سفر إرميا – الإصحاح ٢٦
إرميا ينجو من الموت
أولًا. إرميا في خطر الموت
أ ) الآيات (١-٣): الأمر بالتكلم
١فِي ٱبْتِدَاءِ مُلْكِ يَهُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، صَارَ هَذَا ٱلْكَلَامُ مِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ قَائِلًا: ٢”هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: قِفْ فِي دَارِ بَيْتِ ٱلرَّبِّ، وَتَكَلَّمْ عَلَى كُلِّ مُدُنِ يَهُوذَا ٱلْقَادِمَةِ لِلسُّجُودِ فِي بَيْتِ ٱلرَّبِّ بِكُلِّ ٱلْكَلَامِ ٱلَّذِي أَوْصَيْتُكَ أَنْ تَتَكَلَّمَ بِهِ إِلَيْهِمْ. لَا تُنَقِّصْ كَلِمَةً. ٣لَعَلَّهُمْ يَسْمَعُونَ وَيَرْجِعُونَ كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طَرِيقِهِ ٱلشِّرِّيرِ، فَأَنْدَمَ عَنِ ٱلشَّرِّ ٱلَّذِي قَصَدْتُ أَنْ أَصْنَعَهُ بِهِمْ، مِنْ أَجْلِ شَرِّ أَعْمَالِهِمْ.”
١. فِي ٱبْتِدَاءِ مُلْكِ يَهُويَاقِيمَ: اعتلى يهوياقيم عرش يهوذا في ٦٠٩ ق. م. أي قبل أربعة أعوام من الغزو البابلي الأول. وعلى ما يبدو أن هذه النبوة جاءت قبل هذا الغزو عندما شعر كثيرون من قادة يهوذا بأنهم يستطيعون تفادي الغزو البابلي.
• يبدو أن رسالة إرميا المذكورة في الإصحاح ٢٦ هي نفسها التي كرز بها في الإصحاح السابع. وفي إرميا ٢٦، تم التركيز على الاستجابة العدائية لهذه العظة في الهيكل.
• “هذا سرد أو نسخة أطول من هذه العظة التي تظهر في الإصحاح السابع، لكن من دون الضجيج الذي أعقبها. وهي عظة غير مؤرخة.” كيدنر (Kidner)
٢. لَا تُنَقِّصْ كَلِمَةً: طلب الله من إرميا أن يقف في ساحة (دار) الهيكل ويكرز بالرسالة لكُلِّ مُدُنِ يَهُوذَا، ولكل الذين يأتون لِلسُّجُودِ فِي بَيْتِ ٱلرَّبِّ. ومن المهم أن يكرز ’إرميا بِكُلِّ ٱلْكَلَامِ ٱلَّذِي أَوْصَيْتُكَ أَنْ تَتَكَلَّمَ بِهِ إِلَيْهِمْ.‘
• يعلّق تراب على عبارة ’لَا تُنَقِّصْ كَلِمَةً‘: ’هذه مرآة للخدام.‘
٣. لَعَلَّهُمْ يَسْمَعُونَ وَيَرْجِعُونَ كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طَرِيقِهِ ٱلشِّرِّيرِ: لم يكن الله يتساءل إن كانت يهوذا ستستمع وتتوب أم لا. فقد عرف الله ما ستكون استجابتهم، لكن إرميا لم يكن يعرف. فأراد الله من إرميا أن يكرز بالرسالة على أمل أن يستمعوا فيتراجع الله عن الدينونة الموعودة.
ب) الآيات (٤-٦): الكلام الذي ينبغي التكلم به
٤وَتَقُولُ لَهُمْ هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: إِنْ لَمْ تَسْمَعُوا لِي لِتَسْلُكُوا فِي شَرِيعَتِي ٱلَّتِي جَعَلْتُهَا أَمَامَكُمْ، ٥لِتَسْمَعُوا لِكَلَامِ عَبِيدِي ٱلْأَنْبِيَاءِ ٱلَّذِينَ أَرْسَلْتُهُمْ أَنَا إِلَيْكُمْ مُبَكِّرًا وَمُرْسِلًا إِيَّاهُمْ، فَلَمْ تَسْمَعُوا. ٦أَجْعَلُ هَذَا ٱلْبَيْتَ كَشِيلُوهَ، وَهَذِهِ ٱلْمَدِينَةُ أَجْعَلُهَا لَعْنَةً لِكُلِّ شُعُوبِ ٱلْأَرْضِ.
١. إِنْ لَمْ تَسْمَعُوا لِي لِتَسْلُكُوا فِي شَرِيعَتِي ٱلَّتِي جَعَلْتُهَا أَمَامَكُمْ: طلب الله من إرميا أن يكرز كما لو أن من الممكن أن يستمع شعب يهوذا فعلًا. وطلب منه أن يحذرهم مما سيحدث إن لم يستمعوا إليه، أي إذا لم يطيعوه.
٢. أَجْعَلُ هَذَا ٱلْبَيْتَ كَشِيلُوهَ، وَهَذِهِ ٱلْمَدِينَةُ أَجْعَلُهَا لَعْنَةً: كانت شيلوه مدينة غزاها ودمرها الفلسطيون (١ صموئيل؛ مزمور ٧٨: ٥٦-٦٤)، حيث قتلوا الكهنة واستولوا على تابوت الرب. فشعرت إسرائيل كما لو أن مجد الله قد غادرها. فوعد الله بأن يجعل أورشليم والهيكل مثل شيلوه إذا استمروا في عصيانهم له.
ج) الآيات (٧-٩): مقاومة من الكهنة، والأنبياء، والشعب
٧وَسَمِعَ ٱلْكَهَنَةُ وَٱلْأَنْبِيَاءُ وَكُلُّ ٱلشَّعْبِ إِرْمِيَا يَتَكَلَّمُ بِهَذَا ٱلْكَلَامِ فِي بَيْتِ ٱلرَّبِّ. ٨وَكَانَ لَمَّا فَرَغَ إِرْمِيَا مِنَ ٱلتَّكَلُّمِ بِكُلِّ مَا أَوْصَاهُ ٱلرَّبُّ أَنْ يُكَلِّمَ كُلَّ ٱلشَّعْبِ بِهِ، أَنَّ ٱلْكَهَنَةَ وَٱلْأَنْبِيَاءَ وَكُلَّ ٱلشَّعْبِ أَمْسَكُوهُ قَائِلِينَ: «تَمُوتُ مَوْتًا! ٩لِمَاذَا تَنَبَّأْتَ بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ قَائِلًا: مِثْلَ شِيلُوهَ يَكُونُ هَذَا ٱلْبَيْتُ، وَهَذِهِ ٱلْمَدِينَةُ تَكُونُ خَرِبَةً بِلَا سَاكِنٍ؟». وَٱجْتَمَعَ كُلُّ ٱلشَّعْبِ عَلَى إِرْمِيَا فِي بَيْتِ ٱلرَّبِّ.
١. وَسَمِعَ ٱلْكَهَنَةُ وَٱلْأَنْبِيَاءُ وَكُلُّ ٱلشَّعْبِ إِرْمِيَا: تكلّم إرميا من ساحة (دار) الهيكل (إرميا ٢٦: ٢) جاعلًا الرسالة علنية قدر الإمكان. فليس غريبًا أن الأشخاص المهمين وعامة الشعب على حد سواء سمعوه. وغضبوا مما قاله، ولهذا أَمْسَكُوهُ.
٢. مِثْلَ شِيلُوهَ: عندما تنبّأ إرميا عن الدمار القادم وغزو أورشليم، اعتقد معظم الناس أنه كان خائنًا لبلده، يهوذا بسبب ما تنبّأ به حول ما سيحدث للهيكل والمدينة. وربما اعتقدوا أنه أراد لهذه الأشياء أن تحدث.
• “من الواضح أن شيلوه تعرضت للدمار حوالي ٦٠٥ ق. م. بسبب التوغل الفلسطيّ في الأرض، وهو أمر يشار إليه في ١ صموئيل ٤. وتوجد أدلة أثرية تدعم هذا.” ثومبسون (Thompson)
• “لم تكن شيلوه بعيدة عن أورشليم. إذ كان بإمكان سكانها أن يروا أدلة دمارها (حوالي ٦٠٥ ق. م.). وهو دمار حلّ بها رغم أنها كانت أول مكان لراحة تابوت العهد في الأرض.” فينبيرغ (Feinberg)
• “يبدو أن الشعب تزاحم حول إرميا. ويشير الفعل المستخدم Qahal عادة إلى تجمع لأغراض دينية، لكنه يُستخدم أيضًا للحرب (٢ صموئيل ٢٠: ١٤)، أو لمقاصد عدائية (عدد ١٦: ٣). ويشير مثل هذا المشهد في جنبات الهيكل مدى غضب الشعب.” ثومبسون (Thompson)
د ) الآيات (١٠-١١): إعلام رؤساء يهوذا بالاتهامات الموجهة إلى إرميا
١٠فَلَمَّا سَمِعَ رُؤَسَاءُ يَهُوذَا بِهَذِهِ ٱلْأُمُورِ، صَعِدُوا مِنْ بَيْتِ ٱلْمَلِكِ إِلَى بَيْتِ ٱلرَّبِّ وَجَلَسُوا فِي مَدْخَلِ بَابِ ٱلرَّبِّ ٱلْجَدِيدِ. ١١فَتَكَلَّمَ ٱلْكَهَنَةُ وَٱلْأَنْبِيَاءُ مَعَ ٱلرُّؤَسَاءِ وَكُلِّ ٱلشَّعْبِ قَائِلِينَ: «حَقُّ ٱلْمَوْتِ عَلَى هَذَا ٱلرَّجُلِ لِأَنَّهُ قَدْ تَنَبَّأَ عَلَى هَذِهِ ٱلْمَدِينَةِ كَمَا سَمِعْتُمْ بِآذَانِكُمْ.”
١. فَلَمَّا سَمِعَ رُؤَسَاءُ يَهُوذَا بِهَذِهِ ٱلْأُمُورِ: سبق أن دان الكهنة والأنبياء إرميا. وها قد جلبوه للدينونة أمام قادة يهوذا السياسيين.
٢. حَقُّ ٱلْمَوْتِ عَلَى هَذَا ٱلرَّجُلِ لِأَنَّهُ قَدْ تَنَبَّأَ عَلَى هَذِهِ ٱلْمَدِينَةِ كَمَا سَمِعْتُمْ بِآذَانِكُمْ: مثّلت رسالة يهوذا خبرًا سيئًا لأورشليم، وهو أن الدينونة هي في الطريق إليهم. ولهذا أحس الكهنة والأنبياء والشعب بأنه كان ضد المدينة وخائنًا لها. واعتقدوا أن إرميا أضعف الروح المعنوية بشكل كبير، وساعد قضية أولئك الذين يهددون أورشليم.
هـ) الآيات (١٢-١٥): إرميا يدافع ويشرح رسالته
١٢فَكَلَّمَ إِرْمِيَا كُلَّ ٱلرُّؤَسَاءِ وَكُلَّ ٱلشَّعْبِ قَائِلًا: «ٱلرَّبُّ أَرْسَلَنِي لِأَتَنَبَّأَ عَلَى هَذَا ٱلْبَيْتِ وَعَلَى هَذِهِ ٱلْمَدِينَةِ بِكُلِّ ٱلْكَلَامِ ٱلَّذِي سَمِعْتُمُوهُ. ١٣فَٱلْآنَ أَصْلِحُوا طُرُقَكُمْ وَأَعْمَالَكُمْ، وَٱسْمَعُوا لِصَوْتِ ٱلرَّبِّ إِلَهِكُمْ، فَيَنْدَمَ ٱلرَّبُّ عَنِ ٱلشَّرِّ ٱلَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ عَلَيْكُمْ. ١٤أَمَّا أَنَا فَهَأَنَذَا بِيَدِكُمُ. ٱصْنَعُوا بِي كَمَا هُوَ حَسَنٌ وَمُسْتَقِيمٌ فِي أَعْيُنِكُمْ. ١٥لَكِنِ ٱعْلَمُوا عِلْمًا أَنَّكُمْ إِنْ قَتَلْتُمُونِي، تَجْعَلُونَ دَمًا زَكِيًّا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَعَلَى هَذِهِ ٱلْمَدِينَةِ وَعَلَى سُكَّانِهَا، لِأَنَّهُ حَقًّا قَدْ أَرْسَلَنِي ٱلرَّبُّ إِلَيْكُمْ لِأَتَكَلَّمَ فِي آذَانِكُمْ بِكُلِّ هَذَا ٱلْكَلَامِ.
١. فَكَلَّمَ إِرْمِيَا: سبق أن اتُّهم إرميا بالخيانة. وها هو يدافع عن نفسه أمام كُلَّ ٱلرُّؤَسَاءِ وَكُلَّ ٱلشَّعْبِ. ومن الواضح أن الكهنة والأنبياء المتهِمين له سمعوا ردّه، لكنه لم يوجه ذلك الرد إليهم فعلًا.
• “لاحِظ الشجاعة الداعية إلى الإعجاب والكرامة الهادئة اللتين أبداهما إرميا. فلم يكن هنالك أي تعديل للرسالة من أجل خلق جو أقل تحيزًا ضده، لأنه كان مقتنعًا بالمصدر الإلهي لرسالته.” كوندال (Cundall)
• “دافع النبي عن الرسالة بشكل مباشر، وبشجاعة، وبشكل لائق. وهو لا يظهر في أي موضع آخر من السفر في صورة أفضل مما عليه هنا. فلم يشذّب رسالته، ولم يجبُن، ولم يستجدِ الرحمة.” فينبيرغ (Feinberg)
٢. ٱلرَّبُّ أَرْسَلَنِي لِأَتَنَبَّأَ عَلَى هَذَا ٱلْبَيْتِ وَعَلَى هَذِهِ ٱلْمَدِينَةِ: أوضح إرميا أن خدمته ورسالته لم تكونا مسألة خيار. إذ كانتا أمرًا من الله. فلم يفعل النبي إلا ما أرسله الله لفعله.
• “مأموريتي هي منه، وكلامي هو كلامه. لم أسعَ إلى هذا المنصب، ولم أرشّح نفسي له قبل أن أُرسَل.” كلارك (Clarke)
٣. فَٱلْآنَ أَصْلِحُوا طُرُقَكُمْ وَأَعْمَالَكُمْ: كان إرميا يحاكم في قضية قد تكلّفه حياته. لكنه تكلم برسالته بشجاعة. وكان يتكلم كما لو أنهم (لا هو) كانوا يخضعون للمحاكمة – لأنه هنالك معنى بموجبه أن هذا هو صحيح. وكان الأمل الوحيد أمامهم هو أن يتوبوا لكي يتراجع الله عن دينونته الموعودة.
٤. أَمَّا أَنَا فَهَأَنَذَا بِيَدِكُمُ. ٱصْنَعُوا بِي كَمَا هُوَ حَسَنٌ وَمُسْتَقِيمٌ فِي أَعْيُنِكُمْ: كان إرميا مصممًا على أن يتكلم بما قاله الله له، مستعدًّا لأن يقبل أي عقاب يترتب على ذلك. وهكذا قدم إرميا الرسالة التي أعطاها الله له فوق كل اعتبار لسلامته الشخصية.
• تحدث إرميا بنفس الروح التي تحدث بها الرسل بعد قرون، عندما وقفوا أمام المجمع: “فَأَجَابَهُمْ بُطْرُسُ وَيُوحَنَّا وَقَالَا: “إِنْ كَانَ حَقًّا أَمَامَ ٱللهِ أَنْ نَسْمَعَ لَكُمْ أَكْثَرَ مِنَ ٱللهِ، فَٱحْكُمُوا. لِأَنَّنَا نَحْنُ لَا يُمْكِنُنَا أَنْ لَا نَتَكَلَّمَ بِمَا رَأَيْنَا وَسَمِعْنَا” (أعمال ٤: ١٩-٢٠).
• أَمَّا أَنَا فَهَأَنَذَا بِيَدِكُمُ. “انظر كيف أن الله أعطى نبيه المقدس فمًا وحكمة، بحيث لم يقدر أعداؤه أن يقاوموها. وقد فعل آخرون من الشهداء والمجاهرين بإيمانهم نفس الأمر. ومن السهل أن نقتبس كلامهم. “إذا عفت الملكة عن حياتي، فسأشكرها. وإذا نفتني، فسأشكرها. وإذا أحرقتني، فسأشكرها.” هكذا قال بردافورد لكريسويل وهو يرافع عن نفسه.” تراب (Trapp)
٥. لَكِنِ ٱعْلَمُوا عِلْمًا أَنَّكُمْ إِنْ قَتَلْتُمُونِي، تَجْعَلُونَ دَمًا زَكِيًّا عَلَى أَنْفُسِكُمْ: تُرِك الخيار لهم، لكن إرميا أرادهم أن يعلموا أن قرارهم لن يكون بلا عواقب. فقتْل نبي الله سيزيد من ذنب القادة والمدينة.
٦. لِأَنَّهُ حَقًّا قَدْ أَرْسَلَنِي ٱلرَّبُّ إِلَيْكُمْ لِأَتَكَلَّمَ فِي آذَانِكُمْ بِكُلِّ هَذَا ٱلْكَلَامِ: كان إرميا ثابتًا صامدًا أمام مجلس رؤساء يهوذا هذا، ولم يظهر أي شك حول دعوته أو رسالته.
• كان إرميا بطبيعته خجولًا ومترددًا. غير أنه وقف هنا بشجاعة عظيمة ليعطي حسابًا عن دعوته وعمله، كما وعد الله بأن يفعل في إرميا ١: ١٨-١٩. “لو تكلم هكذا يوحنا المعمدان، أو جون نوكس، لما استغربنا. لكن أن يقول هذا رجل حساس منكمش على نفسه، فلا بد أن السر هو القوة المحوِّلة لنعمة الله.” ماير (Meyer)
• ذكر تراب مفسّرًا لم يذكر اسمه أشار إلى خمس فضائل نبيلة في دفاع إرميا الموجز.
الحصافة في إعلان إرساليته الإلهية
المحبة في حض أعدائه على التوبة
التواضع في الاعتراف بسلطتهم عليه
الشجاعة في إخبارهم أن الله سينتقم لموته
الجسارة قبل الموت
ثانيًا. إرميا ينجو من الموت
أ ) الآية (١٦): عدم الحكم بالموت على إرميا
١٦فَقَالَ ٱلرُّؤَسَاءُ وَكُلُّ ٱلشَّعْبِ لِلْكَهَنَةِ وَٱلْأَنْبِيَاءِ: «لَيْسَ عَلَى هَذَا ٱلرَّجُلِ حَقُّ ٱلْمَوْتِ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا كَلَّمَنَا بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ إِلَهِنَا.”
١. لَيْسَ عَلَى هَذَا ٱلرَّجُلِ حَقُّ ٱلْمَوْتِ: لا شك أن شجاعة إرميا أثّرت في مجلس الرؤساء وفي رأي الشعب، حيث رأوا أنه لا ينبغي لإرميا أن يموت. ورغم أن الكهنة والأنبياء لم يوافقوهم على هذا الرأي، إلا أنه سينجو من الموت.
• “استحوذ صدق النبي وتبكيت الروح القدس على قلوب المسؤولين الدينيين من الشعب.” فينبيرغ (Feinberg)
• يبدو أن حجة إرميا – لَكِنِ ٱعْلَمُوا عِلْمًا أَنَّكُمْ إِنْ قَتَلْتُمُونِي، تَجْعَلُونَ دَمًا زَكِيًّا عَلَى أَنْفُسِكُمْ (إرميا ٢٦: ١٥) – نجحت. وبعد قرون، اتُّهم رسول بريء من رسل الله ظلمًا من قادة دينيين. وحُذِّروا من أن الحكم بالموت عليه سيجلب عليهم ذنب دم بريء. ومع ذلك، دِينَ يسوع الناصري.
٢. لِأَنَّهُ إِنَّمَا كَلَّمَنَا بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ إِلَهِنَا: لم تعجبهم رسالة إرميا، لكن كان عليهم أن يعترفوا بأنها رسالة الله. فليس من الصواب إلقاء اللوم على الرسول في توصيله للرسالة بأمانة.
• “سرعان ما انقلب هؤلاء الرؤساء إلى أعداء ألدّاء لإرميا [٣٧: ١٥] بسبب تعامله البسيط الواضح [٣٤: ١-٧].” تراب (Trapp)
ب) الآيات (١٧-١٩): تذكُّر الأوقات التي سمعوا فيها للأنبياء
١٧فَقَامَ أُنَاسٌ مِنْ شُيُوخِ ٱلْأَرْضِ وَكَلَّمُوا كُلَّ جَمَاعَةِ ٱلشَّعْبِ قَائِلِينَ: ١٨«إِنَّ مِيخَا ٱلْمُورَشْتِيَّ تَنَبَّأَ فِي أَيَّامِ حَزَقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، وَكَلَّمَ كُلِّ شَعْبِ يَهُوذَا قَائِلًا: هَكَذَا قَالَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ: إِنَّ صِهْيَوْنَ تُفْلَحُ كَحَقْلٍ وَتَصِيرُ أُورُشَلِيمُ خِرَبًا وَجَبَلُ ٱلْبَيْتِ شَوَامِخَ وَعْرٍ. ١٩هَلْ قَتْلًا قَتَلَهُ حَزَقِيَّا مَلِكُ يَهُوذَا وَكُلُّ يَهُوذَا؟ أَلَمْ يَخَفِ ٱلرَّبَّ وَطَلَبَ وَجْهَ ٱلرَّبِّ، فَنَدِمَ ٱلرَّبُّ عَنِ ٱلشَّرِّ ٱلَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ عَلَيْهِمْ؟ فَنَحْنُ عَامِلُونَ شَرًّا عَظِيمًا ضِدَّ أَنْفُسِنَا.
١. فَقَامَ أُنَاسٌ مِنْ شُيُوخِ ٱلْأَرْضِ: لا نعرف بالضبط من هم هؤلاء الرجال، ولا يبدو أنهم ينتمون إلى فئات الرؤساء أو الكهنة أو الأنبياء المذكورين سابقًا، لكنهم تكلموا بالحكمة عن إرميا وحالته.
• لم يكن هنالك شيوخ تحدثوا نيابة عن يسوع عندما حوكم ظلمًا. وقد أعلن حاكم وثني براءته، لكنه أرسل يسوع إلى الصليب على أية حال.
٢. إِنَّ مِيخَا ٱلْمُورَشْتِيَّ تَنَبَّأَ فِي أَيَّامِ حَزَقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا: تذكّر الشيوخ عمل النبي ميخا المدوّن في سفر ميخا (ميخا ١: ١)، وتذكروا أن رسالته في الغالب لم تكن مُسِرّة، ولاسيما حول ما قاله في ميخا ٣: ١٢ حول دمار أورشليم: ’لِذَلِكَ بِسَبَبِكُمْ تُفْلَحُ صِهْيَوْنُ كَحَقْلٍ، وَتَصِيرُ أُورُشَلِيمُ خِرَبًا، وَجَبَلُ ٱلْبَيْتِ شَوَامِخَ وَعْرٍ.‘
• من المثير للاهتمام أن نلاحظ أن ما قاله ميخا قبل هذا الجزء الذي اقتبسوه: “رُؤَسَاؤُهَا يَقْضُونَ بِٱلرَّشْوَةِ، وَكَهَنَتُهَا يُعَلِّمُونَ بِٱلْأُجْرَةِ، وَأَنْبِيَاؤُهَا يَعْرِفُونَ بِٱلْفِضَّةِ، وَهُمْ يَتَوَكَّلُونَ عَلَى ٱلرَّبِّ قَائِلِينَ: «أَلَيْسَ ٱلرَّبُّ فِي وَسَطِنَا؟ لَا يَأْتِي عَلَيْنَا شَرٌّ!” (ميخا ٣: ١١) لقد حذّرهم ميخا من الدينونة القادمة على وجه التحديد في سياق توكيد الأنبياء الكذبة أنه لن يصيب أورشليم أي أذى.
• وفقًا لمعظم التسلسل الزمني، قام ميخا بعمله النبوي قبل مئة عام من زمن إرميا. واقتباسهم الدقيق لكلامه أمر ذو دلالة. “يبيّن هذا أن كلام الأنبياء العظام يقدَّر، وهو يُحفَظ في الذاكرة ليتم اقتباسه بسهولة.” كوندال (Cundall)
٣. هَلْ قَتْلًا قَتَلَهُ حَزَقِيَّا: تذكّر الشيوخ بحكمة أن ميخا لم يعاقب على جلبه رسالة قاسية من الله. وبدلًا من ذلك، استجاب الملك حزقيا بمخافة الرب، وطلب وجهه. واستجاب الله بشكل مُوات عندما تابوا، وتراجع عن الدينونة التي أعلنها.
٤. فَنَحْنُ عَامِلُونَ شَرًّا عَظِيمًا ضِدَّ أَنْفُسِنَا: من منظور المصلحة الذاتية، فهِم الشيوخ أن من الخطأ أن يقاوموا إرميا ويضطهدوه. وبدلًا من ذلك، ينبغي أن يخافوا الله ويطلبوا رضاه، كما فعل حزقيا عندما سمع رسالة ميخا. وإذا لم يفعلوا هذا، فهم سيعانون، لا إرميا وحده.
• “هذا دفاع ممتاز حقًّا. إذ كانت الحجة حاسمة تمامًا.” كلارك (Clarke)
ج) الآيات (٢٠-٢٣): أمانة الرب أوريا، واضطهاده، وموته
٢٠وَقَدْ كَانَ رَجُلٌ أَيْضًا يَتَنَبَّأُ بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ، أُورِيَّا بْنُ شِمْعِيَا مِن قَرْيَةِ يَعَارِيمَ، فَتَنَبَّأَ عَلَى هَذِهِ ٱلْمَدِينَةِ وَعَلَى هَذِهِ ٱلْأَرْضِ بِكُلِّ كَلَامِ إِرْمِيَا. ٢١وَلَمَّا سَمِعَ ٱلْمَلِكُ يَهُويَاقِيمُ وَكُلُّ أَبْطَالِهِ وَكُلُّ ٱلرُّؤَسَاءِ كَلَامَهُ، طَلَبَ ٱلْمَلِكُ أَنْ يَقْتُلَهُ. فَلَمَّا سَمِعَ أُورِيَّا خَافَ وَهَرَبَ وَأَتَى إِلَى مِصْرَ. ٢٢فَأَرْسَلَ ٱلْمَلِكُ يَهُويَاقِيمُ أُنَاسًا إِلَى مِصْرَ، أَلْنَاثَانَ بْنَ عَكْبُورَ وَرِجَالًا مَعَهُ إِلَى مِصْرَ، ٢٣فَأَخْرَجُوا أُورِيَّا مِنْ مِصْرَ وَأَتَوْا بِهِ إِلَى ٱلْمَلِكِ يَهُويَاقِيمَ، فَضَرَبَهُ بِٱلسَّيْفِ وَطَرَحَ جُثَّتَهُ فِي قُبُورِ بَنِي ٱلشَّعْبِ.
١. وَقَدْ كَانَ رَجُلٌ أَيْضًا يَتَنَبَّأُ بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ، أُورِيَّا بْنُ شِمْعِيَا: تذكَّر الشيوخ نبيًّا آخر اسمه أوريا بن شمعيا. ولا نعرف شيئًا عن أوريا هذا الذي تنبّأ في أيام الملك يهوياقيم.
٢. فَتَنَبَّأَ عَلَى هَذِهِ ٱلْمَدِينَةِ وَعَلَى هَذِهِ ٱلْأَرْضِ بِكُلِّ كَلَامِ إِرْمِيَا: لم يكن إرميا هو النبي الأمين الوحيد لله أثناء سنوات خدمته. إذ كان هنالك آخرون قالوا الصدق عن الدينونة القادمة، بمن فيهم أوريا بن شمعيا هذا.
٣. طَلَبَ ٱلْمَلِكُ أَنْ يَقْتُلَهُ: بما أن أحداث هذا الإصحاح حدثت في بداية حكم يهوياقيم (٢٦: ١)، لا بد أن الملك حاول أن يقتل أوريا حتى قبل ذلك. وقد حدثت هذه الأمور مؤخرًا.
٤. فَلَمَّا سَمِعَ أُورِيَّا خَافَ وَهَرَبَ وَأَتَى إِلَى مِصْرَ: لم يبقَ النبي الأمين في أورشليم أو يهوذا. بل أمِلَ أن يجد السلامة بين الجالية اليهودية في مِصْرَ. لكنه لم يجدها. إذ أرسل الملك رجالًا ليجدوه ويعيدوه إلى أورشليم.
• لم يكن هنالك انتقاد لقرار أوريا بالذهاب إلى مصر. “ليس من منطلق الجُبن، بل الحصافة. كان ترتليان صارمًا أكثر مما ينبغي في إدانة كل أنواع الفرار في أوقات الاضطهاد. فلم يجعل الله شعبه أهدافًا ثابتة لإطلاق النار عليها.” تراب (Trapp)
• فَأَخْرَجُوا أُورِيَّا مِنْ مِصْرَ: “كانت المعاهدات الدولية في الشرق الأدنى القديم تنص على تسليم المطلوبين. إذ كان هذا جزءًا من شروط التبعية التي فرضتها مصر.” فينبيرغ (Feinberg)
٥. فَضَرَبَهُ بِٱلسَّيْفِ وَطَرَحَ جُثَّتَهُ فِي قُبُورِ بَنِي ٱلشَّعْبِ: تذكَّر الشيوخ أن النبي قُتل بوحشية وأنه دُفن بلا كرامة.
• لم ينتقد الشيوخ ما فعله يهوياقيم. ولم يكن هذا تهديدًا مبطّنًا جدًّا لإرميا: لقد أنقذناك، لكن إذا واصلت الكلام، فسينتهي بك الأمر إلى مصير مشابه لمصير أوريا.
• “لا نعرف عدد الأنبياء الذين تعرضوا للتخويف حتى إخراسهم.” كوندال (Cundall)
د ) الآية (٢٤): عون لإرميا من أخيقام
٢٤وَلَكِنَّ يَدَ أَخِيقَامَ بْنِ شَافَانَ كَانَتْ مَعَ إِرْمِيَا حَتَّى لَا يُدْفَعَ لِيَدِ ٱلشَّعْبِ لِيَقْتُلُوهُ.
١. وَلَكِنَّ يَدَ أَخِيقَامَ بْنِ شَافَانَ كَانَتْ مَعَ إِرْمِيَا: ربما كان أخيقام واحدًا من الشيوخ. فكان لدى إرميا صديق واحد متنفّذ على الأقل.
• “كان أخيقام عضوًا في الوفد الذي أرسله يوشيا إلى النبية خلدة (٢ ملوك ٢٢: ١٢ فصاعدًا؛ ٢ أخبار الأيام ٣٤: ٢٠). وكان والده جدليا، والي يهوذا الذي عيّنه نبوخذنصّر (٢ ملوك ٢٥: ٢٢؛ إرميا ٣٩: ١٤).” هاريسون (Harrison)
• لم يكن لدى يسوع شخص مثل أخيقام ليدافع عنه. لكن يسوع هو ’أخيقامنا‘ الذي يدافع عنا ضد أي اتهام من الشرير، وينقذنا من كل إدانة.
٢. حَتَّى لَا يُدْفَعَ لِيَدِ ٱلشَّعْبِ لِيَقْتُلُوهُ: لم يكن إرميا يتعرض للتهديد من الكهنة فحسب، بل أيضًا من الشعب. وسيقوم الرؤساء بتنفيذ أي إعدام رسمي (إرميا ٢٦: ١٦) لكن إرميا احتاج إلى حماية من الرعاع حَتَّى لَا يُدْفَعَ لِيَدِ ٱلشَّعْبِ لِيَقْتُلُوهُ.