سفر حزقيال – الإصحاح ٢٢
مدينة الدماء والدينونة الآتية عليها
أولًا. فساد أورشليم وقادتها
أ ) الآيات (١-٥): ذنب أورشليم ودينونتها، مدينة الدماء.
١وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: ٢«وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، هَلْ تَدِينُ، هَلْ تَدِينُ مَدِينَةَ الدِّمَاءِ؟ فَعَرِّفْهَا كُلَّ رَجَاسَاتِهَا، ٣وَقُلْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: أَيَّتُهَا الْمَدِينَةُ السَّافِكَةُ الدَّمِ فِي وَسْطِهَا لِيَأْتِيَ وَقْتُهَا، الصَّانِعَةُ أَصْنَامًا لِنَفْسِهَا لِتَتَنَجَّسَ بِهَا، ٤قَدْ أَثِمْتِ بِدَمِكِ الَّذِي سَفَكْتِ، وَنَجَّسْتِ نَفْسَكِ بِأَصْنَامِكِ الَّتِي عَمِلْتِ، وَقَرَّبْتِ أَيَّامَكِ وَبَلَغْتِ سِنِيكِ، فَلِذلِكَ جَعَلْتُكِ عَارًا لِلأُمَمِ، وَسُخْرَةً لِجَمِيعِ الأَرَاضِي. ٥الْقَرِيبَةُ إِلَيْكِ وَالْبَعِيدَةُ عَنْكِ يَسْخَرُونَ مِنْكِ، يَا نَجِسَةَ الاسْمِ، يَا كَثِيرَةَ الشَّغَبِ.
١. هَلْ تَدِينُ، هَلْ تَدِينُ مَدِينَةَ الدِّمَاءِ؟ بنداءين مزدوجين، أمر الله حزقيال بإصدار دينونة على أورشليم، مَدِينَةَ الدِّمَاءِ. كانت أورشليم مذنبة بالعديد من الخطايا، وكان في وسطها ظلم كثير يؤدي إلى الموت والعنف. ربما لم تكن أورشليم مدينة دِّامَية كمدن وثنية كثيرة، ولكن كان لديهم كلمة الله والأنبياء والكهنة. وكانوا من الحق مطالبتهم بمعايير أعلى بكثير.
• في هذه المرحلة من تاريخ أورشليم، لم تعد هي المدينة المقدسة، ولا المدينة الجميلة، ولا مدينة الله الخاصة. لقد كانت مَدِينَةَ الدِّمَاءِ، بسبب جرائمها الكثيرة التي أظهرت تجاهل لحياة الإنسان. وقد قال اسطفانوس بعد قرون عديدة لاحقة، عن أورشليم وذنب سفك الدم الذي ارتكبته: “أَيُّ الأَنْبِيَاءِ لَمْ يَضْطَهِدْهُ آبَاؤُكُمْ؟” (أعمال الرسل ٧: ٥٢)
• مَدِينَةَ الدِّمَاءِ: “تم تسمية أورشليم بهذا الاسم بسبب العديد من أفعال العنف والقمع المرتكبة فيها. ويشير الجمع في الكلمة الأصلية ‘الدماء’ إلى أعمال عنف وإراقة الدماء التي ارتكبتها.” فاينبرغ (Feinberg)
• “يبدو أن حزقيال قد اقتبس هذه العبارة من ناحوم، الذي اتهم نينوى في القرن السابق بأنها ‘المدينة الدامية’ بجدارة.” بلوك(Block) وبذلك، يبدو أن أورشليم كانت سيئة بنفس القدر مثل نينوى!
٢. عَرِّفْهَا كُلَّ رَجَاسَاتِهَا: “هذا يشير إلى خطية أخرى من خطايا أورشليم العديدة، وهي العبادة الوثنية الفادحة. لقد لاحظ حزقيال أنها الصَّانِعَةُ أَصْنَامًا لِنَفْسِهَا لِتَتَنَجَّسَ بِهَا. لقد تنجسوا بخيانتهم لله وبالممارسات اللاأخلاقية والفاضحة المرتبطة بعبادة هذه الأصنام الوثنية.”
• فِي وَسْطِهَا: “يزيد هذا من وحشية جرائمهم ويجعلهم أكثر دموية، لأنه تم عمل ذلك في مكان كان يجب أن يكون آمنًا للأبرياء، حيث كان هناك العديد منهم؛ فلم يحدث ذلك في البرية.” بوله (Poole)
٣. قَرَّبْتِ أَيَّامَكِ: كان القضاء القادم على أورشليم بسبب خطيتهم الخاصة. لقد كان الله كريمًا، مملوءًا نعمة، وصبورًا معهم على مدى عدة أجيال، ولكن في النهاية قال لها بَلَغْتِ سِنِيكِ.
٤. الْقَرِيبَةُ إِلَيْكِ وَالْبَعِيدَةُ عَنْكِ يَسْخَرُونَ مِنْكِ، يَا نَجِسَةَ الاسْمِ، يَا كَثِيرَةَ الشَّغَبِ: لا يمكن لأورشليم أن تتوقع أي تعاطف من الدول المحيطة بها، سواء كانت الْقَرِيبَة أو الْبَعِيدَة. فهي ستكون عَارًا لِلأُمَمِ، وَسُخْرَةً لِجَمِيعِ الأَرَاضِي.
.
ب) الآيات (٦-١٢): خطايا إسرائيل الكثيرة وخطايا رؤساءها.
٦هُوَذَا رُؤَسَاءُ إِسْرَائِيلَ، كُلُّ وَاحِدٍ حَسَبَ اسْتِطَاعَتِهِ، كَانُوا فِيكِ لأَجْلِ سَفْكِ الدَّمِ. ٧فِيكِ أَهَانُوا أَبًا وَأُمًّا. فِي وَسْطِكِ عَامَلُوا الْغَرِيبَ بِالظُّلْمِ. فِيكِ اضْطَهَدُوا الْيَتِيمَ وَالأَرْمَلَةَ. ٨ازْدَرَيْتِ أَقْدَاسِي وَنَجَّسْتِ سُبُوتِي. ٩كَانَ فِيكِ أُنَاسٌ وُشَاةٌ لِسَفْكِ الدَّمِ، وَفِيكِ أَكَلُوا عَلَى الْجِبَالِ. فِي وَسْطِكِ عَمِلُوا رَذِيلَةً. ١٠فِيكِ كَشَفَ الإِنْسَانُ عَوْرَةَ أَبِيهِ. فِيكِ أَذَلُّوا الْمُتَنَجِّسَةَ بِطَمْثِهَا. ١١إِنْسَانٌ فَعَلَ الرِّجْسَ بِامْرَأَةِ قَرِيبِهِ. إِنْسَانٌ نَجَّسَ كَنَّتَهُ بِرَذِيلَةٍ. إِنْسَانٌ أَذَلَّ فِيكِ أُخْتَهُ بِنْتَ أَبِيهِ. ١٢فِيكِ أَخَذُوا الرَّشْوَةَ لِسَفْكِ الدَّمِ. أَخَذْتِ الرِّبَا وَالْمُرَابَحَةَ، وَسَلَبْتِ أَقْرِبَاءَكِ بِالظُّلْمِ، وَنَسِيتِنِي، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ.
١. هُوَذَا رُؤَسَاءُ إِسْرَائِيلَ: في الآيات الخمس الأولى من حزقيال ٢٢، وبخ الله المدينة الخاطئة. ثم ركز توبيخه على الخطاة الفعليين في المدينة، بدءًا من رُؤَسَاءُ إِسْرَائِيلَ.
• على الرغم من عدم وجود أسباط إسرائيل الاثني عشر كدولة، أو كدول مستقلة لأكثر من ١٠٠ عام (منذ سقوط المملكة الشمالية لإسرائيل)، لا يزال الله يشير إلى قادة شعبه بأسماء رُؤَسَاءُ إِسْرَائِيلَ.
٢. كُلُّ وَاحِدٍ حَسَبَ اسْتِطَاعَتِهِ كَانُوا فِيكِ لأَجْلِ سَفْكِ الدَّمِ: بدلًا من استخدام قدرتهم واسْتِطَاعَتِهِم (قوتهم) بطرق تكرّم الله وتخدم شعبه، استخدم رُؤَسَاءُ إِسْرَائِيلَ قوتهم بطرق عنيفة تخدم مصالحهم الشخصية.
• “انعكس التفكك المجتمعي داخل أورشليم في المقام الأول على الطريقة التي مارسوا بها السلطة.” بلوك (Block)
• “من الواضح أن القتل القضائي كان مقصودًا (انظر ٢ ملوك ٢١: ١٦؛ ٢٤ :٤).” فاينبرغ (Feinberg)
٣. فِي وَسْطِكِ عَامَلُوا الْغَرِيبَ بِالظُّلْمِ. فِيكِ اضْطَهَدُوا الْيَتِيمَ وَالأَرْمَلَةَ: كان ينبغي على رؤساء إسرائيل الاعتناء بأولئك الناس. وبدلًا من الاهتمام بالعائلات (أَبًا وَأُمًّا) وبضعفاء المجتمع، قاموا باستغلالهم واحتقروهم.
• “أُمِرَ اليهود بتكريم آبائهم وأمهاتهم (خروج ٢٠: ١٢)، وكذلك المؤمنون اليوم (أفسس ٦: ١-٣). حتى أن الله ربط وعدًا خاصًا بهذه الوصية، قائلًا: “لكي تطول أيامك على الأرض.” والآن كان اليهود على وشك أن يتم سبيهم من أرضهم.” ويرزبي (Wiersbe)
٤. ازْدَرَيْتِ أَقْدَاسِي وَنَجَّسْتِ سُبُوتِي: إن خطايا رؤساء إسرائيل لم تكن فقط ضد مجتمعهم، بل كانت ضد الله نفسه. إنهم أخطأوا ضد مجد الله عندما ذبحوا واحتفلوا بالأصنام عَلَى الْجِبَالِ.”
• نَجَّسْتِ سُبُوتِي: “تدل الصيغة الجمعية على أن التهمة تمتد إلى ما هو أكثر من انتهاك السبوت الأسبوعية وتمتد إلى انتهاك الأيام المقدسة (والسنوات) أيضًا.” بلوك (Block)
٥. إنْسَانٌ فَعَلَ الرِّجْسَ بِامْرَأَةِ قَرِيبِهِ: كانت هناك مجالات أخرى للخطية بين رؤساء إسرائيل وهي الزنا والانحراف الجنسي. فلم يكتفوا بارتكاب الزنا (بِامْرَأَةِ قَرِيبِهِ)، بل ارتكبوا أيضًا الزنا المحرم مع امْرَأَةِ قَرِيبِهِ أو أُخْتَهُ بِنْتَ أَبِيهِ.
• “لا يمكن لأي نوع من النجاسة أن يشبع رغباتهم الشريرة أو يوقفها (لاويين ١٨: ١٩؛ ٢٠: ١٨). وفي إفراطهم في الممارسات اللاأخلاقية، تصرفوا كالوحوش أكثر منه ككائنات عاقلة. لقد وضع الله قيودًا في كل مجال من مجالات الحياة البشرية بحكمة غير متناهية، ويُعتبر تجاهل هذه التحذيرات هو أسوأ من الحماقة ذاتها.” فاينبرغ (Feinberg)
• أَذَلُّوا الْمُتَنَجِّسَةَ بِطَمْثِهَا: “لقد ارتكبوا خطية مزدوجة عندما يذل الرجال، أي يغتصبون، امرأة أثناء فترة الطمث.” سميث (Smith)
٦. فِيكِ أَخَذُوا الرَّشْوَةَ لِسَفْكِ الدَّمِ. أَخَذْتِ الرِّبَا وَالْمُرَابَحَةَ: كانت الدائرة الأخيرة من الخطية التي كُشفت بين رؤساء إسرائيل هي استغلالهم المالي ضد منفعة مجتمعهم. فقد أقرضوا الأموال بطرق ظالمة غير عادلة وَسَلَبْتِ أَقْرِبَاءَكِ بِالظُّلْمِ.
• “لقد كانت التعديات المحددة والمدرجة هنا هي ذنوبًا أقل أهمية عند مقارنتها بتأثيرها التراكمي الذي صار عبئًا على حزقيال النبي من جهة مسئوليته.” فوتر (Vawter) وهوب (Hoppe)
• تصف هذه القائمة الرهيبة خطايا قادة أورشليم ويهوذا. إذا كان هذا هو سلوك القادة، فمن المتوقع أن يكون سلوك الشعب العادي سيئًا أو أسوأ. بالإضافة إلى ذلك، كان الثمن الاجتماعي لهذه الخطايا، على مستوى الشعب العادي، أسوأ بكثير حيث أن للشعب موارد أقل لتساعدهم في التخفيف من آثار خطاياهم.
• وَنَسِيتِنِي: “ولكن في أعماق كل هذه المظاهر الخارجية للشر كان يكمن السبب الرئيسي وهو: ’وَنَسِيتِنِي، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ.‘ عندما ينسى الإنسان الله ويترك طرقه، ينفتح أمامه الطريق على كل نوع من الرذائل.” ألكسندر (Alexander)
ج) الآيات (١٣-١٦): الله يضرب بكفيه ضد قادة أورشليم الفاسدين.
١٣«فَهأَنَذَا قَدْ صَفَّقْتُ بِكَفِّي بِسَبَبِ خَطْفِكِ الَّذِي خَطَفْتِ، وَبِسَبَبِ دَمِكِ الَّذِي كَانَ فِي وَسْطِكِ. ١٤فَهَلْ يَثْبُتُ قَلْبُكِ أَوْ تَقْوَى يَدَاكِ فِي الأَيَّامِ الَّتِي فِيهَا أُعَامِلُكِ؟ أَنَا الرَّبَّ تَكَلَّمْتُ وَسَأَفْعَلُ. ١٥وَأُبَدِّدُكِ بَيْنَ الأُمَمِ، وَأُذَرِّيكِ فِي الأَرَاضِي، وَأُزِيلُ نَجَاسَتَكِ مِنْكِ. ١٦وَتَتَدَنَّسِينَ بِنَفْسِكِ أَمَامَ عُيُونِ الأُمَمِ، وَتَعْلَمِينَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ».
١. فَهأَنَذَا قَدْ صَفَّقْتُ بِكَفِّي بِسَبَبِ خَطْفِكِ الَّذِي خَطَفْتِ: صرح الله، بأشد العبارات الممكنة، بأنه سيقاوم قادة أورشليم الفاسدين. لقد كره الرب خَطْفِهم (أي مَكاسِبِهم الظّالِمَةِ) والدَمِاء التي نتجت عن محاكمهم غير الأمينة.
٢. فَهَلْ يَثْبُتُ قَلْبُكِ أَوْ تَقْوَى يَدَاكِ فِي الأَيَّامِ الَّتِي فِيهَا أُعَامِلُكِ: بعد أن صدمهم بأنه قد صَفَّقْ بِكَفِّيه، تحدث الله إلى رؤساء إسرائيل بمنطق واضح. ينبغي لهم أن يفكروا بصورة صادقة فيما إذا كانوا يستطيعون الوقوف ضد دينونة الله العظيمة الذي وعد الرب بجلبها عليهم (أَنَا الرَّبَّ تَكَلَّمْتُ وَسَأَفْعَلُ).
• فِي الأَيَّامِ الَّتِي فِيهَا أُعَامِلُكِ: “إن البابليين ليسوا إلا رجال، وأما أنا الرب إلهكم الذي أثرتم سخطه، فسأكون معهم؛ هم أسلحتي في الحرب، وأنا أضرب بهم، ولن يكون بإمكانكم الصمود تحت ضرباتهم. فلا تتملقوا أنفسكم، إن الرب سيفعل كما تكلم.” بوله (Poole)
٣. وَأُبَدِّدُكِ بَيْنَ الأُمَمِ: كما تكلم الرب في المقاطع السابقة، وعد الله بأنه لن يكسر يهوذا وأورشليم فحسب، بل سيُبَدِّدُهم في السبي. وعندما يجلسون مدنسين أَمَامَ عُيُونِ الأُمَمِ، سيفهمون حينها يهوه الرب وكيف أنه أظهر نفسه لهم في الدينونة.
• وَتَعْلَمِينَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ: “سوف تعرفونني من خلال العقوبات التي سأنزلها عليكم، وأنتم لم تعرفوني من خلال نعمي عليكم.” تراب (Trapp)
ثانيًا. كُور (فُرنِ التَّنقِيَةِ) الدينونة
أ) الآيات (١٧-١٩): جمعهم فِي فُرنِ تَّنقِيَةِ دينونة الله.
١٧وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: ١٨«يَا ابْنَ آدَمَ، قَدْ صَارَ لِي بَيْتُ إِسْرَائِيلَ زَغَلًا. كُلُّهُمْ نُحَاسٌ وَقَصْدِيرٌ وَحَدِيدٌ وَرَصَاصٌ فِي وَسْطِ كُورٍ. صَارُوا زَغَلَ فِضَّةٍ. ١٩لأَجْلِ ذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: مِنْ حَيْثُ إِنَّكُمْ كُلَّكُمْ صِرْتُمْ زَغَلًا، فَلِذلِكَ هأَنَذَا أَجْمَعُكُمْ فِي وَسْطِ أُورُشَلِيمَ.
١. قَدْ صَارَ لِي بَيْتُ إِسْرَائِيلَ زَغَلًا: كانت إسرائيل في السابق تُعتبر مِلكًا ثمينًا لدى الله. وبسبب خطيتهم وتمردهم، اعتبرهم الله الآن زَغَلًا – أي الشوائب التي لا قيمة لها والتي تخرج من تكرير المعدن.
• “ما يشير إليه النبي هنا هو أنه بدلًا من اعتبار بيت إسرائيل كنز الرب الخاص، فإنه صار الآن ليس أكثر من شوائب المعادن، أي النفايات التي تنتج من استخراج الفضة من المادة الخام.” بلوك (Block)
٢. هأَنَذَا أَجْمَعُكُمْ فِي وَسْطِ أُورُشَلِيمَ: عندما دخل جيش نبوخذ نصر إلى يهوذا، لجأ العديد من سكان المدن والبلدات المحيطة إلى أورشليم، ظنًا منهم أنها ستكون المكان الأكثر أمانًا. في الواقع، لقد كانوا يجتمعون هناك للدينونة.
ب) الآيات (٢٠-٢٢): القضاء بالذوبان في كور (أتون) الله.
٢٠جَمْعَ فِضَّةٍ وَنُحَاسٍ وَحَدِيدٍ وَرَصَاصٍ وَقَصْدِيرٍ إِلَى وَسْطِ كُورٍ لِنَفْخِ النَّارِ عَلَيْهَا لِسَبْكِهَا، كَذلِكَ أَجْمَعُكُمْ بِغَضَبِي وَسَخَطِي وَأَطْرَحُكُمْ وَأَسْبِكُكُمْ. ٢١فَأَجْمَعُكُمْ وَأَنْفُخُ عَلَيْكُمْ فِي نَارِ غَضَبِي، فَتُسْبَكُونَ فِي وَسْطِهَا. ٢٢كَمَا تُسْبَكُ الْفِضَّةُ فِي وَسْطِ الْكُورِ، كَذلِكَ تُسْبَكُونَ فِي وَسْطِهَا، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ سَكَبْتُ سَخَطِي عَلَيْكُمْ».
١. فَأَجْمَعُكُمْ وَأَنْفُخُ عَلَيْكُمْ فِي نَارِ غَضَبِي، فَتُسْبَكُونَ فِي وَسْطِهَا: وعد الله أن يجعل أورشليم مثل أتون عظيم. فلن تحرق جيوش بابل المدينة فحسب، بل سيكون ذلك ذوبانًا لإسرائيل نفسها. سينْفُخُ الله عَلَى نار فرن التنقية ليجعلها أكثر سخونة.
• “يجب أن توضعوا في الفرن، وتخضعوا لأشد النيران، حتى تتلاشى شوائبكم. لن تنفع أي وسيلة عادية؛ يجب اللجوء إلى الأكثر عنفًا.” كلارك (Clarke)
• “في مثل هذه اللحظة، تصبح أساليب الصبر والرحمة غير مجدية؛ فلا يمكن تدمير الشوائب واستعادة الفضة الملوثة إلا عن طريق الأتون.” مورجان (Morgan)
٢. كَمَا تُسْبَكُ الْفِضَّةُ فِي وَسْطِ الْكُورِ، كَذلِكَ تُسْبَكُونَ فِي وَسْطِهَا: يحمل إعلان الدينونة الشديد هذا بصيص أمل. عندما يقوم المُنقي بإذابة الْفِضَّةُ (أو أي معادن ثمينة أخرى)، فهذا لا يعني تدميرها، بل تنقيتها. بقدر ما سيكون حرق أورشليم والسبي فظيعًا، إلا أنه سيطهر إسرائيل، حتى من خلال الدينونة.
• يدل تنقية المعدن على وجود مصفّي يشرف على هذه العملية، ليرى إن كان هناك شيئًا ثمينًا يمكن استرداده واستخراجه.
• “إن ما في العهد القديم من إشارات إلى النار أو الأتون (مثل التثنية ٤: ٢٠) هي رموز للألم الشديد والمعاناة. وتبرز هذه الرموز أيضًا مفهوم النار كعامل للتنقية والصهر كوسيلة للتجدد الروحي (انظر إشعياء ١: ٢٥).” فوتر (Vawter) وهوب (Hoppe)
ثالثًا. خطايا الأنبياء، والكهنة، والرؤساء، والشعب
أ) الآيات (٢٣-٢٥) خطية أنبياء إسرائيل.
٢٣وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: ٢٤«يَا ابْنَ آدَمَ، قُلْ لَهَا: أَنْتِ الأَرْضُ الَّتِي لَمْ تَطْهُرْ، لَمْ يُمْطَرْ عَلَيْهَا فِي يَوْمِ الْغَضَبِ. ٢٥فِتْنَةُ أَنْبِيَائِهَا فِي وَسْطِهَا كَأَسَدٍ مُزَمْجِرٍ يَخْطُفُ الْفَرِيسَةَ. أَكَلُوا نُفُوسًا. أَخَذُوا الْكَنْزَ وَالنَّفِيسَ، أَكْثَرُوا أَرَامِلَهَا فِي وَسْطِهَا.
١. أَنْتِ الأَرْضُ الَّتِي لَمْ تَطْهُرْ: لقد كان فساد إسرائيل منتشرًا وعميقًا وكأن الأَرْضُ بأكملها كانت قذرة ومدنسة. كانت إحدى أهم أغراض الله من الدينونة والسبي القادمين هو تطهير الأرض روحيًا وأخلاقيًا.
• لَمْ يُمْطَرْ عَلَيْهَا: “وفقًا لوعد العهد القديم، كان المطر واحدًا من النِعَم في العالم المادي التي ترافق السير في طاعة الرب. وكان يُمنع المطر ليجعل قلوبهم ترجع إلى الرب.” فاينبرغ (Feinberg)
٢. فِتْنَةُ أَنْبِيَائِهَا فِي وَسْطِهَا كَأَسَدٍ مُزَمْجِرٍ يَخْطُفُ الْفَرِيسَةَ: عمل الأنبياء الكاذبين في إسرائيل معًا في شيء يشبه الفِتْنَةُ أو الحِيلَة، حيث يأخذون من الشعب ويأكلونه بدلًا من خدمته. إن خطية الأنبياء الذين يأخذون بدلًا من أن يعطوا لا تزال مشكلة كبيرة بين أولئك الذين يروّجون لأنفسهم على أنهم أنبياء.
• “تستند اتهامات بيت الملك في إسرائيل إلى ممارساتهم من أجل الحصول على الثروة من شعبهم، وذلك بالتأكيد بمصاحبة العنف والقتل.” تايلور (Taylor)
• فِتْنَةُ: “أنها تدبير أو صياغة تصميم بينهم للتحدث بكلمات مُغرية وناعمة وإعطاء وعود بالسلام والأمان، عندما لا يوجد سلام.” بوله (Poole)
• أَكْثَرُوا أَرَامِلَهَا فِي وَسْطِهَا: “كان الأنبياء مسئولين مباشرة عن تضاعف أعداد الأرامل في الأرض لأن أزواجهن خرجوا إلى الحرب ضد إرادة الرب بعد أن خدعهم الأنبياء الكذبة وكلمات الإطراء.” فاينبرغ (Feinberg)
ب) الآية (٢٦): خطية كهنة إسرائيل.
٢٦كَهَنَتُهَا خَالَفُوا شَرِيعَتِي وَنَجَّسُوا أَقْدَاسِي. لَمْ يُمَيِّزُوا بَيْنَ الْمُقَدَّسِ وَالْمُحَلَّلِ، وَلَمْ يَعْلَمُوا الْفَرْقَ بَيْنَ النَّجِسِ وَالطَّاهِرِ، وَحَجَبُوا عُيُونَهُمْ عَنْ سُبُوتِي فَتَدَنَّسْتُ فِي وَسْطِهِمْ.
١. كَهَنَتُهَا خَالَفُوا شَرِيعَتِي وَنَجَّسُوا أَقْدَاسِي: لم يؤدِ كَهَنَة إسرائيل دورهم المُعيّن لخدمة وتعليم الشعب. لقد كانت حياتهم فاسدة (خَالَفُوا شَرِيعَتِي) وكانوا يؤدون خدمتهم الكهنوتية بطرق مخزية (نَجَّسُوا أَقْدَاسِي).
• “حتى الذين يجب أن تحفظ شفاههم المعرفة، لم يعلّموا الشعب: لقد خالفوا شريعتي، ليس فقط في سلوكهم، ولكن بطريقتهم اللامبالية والفاسدة في الخدمة في هيكلي.” كلارك (Clarke)
٢. لَمْ يُمَيِّزُوا بَيْنَ الْمُقَدَّسِ وَالْمُحَلَّلِ: كانت هذه واحدة من الأعمال الهامة لكهنة إسرائيل. كان عليهم مساعدة الشعب في فهم كيف يطبقون شريعة الله في حياتهم اليومية من خلال إعلان الأشياء والسلوكيات على أنها مُقَدَّسِ وَمُحَلَّلِ، نَّجِسِ وَطَّاهِرِ. ولكنهم هم أنفسهم لم يعرفوا الفرق بينهما، ولذلك لم يتمكنوا من تعليم الشعب الذي كان من المقصود أن يخدموه.
• “التكليف الأكثر وضوحًا الذي أعطاه الرب لهارون في اللاويين ١٠: ١١ كان لتعليم بني إسرائيل جميع الفرائض التي تكلم بها الرب من خلال موسى. ولكن موسى يضع هذا العبء على سبط لاوي في بركته النهائية: يُعَلِّمُونَ يَعْقُوبَ أَحْكَامَكَ، وَإِسْرَائِيلَ نَامُوسَكَ (تثنية ٣٣: ١٠).” بلوك (Block)
٣. وَحَجَبُوا عُيُونَهُمْ عَنْ سُبُوتِي فَتَدَنَّسْتُ فِي وَسْطِهِمْ: فشل الكهنة في مسئولياتهم الأساسية لتكريم شريعة الله بأنفسهم، وتعليم الشعب بالقيام بذلك. وبالتالي دَنَّسْوا الله فِي وَسْطِهِمْ، حينما كان ينبغي أن يتمجد بين كهنته.
ج) الآيات (٢٧-٢٩): خطية رؤساء وأنبياء وشعب إسرائيل.
٢٧رُؤَسَاؤُهَا فِي وَسْطِهَا كَذِئَابٍ خَاطِفَةٍ خَطْفًا لِسَفْكِ الدَّمِ، لإِهْلاَكِ النُّفُوسِ لاكْتِسَابِ كَسْبٍ. ٢٨وَأَنْبِيَاؤُهَا قَدْ طَيَّنُوا لَهُمْ بِالطُّفَالِ، رَائِينَ بَاطِلًا وَعَارِفِينَ لَهُمْ كَذِبًا، قَائِلِينَ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ، وَالرَّبُّ لَمْ يَتَكَلَّمْ. ٢٩شَعْبُ الأَرْضِ ظَلَمُوا ظُلْمًا، وَغَصَبُوا غَصْبًا، وَاضْطَهَدُوا الْفَقِيرَ وَالْمِسْكِينَ، وَظَلَمُوا الْغَرِيبَ بِغَيْرِ الْحَقِّ.
١. رُؤَسَاؤُهَا فِي وَسْطِهَا كَذِئَابٍ خَاطِفَةٍ خَطْفًا: بدلًا من أن يكون القادة مثل الرعاة المخلصين، كانوا في الواقع مثل الذئاب الشرسة. لم يكن اهتمامهم هو لمجد الله وسلامة شعبه، بل كان لِسَفْكِ الدَّمِ، لإِهْلاَكِ النُّفُوسِ لاكْتِسَابِ كَسْبٍ.
٢. وَأَنْبِيَاؤُهَا قَدْ طَيَّنُوا لَهُمْ بِالطُّفَالِ: تكلم الرَائِينَ بَاطِلًا والأنبياء الكَذِبة باسم الرَّبِّ وبرؤى كَذِب مُختَرعة. ومع ذلك، كانت هذه الإعلانات المزعومة مثل حائط مبني بالطين الذي لا يحتوي على الأسمنت. لقد بدا جميلًا من الخارج، ولكن ليس له قوة ولا يمكن أن يصمد في اليوم العَصِيب.
• “أخفى الأنبياء دوافعهم الشخصية غير النقية، وقادوا الناس في ضلال بعيدًا مدّعين كذبًا بأن لهم سلطان الله.” ألكسندر (Alexander)
• “كانوا شديدي التدقيق في ادعائهم لنفس السلطة الإلهية التي يتمتع بها الأنبياء الحقيقيون، حتى استخدموا نفس الصيغة المقدسة ’هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ،‘ ولكن لم يكن للرب أي علاقة بادعائهم أو برسائلهم.” فاينبرغ (Feinberg)
٣. شَعْبُ الأَرْضِ ظَلَمُوا ظُلْمًا: قام رؤساء إسرائيل بتعذيب وإساءة معاملة الآخرين كثيرًا (حزقيال ٢٢: ٦-١٢). ولم يكن من المستغرَب أن يقلِد شَعْبُ الأَرْضِ سلوك قادتهم، ويفترسون بالعنف والقهر بعضهم البعض والضعفاء.
• “كان شعب الأرض هم المواطنون البارزون الذين يمتلكون الأراضي (حزقيال ١٢:١٩)، وكثيرًا ما كانوا ضباطًا في الجيش، وكانوا يتبعون على الفور الرؤساء والكهنة.” ويرزبي (Wiersbe)
د) الآيات (٣٠-٣١): البحث العقيم عن رجل يقف في الثغر.
٣٠وَطَلَبْتُ مِنْ بَيْنِهِمْ رَجُلًا يَبْنِي جِدَارًا وَيَقِفُ فِي الثَّغْرِ أَمَامِي عَنِ الأَرْضِ لِكَيْلاَ أَخْرِبَهَا، فَلَمْ أَجِدْ. ٣١فَسَكَبْتُ سَخَطِي عَلَيْهِمْ. أَفْنَيْتُهُمْ بِنَارِ غَضَبِي. جَلَبْتُ طَرِيقَهُمْ عَلَى رُؤُوسِهِمْ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ».
١. وَطَلَبْتُ مِنْ بَيْنِهِمْ رَجُلًا يَبْنِي جِدَارًا: ترتبط صورة الجِدَار بجدار الأنبياء الكذبة الضعيف الذين ذكرهم قبل بضعة آيات (حزقيال ٢٢: ٢٨). لقد بنى الأنبياء الكاذبون بالطين غير المعالج، وبحث الله عن رجل ليأتي بالقوة والاستقرار والأمان لإسرائيل.
• يبحث الله عن مثل هؤلاء الرجال. المشكلة ليست في أن الله لا يريد مثل هؤلاء الأشخاص أو لم يدعوهم. إذا كان هناك مشكلة، فإنها تكمن في أن الله يبحث ولا يجد أحدًا. لَمْ يجِدْ الله أحدًا لديه الشخصية أو الحكمة أو العلاقة الحقيقية معه لبناء مثل هذه القوة والاستقرار والأمان وسط شعبه.
• ” كان إرميا، على الأرجح، استثناءً من الإدانة العامة التي وجهها حزقيال، ولكنه إذ لم يكن لديه مكانة مَلكية، فقليلون هم من استمعوا إلى كلماته. لا يمكن لأي أمة تفتقر إلى القيادة الإلهية إلا أن تصير مثل إسرائيل في سيرها بعيدًا عن الرب.” تايلور (Taylor)
• “كان إرميا نفسه يفتش في المدينة عن رجل تقيّ (إرميا ٥: ١-٦)، لكن بحثه باء بالفشل.” ويرزبي (Wiersbe)
٢. وَيَقِفُ فِي الثَّغْرِ أَمَامِي عَنِ الأَرْضِ: الرجل الذي كان يبحث عنه الله ليس فقط بنّاءً، بل رجلًا على نفس القدر من الأهمية، رجل صلاة. مثل إبراهيم (تكوين ٢٠: ٧) وموسى (خروج ٣٢: ٩-١٤) وداود (٢ صموئيل ٢٤: ١٥-١٨). لقد بحث الله عن شخص يَقِفُ فِي الثَّغْرِ بين إله قدوس وشعبه العصاة والمتمردين والمدنسين. هذا الرجل الذي يَقِفُ فِي الثَّغْرِ كان سيحارب آملًا في إنقاذ شعب الله بواسطة الصلاة.
٣. فَلَمْ أَجِدْ: وهنا تكمن الكارثة. كان الله يأمل في وجود شخص يقود ويصلي لتجنب القضاء، ولكنه لَمْ يجِدْ أحدًا. كان هناك أشخاص أتقياء بالتأكيد (مثل إرميا)، لكن لم يكن هناك أحد يملأ هذا الدور في ذلك الوقت.
• “ثم ختم بوصف اليأس الكامل للحالة. لم يكن هناك رجل يقف في الثغر، لذلك يجب أن تستمر نار الغضب في طريقها.” مورجان (Morgan)
• ولحسن الحظ، وجد الله رجلًا يقف في الثغر. في هذا وصف قوي ليسوع وعمله لشعبه. إنه جدار القوة والاستقرار والأمان لشعب الله. يسوع هو من يحيا إلى الأبد ليصلي من أجل شعبه (عبرانيين ٧: ٢٥). لَمْ يجِدْ الله أحدًا في أيام حزقيال، ولكنه وفر في يسوع المسيح هذا الباني النهائي للجدار والرجل الذي يقف في الثغر.
٤. فَسَكَبْتُ سَخَطِي عَلَيْهِمْ: بسبب الخطية الكبيرة وفساد الرؤساء والأنبياء والكهنة والشعب؛ وبسبب أنه لم يكن هناك أحد يقود أو يصلي واقفًا فِي الثَّغْرِ، كانت الدينونة التي وعد بها الله مؤَكدة. لا يمكنها التراجع الآن.
• “وبالتالي، صار رفض إسرائيل مبررًا، ليس فقط بسبب تلوثها، بل لتحقيق استعادتها النهائية، حيث لم يكن هناك قوة فيها يمكن أن تقودها إلى الله الذي ابتعدت عنه.” مورجان (Morgan)
• فَسَكَبْتُ، أَفْنَيْتُ، جَلَبْتُ: “مع انحراف الأمة بأكملها لعمل كل فعل مكروه، وعدم وجود أحد يتدخل لأجلهم، كانت الدينونة هي الحل الوحيد لهم. إذًا، لقد كانت هذه الزيارة مؤكدة لدرجة أن حزقيال عبّر عنها ثلاث مرات وكأنها حدثت بالفعل.” فاينبرغ (Feinberg)