُنَاكَ زَوْجَةً، إِذْ بَارَكَهُ وَأَوْصَاهُ قَائِلًا: «لَا تَأْخُذْ زَوْجَةً مِنْ بَنَاتِ كَنْعَانَ». ٧وَأَنَّ يَعْقُوبَ سَمِعَ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَذَهَبَ إِلَى فَدَّانِ أَرَامَ، ٨رَأَى عِيسُو أَنَّ بَنَاتِ كَنْعَانَ شِرِّيرَاتٌ فِي عَيْنَيْ إِسْحَاقَ أَبِيهِ، ٩فَذَهَبَ عِيسُو إِلَى إِسْمَاعِيلَ وَأَخَذَ مَحْلَةَ بِنْتَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، أُخْتَ نَبَايُوتَ، زَوْجَةً لَهُ عَلَى نِسَائِهِ.
- فَلَمَّا رَأَى عِيسُو أَنَّ إِسْحَاقَ بَارَكَ يَعْقُوبَ: أصبحت البركة والبكوريَّة الآن أمرَين مُهمَّين بالنسبة إلى عيسو. كانتا مُهمَّتَين لدرجة أنَّ عيسو كان مُصمِّمًا على التَّأثير على أبيه بزواجه بامرأةٍ غير كنعانيَّة عندما رأى أَنَّ يَعْقُوبَ سَمِعَ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ.
- فَذَهَبَ عِيسُو إِلَى إِسْمَاعِيلَ: تفادى عيسو الزواج بامرأةٍ كنعانيَّة وتزوَّج بامرأةٍ من عائلة عمِّه إِسْمَاعِيلَ.
ثانيًا. يعقوب يلتقي بالله في بيت إيل
أ ) الآيات (١٠-١٢): حُلُم يعقوب عن السُلَّم.
١٠فَخَرَجَ يَعْقُوبُ مِنْ بِئْرِ سَبْعٍ وَذَهَبَ نَحْوَ حَارَانَ. ١١وَصَادَفَ مَكَانًا وَبَاتَ هُنَاكَ لِأَنَّ ٱلشَّمْسَ كَانَتْ قَدْ غَابَتْ، وَأَخَذَ مِنْ حِجَارَةِ ٱلْمَكَانِ وَوَضَعَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ، فَٱضْطَجَعَ فِي ذَلِكَ ٱلْمَكَانِ. ١٢وَرَأَى حُلْمًا، وَإِذَا سُلَّمٌ مَنْصُوبَةٌ عَلَى ٱلْأَرْضِ وَرَأْسُهَا يَمَسُّ ٱلسَّمَاءَ، وَهُوَذَا مَلَائِكَةُ ٱللهِ صَاعِدَةٌ وَنَازِلَةٌ عَلَيْهَا.
- وَذَهَبَ نَحْوَ حَارَانَ: ارتحل يعقوب شرقًا باتِّجاه أراضي أجدادهِ إبراهيم (تكوين ٣١:١١-٣٢) وأُمِّه رفقة (تكوين ٣:٢٤-٤).
- وَرَأَى حُلْمًا: في هذه البريَّة المقفِرة، رأى هناك يعقوب حُلُمًا مُهمًّا حيث استخدم الحجر كوِسادة. لا يسع المرء إلَّا وأن يتخيَّل فيضًا غريبًا من المشاعر داخِل يعقوب في هذه اللَّحظة: الخوف والوِحدة والانعزال والاثارة والتَّوقُّع. كان هذا وقتًا مُهمًّا في حياة يعقوب.
- وَإِذَا سُلَّمٌ مَنْصُوبَةٌ عَلَى ٱلْأَرْضِ وَرَأْسُهَا يَمَسُّ ٱلسَّمَاءَ، وَهُوَذَا مَلَائِكَةُ ٱللهِ صَاعِدَةٌ وَنَازِلَةٌ عَلَيْهَا: وفي حُلُم يعقوب، أمْكَن الدُّخول إلى السماء. علِم يعقوب الآن أنَّ الله قريب أكثر ممَّا اعتقد قبلًا، وأنَّه يوجد دخولٌ وتواصُلٌ حقيقيَّين بين السماء والأرض.
- “إنَّ إله بيت إيل هو الله الَّذي يُعنَى بأمور الأرض، وهو ليس إلهًا يغلِق على نفسه في السماء، لكنَّه إلهٌ ثبَّت سُلَّمًا بين السماء والأرض.” سبيرجن (Spurgeon)
- وضَّح يسوع هذه الفكرة في يوحنَّا ٥١:١ بقوله أنَّه هو المدخل أو الباب إلى السماء. فهو الواسطة التي من خلالها تأتي السماء إلينا ونأتي نحن إلى السماء. يسوع المسيَّا هو السُلُّم. وَقَالَ لَهُ: “ٱلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ ٱلْآنَ تَرَوْنَ ٱلسَّمَاءَ مَفْتُوحَةً، وَمَلَائِكَةَ ٱللهِ يَصْعَدُونَ وَيَنْزِلُونَ عَلَى ٱبْنِ ٱلْإِنْسَانِ” (يوحنَّا ٥١:١).
- إنَّ يسوع هو الطريق إلى السماء. فهو لا يُظهِر لنا الطريق؛ إنَّه الطريق. “قَالَ لَهُ يَسُوعُ: أَنَا هُوَ ٱلطَّرِيقُ وَٱلْحَقُّ وَٱلْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى ٱلْآبِ إِلَّا بِي” (يوحنَّا ٦:١٤).
ب) الآيات (١٣-١٥): يتكلَّم الله مع يعقوب.
١٣وَهُوَذَا ٱلرَّبُّ وَاقِفٌ عَلَيْهَا، فَقَالَ: «أَنَا ٱلرَّبُّ إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ أَبِيكَ وَإِلَهُ إِسْحَاقَ. ٱلْأَرْضُ ٱلَّتِي أَنْتَ مُضْطَجِعٌ عَلَيْهَا أُعْطِيهَا لَكَ وَلِنَسْلِكَ. ١٤وَيَكُونُ نَسْلُكَ كَتُرَابِ ٱلْأَرْضِ، وَتَمْتَدُّ غَرْبًا وَشَرْقًا وَشَمَالًا وَجَنُوبًا، وَيَتَبَارَكُ فِيكَ وَفِي نَسْلِكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ ٱلْأَرْضِ. ١٥وَهَا أَنَا مَعَكَ، وَأَحْفَظُكَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ، وَأَرُدُّكَ إِلَى هَذِهِ ٱلْأَرْضِ، لِأَنِّي لَا أَتْرُكُكَ حَتَّى أَفْعَلَ مَا كَلَّمْتُكَ بِهِ».
- أَنَا ٱلرَّبُّ إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ أَبِيكَ وَإِلَهُ إِسْحَاقَ: لم يكُن هناك من أيِّ شكٍّ بأنَّ يعقوب سمِعَ عن الله العظيم الَّذي ظهر لإبراهيم وإسحاق، لكنَّ نفس الإله الآن يلتقي بيعقوب بطريقةٍ شخصيَّة. كان هذا الاختبارُ بالنسبة إلى يعقوب مُغيِّرًا للحياة.
- ٱلْأَرْضُ ٱلَّتِي أَنْتَ مُضْطَجِعٌ عَلَيْهَا أُعْطِيهَا لَكَ وَلِنَسْلِكَ: كانت هذه الكلمات من أجل بثِّ التعزية والأمل في يعقوب في هذه المرحلة المفصليَّة والحسَّاسة من حياته. وبشكلٍ أساسيّ، كرَّر الله ليعقوب بنود العهد الَّذي أعطاه لكلٍّ من إبراهيم (تكوين ١:١٢-٣) وإسحاق (تكوين ٢:٢٦-٥).
- في السَّابِق، أخبرَ إسحاق يعقوب أنَّ العهد كان له (تكوين ٣:٢٨-٤)، أمَّا الآن فصوت الله بالذات أكَّدَه. وعدَ الله بالأرض (ٱلْأَرْضُ ٱلَّتِي أَنْتَ مُضْطَجِعٌ عَلَيْهَا أُعْطِيهَا لَكَ وَلِنَسْلِكَ) وبالأمَّة (وَيَكُونُ نَسْلُكَ كَتُرَابِ ٱلْأَرْضِ) وبالبركة (وَيَتَبَارَكُ فِيكَ وَفِي نَسْلِكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ ٱلْأَرْضِ).
- وَهَا أَنَا مَعَكَ، وَأَحْفَظُكَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ، وَأَرُدُّكَ إِلَى هَذِهِ ٱلْأَرْضِ، لِأَنِّي لَا أَتْرُكُكَ حَتَّى أَفْعَلَ مَا كَلَّمْتُكَ بِهِ: أعطى الله ليعقوب نفسَ طبيعةِ الوعد المذكور في فيلبِّي ٦:١: وَاثِقًا بِهَذَا عَيْنِهِ أَنَّ ٱلَّذِي ٱبْتَدَأَ فِيكُمْ عَمَلًا صَالِحًا يُكَمِّلُ إِلَى يَوْمِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ. لن يدعنا الله نذهب حتَّى إتمام عمله فينا.
- وَهَا أَنَا مَعَكَ: “أن يُعطيَ الله ليعقوب خبزًا ليأكُلَه وثيابًا ليلبَسَها كان أمرًا كثيرًا، لكنَّه لا يُقارَن بما قاله الله له: ‘ها أنا مَعَك.’ أن يُرسِل الله ملاكه كي يحميَ يعقوب فهو أمرٌ كبيرٌ جدًّا، لكنَّه لا يُقارَن بما قاله الله له: ‘ها أنا مَعَك.’ يتضمَّن هذا بركاتٍ لا تُحصَى، لكنَّه بحدِّ ذاته يتخطَّى البركات التي يُمكن أن نفتكر فيها.” سبيرجن (Spurgeon)
- كانت بركات الله وأمانته ليعقوب ظاهرة في طرقٍ عدَّة وُصِف بها وجود الله في حياة يعقوب.
- وَهَا أَنَا مَعَكَ (تكوين ١٥:٢٨) – تصِف هذه الكلمات البركة الآنيَّة وبركة حضور الله التي لا تُوصَف.
- فَأَكُونَ مَعَكَ (تكوين ٣١: ٣) – تصِف هذه الكلمات وعد الله الرائع لحضور الله وبركاته المستقبليَّة.
- إِلَهُ أَبِي كَانَ مَعِي (تكوين ٥:٣١) – تصِف هذه الكلمات شهادة يعقوب عن أمانة الله وحضوره معه.
- ٱللهَ سَيَكُونُ مَعَكُمْ (تكوين ٢١:٤٨) – تصِف هذه الكلمات انتقال البركة التي ليعقوب إلى الأجيال القادمة.
ج) الآيات (١٦-١٩): يعبد يعقوب الله مُسمِّيًا المكان بيت إيل (بيت الله).
١٦فَٱسْتَيْقَظَ يَعْقُوبُ مِنْ نَوْمِهِ وَقَالَ: «حَقًّا إِنَّ ٱلرَّبَّ فِي هَذَا ٱلْمَكَانِ وَأَنَا لَمْ أَعْلَمْ» !. ١٧وَخَافَ وَقَالَ: «مَا أَرْهَبَ هَذَا ٱلْمَكَانَ! مَا هَذَا إِلَا بَيْتُ ٱللهِ، وَهَذَا بَابُ ٱلسَّمَاءِ». ١٨وَبَكَّرَ يَعْقُوبُ فِي ٱلصَّبَاحِ وَأَخَذَ ٱلْحَجَرَ ٱلَّذِي وَضَعَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ وَأَقَامَهُ عَمُودًا، وَصَبَّ زَيْتًا عَلَى رَأْسِهِ. ١٩وَدَعَا ٱسْمَ ذَلِكَ ٱلْمَكَانِ «بَيْتَ إِيلَ»، وَلَكِنِ ٱسْمُ ٱلْمَدِينَةِ أَوَّلًا كَانَ لُوزَ.
- حَقًّا إِنَّ ٱلرَّبَّ فِي هَذَا ٱلْمَكَانِ وَأَنَا لَمْ أَعْلَمْ: كان يعقوب صائبًا في شعورهِ بحضور الرَّبِّ هناك. أمَّا وإذا كان يعتقد بأنَّ الله يتواجد في بعض الأمكنة وليس في أمكنةٍ أُخرى، لَهُوَ مُخطئٌ.
- علِمَ الملك داود أنَّ الله موجودٌ في كلِّ مكان: أَيْنَ أَذْهَبُ مِنْ رُوحِكَ؟ وَمِنْ وَجْهِكَ أَيْنَ أَهْرُبُ؟ (مزمور ٧:١٣٩).
- مَا أَرْهَبَ هَذَا ٱلْمَكَانَ: انطلاقًا من نظرته غير الروحيَّة ولربَّما الخرافيَّة، ركَّز يعقوب كثيرًا على مكانٍ مُحدَّد. لم يُلاحِظ أنَّه إذا لم يكُن حضور الرَّبِّ معه في كلِّ مكان، فلَن يستطيع الله أن يُحقِّق الوعد له.
- وَدَعَا ٱسْمَ ذَلِكَ ٱلْمَكَانِ «بَيْتَ إِيلَ»: سيكون لمدينة بَيْتَ إِيل دورٌ مُهمٌّ (وإن لم يكن مجيدٌ) في التَّاريخ الإسرائيليّ. فَمِن بين المدُن الإسرائيليَّة، تحلُّ هذه المدينة في المرتبة الثانية بعد أورشليم من جهَّة عدد المرَّات المذكورة فيها في العهد القديم.
- لاحقًا، عندما كان الله يتكلَّم مع يعقوب، عرَّف الله عن نفسه كإله بيت إيل (تكوين ١٣:٣١).
- ستصبح بيت إيل في نهاية المطاف مركزًا للمرتفعات، ذلك المكان المعروف بتقديم الذبائح الوثنيَّة (١ ملوك ٣٢:١٣؛ هوشع ١٥:١٠؛ عاموس ٤:٤).
د ) الآيات (٢٠-٢٢): ينذر يعقوب نذرًا لله.
٢٠وَنَذَرَ يَعْقُوبُ نَذْرًا قَائِلًا: «إِنْ كَانَ ٱللهُ مَعِي، وَحَفِظَنِي فِي هَذَا ٱلطَّرِيقِ ٱلَّذِي أَنَا سَائِرٌ فِيهِ، وَأَعْطَانِي خُبْزًا لِآكُلَ وَثِيَابًا لِأَلْبَسَ، ٢١وَرَجَعْتُ بِسَلَامٍ إِلَى بَيْتِ أَبِي، يَكُونُ ٱلرَّبُّ لِي إِلَهًا، ٢٢وَهَذَا ٱلْحَجَرُ ٱلَّذِي أَقَمْتُهُ عَمُودًا يَكُونُ بَيْتَ ٱللهِ، وَكُلُّ مَا تُعْطِينِي فَإِنِّي أُعَشِّرُهُ لَكَ».
- إِنْ كَانَ ٱللهُ مَعِي: يُمكِن ترجمة هذه العبارة ’إن كان الله سيكون معي؛‘ لكن، بسبب معرفتنا ليعقوب، كان يقصد ذلك المعنى الَّذي يقول ’إذا كان الله سيكون معي.‘ أعطاه الله الوعد، وبالرغم من ذلك كان يُساوِم مع الله، حتَّى أنَّه وعد الله بإعطائه عُشرَ أمواله إذا حقَّق وعده.
- نسبةً إلى الطريقة التي صلَّى فيها يعقوب، كان واضحًا أنَّ مُجرَّد كلمة الله لم تكن كافية بالنسبة إليه. كان عليه أن يرى الله يقوم بذلك قبل أن يُؤمِن. لا يجب أن نكون في ذات الطريق، لكنَّنا غالبًا ما نكون. يقول الله، ’فَيَمْلَأُ إِلَهِي كُلَّ ٱحْتِيَاجِكُمْ بِحَسَبِ غِنَاهُ فِي ٱلْمَجْدِ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ‘ (فيلبِّي ١٩:٤)؛ يقول أيضًا، ’صَالِحٌ هُوَ ٱلرَّبُّ. حِصْنٌ فِي يَوْمِ ٱلضَّيقِ، وَهُوَ يَعْرِفُ ٱلْمُتَوَكِّلِينَ عَلَيْهِ‘ (ناحوم ٧:١). يجب أن نُؤمِن بهذه الأمور حتَّى قبل أن نراها أمامنا.
- وَحَفِظَنِي فِي هَذَا ٱلطَّرِيقِ ٱلَّذِي أَنَا سَائِرٌ فِيهِ، وَأَعْطَانِي خُبْزًا لِآكُلَ وَثِيَابًا لِأَلْبَسَ: هُنا، يتكلَّم يعقوب كَمَن بمقدوره أن يضع بنود العهد مع الله. فبهذه العقليَّة، صنع اتَّفاقًا مع الله بدل أن يأخذ بتواضع ما أعدَّه الله له.
- لم يكن يعقوب خاضعًا بالكامل لله. ففي المرحلة القادمة من حياته، علَّمه الله الخضوع في المِحَن من خلال خالِهِ لابان.
- وَنَذَرَ يَعْقُوبُ نَذْرًا: للأسف، كان هناك تناقضٌ بين وعد الله ونذر يعقوب. فَواحدٌ محوره الله بالكامل، وواحدٌ آخَر محوره الإنسان بشكلٍ رهيب.
- وعد الله ليعقوب (تكوين ٢٨: ١٣-١٥):
- أَنَا ٱلرَّبُّ.
- أُعْطِيهَا.
- أَنَا مَعَكَ.
- لَا أَتْرُكُكَ حَتَّى أَفْعَلَ مَا كَلَّمْتُكَ بِهِ.
- نَذْر يعقوب لله:
- إِنْ كَانَ ٱللهُ مَعِي.
- وَحَفِظَنِي.
- فِي هَذَا ٱلطَّرِيقِ ٱلَّذِي أَنَا سَائِرٌ فِيهِ.
- وَأَعْطَانِي خُبْزًا لِآكُلَ وَثِيَابًا لِأَلْبَسَ.
- وَرَجَعْتُ بِسَلَامٍ إِلَى بَيْتِ أَبِي.
- كان من الأفضل لو صلَّى يعقوب هكذا: “لأنَّك وعدت أن تكون معي وتحفظني وتُسدِّد كلَّ احتياجاتي وتُرجعني بسلامٍ إلى الأرض التي وعدت بأن تُعطيها لآبائي ولي، سأكون مُلكًا لك بالكامل، يا الله.”
- كان الله مُنعِمًا بما فيه الكفاية كي يرُدَّ العهد بعدما رأى ذلك الردَّ غير الروحيّ من يعقوب. بدلًا من ذلك، أراد الله أن يُدعى إله إبراهيم و إله إسحاق و إله يعقوب (خروج ٦:٣).
- وعد الله ليعقوب (تكوين ٢٨: ١٣-١٥):