سفر إرميا – الإصحاح ٢٥
كأس الغضب في يد الله
أولًا. سبعون عامًا من الدينونة
أ ) الآيات (١-٢): الكلمة الموجهة إلى يهوذا وأورشليم
١اَلْكَلَامُ ٱلَّذِي صَارَ إِلَى إِرْمِيَا عَنْ كُلِّ شَعْبِ يَهُوذَا، فِي ٱلسَّنَةِ ٱلرَّابِعَةِ لِيَهُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، هِيَ ٱلسَّنَةُ ٱلْأُولَى لِنَبُوخَذْرَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ، ٢ٱلَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ إِرْمِيَا ٱلنَّبِيُّ عَلَى كُلِّ شَعْبِ يَهُوذَا وَعَلَى كُلِّ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ قَائِلًا:
١. فِي ٱلسَّنَةِ ٱلرَّابِعَةِ لِيَهُويَاقِيمَ: كان هذا عام ٦٠٥ ق. م. وهو عام مهم في تاريخ العالم وتاريخ الكتاب المقدس. ففي تاريخ العالم، سُحق المصريون في كركميش (إرميا ٤٦: ٢ فصاعدًا) في تركيا الحديثة، قرب الحدود السورية. وقام الجيش البابلي بملاحقة فلول المصريين جنوبًا. وفي التاريخ الكتابي، جاء نبوخذنصّر إلى أورشليم، لكنه اضطر إلى مغادرتها على وجه السرعة لأن أباه مات، وكانت تلك السنة الأولى من حكمه. ومن الممكن أن هذه النبوة جاءت بين هذين الحدثين.
• يرى مورجان (Morgan) أنه رغم أن هذه النبوة أُعلِنت في السنة الرابعة من حكم يهوياقيم، إلا أن إرميا يكررها هنا كجزء من نبوة ممتدة تشمل صدقيّا (بدأت في الإصحاح ٢٤). “وهكذا مرة أخرى، سيرى صدقيّا – الذي يُذكَّر بالنبوة التي أُعلِنت في السنة الرابعة من حكم يهوياقيم – كيف أن الهلاك لا مفر منه الآن، وهو هلاك يهدده شخصيًّا وأورشليم معه.” مورجان (Morgan)
٢. تَكَلَّمَ بِهِ إِرْمِيَا ٱلنَّبِيُّ عَلَى كُلِّ شَعْبِ يَهُوذَا وَعَلَى كُلِّ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ: رغم أن قليلين قبلوا الرسالة، إلا أنها كانت موجّهة للجميع.
ب) الآيات (٣-٧): كلمة (رسالة) الأنبياء المرفوضة
٣مِنَ ٱلسَّنَةِ ٱلثَّالِثَةِ عَشَرَةَ لِيُوشِيَّا بْنِ آمُونَ مَلِكِ يَهُوذَا إِلَى هَذَا ٱلْيَوْمِ، هَذِهِ ٱلثَّلَاثِ وَٱلْعِشْرِينَ سَنَةً، صَارَتْ كَلِمَةُ ٱلرَّبِّ إِلَيَّ فَكَلَّمْتُكُمْ مُبَكِّرًا وَمُكَلِّمًا فَلَمْ تَسْمَعُوا. ٤وَقَدْ أَرْسَلَ ٱلرَّبُّ إِلَيْكُمْ كُلَّ عَبِيدِهِ ٱلْأَنْبِيَاءِ مُبَكِّرًا وَمُرْسِلًا فَلَمْ تَسْمَعُوا وَلَمْ تُمِيلُوا أُذُنَكُمْ لِلسَّمْعِ، ٥قَائِلِينَ: ٱرْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طَرِيقِهِ ٱلرَّدِيءِ وَعَنْ شَرِّ أَعْمَالِكُمْ وَٱسْكُنُوا فِي ٱلْأَرْضِ ٱلَّتِي أَعْطَاكُمُ ٱلرَّبُّ إِيَّاهَا وَآبَاءَكُمْ مِنَ ٱلْأَزَلِ وَإِلَى ٱلْأَبَدِ. ٦وَلَا تَسْلُكُوا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لِتَعْبُدُوهَا وَتَسْجُدُوا لَهَا، وَلَا تَغِيظُونِي بِعَمَلِ أَيْدِيكُمْ فَلَا أُسِيءَ إِلَيْكُمْ. ٧فَلَمْ تَسْمَعُوا لِي، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، لِتَغِيظُونِي بِعَمَلِ أَيْدِيكُمْ شَرًّا لَكُمْ.
١. هَذِهِ ٱلثَّلَاثِ وَٱلْعِشْرِينَ سَنَةً، صَارَتْ كَلِمَةُ ٱلرَّبِّ إِلَيَّ: لم يقطع إرميا حتى الآن إلّا أكثر قليلًا من نصف الشوط في عمله الطويل كنبي. ومع ذلك، ومع خبرة ٢٣ عامًا، أحس بأن لديه ما يقوله لشعب يهوذا.
• “سبق أن تنبّأ إرميا مدة ٢٣ سنة تحت حكم يوشيا، وثلاثة أشهر بعدها تحت حكم يهوآحاز، وثلاث سنوات تحت حكم يهوياقيم. ولهذا كان في منتصف حياته المهنية في هذه المرحلة.” هاريسون (Harrison)
٢. فَلَمْ تَسْمَعُوا: رغم هذه السنوات الكثيرة في الخدمة لله والشعب، إلا أنهم لم يستمعوا إلى النبي. كما لم يستمعوا إلى أنبياء آخرين من خدام الله أرسلهم إليهم.
٣. قَائِلِينَ: ٱرْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طَرِيقِهِ ٱلرَّدِيءِ وَعَنْ شَرِّ أَعْمَالِكُمْ: كانت هذه رسالة كلٍّ من إرميا والأنبياء الأمناء الآخرين. فعلى مدى خدمته الكاملة، كان هنالك أنبياء أمناء آخرون تكلّموا برسالة مماثلة لرسالة إرميا، محذرين الشعب من عبادة الأوثان، وحاثّين إياهم على حياة التقوى.
• “يؤخذ تعبير ’عَمَلِ أَيْدِيكُمْ‘ أحيانًا على أنه يعني الأوثان التي صنعوها. لكن يمكن أن تكون إشارة عامة إلى أعمال الشعب، أي ما يفعلونه.” ثومبسون (Thompson)
٤. فَلَمْ تَسْمَعُوا لِي: عندما تجاهل شعب يهوذا الأنبياء المخْلصين، فإنهم لم يتجاهلوا رسلًا من البشر. بل رفضوا الله الذي أرسل الرسالة من خلالهم. فاستفزّ هذا غضبه.
ج) الآيات (٨-١١): سبعون عامًا من الخراب
٨لِذَلِكَ هَكَذَا قَالَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ: مِنْ أَجْلِ أَنَّكُمْ لَمْ تَسْمَعُوا لِكَلَامِي ٩هَأَنَذَا أُرْسِلُ فَآخُذُ كُلَّ عَشَائِرِ ٱلشِّمَالِ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، وَإِلَى نَبُوخَذْرَاصَّرَ عَبْدِي مَلِكِ بَابِلَ، وَآتِي بِهِمْ عَلَى هَذِهِ ٱلْأَرْضِ وَعَلَى كُلِّ سُكَّانِهَا وَعَلَى كُلِّ هَذِهِ ٱلشُّعُوبِ حَوَالَيْهَا، فَأُحَرِّمُهُمْ وَأَجْعَلُهُمْ دَهَشًا وَصَفِيرًا وَخِرَبًا أَبَدِيَّةً. ١٠وَأُبِيدُ مِنْهُمْ صَوْتَ ٱلطَّرَبِ وَصَوْتَ ٱلْفَرَحِ، صَوْتَ ٱلْعَرِيسِ وَصَوْتَ ٱلْعَرُوسِ، صَوْتَ ٱلْأَرْحِيَةِ وَنُورَ ٱلسِّرَاجِ. ١١وَتَصِيرُ كُلُّ هَذِهِ ٱلْأَرْضِ خَرَابًا وَدَهَشًا، وَتَخْدِمُ هَذِهِ ٱلشُّعُوبُ مَلِكَ بَابِلَ سَبْعِينَ سَنَةً.
١. هَكَذَا قَالَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ: عندما يقدم الله نفسه بصفته ’رب الجنود،‘ أي آمرًا للجيوش السماوية، فإن من المهم الاستماع إليه بعناية.
• عَشَائِرِ ٱلشِّمَالِ: “يفسَّر هذا التعبير على أنه حلفاء بابل، أي الشعوب الكثيرة التي تؤلف الإمبراطورية البابلية. وهي وحدات فرعية أو أقسام لقبيلة، أو وحدة سياسية، أو البابليين بشكل عام. وربما كان التفسير الأخير هو الأفضل، لأنه يناسب السياق.” فينبيرغ (Feinberg)
٢. نَبُوخَذْرَاصَّرَ عَبْدِي مَلِكِ بَابِلَ، وَآتِي بِهِمْ عَلَى هَذِهِ ٱلْأَرْضِ: كان ملك بابل الغازي عبدًا لله أو خادمًا له في تحقيق عمل دينونته. وسيرفع الله نبوخذنصّر لا ليكون غازي يهوذا فحسب، بل ليملِّكه عَلَى كُلِّ هَذِهِ ٱلشُّعُوبِ حَوَالَيْهَا أيضًا.
• عندما أطلق إرميا هذه النبوة، كانت بابل قد رسّخت نفسها للتوّ كقوة عالمية مهيمنة بالهزيمة التي ألحقتها بالمصريين المنافسين لها في كركميش. وانتظر العالم أن يرى ما سيفعل البابليون بقوتهم. فأخبرهم الله هذا من خلال النبي إرميا.
• نَبُوخَذْرَاصَّرَ عَبْدِي: “أي جلّادي، قضيب غضبي (إشعياء ١٠: ٥)، وسوط على العالم، كما جعل أتيلّا نفسه.” تراب (Trapp)
• “لم يكن الأمر أن الله كان مسرورًا به، بل كان مجرد أداة دينونته التي ستنفّذ خطته الإلهية ليهوذا والشعوب. فكان يعمل من دون وعي إرادة الله، مخصصًا الشعوب للدمار.” فينبيرغ (Feinberg)
• لا تتضمن الترجمة السبعونية – وهي الترجمة اليونانية القديمة للأسفار العبرية – كلمة ’عبدي.‘ “ربما يشير حذف الترجمة السبعينية لهذه الكلمة إلى أن المترجم اعترض على إعطاء هذا اللقب وهذه المكانة المشرفة لملك وثني.” ثومبسون (Thompson)
٣. وَأَجْعَلُهُمْ دَهَشًا وَصَفِيرًا وَخِرَبًا أَبَدِيَّةً: كما فعل إرميا مرات كثيرة من قبل، أعلن عن الغزو البابلي القادم ليهوذا وأورشليم.
• وَأُبِيدُ مِنْهُمْ (وأحرّمهم): “سيخصَّصون بالجملة للدمار Heherim والفعل مرتبط بالاسم Herem وهو يرد كثيرًا في الروايات المبكرة التي تتناول الحروب المقدسة، ولاسيما في سفر يشوع.” ثومبسون (Thompson)
• صَوْتَ ٱلْأَرْحِيَةِ وَنُورَ ٱلسِّرَاجِ: “لا بد أن يكون المكان الذي لا يسمع فيه أحد صَوْتَ ٱلْأَرْحِيَةِ وَنُورَ ٱلسِّرَاجِ خرابًا، لأن هذه الأمور تُسمع وتُرى في مكان مأهول.” كلارك (Clarke)
• “يصوّر إرميا بشكل نابض بالحياة الصمت غير الطبيعي والظلمة المخيفة ليهوذا المقفرة.” كوندال (Cundall)
٤. وَتَخْدِمُ هَذِهِ ٱلشُّعُوبُ مَلِكَ بَابِلَ سَبْعِينَ سَنَةً: هنا يعطي الله إرميا إعلانًا إضافيًّا، حيث سيستمر السبي القسري لشعب الله خارج الأرض الموعودة مدة سبعين سنة.
• هنالك باحثون كثيرون (بمن فيهم مفسرون محافظون) يأخذون السبعين سنة على أنها مدة تقديرية، أو كرمز لسنوات كثيرة (قضاة ١: ٧؛ ٨: ١٤؛ ١ صموئيل ٦: ١٩؛ ٢ صموئيل ٢٤: ١٥؛ مزمور ٩٠: ١٠، إلخ).
• يمثّل هاريسون مثلًا جيدًا لهذا التوجه. “السنوات السبعون في السبي عدد تقريبي، حيث تُحسب المدة من السنة الرابعة ليهوياقيم (٦٠٥ ق. م.) إلى بدء العودة تحت نظام كورش في حوالي ٥٣٦ ق. م. (انظر زكريا ١: ١٢؛ ٢ أخبار ٣٦: ٢٠-٢٣.” هاريسون (Harrison)
• غير أن هنالك سببًا وجيهًا للاعتقاد أن السنوات السبعين تشير إلى سبعين سنة حرفية. “ومن جهة أخرى، هنالك كثيرون يأخذون عدد السنوات على أنها دقيقة من حيث العدد، من السنة الرابعة ليهوياقيم (السنة الأولى لنبوخذنصّر إلى نهاية السلالة البابلية الحاكمة، مع مجيء كورش (انظر ٢ أخبار ٣٦: ٢١-٢٢؛ عزرا ١: ١-٣). ويرون أنه لا بد أن يكون الحساب دقيقًا لأن دانيال (انظر دانيال ٩: ١-٢) ذهب إلى بابل مع أول ترحيل، وعرف أنه كانت هنالك مدة سبعين سنة.” فينبيرغ (Feinberg)
د ) الآيات (١٢-١٤): بعد السبعين عامًا
١٢وَيَكُونُ عِنْدَ تَمَامِ ٱلسَّبْعِينَ سَنَةً أَنِّي أُعَاقِبُ مَلِكَ بَابِلَ، وَتِلْكَ ٱلْأُمَّةَ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، عَلَى إِثْمِهِمْ وَأَرْضَ ٱلْكَلْدَانِيِّينَ، وَأَجْعَلُهَا خِرَبًا أَبَدِيَّةً. ١٣وَأَجْلِبُ عَلَى تِلْكَ ٱلْأَرْضِ كُلَّ كَلَامِي ٱلَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ عَلَيْهَا، كُلَّ مَا كُتِبَ فِي هَذَا ٱلسِّفْرِ ٱلَّذِي تَنَبَّأَ بِهِ إِرْمِيَا عَلَى كُلِّ ٱلشُّعُوبِ. ١٤لِأَنَّهُ قَدِ ٱسْتَعْبَدَهُمْ أَيْضًا أُمَمٌ كَثِيرَةٌ وَمُلُوكٌ عِظَامٌ، فَأُجَازِيهِمْ حَسَبَ أَعْمَالِهِمْ وَحَسَبَ عَمَلِ أَيَادِيهِمْ.
١. وَيَكُونُ عِنْدَ تَمَامِ ٱلسَّبْعِينَ سَنَةً أَنِّي أُعَاقِبُ مَلِكَ بَابِلَ، وَتِلْكَ ٱلْأُمَّةَ: لن تقيس السبعون سنة مدة السبي فحسب، بل أيضًا الزمن الذي سينفّذ فيه الله الدينونة على بابل. فكما جعلت بابل يهوذا خرابًا، (إرميا ٢٥: ١١)، كذلك سيجعل الله بابل خرابًا دائمًا.
• عيّن الله سبعين سنة لخراب يهوذا، بينما سيقدَّر أن يكون خراب بابل دائمًا. فلم تحكم الإمبراطورية البابلية على هذا النحو مرة أخرى. وأمّا أمّة إسرائيل، فتشكلت مرة أخرى في العالم القديم، وهي موجودة اليوم.
• “غير أن بابل لم تكن وكيلاً نقيًّا للعدالة. بل كانت قوة وثنية غاشمة بشعة معرّضة نفسها لدينونة الله.” كوندال (Cundall)
٢. فَأُجَازِيهِمْ حَسَبَ أَعْمَالِهِمْ: كان نبوخذنصّر والبابليون خدامًا لله (إرميا ٢٥: ٩) في تنفيذ دينونته في يهوذا. وسيدانون حَسَبَ أَعْمَالِهِمْ وَحَسَبَ عَمَلِ أَيَادِيهِمْ. لقد حققوا قصد الله، لكن هذا لا يبرر تصرّفاتهم.
• أُمَمٌ كَثِيرَةٌ وَمُلُوكٌ عِظَامٌ: “تشير الأمم الكثيرة والملوك العظام إلى الماديين والفُرس مع حلفائهم الكثيرين أو الملوك التابعين لكورش العظيم. وسيفرضون السخرة على البابليين الذين كانوا ذات يوم لا يُقهَرون.” فينبيرغ (Feinberg)
ثانيًا. دينونة على الشعوب
أ ) الآيات (١٥-١٦): كأس غضب الرب
١٥لِأَنَّهُ هَكَذَا قَالَ لِيَ ٱلرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: “خُذْ كَأْسَ خَمْرِ هَذَا ٱلسَّخَطِ مِنْ يَدِي، وَٱسْقِ جَمِيعَ ٱلشُّعُوبِ ٱلَّذِينَ أُرْسِلُكَ أَنَا إِلَيْهِمْ إِيَّاهَا. ١٦فَيَشْرَبُوا وَيَتَرَنَّحُوا وَيَتَجَنَّنُوا مِنْ أَجْلِ ٱلسَّيْفِ ٱلَّذِي أُرْسِلُهُ أَنَا بَيْنَهُمْ.”
١. خُذْ كَأْسَ خَمْرِ هَذَا ٱلسَّخَطِ مِنْ يَدِي: تكلم الله إلى إرميا من خلال صورة، حيث أعطى النبي، كنادل للدينونة، كأس غضب ودينونة. ’أو، خذ كأس الخمر المدخّنة هذه.‘ تراب (Trapp)
• تمثل الكأس في مواضع كثيرة في العهد القديم صورة قوية لغضب الله ودينونته.” تراب (Trapp)
“لِأَنَّ فِي يَدِ ٱلرَّبِّ كَأْسًا وَخَمْرُهَا مُخْتَمِرَةٌ. مَلآنةٌ شَرَابًا مَمْزُوجًا. وَهُوَ يَسْكُبُ مِنْهَا. لَكِنْ عَكَرُهَا يَمَصُّهُ، يَشْرَبُهُ كُلُّ أَشْرَارِ ٱلْأَرْضِ” (مزمور ٧٥: ٨).
“انْهَضِي، ٱنْهَضِي! قُومِي يَا أُورُشَلِيمُ ٱلَّتِي شَرِبْتِ مِنْ يَدِ ٱلرَّبِّ كَأْسَ غَضَبِهِ، ثُفْلَ كَأْسِ ٱلتَّرَنُّحِ شَرِبْتِ. مَصَصْتِ” (إشعياء ٥١: ١٧).
• “كان شرب جرعة واحدة أيضًا عملية صعبة في اختبار براءة شخص. وربما نشأ رمز ’كأس الغضب‘ من مثل هذه الإجراءات (عدد ٥: ١١-٣١).” ثومبسون (Thompson)
• أشار يسوع إلى صورة كأس الغضب عندما طلب في جسيماني أن تعبر عنه الكأس (لوقا ٢٢: ٤٢). وبهذا المعنى، لم تمثل الكأس الموت، بل الدينونة. صار يسوع، إذا جاز التعبير، عدوًا لله دِينَ وأُجبر على أن يتجرع كأس الغضب من يد الله لئلا نضطر نحن إلى أن نشرب من تلك الكأس. فكان أخذ هذه الكأس المجازية مصدر عذاب يسوع الأكبر على الصليب.
٢. وَٱسْقِ جَمِيعَ ٱلشُّعُوبِ ٱلَّذِينَ أُرْسِلُكَ أَنَا إِلَيْهِمْ إِيَّاهَا. فَيَشْرَبُوا: سيعلن إرميا دينونة الله (في صورة كأس الغضب) على الشعوب المحيطة بيهوذا.
• هذا وصف لعمليات الإجراءات الإلهية في الدينونة في دوائر متسعة. أولًا، ستكون هنالك دينونة على يهوذا والتي ستكون بابل أداة لها، وبعد ذلك ستكون هنالك دينونة على بابل نفسها، وستليها دينونة على شعوب كثيرة. وأخيرًا، ستشترك الأرض كلها في هذه الدينونة.” مورجان (Morgan)
٣. وَيَتَرَنَّحُوا وَيَتَجَنَّنُوا مِنْ أَجْلِ ٱلسَّيْفِ ٱلَّذِي أُرْسِلُهُ أَنَا بَيْنَهُمْ: تحت الدينونة القادمة، سيتصرف الناس وكأنهم مخمورون أو معاقون، أو كأنهم ليسوا في رشدهم.
• “تعني كلمة ’يترنح‘ أن هنالك شيئًا سامًّا في هذه الكأس. فكأس غضب الله لا تجعل المرء مخمورًا وثملًا فحسب، بل تجعله يترنح وفي حالة خبل.” رايكن (Ryken)
• “صورة الدينونة في شكل ذهول وسُكْر وانهيار في إشارتها المألوفة إلى الشعوب وسقوطها أمر يمكن تمييزه في الجنون الجماعي الذي يمكن أن يسيطر على شعب يدمر نفسه من الداخل من خلال الولع بالأمور غير التقية وبالانحرافات.” كيدنر (Kidner)
ب) الآيات (١٧-٢٦): أورشليم ككأس الترنّح
١٧فَأَخَذْتُ ٱلْكَأْسَ مِنْ يَدِ ٱلرَّبِّ وَسَقَيْتُ كُلَّ ٱلشُّعُوبِ ٱلَّذِينَ أَرْسَلَنِي ٱلرَّبُّ إِلَيْهِمْ. ١٨أُورُشَلِيمَ وَمُدُنَ يَهُوذَا وَمُلُوكَهَا وَرُؤَسَاءَهَا، لِجَعْلِهَا خَرَابًا وَدَهَشًا وَصَفِيرًا وَلَعْنَةً كَهَذَا ٱلْيَوْمِ. ١٩وَفِرْعَوْنَ مَلِكَ مِصْرَ وَعَبِيدَهُ وَرُؤَسَاءَهُ وَكُلَّ شَعْبِهِ. ٢٠وَكُلَّ ٱللَّفِيفِ، وَكُلَّ مُلُوكِ أَرْضِ عُوصَ، ٢٢وَكُلَّ مُلُوكِ أَرْضِ فِلِسْطِينَ وَأَشْقَلُونَ وَغَزَّةَ وَعَقْرُونَ وَبَقِيَّةَ أَشْدُودَ، وَأَدُومَ وَمُوآبَ وَبَنِي عَمُّونَ، وَكُلَّ مُلُوكِ صُورَ، وَكُلَّ مُلُوكِ صِيدُونَ، وَمُلُوكِ ٱلْجَزَائِرِ ٱلَّتِي فِي عَبْرِ ٱلْبَحْرِ، ٢٣وَدَدَانَ وَتَيْمَاءَ وَبُوزَ، وَكُلَّ مَقْصُوصِي ٱلشَّعْرِ مُسْتَدِيرًا، ٢٤وَكُلَّ مُلُوكِ ٱلْعَرَبِ، وَكُلَّ مُلُوكِ ٱللَّفِيفِ ٱلسَّاكِنِينَ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ، ٢٥وَكُلَّ مُلُوكِ زِمْرِي، وَكُلَّ مُلُوكِ عِيلَامَ، وَكُلَّ مُلُوكِ مَادِي، ٢٦وَكُلَّ مُلُوكِ ٱلشِّمَالِ ٱلْقَرِيبِينَ وَٱلْبَعِيدِينَ، كُلَّ وَاحِدٍ مَعَ أَخِيهِ، وَكُلَّ مَمَالِكِ ٱلْأَرْضِ ٱلَّتِي عَلَى وَجْهِ ٱلْأَرْضِ. وَمَلِكُ شِيشَكَ يَشْرَبُ بَعْدَهُمْ.
١. فَأَخَذْتُ ٱلْكَأْسَ مِنْ يَدِ ٱلرَّبِّ وَسَقَيْتُ كُلَّ ٱلشُّعُوبِ: وصف إرميا رؤيا أو حلمًا، أو ربما تكلم ببساطة حسب الصورة المتضمَّنة في الآيات السابقة.
٢. أُورُشَلِيمَ وَمُدُنَ يَهُوذَا: ستبدأ الدينونة بشعب الله. إذ سيكونون أول من يجرع كأس غضب الله. غير أن الدينونة ستمتد إلى الشعوب الأخرى. وقد تكرر هذا المبدأ في أمثال ١١: ٣١ و١ بطرس ٤: ١٨: “لِأَنَّهُ ٱلْوَقْتُ لِٱبْتِدَاءِ ٱلْقَضَاءِ مِنْ بَيْتِ ٱللهِ. فَإِنْ كَانَ أَوَّلًا مِنَّا، فَمَا هِيَ نِهَايَةُ ٱلَّذِينَ لَا يُطِيعُونَ إِنْجِيلَ ٱللهِ؟ وَ«إِنْ كَانَ ٱلْبَارُّ بِٱلْجَهْدِ يَخْلُصُ، فَٱلْفَاجِرُ وَٱلْخَاطِئُ أَيْنَ يَظْهَرَانِ؟”
٣. وَفِرْعَوْنَ مَلِكَ مِصْرَ: بدأ إرميا قائمة الدينونة بذكر مصر، القوة العالمية الأخرى في ذلك العصر، وأتبعها بقائمة طويلة من الشعوب والأمم، مع تركيز على ملوكهم وقادتهم. وبما أن هذه القائمة تامّة، فإنه ليس من المرجح أنه تمت إدانة كل حدث في هذه الشعوب في تلك الفترة. وسيكون لهذه القائمة تحقيقها النهائي في نهاية الدهر في دينونة الأمم.
• وَكُلَّ ٱللَّفِيفِ
• وَكُلَّ مُلُوكِ أَرْضِ عُوصَ
• وَكُلَّ مُلُوكِ أَرْضِ فِلِسْطِينَ
• وَأَدُومَ وَمُوآبَ وَبَنِي عَمُّونَ
• وَكُلَّ مُلُوكِ صُورَ، وَكُلَّ مُلُوكِ صِيدُونَ
• وَمُلُوكِ ٱلْجَزَائِرِ
• وَدَدَانَ وَتَيْمَاءَ وَبُوزَ
• وَكُلَّ مُلُوكِ ٱلْعَرَبِ
• وَكُلَّ مُلُوكِ ٱللَّفِيفِ ٱلسَّاكِنِينَ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ
• وَكُلَّ مُلُوكِ زِمْرِي
• وَكُلَّ مُلُوكِ عِيلَامَ، وَكُلَّ مُلُوكِ مَادِي
• وَكُلَّ مُلُوكِ ٱلشِّمَالِ ٱلْقَرِيبِينَ وَٱلْبَعِيدِينَ
• وَكُلَّ مَمَالِكِ ٱلْأَرْضِ ٱلَّتِي عَلَى وَجْهِ ٱلْأَرْضِ، مؤكدًا بهذا الطبيعة التامة لهذه الدينونة.
وَفِرْعَوْنَ مَلِكَ مِصْرَ: “الذي كتب عنه هيرودوتس أنه أقنع نفسه متفاخرًا بأن مملكته قوية جدًّا بحيث لا يستطيع أي إله أو إنسان أن يأخذها منه. وبعد ذلك، قام رعاياه بإعدامه.” تراب (Trapp)
ربما تقع أرض عوص، وطن أيوب (أيوب ١: ١)، إلى الشرق من فلسطين. وهي في مراثي ٤: ٢١ مرتبطة بأدوم.” ثومبسون (Thompson)
حدد آدم كلارك بعض هؤلاء الشعوب بشكل أكثر وضوحًا:
– دَدَانَ: “كان ابن إبراهيم من قطورة (تكوين ٢٥: ٣).”
– تَيْمَاء: كان أحد أبناء إسماعيل، في شمال الجزيرة العربية (تكوين ٣٦: ١٥).”َ
– بُوزَ: أخو عوص، من نسل ناحور أخي إبراهيم. وقد استقر في الصحراء العربية (تكوين ٢٢: ٢١).”
– زِمْرِي: “كان ابن إبراهيم من قطورة (تكوين ٢٥: ٢، ٦).”
“بما أن هذه الممالك شكلت تقريبًا العالم كله بالنسبة للعهد القديم، يمكن أن تواصل الحديث بشكل أكثر فأكثر شمولية لتقدم أخيرًا صورة تتجاوز هذه الحدود لتتحقق (في رأيي) في الدينونة الشمولية لنهاية الزمان.” كيدنر (Kidner)
٤. وَمَلِكُ شِيشَكَ يَشْرَبُ بَعْدَهُمْ: بعد هذه القائمة الطويلة، أكد إرميا الدينونة القادمة على شيشك، وهو اسم رمزي للبابليين.
• “يرى كثيرون، بعد جيروم، أن هذه شفرة (رمز) تدل على بابل. وكانت الشفرة معروفة باسم ’أتباش‘ Atbash وهو نظام من الكتابة السرية التي كانت تستبدل الحرف الأخير من الأبجدية بالحرف الأول، والثاني بالآخر الثاني، وهكذا حتى كل الحروف الساكنة العبرية.” فينبيرغ (Feinberg)
• “في هذا النص كما هو، لا يخفى شيء، حيث يُسمى البابليون والكلدانيون كثيرًا وبشكل صريح. لكنه يعطي لمحة عن المحاذير التي كان يضعها الأشخاص أحيانًا في اعتبارهم في المحادثات أو المراسلات.” كيدنر (Kidner)
• رغم أنه كان هنالك معنى كان بموجبه نبوخذنصر خادمًا لله (إرميا ٢٥: ٩)، وأن الله استخدم البابليين، إلا أن الدينونة حلّت بهم. “أيتها النفس العاصية الشريرة، قد تخدمين قصد الله، لكنك لن تُتركي بلا عقاب. والآن ليست دينونتك ببعيدة جدًّا.” ماير (Meyer)
ج) الآيات (٢٧-٢٩): لا بد أن تجرع الشعوب الكأس
٢٧وَتَقُولُ لَهُمْ: “هَكَذَا قَالَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: ٱشْرَبُوا وَٱسْكَرُوا وَتَقَيَّأُوا وَٱسْقُطُوا وَلَا تَقُومُوا مِنْ أَجْلِ ٱلسَّيْفِ ٱلَّذِي أُرْسِلُهُ أَنَا بَيْنَكُمْ. ٢٨وَيَكُونُ إِذَا أَبَوْا أَنْ يَأْخُذُوا ٱلْكَأْسَ مِنْ يَدِكَ لِيَشْرَبُوا، أَنَّكَ تَقُولُ لَهُمْ: هَكَذَا قَالَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ: تَشْرَبُونَ شُرْبًا. ٢٩لِأَنِّي هَأَنَذَا أَبْتَدِئُ أُسِيءُ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ ٱلَّتِي دُعِيَ ٱسْمِي عَلَيْهَا، فَهَلْ تَتَبَرَّأُونَ أَنْتُمْ؟ لَا تَتَبَرَّأُونَ، لِأَنِّي أَنَا أَدْعُو ٱلسَّيْفَ عَلَى كُلِّ سُكَّانِ ٱلْأَرْضِ، يَقُولُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ.”
١. ٱشْرَبُوا وَٱسْكَرُوا وَتَقَيَّأُوا: بقدر ما كرهوا ذلك، لم يكن هنالك مفر من الدينونة القادمة. إذ سيدينهم الله بكأس مجازية، لكن بسيف حقيقي. فإذا رفضوا الكأس، فسيصر الله قائلًا، ’ٱشْرَبُوا وَٱسْكَرُوا وَتَقَيَّأُوا.‘ فلم يكن ممكنًا أن يتجنبوا الدينونة بالإنكار أو التفكير الإيجابي.
• تقول ترجمة الملك جيمس: “ٱشْرَبُوا وَٱسْكَرُوا ونزّوا”. وتعني الكلمة الأخيرة هنا هي أن يطردوا من بطونهم كميات كبيرة من الخمر بقوة كبيرة. ويعلّق آدم كلارك على ذلك: ’لماذا لم تُستخدم هنا كلمة “تقيأوا،‘ وهي أقل بشاعة وقباحة من الأخرى، لكن بنفس المغزى؟” كلارك (Clarke)
٢. هَأَنَذَا أَبْتَدِئُ أُسِيءُ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ ٱلَّتِي دُعِيَ ٱسْمِي عَلَيْهَا: في حين أن الدينونة تبدأ بين شعب الله (إرميا ٢٥: ١٨)، فإنه من المستحيل أن تنتهي هناك. إذ كانت دينونة شعب الله نبوة مؤكدة بالدينونة القادمة على الشعوب.
٣. أَنَا أَدْعُو ٱلسَّيْفَ عَلَى كُلِّ سُكَّانِ ٱلْأَرْضِ: لقد تعامل الله مع كل من الأمم المذكورة في الآيات السابقة. ومع ذلك، فإن الامتداد العالمي لهذه الدينونة يشير إلى تحقيقها في نهاية الدهر. وقد نذر أن يفعل هذا رب الجنود، رب الجيوش السماوية.
د ) الآيات (٣٠-٣٣): خصومة الرب مع الشعوب
٣٠وَأَنْتَ فَتَنَبَّأْ عَلَيْهِمْ بِكُلِّ هَذَا ٱلْكَلَامِ، وَقُلْ لَهُمْ: ٱلرَّبُّ مِنَ ٱلْعَلَاءِ يُزَمْجِرُ، وَمِنْ مَسْكَنِ قُدْسِهِ يُطْلِقُ صَوْتَهُ، يَزْأَرُ زَئِيرًا عَلَى مَسْكَنِهِ، بِهُتَافٍ كَٱلدَّائِسِينَ يَصْرُخُ ضِدَّ كُلِّ سُكَّانِ ٱلْأَرْضِ. ٣١بَلَغَ ٱلضَّجِيجُ إِلَى أَطْرَافِ ٱلْأَرْضِ، لِأَنَّ لِلرَّبِّ خُصُومَةً مَعَ ٱلشُّعُوبِ. هُوَ يُحَاكِمُ كُلَّ ذِي جَسَدٍ. يَدْفَعُ ٱلْأَشْرَارَ لِلسَّيْفِ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ. ٣٢هَكَذَا قَالَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ: هُوَذَا ٱلشَّرُّ يَخْرُجُ مِنْ أُمَّةٍ إِلَى أُمَّةٍ، وَيَنْهَضُ نَوْءٌ عَظِيمٌ مِنْ أَطْرَافِ ٱلْأَرْضِ. ٣٣وَتَكُونُ قَتْلَى ٱلرَّبِّ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ مِنْ أَقْصَاءِ ٱلْأَرْضِ إِلَى أَقْصَاءِ ٱلْأَرْضِ. لَا يُنْدَبُونَ وَلَا يُضَمُّونَ وَلَا يُدْفَنُونَ. يَكُونُونَ دِمْنَةً عَلَى وَجْهِ ٱلْأَرْضِ.
١. ٱلرَّبُّ مِنَ ٱلْعَلَاءِ يُزَمْجِرُ، وَمِنْ مَسْكَنِ قُدْسِهِ يُطْلِقُ صَوْتَهُ: عندما تأتي الدينونة، سيُسمع صوت الله كزئير أسد قوي. وسيُجبَر الذين لم يشاءوا أن يسمعوا الله على الاستماع إليه عندئذٍ. وسينطبق هذا على شعبه، (يَزْأَرُ زَئِيرًا عَلَى مَسْكَنِهِ) وعلى كُلِّ سُكَّانِ ٱلْأَرْضِ.
٢. بِهُتَافٍ كَٱلدَّائِسِينَ (العنب): كان دوس العنب في وقت الحصاد احتفالًا. وستكون دينونة الله في نهاية الدهر عنصر فرح بار.
٣. هُوَذَا ٱلشَّرُّ يَخْرُجُ مِنْ أُمَّةٍ إِلَى أُمَّةٍ: يتم تأكيد الطبيعة الشمولية للدينونة مرارًا وتكرارًا.
٤. وَتَكُونُ قَتْلَى ٱلرَّبِّ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ مِنْ أَقْصَاءِ ٱلْأَرْضِ إِلَى أَقْصَاءِ ٱلْأَرْضِ: تكاد لا تُفهم هذه الصورة المروعة. ومع ذلك، فإنها تتناسب مع أوصاف الدينونة في سفر الرؤيا (رؤيا ١٩: ١١-١٨)، والتي ربما كانت مستوحاة من هذا النص.
• دِمْنَةً عَلَى وَجْهِ ٱلْأَرْضِ: “يقرأ الله، بصفته قاضي (ديّان) الأرض كلها، لائحة الاتهام ضد الجنس البشري. وسيستلقي ضحايا الكارثة القادمة مثل الروث (دمنة) على سطح الأرض.” هاريسون (Harrison)
هـ) الآيات (٣٤-٣٨): غضب الرب على الرعاة
٣٤وَلْوِلُوا أَيُّهَا ٱلرُّعَاةُ وَٱصْرُخُوا، وَتَمَرَّغُوا يَا رُؤَسَاءَ ٱلْغَنَمِ، لِأَنَّ أَيَّامَكُمْ قَدْ كَمَلَتْ لِلذَّبْحِ. وَأُبَدِّدُكُمْ فَتَسْقُطُونَ كَإِنَاءٍ شَهِيٍّ. ٣٥وَيَبِيدُ ٱلْمَنَاصُ عَنِ ٱلرُّعَاةِ، وَٱلنَّجَاةُ عَنْ رُؤَسَاءِ ٱلْغَنَمِ. ٣٦صَوْتُ صُرَاخِ ٱلرُّعَاةِ، وَوَلْوَلَةِ رُؤَسَاءِ ٱلْغَنَمِ. لِأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ أَهْلَكَ مَرْعَاهُمْ. ٣٧وَبَادَتْ مَرَاعِي ٱلسَّلَامِ مِنْ أَجْلِ حُمُوِّ غَضَبِ ٱلرَّبِّ. ٣٨تَرَكَ كَشِبْلٍ عِيصَهُ، لِأَنَّ أَرْضَهُمْ صَارَتْ خَرَابًا مِنْ أَجْلِ ٱلظَّالِمِ وَمِنْ أَجْلِ حُمُوِّ غَضَبِهِ.
١. وَلْوِلُوا أَيُّهَا ٱلرُّعَاةُ وَٱصْرُخُوا: يتضمن هذا إشارة إلى ملوك الشعوب وقادتها الذين تم توكيد دينونتهم في لائحة الدينونة في الإصحاح السابق (إرميا ٢٥: ١٧-٢٦). وكان الملوك والقادة الآخرون يُدعون رعاة في تلك الثقافات القديمة.
• تصف عاموس ٢: ١٤ كيف أن الملوك والجبابرة لن يفلتوا من الدينونة: “وَيَبِيدُ ٱلْمَنَاصُ عَنِ ٱلسَّرِيعِ، وَٱلْقَوِيُّ لَا يُشَدِّدُ قُوَّتَهُ، وَٱلْبَطَلُ لَا يُنَجِّي نَفْسَهُ.”
٢. لِأَنَّ أَيَّامَكُمْ قَدْ كَمَلَتْ لِلذَّبْحِ: يضع هذا في الاعتبار أولًا الدينونة ضد بابل لغزوها وسبيها ليهوذا. وستواجه شعوب أخرى ذات خطايا مماثلة دينونة مماثلة. وباستخدام الله لصورة الدينونة على هؤلاء الرعاة، يقول إنه نهب مرعاهم: ’ٱلرَّبّ قَدْ أَهْلَكَ مَرْعَاهُمْ.‘
٣. تَرَكَ كَشِبْلٍ عِيصَهُ: يصور الرب نفسه في هذه الدينونة على أنه أسد قادم على الرعاة والغنم. ولن يكونوا قادرين على مقاومته مثلما قتل الراعي داود أسدًا (١ صموئيل ١٧: ٣٤-٣٦).
٤. مِنْ أَجْلِ ٱلظَّالِمِ (القامع) وَمِنْ أَجْلِ حُمُوِّ غَضَبِهِ: ستأتي الدينونة لا محالة، وستأتي باندفاع قوي وبغضب شديد.
• يرى مترجمو نسخة الملك جيمس أن ’الظالم‘ (القامع) هنا هو الرب نفسه، كما لو أن الله نفسه يقوم بالقمع هنا. وهو يجلب دينونته على الشعوب التي رفضته وقامت بقتل شعوب وتشتيت أخرى. فالذين يرفضون أن يستسلموا له بصفته المحرر سيعرفونه بصفته القامع.
• من الممكن أيضًا أن يشير ’الظالم‘ أو القامع هنا إلى وكلاء دينونة الله (مثل البابليين)، وليس إلى الله نفسه مباشرة. وفي كلتا الحالتين، فإن الوعد مؤكد، وهو أن الدينونة قادمة.
• “ليس أمرًا مُسِرًّا أن نقرأ عن الدمار، لكن هذه نتيجة لازمة لبر الله. ويتوجب أن نتذكر أن هذا كان استباقيًّا، وبالتالي أتاح للشعوب المعنية الوقت للتوبة.” كوندال (Cundall)