سفر حزقيال – الإصحاح ٣٣
النبي كرقيب
أولًا. حزقيال الرقيب
أ ) الآيات (١-٦): مبدأ الرقيب.
١وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: ٢يَا ابْنَ آدَمْ، كَلِّمْ بَنِي شَعْبِكَ وقُلْ لَهُمْ: إِذَا جَلَبْتُ السَّيْفَ عَلَى أَرْضٍ، فَإِنْ أَخَذَ شَعْبُ الأَرْضِ رَجُلًا مِنْ بَيْنِهِمْ وَجَعَلُوهُ رَقِيبًا لَهُمْ، ٣فَإِذَا رَأَى السَّيْفَ مُقْبِلًا عَلَى الأَرْضِ نَفَخَ فِي الْبُوقِ وَحَذَّرَ الشَّعْبَ، ٤وَسَمِعَ السَّامِعُ صَوْتَ الْبُوقِ وَلَمْ يَتَحَذَّرْ، فَجَاءَ السَّيْفُ وَأَخَذَهُ، فَدَمُهُ يَكُونُ عَلَى رَأْسِهِ. ٥سَمِعَ صَوْتَ الْبُوقِ وَلَمْ يَتَحَذَّرْ، فَدَمُهُ يَكُونُ عَلَى نَفْسِهِ. لَوْ تَحَذَّرَ لَخَلَّصَ نَفْسَهُ. ٦فَإِنْ رَأَى الرَّقِيبُ السَّيْفَ مُقْبِلًا وَلَمْ يَنْفُخْ فِي الْبُوقِ وَلَمْ يَتَحَذَّرِ الشَّعْبُ، فَجَاءَ السَّيْفُ وَأَخَذَ نَفْسًا مِنْهُمْ، فَهُوَ قَدْ أُخِذَ بِذَنْبِهِ، أَمَّا دَمُهُ فَمِنْ يَدِ الرَّقِيبِ أَطْلُبُهُ.
١. إِذَا جَلَبْتُ السَّيْفَ عَلَى أَرْضٍ: هذا يُحدِّد السياق لكل ما كتبه حزقيال بشأن الرَقِيب. كما جاء في سفر حزقيال ٣: ١٦-٢٧ مسبقًا، فإن صورة الرقيب تحمل سياق تحذيري من اقتراب دينونة الله. كان دور حزقيال كرَقِيب مرتبطًا بالوقت الذي فيه رَأَى السَّيْفَ مُقْبِلًا عَلَى الأَرْضِ.
• هناك الكثير ممن يعتبرون أنفسهم اليوم رقباء على شعب الله. إنهم يراقبون الآخرين بعناية وتدقيق ويبحثون عن علامات الخطأ أو الارتداد. ودائمًا سيكون لأولئك فرصة أن يفعلوا ما دُعي حزقيال للقيام به كرقيب – وهو تمييز أن دينونة الله ستأتي قريبًا ويحَذَّرَ الشَّعْبَ. ومع ذلك، فالعديد من الذين يعتبرون أنفسهم ’رقباء‘ عصريين يركزون على فحص الخطأ المفترض أكثر من إعلان حق الرب. وفي هذا تحريف لدعوة حزقيال كرقِيب.
• وهناك طريقة أخرى معاصرة قد تشوه وظيفة الرقيب بحسب الفكر الكتابي وهي الفحص غير الصادق أو غير العادل للآخرين بحثًا عن الخطأ أو الارتداد. فإذا قام الرقيب بتنبيه الناس إلى الأخطار ولكن لم يقدم تقريرًا أمينًا وعادلًا فلن يصدقه أحد عندما يحذّر من وجود خطر حقيقي.
٢. فَإِذَا نَفَخَ فِي الْبُوقِ وَحَذَّرَ الشَّعْبَ: عندما جاءت دينونة الله على الأرض، خاصة لتصحيح شعب الله، كان على الرَقِيب مسئولية مقدسة في تحذير الناس. فإذا قام بذلك، ولم يتجاوب أحد مع التحذير، فَدَمُ هذا الإنسان يَكُونُ عَلَى نَفْسِهِ. إن هذه ضمانة عظيمة لحزقيال وإرميا لأنهم حذروا الكثيرين ولكن القليل هم من استمعوا.
٣. لَوْ تَحَذَّرَ لَخَلَّصَ نَفْسَهُ: عندما تأتي دينونة الله على الأرض، فإن التحفظ الوحيد يكمن في سماع تَحَذَّيرَ الرقيب والتجاوب معه بشكل سليم.
٤. فَإِنْ رَأَى الرَّقِيبُ السَّيْفَ مُقْبِلًا وَلَمْ يَنْفُخْ فِي الْبُوقِ: إذا لم يحذر الرقيب الناس بشأن دينونة الله الآتية، فإن دَمُاء الذين هلكوا يكون على الرقيب.
ب) الآيات (٧-٩): حزقيال الرقيب.
٧وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَقَدْ جَعَلْتُكَ رَقِيبًا لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ، فَتَسْمَعُ الْكَلاَمَ مِنْ فَمِي، وَتُحَذِّرُهُمْ مِنْ قِبَلِي. ٨إِذَا قُلْتُ لِلشِّرِّيرِ: يَا شِرِّيرُ مَوْتًا تَمُوتُ. فَإِنْ لَمْ تَتَكَلَّمْ لِتُحَذِّرَ الشِّرِّيرَ مِنْ طَرِيقِهِ، فَذلِكَ الشِّرِّيرُ يَمُوتُ بِذَنْبِهِ، أَمَّا دَمُهُ فَمِنْ يَدِكَ أَطْلُبُهُ. ٩وَإِنْ حَذَّرْتَ الشِّرِّيرَ مِنْ طَرِيقِهِ لِيَرْجعَ عَنْهُ، وَلَمْ يَرْجعْ عَنْ طَرِيقِهِ، فَهُوَ يَمُوتُ بِذَنْبِهِ. أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ خَلَّصْتَ نَفْسَكَ.
١. فَقَدْ جَعَلْتُكَ رَقِيبًا لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ، فَتَسْمَعُ الْكَلاَمَ مِنْ فَمِي، وَتُحَذِّرُهُمْ مِنْ قِبَلِي: لم يكتسب الرقيب معرفته من دراسة جيوش الإمبراطورية البابلية، أو من خلال النظر إلى الأنبياء الكاذبين الذين كانوا بين شعب الله في ذلك الوقت. لقد سمع حزقيال من الله أن الدينونة آتية قريبًا، وكان عليه إعلان ذلك.
٢. يَا شِرِّيرُ مَوْتًا تَمُوتُ: كانت هذه هي الرسالة الرئيسية لحزقيال (وإرميا)، على الرغم من أنهم بشكل عام قدموا الرسالة إلى أورشليم ومملكة إسرائيل أكثر من توجيهها لأفراد بعينهم.
٣. وَإِنْ حَذَّرْتَ الشِّرِّيرَ مِنْ طَرِيقِهِ لِيَرْجعَ عَنْهُ، وَلَمْ يَرْجعْ عَنْ طَرِيقِهِ: إذا كان الرقيب قد سلّم رسالته بأمانة، فإن رد فعل الشخص الذي حذره يكون مسئولية الشخص الذي سمعها. ويمكن القول للرقيب: فَقَدْ خَلَّصْتَ نَفْسَكَ.
ثانيًا. عدل دينونة الله
أ ) الآيات (١٠-١١): دينونة الله عادلة لأنه لا يُسرّ بها.
١٠وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ فَكَلِّمْ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَقُلْ: أَنْتُمْ تَتَكَلَّمُونَ هكَذَا قَائِلِينَ: إِنَّ مَعَاصِيَنَا وَخَطَايَانَا عَلَيْنَا، وَبِهَا نَحْنُ فَانُونَ، فَكَيْفَ نَحْيَا؟ ١١قُلْ لَهُمْ: حَيٌّ أَنَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، إِنِّي لاَ أُسَرُّ بِمَوْتِ الشِّرِّيرِ، بَلْ بِأَنْ يَرْجعَ الشِّرِّيرُ عَنْ طَرِيقِهِ وَيَحْيَا. اِرْجِعُوا، ارْجِعُوا عَنْ طُرُقِكُمُ الرَّدِيئَةِ! فَلِمَاذَا تَمُوتُونَ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ؟
١. إِنَّ مَعَاصِيَنَا وَخَطَايَانَا عَلَيْنَا، وَبِهَا نَحْنُ فَانُونَ، فَكَيْفَ نَحْيَا؟ كان هذا سؤال اتهامي قد أُثير بشأن إنصاف وعدالة دينونة الله. بُني السؤال على فكرة أن الله يسعد بجعل دينونته شديدة جدًا لدرجة أنه لا يترك مجالًا لتوبة شعبه.
٢. إِنِّي لاَ أُسَرُّ بِمَوْتِ الشِّرِّيرِ، بَلْ بِأَنْ يَرْجعَ الشِّرِّيرُ عَنْ طَرِيقِهِ وَيَحْيَا: أجاب الله على سؤال شعبه الذي يتهمه بإعلان مبدأ أساسي حول طبيعته وتعامله مع البشر. الله لا يجد مسَرّةُ بِمَوْتِ الشِّرِّيرِ. قلب الله يتطلع لتوبة الناس، وأن يَرْجعَ الشِّرِّيرُ عَنْ طَرِيقِهِ وَيَحْيَا. الله ليس ساديًا وقاسيًا، ليجعل التوبة مستحيلة بسبب أنه يحب رؤية البشر يعانون.
• حقيقة أن الله لاَ يسَرُّ بِمَوْتِ الشِّرِّيرِ لا تعني أن هذا لن يحدث. فرغبة الله العامة لكل البشرية هي أن يتوبوا ويرجعوا إليه ويخلصوا؛ ومع ذلك، لن يتغاضى عن متطلبات العدالة والقداسة بالنسبة لأولئك الذين يرفضون الرجوع إليه.
• من المهم بشكل خاص فهم هذه التصريحات في سياقها الصحيح؛ وهي أن حزقيال تكلّم بهذا الشأن فيما يخص الدينونة القادمة على يهوذا وأورشليم في هذه الحياة، وليس في المرجع الأول على الدينونة الأبدية. ومع ذلك، بما أن هذا المبدأ متجذّر بشكل كبير في طبيعة الله، فإنه ينطبق على دينونة الله الأبدية. إن الله لا ’يفرح‘ عندما يختار الناس الجحيم؛ فرغبته العامة للبشرية كلها هي أن يتوبوا ويرجعوا إليه ويخلصوا.
٣. اِرْجِعُوا، ارْجِعُوا عَنْ طُرُقِكُمُ الرَّدِيئَةِ: تنقُل هذه الكلمات رغبة الرب، بل ومسَرّتهُ. إن اشتياق الرب هو أن يختار الرجال والنساء الحياة (تثنية ٣٠: ١٩) وليس الموت. أراد الله لإِسْرَائِيلَ أن يحيا ولا يموت. ويعني السؤال هنا: فَلِمَاذَا تَمُوتُونَ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ؟ أنه ليس عليهم أن يموتوا في الدينونة الآتية.
ب) الآيات (١٢-١٦): مبدأ الحياة المُغيرة.
١٢وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَقُلْ لِبَنِي شَعْبِكَ: إِنَّ بِرَّ الْبَارِّ لاَ يُنَجِّيهِ فِي يَوْمِ مَعْصِيَتِهِ، وَالشِّرِّيرُ لاَ يَعْثُرُ بِشَرِّهِ فِي يَوْمِ رُجُوعِهِ عَنْ شَرِّهِ. وَلاَ يَسْتَطِيعُ الْبَارُّ أَنْ يَحْيَا بِبِرِّهِ فِي يَوْمِ خَطِيئَتِهِ. ١٣إِذَا قُلْتُ لِلْبَارِّ: حَيَاةً تَحْيَا. فَاتَّكَلَ هُوَ عَلَى بِرِّهِ وَأَثِمَ، فَبِرُّهُ كُلُّهُ لاَ يُذْكَرُ، بَلْ بِإِثْمِهِ الَّذِي فَعَلَهُ يَمُوتُ. ١٤وَإِذَا قُلْتُ لِلشِّرِّيرِ: مَوْتًا تَمُوتُ. فَإِنْ رَجَعَ عَنْ خَطِيَّتِهِ وَعَمِلَ بِالْعَدْلِ وَالْحَقِّ، ١٥إِنْ رَدَّ الشِّرِّيرُ الرَّهْنَ وَعَوَّضَ عَنِ الْمُغْتَصَبِ، وَسَلَكَ فِي فَرَائِضِ الْحَيَاةِ بِلاَ عَمَلِ إِثْمٍ، فَإِنَّهُ حَيَاةً يَحْيَا. لاَ يَمُوتُ. ١٦كُلُّ خَطِيَّتِهِ الَّتِي أَخْطَأَ بِهَا لاَ تُذْكَرُ عَلَيْهِ. عَمِلَ بِالْعَدْلِ وَالْحَقِّ فَيَحْيَا حَيَاةً.
١. إِنَّ بِرَّ الْبَارِّ لاَ يُنَجِّيهِ فِي يَوْمِ مَعْصِيَتِهِ: طلب الله من حزقيال أن يرد على اعتراض اتهامي آخر من شعب الله. وكان هذا الاتهام مبنيًا على القَدَرِيَّة (القضاء والقَدَر)، والذي يقول في الأساس: الخّيرين خّيرين والأشرار أشرار ولا يمكن عمل شيء حيال ذلك. للرد على هذا الاعتراض، قام الله بتذكيرهم بأن كل رجل بَارِّ يمكن أن ينتهي به المطاف بحياة تسودها مَعْصِيَتِهِ. وأن بره السابق لن يُخلصه في يوم دينونة الله.
٢. وَالشِّرِّيرُ لاَ يَعْثُرُ بِشَرِّهِ فِي يَوْمِ رُجُوعِهِ عَنْ شَرِّهِ: بناءً على نفس المبدأ، فالشخص الذي عاش حياة شَرِّيرة سابقًا لا يتعين عليه الاستمرار على هذا النحو. يمكنه أن يتوب وينجو في زمن دينونة الله.
٣. إِذَا قُلْتُ لِلْبَارِّ: حَيَاةً تَحْيَا. فَاتَّكَلَ هُوَ عَلَى بِرِّهِ: ليس هناك أحد صالح لدرجة أنه لا يمكن أن يقع في خطأ كبير وخطر إن اتَّكَلَ عَلَى بِرِّهِ بدلًا من الله ورحمته. قد يعني ذلك أن يحسب المرء كل أعمال بِرَّه كلا شيء أمام الله، ويَمُوتُ. يعمل نفس المبدأ بالعكس بالنسبة لِلشِّرِّيرِ. في كلا الحالتين، إذا نطق الله فإنه ’حَيَاةً يَحْيَا‘ للبار أو ’مَوْتًا تَمُوتُ‘ لِلشِّرِّيرِ، لم يكن أي منهما تصريحًا لا رجعة فيه أو لا يمكن تغييره.
٤. إِنْ رَدَّ الشِّرِّيرُ الرَّهْنَ وَعَوَّضَ عَنِ الْمُغْتَصَبِ: مرة أخرى، الأمر واضح. إن الله لا يريد منا أن ننظر إلى مصير الإنسان على أنه مُحددًا ومُقدرًا بناءً على ماضي الشخص، سواء كان ذلك للخير أو الشر.
ج) الآيات (١٧-٢٠): الظلم وُجد في إسرائيل، وليس في الله.
١٧وَأَبْنَاءُ شَعْبِكَ يَقُولُونَ: لَيْسَتْ طَرِيقُ الرَّبِّ مُسْتَوِيَةً. بَلْ هُمْ طَرِيقُهُمْ غَيْرُ مُسْتَوِيَةٍ! ١٨عِنْدَ رُجُوعِ الْبَارِّ عَنْ بِرِّهِ وَعِنْدَ عَمَلِهِ إِثْمًا فَإِنَّهُ يَمُوتُ بِهِ. ١٩وَعِنْدَ رُجُوعِ الشِّرِّيرِ عَنْ شَرِّهِ وَعِنْدَ عَمَلِهِ بِالْعَدْلِ وَالْحَقِّ، فَإِنَّهُ يَحْيَا بِهِمَا. ٢٠وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إِنَّ طَرِيقَ الرَّبِّ غَيْرُ مُسْتَوِيَةٍ. إِنِّي أَحْكُمُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ كَطُرُقِهِ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ.
١. لَيْسَتْ طَرِيقُ الرَّبِّ مُسْتَوِيَةً: كان هذا اتهام آخر ضد الله وأنبيائه. عندما أعلن حزقيال وآخرون عن دينونة الله القادمة، كان رد البعض هو بتساؤلهم عن عدالة هذه الدينونة.
٢. بَلْ هُمْ طَرِيقُهُمْ غَيْرُ مُسْتَوِيَةٍ: رد الله بصراحة على اتهامهم. كان الله عادلًا تمامًا؛ إنهم أَبْنَاءُ شَعْبِكَ الذين ينظرون بشكل غير عادل إلى المصير أو إلى الماضي لتحديد مصير الإنسان.
٣. عِنْدَ رُجُوعِ الْبَارِّ عَنْ بِرِّهِ… وَعِنْدَ رُجُوعِ الشِّرِّيرِ عَنْ شَرِّهِ: ومع ذلك، كما في الآيات السابقة، أعلن الله أن الإنسان ليس مقيدًا بشكل قدري بماضيه، سواء كان ماضيه بِارًّا أو شِّرِّيرًا.
٤. إِنِّي أَحْكُمُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ كَطُرُقِهِ: هذا معيار دينونة الله، وقد كان (وما زال) عادلًا تمامًا. كان عادلًا بموجب العهد القديم، الذي كان يستند إلى حد كبير على الأعمال. وهو أيضًا عادل (بمعنى آخر) بموجب العهد الجديد، حيث يُثبَت الإنسان أن إيمانه حقيقي من خلال أعماله (يعقوب ٢: ١٤-١٧).
ثالثًا. الرسول من أورشليم
أ) الآية (٢١): وصول الرسول.
٢١وَكَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ عَشَرَةَ مِنْ سَبْيِنَا، فِي الشَّهْرِ الْعَاشِرِ، فِي الْخَامِسِ مِنَ الشَّهْرِ، أَنَّهُ جَاءَ إِلَيَّ مُنْفَلِتٌ مِنْ أُورُشَلِيمَ، فَقَالَ: «قَدْ ضُرِبَتِ الْمَدِينَةُ».
١. فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ عَشَرَةَ مِنْ سَبْيِنَا: كان ذلك بعد سبع سنوات من أولى نبوءات سفر حزقيال (حزقيال ١: ٢-٣).
٢. قَدْ ضُرِبَتِ الْمَدِينَةُ: أخبر الرسول عما تنبأ به حزقيال منذ فترة طويلة، أن جيوش بابل ستدمر أورشليم بالكامل. كانت هذه النبوءة محزنة ومأساوية كما كانت تُثبت صدق أقوال النبي.
ب) الآيات (٢٢-٢٤): إعلان متكبّر من القلة الناجين في يهوذا.
٢٢وَكَانَتْ يَدُ الرَّبِّ عَلَيَّ مَسَاءً قَبْلَ مَجِيءِ الْمُنْفَلِتِ، وَفَتَحَتْ فَمِي حَتَّى جَاءَ إِلَيَّ صَبَاحًا، فَانْفَتَحَ فَمِي وَلَمْ أَكُنْ بَعْدُ أَبْكَمَ. ٢٣فَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: ٢٤يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّ السَّاكِنِينَ فِي هذِهِ الْخِرَبِ فِي أَرْضِ إِسْرَائِيلَ يَتَكَلَّمُونَ قَائِلِينَ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ وَاحِدًا وَقَدْ وَرِثَ الأَرْضَ، وَنَحْنُ كَثِيرُونَ، لَنَا أُعْطِيَتِ الأَرْضُ مِيرَاثًا.
١. فَانْفَتَحَ فَمِي: منح الله حزقيال إحساسًا بوجود وحي هام قادم (كَانَتْ يَدُ الرَّبِّ عَلَيَّ مَسَاءً قَبْل) لكنه جعل النبي أَبْكَمَ حتى جاء الرسول.
٢. إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ وَاحِدًا وَقَدْ وَرِثَ الأَرْضَ، وَنَحْنُ كَثِيرُونَ، لَنَا أُعْطِيَتِ الأَرْضُ مِيرَاثًا: كانت هذه أفكار وكلمات البقية الصغيرة التي بقيت في أورشليم ويهوذا. هنا نعلم أنهم كانوا يعتقدون أنهم سيرثون الأرض ويعيدون بناء إسرائيل وأورشليم جديدة. لكن الله وعد بأن هذا سيحدث بواسطة المسبيين العائدين، وليس بواسطة الذين بقوا في الأرض.
• وصف أرميا هؤلاء القلّة المتبقية والأحداث المأساوية المرتبطة بهم في أرميا ٤٠-٤٤.
ج) الآيات (٢٥-٢٦): رد الله على البقية الناجية.
٢٥لِذلِكَ قُلْ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: تَأْكُلُونَ بِالدَّمِ وَتَرْفَعُونَ أَعْيُنَكُمْ إِلَى أَصْنَامِكُمْ وَتَسْفِكُونَ الدَّمَ، أَفَتَرِثُونَ الأَرْضَ؟ ٢٦وَقَفْتُمْ عَلَى سَيْفِكُمْ، فَعَلْتُمُ الرِّجْسَ، وَكُلٌّ مِنْكُمْ نَجَّسَ امْرَأَةَ صَاحِبِهِ، أَفَتَرِثُونَ الأَرْضَ؟
١. تَأْكُلُونَ بِالدَّمِ وَتَرْفَعُونَ أَعْيُنَكُمْ إِلَى أَصْنَامِكُمْ وَتَسْفِكُونَ الدَّمَ: لم يكن هؤلاء الناجين القليلون الذين تفادوا بطريقة ما الموت والسبي رجالًا أتقياء يحفظون العهد. لم يكونوا ملتزمون بقوانين الله الإلهية، ولم يعبدوا يهوه الرب وحده، لقد كانوا عنيفين.
٢. أَفَتَرِثُونَ الأَرْضَ؟ كرر الله هذا السؤال مرتين للتأكيد على أنهم لن يرِثُوا الأَرْضَ. ستتحقق وعود الله بإعادة إسرائيل وأورشليم، ولكن ليس من خلال رجال غير أتقياء أمثال هؤلاء.
د ) الآيات (٢٧-٢٩): وعد الله بالدينونة على البقية الناجية القليلة.
٢٧قُلْ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: حَيٌّ أَنَا، إِنَّ الَّذِينَ فِي الْخِرَبِ يَسْقُطُونَ بِالسَّيْفِ، وَالَّذِي هُوَ عَلَى وَجْهِ الْحَقْلِ أَبْذِلُهُ لِلْوَحْشِ مَأْكَلًا، وَالَّذِينَ فِي الْحُصُونِ وَفِي الْمَغَايِرِ يَمُوتُونَ بِالْوَبَإِ. ٢٨فَأَجْعَلُ الأَرْضَ خَرِبَةً مُقْفِرَةً، وَتَبْطُلُ كِبْرِيَاءُ عِزَّتِهَا، وَتَخْرَبُ جِبَالُ إِسْرَائِيلَ بِلاَ عَابِرٍ. ٢٩فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ حِينَ أَجْعَلُ الأَرْضَ خَرِبَةً مُقْفِرَةً عَلَى كُلِّ رَجَاسَاتِهِمِ الَّتِي فَعَلُوهَا.
١. إِنَّ الَّذِينَ فِي الْخِرَبِ يَسْقُطُونَ بِالسَّيْفِ: لم يفلت الناجون بالفعل من دينونة الله؛ لكنها كانت مؤجلة فقط لفترة قصيرة. سيصابون بنفس الدينونات كباقي الشعب: السَّيْفِ، والْوَحْوشِ، وبِالْوَبَاء، ولكن في الوقت المناسب. لقد أثبت أرميا ٤٠-٤٤ أن هذا صحيح.
٢. فَأَجْعَلُ الأَرْضَ خَرِبَةً مُقْفِرَةً: ستؤول أحلام الناجين القليلة المتكبرة إلى لا شيء. سيواصل الله عمله في جعل الأَرْضَ خَرِبَةً مُقْفِرَةً على الرغم من كبريائهم ومن كِبْرِيَاءُ عِزَّتِهَا.
٣. فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ: للتو سقطت أورشليم، وأصاب الشعب كارثة لا يمكن تصورها تقريبًا. ومع ذلك، وعد الله بخراب آخر سيأتي، وسيأتي بسبب عبادتهم الوثنية المروعة (كُلِّ رَجَاسَاتِهِمِ الَّتِي فَعَلُوهَا).
هـ) الآيات (٣٠-٣٣): كان الشعب مسرورًا لسماع حزقيال لكنهم لم يصغوا حقًا إليه.
٣٠«وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَإِنَّ بَنِي شَعْبِكَ يَتَكَلَّمُونَ عَلَيْكَ بِجَانِبِ الْجُدْرَانِ، وَفِي أَبْوَابِ الْبُيُوتِ، وَيَتَكَلَّمُ الْوَاحِدُ مَعَ الآخَرِ، الرَّجُلُ مَعَ أَخِيهِ قَائِلِينَ: هَلُمَّ اسْمَعُوا مَا هُوَ الْكَلاَمُ الْخَارِجُ مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ! ٣١وَيَأْتُونَ إِلَيْكَ كَمَا يَأْتِي الشَّعْبُ، وَيَجْلِسُونَ أَمَامَكَ كَشَعْبِي، وَيَسْمَعُونَ كَلاَمَكَ وَلاَ يَعْمَلُونَ بِهِ، لأَنَّهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُظْهِرُونَ أَشْوَاقًا وَقَلْبُهُمْ ذَاهِبٌ وَرَاءَ كَسْبِهِمْ. ٣٢وَهَا أَنْتَ لَهُمْ كَشِعْرِ أَشْوَاق لِجَمِيلِ الصَّوْتِ يُحْسِنُ الْعَزْفَ، فَيَسْمَعُونَ كَلاَمَكَ وَلاَ يَعْمَلُونَ بِهِ. ٣٣وَإِذَا جَاءَ هذَا، لأَنَّهُ يَأْتِي، فَيَعْلَمُونَ أَنَّ نَبِيًّا كَانَ فِي وَسْطِهِمْ».
١. فَإِنَّ بَنِي شَعْبِكَ يَتَكَلَّمُونَ عَلَيْكَ: أراد الله أن يَعلّم حزقيال أن رسالته تصل إلى الناس. حتى لو لم يطيعوا ما أمرهم الله به، لقد كانوا يتحدثون عنه ويعتبرون ما قاله أنه الْكَلاَمُ الْخَارِجُ مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ.
٢. يَسْمَعُونَ كَلاَمَكَ وَلاَ يَعْمَلُونَ بِهِ: كان حزقيال مشهورًا ظاهِرِيًّا كنبي. كان الناس يتحدثون عن كلماته النبوية، يقرون بأن الكلمات كانت من الله، ولكن لا يدعموها بأي أفعال. لقد كان شعورهم سطحيًا للغاية. هم سمعوا، لكنهم لم يصغوا حقًا ولا عْمَلُوا بما سمعوه.
٣. بِأَفْوَاهِهِمْ يُظْهِرُونَ أَشْوَاقًا وَقَلْبُهُمْ ذَاهِبٌ وَرَاءَ كَسْبِهِمْ: قال الناس أشياء طيبة ولطيفة عن وعظ حزقيال، لكنه لم يؤثر ولم يغيّر في قلوبهم أو حياتهم. فهم لا يزالون يعيشون من أجل كَسْبِهِمْ وليس لإكرام الله ولقداسته.
٤. وَهَا أَنْتَ لَهُمْ كَشِعْرِ أَشْوَاق: كانوا يحبون الاستماع إلى حزقيال كما يحب أي شخص الاستماع إلى مغني جيد (لِجَمِيلِ الصَّوْتِ) وموسيقى جميلة (يُحْسِنُ الْعَزْفَ). لقد استمتعوا بـ’موسيقى‘ النبي ولكن لم يستجيبوا لرسالته بالحق والإيمان والعمل.
٥. فَيَعْلَمُونَ أَنَّ نَبِيًّا كَانَ فِي وَسْطِهِمْ: كان قد أُثبت بالفعل أن حزقيال نبي حقيقي لأن أورشليم قد اُستُولى عليها (حزقيال ٣٣: ٢١). ولكن مع استمرار تحقق نبوءاته وحلول الويلات على أولئك الذين لم يتلقوا الرسائل بالإيمان والعمل، فعلى الأقل سيَعْلَمُونَ الناس أن حزقيال كان في الواقع نَبِيًّا حقيقيًا، ويجب ألا يُعتبر مجرد مؤدٍ ترفيهي أو مجرد متحدث مُلهَم.