سفر حزقيال – الإصحاح ٤٣
مجد الله يأتي إلى هيكل حزقيال
أولًا. مجد الله يأتي إلى هيكل حزقيال
أ ) الآيات (١-٢): مجد الله يأتي عبر البوابة الشرقية.
١ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى الْبَابِ، الْبَابِ الْمُتَّجِهِ نَحْوَ الشَّرْقِ. ٢وَإِذَا بِمَجْدِ إِلهِ إِسْرَائِيلَ جَاءَ مِنْ طَرِيقِ الشَّرْقِ وَصَوْتُهُ كَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ، وَالأَرْضُ أَضَاءَتْ مِنْ مَجْدِهِ.
١. الْبَابِ الْمُتَّجِهِ نَحْوَ الشَّرْقِ: كان هذا هو المكان الذي بدأت فيه جولة حزقيال لرؤيا الهيكل (حزقيال ٤٠: ٦). ورأى أيضًا في رؤيا، قبل سنوات عديدة، مجد الله وهو يغادر الهيكل عبر البوابة الشرقية (حزقيال ١١: ٢٣).
• “على الرغم من أن الرب يمكنه أن يدخل الهيكل من البوابة الشمالية أو الجنوبية، لكن اختيار البوابة الشرقية أمر مُتعَمد، حيث أنه يؤدي إلى قدس الأقداس في خط مستقيم حيث القداسة المُركزة.” بلوك (Block)
٢. وَإِذَا بِمَجْدِ إِلهِ إِسْرَائِيلَ جَاءَ مِنْ طَرِيقِ الشَّرْقِ: من نفس الاتجاه الذي رأى فيه حزقيال مجد الله يغادر الهيكل (حزقيال ١١: ٢٣)، رآه الآن في رؤيته يدخل هذا الهيكل الجديد.
• من دون مَجْدِ إِلهِ إِسْرَائِيلَ، كان هيكل حزقيال ليس أكثر من مجرد مبنى. وبوجود مَجْدِ الله، أصبح مكانًا مقدسًا ومسكنًا لله وإشعاعًا لوجوده.
• من الصعب تحديد مجد الله؛ يمكن أن نطلق عليه تألق شخصه ووجوده. يخبرنا الكتاب المقدس أن مجد الله يُشّع بين كل خلائقه (مزمور ١٩: ١-٤). ومع ذلك، هناك أيضًا مفهوم مجد الله المرئي والملموس – الشكينه – ويتناثر هذا في كل العهد القديم. وفي كثير من الحالات يوصف على أنه سحابة.
هذه هي السحابة التي وقفت بجانب إسرائيل في البرية (خروج ١٣: ٢١-٢٢).
هذه هي سحابة المجد التي تحدث الله منها إلى إسرائيل (خروج ١٦: ١٠).
هذه هي السحابة التي فيها التقى الله مع موسى والآخرين (خروج ١٩: ٩، ٢٤: ١٥-١٨، سفر العدد ١١: ٢٥، ١٢: ٥، ١٦: ٤٢).
هذه هي السحابة التي وقفت بجانب باب الخيمة (خروج ٣٣: ٩-١٠).
هذه هي السحابة التي ظهر الله منها لرئيس الكهنة في قدس الأقداس داخل الحجاب (لاويين ١٦: ٢).
هذه هي سحابة رؤيا حزقيال، تملأ هيكل الله بإشراق مجده (حزقيال ١٠: ٤).
هذه هي سحابة المجد التي ظللت مريم عندما حملت يسوع بقوة الروح القدس (لوقا ١: ٣٥).
هذه هي السحابة الموجودة عند تجلّى يسوع (لوقا ٩: ٣٤-٣٥).
هذه هي سحابة المجد التي استقبلت يسوع في السماء عند صعوده (أعمال ١: ٩).
هذه هي السحابة التي ستعلن مجد يسوع المسيح عند عودته بانتصار إلى هذه الأرض (لوقا ٢١: ٢٧، رؤيا ١: ٧).
٣. وَصَوْتُهُ كَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ، وَالأَرْضُ أَضَاءَتْ مِنْ مَجْدِهِ: كما شهد حزقيال في رؤيته، كان لمجد الله جانبًا يمكن سماعه ورؤيته. فقد بدا صوته مثل صوت مهيب ومُلهم كشلال عظيم (صَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ). لقد بدا ضخمًا ومشعًا (الأَرْضُ أَضَاءَتْ).
• “كان صوت الرب مثل صوت المياه الكثيرة، ولكن عند التحدث إلى حزقيال أصبح صوت إنسان، وأعلن أن الرب استوطن مسكنه، وأنه سيسكن في وسط إسرائيل إلى الأبد، وأن إسرائيل لن ينجس اسمه القدوس بعد الآن.” مورجان (Morgan)
ب) الآيات (٣-٥): حزقيال يميز مجد الله ويتفاعل معه.
٣وَالْمَنْظَرُ كَالْمَنْظَرِ الَّذِي رَأَيْتُهُ لَمَّا جِئْتُ لأُخْرِبَ الْمَدِينَةَ، وَالْمَنَاظِرُ كَالْمَنْظَرِ الَّذِي رَأَيْتُ عِنْدَ نَهْرِ خَابُورَ، فَخَرَرْتُ عَلَى وَجْهِي. ٤فَجَاءَ مَجْدُ الرَّبِّ إِلَى الْبَيْتِ مِنْ طَرِيقِ الْبَابِ الْمُتَّجِهِ نَحْوَ الشَّرْقِ. ٥فَحَمَلَنِي رُوحٌ وَأَتَى بِي إِلَى الدَّارِ الدَّاخِلِيَّةِ، وَإِذَا بِمَجْدِ الرَّبِّ قَدْ مَلأَ الْبَيْتَ،
١. وَالْمَنْظَرُ كَالْمَنْظَرِ الَّذِي رَأَيْتُهُ: تعرّف حزقيال على منظر مجد الله ذاته الذي رآه بشكل سلبي في حزقيال ١٠ و١١ عِنْدَ نَهْرِ خَابُورَ. وبعدها جاء مجد الله في الدينونة لأُخْرِبَ الْمَدِينَةَ.
• بما أنه لم يتم إعطاء تفاصيل، لا نعرف إذا كان حزقيال رأى سحابة مشعة من مجد الله فقط، أم رأى مركبة العرش مفصّلة كما في حزقيال ١ و٨-١١، مكتملة بمجموعة من العجلات والكروبيم النشط. ومع ذلك، عرف حزقيال أن ما رآه كان نفس مجد الله.
• لأُخْرِبَ الْمَدِينَةَ: يبدو أن الآية المُشار إليها هي حزقيال ٩: ٨ «آهِ، يَا سَيِّدُ الرَّبُّ! هَلْ أَنْتَ مُهْلِكٌ بَقِيَّةَ إِسْرَائِيلَ كُلَّهَا بِصَبِّ رِجْزِكَ عَلَى أُورُشَلِيمَ؟».
٢. فَخَرَرْتُ عَلَى وَجْهِي: على الرغم من أن حزقيال شهد رؤية لمجد الله مرتين من قبل (في حزقيال ١ وحزقيال ١٠-١١)، إلا أنه لم يكن بأي حال من الأحوال مشهدًا مألوفًا أو مريحًا. لقد سقط على وجهه في مخافة مقدسة لله. والمعنى هو أن حزقيال لم يختر القيام بذلك؛ لقد كان هذا رد فعل طبيعي. وهذا ما كان قد فعله من قبل (حزقيال ١: ٢٨؛ ٣: ٢٣؛ ٩: ٨، و١١:١٣).
• فَخَرَرْتُ عَلَى وَجْهِي: “في مهابة لجلاله، وإعجابًا برحمته، وفي شعور بعدم استحقاقي. فكلما اقترب المرء من الله، كلما قلّ في عيني نفسه.” تراب (Trapp)
٣. فَجَاءَ مَجْدُ الرَّبِّ إِلَى الْبَيْتِ: بمعنى أن هذا حدث بسرعة إلى حد ما؛ لم يكن هناك تأخير أو تردد في مجيئه. بينما عندما غادر مجد الله الهيكل، كان يحوم ويحلّق، كما لو أنه يتردد في المغادرة (حزقيال ١٠: ١٨-١٩). إن الله يملأ المكان بمجده بسهولة وبسرعة، ولكنه ينسحب على مَضَض.
• “عندما كَرَّس موسى خيمة الاجتماع (خروج ٤٠) ودشن سليمان الهيكل (٢ أخبار الأيام ٥: ١١-١٤)، حلّ مجد الله بداخله، مما يدل على أن الرب قد قَبِل عبادتهم وأيّد عملهم.” ويرزبي (Wiersbe)
• “لم يُذكر مجد الشكينة فيما يتعلق بهيكل الاسترداد (هيكل زربابل)، لذا لا يمكن أن يكون هذا الهيكل هو تحقيق ما تنبأ حزقيال به هنا.” فاينبرغ (Feinberg)
٤. وَإِذَا بِمَجْدِ الرَّبِّ قَدْ مَلأَ الْبَيْتَ: لقد حمل الرُوح حزقيال ليرى كيف يملأ المَجْدِ الهيكل. وتكرار النبي يشير إلى إحساسه بالدهشة. كان هذا كما لو قال حزقيال: مَجْدِ الرَّبِّ قَدْ مَلأَ الْبَيْت حقًا!
• “الآن بعد أن تم وصف الهيكل، كان من الضروري الإشارة إلى أن الله قَبِل هذا البناء.” فاينبرغ (Feinberg)
ج) الآيات (٦-٩): مطالبة الله بالهيكل وبإسرائيل.
٦وَسَمِعْتُهُ يُكَلِّمُنِي مِنَ الْبَيْتِ، وَكَانَ رَجُلٌ وَاقِفًا عِنْدِي. ٧وَقَالَ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ، هذَا مَكَانُ كُرْسِيِّي وَمَكَانُ بَاطِنِ قَدَمَيَّ حَيْثُ أَسْكُنُ فِي وَسْطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يُنَجِّسُ بَعْدُ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ اسْمِي الْقُدُّوسَ، لاَ هُمْ وَلاَ مُلُوكُهُمْ، لاَ بِزِنَاهُمْ وَلاَ بِجُثَثِ مُلُوكِهِمْ فِي مُرْتَفَعَاتِهِمْ. ٨بِجَعْلِهِمْ عَتَبَتَهُمْ لَدَى عَتَبَتِي، وَقَوَائِمَهُمْ لَدَى قَوَائِمِي، وَبَيْنِي وَبَيْنَهُمْ حَائِطٌ، فَنَجَّسُوا اسْمِي الْقُدُّوسَ بِرَجَاسَاتِهِمِ الَّتِي فَعَلُوهَا، فَأَفْنَيْتُهُمْ بِغَضَبِي. ٩فَلْيُبْعِدُوا عَنِّي الآنَ زِنَاهُمْ وَجُثَثَ مُلُوكِهِمْ فَأَسْكُنَ فِي وَسْطِهِمْ إِلَى الأَبَدِ.
١. وَسَمِعْتُهُ يُكَلِّمُنِي مِنَ الْبَيْتِ: كان صوت يهوه نفسه يتكلم من الهيكل، مما يُظهر أن مجد الله كان هو التجسيد الفعّال لحضوره. حيثما كان المجد، كان الله؛ وحيث يتواجد الله، فهو يتكلم.
٢. وَكَانَ رَجُلٌ وَاقِفًا عِنْدِي: يُفترض أن هذا هو الرجل البَهِيّ البَرّاق الذي كان مرشدًا لحزقيال في الهيكل (حزقيال ٤٠: ٣-٤)؛ وعلى الأرجح هو كائن ملائكي. هذا هو آخر ذِكر للرجل البَرّاق.
• “لم يُقال شيء أكثر عنه. إنه يختفي بشكل غامض من المشهد، مما يترك النبي يركز على الرسالة التي سيستقبلها من الملك الإلهي الذي وصل للتو، والذي يبدأ الآن بالكلام.” بلوك (Block)
٣. هذَا مَكَانُ كُرْسِيِّي… أَسْكُنُ فِي وَسْطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى الأَبَدِ: أعلن يهوه أنه عاد إلى الهيكل ليمُلك. كان هذا كُرْسِيِّه، حيث سيقف (مَكَانُ بَاطِنِ قَدَمَيَّ)، وحيث سيثبت. هذا يُظهر ليس فقط ثبات علاقة الله واستمرارها حتى الأبدية مع إسرائيل كشعب العهد، ولكن أيضا يُظهر اهتمام الله وتقديره لتلك الأرض. سيكون هذا واضحًا خاصة في المُلك الألفي، الذي هو السياق العام لحزقيال ٤٠-٤٨.
• وَقَالَ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ»: هذا اللقب “ليس من تأليف حزقيال، بل كان اللقب الذي استخدمه الله في بداية حديثه مع حزقيال، (٢: ١).” بلوك (Block)
• “إن الكلمات هنا هي صدى لصلاة سليمان في سفر الملوك الأول ٨: ١٢، ١٣، ٢٧”. تايلور (Taylor)
• حَيْثُ أَسْكُنُ فِي وَسْطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى الأَبَدِ: “لقد جعلت كلمات ’إِلَى الأَبَدِ‘ من هذا الإعلان ما هو أكثر شمولية من أي شيء تم الحديث عنه فيما قبل يخص خيمة موسى أو هيكل سليمان (٤٣: ٧أ).” سميث (Smith)
٤. وَلاَ يُنَجِّسُ بَعْدُ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ اسْمِي الْقُدُّوسَ: إن هذا اليوم بما فيه من هيكل متجدد، ومجد الله، ووعد السكنى القريب سيكون يومًا للقداسة عند إسرائيل. لن تستمر ممارساتهم الخاطئة الماضية (مثل عبادة الأصنام على مُرْتَفَعَاتِهِمْ) بعد الآن.
• في هيكل حزقيال لا يوجد خط فاصل بين اليهود والأمم أو الرجال والنساء؛ الخط الفاصل هو بين ما هو مقدس وما هو مُدَنس (أو مُحلل أو عام).
• “يُذكّرنا هذا المقطع أن الناس الذين يترددون على ’الأماكن المقدسة‘ يجب أن يكونوا ’شعب مقدس.‘ تحتاج البقية اليهودية التي عادت لأرضها لإعادة بناء الهيكل أن تحمل هذه الرسالة في قلوبهم، ونحن بحاجة لأن نحملها في قلوبنا اليوم.” ويرزبي (Wiersbe)
• “بما أن هذا كان من المفترض أن يكون مكان إقامة الرب التامة، فلا يجب أن يكون هناك شيء على الإطلاق يُدَنس هذا الهيكل. لن يتبعوا العبادة الملوثة للأصنام بعد الآن. لن يستوعب العقل المعاصر عمق الجهل والقذارة التي أدت إليها عبادة الأصنام في ذلك اليوم، إلا إذا اطّلع على مصادر خارج الكتاب المقدس.” فاينبرغ (Feinberg)
• وَلاَ بِجُثَثِ مُلُوكِهِمْ: “ربما المقصود بهذا أن جثث ملوكهم كانت مدفونة بالقرب من الهيكل، وهذا أقل احتمالًا؛ أو لأن جثث الملوك كانت قد قدمت كذبائح بشرية لأصنامهم، لمولوك؛ أو ربما كلمة ’جثث‘ هي مجرد اسماء لأصنام، كانت في نظر الله أشياء ميتة وكريهة ومنفرة.” بوله (Poole)
• “يبدو أن الله كان غير راضٍ عن جلب ملوكهم بالقرب من هيكله. دُفِنَ داود في مدينة داود، والتي كانت على جبل صهيون، بالقرب من الهيكل؛ وكذلك معظم ملوك يهوذا؛ لكن الله يطلب أن يظل مكان هيكله وجواره غير ملوث؛ ومتى ازالوا كل نجس يسكن الله بينهم.” كلارك (Clarke)
٥. بِجَعْلِهِمْ عَتَبَتَهُمْ لَدَى عَتَبَتِي… فَنَجَّسُوا اسْمِي الْقُدُّوسَ: عندما فكّر إسرائيل أن يعيشوا بالقرب من الله أو بجانبه، لم يكرموه أو يطيعوه تمامًا. لقد كانت رغبة الله الحقيقية هي السْكُنُى فِي وَسْطِهم إِلَى الأَبَدِ، وأن يقوم بذلك كجزء من تحوّل إسرائيل للعهد الجديد.
• نلاحظ وعد الله المهيب: أَسْكُنَ فِي وَسْطِهِمْ إِلَى الأَبَدِ. إن المعنى الصريح والواضح لهذه الكلمات يتحدى كل من يعتقد أن الله قد انتهى من عمله إلى الأبد في أمة “إسرائيل.”
د ) الآيات (١٠-١٢): الغرض الإلهي للوصف المفصل لهيكل حزقيال.
١٠وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَأَخْبِرْ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ عَنِ الْبَيْتِ لِيَخْزَوْا مِنْ آثَامِهِمْ، وَلْيَقِيسُوا الرَّسْمَ. ١١فَإِنْ خَزُوا مِنْ كُلِّ مَا فَعَلُوهُ، فَعَرِّفْهُمْ صُورَةَ الْبَيْتِ وَرَسْمَهُ وَمَخَارِجَهُ وَمَدَاخِلَهُ وَكُلَّ أَشْكَالِهِ وَكُلَّ فَرَائِضِهِ وَكُلَّ شَرَائِعِهِ، وَاكْتُبْ ذلِكَ قُدَّامَ أَعْيُنِهِمْ لِيَحْفَظُوا كُلَّ رُسُومِهِ وَكُلَّ فَرَائِضِهِ وَيَعْمَلُوا بِهَا. ١٢هذِهِ سُنَّةُ الْبَيْتِ: عَلَى رَأْسِ الْجَبَلِ كُلُّ تُخْمِهِ حَوَالَيْهِ قُدْسُ أَقْدَاسٍ. هذِهِ هِيَ سُنَّةُ الْبَيْتِ.
١. فَأَخْبِرْ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ عَنِ الْبَيْتِ لِيَخْزَوْا مِنْ آثَامِهِمْ: هذا يشير إلى أحد الأسباب على الأقل التي جعلت الله يعطي هذه الرؤيا لحزقيال. فمن خلال وصفه الْبَيْتِ الموعود، حتى قِياسُهم للرسم، سيُري إسرائيل مدى عظمة محبته ونعمته لهم. إن هذا سيجعلهم يَخْزَوْن مِنْ آثَامِهِمْ.
• “لقد أُعطيت رؤية مجد البيت لتثير الخجل في قلوب الشعب بسبب تلك الطرق الشريرة التي سلبتهم مجدهم.” مورجان (Morgan)
٢. فَعَرِّفْهُمْ صُورَةَ الْبَيْتِ وَرَسْمَهُ: مرة أخرى، كان تفصيل الوصف تأكيدًا لإسرائيل بأن هذا أمرًا حقيقيًا. سيكون استردادهم حقيقيًا. لذلك كان من المهم لحزقيال أن يكْتُبْ ذلِكَ قُدَّامَ أَعْيُنِهِمْ.
• كانت الرسالة الأكبر لحزقيال وللشعب المسبي هي: “إن الله لم ينته من العمل معك بعد. سيجمعك ويعيد بناءك ويستعيد ويجلب مجده.” ومع ذلك، لم تُنقل هذه الرسالة عن طريق الحكايات الخيالية والقصص الجامحة، بل عن طريق الإعلان النبوي عن أشياء حقيقية ستحدث بالتأكيد.
٣. هذِهِ سُنَّةُ الْبَيْتِ: كانت القداسة مبدأ أساسي لهيكل حزقيال. إن سُنَّةُ الْبَيْتِ – (قيلت مرتين للتأكيد) – هي أن تكون المنطقة المحيطة بالهيكل مقدسة جدًا (عَلَى رَأْسِ الْجَبَلِ كُلُّ تُخْمِهِ حَوَالَيْهِ قُدْسُ أَقْدَاسٍ). لقد استقر مجد الله في القداسة.
• أعطى بلوك (Block) عنوانًا للجزء الوارد في حزقيال ٤٣: ١٢ حتى نهاية حزقيال ٤٦، وهو ’التوراة الجديدة.‘ لقد ترجم السطر الأول الافتتاحي من حزقيال ٤٣: ١٢ على أن هذه توراة الهيكل. “في حين أن معظم الترجمات تفهم الكلمة من الناحية القانونية، وتترجم التوراة بكلمة “سُنّة أو قانون،” إلا أن الاسم المشتق من (Hiphil) هو ’يعلّم، يرشد.‘ وبناءً على ذلك، فإن كلمة ’التعليم‘ هي أكثر دقة من الناحية اللغوية. يعكس حزقيال التقاليد الإسرائيلية القديمة في ربط ’التعليم‘ بالكهنة (حزقيال ٧: ٢٦)، وخاصة التعليم في الأمور الطقسية والاحتفالية.” (Block)
ثانيًا. مذبح المحرقات
أ ) الآيات (١٣-١٧): مَقايِيس المذبح.
١٣«وَهذِهِ أَقْيِسَةُ الْمَذْبَحِ بِالأَذْرُعِ، وَالذِّرَاعُ هِيَ ذِرَاعٌ وَفِتْرٌ: الْحِضْنُ ذِرَاعٌ، وَالْعَرْضُ ذِرَاعٌ، وَحَاشِيَتُهُ إِلَى شَفَتِهِ حَوَالَيْهِ شِبْرٌ وَاحِدٌ. هذَا ظَهْرُ الْمَذْبَحِ. ١٤وَمِنَ الْحِضْنِ عِنْدَ الأَرْضِ إِلَى الْخُصْمِ الأَسْفَلِ ذِرَاعَانِ، وَالْعَرْضُ ذِرَاعٌ. وَمِنَ الْخُصْمِ الأَصْغَرِ إِلَى الْخُصْمِ الأَكْبَرِ أَرْبَعُ أَذْرُعٍ، وَالْعَرْضُ ذِرَاعٌ. ١٥وَالْمَوْقِدُ أَرْبَعُ أَذْرُعٍ. وَمِنَ الْمَوْقِدِ إِلَى فَوْقُ أَرْبَعَةُ قُرُونٍ. ١٦وَالْمَوْقِدُ اثْنَتَا عَشَرَةَ طُولًا، بِاثْنَتَيْ عَشَرَةَ عَرْضًا، مُرَبَّعًا عَلَى جَوَانِبِهِ الأَرْبَعَةِ. ١٧وَالْخُصْمُ أَرْبَعَ عَشَرَةَ طُولًا بِأَرْبَعَ عَشَرَةَ عَرْضًا عَلَى جَوَانِبِهِ الأَرْبَعَةِ. وَالْحَاشِيَةُ حَوَالَيْهِ نِصْفُ ذِرَاعٍ، وَحِضْنُهُ ذِرَاعٌ حَوَالَيْهِ، وَدَرَجَاتُهُ تُجَاهَ الْمَشْرِقِ».
١. وَهذِهِ أَقْيِسَةُ الْمَذْبَح: بعد وصف مجد الله ووعده بتواجده الدائم، عاد حزقيال لوصف مكان الذبيحة. ومثل كل مذبح حقيقي ليهوه الرب، يشير هذا الْمَذْبَح إلى الصليب، والعمل الذي أكمله يسوع المسيح على الصليب.
• “الآن بعد أن عاد الله إلى الهيكل (حزقيال ٤٣: ١-١٢)، فمن الضروري أن يقدم النبي تشريعات تنظم استخدام الهيكل. إن المذبح هو مركز مُجمّع الهيكل، لذلك يبدأ النبي به.” فوتر (Vawter) وهوب (Hoppe)
• “ليس من المستغرب أن يبدأ حزقيال بمذبح المحرقة في مركز الدار الداخلية (١٣، راجع ٤٠،٤٧). نحن أيضًا لا نستطيع الاقتراب من الله إلا من خلال الدم المسفوك على مذبح الصليب.” رايت (Wright)
• حاول البعض تفسير تصميم مذبح حزقيال من خلال ربطه بمذابح بابلية. نحن لا يمكننا تفسير كل تفصيل من تصميم حزقيال، ولكن كما لاحظ بلوك (Block) أنه كان أشبه جدًا بمذبح سليمان من أي شيء بابلي: “تفاصيل مذبح حزقيال تعكس إما معرفة مباشرة بالمذبح ما قبل السبي، أو تعكس وثيقة قديمة أو تقليد من الآباء يصف المذبح القديم.”
• يجب أن نتذكر دائمًا أنه في كل هيكل حزقيال وفي الجزء الخاص بالمذبح، لا يوجد أمر بالبناء. لقد وصف حزقيال فقط ما كان. إذا كان من المفترض بناء هذا الهيكل والمذبح واستخدامهما (في فترة الملك الألفي، كما يعتقد المؤلف)، فسيكون ذلك بفعل الله وليس الإنسان.
٢. وَالذِّرَاعُ هِيَ ذِرَاعٌ وَفِتْرٌ: كانت هذه هي الوحدة المستخدمة سابقًا لقياس الهيكل (حزقيال ٤٠: ٥). كان طولها حوالي ٢٠.٥ بوصة (٥٢ سنتيمتر).
• كما هو الحال في وصف هيكل حزقيال، يمكن للمرء استشارة العديد من البرامج التصميمية المرئية والتي تقدم تمثيلًا يُمكّننا من تصور الأبعاد والهيكل.
٣. هذَا ظَهْرُ الْمَذْبَحِ: توضح الأبعاد أن المذبح كبير وأنه حقيقي. كان له أبعاد مكانية حقيقية وفعلية. “كما أنه كان مرتفعًا،
حيث يتراوح تقدير ارتفاعه بين ٢٠ قدمًا” رايت (Wright)، إلى “١٢ قدمًا” فوتر (Vawter) وهوب (Hoppe).
• قُرُونٍ: “كانت القرون تُعتبر ذات قدسية قصوى، وكان دم الذبيحة يُوضع عليها (الخروج ٢٩: ١٢؛ حزقيال ٤٣: ٢٠)؛ كما كانت تُعتبر أيضًا أماكن للملجأ (راجع ١ ملوك ١: ٥٠ وما يليها؛ ٢: ٢٨ وما يليها).” تايلور (Taylor)
• يتحدث آدم كلارك (Adam Clarke) عن الْمَوْقِد مستخدمًا عبارتين في الآية ١٥: (haharel)، أي ’جبل الله،‘ (umihaariel)، أي ’ومن أسد الله.‘ ربما كان الاسم الأول اسمًا معطى للمذبح عندما يُرفع عليه الذبائح لإكرام الله. والثاني، أسد الله، قد يعني الموقد، والذي قد يكون قد دُعي بهذا الاسم، لأنه يلتهم ويستهلك المحرقات، كما يفعل الأسد بفريسته.”
٤. وَدَرَجَاتُهُ تُجَاهَ الْمَشْرِقِ: كان هذا تلميحًا إلى أن حزقيال فهِم أنه عندما يتم استعادة إسرائيل أخيرًا وبشكل كامل للأرض، ويتم تحقيق وعود عهد يهوه الرب لهم في المسيا المنتظر، ستوضع شريعة موسى بطريقة ما جانبًا. ففي شريعة موسى، أُمر بشكل خاص بعدم وجود درَج يؤدي إلى المذبح (خروج ٢٠: ٢٦).
• تُجَاهَ الْمَشْرِقِ: “كما في الخيمة وهيكل سليمان، كان الكهنة دائمًا يواجهون جهة الغرب في خدمتهم (على عكس عابدي الأوثان الذين كانوا يواجهون الشمس ويعبدونها، حزقيال ٨:١٦).” فاينبرغ (Feinberg)
ب) الآيات (١٨-٢٧): مراسم تكريس المذبح.
١٨وَقَالَ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ، هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هذِهِ فَرَائِضُ الْمَذْبَحِ يَوْمَ صُنْعِهِ لإِصْعَادِ الْمُحْرَقَةِ عَلَيْهِ وَلِرَشِّ الدَّمِ عَلَيْهِ: ١٩فَتُعْطِي الْكَهَنَةَ اللاَّوِيِّينَ الَّذِينَ مِنْ نَسْلِ صَادُوقَ الْمُقْتَرِبِينَ إِلَيَّ لِيَخْدِمُونِي، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، ثَوْرًا مِنَ الْبَقَرِ لِذَبِيحَةِ خَطِيَّةٍ. ٢٠وَتَأْخُذُ مِنْ دَمِهِ وَتَضَعُهُ عَلَى قُرُونِهِ الأَرْبَعَةِ، وَعَلَى أَرْبَعِ زَوَايَا الْخُصْمِ وَعَلَى الْحَاشِيَةِ حَوَالَيْهَا، فَتُطَهِّرُهُ وَتُكَفِّرُ عَنْهُ. ٢١وَتَأْخُذُ ثَوْرَ الْخَطِيَّةِ فَيُحْرَقُ فِي الْمَوْضِعِ الْمُعَيَّنِ مِنَ الْبَيْتِ خَارِجَ الْمَقْدِسِ. ٢٢وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي تُقَرِّبُ تَيْسًا مِنَ الْمَعْزِ صَحِيحًا ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ، فَيُطَهِّرُونَ الْمَذْبَحَ كَمَا طَهَّرُوهُ بِالثَّوْرِ. ٢٣وَإِذَا أَكْمَلْتَ التَّطْهِيرَ، تُقَرِّبُ ثَوْرًا مِنَ الْبَقَرِ صَحِيحًا، وَكَبْشًا مِنَ الضَّأْنِ صَحِيحًا. ٢٤وَتُقَرِّبُهُمَا قُدَّامَ الرَّبِّ، وَيُلْقِي عَلَيْهِمَا الْكَهَنَةُ مِلْحًا وَيُصْعِدُونَهُمَا مُحْرَقَةً لِلرَّبِّ. ٢٥سَبْعَةَ أَيَّامٍ تَعْمَلُ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَيْسَ الْخَطِيَّةِ. وَيَعْمَلُونَ ثَوْرًا مِنَ الْبَقَرِ وَكَبْشًا مِنَ الضَّأْنِ صَحِيحَيْنِ. ٢٦سَبْعَةَ أَيَّامٍ يُكَفِّرُونَ عَنِ الْمَذْبَحِ وَيُطَهِّرُونَهُ وَيَمْلأُونَ يَدَهُ. ٢٧فَإِذَا تَمَّتْ هذِهِ الأَيَّامُ يَكُونُ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ فَصَاعِدًا أَنَّ الْكَهَنَةَ يَعْمَلُونَ عَلَى الْمَذْبَحِ مُحْرَقَاتِكُمْ وَذَبَائِحَكُمْ السَّلاَمِيَّةَ، فَأَرْضَى عَنْكُمْ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ».
١. هذِهِ فَرَائِضُ الْمَذْبَحِ يَوْمَ صُنْعِهِ: بواسطة حزقيال ومن خلال رؤيته، وجّه الله إسرائيل بصدد كيفية تكريس مذبح الهيكل المقبل.
• يتم تقديم المراسم كما لو كان حزقيال نفسه هو الذي سيقوم بها، هذا على غرار سفر الخروج ٢٩، الذي كُتب على أن موسى كان سيقوم بمراسم التطهير. كان حزقيال، ككاهن، مؤهلًا لتمثيل الشخص الذي سيقوم، مستقبلًا بعد سنوات عديدة، بأداء مراسم تطهير المذبح.
• “إن أساس هدف العمل الوارد هنا هو تخصيص المذبح لوظيفته المقدسة وتطهيره من كل لطخة علمانية، وهي عملية تستغرق سبعة أيام كاملة.” ألكسندر (Alexander)
٢. فَتُعْطِي الْكَهَنَةَ… ثَوْرًا مِنَ الْبَقَرِ لِذَبِيحَةِ خَطِيَّةٍ: كان على الكهنة أن يكرسوا المذبح من خلال سلسلة من الذبائح على مدى سَبْعَةَ أَيَّامٍ، ومن ثم سيبدأ المذبح في خدمته العادية فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ فَصَاعِدًا.
• كما لاحظنا من قبل (حزقيال ٤٠)، يمكن اعتبار هذه الذبائح بشكل مقبول كتذكارات تشير إلى عمل يسوع. لم تكن أبدًا الذبائح الحيوانية فعّالة واقعيًا لتطهير الخطية. فقد كانوا فقط يمثّلوا الواقع المستقبلي الذي أتمه يسوع المسيح في صلبه، وكانوا كظلال له. وبالمثل، إن الوجود الحرفي لهذه الذبائح لا يعني أنه ينبغي أو يمكن اعتبارها فعّالة في تطهير الخطية. ويمكن النظر لهذه الذبائح بطريقة مشابهة للخبز وكأس مائدة الرب كتمثيل روحي قوي وتذكار لعمل يسوع على الصليب.
• “إن الذبائح التي قُدمت على هذا المذبح كان المقصود بها أن تكون تذكارية، تمامًا كما أن العشاء الرباني ليس ذبيحة فعّالة ولكنه تذكار للذبيحة المباركة الكافية والوافية لكل العصور. وبالتالي، ففي حين كانت ذبائح العهد القديم لها إشارة مستقبلية، فإن هذه الذبائح لها إشارة بأثر رجعي.” فاينبرغ (Feinberg)
• “لم يكن يُغفر للمؤمنين في العهد القديم بسبب أن الحيوانات ماتت، ولكن لأنهم وضعوا إيمانهم في الرب (عبرانيين ١١؛ مزمور ٥١: ١٦-١٧؛ حبقوق ٢: ٤). لذلك، فاستخدام الذبائح الحيوانية في هيكل الملك الألفي لن يقلل أو ينفي عمل المسيح الكامل أكثر مما فعلت الذبائح التي قُدمت قبل موت يسوع. يبدو أن الذبائح ستُقدم بمعنى تذكاري وكتعبير عن المحبة والولاء للرب (إشعياء ٥٦: ٥-٧؛ ٦٠: ٧). ستجمع الذبائح أيضًا الناس معًا للشركة وللاحتفال بمجد الرب.” ويرزبي (Wiersbe)
• مِنْ نَسْلِ صَادُوقَ: “تم حرمان غير الصادوقيين من الخدمة الكهنوتية بسبب ارتباطهم السابق بالأوثان والمزارات (٤٤: ١٠) وسُمح لهم فقط بالعمل كخدم للهيكل.” ألكسندر (Alexander)
• وَيُلْقِي عَلَيْهِمَا الْكَهَنَةُ مِلْحًا: ” يبدو أن الصفات الحافظة للملح جعلته رمزًا مثاليًا لاستمرارية علاقة العهد. كانت إضافة الملح إلى الطقس بمثابة تذكير لحزقيال والكهنة بالتزام الرب بشعبه.” بلوك (Block)
• فَأَرْضَى عَنْكُمْ: “من خلال تقدمة اللاويين، قَبِل الرب ذبائح إسرائيل وقَبَلهم هم أنفسهم أيضًا. وبالتالي، لا يُقدم حزقيال مبدأ تدبيري جديد مع الله، لأن قبول الله يعتمد على الذبيحة.” فاينبرغ (Feinberg)