سفر حزقيال – الإصحاح ١
رؤية حزقيال عن الله وعرشه
أولًا. مقدمة الرؤية
أ ) الآية (١): حزقيال بين الْمَسْبِيِّين.
١كَانَ فِي سَنَةِ الثَّلاَثِينَ، فِي الشَّهْرِ الرَّابعِ، فِي الْخَامِسِ مِنَ الشَّهْرِ، وَأَنَا بَيْنَ الْمَسْبِيِّينَ عِنْدَ نَهْرِ خَابُورَ، أَنَّ السَّمَاوَاتِ انْفَتَحَتْ، فَرَأَيْتُ رُؤَى اللهِ.
١. كَانَ فِي سَنَةِ الثَّلاَثِينَ، فِي الشَّهْرِ الرَّابعِ، فِي الْخَامِسِ مِنَ الشَّهْرِ: لم يكن وصف حزقيال للنبوة عبارة عن قصة خيالية من زمان ومكان غير معروفين. كان حزقيال رجلًا حقيقيًا يعيش في مكان حقيقي، وفي يوم حقيقي انفتحت السماء ورأى رُؤَى اللهِ العجيبة.
• تشير سَنَةِ الثَّلاَثِينَ على الأرجح إلى عمر النبي حزقيال. ووفقًا لسفر العدد ٣:٤، سن الثلاثين هو العمر الذي يباشر فيه الكاهن مهماته الكهنوتية. ويعني هذا أيضًا أن حزقيال نشأ خلال فترة الإصلاح في عهد الملك يوشيا (٦٤٠-٦٩٠ ق.م.).
• كانت خدمة حزقيال النبوية “تعويضًا نوعًا ما، عن الخدمة الكهنوتية التي سلبها السبي منه. وعندما كان من المقرر أن تبدأ خدمته، استدعاه الله ليخدم في مجال آخر. أمر الرب الكاهن بأن يصبح نبيًا.” تايلور (Taylor).
• “إذا كان عمر حزقيال ثلاثين عامًا في سنة ٥٩٣ ق.م.، فمعنى هذا أنه ولد في العام ٦٢٢ ق.م. تقريبًا، أي أثناء حكم الملك التقي يوشيا. وفي العام ٦٠٠ ق.م. تقريبًا، عندما كان عمره ٢٣ عامًا، تزوج النبي. وفي العام ٥٩٧ ق.م.، أي عندما كان يبلغ من العمر ستة وعشرين عامًا، سبي هو وزوجته إلى بابل. آخر نبوءة مؤرخة في سفره (حزقيال ١٧:٢٩) تعود للعام ٥٧١ ق.م. عندما كان يبلغ من العمر واحدًا وخمسين عامًا. ربما فقد زوجته في غضون ذلك، عندما كان عمره سبعة وثلاثين عامًا (حزقيال ١٨:٢٤).” فاوتر (Vawter) وهوب (Hoppe)
٢. وَأَنَا بَيْنَ الْمَسْبِيِّينَ عِنْدَ نَهْرِ خَابُورَ: في سلسلة من الهجمات غزت الإمبراطورية البابلية مملكة يهوذا، واختطفوا الأسرى على ثلاث موجات:
• في عام ٦٠٥ ق.م.، تعرضت أورشليم للهجوم، وتم سبي دانيال وآخرين من الأسرى إلى بابل.
• في عام ٥٩٧ ق.م.، تعرضت أورشليم للهجوم، وتم نهب خزائن الهيكل، وأُخذ المزيد من الأسرى إلى بابل.
• في عام ٥٨٧ ق.م.، سقطت أورشليم وتم سبي معظم من تبقى في المملكة.
تم سبي حزقيال في المرحلة الثانية، في العام ٥٩٧ ق.م. ويقدم سفر الملوك الثاني ١٢:٢٤-١٦ وصفًا مفصلًا للغزو الذي أدى إلى أسر حزقيال. لا يوجد دليل على أنه عاد إلى يهوذا مرة أخرى.
بدأت خدمة حزقيال النبوية عندما كانت يهوذا لا تزال مملكة مستقلة (على الرغم من سيطرة بابل القوية)، وكان الهيكل لا يزال قائمًا ومُستخدمًا في أورشليم. ظهر في تلك الفترة، في كل من أورشليم وبابل وقبل غزو يهوذا الكامل، العديد من الأنبياء الكذبة يزعمون أن الله سينقذ يهوذا وأنه سيعيد المسبيون (مثل حزقيال) قريبًا (أرميا ١:٢٨-٤، ١٥:٢٩-٢٨). وكانت رسالة حزقيال تحمل توبيخًا بسبب الرغبة الآثمة في الهروب من القضاء العادل الذي ستأتي به بابل قريبًا، وكانت تحمل أيضًا أملًا حقيقيًا للشعب بدلًا من الأمل الباطل الذي يقدمه الأنبياء الكذبة.
وَأَنَا بَيْنَ الْمَسْبِيِّينَ: “إن الحقيقة اللافتة للانتباه في بداية قراءتنا هي أن الله منح هذه الإعلانات الكاشفة عن نفسه بصورة غامضة ومبهرة لرجل في السبي، وفي وقت كانت الحالة الوطنية في أحلك صورها.” مورجان (Morgan)
وَأَنَا بَيْنَ الْمَسْبِيِّينَ: “كان حزقيال ضحية لسياسة شائعة في الشرق الأوسط القديم تجاه الشعوب المنهزمة وهي: الترحيل الجماعي للسكان بهدم المقاومة الوطنية داخل البلاد، وإزاحة القيادة السياسية والروحية، وتعزيز الاقتصاد والجهاز العسكري للوطن المُغتصِب.” بلوك (Block)
نَهْرِ خَابُورَ: “يتدفق نَهْرِ خَابُور جنوب شرق مدينة بابل، وهو قناة مائية يمكن التنقل من خلالها.” ألكساندر (Alexander)
٣. أَنَّ السَّمَاوَاتِ انْفَتَحَتْ، فَرَأَيْتُ رُؤَى اللهِ: اختبر حزقيال هذه الرؤى المذهلة على جانب النهر. وعلى ما يبدو أن هذه الاعلانات جاءته على صورة رُؤَى، وصور ذهنية كالأحلام بينما هو مستيقظ.
• أَنَّ السَّمَاوَاتِ انْفَتَحَتْ: “حدث هذا من خلال قوة وسلطة عليا إلهية؛ فلم يقال إن السماوات فتحت ذاتها، بل إنها انْفَتَحَتْ. لم يكن ذلك نيزكًا أو فجوةً أو شرخًا في السماء.” بوله (Poole)
ب) الآيات (٢-٣): كلام الرب ويد الرب على حزقيال.
٢فِي الْخَامِسِ مِنَ الشَّهْرِ، وَهِيَ السَّنَةُ الْخَامِسَةُ مِنْ سَبْيِ يُويَاكِينَ الْمَلِكِ، ٣صَارَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى حِزْقِيَالَ الْكَاهِنِ ابْنِ بُوزِي فِي أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ عِنْدَ نَهْرِ خَابُورَ. وَكَانَتْ عَلَيْهِ هُنَاكَ يَدُ الرَّبِّ.
١. وَهِيَ السَّنَةُ الْخَامِسَةُ مِنْ سَبْيِ يُويَاكِينَ الْمَلِكِ: حسب العديد من التقديرات، يمكن القول أن أسر الملك يُويَاكِينَ حدث في العام ٥٩٧ ق.م. (٢ ملوك ٢٤)، أي قبل عشر سنوات من سقوط مملكة يهوذا. كانت السَّنَةُ الْخَامِسَةُ من أسره قبل خمس سنوات من سقوط أورشليم ويهوذا بالكامل.
• “يتم هنا تحديد تاريخ دعوة الرب لحزقيال في اليوم الخامس من الشهر الرابع. وبافتراض أنه بداية عام جديد، فقد جاءته الدعوة في اليوم الخامس من تموز لعام ٥٩٣ ق.م.، والذي يُترجم على أنه ٣١ يوليو.” بلوك (Block)
٢. صَارَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى حِزْقِيَالَ الْكَاهِنِ: لم يأتِ كلام الله إِلَى حِزْقِيَالَ الْكَاهِنِ فحسب، بل جاء أيضًا بطريقة مميزة وبشكل واضح تمامًا.
• يدل اسم حِزْقِيَالَ “على قوة الله أو المُقَوًّى بالله.” بوله (Poole)
• كتب فاينبرغ (Feinberg) ما نعرفه عن حِزْقِيَالَ الرجل. فنحن نعرف:
معنى اسمه
ربما وُلد في عام ٦٢٧ ق.م. (إن افترضنا أن الآية في حزقيال ١:١ تشير إلى عمره)
كان كاهنًا (حزقيال ٣:١)
أُسر مع الملك يُويَاكِينَ في عام ٥٩٧ ق.م. (حزقيال ٢:١، ٢١:٣٣)
كان عند نهر خابور، وهو على الأرجح قناة ملكية لنبوخذنصر (حزقيال ٣:١)
كان متزوجًا وكان لديه منزله الخاص (حزقيال ١:٨، ١٨:٢٤)
توفيت زوجته أثناء خدمته، وأمره الله ألا يتزوج ثانية (حزقيال ١٦:٢٤-١٨)
خدم في نفس الفترة التي خدم فيها إرميا ودانيال، دون أن يذكر اسم إرميا، ولكنه ذكر دانيال ثلاث مرات (حزقيال ١٤:١٤، ٢٠:١٤، ٣:٢٨)
تنبأ لمدة ٢٠ عامًا تقريبًا (حزقيال ٢:١ و١٧:٢٩)
• حِزْقِيَالَ الْكَاهِنِ: “لا يوجد نبي آخر، ولا حتى الكاهن الممتهن إرميا (إرميا ١:١)، يظهر هذا الاهتمام الشديد بالأمور الكهنوتية (الذبائح … الشرائع المتعلقة بالطهارة الطقسية، الهيكل، الدقة في الوصف والتأريخ).” بلوك (Block)
٣. فِي أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ عِنْدَ نَهْرِ خَابُورَ: لقد عاش حزقيال على الأرجح مع مسبيين يهود آخرين في هذه المدينة أو هذه البلدة على النهر.
٤. وَكَانَتْ عَلَيْهِ هُنَاكَ يَدُ الرَّبِّ: استقبل حزقيال كلمة الله بطريقة خاصة وبكل وضوح. وكان أيضًا وكيلًا لله أو ممثله بطريقة خاصة، إذ كَانَتْ عَلَيْهِ هُنَاكَ يَدُ الرَّبِّ.
• “تدل الكلمات: ’وَكَانَتْ عَلَيْهِ هُنَاكَ يَدُ الرَّبِّ‘ على قوة الله العاملة بالنيابة عن الشخص المَعنِي بالأمر (حزقيال ١٤:٣؛ انظر أيضًا إشعياء ١٠:٢٥، ١٠:٤١، ٢٠)، وهو مفهوم متجذر في اسم ’حزقيال‘ (يحزقئيل- yehezqel) الذي يعني ’الله يقوّي.‘” ألكسندر (Alexander).
ثانيًا. رؤيا حزقيال للرب والكائنات الحيّة
أ ) الآية (٤): ريح عاصفة من الشمال.
٤فَنَظَرْتُ وَإِذَا بِرِيحٍ عَاصِفَةٍ جَاءَتْ مِنَ الشِّمَالِ. سَحَابَةٌ عَظِيمَةٌ وَنَارٌ مُتَوَاصِلَةٌ وَحَوْلَهَا لَمَعَانٌ، وَمِنْ وَسْطِهَا كَمَنْظَرِ النُّحَاسِ اللاَّمِعِ مِنْ وَسْطِ النَّارِ.
١. بِرِيحٍ عَاصِفَةٍ جَاءَتْ مِنَ الشِّمَالِ: رأى حزقيال رِيحٍ عَاصِفَةٍ – شيء كالإعصار – قادمة من الشِّمَالِ. غالبًا ما يرتبط الشِّمَالِ بدينونة الله من خلال أعداء إسرائيل الأقوياء (إرميا ١٤:١-١٥) وبسبي إسرائيل (إرميا ١٨:٣).
• يبدأ حزقيال ما قد يكون أكثر الرؤى غرابة وتفصيلًا عن الله في الكتاب المقدس.
• إذا تناولنا حزقيال ١-٣ كوحدة واحدة، يصبح هذا الجزء أيضًا أطول وأعمق وصف لدعوة نبي في الكتاب المقدس. “إن الرؤية التي رآها حزقيال في وقت دعوته لم تتركه أبدًا، بل أثرت على فكره باستمرار، لأنها كانت تتمحور حول معرفة الله: القدوس، المجيد، وذات السيادة. لم يُظهر النبي أيه صراع مع مشاعره كما كان واضحًا في حياة إرميا وخدمته.” فاينبرغ (Feinberg)
• حيث أن هذه الرؤية عن الله والكائنات الحية جاءت من السبي والغزو المفروض على إسرائيل فقد كانت تحمل مغزى هامًا، وكانت هذه وسيلة للقول إن تلك الكوارث كانت بسماح من الله.
٢. سَحَابَةٌ عَظِيمَةٌ وَنَارٌ مُتَوَاصِلَةٌ: كانت الريحٍ العَاصِفَةٍ التي رآها حزقيال مرتبطة بالصور العظيمة المتكررة عن حضور الله. كانت السَحَابَةٌ في النهار وَالنَارٌ في الليل تعبيرًا عن حضور الله مع إسرائيل في البرية (خروج ٢١:١٣-٢٢). وكانت النَارٌ المُتَوَاصِلَةٌ المتقدّة بمثابة تذكير بالْعُلَّيْقَةُ التي رآها موسى والتي كانت تَتَوَقَّدُ بِالنَّارِ، لكنها لَمْ تَكُنْ تَحْتَرِقُ (خروج ٢:٣).
• كان أحد التأثيرات العظيمة لهذه الرؤية هو طمأنة حزقيال أن الرب هو في الواقع الإله صاحب السيادة على كل الخليقة – بغض النظر عن مدى عظمة بابل وآلهتها. “إن تعدد المعابد، والازدهار المذهل للمدينة، وازدهار الصناعة والثقافة، كان سيجعل أي أسير عبري يشعر بصغر حجم وطنه ومدى عظمة آلهة نبوخذنصر التي غزت كل شيء.” تايلور (Taylor)
٣. وَحَوْلَهَا لَمَعَانٌ، وَمِنْ وَسْطِهَا: إن هذا اللمَعَانٌ المتألق هو تعبير عن مجد الله.
• “إذا كانت رسالة إشعياء تتمحور حول خلاص الرب، ورسالة إرميا حول قضاء الرب، ورسالة دانيال حول مملكة الرب، فإن رسالة حزقيال تتمحور حول مجد الرب.” فاينبرغ (Feinberg).
ب) الآيات (٥-٩): الأربعة حيوانات.
٥وَمِنْ وَسْطِهَا شِبْهُ أَرْبَعَةِ حَيَوَانَاتٍ. وَهذَا مَنْظَرُهَا: لَهَا شِبْهُ إِنْسَانٍ. ٦وَلِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعَةُ أَجْنِحَةٍ. ٧وَأَرْجُلُهَا أَرْجُلٌ قَائِمَةٌ، وَأَقْدَامُ أَرْجُلِهَا كَقَدَمِ رِجْلِ الْعِجْلِ، وَبَارِقَةٌ كَمَنْظَرِ النُّحَاسِ الْمَصْقُولِ. ٨وَأَيْدِي إِنْسَانٍ تَحْتَ أَجْنِحَتِهَا عَلَى جَوَانِبِهَا الأَرْبَعَةِ. وَوُجُوهُهَا وَأَجْنِحَتُهَا لِجَوَانِبِهَا الأَرْبَعَةِ. ٩وَأَجْنِحَتُهَا مُتَّصِلَةٌ الْوَاحِدُ بِأَخِيهِ. لَمْ تَدُرْ عِنْدَ سَيْرِهَا. كُلُّ وَاحِدٍ يَسِيرُ إِلَى جِهَةِ وَجْهِهِ.
١. وَمِنْ وَسْطِهَا شِبْهُ أَرْبَعَةِ حَيَوَانَاتٍ: وَمِنْ وَسْطِ تلك الريح العاصفة التي تمثل حضور الله، كان هناك أربعة كائنات حيّة ظاهرة ورائعة. حدد حزقيال فيما بعد هذه الحَيَوَانَاتٍ الأربعة المميزة على أنها كروبيم (حزقيال ٨:١٠-١٥)، وهم ملائكة يحيطون بالله وذات قوة فريدة ومجد.
• يحاول بعضهم التأكيد على العلاقة بين ما وصفه حزقيال وبين الصور الفنية لنصف وحش ونصف إنسان من الوحوش من الثقافات القديمة. ومع ذلك، فإن الفكرة الكتابية عن الكروبيم تأخذنا إلى أبعد من ذلك بكثير.
يظهر الكروبيم أولًا في جنة عدن. إنهم أولئك الذين حرسوا طَرِيقِ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ بَلَهِيبَ سَيْفٍ مُتَقَلِّبٍ (تكوين ٢٤:٣).
كانت تصميمات الكروبيم الفنية مجسّمة فوق غطاء تابوت العهد، كرسي الرحمة (خروج ١٨:٢٥-٢٠).
بما أن تابوت العهد يمثل حضور الله بين إسرائيل، فقد كان يُدعى أحيانًا يهوه الرَبِّ الْجَالِسِ عَلَى الْكَرُوبِيمِ (١ صموئيل ٤:٤، ٢ صموئيل ٢:٦، ١ أخبار الأيام ٦:١٣، مزمور ١:٨٠، ١:٩٩، إشعياء ١٦:٣٧). وكان هذا تعبيرًا فنيًا أرضيًا يعبّر عن حقيقة سماوية (عبرانيين ٥:٨). وتتحدث العبارة أحيانًا عن الصورة الأرضية، وأحيانًا أخرى عن الواقع السماوي.
زُخرف الجزء الداخلي من المسكن بزخارف من الكروبيم، مما يعطي انطباعًا لأي شخص في المسكن أنهم محاطون بالكروبيم (خروج ١:٢٦).
كان الحجاب الذي يفصل بين أقدس مكان في الخيمة (قدس الأقداس) مزينًا بالكروبيم، مما يزيد من الإحساس بوجودهم (خروج ٣١:٢٦).
كانت تصميمات الكروبيم مُجسّمة في هيكل سليمان (١ ملوك ٢٣:٦-٣٥).
يعتقد البعض، عن حق، أن المخلوقات الأربعة (أَرْبَعَةُ حَيَوَانَاتٍ) التي ذكرها يوحنا حول عرش الله هي الكروبيم (رؤيا ٦:٤-٨).
قبل سقوط الشيطان كان هو من بين الكروبيم الذين يغطون عرش الله (حزقيال ١٤:٢٨-١٦).
• “من المؤكد أن حزقيال تعرّف على الكروبيم أثناء تدربه في الهيكل، ومن خلال الظهورات العديدة لهذه المخلوقات (خروج ٢٥-٢٦، ٣٦-٣٧، ١ ملوك ٦، ٢ أخبار الأيام ٣).” ألكسندر (Alexander)
٢. لَهَا شِبْهُ إِنْسَانٍ: لاحظ حزقيال أنهم ليسوا بشرًا، بل كائنات ملائكية. ومع ذلك، كانت تُشبِهُ البَشَرَ ’لَهَا شِبْهُ إِنْسَانٍ‘ – فمن حيث الشكل العام والبِنية، كانوا يشبهون الناس.
• كما سيبين لنا الوصف التالي، لم يكونوا مثل أي شخص على وجه الأرض – فالناس ليس لديهم أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ، وأَرْبَعَةُ أَجْنِحَةٍ! ومع ذلك، كانوا بشكل عام يشبهون الناس أكثر من التنانين أو الحيتان أو أية أشكال أخرى.
• عندما تظهر الكائنات الملائكية للرجال والنساء في الكتاب المقدس، فإنهم غالبًا ما يظهرون في شِبْهُ إِنْسَانٍ. ربما يكون الشكل العام للملائكة ومظهرها مشابهًا للشكل العام للبشر ومظهرهم.
٣. وَلِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: سيصف حزقيال وجوههم في الأسطر التالية. وتشير حقيقة أن الكائن الوَاحِدٍ لديه أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ إلى أن بعض الكائنات يمكن أن تتألف من أكثر من شخص. وبطريقة تتجاوز فهمنا الكامل، هناك إله واحد في ثلاثة أشخاص (أقانيم)؛ ربما تشير الأَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ إلى أن تلك الكروبيم تتألف من كائن واحد في أربعة أشخاص.
٤. وَلِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعَةُ أَجْنِحَةٍ: الكروبيم هم فئة خاصة جدًا من الملائكة، وهذا هو أحد الأماكن القليلة في الكتاب المقدس التي تخبرنا بأن الأَجْنِحَةٍ مرتبطة بالملائكة على الإطلاق.
• تؤكد التصميمات الفنية للكروبيم التي أمر الرب بعملها مع الخيمة والهيكل وتابوت العهد أن لديها أجنحة (خروج ٢٠:٢٥ و٩:٣٧، ١ ملوك ٢٤:٦-٢٧ و٧:٨).
• في إشعياء ١:٦-٤، وصف النبي رؤيته السماوية حيث رأى كائنات دعاها سيرافيم ولها ستة أجنحة. من المحتمل أن الكروبيم والسيرافيم هم نفس الكائنات الموصوفة من منظورات مختلفة قليلًا أو بالإشارة إلى تفاصيل مختلفة. يعني اسم سيرافيم الكائنات المشتعلة، والذي يبدو أنه يتناسب مع هؤلاء الكروبيم كما هو موصوف في حزقيال ١٣:١.
٥. وَأَرْجُلُهَا أَرْجُلٌ قَائِمَةٌ: كان لتلك الكائنات مظهر شِبْهُ إِنْسَانٍ، ولها شيء يشبه أرجل الإنسان – ولكن بأقدام مختلفة جدًا، كَقَدَمِ رِجْلِ الْعِجْلِ.
٦. وَبَارِقَةٌ كَمَنْظَرِ النُّحَاسِ الْمَصْقُولِ: كان لتلك الكائنات مظهر لامع ومُشّع. كانوا يبرقون ويظهرون باللون النُّحَاسِي.
• “نادرًا ما يكون هناك أي شيء يعطي بريقًا مميزًا أكثر من النحاس اللامع أو المصقول جدًا. نقرأ في رؤيا ١٥:١ أن ربنا المبارك مُصَوَّرًا وَرِجْلاَهُ شِبْهُ النُّحَاسِ النَّقِيِّ.” كلارك (Clarke)
٧. وَأَيْدِي إِنْسَانٍ تَحْتَ أَجْنِحَتِهَا: وهذا مثال آخر على الكيفية التي يشبهون بها الإنْسَانٍ.
٨. وَأَجْنِحَتُهَا مُتَّصِلَةٌ الْوَاحِدُ بِأَخِيهِ: كانت الكروبيم الأربعة متقاربين بعضهم لبعض، وليسوا منتشرين على مسافات كبيرة.
٩. كُلُّ وَاحِدٍ يَسِيرُ إِلَى جِهَةِ وَجْهِهِ: لم يميلوا إلى اليسار أو اليمين، بل ظل كُلُّ وَاحِدٍ يَسِيرُ إِلَى جِهَةِ وَجْهِهِ مباشرة. لم يكن هناك شيء غير منتظم أو فوضوي في حركاتهم.
ج) الآيات (١٠-١٤): ظهور وحركة الكائنات الحيّة.
١٠أَمَّا شِبْهُ وُجُوهِهَا فَوَجْهُ إِنْسَانٍ وَوَجْهُ أَسَدٍ لِلْيَمِينِ لأَرْبَعَتِهَا، وَوَجْهُ ثَوْرٍ مِنَ الشِّمَالِ لأَرْبَعَتِهَا، وَوَجْهُ نَسْرٍ لأَرْبَعَتِهَا. ١١فَهذِهِ أَوْجُهُهَا. أَمَّا أَجْنِحَتُهَا فَمَبْسُوطَةٌ مِنْ فَوْقُ. لِكُلِّ وَاحِدٍ اثْنَانِ مُتَّصِلاَنِ أَحَدُهُمَا بِأَخِيهِ، وَاثْنَانِ يُغَطِّيَانِ أَجْسَامَهَا. ١٢وَكُلُّ وَاحِدٍ كَانَ يَسِيرُ إِلَى جِهَةِ وَجْهِهِ. إِلَى حَيْثُ تَكُونُ الرُّوحُ لِتَسِيرَ تَسِيرُ. لَمْ تَدُرْ عِنْدَ سَيْرِهَا. ١٣أَمَّا شِبْهُ الْحَيَوَانَاتِ فَمَنْظَرُهَا كَجَمْرِ نَارٍ مُتَّقِدَةٍ، كَمَنْظَرِ مَصَابِيحَ هِيَ سَالِكَةٌ بَيْنَ الْحَيَوَانَاتِ. وَلِلنَّارِ لَمَعَانٌ، وَمِنَ النَّارِ كَانَ يَخْرُجُ بَرْقٌ. ١٤الْحَيَوَانَاتُ رَاكِضَةٌ وَرَاجِعَةٌ كَمَنْظَرِ الْبَرْقِ.
١. أَمَّا شِبْهُ وُجُوهِهَا: كان لكل واحد من الكروبيم وَجْهُ إِنْسَانٍ، وَوَجْهُ أَسَدٍ، وَوَجْهُ ثَوْرٍ، وَوَجْهُ نَسْرٍ. يبدو أن يوحنا في وصفه لرؤياه للسماء يقدم وصفًا لأربعة مخلوقات لكل منها وجه واحد من هذه الوجوه الأربعة (رؤيا ٦:٤-٨). يعتقد معظم المفسرين أن يوحنا وصف ببساطة الوجه المعين الذي كان مصوبًا نحوه.
• أثارت هذه الأَوْجُه الأربعة خيال علماء الكتاب المقدس والطلاب والفنانين عبر التاريخ. تلك الأَوْجُه أو الأشكال الأربعة هي فكرة أساسية في الفن المسيحي، خاصة في أوروبا في العصور الوسطى، مع ارتباطها بشخصية كاتب إنجيل. ففي أعمال النحت في الكاتدرائيات الأوروبية غالبًا ما يرى المرء شخصية لرجل مع كتاب، وأسد مع كتاب، وكذلك ثور ونسر.
• المشكلة هي أنه لم يكن هناك اتفاق مطلق حول الشكل الذي يمثّل كاتب الإنجيل.
• يقول بعض المعلّقين إن هذه المخلوقات الأربعة تمثل رايات الأسباط الرئيسية التي اعتادت التخييم في البرية حول المسكن (خيمة الاجتماع) على شكل أربع مجموعات. يسرد سفر العدد تنظيم الأسباط تحت هذه الرؤوس الأربعة في ٣:٢، ١٠:٢، ١٨:٢ و٢٥:٢ ولكنه لم يُخصص “تمائم” لرايات الأسباط. يذكر كل من سيس (Seiss) وكلارك (Clarke) وبوله (Poole) هذا النهج، ويستشهدون بـ “كُتّاب يهود” سيس (Seiss)، و”التلموديون” كلارك (Clarke)، “وأهل العلم من اليهود” بوله (Poole). يوضح بوله (Poole) قائلًا: “كانت صور تلك المخلوقات الأربعة على الرايات الأربعة للإسرائيليين الذين تنظموا في أربع فرق، مع تخصيص ثلاث رجال قبائل لكل مجموعة. فكان الأسد بألوانه هو راية يهوذا، وفقًا لنبوة يعقوب لهذا السبط، تكوين ٩:٤٩. وكان لأفرايم رمز الثور، ولرأوبين رمز إنسان، ولدان رمز النسر.
• ربما يكون من الأسلم أن نقول إن الوجوه الأربعة مهمة لأنها تُمثّل كل مخلوقات حيّة في أقصى درجات تميزها. فالأسد هو أقوى حيوانات البرية، والثور أقوى الحيوانات الأليفة، والنسر ملك جميع الطيور، والإنسان هو أسمى المخلوقات. “تمجد الإنسان بين الخلائق. وتعالى النسر بين الطيور. وهكذا الثور بين الدواب الأليفة. وتسامى الاسد بين الوحوش. وكلهم قد نالوا السيادة، ومُنِحوا العظمة، ومع ذلك فهم خاضعون تحت مركبة القدوس”. مدراش ر. شيموث (Midrash R. Shemoth)، مقتبس من فاينبرغ (Feinberg).
• “تمثل الأربعة وجوه كل الخليقة الواعية. فالإنسان هو أسمى مخلوق عمله الله، والأسد يهيمن على مملكة الحيوانات البرية، والنسر على الطيور في السماء، والثور على الحيوانات الأليفة. والفكرة هنا هي بما أن الله جالس على العرش فوق الكروبيم فكل الخليقة الواعية هي تابعة له.” سميث (Smith)
• هناك العديد من الأمثلة على اللوحات والمنحوتات بالشرق الأوسط التي تجمع بين أشكال الإنسان والحيوان – على سبيل المثال، ثور مجنح برأس بشري. ولكن لا يوجد شيء مثل هذه الكائنات لها أربعة وجوه.
٢. أَمَّا أَجْنِحَتُهَا فَمَبْسُوطَةٌ مِنْ فَوْقُ. لِكُلِّ وَاحِدٍ اثْنَانِ مُتَّصِلاَنِ أَحَدُهُمَا بِأَخِيهِ، وَاثْنَانِ يُغَطِّيَانِ أَجْسَامَهَا: وهذا يختلف بعض الشيء، رغم أنه ليس متناقضًا، مع ما سجله إشعياء في سفر إشعياء ٢:٦ حينما رأى سيرافيم (الكائنات المشتعلة) ولها ستة أجنحة: اثنان للطيران، واثنان لتغطية الوجه، واثنان لتغطية القدمين. يبدو أن حزقيال يسجل هنا الجناحان المستخدمان في الطيران والجناحان المستخدمان لتغطية القدمين. ليس لدينا تفسير لسبب تغطية الوجوه في رؤيا إشعياء، ولكن لم يكونوا هكذا في رؤيا حزقيال.
٣. وَكُلُّ وَاحِدٍ كَانَ يَسِيرُ إِلَى جِهَةِ وَجْهِهِ: نرى هنا تأكيدًا على نفس الفكرة التي وردت في حزقيال ٩:١. فهذه الكائنات (لَمْ تَدُرْ عِنْدَ سَيْرِهَا)، لا إلى اليمين ولا إلى اليسار.
• “الله يتقدم للأمام دون أي انحراف أو تردد ليحقق مقاصده في هذا العالم اليوم. لا شيء يمكن أن يثنيه عن تحقيق مقاصده – أو يغير مساره على الإطلاق.” ماك جي (McGee)
٤. إِلَى حَيْثُ تَكُونُ الرُّوحُ لِتَسِيرَ تَسِيرُ: من الصعب معرفة ما إذا كان هذا يشير إلى روح الكروب أم الروح القدس. إذا كان يشير إلى الأول، أي روح الكروب، فهذا يعني أنه لا يوجد صراع بين الجسد والروح في هذه الكائنات؛ فجسدهم يفعل بالضبط ما تبغيه أرواحهم (على عكس البشر، كما هو مدون في مرقس ٣٨:١٤). وإذا كان الخيار الأخير هو المقصود، فهذا يعني أنها تستجيب تمامًا لقيادة الروح القدس.
٥. فَمَنْظَرُهَا كَجَمْرِ نَارٍ مُتَّقِدَةٍ: كان هناك شيء مشرق وساطع وأيضًا “دافئ” حول منظر هذه الكروبيم. لقد وصفهم إشعياء بأنهم كائنات مشتعلة (سيرافيم، إشعياء ٢:٦)، وكذلك فعل حزقيال. وتُظهر الجملة: ’مِنَ النَّارِ كَانَ يَخْرُجُ بَرْقٌ‘ القوة والرهبة المرتبطة بهذه المخلوقات.
• “كانت الملائكة مشتعلة بالنار. وكأنهم مشتعلون بالغيرة لله وبسخط ضد الخطية. فدعونا نصبح مثلهم.” تراب (Trapp)
٦. الْحَيَوَانَاتُ رَاكِضَةٌ وَرَاجِعَةٌ: كانوا نشيطين، ويبدو أنهم لم يقفوا ساكنين للحظة. كانت تحركاتهم سريعة مثل الْبَرْقِ.
د ) الآيات (١٥-٢١): النظر إلى الأسفل: البكرات المرتبطة بالكائنات الحية.
١٥فَنَظَرْتُ الْحَيَوَانَاتِ وَإِذَا بَكَرَةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى الأَرْضِ بِجَانِبِ الْحَيَوَانَاتِ بِأَوْجُهِهَا الأَرْبَعَةِ. ١٦مَنْظَرُ الْبَكَرَاتِ وَصَنْعَتُهَا كَمَنْظَرِ الزَّبَرْجَدِ. وَلِلأَرْبَعِ شَكْلٌ وَاحِدٌ، وَمَنْظَرُهَا وَصَنْعَتُهَا كَأَنَّهَا كَانَتْ بَكَرَةً وَسْطِ بَكَرَةٍ. ١٧لَمَّا سَارَتْ، سَارَتْ عَلَى جَوَانِبِهَا الأَرْبَعَةِ. لَمْ تَدُرْ عِنْدَ سَيْرِهَا. ١٨أَمَّا أُطُرُهَا فَعَالِيَةٌ وَمُخِيفَةٌ. وَأُطُرُهَا مَلآنَةٌ عُيُونًا حَوَالَيْهَا لِلأَرْبَعِ. ١٩فَإِذَا سَارَتِ الْحَيَوَانَاتُ، سَارَتِ الْبَكَرَاتُ بِجَانِبِهَا، وَإِذَا ارْتَفَعَتِ الْحَيَوَانَاتُ عَنِ الأَرْضِ ارْتَفَعَتِ الْبَكَرَاتُ. ٢٠إِلَى حَيْثُ تَكُونُ الرُّوحُ لِتَسِيرَ يَسِيرُونَ، إِلَى حَيْثُ الرُّوحُ لِتَسِيرَ وَالْبَكَرَاتُ تَرْتَفِعُ مَعَهَا، لأَنَّ رُوحَ الْحَيَوَانَاتِ كَانَتْ فِي الْبَكَرَاتِ. ٢١فَإِذَا سَارَتْ تِلْكَ سَارَتْ هذِهِ، وَإِذَا وَقَفَتْ تِلْكَ وَقَفَتْ. وَإِذَا ارْتَفَعَتْ تِلْكَ عَنِ الأَرْضِ ارْتَفَعَتِ الْبَكَرَاتُ مَعَهَا، لأَنَّ رُوحَ الْحَيَوَانَاتِ كَانَتْ فِي الْبَكَرَاتِ.
١. وَإِذَا بَكَرَةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى الأَرْضِ بِجَانِبِ الْحَيَوَانَاتِ: ليس من السهل تخيّل ما رآه حزقيال أو وصفه هنا بالضبط. ربما يُمثل هذا عربة كبيرة ذات أربع عجلات تحمل عرش الله. والانطباع العام هنا هو نشاط وحركة مستمرة، ليس فقط من قبل الكائنات الحية نفسها (حزقيال ١٤:١)، ولكن أيضًا من قبل عرش الله (مذكور تحديدًا في حزقيال ٢٦:١).
• “رأى حزقيال مركبة العرش. مركبة خارقة للطبيعة تؤثر على الحركة والتقدم الذي لا يُقَاوم.” فاينبرغ (Feinberg)
• “وجد الكتّاب اليهود القدماء في هذا النص ما أطلقوا عليه اسم ’المركبة‘ (merkabhah)، مركبة العرش الإلهي.” سميث (Smith)
٢. كَمَنْظَرِ الزَّبَرْجَدِ: يمكن للزبرجد المعدني أن يأتي بِعدة ألوان مختلفة، ولكن من أشهرها وأثمنها هو الزمرد. ربما يعني هذا أن مَنْظَرُ الْبَكَرَاتِ وَصَنْعَتُهَا تعطي اللون الأخضر.
• كَانَتْ بَكَرَةً وَسْطِ بَكَرَةٍ: “يبدو أن كل بكرة كانت تتكون من بكرتين متعامدتين بزاوية قائمة مع بعضهما البعض. وهذا أمر مستحيل في الواقع، ولكن في الرؤية مكن هذا المركبة من الحركة الفورية في أي اتجاه دون دوران.” رايت (Wright)
٣. لَمَّا سَارَتْ، سَارَتْ عَلَى جَوَانِبِهَا الأَرْبَعَةِ. لَمْ تَدُرْ عِنْدَ سَيْرِهَا: يبدو هنا أنه كان بإمكان البكرات أن تتحرك في أي اتجاه، ولكن لم تتسم تحركاتهم بالفوضى أو الاضطراب.
• “مثل المحمل الكروي، يمكنهم التحرك في أي اتجاه بدون أي آلية توجيه.” سميث (Smith)
• “لم يضيعوا أي وقت في منعطف صعب أو شاق كما نرى في المركبات الأخرى، أيًا كان الاتجاه، من مَكان إلى آخَر، كانت وجوههم تقودهم، وبالتالي تحركوا للأمام بسهولة، سواء كان شرقًا أو غربًا أو شمالًا أو جنوبًا.” بوله (Poole)
٤. أَمَّا أُطُرُهَا فَعَالِيَةٌ وَمُخِيفَةٌ. وَأُطُرُهَا مَلآنَةٌ عُيُونًا: مرة أخرى، ليس من السهل تخيّل ما رآه حزقيال أو وصفه هنا بالضبط. هكذا وصفهم يوحنا أيضًا: مَلآنَةٌ عُيُونًا (رؤيا ٦:٤). مما ينقل لك الشعور بالمعرفة والذكاء العظيمين.
• “إنهم ليسوا أمواتًا كالمعدن، بل تظهر حياتهم من خلال عيونهم التي يمكنهم بواسطتها رؤية الطريق، وأيضًا من خلال ارتباط حياتهم بالكائنات الحية التي فوقهم.” رايت (Wright)
• “ترمز البكرات إلى الوجود الكلي لله، وبينما توحي العيون على حوافها بالمعرفة الكلية لله، فهو يرى ويعرف كل شيء.” ويرسب (Wiersbe)
٥. فَإِذَا سَارَتِ الْحَيَوَانَاتُ، سَارَتِ الْبَكَرَاتُ بِجَانِبِهَا: أينما تحرك الكروبيم الأربعة تحركت البكرات الأربع. لقد كانوا مرتبطين في حركتهم بشكل وثيق لدرجة أن حزقيال استطاع أن يكتب لأَنَّ رُوحَ الْحَيَوَانَاتِ كَانَتْ فِي الْبَكَرَاتِ.
• في غضون ثلاثة عشر شهرًا سيعود الكروبيم وهذه المركبة السماوية لإزالة مجد الرب من الهيكل وأورشليم (حزقيال ٩-١٠). ولكن، أعطى الله حزقيال بالنعمة رؤيا عن عودة مجد الله إلى الهيكل، جنبًا إلى جنب مع هؤلاء الكروبيم والمركبة السماوية (حزقيال ١:٤٣-٥).
هـ) الآيات (٢٢-٢٥): النظر إلى الأعلى: المقبب الأزرق (القبة الزرقاء) وأجنحة الكائنات الحية.
٢٢وَعَلَى رُؤُوسِ الْحَيَوَانَاتِ شِبْهُ مُقَبَّبٍ كَمَنْظَرِ الْبِلَّوْرِ الْهَائِلِ مُنْتَشِرًا عَلَى رُؤُوسِهَا مِنْ فَوْقُ. ٢٣وَتَحْتَ الْمُقَبَّبِ أَجْنِحَتُهَا مُسْتَقِيمَةٌ الْوَاحِدُ نَحْوَ أَخِيهِ. لِكُلِّ وَاحِدٍ اثْنَانِ يُغَطِّيَانِ مِنْ هُنَا، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ اثْنَانِ يُغَطِّيَانِ مِنْ هُنَاكَ أَجْسَامَهَا. ٢٤فَلَمَّا سَارَتْ سَمِعْتُ صَوْتَ أَجْنِحَتِهَا كَخَرِيرِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ، كَصَوْتِ الْقَدِيرِ. صَوْتَ ضَجَّةٍ، كَصَوْتِ جَيْشٍ. وَلَمَّا وَقَفَتْ أَرْخَتْ أَجْنِحَتَهَا. ٢٥فَكَانَ صَوْتٌ مِنْ فَوْقِ الْمُقَبَّبِ الَّذِي عَلَى رُؤُوسِهَا. إِذَا وَقَفَتْ أَرْخَتْ أَجْنِحَتَهَا.
١. وَعَلَى رُؤُوسِ الْحَيَوَانَاتِ شِبْهُ مُقَبَّبٍ: عندما نظر حزقيال فوق الكروبيم رأى الفضاء كَمَنْظَرِ الْبِلَّوْرِ الْهَائِلِ… كان هناك شيء مذهل في “السماء” فوق الكروبيم.
• فيما يتعلق بالكلمة العبرية رقية (raqia) المترجمة مُقَبَّبٍ، كتب تايلور (Taylor): “يشير المعنى العبري إلى شيء ’جُعل ثابتًا‘ بالطرق أو بالدمغ، على سبيل المثال كقطعة مطروقة من المعدن. وعادة ما يشير المقبب إلى منحنى السماء، والذي يبدو للملاحظ من على الأرض وكأن السماء وعاء كبير مقلوب من اللون الأزرق. ونجد هذا المعنى واضحًا في نصوص مثل تكوين ٦:١، مزامير ١:١٩، ١:١٥٠، دانيال ٣:١٢. من الواضح في هذه النصوص أن هذا هو المعنى المقصود، ولكن في حزقيال تحمل معنى سطح أو منصة ثابتة. وفي سفر الرؤيا تأتي ذات العبارة لتصبح ’بَحْرُ زُجَاجٍ شِبْهُ الْبَلُّورِ‘ قدام عرش الله (رؤيا ٦:٤).”
٢. سَمِعْتُ صَوْتَ أَجْنِحَتِهَا كَخَرِيرِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ، كَصَوْتِ الْقَدِيرِ: يبدو أن هذا يصف الضجيج العالي والمهيب لشلال عظيم. لقد استخدم يوحنا هذه العبارة لوصف صوت يسوع الصاعد (رؤيا ١٥:١)، وصوت الله (رؤيا ٢:١٤)، وصوت جمع كثير (رؤيا ٦:١٩).
٣. فَكَانَ صَوْتٌ مِنْ فَوْقِ الْمُقَبَّبِ: استجابت الكائنات الحيّة لهذا الصوت الذي جاء مِنْ فَوْقِ الكل.
و) الآيات (٢٦-٢٨): فوق كل شيء: العرش والجالس على العرش.
٢٦وَفَوْقَ الْمُقَبَّبِ الَّذِي عَلَى رُؤُوسِهَا شِبْهُ عَرْشٍ كَمَنْظَرِ حَجَرِ الْعَقِيقِ الأَزْرَقِ، وَعَلَى شِبْهِ الْعَرْشِ شِبْهٌ كَمَنْظَرِ إِنْسَانٍ عَلَيْهِ مِنْ فَوْقُ. ٢٧وَرَأَيْتُ مِثْلَ مَنْظَرِ النُّحَاسِ اللاَّمِعِ كَمَنْظَرِ نَارٍ دَاخِلَهُ مِنْ حَوْلِهِ، مِنْ مَنْظَرِ حَقْوَيْهِ إِلَى فَوْقُ، وَمِنْ مَنْظَرِ حَقْوَيْهِ إِلَى تَحْتُ، رَأَيْتُ مِثْلَ مَنْظَرِ نَارٍ وَلَهَا لَمَعَانٌ مِنْ حَوْلِهَا. ٢٨كَمَنْظَرِ الْقَوْسِ الَّتِي فِي السَّحَابِ يَوْمَ مَطَرٍ، هكَذَا مَنْظَرُ اللَّمَعَانِ مِنْ حَوْلِهِ. هذَا مَنْظَرُ شِبْهِ مَجْدِ الرَّبِّ. وَلَمَّا رَأَيْتُهُ خَرَرْتُ عَلَى وَجْهِي، وَسَمِعْتُ صَوْتَ مُتَكَلِّمٍ.
١. وَفَوْقَ الْمُقَبَّبِ الَّذِي عَلَى رُؤُوسِهَا شِبْهُ عَرْشٍ: نظرًا لأن البكرات وعملها كانت تَلمِسُ الأرض بجانب كل كائن حي (حزقيال ١٥:١) والصوت والعرش جاءا من فوق المقبب (حزقيال ٢٥:١-٢٦)، إذًا كان حضور الله فَوْقَ الكروبيم، وفَوْقَ البكرات وأعمالها.
• “نرى في سفر إشعياء أُسس ومبادئ عرش الله، وفي سفر إرميا نرى عَمَل ذلك العرش، ولكن في سفر حزقيال، نرى الجالس على العرش.” ماك جي (McGee)
٢. كَمَنْظَرِ حَجَرِ الْعَقِيقِ الأَزْرَقِ: وصف موسى أجزاءً من رؤيته السماوية باللون الأزرق وتألق حجر الْعَقِيقِ الأَزْرَقِ (خروج ١٠:٢٤).
• “ها هو يلاحظ أعظم عرش يمكن للمرء أن يتصوره، مصنوع بالكامل من اللازورد (حجر أزرق نفيس)، أحد أثمن الأحجار التي عرفها القدماء.” بلوك (Block)
• “يُعد حَجَرِ الْعَقِيقِ الأَزْرَقِ الصافي، عينة كبيرة مقطوعة بشكل جيد، واحدًا من أجمل الزقويات التي يمكن تصورها وأكثرها تألقًا.” كلارك (Clarke)
٣. وَعَلَى شِبْهِ الْعَرْشِ شِبْهٌ كَمَنْظَرِ إِنْسَانٍ عَلَيْهِ مِنْ فَوْقُ: إن تكرار كلمة ’شِبْه‘ يعني أن حزقيال كان مهتمًا أن يؤكد على أن ما رآه كان تمثيلات للواقع. قد ينكر حزقيال أنه رأى عرش الله الحقيقي أو الله ذاته؛ فقد رأى شِبْهم.
• كَمَنْظَرِ إِنْسَانٍ: “كان هناك معتقد راسخ بعمق في الديانة الإسرائيلية منذ أيام موسى فصاعدًا وهو أنه لا يمكن التعبير عن الله بشكل مرئي، ولهذا السبب بالذات ظهرت عبادة الأصنام. ولكن بالنظر إلى ما حدث عند التجلي، لا يمكننا أن نتصور استخدام أي صورة أخرى لتمثيل الإله سوى الشكل الإنساني”. تايلور (Taylor)
• “إذا أردنا تصوير الله بشكل ملموس فإن أعلى رمز يمكن أن يستخدمه الإنسان هو الصورة البشرية. فعندما أراد الله أن يعلن نفسه في أسمى إعلان عن شخصه قام بذلك في صورة الإنسان المسيح يسوع.” فاينبرغ (Feinberg)
• “يشير الوصف إلى أن حزقيال لم ير وجهًا وجسدًا يمكن أن يرسمهما، بل كان يرى سطوعًا ناريًا له شكل إنساني، وكان يعرف أنه حيّ وشخصي.” رايت (Wright)
٤. شِبْهٌ كَمَنْظَرِ إِنْسَانٍ: كان التمثيل الذي رآه حزقيال عن الله شيء يشبه الإنسان. هذا يتفق مع أوصاف الله الأخرى في الرؤى السماوية (مثل إشعياء ١:٦-٤ ورؤيا ٤-٥) وأيضًا الفكرة العامة أن الله خلق الإنسان على صورته (تكوين ٢٦:١-٢٧). ومرة أخرى، لم يقُل حزقيال أن الله كان إنسانًا، بل مجرد أنه شِبْهٌ كَمَنْظَرِ إِنْسَانٍ.
• “على عكس آلهة الأمم المرسومة على الأختام والمنحوتات القديمة، فإن مجد يهوه يصمد في وجه الوصف البشري، سواء كان وصفًا شفهيًا أو بصريًا. وعلى عكس صور الوثنيين التي تتطلب اهتمامًا مستمرًا وتلميعًا، فإن إشراق يهوه ينبع من كيانه.” بلوك (Block)
٥. النُّحَاسِ: هذا هو اللون الرابع المُصاحب. كان الأول: الزَّبَرْجَدِ أو الأخضر الزمردي (حزقيال ١٦:١)، ثم الْبِلَّوْرِ الصافي (حزقيال ٢٢:١)، ثم الْعَقِيقِ الأَزْرَقِ (حزقيال ٢٦:١)، والآن لون النُّحَاسِ البني الذهبي.
• يقول ألكسندر (Alexander) إن الكلمة التي تُرجمت نُّحَاسِ (hasmal) هي حرفيًا ’معدن متوهج،‘ وتحمل فكرة شيء يلمع مثل المعدن البارق.
٦. وَمِنْ مَنْظَرِ حَقْوَيْهِ إِلَى تَحْتُ، رَأَيْتُ مِثْلَ مَنْظَرِ نَارٍ وَلَهَا لَمَعَانٌ مِنْ حَوْلِهَا: ثم جاء في هذا التمثيل لله الضوء الأحمر والأصفر الوامض إلى أسفل. والمعنى هو أن قوته وإشراقه تنتقل من السماء إلى الأرض.
• “تشير الرمزية إلى أن الله عالٍ ومرتفع فوق السماوات، بعيدًا عن هذا العالم. ومع ذلك فهو لا يزال يوجّه وينظم خليقته من عرشه السماوي.” سميث (Smith).
٧. كَمَنْظَرِ الْقَوْسِ الَّتِي فِي السَّحَابِ يَوْمَ مَطَرٍ، هكَذَا مَنْظَرُ اللَّمَعَانِ مِنْ حَوْلِهِ: إن كل الصورة مليئة بالألوان والإشراق اللامع والمبهج – كَمَنْظَرِ الْقَوْسِ الَّتِي فِي السَّحَابِ.
• رأى يوحنا في رؤيته السماوية قَوْسُ قُزَحَ حَوْلَ الْعَرْشِ (رؤيا ٣:٤). مِنْ حَوْلِهِ هذا المشهد بكل ما فيه من سيادة وقوة وسلطان ومجد – هذا المشهد لعرش الله – وضع الله تذكيرًا بوعده بعدم إهلاك الأرض مرة أخرى بالمياه (تكوين ١٣:٩-١٦). إنه الوعد الذي يوجّه سيادته فلا تتغير ولا تتعارض مع وعوده.
• يقول العرش: “أستطيع أن أفعل ما أريد لأنني الحاكم الوحيد.” ويقول الوعد: “سأتمم لك الوعد، ولا يمكنني أن أفعل غير ذلك.” إن وجود الْقَوْسِ فوق عرش الله أمر رائع يبين لنا أن الله سيقيّد نفسه دائمًا بوعوده.
٨. هذَا مَنْظَرُ شِبْهِ مَجْدِ الرَّبِّ: بنى حزقيال حجته ببراعة ليصل إلى هذا الإعلان، كاشفًا أن الكائن المشرق الذي وصفه هو في الواقع يهوه الرب، إله إسرائيل بذاته. لم يدّعِ حزقيال أنه رأى الله مباشرة، بل فقط مَنْظَرُ شِبْهِ مَجْدِ الرَّبِّ.
• “يعتقد الكثيرون أن مثل هذه الرؤى كانت ظهورات ليسوع المسيح قبل التجسد، كما يرتئي يوحنا ٤١:١٢ في السياق الذي يشير فيه إلى إشعياء ٦. يمكن لمثل هذه الظهورات أن تنير، ولكنها لم تستطع أن تفدي. لقد كان التجسد الكامل أمرًا ضروريًا للفداء، وليس فقط مجرد الظهور البسيط كإنسان.” رايت (Wright)
• “كل ما أُوحيّ به إلى حزقيال من خلال النار، والكائنات الحيّة، والبكرات، وروح الحياة، تم الكشف عنه لنا بشكل أوضح في ابن محبته.” مورجان (Morgan)
• “كان هذا الإنسان هو يسوع المسيح، وهذا هو الجزء الأخير والأفضل من الرؤية – بمعنى أن الآب أجلس المسيح في السماويات، عاليًا جدًا فَوْقَ كُلِّ رِيَاسَةٍ وَقُوَّةٍ.” تراب (Trapp)
• بغض النظر عن الرسالة التي أعطاها الله له ليكرز بها، أو أي معارضة نشأت من الشعب، سيتشجع حزقيال ويتقوى لأنه رأى عرش الله العظيم في خضم التجربة النارية. لقد رأى مجد الله.” ويرزبي (Wiersbe)
• مَجْدِ: “إن مصطلح خابود (kabod) مشتق من جذر يعني ’أن تكون ثقيلًا،‘ ولكن عند تطبيقه على الملوكية والألوهية فإنه يشير إلى الثِقل المطلق لجلالة ذلك الشخص، تلك الصفة التي تستدعي تجاوب الملاحظ بشعور مملوء بالرهبة.” بلوك (Block)
٩. خَرَرْتُ عَلَى وَجْهِي، وَسَمِعْتُ صَوْتَ مُتَكَلِّمٍ: كان رد فعل حزقيال هو التسليم المتضع أمام إله المجد هذا. وكان تجاوب الله هو بالإعلان عن نفسه من خلال كلمته. قد يعتقد المرء أن مجرد إعلان الله عن نفسه في رؤيا هو أمرًا كافيًا، ولكنه لم يكن كافيًا بالنسبة لله. هناك شيء في طبيعته يطالب بأن يعلن نفسه من خلال كلمته، مما يجعل هذه الرؤية ذات قيمة ليس فقط لحزقيال النبي ولكن لكل من سيقرأ كلمته ويعتبرها.
• إذا لم يكن حزقيال مدركًا ذلك من قبل فقد فهم الآن بوضوح أن مجد الله لا يقتصر على أورشليم والهيكل.
• “لا شك في أنه خلال كل خدمته، سواء كان حزقيال استمع إلى الصوت، أو نطق الرسائل الموكّلة إليه، فقد فعل ذلك في وعي بمجد يهوه كما رآه في تلك الرؤى.” مورجان (Morgan)