سفر التكوين – الإصحاح ٤٢
يلتقي يوسُف بإخوته في مصرَ
أولًا. يأتي أبناءُ يعقوب إلى مصرَ
أ ) الآيات (١-٤): يُرسِل يعقوب أبناءه إلى مصرَ لكي يبتاعوا قمحًا.
١فَلَمَّا رَأَى يَعْقُوبُ أَنَّهُ يُوجَدُ قَمْحٌ فِي مِصْرَ، قَالَ يَعْقُوبُ لِبَنِيهِ: «لِمَاذَا تَنْظُرُونَ بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ؟» ٢وَقَالَ «إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ أَنَّهُ يُوجَدُ قَمْحٌ فِي مِصْرَ. ٱنْزِلُوا إِلَى هُنَاكَ وَٱشْتَرُوا لَنَا مِنْ هُنَاكَ لِنَحْيَا وَلَا نَمُوتَ». ٣فَنَزَلَ عَشْرَةٌ مِنْ إِخْوَةِ يُوسُفَ لِيَشْتَرُوا قَمْحًا مِنْ مِصْرَ. ٤وَأَمَّا بَنْيَامِينُ أَخُو يُوسُفَ فَلَمْ يُرْسِلْهُ يَعْقُوبُ مَعَ إِخْوَتِهِ، لِأَنَّهُ قَالَ: «لَعَلَّهُ تُصِيبُهُ أَذِيَّةٌ».
- فَلَمَّا رَأَى يَعْقُوبُ أَنَّهُ يُوجَدُ قَمْحٌ فِي مِصْرَ: لدينا سببٌ يدفعنا للاعتقاد (بناءً على تكوين ١١:٤٥) بأنَّ هذا الأمر قد حدث في السنة الأُولى للجوع. لم يستغرق الوقت كثيرًا كي تجِدَ مشاكل العالَم الكبيرة طريقها إلى ديار يعقوب. لم يكُن الجوع مُشكلةً عالميَّة فقط؛ لقد كان مُشكِلةً عائليَّة بالنسبة إلى يعقوب.
- لِمَاذَا تَنْظُرُونَ بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ؟: لاحظ يعقوب تعبيرًا غريبًا بين الإخوة عندما ذُكِرَت مِصْرَ، ذلك لأنَّهم كانوا يعلَمون بأنَّ يوسُف من الممكِن أن يكون قد بيعَ كعبدٍ هناك. فَوَخزُ ضميرهم جعلهم يشعرون شعورًا رهيبًا في كلَّ مرَّةٍ كانت تُذكَر فيها مِصْرَ.
- “لاحظ يعقوب نظرة الحيرة في وجوه أبنائه … تعني هذه العبارة، حرفيًّا، ‘النظر إلى بعضهم البعض نظرةً تساؤليَّة’” ليوبولد (Leupold)
- “كانت كلمة مصر في آذانهم شبيهة بصوت كلمة حَبْل في بيت رجُلٍ شنق نفسه” بارنهاوس (Barnhouse)
- عاش إخوة يوسُف سرًّا رهيبًا لمدَّة ٢٠ سنة. لم يتكلَّموا قَط عنه، إلَّا أنَّه لم يُفارقهم. فكلُّ ذكرٍ ليوسُف أو مصر كان يُعيد ذكريات الذَنْب. لقد احتاجوا إلى الانعتاق لكي يتحرَّروا من قوَّة سرِّهم الرهيب.
- لَعَلَّهُ تُصِيبُهُ أَذِيَّةٌ: بسبب خسارته ليوسُف منذ ٢٠ عامًا من قَبْل، عاش يعقوب حياته في خوفٍ مُستمرٍّ مُتمثِّلٍ في احتمال خسارته لبنيامين – الابن الآخَر من زوجتهِ راحيل والمفضَّل. لقد كان يُراقب بنيامين عن كثب.
- وَأَمَّا بَنْيَامِينُ أَخُو يُوسُفَ فَلَمْ يُرْسِلْهُ يَعْقُوبُ مَعَ إِخْوَتِهِ: انسجامًا مع هذا الموقِف، طالب بأن يُترَك بنيامين حيث هو. بالرغم من وجود ١١ ابنًا، واحدٌ منهم فقط هو ابنُ زوجتهِ المحبوبة راحيل المتوفَّاة، لذلك شعر يعقوب بأنَّه ينبغي عليه أن يحميَهُ.
- يا ليتهُ عرفَ يعقوب. لو كان بإمكانه فقط أن يثِق بيدِ الله التي لا يراها. في واقع الحال، إنَّ السبب الوحيد لوجود القمح في مصر لتأمين حاجاته وحاجات عائلته هو أنَّ الله أرسل يوسُف أمامهم. لقد عَلِم الله ما كان يفعله.
- وإن لم يكن الجوع أمرًا جيِّدًا، فقد استخدمه الله. يُمكن لله أن يستخدِم حاجاتنا المادِّيَّة والعوَز في حياتنا ليجعلنا نقوم بأُمورٍ غالبًا ما نقوم بها بشكلٍ طبيعيّ. عادةً لا يذهب الإخوة أبدًا إلى مصر؛ لكنَّ الحاجة دفعتهم إلى هناك.
ب) الآيات (٥-٦): ينحني أبناءُ يعقوب أمام يوسُف.
٥فَأَتَى بَنُو إِسْرَائِيلَ لِيَشْتَرُوا بَيْنَ ٱلَّذِينَ أَتَوْا، لِأَنَّ ٱلْجُوعَ كَانَ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ. ٦وَكَانَ يُوسُفُ هُوَ ٱلْمُسَلَّطَ عَلَى ٱلْأَرْضِ، وَهُوَ ٱلْبَائِعَ لِكُلِّ شَعْبِ ٱلْأَرْضِ. فَأَتَى إِخْوَةُ يُوسُفَ وَسَجَدُوا لَهُ بِوُجُوهِهِمْ إِلَى ٱلْأَرْضِ.
- وَسَجَدُوا لَهُ بِوُجُوهِهِمْ إِلَى ٱلْأَرْضِ: كانوا يعلمون أنَّه في هذا الوقت من المجاعة، كانت حياتهم تعتمد حرفيًّا على هذا المسؤول المصريّ؛ لذلك، قدَّموا له احترامًا كبيرًا بسجودهم له.
- بِوُجُوهِهِمْ إِلَى ٱلْأَرْضِ: ستُخبرنا الأعداد التالية أنَّ يوسُف تذكَّر ذلك الحُلُم الَّذي حَلُم به منذ ٢٠ سنة بأنَّ إخوته سيسجدون أمامه (تكوين ٥:٣٧-٨).
- عندما دبَّر إخوة يوسُف خطَّة قتلهِ وبيعهِ للعبوديَّة، قاموا بفعل ذلك وفي نيَّتهم هزيمة أحلامهِ بالتَّحديد (تكوين ١٩:٣٧-٢٠). وبدلًا من ذلك، فبإرسالَهم يوسُف إلى مصرَ دبَّروا طريقةً ما لإتمام هذه الأحلام.
- إنَّ الحقيقة العظيمة والمجيدة لعناية الله هي أنَّه يستطيع أن يستخدِمَ أعمال الإنسان الشرِّيرة تجاهنا لتعزيز خطَّته الصَّالحة لنا. هذا لا يُبرِّرُ شرَّ الإنسان أبدًا، لكنَّه يعني أنَّ حكمة الله وصلاحه هُما أعظم من شرِّ الإنسان. لِأَنَّ غَضَبَ ٱلْإِنْسَانِ يَحْمَدُكَ. بَقِيَّةُ ٱلْغَضَبِ تَتَمَنْطَقُ بِهَا (مزمور ١٠:٧٦).
ج) الآيات (٧-٨): يتعرَّف يوسُف على اخوته.
٧وَلَمَّا نَظَرَ يُوسُفُ إِخْوَتَهُ عَرَفَهُمْ، فَتَنَكَّرَ لَهُمْ وَتَكَلَّمَ مَعَهُمْ بِجَفَاءٍ، وَقَالَ لَهُمْ: «مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ؟» فَقَالُوا: «مِنْ أَرْضِ كَنْعَانَ لِنَشْتَرِيَ طَعَامًا». ٨وَعَرَفَ يُوسُفُ إِخْوَتَهُ، وَأَمَّا هُمْ فَلَمْ يَعْرِفُوهُ.
- وَلَمَّا نَظَرَ يُوسُفُ إِخْوَتَهُ عَرَفَهُمْ، فَتَنَكَّرَ لَهُمْ: كان يوسُف يتكلَّم من خلال مُترجِمٍ (لَم يُرِد بعدُ أن يُظهِر إمكانيَّة تكلُّمه للعبريَّة) ولم يُظهِر هويَته لإخوته، بل تكلَّم معهم بِجَفَاءٍ.
- تصرَّف يوسُف هكذا بإرشاد الرُّوح القدس. تذكَّر ما قيل عن يوسُف في تكوين ٣٨:٤١: فَقَالَ فِرْعَوْنُ لِعَبِيدِهِ: «هَلْ نَجِدُ مِثْلَ هَذَا رَجُلًا فِيهِ رُوحُ ٱللهِ؟. لم يكُن هذا انتقامًا أو لَيًّا للسكِّين.
- كان من الممكن أن يكون كلُّ هذا مُختلِفًا، لكنَّ الله خطَّطه بهذه الطريقة لا لِيُخلِّصهم من المجاعة فحسب، بل لاسترجاع العلاقة الصحيحة مع يوسُف.
- وَعَرَفَ يُوسُفُ إِخْوَتَهُ، وَأَمَّا هُمْ فَلَمْ يَعْرِفُوهُ: وفي هذا نرى أنَّ يوسُف هو صورة عن يسوع. يَرى يسوع مَن نحن قبل زمنٍ طويلٍ من رؤيتنا نحن لِمَن يكون هو. هو يعرفنا – ولا يزال يُحبُّنا أيضًا. هو يعرفك – ولا يزال يُحبُّك أيضًا.
د ) الآيات (٩-١٧): يُحقِّق يوسُف مع إخوته ويضعهم في السجن.
٩فَتَذَكَّرَ يُوسُفُ ٱلْأَحْلَامَ ٱلَّتِي حَلُمَ عَنْهُمْ، وَقَالَ لَهُمْ: «جَوَاسِيسُ أَنْتُمْ! لِتَرَوْا عَوْرَةَ ٱلْأَرْضِ جِئْتُمْ» ١٠فَقَالُوا لَهُ: «لَا يَا سَيِّدِي، بَلْ عَبِيدُكَ جَاءُوا لِيَشْتَرُوا طَعَامًا. ١١نَحْنُ جَمِيعُنَا بَنُو رَجُلٍ وَاحِدٍ. نَحْنُ أُمَنَاءُ، لَيْسَ عَبِيدُكَ جَوَاسِيسَ». ١٢فَقَالَ لَهُمْ: «كَلَّا! بَلْ لِتَرَوْا عَوْرَةَ ٱلْأَرْضِ جِئْتُمْ». ١٣فَقَالُوا: «عَبِيدُكَ ٱثْنَا عَشَرَ أَخًا. نَحْنُ بَنُو رَجُلٍ وَاحِدٍ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ. وَهُوَذَا ٱلصَّغِيرُ عِنْدَ أَبِينَا ٱلْيَوْمَ، وَٱلْوَاحِدُ مَفْقُودٌ». ١٤فَقَالَ لَهُمْ يُوسُفُ: «ذَلِكَ مَا كَلَّمْتُكُمْ بِهِ قَائِلًا: جَوَاسِيسُ أَنْتُمْ! ١٥بِهَذَا تُمْتَحَنُونَ. وَحَيَاةِ فِرْعَوْنَ لَا تَخْرُجُونَ مِنْ هُنَا إِلَا بِمَجِيءِ أَخِيكُمُ ٱلصَّغِيرِ إِلَى هُنَا». ١٦أَرْسِلُوا مِنْكُمْ وَاحِدًا لِيَجِيءَ بِأَخِيكُمْ، وَأَنْتُمْ تُحْبَسُونَ، فَيُمْتَحَنَ كَلَامُكُمْ هَلْ عِنْدَكُمْ صِدْقٌ. وَإِلَا فَوَحَيَاةِ فِرْعَوْنَ إِنَّكُمْ لَجَوَاسِيسُ»! ١٧فَجَمَعَهُمْ إِلَى حَبْسٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.
- فَتَذَكَّرَ يُوسُفُ ٱلْأَحْلَامَ ٱلَّتِي حَلُمَ عَنْهُمْ: لم يكُن يوسُف يتلاعَب مع إخوته. يعتقِد بعض المفسِّرين بأنَّه لو كان الأمر يعود لِيوسُف، لأَظهر نفسه لإخوته في تلك اللَّحظة وفي ذلك المكان. لكنَّ الله جعله يتذكَّر الأحلام في عقله وأرشده ليكون أداةً في تغيير وتجديد واستعادة إخوته.
- يستطيع الله، كما ويجب عليه أيضًا، أن يستخدِمَ أساليب نعتبرها أحيانًا قاسية عندما يدعونا للذهاب إلى المكان الَّذي يريدنا أن نكون فيه. يجب أن لا نستاء من ذلك أبدًا، ذلك لأنَّ قساوة قلوبنا سبَّبت ذلك. قَبْلَ أَنْ أُذَلَّلَ أَنَا ضَلَلْتُ، أَمَّا ٱلْآنَ فَحَفِظْتُ قَوْلَكَ (مزمور ٦٧:١١٩).
- وَٱلْوَاحِدُ مَفْقُودٌ: كانت هذه كذبة وقد عرف الإخوة ذلك. كانت لديهم كلُّ الأسباب للاعتقاد بأنَّ يوسُف لم يمُت، بل محكومٌ عليه بحياة العبوديَّة. ربَّما كرَّروا هذه الكذبة لأنفسهم لدرجةِ أنَّهم باتوا يُصدِّقونها.
- إنَّ قولَهُم بأنَّ يوسُف كان ميِّتًا لم يجعله ميِّتًا. والقول بأنَّ يسوع لم يَقُم لا يجعله ميِّتًا. فيسوع هو حيٌّ وهو فيما بيننا.
هـ) الآيات (١٨-٢٠): يضع يوسُف شروطه لإطلاق سراحهم.
١٨ثُمَّ قَالَ لَهُمْ يُوسُفُ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ: «ٱفْعَلُوا هَذَا وَٱحْيَوْا. أَنَا خَائِفُ ٱللهِ. ١٩إِنْ كُنْتُمْ أُمَنَاءَ فَلْيُحْبَسْ أَخٌ وَاحِدٌ مِنْكُمْ فِي بَيْتِ حَبْسِكُمْ، وَٱنْطَلِقُوا أَنْتُمْ وَخُذُوا قَمْحًا لِمَجَاعَةِ بُيُوتِكُمْ. ٢٠وَأَحْضِرُوا أَخَاكُمُ ٱلصَّغِيرَ إِلَيَّ، فَيَتَحَقَّقَ كَلَامُكُمْ وَلَا تَمُوتُوا». فَفَعَلُوا هَكَذَا.
- ٱفْعَلُوا هَذَا وَٱحْيَوْا: وبعد ثلاثة أيَّامٍ في حبسٍ مصريّ، أصبح الإخوة مُستعدِّين لِقَبول شروط يوسُف. لقد تواضعوا وهم مُستعدُّون للإصغاء إلى مطالِب يوسُف. فقد كان هو مَن يمتلك كلمات الحياة.
- أَنَا خَائِفُ ٱللهِ: لم يُرِد يوسُف من إخوته أن يهابوه بِقَدَر ما كان يريدهم أن يثقوا به. إذا كان الإخوة حكماء كفاية لِمَعرفة ما معنى كلِّ هذا، فسيكون ذلك ارتياحًا كبيرًا لهم.
- إِنْ كُنْتُمْ أُمَنَاءَ: كان أمرُ يوسُف واضحًا. يجب عليهم أن يُبرهِنوا أنَّهم ليسوا جواسيس بكونهم أُمناء وأنَّهم يقولون الحقيقة عن أخيهم الَّذي في البيت. اتَّفق الإخوة على ذلك (فَفَعَلُوا هَكَذَا) ولكن بِتَردُّد، ذلك لأنَّهم عرفوا أنَّ أباهم لَن يسمح لبنيامين بأن يترك البيت.
و ) الآيات (٢١-٢٤): تُؤنَّب ضمائِر إخوة يوسف.
٢١وَقَالُوا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «حَقًّا إِنَّنَا مُذْنِبُونَ إِلَى أَخِينَا ٱلَّذِي رَأَيْنَا ضِيقَةَ نَفْسِهِ لَمَّا ٱسْتَرْحَمَنَا وَلَمْ نَسْمَعْ. لِذَلِكَ جَاءَتْ عَلَيْنَا هَذِهِ ٱلضِّيقَةُ». ٢٢فَأَجَابَهُمْ رَأُوبَيْنُ قَائِلًا: «أَلَمْ أُكَلِّمْكُمْ قَائِلًا: لَا تَأْثَمُوا بِٱلْوَلَدِ، وَأَنْتُمْ لَمْ تَسْمَعُوا؟ فَهُوَذَا دَمُهُ يُطْلَبُ». ٢٣وَهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ يُوسُفَ فَاهِمٌ، لِأَنَّ ٱلتُّرْجُمَانَ كَانَ بَيْنَهُمْ. ٢٤فَتَحَوَّلَ عَنْهُمْ وَبَكَى، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِمْ وَكَلَّمَهُمْ، وَأَخَذَ مِنْهُمْ شِمْعُونَ وَقَيَّدَهُ أَمَامَ عُيُونِهِمْ.
- حَقًّا إِنَّنَا مُذْنِبُونَ إِلَى أَخِينَا: إنَّ تأنيب ضميرهم بسبب ذَنْبِهم أكَّد لهم أنَّ كلَّ هذه الفوضى هي نتيجة طريقة معاملتهم ليوسُف قبلًا. كانت هذه علامةً جيِّدة. فالسرعة التي جعلتهم يربطون هذه الأحداث بخطيَّتهم ضدَّ يوسُف كانت تعني أنَّهم تذكَّروا هذه الخطيَّة.
- لم يكُن هناك من رابطٍ منطقيٍّ بين ما يجري الآن وما حدث في السَّابق لجهَّة مُعاملة يوسُف، لكنَّ الضمير الـمُتعَب يرى كلَّ مشكلةٍ كقصاصٍ للخطيَّة.
- تمتلِك حكومة الولايات المتَّحِدة الأمريكيَّة ما يُسمَّى بـِ ‘صندوق الضمير الفيدراليّ’ الَّذي يجمع المال من الناس الَّذين يعلمون بأنَّهم غشُّوا الحكومة بطريقةٍ ما. تُرسَل هذه الأموال نتيجةً لِسَرقة بطَّانيَّات الجيش كهدايا تذكاريَّة أو الغشِّ في البريد أو في ضريبة الدَّخْل. لكنَّ ضمائرنا فاسدة وضعيفة. كتب أحدهم مرَّةً إلى دائرة الإيرادات الدَّاخليَّة وقال، “لم أكُن صادقًا في دفعِ ضرائبي ولا يُمكنني النوم في اللَّيل. تجدون طيَّه شيكًّا بقيمة ١٠٠ دولار. فإذا لم أستطِع الخلود إلى النوم، سأُرسِل الباقي المتوجِّب عليَّ.”
- لِذَلِكَ جَاءَتْ عَلَيْنَا هَذِهِ ٱلضِّيقَةُ: نسمع في هذه الكلمات ضمير إخوته يعمَل. يُشبِّه البعض الضمير بـ مِزْوَلَة الروح. فهذه الساعة الشمسيَّة تُشير إلى الوقت خلال النهار لكنَّها غير نافعة خلال اللَّيل. لكنَّك إذا سلَّطت الضوء باتِّجاه المزوَلَة، عندها يمكنك قراءة الوقت الَّذي تريد. عندما تُضيءُ كلمةُ الله كَأشعَّةِ الشمسِ في ضمائرنا، إنَّها دقيقة وأهْلٌ للثقة؛ خلاف ذلك، فهي ليست دائمًا مُعتمَدَة.
- غير ذلك، يُمكِن للضمير أن يكون كَكَلبِ ‘بودِل’ مُدرَّب لِلَّعب في السيرك. أطلِق الصفَّارة مرَّةً واحدة، فَيَقِف. ثمَّ أطلِق الصفَّارة مرَّةً ثانية، فيتدحرَج. أطلِق الصفَّارة مرَّةً ثالثة، فيتظاهَر بأنَّه ميِّت.
- فَتَحَوَّلَ عَنْهُمْ وَبَكَى: أُخِذ يوسُف بالمشاعر عندما رأى وفَهِمَ عمل الله في ضمير إخوته. كان على الله أن يعمل بِعُمق في قلوب هؤلاء الإخوة كي تَستقيم العلاقة وتَتمَّ المصالَحة.
- لم يكن هناك من علاجٍ سريعٍ وسهلٍ لهذه المشكلة كَمَن يقول مثلًا، ‘يوسُف، نحن مُتأسِّفون!’ كان الله يُدير الأحداث لكي يرى الإخوة بوضوحٍ خطيَّتهم، فَيتوبون بشكلٍ كامِل قبل إظهار يوسُف واسترجاع العلاقة.
- لم يسمح يوسُف للمرارة والكراهيَّة أن تأسُراه، حتَّى قبل تغييرهم. فهو ما زال يُحبُّ إخوته وأراد لهم أن يكونوا معه (ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِمْ وَكَلَّمَهُمْ). لم يكُن سعيدًا بمأساتهم، لكنَّه عرَف ضرورة ذلك في مكانٍ ما.
- وَأَخَذَ مِنْهُمْ شِمْعُونَ وَقَيَّدَهُ أَمَامَ عُيُونِهِمْ: وفي مشهدٍ مُفعَمٍ بالحيويَّة لا يُنتسَى، قيَّد يوسُف شمعون وأبقاه في السجن كضمانةٍ لِعَودتهم مع بنيامين. لم يُذكَر أنَّه كان لِشمعون أيُّ دورٍ بارزٍ في بَيع يوسُف كما كان لِرأوبين ويهوذا (تكوين ٢١:٣٧-٢٨)، لذلك لا ندري تحديدًا لماذا اخْتِيرَ شمعون. من الممكن أن يكون قد تطوَّع للأمر.
ثانيًا. يرجِع أبناء يعقوب إلى بيتهم في كنعان
أ ) الآيات (٢٥-٢٦): يُرجِع يوسُف المال الَّذي دفعه إخوته ثمن القمح.
٢٥ثُمَّ أَمَرَ يُوسُفُ أَنْ تُمْلَأَ أَوْعِيَتُهُمْ قَمْحًا، وَتُرَدَّ فِضَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ إِلَى عِدْلِهِ، وَأَنْ يُعْطَوْا زَادًا لِلطَّرِيقِ. فَفُعِلَ لَهُمْ هَكَذَا. ٢٦فَحَمَلُوا قَمْحَهُمْ عَلَى حَمِيرِهِمْ وَمَضَوْا مِنْ هُنَاكَ.
- ثُمَّ أَمَرَ يُوسُفُ: إنَّ الأحداث التي توالَت لم تكُن عن طريق الصدفة ولا بالخطأ، لكنَّها كانت بناءً على تعليمات يوسُف. فسواء كان مُدرِكًا لذلك أم لا، فقد أرشَد الله هذا الرجُل الممتلِئ بالرُّوح (تكوين ٣٨:٤١) للقيام ببعض الأمور الغريبة التي ستأتي بالتَّوبة والمصالَحة الحقيقيَّتَين مع إخوته.
- كان الله يقوم بإنجاز خُطَّته من خلال يوسُف. لم يكُن هذا وكأنَّ يوسُف يُمارس بعض الألاعيب والحِيَل والمزاح على إخوته أو يُحاوِل أن يجعل حياتهم صعبة. لا ندري مقدار إحساسه بهذا، لكنَّنا نعلَم أنَّ كلَّ هذا كان مُقادًا من الله.
- وَتُرَدَّ فِضَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ إِلَى عِدْلِهِ: كانت هذه الخطوة غير مُتوَقَّعة وبركة رائعة. لا شكَّ أنَّ القمحَ كان غاليَ الثمن، أمَّا يوسُف فوضع مالَهم في عِدلِ كلٍّ منهم.
- وَأَنْ يُعْطَوْا زَادًا لِلطَّرِيقِ: أعطاهُم يوسُف أكثر من مالِهم؛ فقد أعطاهم زادًا لِلطَّرِيقِ. لقد كان مُعتنِيًا بهم منذ البداية إلى النهاية.
- كان المالُ مَخفيًّا لكنَّه سيُكتشَف لاحِقًا. يُمكننا الافتراض بأنَّ هذا الزَّادَ قد أُعطيَ على الفور وبالعَلَن (وإلَّا لما كان ذات فائدة). أعطاهم يوسُف ما يحتاجونه لتسيير أُمورهم، ولكن كانت تنتظرهم كنوزٌ أُخرى أبعد من حاجتهم.
- قام يوسُف بعمل ذلك مع إخوته قبل أن تصالَحوا معه. لم يتوبوا أو يطلبوا المسامحة بعد – إلَّا أنَّه أحبَّهم واعتنى بهم. فقد أعطاهم وهُم لا يدرون ذلك!
- وبنفس الطريقة يُعطينا يسوع بركاتٍ غير مُتوَقَّعة لا نستحقُّها. بعضها واضحٌ وبديهيّ، والبعض الآخَر مَخفيٌّ لِيُكتشَف لاحِقًا – لكنَّه أعطانا ويُعطينا حتَّى قبل أن نتصالَح معه.
- هناك المزيد في العِدْلِ.
- أعطانا يسوع ونحن لم نكُن نعلَم بذلك حتَّى.
- لنا عطايا في يسوع الآن ونحن لا نعلَم بذلك.
ب) الآيات (٢٧-٢٨): يكتشِف الإخوة أنَّ مالَهُم أُعيدَ إليهم.
٢٧فَلَمَّا فَتَحَ أَحَدُهُمْ عِدْلَهُ لِيُعْطِيَ عَلِيقًا لِحِمَارِهِ فِي ٱلْمَنْزِلِ، رَأَى فِضَّتَهُ وَإِذَا هِيَ فِي فَمِ عِدْلِهِ. ٢٨فَقَالَ لِإِخْوَتِهِ: «رُدَّتْ فِضَّتِي وَهَا هِيَ فِي عِدْلِي». فَطَارَتْ قُلُوبُهُمْ وَٱرْتَعَدُوا بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ قَائِلِينَ: «مَا هَذَا ٱلَّذِي صَنَعَهُ ٱللهُ بِنَا؟».
- رَأَى فِضَّتَهُ وَإِذَا هِيَ فِي فَمِ عِدْلِهِ: كانت هذه صدمةٌ كبيرة للإخوة. لم نُخبَر مَن الَّذي وجدَ أوَّلًا الفضَّة في عِدلهِ، لكنَّها كانت لِواحدٍ من التِّسعة (تذكَّر أنَّ شمعون كان محبوسًا). كان هذا آخِرُ شيءٍ يتوقَّعونه بأن تُعاد أموالهم.
- كان هذا امتحانًا – ليس من يوسُف – بل من الله. ماذا سيفعلون بالمال؟ ماذا سيكشِف هذا عن قلوبهم؟
- إنَّ القلبَ المخادِع يُخفيه.
- إنَّ القلبَ الكاذِب يختلِق قصَّةً حولَه.
- إنَّ القلبَ المتعالي يعتقِد بأنَّه يستحقُّه.
- إنَّ القلبَ السَّطحيّ لا يعتقِدُ شيئًا.
- نحن نُمتحَن بما يعطينا إيَّاه يسوع – ويمتحِن يسوع القلب. ما نقوم به هو هامٌّ جدًّا، لكنَّ الله يصِل إلى عُمق الفعل نفسه كي يُطوِّر ليس تصرُّفاتنا فحسب بل وشخصيَّاتنا أيضًا.
- كان هذا امتحانًا – ليس من يوسُف – بل من الله. ماذا سيفعلون بالمال؟ ماذا سيكشِف هذا عن قلوبهم؟
- فَطَارَتْ قُلُوبُهُمْ وَٱرْتَعَدُوا: كان هذا الأمرُ غريبًا. يبدو وكأنَّهم قد ربحوا اللُّوتو أو اليناصيب للتَّوِّ، لكنَّهم لم يكونوا سعداء البتَّة. بدلًا من ذلك، ٱرْتَعَدُوا. كانوا مُرتعدين لدرجة أنَّ قُلُوبَهُمْ طَارَتْ، فكان عليهم التَّحدُّث مع بعضهم البعض حول هذا الموضوع.
- كانوا خائفين ومُرتعدين وهُم لم يعلَموا بعدُ سوى جزءٍ من هذه الأحداث. لقد اكتشفوا فقط مال أحدٍ منهم في عِدلهِ. لا ندري لماذا لم يتحقَّقوا عل الفور من عِدالهم الأخرى، لكنَّهم لَم يقوموا بذلك.
- كانوا خائفين ومُرتعدين بسبب الاشتباه بكونهم جواسيس. والآن يُمكِن اتِّهامُهم بأنَّهم لصوصٌ وسارقون.
- كانوا خائفين ومُرتعدين بسبب ضميرهم المذنِب.
- مَا هَذَا ٱلَّذِي صَنَعَهُ ٱللهُ بِنَا؟: كان ضميرُهُم تحت أسْرٍ كبير إلى درجة أنَّهم كانوا ينظرون إلى أمرٍ صالِحٍ كعقابٍ من الله. لا يستطيع الضمير المذنِب أن يتعامل مع العطايا الإلهيَّة.
- ولِحين المصالَحة مع يسوع، عادةً لا نعرف ماذا نفعل بعطايا الله.
ج) الآيات (٢٩-٣٤): يعود الإخوة إلى أبيهم يعقوب ويُخبرونه بالقصَّة.
٢٩فَجَاءُوا إِلَى يَعْقُوبَ أَبِيهِمْ إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ، وَأَخْبَرُوهُ بِكُلِّ مَا أَصَابَهُمْ قَائِلِينَ: ٣٠«تَكَلَّمَ مَعَنَا ٱلرَّجُلُ سَيِّدُ ٱلْأَرْضِ بِجَفَاءٍ، وَحَسِبَنَا جَوَاسِيسَ ٱلْأَرْضِ. ٣١فَقُلْنَا لَهُ: نَحْنُ أُمَنَاءُ، لَسْنَا جَوَاسِيسَ. ٣٢نَحْنُ ٱثْنَا عَشَرَ أَخًا بَنُو أَبِينَا. ٱلْوَاحِدُ مَفْقُودٌ وَٱلصَّغِيرُ ٱلْيَوْمَ عِنْدَ أَبِينَا فِي أَرْضِ كَنْعَانَ. ٣٣فَقَالَ لَنَا ٱلرَّجُلُ سَيِّدُ ٱلْأَرْضِ: بِهَذَا أَعْرِفُ أَنَّكُمْ أُمَنَاءُ. دَعُوا أَخًا وَاحِدًا مِنْكُمْ عِنْدِي، وَخُذُوا لِمَجَاعَةِ بُيُوتِكُمْ وَٱنْطَلِقُوا. ٣٤وَأَحْضِرُوا أَخَاكُمُ ٱلصَّغِيرَ إِلَيَّ فَأَعْرِفَ أَنَّكُمْ لَسْتُمْ جَوَاسِيسَ، بَلْ أَنَّكُمْ أُمَنَاءُ، فَأُعْطِيَكُمْ أَخَاكُمْ وَتَتَّجِرُونَ فِي ٱلْأَرْضِ».
- فَجَاءُوا إِلَى يَعْقُوبَ أَبِيهِمْ: لِنُفكِّر كيف كانت بقيَّة رحلة العودة. فلِعدَّة أيَّامٍ أثناء سفرهم أَثقلت أذهانهم أُمورٌ وأسئلةٌ كثيرة.
- كيف نُفسِّر غياب شمعون؟
- كيف نُفسِّر حصولنا على القمح والمال في حوزتنا؟
- كيف نُفسِّر ضرورة عودتنا إلى مصر ومعنا بنيامين؟
- وَأَخْبَرُوهُ بِكُلِّ مَا أَصَابَهُمْ: عندما وصل الإخوة إلى بيتهم الأبويِّ أخيرًا، أخبروا أباهُم يعقوب الحقيقة. في المرَّة الأخيرة التي رجعوا فيها وواحدٌ من إخوتهم مفقودٌ، كذبوا مُختلِقين قصَّةً حول افتراس وحشٍ رديء يوسُفَ. حتَّى أنَّهم غمسوا ثيابه الملوَّنة بالدمِ لِيُقدِّموا دليلًا خاطئًا على كذبتهم.
- كان قولُهُم للحقيقة خطوةً صغيرة لكنَّها جيِّدة. فالأمور الجيِّدة عادةً تبدأ بخطواتٍ صغيرة.
- نَحْنُ أُمَنَاءُ: لقد كانوا يقولون الحقيقة، على الأغلَب. يمكنهم القَول أنَّهم أُمَنَاءُ نسبةً إلى تعاملهم مع الرجل المصريّ الغامض، ذلك ٱلرَّجُلُ سَيِّدُ ٱلْأَرْضِ. لكنَّهم لم يكونوا رجالًا أُمناء عندما كذبوا بشأن يوسُف ٢٠ سنة من قَبْل. وقد استمرَّوا بكذبهم: ٱلْوَاحِدُ مَفْقُودٌ.
- عَلِم يوسُف أنَّهم لم يكونوا رجالًا أُمناء. لم يكُن يعلَم بالضبط ما هي الكذبة التي أخبروها ليعقوب لتفسير اختفاء يوسف، لكنَّه عرف أنَّهم كذبوا بطريقةٍ ما. عرف يوسُف مَن كانوا ولكنَّه عرف أيضًا ماذا يمكنهم أن يكونوا.
- يعرفنا يسوع أكثر ممَّا نعرف أنفسنا. هو يعرفك وهو يعرف أيضًا ماذا يمكنك أن تكون.
د ) الآية (٣٥): يكتشِف الإخوة أنَّ مالَ كلٍّ منهم قد أُعيد.
٣٥وَإِذْ كَانُوا يُفَرِّغُونَ عِدَالَهُمْ إِذَا صُرَّةُ فِضَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ فِي عِدْلِهِ. فَلَمَّا رَأَوْا صُرَرَ فِضَّتِهِمْ هُمْ وَأَبُوهُمْ خَافُوا.
- إِذَا صُرَّةُ فِضَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ فِي عِدْلِهِ: لم يكُن لديهم أدنى فكرة عن إمكانيَّة حدوث ذلك. وإذا كان هذا يعني شيئًا، فإنَّه يُشير إلى دهشتهم التي فاقت تلك الدهشة عند اكتشافهم فضَّةَ أحدهم في عِدلِه وهُم في طريق العودة إلى كنعان. لقد كان هناك أكثر ممَّا اعتقدوا.
- لقد أعطاك يسوع أكثر جدًّا ممَّا تفتكِر، وستكتشف ذلك بالتَّدريج. تابع المسير والنموّ في حياتك مع يسوع.
- إِذَا صُرَّةُ فِضَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ فِي عِدْلِهِ: أعطاهم يوسُف خبزَ الحياة، لكنَّه رفض حتمًا أيَّة دَفْعةٍ أو أُجرَةٍ. لم يكُن المالُ نافعًا.
- لا يُمكنك أن تشتري خبز الحياة. رفض يسوع أيَّة دَفْعةٍ. نحن نُعطي بامتنانٍ، ذلك لأنَّنا أخذنا؛ فنحن لا نُعطي كما ولو أنَّنا نشتري من يسوع.
- خَافُوا: ماذا كانوا يخشون؟
- كانوا خائفين من أخذِ ما لم يتعبوا فيه. تمتَحِنُنا النعمة جميعنا.
- كانوا خائفين من ضميرهم.
- كانوا خائفين من يوسُف – ذلك الرجُل العظيم الَّذي لم يفهموه. وبهذا المعنى، كان عليهم أن يخافوا من يوسُف قبل تمكُّنهم من المصالَحة معه.
هـ) الآية (٣٦): ردَّةُ فعل يعقوب: صَارَ كُلُّ هَذَا عَلَيَّ.
٣٦فَقَالَ لَهُمْ يَعْقُوبُ: «أَعْدَمْتُمُونِي ٱلْأَوْلَادَ. يُوسُفُ مَفْقُودٌ، وَشِمْعُونُ مَفْقُودٌ، وَبَنْيَامِينُ تَأْخُذُونَهُ. صَارَ كُلُّ هَذَا عَلَيَّ».
- أَعْدَمْتُمُونِي ٱلْأَوْلَادَ: تكلَّم يعقوب الحقيقة أكثر ممَّا كان يعرِف. فقد قال أنَّ أبناءهُ أعدَموهُ الأولاد وأنَّه كان خطأهم غياب يوسُف و شمعون. فهو عرف الحقيقة بشكلٍ غريزيّ حتَّى ولو لم يكُن قادِرًا على تقديم دليلٍ لذلك.
- يُوسُفُ مَفْقُودٌ، وَشِمْعُونُ مَفْقُودٌ: لقد تعذَّب يعقوب بسبب ذلك بالرغم من أنَّ هذه الكلِمات لم تكُن صحيحة. فقد كان يوسُف حيًّا يُرزَق وسيَراه يعقوب قريبًا وسيُخلِّص يوسُف عائلته بالكامل.
- لا نُلقي باللَّوم على يعقوب لاعتقاده بأنَّ يوسُف قد مات؛ فقد أُخبِرَ بكذبةٍ ماكرة. بالرغم من ذلك، هذا يُظهِر قوَّة الكذبة الـتي يتمُّ تصديقها.
- عندما نُصدِّق الكذِب – سواء كان نتيجةً لخطأنا أم لا – نُدرِك أنَّ للكَذِب قوَّةً علينا. لذلك يجب أن نتعلَّم كيف نُحبُّ الحقَّ الإلهيّ ونعتزُّ به.
- لقد تخلَّى الله عنِّي – إذا صدَّقتها، فالكذبة لها قوَّةٌ عليك.
- أنا فاقد الأمل – إذا صدَّقتها، فالكذبة لها قوَّةٌ عليك.
- لا يُمكنني الاعتراف بخطيَّتي – إذا صدَّقتها، فالكذبة لها قوَّةٌ عليك.
- أنا لا قيمة لي ولا أُساوي شيئًا – إذا صدَّقتها، فالكذبة لها قوَّةٌ عليك.
- وَبَنْيَامِينُ تَأْخُذُونَهُ: لقد كَبُرَت الفكرة في ذهنه وكَبُرَ معه الخوف من فقدان المزيد. فبعد خسارته ليوسُف، عاش يعقوب لكي يحمي نفسهُ من أيِّة خسارةٍ إضافيَّة قد تكون مُدمِّرة.
- صَارَ كُلُّ هَذَا عَلَيَّ: اختصرت هذه الكلمات نظرة يعقوب إلى الحياة. كان كلُّ شيءٍ ضدَّه. لقد افتقد السعادة في الحاضر ولا يوجد أملٌ للمُستقبل. فقد كان يستيقظ ويخلُد إلى النوم وهو مُتفكِّرٌ بأنَّ كُلُّ هَذَا صَارَ عَلَيهِ.
- كان يعقوب مُختارًا من الله، بالرغم من ذلك قال، صَارَ كُلُّ هَذَا عَلَيَّ.
- كان يعقوب في صحَّةٍ جيِّدة، بالرغم من ذلك قال، صَارَ كُلُّ هَذَا عَلَيَّ.
- كان يعقوب رجُلًا غنيًّا، بالرغم من ذلك قال، صَارَ كُلُّ هَذَا عَلَيَّ.
- في تلك اللَّحظة التي شعر فيها يعقوب بأنَّ كُلَّ هَذَا قد صَارَ عَلَيهِ، كان الله يعمل على تنفيذ خُطَّته. كانت هناك خطَّة في كلِّ هذا، حتَّى ولو لم يستطِع يعقوب أن يرى أو يشعرَ بذلك. “إذا شربت من نهر المآسي بالقرب من انهمارِ شلَّالاته، سيكون كريهًا ومُسيئًا للذَوق، لكنَّك إذا شربت من المصدر حيث ينبع من أقدام عرش الله، ستجِد مياهه حُلوة ومذاقها يُعطي الصحَّة والحياة” سبيرجن (Spurgeon)
- لم تكن هذه الخطَّة جيِّدة بالنسبة إلى يعقوب وعائلته، لكنَّها ستؤثِّرُ على كلِّ التَّاريخ. كان الله ضامنًا لأن تعمل كلَّ الأشياء معًا للخير (رومية ٢٨:٨).
- لَو لم تكُن عائلة يوسُف عبثيَّة وغريبة، لَمَا باعه إخوته كعبدٍ بتاتًا.
- لَو لم يُبَع يوسُف كعبدٍ، لما ذهب إلى مصرَ أبدًا.
- لَو لم يذهب يوسُف إلى مصرَ، لَمَا بيعَ إلى فوطيفار.
- لَو لم يُبَع يوسُف إلى فوطيفار، لَمَا اتَّهمته امرأة فوطيفار زورًا بأنَّه حاول اغتصابها.
- لَو لم يُتَّهم يوسُف زورًا بالاغتصاب، لَمَا وُضِعَ في السجن.
- لَو لم يوضَع يوسُف في السجن، لَمَا التقى بساقي وخبَّاز فرعَون.
- لَو لم يلتقِ يوسُف بساقي وخبَّاز فرعَون، لَمَا استطاع أن يُفسِّر أحلامهما.
- لَو لم يُفسِّر يوسُف أحلامهما، لَمَا كان باستطاعته أبدًا أن يُفسِّر حُلُم فرعون.
- لَو لم يُفسِّر يوسُف حُلُم فرعون، لَمَا أصبح رئيسًا للوزراء وثاني أعظم رجُلٍ في مصرَ بعد فرعون.
- لَو لَم يُصبِح يوسُف رئيسًا للوزراء، لَمَا استطاع أن يُحضِّر بحكمة لمواجهة الجوع الرَّهيب الآتي.
- لَو لم يُحضِّر يوسُف بحكمة لمواجهة الجوع الرَّهيب الآتي، لَماتت عائلته في أرض كنعان بسبب المجاعة.
- لَو ماتت عائلة يوسُف بسبب المجاعة في أرض كنعان، لَم يكُن باستطاعة المسيح أن يأتي من عائلةٍ ميِّتة.
- لَو لم يأتِ المسيح من رَحَم هذه العائلة، لَمَا جاء إلى عالَمِنا.
- لَو لم يأتِ المسيح أبدًا، عندها سنموت جميعنا في خطايانا لا رجاء لنا في هذا العالَم.
- نحن مُمتنِّون لعظمةِ وحكمةِ خطَّة الله.
- نرى في كلِّ هذا نقيضًا غير مُسرِفٍ بين يعقوب ويوسُف. لقد تعرَّض يوسُف لظروفٍ أكثر قساوةً، لكنَّه لم يتبَنَّ هذا الموقِف الَّذي كان لأبيه: صَارَ كُلُّ هَذَا عَلَيَّ.
- غدت هذه الكلمات ‘صَارَ كُلُّ هَذَا عَلَيَّ’ شعارًا للكثير من المسيحيِّين. بدلًا من ذلك، يجب أن يكون شعارنا كلمات الرَّسُول بولس في رومية ٢٨:٨: وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ ٱلْأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ ٱللهَ، ٱلَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ.
- نُلاحِظ أنَّ كلمات رومية ٢٨:٨ تقول: وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ ٱلْأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ ٱللهَ. قد لا يكون كلُّ أمرٍ على حدةٍ جيِّدًا بحدِّ ذاته. لا يقول الله أنَّ كلَّ أمرٍ هو صالِح، بل أنَّ كلَّ الأشياء إنَّما تعمل معًا للخير للَّذين يُحبُّون الله.
و ) الآية (٣٧): عَرضُ رأوبين الدراماتيكيّ.
٣٧وَكَلَّمَ رَأُوبَيْنُ أَبَاهُ قَائِلًا: «ٱقْتُلِ ٱبْنَيَّ إِنْ لَمْ أَجِئْ بِهِ إِلَيْكَ. سَلِّمْهُ بِيَدِي وَأَنَا أَرُدُّهُ إِلَيْكَ».
- وَكَلَّمَ رَأُوبَيْنُ أَبَاهُ: كان هذا رَأُوبَيْنُ، الابن البكر. فهو مَن جلب العار على عائلتهِ بزناه (تكوين ٢٢:٣٥). وهو الَّذي تدخَّل في الهزيع الرَّابع يومَ كان يوسُف مَرميًّا في البئر، لكن من دون جَدوًى، فَبِيعَ يوسُف كعبدٍ.
- ٱقْتُلِ ٱبْنَيَّ إِنْ لَمْ أَجِئْ بِهِ إِلَيْكَ: وفي التفاتةٍ دراماتيكيَّة، كان رأوبين مُستعدًّا أن يضعَ حياة ابنَيه كضمانةٍ ليعقوب في كَربه.
- إنَّ ما فعلهُ رأوبين كالتفاتةٍ دراماتيكيَّة، قام الله بفعله حقًّا. فقد أعطى الله ابنه الوحيد لِيُعتِقنا ويُخلِّصنا من يأسِنا.
ز ) الآية (٣٨): يرفض يعقوب بأن يدَع بنيامين يرجع إلى مصرَ معهم.
٣٨فَقَالَ: «لَا يَنْزِلُ ٱبْنِي مَعَكُمْ، لِأَنَّ أَخَاهُ قَدْ مَاتَ، وَهُوَ وَحْدَهُ بَاقٍ. فَإِنْ أَصَابَتْهُ أَذِيَّةٌ فِي ٱلطَّرِيقِ ٱلَّتِي تَذْهَبُونَ فِيهَا تُنْزِلُونَ شَيْبَتِي بِحُزْنٍ إِلَى ٱلْهَاوِيَةِ».
- لَا يَنْزِلُ ٱبْنِي مَعَكُمْ: لم يُصرَّ يعقوب على مَنع بنيامين من النزول إلى مصرَ فحسب، لكنَّه تكلَّم أيضًا وكأنَّ له ابنًا واحدًا.
- على ما يبدو، لم يُعِر يعقوب أيَّ اهتمامٍ لِرأوبين. لم يُعطِ أيَّة أهميَّةٍ تُذكَر لاحتمال أن يقضي شمعون طيلة أيَّام حياته في السجن المصريّ.
- لِسنين خلَت، تصارَع الله مع يعقوب وغلبَهُ. أُصيب يعقوب بِعَرجٍ أمسى علامةً فارقة في حياته. وبالرغم من ذلك، فإنَّ كلماته لَا يَنْزِلُ ٱبْنِي مَعَكُمْ تُظهِر أنَّ صراعه مع الله لم ينتَهِ بعدُ. هناك الكثير لفعلهِ، وعلى يعقوب أن يتنازل أكثر لله.
- فَإِنْ أَصَابَتْهُ أَذِيَّةٌ: عند هذا المفترَق، لم يستطِع يعقوب الوثوقَ بالله مرَّةً أُخرى. فقد عاش حياته ليحمي نفسه من ألَم المستقبل. أمَّا الله فقد كان على وشك أن يزفَّ خبرًا سارًّا إلى يعقوب – خبَرٌ أعظم بكثير ممَّا كان يصبو إليه:
- إنَّ الابن المحبوب الَّذي اعتقدته ميِّتًا هو حقًّا حيٌّ يُرزَق.
- لقد عُظِّم الابن الحيّ هذا إلى أعلى مقامٍ.
- يُعطي هذا الابن الحيّ خبز الحياة.
- غدا هذا الابن الحيّ مُخلِّصًا للعالَم.
- إنَّ الابن الحيّ يعني أنَّنا نستطيع أن نثق بالله.
- إنَّ الابن الحيّ هذا يُعطي أملًا لليائسين.