سفر التكوين – الإصحاح ٢٩
زيجات يعقوب وأولاده
أولًا. يلتقي يعقوب براحيل
أ ) الآيات (١-٣): يأتي يعقوب إلى بئرٍ مُغطَّى.
١ثُمَّ رَفَعَ يَعْقُوبُ رِجْلَيْهِ وَذَهَبَ إِلَى أَرْضِ بَنِي ٱلْمَشْرِقِ. ٢وَنَظَرَ وَإِذَا فِي ٱلْحَقْلِ بِئْرٌ وَهُنَاكَ ثَلَاثَةُ قُطْعَانِ غَنَمٍ رَابِضَةٌ عِنْدَهَا، لِأَنَّهُمْ كَانُوا مِنْ تِلْكَ ٱلْبِئْرِ يَسْقُونَ ٱلْقُطْعَانَ، وَٱلْحَجَرُ عَلَى فَمِ ٱلْبِئْرِ كَانَ كَبِيرًا. ٣فَكَانَ يَجْتَمِعُ إِلَى هُنَاكَ جَمِيعُ ٱلْقُطْعَانِ فَيُدَحْرِجُونَ ٱلْحَجَرَ عَنْ فَمِ ٱلْبِئْرِ وَيَسْقُونَ ٱلْغَنَمَ، ثُمَّ يَرُدُّونَ ٱلْحَجَرَ عَلَى فَمِ ٱلْبِئْرِ إِلَى مَكَانِهِ.
- وَذَهَبَ إِلَى أَرْضِ بَنِي ٱلْمَشْرِقِ: لأنَّ الرَّبَّ بارك رحلته، رجع يعقوب إلى الأرض التي أتت أُمُّه رفقة منها، تلك الأرض التي كانت لِجَدِّه إبراهيم أيضًا.
- وَنَظَرَ وَإِذَا فِي ٱلْحَقْلِ بِئْرٌ: عندما اقترب يعقوب من منزل عائلة والدته، لاحظ بئرًا كان تُستخدَم لِسَقي الغنم. كان البئر محميًّا ومُغطًى بحجرٍ كبير.
ب) الآيات (٤-١٠): يلتقي يعقوب براحيل عند البئر.
٤فَقَالَ لَهُمْ يَعْقُوبُ: «يَا إِخْوَتِي، مِنْ أَيْنَ أَنْتُمْ؟» فَقَالُوا: «نَحْنُ مِنْ حَارَانَ». ٥فَقَالَ لَهُمْ: «هَلْ تَعْرِفُونَ لَابَانَ ٱبْنَ نَاحُورَ؟» فَقَالُوا: «نَعْرِفُهُ». ٦فَقَالَ لَهُمْ: «هَلْ لَهُ سَلَامَةٌ؟» فَقَالُوا: «لَهُ سَلَامَةٌ. وَهُوَذَا رَاحِيلُ ٱبْنَتُهُ آتِيَةٌ مَعَ ٱلْغَنَمِ». ٧فَقَالَ: «هُوَذَا ٱلنَّهَارُ بَعْدُ طَوِيلٌ. لَيْسَ وَقْتَ ٱجْتِمَاعِ ٱلْمَوَاشِي. اِسْقُوا ٱلْغَنَمَ وَٱذْهَبُوا ٱرْعَوْا». ٨فَقَالُوا: «لَا نَقْدِرُ حَتَّى تَجْتَمِعَ جَمِيعُ ٱلْقُطْعَانِ وَيُدَحْرِجُوا ٱلْحَجَرَ عَنْ فَمِ ٱلْبِئْرِ، ثُمَّ نَسْقِي ٱلْغَنَمَ». ٩وَإِذْ هُوَ بَعْدُ يَتَكَلَّمُ مَعَهُمْ أَتَتْ رَاحِيلُ مَعَ غَنَمِ أَبِيهَا، لِأَنَّهَا كَانَتْ تَرْعَى .١٠فَكَانَ لَمَّا أَبْصَرَ يَعْقُوبُ رَاحِيلَ بِنْتَ لَابَانَ خَالِهِ، وَغَنَمَ لَابَانَ خَالِهِ، أَنَّ يَعْقُوبَ تَقَدَّمَ وَدَحْرَجَ ٱلْحَجَرَ عَنْ فَمِ ٱلْبِئْرِ وَسَقَى غَنَمَ لَابَانَ خَالِهِ.
- يَا إِخْوَتِي، مِنْ أَيْنَ أَنْتُمْ؟: في عصر ما قبل الطرق والعلامات المميَّزة بوضوح، لم يعرف يعقوب مكان وجوده حتَّى سأل بعض السكان المحليِّين. فمن ثمَّ اكتشف يعقوب أنَّه كان في وجهته التي قصدها.
- هَلْ تَعْرِفُونَ لَابَانَ ٱبْنَ نَاحُورَ؟: عرف يعقوب أن يتواصَلَ مع عمِّه لابان، أخي أُمِّه. لم يعرف الرعاة لابان فحسب، بل أخبروا يعقوب أيضًا بأنَّ راحيل ابنة لابان تقترب.
- اِسْقُوا ٱلْغَنَمَ وَٱذْهَبُوا ٱرْعَوْا: ربَّما أراد يعقوب أن يغادر الرعاة الشُبَّان، كيما يتمكَّن من التَّحدُّث مُباشرة إلى راحيل.
- أَنَّ يَعْقُوبَ تَقَدَّمَ وَدَحْرَجَ ٱلْحَجَرَ عَنْ فَمِ ٱلْبِئْرِ: عرف يعقوب أيضًا أنَّه جاء ليتزوَّج بإحدى بنات لابان (تكوين ٢:٢٨)، لذلك كان أكثر من راغبٍ في إظهار اللُّطف (وربَّما القوَّة) لراحيل ابنة لابان. وكان الرعاة الشُبَّان مُنتظرين أحدًا كي يُدحرِج الحجر، وفعل يعقوب ذلك في حضور راحيل.
ج) الآيات (١١-١٤): تُرتِّب راحيل لقاءً لأبيها مع يعقوب.
١١وَقَبَّلَ يَعْقُوبُ رَاحِيلَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ وَبَكَى. ١٢وَأَخْبَرَ يَعْقُوبُ رَاحِيلَ أَنَّهُ أَخُو أَبِيهَا، وَأَنَّهُ ٱبْنُ رِفْقَةَ، فَرَكَضَتْ وَأَخْبَرَتْ أَبَاهَا. ١٣فَكَانَ حِينَ سَمِعَ لَابَانُ خَبَرَ يَعْقُوبَ ٱبْنِ أُخْتِهِ أَنَّهُ رَكَضَ لِلِقَائِهِ وَعَانَقَهُ وَقَبَّلَهُ وَأَتَى بِهِ إِلَى بَيْتِهِ. فَحَدَّثَ لَابَانَ بِجَمِيعِ هَذِهِ ٱلْأُمُورِ. ١٤فَقَالَ لَهُ لَابَانُ: «إِنَّمَا أَنْتَ عَظْمِي وَلَحْمِي». فَأَقَامَ عِنْدَهُ شَهْرًا مِنَ ٱلزَّمَانِ.
- وَقَبَّلَ يَعْقُوبُ رَاحِيلَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ وَبَكَى: في البداية، لا بدَّ أنَّ راحيل فُوجِئت تمامًا عندما استقبلها رجل لم تقابله من قبل وقبَّلَها ومن ثمَّ رفع صوته وبكى.
- وَأَخْبَرَ يَعْقُوبُ رَاحِيلَ أَنَّهُ أَخُو أَبِيهَا: أُخبِرَت راحيل عن عمَّتها رفقة التي تزوَّجت بقريبٍ للعائلة بعيدٍ وثريٍّ.
- فَأَقَامَ عِنْدَهُ شَهْرًا مِنَ ٱلزَّمَانِ: أظهر لابان هذه الضيافة العظيمة ليس فقط من أجل العادات ولا لأنَّ يعقوب هو ابن أُخته؛ بل لأنَّه عرف أيضًا بأنَّ يعقوب سيرث ثروةً كبيرة من أبيه إسحاق.
ثانيًا. اتِّفاق لابان مع يعقوب
أ ) الآيات (١٥-٢٠): يعرُض يعقوب العمل لسبعِ سنواتٍ كمَهرٍ لكي يتزوَّج براحيل.
١٥ثُمَّ قَالَ لَابَانُ لِيَعْقُوبَ: «أَلِأَنَّكَ أَخِي تَخْدِمُنِي مَجَّانًا؟ أَخْبِرْنِي مَا أُجْرَتُكَ». ١٦وَكَانَ لِلَابَانَ ٱبْنَتَانِ، ٱسْمُ ٱلْكُبْرَى لَيْئَةُ وَٱسْمُ ٱلصُّغْرَى رَاحِيلُ. ١٧وَكَانَتْ عَيْنَا لَيْئَةَ ضَعِيفَتَيْنِ، وَأَمَّا رَاحِيلُ فَكَانَتْ حَسَنَةَ ٱلصُّورَةِ وَحَسَنَةَ ٱلْمَنْظَرِ. ١٨وَأَحَبَّ يَعْقُوبُ رَاحِيلَ، فَقَالَ: «أَخْدِمُكَ سَبْعَ سِنِينٍ بِرَاحِيلَ ٱبْنَتِكَ ٱلصُّغْرَى». ١٩فَقَالَ لَابَانُ: «أَنْ أُعْطِيَكَ إِيَّاهَا أَحْسَنُ مِنْ أَنْ أُعْطِيَهَا لِرَجُلٍ آخَرَ. أَقِمْ عِنْدِي». ٢٠فَخَدَمَ يَعْقُوبُ بِرَاحِيلَ سَبْعَ سِنِينٍ، وَكَانَتْ فِي عَيْنَيْهِ كَأَيَّامٍ قَلِيلَةٍ بِسَبَبِ مَحَبَّتِهِ لَهَا.
- أَخْبِرْنِي مَا أُجْرَتُكَ: يبدو هذا وكأنَّه عرضٌ حسَن، لكن في حقيقة الأمر أراد لابان أن يعرف يعقوب أنَّه إذا أراد أن يبقى بينهم، فسيبقى كأجيرٍ مُستخدَم. كان يعقوب ابنًا لرجُلٍ في غاية الثراء. بالطبع لم يكن كسولًا، لكنَّه لم يكن مُعتادًا على العمل المضني. كان الخدَّام هم مَن يقومون بالأعمال الشاقَّة في بيته؛ أمَّا الآن فيعقوب هو الخادم.
- تُظهِر ردَّة فعل يعقوب الكثير من الجوانب في شخصيَّته. وهذا يُمثِّل ذلك المبدأ الَّذي يقول أنَّه لن تُدرِك أبدًا ما معنى أن تكون خادمًا إلَّا بعد أن يتعامل معك الآخَرون وكأنَّك خادم.
- وَأَحَبَّ يَعْقُوبُ رَاحِيلَ: لم تكن راحيل جميلةً في الشكل والمظهر فحسب، لكنَّها كانت أيضًا أوَّل وجهٍ ودود قابَلَهُ يعقوب في المنطقة. من المفهوم سبب ارتباطه براحيل ألا وهو الحبُّ من النظرة الأولى.
- وَكَانَتْ عَيْنَا لَيْئَةَ ضَعِيفَتَيْنِ: هناك بعض الخلاف حول ما تعنيه هذه العبارة بالضبط. يعتقد البعض بأنَّها تعني أنَّ عينيها كانتا سيِّئتَين وأنَّها لا تستطيع الرؤية جيدًا. ويعتقد البعض الآخر بأنَّها تعني أنَّ عيناها كانتا باهتتَين، وليستا جميلتَين ومليئتَين بالحياة مثل عينيّ أختها راحيل.
- تُعتبَر المقارنة بين راحيل ولَيئة وجمالهما دليلًا صغيرًا على ما كانت تبدو على الأرجح حياةً عائليَّة مُعقَّدة ومليئة بالصراعات وتنافسيَّة.
- أَخْدِمُكَ سَبْعَ سِنِينٍ بِرَاحِيلَ ٱبْنَتِكَ ٱلصُّغْرَى: كان عرضُ العمل لمدَّة سبع سنواتٍ في الأساس مَهرًا. على الرغم من أنَّ يعقوب جاء من عائلة ثريَّة جدًّا، إلَّا أنَّه غادر المنزل بدون مال. وقبل أن يتمكَّن من الزواج بامرأة، كان عليه أن يُقدِّم مَهرًا لِيُثبِت أنَّه قادرٌ على إعالةِ الأسرة والتَّعويض عن أخذ الابنة.
- كانت سَبْعُ سِنِينٍ عرضًا سخيًّا جدًّا، أغلى بكثيرٍ من المهر العاديّ. لم يشأ يعقوب المخاطرة بالرفض. وعندما رأى لابان مدى وشدَّة رغبة يعقوب في راحيل، عرف أنَّه يمكنه استغلاله.
- وَكَانَتْ فِي عَيْنَيْهِ كَأَيَّامٍ قَلِيلَةٍ بِسَبَبِ مَحَبَّتِهِ لَهَا: نُلاحظ عُظْمَ المحبَّة التي كان يكنُّها لها. فبَدَت سبعُ سنينٍ بدون مُقابِل (باستثناء الغرفة والطعام) كأيَّامٍ قليلة سريعة الجريان.
- في تلك البيئة القديمة، لم يكُن يُسمح ليعقوب بقضاء الوقت الَّذي يُريده مع راحيل. كانت هناك مبادئ توجيهيَّة اجتماعيَّة صارمة للفصل بين الرجال والنساء غير المتزوِّجين.
- يُظهِر هذا بوضوح مبدأً هامًّا: الحبُّ الحقيقيّ ينتظِر. كان يعقوب مُستعدًّا للانتظار سبع سنين من أجل راحيل.
- في التِّسعينات من القرن الماضي، كانت هناك حملة ناجحة بين المراهقين بعنوان ‘الحبُّ الحقيقيّ ينتظِر.’ أقنعتهم هذه العبارة بأن يأخذوا على أنفسهم هذا التَّعهُّد: إيمانًا بأنَّ الحبَّ الحقيقيّ ينتظر، أتعهَّد وألتزم أمام الله ونفسي وعائلتي أنَّ أولئك الَّذين أتواعد معهم، رفيقي المستقبليّ وأولادي المستقبليِّين، يكونون طاهرين جنسيًّا حتَّى ذلك اليوم الَّذي أدخل فيه إلى علاقة زواج العهد. قد يُجادل أحدهم بنجاح الحملة، لكنَّ المبدأ يبقى ولا يتغيَّر. كان يعقوب مُستعدًّا لانتظار راحيل بِسَبَبِ مَحَبَّتِهِ لَهَا.
ب) الآيات (٢١-٢٥): يستبدِل لابان راحيل بلَيئة في ليلة الزفاف.
٢١ثُمَّ قَالَ يَعْقُوبُ لِلَابَانَ: «أَعْطِنِي ٱمْرَأَتِي لِأَنَّ أَيَّامِي قَدْ كَمُلَتْ، فَأَدْخُلَ عَلَيْهَا». ٢٢فَجَمَعَ لَابَانُ جَمِيعَ أَهْلِ ٱلْمَكَانِ وَصَنَعَ وَلِيمَةً. ٢٣وَكَانَ فِي ٱلْمَسَاءِ أَنَّهُ أَخَذَ لَيْئَةَ ٱبْنَتَهُ وَأَتَى بِهَا إِلَيْهِ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا. ٢٤وَأَعْطَى لَابَانُ زِلْفَةَ جَارِيَتَهُ لِلَيْئَةَ ٱبْنَتِهِ جَارِيَةً. ٢٥وَفِي ٱلصَّبَاحِ إِذَا هِيَ لَيْئَةُ، فَقَالَ لِلَابَانَ: «مَا هَذَا ٱلَّذِي صَنَعْتَ بِي؟ أَلَيْسَ بِرَاحِيلَ خَدَمْتُ عِنْدَكَ؟ فَلِمَاذَا خَدَعْتَنِي؟» .
- أَعْطِنِي ٱمْرَأَتِي لِأَنَّ أَيَّامِي قَدْ كَمُلَتْ، فَأَدْخُلَ عَلَيْهَا: كانت هذه الكلمات واضحة بما فيه الكفاية. على الرغم من أنَّ يعقوب انتظر ومضى الوقت بسرعة بسبب الحبِّ، لكن عندما انتهت تلك الفترة، انتهى من الانتظار. أراد أن يأخذ راحيل كزوجته. استجاب لابان بدعوته للضيوف وبإقامته للعرس (فَجَمَعَ جَمِيعَ أَهْلِ ٱلْمَكَانِ وَصَنَعَ وَلِيمَةً).
- أَخَذَ لَيْئَةَ ٱبْنَتَهُ وَأَتَى بِهَا إِلَيْهِ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا: كان من الممكن أن ينخدع يعقوب بسبب عادات الزفاف في ذلك الزمَن. وفقًا لهذه العادات، تبقى الزوجة مُحجَّبة إلى حين اختلائها أخيرًا بزوجها في جناح شهر العسل. وإذا كان الظلام قد حلَّ بحلول الوقت الَّذي كان يعقوب وعروسه الجديدة وحدهما معًا (أمرٌ لم يجد لابان صعوبة في تدبيره)، فهذا يُفسِّر كيف انخدع يعقوب بسهولة.
- أَخَذَ لَيْئَةَ ٱبْنَتَهُ وَأَتَى بِهَا إِلَيْهِ: نفترض بأنَّ لَيئَة كانت مُوافِقة على هذا التَّدبير. ومع ذلك، حتَّى ولو لم تكن مُوافقة، فقد كانت تحت السلطة المطلَقة لوالدها.
- “لَربَّما أحبَّت يعقوب سرًّا. ولَربَّما اعتقدت أنَّ هذه هي فرصتها الوحيدة للحصول على زوج. ولَربَّما اعتقدت بأنَّ هذه الفرصة غير المرغوبة، وبالتالي المبرَّرة، سانحة لكسب جولةٍ على أختها والتَّقدُّم عليها.” ليوبولد (Leupold)
- كانت سلطة الاب الـمُطلَقة في البيت، في تلك البيئة، سببًا يشرح لماذا سمحت راحيل بحدوث هذا الأمر.
- وَفِي ٱلصَّبَاحِ إِذَا هِيَ لَيْئَةُ: يُمكننا أن نتخيَّل الشعور الذي اعترى كُلًّا من يعقوب وليئة والحسرة التي اختبرتها راحيل. وكلُّ هذا كان بسبب خطيَّة لابان؛ أو ربَّما يُمكن القول بأنَّ ما حصل هو من نتائج خطيَّة يعقوب – الآن خُدِع المخادِع.
- فَلِمَاذَا خَدَعْتَنِي؟: بشكلٍ ملحوظ، كان خداع لابان لِيعقوب مُشابهًا لخداع يعقوب لأبيه إسحاق وأخيه عيسو. كان هذا مثلًا عن حصاد يعقوب لما زرعته يداه. استبدَلَ يعقوب الأصغَر بالأكبَر؛ واستبدل لابان الكُبرى بالصُغرى.
- عندما خدع يعقوب أباه وغشَّ أخاه، لم يُغيِّر الله خطَّته باختيار يعقوب للحصول على البكوريَّة. بدلًا من ذلك، أخذ الله يعقوب إلى مدرسة الاختبار الصعب لتأديبه. يُشير هذا إلى أنَّ عدم طاعتنا قد لا يُعرقِل خطَّة الله لحياتنا، لكنَّه سيؤثِّر بشكلٍ كبير في كيفيَّة اختبارها. قد يمضي أحدٌ ما ٢٠ عامًا يعمل لأحدٍ مثل لابان بينما الله يُعلِّمه بضعة أمور.
- على الرغم من أنَّه يُمكننا أن نرى ذلك كتدخُّلِ إلهيّ لتصحيح مسار يعقوب، الَّا أنَّ هذا لا يُبرِّر خداع لابان. والحقيقة بأنَّ الله يجعل جميع الاشياء تعمل للخير لا تُبرِّر أفعال الشرِّ التي يقوم بها الإنسان.
ج) الآيات (٢٦-٣٠): يوافِق لابان على إعطاء راحيل ليعقوب مُقابِل سبع سنينٍ أُخرى من العمل.
٢٦فَقَالَ لَابَانُ: «لَا يُفْعَلُ هَكَذَا فِي مَكَانِنَا أَنْ تُعْطَى ٱلصَّغِيرَةُ قَبْلَ ٱلْبِكْرِ. ٢٧أَكْمِلْ أُسْبُوعَ هَذِهِ، فَنُعْطِيَكَ تِلْكَ أَيْضًا، بِٱلْخِدْمَةِ ٱلَّتِي تَخْدِمُنِي أَيْضًا سَبْعَ سِنِينٍ أُخَرَ». ٢٨فَفَعَلَ يَعْقُوبُ هَكَذَا. فَأَكْمَلَ أُسْبُوعَ هَذِهِ، فَأَعْطَاهُ رَاحِيلَ ٱبْنَتَهُ زَوْجَةً لَهُ. ٢٩وَأَعْطَى لَابَانُ رَاحِيلَ ٱبْنَتَهُ بِلْهَةَ جَارِيَتَهُ جَارِيَةً لَهَا. ٣٠فَدَخَلَ عَلَى رَاحِيلَ أَيْضًا، وَأَحَبَّ أَيْضًا رَاحِيلَ أَكْثَرَ مِنْ لَيْئَةَ. وَعَادَ فَخَدَمَ عِنْدَهُ سَبْعَ سِنِينٍ أُخَرَ.
- لَا يُفْعَلُ هَكَذَا فِي مَكَانِنَا: هذا كان عذر لابان وكأنَّه يقول، ’إذًا، ألَم نقُلْ لك هذا؟ لا نقوم بهذا الأمر بهذه الطريقة هنا. ظننت أنَّك عرَفت.‘ إنَّ السبب الوحيد الَّذي جعل يعقوب يقبل بخدعةِ لابان الذكيَّة هو لأنَّه لم يكن له خيارٌ آخَر. لكن سبب لابان المفترَض لم يكن في الحقيقة أكثر من عذر.
- أَكْمِلْ أُسْبُوعَ هَذِهِ: شكَّلت السنوات السبع الثانية عمل يعقوب بعد التَّخرُّج من مدرسة الاختبار الصعب. وكانت المادَّة الأساسيَّة ليعقوب في هذه المدرسة التالية، ‘أنت تحصد ما تزرعه.’
- فَفَعَلَ يَعْقُوبُ هَكَذَا. فَأَكْمَلَ أُسْبُوعَ هَذِهِ: كان لابان صورةً مثاليَّة للمُخادع المتلاعِب. فقد انتهى به المطاف حيث أراد بالضبط (كلتا ابنتاه تزوَّجتا). ومع ذلك، فقد كان من شأن هذا أن يكون سيِّئًا بالنسبة له ولبناته. غالبًا ما يدين الله المتلاعبين بإعطائهم ما يريدونه بشهواتهم وطرقهم الشرِّيرة، ومع ذلك يسمح بأن يكون هذا خسارةً لهم.
- يمكن رؤية المشاكل في هذه العائلة على الفور. لم يتزوَّج يعقوب فقط من شقيقتَين، لكنَّه سمح أيضًا للجميع بمعرفة أنَّ إحداهنَّ كانت مُفضَّلة ومحبوبة أكثر من الأخرى. في النهاية، جاءت كلُّ هذه المشاكل بسبب خداع لابان المتلاعب وخطيَّة يعقوب السَّابقة التي جلبها على نفسه.
- ماذا فعل يعقوب؟ يقول البعض أنَّ يعقوب كان ينبغي أن يذهب إلى لابان لإصلاح كلِّ هذه الفوضى، وببساطة يتزوَّج من راحيل ويترك ليئة كي تكون مشكلة لابان. يعتقد البعض الآخر أنَّه وفقًا لمعايير البيئة آنذاك، لم يكن بإمكانه أن يضع ليئة جانبًا لأنها لم تكن قادرة على الزواج بآخر بعد أن أُعطيَت ليعقوب. ربَّما وجبَ عليهِ أن يفعل ما بوسعه في هذه الحالة، أي أن يُحبَّ زوجتَيه بشكلٍ مُتساوٍ. يا لها من فوضى!
- فَأَعْطَاهُ رَاحِيلَ ٱبْنَتَهُ زَوْجَةً لَهُ: لا يُمارَس تعدُّد الزوجات على نطاق واسع في البيئة أو الثقافة الغربيَّة، لكنَّنا نُمارِس الزواج المتكرِّر. عندما يتعلَّق الأمر بالمصطلحات، يمكننا التَّفكير في تعدُّد الزوجات على أنَّه زواجٌ جماعيّ وكأنَّنا نتحدَّث عن قتلٍ جماعيّ: أي أنَّ أحدهم يتزوَّج أكثر من واحدة في نفس الوقت. ويوجد أيضًا قتلٌ تسلسُليّ: حيث أنَّ القاتل يقتل كثيرين، واحدًا تِلوَ الآخَر. ففي مجتمعاتنا الحديثة، تتعدَّد الزوجات بالنسبة لنا؛ واحدة تِلوَ الأخرى.
- لا يمكننا فعل أيِّ شيءٍ حيال زواجنا المفسوخ في الماضي، ولكن كلُّ واحدٍ منَّا يجب أن يعمل كلَّ ما بوسعه أمام الله ليتأكَّد، من الآن فصاعدًا، من وجود شريكٍ واحدٍ في حياته كلَّ الوقت.
ثالثًا. أبناء يعقوب الأربعة الأوَل من لَيئة
أ ) الآية (٣١): محبَّة الله المنعِمة لِلَيئة.
٣١ وَرَأَى ٱلرَّبُّ أَنَّ لَيْئَةَ مَكْرُوهَةٌ فَفَتَحَ رَحِمَهَا، وَأَمَّا رَاحِيلُ فَكَانَتْ عَاقِرًا.
- وَرَأَى ٱلرَّبُّ أَنَّ لَيْئَةَ مَكْرُوهَةٌ: إنَّ حنان الله على لَيئة لَمُؤثِّر. فهي بالفعل الفريق البريء في كلِّ هذه المعمَعة والفوضى. يستطيع الله أن يأتي بالراحة والبركة للمرأة ويُسدِّد احتياجاتها حتَّى عندما يتصرَّف الزوج معها بطريقةٍ شرِّيرة.
- “تجلس لَيئَة المسكينة في خيمتها مع خادمتها وتَمضي وقتها في الحياكة والبكاء. ذلك لأنَّ بقيَّة أفراد الأسرة، ولا سيَّما راحيل، يكرهونها بسبب استهزاء زوجها بها الَّذي يُفضِّل راحيل إذ هو مجنونٌ بحبِّها. هي ليست جميلة أو جذَّابة. كلَّا، هي مكروهة ومبغوضة … هناك تجلس الفتاة الفقيرة؛ ولا يُعرِها أحدٌ أيَّ انتباه. تُعطي راحيل مكانةً لحضورها؛ ولا تُكلِّف نفسها عناء النظر إليها. ‘أنا سيِّدةُ البيت،’ تُفكِّر في نفسها، ‘لَيئَة هي خادِمة.’ هذه بالحقيقة أمورٌ جسديِّة في الآباء والأمَّهات القدِّيسين، كتلك الأمور التي غالبًا ما تحدث في بيوتنا.” لوثر (Luther)، مُقتبَس في بويس (Boice)
- وَرَأَى ٱلرَّبُّ أَنَّ لَيْئَةَ مَكْرُوهَةٌ فَفَتَحَ رَحِمَهَا: كان الله صالحًا مع لَيئَة، حتَّى عندما لم يكُن زوجها ولا أُختها كذلك.
- يقول سفر إشعياء ٥:٥٤، لِأَنَّ بَعْلَكِ هُوَ صَانِعُكِ، رَبُّ ٱلْجُنُودِ ٱسْمُهُ، وَوَلِيُّكِ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ، إِلَهَ كُلِّ ٱلْأَرْضِ يُدْعَى. على الأزواج أن يعتنوا بزوجاتهم. ولكن عندما لا يفعلون ذلك، يستطيع الله أن يُسدِّد احتياجات المرأة المتألِّمة، تلك الاحتياجات التي يتجاهلها الزوج.
ب) الآية (٣٢): ولادة رأوبين.
٣٢فَحَبِلَتْ لَيْئَةُ وَوَلَدَتِ ٱبْنًا وَدَعَتِ ٱسْمَهُ «رَأُوبَيْنَ»، لِأَنَّهَا قَالَتْ: «إِنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ نَظَرَ إِلَى مَذَلَّتِي. إِنَّهُ ٱلْآنَ يُحِبُّنِي رَجُلِي».
- وَدَعَتِ ٱسْمَهُ «رَأُوبَيْنَ»: سُمِّيَ أوَّلُ طفلٍ وُلِدَ ليعقوب، من لَيئَة، رأوبين كما دعته أُمُّه، ويعني هوذا، إبن. وكانت هذه عبارتها ليعقوب وكلِّ الآخرين: إِنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ نَظَرَ إِلَى مَذَلَّتِي.
- كان رأوبين الابن البكر ليعقوب؛ وكان منطقيٌ أن يكون وارثًا لوعد الله لإبراهيم المنقول إلى إسحاق ومن ثمَّ إلى يعقوب.
- إِنَّهُ ٱلْآنَ يُحِبُّنِي رَجُلِي: بالرغم من أنَّ يعقوب لم يكن يُحبُّ لَيئَة، فقد أراد أن يُمارس الجنس معها. يُظهِر هذا مبدأً ما زال صحيحًا، ألا وهو بأنَّ الرجل غالبًا ما يُمارِس الجنس بشكلٍ منفصلٍ تمامًا عن الحب، وأنَّ المرأة الغبيَّة فقط هي التي تعتقد أنَّ مُمارسة الجنس معها تعني الحب. لم تكن لَيئَة المرأة الأولى، ولا الأخيرة، التي تعيش تحت وطأة مُشكلة طبيعة الذَّكَر.
ج) الآية (٣٣): ولادة شمعون.
٣٣وَحَبِلَتْ أَيْضًا وَوَلَدَتِ ٱبْنًا، وَقَالَتْ: «إِنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ سَمِعَ أَنِّي مَكْرُوهَةٌ فَأَعْطَانِي هَذَا أَيْضًا». فَدَعَتِ ٱسْمَهُ «شِمْعُونَ».
- فَدَعَتِ ٱسْمَهُ «شِمْعُونَ»: سُمِّيَ ثاني طفلٍ وُلِدَ ليعقوب، من لَيئَة، شمعون كما دعته أُمُّه، ويعني السمع. كانت تتمنَّى لَيئَة أن يُلاحظ الجميع أنَّ الرَّبَّ سمِع لها.
- إِنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ سَمِعَ أَنِّي مَكْرُوهَةٌ: من الواضح أنَّ ولادة رأوبين لم تُغيِّر قلب يعقوب تجاه لَيئَة. كانت لا تزال مُدرِكة أنَّه لا يُحبُّها، بالرغم من إرادته ممارسة الجنس معها.
- بالطبع، كان يعقوب ولَيئَة مُتزوِّجَين، لذلك لا يوجَد إثم في العلاقة الجنسيَّة. لكن هذا يُظهِر بوضوح أنَّ يعقوب، كسائر الرجال في الجسد، كان مُريدًا وقادِرًا على مُمارسة الجنس مع امرأةٍ لا يُحبُّها.
- في سنة ١٩٩٥، طرحت دراسةٌ استقصائيَّة السؤال التالي: “هل مارست الجنس مع امرأةٍ لم تُعجِبك فعلًا؟ أجاب ٥٨٪ من الرجال بـ ‘نعم.’”
د ) الآية (٣٤): ولادة لاوي.
٣٤وَحَبِلَتْ أَيْضًا وَوَلَدَتِ ٱبْنًا، وَقَالَتِ: «ٱلْآنَ هَذِهِ ٱلْمَرَّةَ يَقْتَرِنُ بِي رَجُلِي، لِأَنِّي وَلَدْتُ لَهُ ثَلَاثَةَ بَنِينَ». لِذَلِكَ دُعِيَ ٱسْمُهُ «لَاوِيَ».
- فَدَعَتِ ٱسْمَهُ «لَاوِيَ»: سُمِّيَ ثالث طفلٍ وُلِدَ ليعقوب، أيضًا من لَيئَة، لاوي كما دعته أُمُّه، ويعني الالتصاق. ما زالت لَيئَة تعيش على أمل أنَّ زوجها سيُحبّها ويلتصق بها من خلال ولادة ثلاثة بنين.
- ٱلْآنَ هَذِهِ ٱلْمَرَّةَ يَقْتَرِنُ بِي رَجُلِي: كان الألم في قلب لَيئَة بيِّنًا في قساوة قلب يعقوب وفي موقفهِ تجاه زوجته.
هـ) الآية (٣٥): ولادة يهوذا.
٣٥وَحَبِلَتْ أَيْضًا وَوَلَدَتِ ٱبْنًا وَقَالَتْ: «هَذِهِ ٱلْمَرَّةَ أَحْمَدُ ٱلرَّبَّ». لِذَلِكَ دَعَتِ ٱسْمَهُ «يَهُوذَا». ثُمَّ تَوَقَّفَتْ عَنِ ٱلْوِلَادَةِ.
- فَدَعَتِ ٱسْمَهُ «يَهُوذَا»: سُمِّيَ رابع طفلٍ وُلِدَ ليعقوب، أيضًا من لَيئَة، يهوذا كما دعته أُمُّه، ويعني التَّسبيح. من الواضح، بمكانٍ ما، أنَّ لَيئَة توقَّفت عن تسمية أولادها بأسماءٍ تعكس الألم ومُشتهى قلبها. ففي هذه اللَّحظة بالذات، ركَّزت انتباهها على الله لكي تُسبِّحه.
- هَذِهِ ٱلْمَرَّةَ أَحْمَدُ ٱلرَّبَّ: إلى حدٍّ ما، ولبعض الوقت، سمحت لَيئَة للرَّبِّ بأن يُسدِّد حاجتها، لذلك استطاعت الآن أن تُسبِّح الله. عرفت لَيئة الرَّبَّ بشكلٍ أفضل، فانجذبت إليه بسبب إهمال زوجها.
- بالرغم من أنَّ لَيئَة أُهمِلت من يعقوب واحتُقِرت من راحيل، فقد كان لها وعدٌ كبيرٌ في خطَّة الله. إنَّ أعظم سبطَين أتيا من لَيئَة وليس من راحيل: لاوي (السبط الكهنوتيّ) ويهوذا (السبط الملكيّ). والأهمُّ من ذلك، المسيَّا الَّذي جاء من لَيئَة، تلك الأخت الأقلَّ جاذبيَّة والتي أُهمِلت واحتُقِرت لكنَّها تعلَّمت أن تنظر إلى الرَّبِّ وتُسبِّحه.