سفر التكوين – الإصحاح ٣٠
الأولاد الَّذين وُلِدوا ليعقوب
أولًا. ابنان وُلِدا لـِبِلهَة
أ ) الآيات (١-٤): تُعطي راحيل بلهة خادمتها، بسبب خيبتها، إلى يعقوب كي تُنجِب الأولاد بواسطتها.
١فَلَمَّا رَأَتْ رَاحِيلُ أَنَّهَا لَمْ تَلِدْ لِيَعْقُوبَ، غَارَتْ رَاحِيلُ مِنْ أُخْتِهَا، وَقَالَتْ لِيَعْقُوبَ: «هَبْ لِي بَنِينَ، وَإِلَا فَأَنَا أَمُوتُ!». ٢فَحَمِيَ غَضَبُ يَعْقُوبَ عَلَى رَاحِيلَ وَقَالَ: «أَلَعَلِّي مَكَانَ ٱللهِ ٱلَّذِي مَنَعَ عَنْكِ ثَمْرَةَ ٱلْبَطْنِ؟». ٣فَقَالَتْ: «هُوَذَا جَارِيَتِي بِلْهَةُ، ٱدْخُلْ عَلَيْهَا فَتَلِدَ عَلَى رُكْبَتَيَّ، وَأُرْزَقُ أَنَا أَيْضًا مِنْهَا بَنِينَ». ٤فَأَعْطَتْهُ بِلْهَةَ جَارِيَتَهَا زَوْجَةً، فَدَخَلَ عَلَيْهَا يَعْقُوبُ.
- هَبْ لِي بَنِينَ، وَإِلَا فَأَنَا أَمُوتُ: على الرغم من جمال راحيل الرائع، إلَّا أنَّها كانت أيضًا على حافَّة اليأس. لا شكَّ أنَّ لَيئَة غالبًا ما كانت تقول، ‘لو كان لديَّ جمال أختي ومحبَّة زوجي، لكُنت سعيدة.’ لا شكَّ أنَّ راحيل غالبًا ما كانت تقول، ‘لو كان لديَّ أبناءً كأختي، لكُنت سعيدة.’ فَبِجمالٍ أو ببساطةٍ عاديَّة، لدينا جميعنا مشاكلنا.
- يُوضِّح لنا هذا المبدأ الحاجة إلى التَّوقُّف عن النظر إلى كيفية تعامل الله مع الآخرين ونضعه نُصبَ أعيُننا. علَّم الرَّبُّ يسوع المسيح نفس المبدأ لبطرس (يوحنَّا ١٩:٢١-٢٢).
- غَارَتْ رَاحِيلُ مِنْ أُخْتِهَا… هَبْ لِي بَنِينَ، وَإِلَا فَأَنَا أَمُوتُ… فَحَمِيَ غَضَبُ يَعْقُوبَ عَلَى رَاحِيلَ: كان التوتُّر في هذه العائلة واضحًا. بالرغم من ذلك كلّه، رأى يعقوب يدَ الله في الأمر، حتَّى أنَّه عبَّر عن ذلك بشكلٍ فظٍّ ومُباشرٍ لراحيل (أَلَعَلِّي مَكَانَ ٱللهِ ٱلَّذِي مَنَعَ عَنْكِ ثَمْرَةَ ٱلْبَطْنِ؟).
- من المحتمَل أنَّ راحيل كانت مزهوَّة ومغرورة. علِمت أنَّ يعقوب عمل ١٤ سنة بدون أجرٍ بسبب محبَّته لها، وعلِمت أيضًا أنَّ يعقوب لم يكن ليعمل يومًا واحدًا من أجل لَيئَة.
- هُوَذَا جَارِيَتِي بِلْهَةُ، ٱدْخُلْ عَلَيْهَا فَتَلِدَ عَلَى رُكْبَتَيَّ، وَأُرْزَقُ أَنَا أَيْضًا مِنْهَا بَنِينَ: وكما أعطت سارة هاجر لإبراهيم في اتِّفاقِ الأمِّ البديلة لإنجاب البنين (تكوين ١٦)، هكذا أيضًا راحيل أعطت جاريتها بِلهَة ليعقوب.
- تُشير العبارة فَتَلِدَ عَلَى رُكْبَتَيَّ إلى الممارسة القديمة للتَّبنِّي البديل. يعتقد البعض أنَّ هذه العبارة تُشير إلى وضع الطفل بشكلٍ رمزيٍّ على رُكبتَي مَن سيتبنَّاه. ويعتقد آخَرون أنَّها تُشير إلى جلوس الأمِّ البديلة على رُكبتَي الأمِّ المتبنِّية خلال الزرع والولادة. إذا أشرنا إلى تكوين ٣:٣٠، يقول تفسير القرن الواحد والعشرين للكتاب المقدَّس: “ربَّما تكون هذه الكلمات مقصودة حرفيًّا، وليس مجرَّد تبنِّي مجازيّ.”
- لا ينبغي لنا أن ننظرَ إلى تلقيح بِلهَة وولادتها ‘على ركبتَي’ راحيل كأمرٍ مُؤكَّد. لا نعلَم الكثير عن هذه الممارسة القديمة، وحتَّى لو كانت عادةً قديمة، فهذا لا يعني أنَّها كانت مُتَّبَعة في كلِّ حالة، لكنَّها بالتأكيد احتمالٌ معقول.
- فَأَعْطَتْهُ بِلْهَةَ جَارِيَتَهَا زَوْجَةً: لا تعني هذه أنَّ يعقوب تزوَّج بـ بِلهَة بالفعل. إنَّها تُشير إلى أنَّ يعقوب دخل إلى بِلهَة كما يدخل الرجُل إلى زوجته.
ب) الآيات (٥-٦): ولادة دان.
٥فَحَبِلَتْ بِلْهَةُ وَوَلَدَتْ لِيَعْقُوبَ ٱبْنًا، ٦فَقَالَتْ رَاحِيلُ: «قَدْ قَضَى لِيَ ٱللهُ وَسَمِعَ أَيْضًا لِصَوْتِي وَأَعْطَانِيَ ٱبْنًا». لِذَلِكَ دَعَتِ ٱسْمَهُ «دَانًا».
- لِذَلِكَ دَعَتِ ٱسْمَهُ «دَانًا»: أسمَت راحيل الابن الخامس ليعقوب الَّذي وُلِد من بِلهَة، جاريتها، دَانًا، ويعني الدينونة. فبسبب حسدها، نظرت إلى المولود الجسديّ كانتصارٍ وإدانةٍ لها.
- قَدْ قَضَى لِيَ ٱللهُ وَسَمِعَ أَيْضًا لِصَوْتِي وَأَعْطَانِيَ ٱبْنًا: شعرت راحيل أنَّ ولادة دَانًا كانت برهانًا على أنَّ الله سَمِعَ شكواها. شعرت بقوَّة المنافسة مع أختها لَيئَة.
- “هل يُمكِن للمرأة أن تنخفض لدرجة أنَّها تتصرَّف مع أُختها كالأطفال؟ هكذا فعلَت راحيل.” بارنهاوس (Barnhouse)
ج) الآيات (٧-٨): ولادة نفتالي.
٧وَحَبِلَتْ أَيْضًا بِلْهَةُ جَارِيَةُ رَاحِيلَ وَوَلَدَتِ ٱبْنًا ثَانِيًا لِيَعْقُوبَ، ٨فَقَالَتْ رَاحِيلُ: «مُصَارَعَاتِ ٱللهِ قَدْ صَارَعْتُ أُخْتِي وَغَلَبْتُ». فَدَعَتِ ٱسْمَهُ «نَفْتَالِي».
- فَدَعَتِ ٱسْمَهُ «نَفْتَالِي»: أُسميَ الابن السادس ليعقوب الَّذي وُلِد من بِلهَة، جارية راحيل، نفتالي. أعطتهُ راحيل هذا الاسم (الَّذي يعني صراع) بسبب تصدُّع العلاقات في بيتها إلى درجة إقرار راحيل العلنيّ بأنَّ هذا الأمر يتعلَّق بالمنافسة بالأطفال.
- مُصَارَعَاتِ ٱللهِ قَدْ صَارَعْتُ أُخْتِي وَغَلَبْتُ: يبدو هذا غريبًا، ذلك لأنَّه حتَّى هذه اللَّحظة كان لـِلَيئَة أربعة بنين، وكان لراحيل (من بِلهَة) ابنان. بالرغم من ذلك قالت راحيل أنَّها غَلَبت. ربَّما قصدت أنَّ لَيئَة توقَّفت عن إنجاب الأولاد.
ثانيًا. وُلِد ابنان لـِزِلفَة
أ ) الآيات (٩-١١): ولادة جادٍ.
٩وَلَمَّا رَأَتْ لَيْئَةُ أَنَّهَا تَوَقَّفَتْ عَنِ ٱلْوِلَادَةِ، أَخَذَتْ زِلْفَةَ جَارِيَتَهَا وَأَعْطَتْهَا لِيَعْقُوبَ زَوْجَةً، ١٠فَوَلَدَتْ زِلْفَةُ جَارِيَةُ لَيْئَةَ لِيَعْقُوبَ ٱبْنًا. ١١فَقَالَتْ لَيْئَةُ: «بِسَعْدٍ». فَدَعَتِ ٱسْمَهُ «جَادًا».
- أَخَذَتْ زِلْفَةَ جَارِيَتَهَا وَأَعْطَتْهَا لِيَعْقُوبَ زَوْجَةً: اعتقدت لَيئَة، التي توقَّفت عن الانجاب، أنَّه بإمكانها استخدام نفس أسلوب الأمِّ البديلة لزيادة عدد الأولاد المحسوبين عليها، لذلك أعطت جاريتها زِلفَة ليعقوب كما أعطت راحيل جاريتها بِلهَة ليعقوب.
- فَدَعَتِ ٱسْمَهُ «جَادًا»: أُسميَ الابن السابع ليعقوب الَّذي وُلِد من زِلفَة، جارية لَيئَة، جَادًا، ويعني جُنْد أو حُسن الحظِّ. استمرَّت نساء يعقوب باستخدام أولادهُنَّ كَرَهنٍ في صراع القوَّة داخل البيت.
- يبدو أنَّ لَيئَة خسِرت السلام الَّذي كانت تعيشه عندما وُلِد ابنها الرابع؛ لم يعُد لديها ذلك السلام الَّذي جاءَ به التسبيح (يهوذا).
ب) الآيات (١٢-١٣): ولادة أشير.
١٢وَوَلَدَتْ زِلْفَةُ جَارِيَةُ لَيْئَةَ ٱبْنًا ثَانِيًا لِيَعْقُوبَ، ١٣فَقَالَتْ لَيْئَةُ: «بِغِبْطَتِي، لِأَنَّهُ تُغَبِّطُنِي بَنَاتٌ». فَدَعَتِ ٱسْمَهُ «أَشِيرَ».
- فَدَعَتِ ٱسْمَهُ «أَشِيرَ»: أُسميَ الابن الثامن ليعقوب الَّذي وُلِد من زِلفَة، جارية لَيئَة، أشِيرَ، ويعني فرَح. كانت لَيئَة مُهتمَّة بما يجلبه الطفل (لِأَنَّهُ تُغَبِّطُنِي بَنَاتٌ) أكثر من الطفل نفسه.
ثالثًا. تحمِل لَيئَة نفسها ابنَين إضافيَّيَن وابنة
أ ) الآيات (١٤-١٨): ولادة يسَّاكَر.
٤وَمَضَى رَأُوبَيْنُ فِي أَيَّامِ حَصَادِ ٱلْحِنْطَةِ فَوَجَدَ لُفَّاحًا فِي ٱلْحَقْلِ وَجَاءَ بِهِ إِلَى لَيْئَةَ أُمِّهِ. فَقَالَتْ رَاحِيلُ لِلَيْئَةَ: «أَعْطِينِي مِنْ لُفَّاحِ ٱبْنِكِ». ١٥فَقَالَتْ لَهَا: «أَقَلِيلٌ أَنَّكِ أَخَذْتِ رَجُلِي فَتَأْخُذِينَ لُفَّاحَ ٱبْنِي أَيْضًا؟» فَقَالَتْ رَاحِيلُ: «إِذًا يَضْطَجِعُ مَعَكِ ٱللَّيْلَةَ عِوَضًا عَنْ لُفَّاحِ ٱبْنِكِ». ١٦فَلَمَّا أَتَى يَعْقُوبُ مِنَ ٱلْحَقْلِ فِي ٱلْمَسَاءِ، خَرَجَتْ لَيْئَةُ لِمُلَاقَاتِهِ وَقَالَتْ: «إِلَيَّ تَجِيءُ لِأَنِّي قَدِ ٱسْتَأْجَرْتُكَ بِلُفَّاحِ ٱبْنِي». فَٱضْطَجَعَ مَعَهَا تِلْكَ ٱللَّيْلَةَ. ١٧وَسَمِعَ ٱللهُ لِلَيْئَةَ فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتْ لِيَعْقُوبَ ٱبْنًا خَامِسًا. ١٨فَقَالَتْ لَيْئَةُ: «قَدْ أَعْطَانِي ٱللهُ أُجْرَتِي، لِأَنِّي أَعْطَيْتُ جَارِيَتِي لِرَجُلِي». فَدَعَتِ ٱسْمَهُ «يَسَّاكَرَ».
- فَوَجَدَ لُفَّاحًا فِي ٱلْحَقْلِ: إنَّ اللُّفَّاح، أو اليبروح، هو من فصيلة النباتات الباذنجانيَّة ويُسمَّى تُفَّاح الحبِّ في العبريَّة. وكان يُعتقَد أنَّه يزيد الإخصاب لدى النساء (ولا يزال هذا الاعتقاد سائدًا لدى بعض الشعوب). وبما أنَّ لَيئَة كانت تمتلك اللُّفَّاح، فقد علِمت أنَّ يعقوب سيقوم بعلاقاتٍ معها، اعتقادًا منها بوجود احتمالٍ أكبر بأن تُصبح حاملًا.
- لا ندري إذا كان تأثير اللُّفَّاح بيولوجيًّا أم نفسيًّا. فبإرشاد يد الله، يبدو أنَّ تأثير اللُّفَّاح كان ناجحًا في حالة لَيئَة ويعقوب. مهما كانت العوامل التي يستخدمها الله (مثل اللُّفَّاح)، فقد كانت ارادته السِّياديَّة هي العامل الحقيقيّ (وَسَمِعَ ٱللهُ لِلَيْئَةَ).
- أَقَلِيلٌ أَنَّكِ أَخَذْتِ رَجُلِي: كانت العدائيَّة بين لَيئَة وراحيل واضحة بقدر ما كانت مُؤلِمة. لا بدَّ أنَّ العيش في منزلٍ اعتقدت فيه إحدى الزوجات أنَّ الأخرى قد سرقت زوجها منها كان أمرًا مُروِّعًا.
- يؤكِّد هذا حكمة الله في خطَّته الأصليَّة، كما عُبِّر عنها في تكوين ٢٤:٢: اتِّحادُ رجُلٍ واحدٍ مع امرأةٍ واحدة في جسدٍ واحد. وفيما بعد، يَنهي سفر اللاويِّين ١٨:١٨ عن زواج الأخوات، وهذا يُوضِّح السبب.
- “هل من المستغرَب أنَّ هذه العائلة لها تاريخ من الفتنة وإراقة الدماء؟ يعكس الأولاد بيئة بيتهم.” بارنهاوس (Barnhouse)
- فَدَعَتِ ٱسْمَهُ «يَسَّاكَرَ»: أُسميَ الابن التاسع ليعقوب الَّذي وُلِد من لَيئَة يَسَّاكَر، ويعني مكافأة. رأت لَيئَة هذا الابن كمكافأة من الله، ذلك لأنَّها كانت سخيَّة بإعطاء جاريتها ليعقوب.
ب) الآيات (١٩-٢٠): ولادة زبُولون.
١٩وَحَبِلَتْ أَيْضًا لَيْئَةُ وَوَلَدَتِ ٱبْنًا سَادِسًا لِيَعْقُوبَ، ٢٠فَقَالَتْ لَيْئَةُ: «قَدْ وَهَبَنِي ٱللهُ هِبَةً حَسَنَةً. ٱلْآنَ يُسَاكِنُنِي رَجُلِي، لِأَنِّي وَلَدْتُ لَهُ سِتَّةَ بَنِينَ». فَدَعَتِ ٱسْمَهُ «زَبُولُونَ».
- فَدَعَتِ ٱسْمَهُ «زَبُولُون»: أُسميَ الابن العاشر ليعقوب الَّذي وُلِد من لَيئَة زَبُولُون، ويعني مسكَن. ففي أَلَمِ قلبها، ما زالت لَيئَة تنتظر من زوجها أن يُحبَّها حقًّا ويعيش معها، وكانت تتمنَّى أن تفوز بقلب زوجها بهذا العدد الهائل من البنين.
ج) الآية (٢١): ولادة دينَة.
٢١ثُمَّ وَلَدَتِ ٱبْنَةً وَدَعَتِ ٱسْمَهَا «دِينَةَ».
- ثُمَّ وَلَدَتِ ٱبْنَةً: وفي الختام، بعد عشرة بنين، أصبح يعقوب أبًا لابنة من لَيئَة أُسميَت دِينَة. على ما يبدو، لم تكُن لاسمها أيَّة دلالةٍ رمزيَّة.
- ثُمَّ: أتى التَّنافس غير الصَّالح، بمعنًى ما، إلى نهايته. لن تُنجِب لَيئَة والخادمتان المزيد من الأولاد من هذه النقطة فصاعدًا.
- حاربت الزوجتان بعضهما البعض وكأنَّهما في لعبة الميسَر:
- “أُراهِن على زوجة، محبوبة وجميلة.”
- “أُراهِن على زوجةٍ وأربعة بنين.”
- “سآتي بزوجةٍ مثيلة وآتي إليك بمحظيَّة وبابنَين للمحظيَّة.”
- “سآتي إليك بمحظيَّةٍ أخرى وابنَين آخرَين منها؛ بالإضافة إلى ابنَين منِّي أنا، وأُعطيك ابنة. سأقف مع زوجة ومع محظيَّة ومع ستَّة أبناء ومع ابنة.”
- لم يكُن أحدٌ رابحًا في هذه المنافسة.
- حاربت الزوجتان بعضهما البعض وكأنَّهما في لعبة الميسَر:
رابعًا. تحمِل راحيل نفسها ابنًا ليعقوب
أ ) الآية (٢٢): سلطان الله على الرحم.
٢٢وَذَكَرَ ٱللهُ رَاحِيلَ، وَسَمِعَ لَهَا ٱللهُ وَفَتَحَ رَحِمَهَا.
- وَفَتَحَ رَحِمَهَا: إنّ فكرة سيادة الله على الرحم هي مفهومٌ مُتكرِّرٌ في الكتاب المقدَّس. فقد تكون مقاصد الله في فتح أحدها وإغلاق الآخر غير معروفة تمامًا، لكنَّ الله له قصده.
- وهب الله توأمَين لرفقة (تكوين ٢١:٢٥).
- فتَح رحم لَيئَة (تكوين ٣١:٢٩).
- أغلق رحم حنَّة، لكن لبعض الوقت (١ صموئيل ٥:١).
ب) الآيات (٢٣-٢٤): ولادة يوسف.
٢٣فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتِ ٱبْنًا فَقَالَتْ: «قَدْ نَزَعَ ٱللهُ عَارِي». ٢٤وَدَعَتِ ٱسْمَهُ «يُوسُفَ» قَائِلَةً: «يَزِيدُنِي ٱلرَّبُّ ٱبْنًا آخَرَ».
- وَدَعَتِ ٱسْمَهُ «يُوسُفَ»: أُسميَ الابن الحادي عشر ليعقوب الَّذي وُلِد من راحيل يُوسُف، ويعني لِيَزيد. شعرت راحيل أنَّه تمَّت تبرئتها من خلال ولادة ابنٍ واحد، لكنَّها طمحت بالمزيد من الأولاد لِتُكمِل المنافسة مع أختها لَيئَة.
- قَدْ نَزَعَ ٱللهُ عَارِي: عند هذه النقطة، يعتقد البعض أنَّ الابن الحادي عشر هذا سيكون في نهاية المطاف الابن الرئيسيّ الَّذي سيُستخدَم لنشر قصد الله الفدائيّ من خلال هذه العائلة. بالرغم من ذلك، نستطيع أن نعتبِر أنَّ فكرَ إشعياء ٨:٥٥-٩ هو صحيح: ” لِأَنَّ أَفْكَارِي لَيْسَتْ أَفْكَارَكُمْ، وَلَا طُرُقُكُمْ طُرُقِي، يَقُولُ ٱلرَّبُّ. لِأَنَّهُ كَمَا عَلَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ عَنِ ٱلْأَرْضِ، هَكَذَا عَلَتْ طُرُقِي عَنْ طُرُقِكُمْ وَأَفْكَارِي عَنْ أَفْكَارِكُمْ.”
خامسًا. اتِّفاق يعقوب مع لابان
أ ) الآيات (٢٥-٢٧): عرف يعقوب أنَّه حان الوقت للرجوع إلى كنعان.
٢٥وَحَدَثَ لَمَّا وَلَدَتْ رَاحِيلُ يُوسُفَ أَنَّ يَعْقُوبَ قَالَ لِلَابَانَ: «ٱصْرِفْنِي لِأَذْهَبَ إِلَى مَكَانِي وَإِلَى أَرْضِي. ٢٦أَعْطِنِي نِسَائِي وَأَوْلَادِي ٱلَّذِينَ خَدَمْتُكَ بِهِمْ فَأَذْهَبَ، لِأَنَّكَ أَنْتَ تَعْلَمُ خِدْمَتِي ٱلَّتِي خَدَمْتُكَ». ٢٧فَقَالَ لَهُ لَابَانُ: «لَيْتَنِي أَجِدُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ. قَدْ تَفَاءَلْتُ فَبَارَكَنِي ٱلرَّبُّ بِسَبَبِكَ».
- ٱصْرِفْنِي لِأَذْهَبَ إِلَى مَكَانِي وَإِلَى أَرْضِي: بالرغم من إقامة يعقوب في حاران مع لابان وابنتَيهِ لأكثر من ١٤ سنة، عرف بأنَّه ينتمي إلى الأرض التي وعده بها الله، من خلال العهد مع جدِّه إبراهيم وأبيه إسحاق. وبعد ١٤ سنة، لا يزال يعقوب يدعو أرض الموعد أَرْضِي.
- لَيْتَنِي أَجِدُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ. قَدْ تَفَاءَلْتُ فَبَارَكَنِي ٱلرَّبُّ بِسَبَبِكَ: عرف لابان أنَّ يعقوب هو عاملٌ لا يُثمَّن لديه. وقال لابان أنَّ هذه المعرفة اكتسبها بالخبرة (قَدْ تَفَاءَلْتُ). يعني هذا حرفيًّا، تعلَّمت بإعلانٍ إلهيٍّ. فمن الممكن أن يكون لابان قد مارس العرافة، وبذلك عرف مصدر بركته.
ب) الآيات (٢٨-٣٤): يتفاوض يعقوب لإبرام اتِّفاقٍ مع لابان كي يبدأ بفَرزِ قطيعٍ من الأغنام والماعز لنفسه.
٢٨وَقَالَ: «عَيِّنْ لِي أُجْرَتَكَ فَأُعْطِيَكَ». ٢٩فَقَالَ لَهُ: «أَنْتَ تَعْلَمُ مَاذَا خَدَمْتُكَ، وَمَاذَا صَارَتْ مَوَاشِيكَ مَعِي، ٣٠لِأَنَّ مَا كَانَ لَكَ قَبْلِي قَلِيلٌ فَقَدِ ٱتَّسَعَ إِلَى كَثِيرٍ، وَبَارَكَكَ ٱلرَّبُّ فِي أَثَرِي. وَٱلْآنَ مَتَى أَعْمَلُ أَنَا أَيْضًا لِبَيْتِي؟». ٣١فَقَالَ: «مَاذَا أُعْطِيكَ؟» فَقَالَ يَعْقُوبُ: «لَا تُعْطِينِي شَيْئًا. إِنْ صَنَعْتَ لِي هَذَا ٱلْأَمْرَ أَعُودُ أَرْعَى غَنَمَكَ وَأَحْفَظُهَا: ٣٢أَجْتَازُ بَيْنَ غَنَمِكَ كُلِّهَا ٱلْيَوْمَ، وَٱعْزِلْ أَنْتَ مِنْهَا كُلَّ شَاةٍ رَقْطَاءَ وَبَلْقَاءَ، وَكُلَّ شَاةٍ سَوْدَاءَ بَيْنَ ٱلْخِرْفَانِ، وَبَلْقَاءَ وَرَقْطَاءَ بَيْنَ ٱلْمِعْزَى. فَيَكُونَ مِثْلُ ذَلِكَ أُجْرَتِي. ٣٣وَيَشْهَدُ فِيَّ بِرِّي يَوْمَ غَدٍ إِذَا جِئْتَ مِنْ أَجْلِ أُجْرَتِي قُدَّامَكَ. كُلُّ مَا لَيْسَ أَرْقَطَ أَوْ أَبْلَقَ بَيْنَ ٱلْمِعْزَى وَأَسْوَدَ بَيْنَ ٱلْخِرْفَانِ فَهُوَ مَسْرُوقٌ عِنْدِي». ٣٤فَقَالَ لَابَانُ: «هُوَذَا لِيَكُنْ بِحَسَبِ كَلَامِكَ».
- وَبَلْقَاءَ وَرَقْطَاءَ بَيْنَ ٱلْمِعْزَى. فَيَكُونَ مِثْلُ ذَلِكَ أُجْرَتِي: سيأخذ يعقوب كلَّ شاةٍ بلقاء ورقطاء، لكن عليه أوَّلًا أن يفصل الحيوانات البلقاء والرقطاء عن سائر القطعان. فهذا سيزيد من احتمال ازدياد أعداد المواشي البلقاء والرقطاء لديه.
- إنَّ السماح للخرفان والماعز البلقاء والرقطاء بالبقاء ضمن القطيع سيزيد من احتمال مجيءِ شاةٍ بلقاء ورقطاء من القطيع الأكبر.
- فَقَالَ لَابَانُ: «هُوَذَا لِيَكُنْ بِحَسَبِ كَلَامِكَ»: كان هذا اتِّفاقًا مَرضيًّا للطَّرفَين. أوَّلًا، كان من السذاجة بمكان ما التَّمييز بين قطعان لابان ويعقوب. بالإضافة إلى ذلك، أعجب الاتِّفاق لابان لأنَّه كان يصبُّ في مصلحته. أمَّا يعقوب فقد اقترح إِبْرام هذا الاتِّفاق لأنَّه كان مُستعدًّا أن يثق بالله.
ج) الآيات (٣٥-٣٦): أُبرِم الاتِّفاق وفُصِلت القطعان.
٣٥فَعَزَلَ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ ٱلتُّيُوسَ ٱلْمُخَطَّطَةَ وَٱلْبَلْقَاءَ، وَكُلَّ ٱلْعِنَازِ ٱلرَّقْطَاءِ وَٱلْبَلْقَاءِ، كُلَّ مَا فِيهِ بَيَاضٌ وَكُلَّ أَسْوَدَ بَيْنَ ٱلْخِرْفَانِ، وَدَفَعَهَا إِلَى أَيْدِي بَنِيهِ. ٣٦وَجَعَلَ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَعْقُوبَ، وَكَانَ يَعْقُوبُ يَرْعَى غَنَمَ لَابَانَ ٱلْبَاقِيَةَ.
- وَكَانَ يَعْقُوبُ يَرْعَى غَنَمَ لَابَانَ ٱلْبَاقِيَةَ: سيعتني يعقوب بالقطعان الكبيرة لِحَماه لابان التي كانت غير مُخطَّطة أو بلقاء. وأخذ يعقوب كلَّ شاةٍ رقطاء وبلقاء من القطيع.
- يبدو واضحًا أنَّه لو وجد يعقوب طريقةً ما لتحفيز الخراف غير المخطَّطة أن تلِد مواشٍ بلقاء ورقطاء، فسيزداد غناه الشخصيّ.
- وَجَعَلَ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَعْقُوبَ: لِمَنع اختلاط القطعان، اهتمَّ أبناء لابان بكلِّ التيوس والماعِز واضعين مسافة ثلاثة أيَّامٍ بين القطعان.
- وَكَانَ يَعْقُوبُ يَرْعَى غَنَمَ لَابَانَ ٱلْبَاقِيَةَ: ليتأكَّد بأنَّ ملكيَّة ربِّ العمل قد تمَّ الاهتمام بها، اعتنى يعقوب شخصيًّا بالقطعان.
د ) الآيات (٣٧-٤٣): يبارك الله يعقوب في أسلوب التَّناسُل فازداد غنًى كبيرًا.
٣٧فَأَخَذَ يَعْقُوبُ لِنَفْسِهِ قُضْبَانًا خُضْرًا مِنْ لُبْنَى وَلَوْزٍ وَدُلْبٍ، وَقَشَّرَ فِيهَا خُطُوطًا بِيضًا، كَاشِطًا عَنِ ٱلْبَيَاضِ ٱلَّذِي عَلَى ٱلْقُضْبَانِ. ٣٨وَأَوْقَفَ ٱلْقُضْبَانَ ٱلَّتِي قَشَّرَهَا فِي ٱلْأَجْرَانِ فِي مَسَاقِي ٱلْمَاءِ حَيْثُ كَانَتِ ٱلْغَنَمُ تَجِيءُ لِتَشْرَبَ، تُجَاهَ ٱلْغَنَمِ، لِتَتَوَحَّمَ عِنْدَ مَجِيئِهَا لِتَشْرَبَ. ٣٩فَتَوَحَّمَتِ ٱلْغَنَمُ عِنْدَ ٱلْقُضْبَانِ، وَوَلَدَتِ ٱلْغَنَمُ مُخَطَّطَاتٍ وَرُقْطًا وَبُلْقًا. ٤٠وَأَفْرَزَ يَعْقُوبُ ٱلْخِرْفَانَ وَجَعَلَ وُجُوهَ ٱلْغَنَمِ إِلَى ٱلْمُخَطَّطِ وَكُلِّ أَسْوَدَ بَيْنَ غَنَمِ لَابَانَ. وَجَعَلَ لَهُ قُطْعَانًا وَحْدَهُ وَلَمْ يَجْعَلْهَا مَعَ غَنَمِ لَابَانَ. ٤١وَحَدَثَ كُلَّمَا تَوَحَّمَتِ ٱلْغَنَمُ ٱلْقَوِيَّةُ أَنَّ يَعْقُوبَ وَضَعَ ٱلْقُضْبَانَ أَمَامَ عُيُونِ ٱلْغَنَمِ فِي ٱلْأَجْرَانِ لِتَتَوَحَّمَ بَيْنَ ٱلْقُضْبَانِ. ٤٢وَحِينَ ٱسْتَضْعَفَتِ ٱلْغَنَمُ لَمْ يَضَعْهَا، فَصَارَتِ ٱلضَّعِيفَةُ لِلَابَانَ وَٱلْقَوِيَّةُ لِيَعْقُوبَ. ٤٣فَٱتَّسَعَ ٱلرَّجُلُ كَثِيرًا جِدًّا، وَكَانَ لَهُ غَنَمٌ كَثِيرٌ وَجَوَارٍ وَعَبِيدٌ وَجِمَالٌ وَحَمِيرٌ.
- فَأَخَذَ يَعْقُوبُ لِنَفْسِهِ قُضْبَانًا خُضْرًا مِنْ لُبْنَى وَلَوْزٍ وَدُلْبٍ: عندما أوقَف يعقوب هذه القضبان للماشية فِي أَجْرَانِ مَسَاقِي ٱلْمَاءِ، ازدادت أعداد القطعان البلقاء والمرقَّطة من الماشية غير المخطَّطة التي كان يعقوب يرعاها لصالح لابان.
- فَصَارَتِ ٱلضَّعِيفَةُ لِلَابَانَ وَٱلْقَوِيَّةُ لِيَعْقُوبَ: استخدم يعقوب أيضًا التَّناسُل الانتقائيّ ليزيد من قوَّة وحيويَّة القطعان. لا ندري تحديدًا كيف نجحت هذه الطريقة. فمن الممكِن أنَّ يعقوب كان يعرف عن تربية الحيوانات أكثر منَّا اليوم، وأنَّ الله باركه.
- يقول سفر التكوين ١٠:٣١-١٣ أنَّ يعقوب رأى في حُلُمٍ بركة إكثار قطعان الخراف والماعز البلقاء والرقطاء. كان هذا الحلُم أيضًا مُرتبطًا بوعد الله بالاهتمام بيعقوب وبدعوته للرجوع إلى كنعان، أرض عائلته.
- فَٱتَّسَعَ ٱلرَّجُلُ كَثِيرًا جِدًّا: تقول اللُّغَّة العبريَّة القديمة، ‘اتَّسع الرجل بكثرةٍ شديدة.’ بارك الله يعقوب، لكن ليس لأنَّ يعقوب كان صالحًا بشكلٍ خاص. فقد كان ذلك بسبب وعود الله ليعقوب (تكوين ١٣:٢٨-١٥) وعهده الَّذي صنعه مع إبراهيم.
- وبنفس الطريقة تأتي البركة من الرَّبِّ ليس لأنَّنا عظماء أو صالحون، لكن بسبب العهد الَّذي صنعه الله معنا في يسوع المسيح ووعوده التي أعطانا إيَّاها في كلمته.
- يمكننا مُلاحظة بعضُ مبادئ يعقوب للغنى والثراء:
- لا تجعل الغنى هدفك (تكوين ٢٥:٣٠-٢٦).
- لا تخَف من أن تعمل للآخرين بل حاول أن تزيد من غناهم مع أو قبل أن تزيد من غناك (تكوين ٢٧:٣٠).
- اعمَل بجهدٍ، مُكرِّسًا نفسك لنجاح ربِّ عملك (تكوين ٢٦:٣٠، ٣٨:٣١-٤٢).
- ثق بالله (تكوين ٣١:٣٠-٣٣).