سفر إرميا – الإصحاح ١٠
الرب وأوثان الشعوب
أولًا. عظمة الرب على كل الأوثان
أ ) الآيات (١-٥): عادة تزيين الشجرة شكلت وثنًا
١اِسْمَعُوا ٱلْكَلِمَةَ ٱلَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا ٱلرَّبُّ عَلَيْكُمْ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ. ٢هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: «لَا تَتَعَلَّمُوا طَرِيقَ ٱلْأُمَمِ، وَمِنْ آيَاتِ ٱلسَّمَاوَاتِ لَا تَرْتَعِبُوا، لِأَنَّ ٱلْأُمَمَ تَرْتَعِبُ مِنْهَا. ٣لِأَنَّ فَرَائِضَ ٱلْأُمَمِ بَاطِلَةٌ. لِأَنَّهَا شَجَرَةٌ يَقْطَعُونَهَا مِنَ ٱلْوَعْرِ. صَنْعَةُ يَدَيْ نَجَّارٍ بِٱلْقَدُومِ. ٤بِٱلْفِضَّةِ وَٱلذَّهَبِ يُزَيِّنُونَهَا، وَبِٱلْمَسَامِيرِ وَٱلْمَطَارِقِ يُشَدِّدُونَهَا فَلَا تَتَحَرَّكُ. ٥هِيَ كَٱللَّعِينِ فِي مَقْثَأَةٍ فَلَا تَتَكَلَّمُ! تُحْمَلُ حَمْلًا لِأَنَّهَا لَا تَمْشِي! لَا تَخَافُوهَا لِأَنَّهَا لَا تَضُرُّ، وَلَا فِيهَا أَنْ تَصْنَعَ خَيْرًا.
١. لَا تَتَعَلَّمُوا طَرِيقَ ٱلْأُمَمِ: في نهاية إرميا ٩، أوضح الله لشعبه أنهم كانوا شعبًا مثل الشعوب غير المختونة في افتقارهم إلى معرفة الله، وفي سلوكهم الشرير. وهنا يناشدهم الانفصال عن عادات الأمم المخيفة التي لا تعرف الله.
• لَا تَتَعَلَّمُوا طَرِيقَ ٱلْأُمَمِ: “يمكن أن يحمل الفعل ’يتعلم‘ (بالعبرية – تِلْمَدو) Tilmadu أن يحمل إيحاءات صيرورة المرء تلميذًا. ومن هنا، تقول ترجمة: ’لا تكونوا تلاميذ لدين الشعوب.‘” ثومبسون (Thompson)
• “لماذا احتاج هدف سهل جدًّا مثل عبادة الأوثان إلى انتقادات كثيرة في العهد القديم؟ تقدم إرميا ١٠: ٩ أحد الأسباب، وهو الجاذبية البصرية. لكن ربما تتعمق الآية ٢ في الأمر، حيث تشير إلى إغراء مواكبة الأغلبية.” كيدنر (Kidner)
٢. وَمِنْ آيَاتِ ٱلسَّمَاوَاتِ لَا تَرْتَعِبُوا: من خلال ممارسة التنجيم، كان القدماء يميزون العلامات والتحذيرات من السماء القريبة، ويرون أشياء مخيفة في علامات السماء.
• “ليست علامات السماء المشار إليها هنا هي الشمس والقمر والنجوم أو علامات البروج التي قصدها الله لتكون علامات (تكوين ١: ١٤)، بل الظواهر غير المعتادة مثل الكسوف والمذنبات والنيازك، والتي كان من المفترض أنها كانت تنذر بأحداث غير عادية.” فينبيرغ (Feinberg)
٣. لِأَنَّ فَرَائِضَ ٱلْأُمَمِ بَاطِلَةٌ. لِأَنَّهَا شَجَرَةٌ يَقْطَعُونَهَا مِنَ ٱلْوَعْرِ. صَنْعَةُ يَدَيْ نَجَّارٍ بِٱلْقَدُومِ. بِٱلْفِضَّةِ وَٱلذَّهَبِ يُزَيِّنُونَهَا، وَبِٱلْمَسَامِيرِ وَٱلْمَطَارِقِ يُشَدِّدُونَهَا فَلَا تَتَحَرَّكُ: وصف إرميا العادة الوثنية المتمثلة في قطع شجرة ووضعها في مكان خاص وتزيينها وعبادتها. ويحذَّر من عبادة الشجرة بالقول، ’لَا تَخَافُوهَا‘ بمعنى توقير صنم وثني.
• سخر إرميا من عبادة يهوذا الوثنية، ولا سيما في تقليدها للأمم المجاورة في ذلك. وتوجد نصوص أخرى مماثلة تسخر من عبادة الأوثان في إشعياء ٤٠: ١٨-٢٠ و ٤٤: ٩-٢٠). ووصف إرميا التقليد الوثني المتمثل في قطع شجرة، ووضعها في مكان خاص، وتزيينها، وعبادتها. وحذّر من عبادتها قائلًا ’لا تخافوها‘ بمعنى عدم توقيرها. غير أن من الصعب قراءة هذا الوصف وإدانة عادات وثنية قديمة من دون التفكير الفوري في عادة شجرة الميلاد كما تمارس في العالم المسيحي الحديث.
• إذا اقتنع مؤمن بالمسيح، بناء على نص كهذا، بأنه لا ينبغي أن يكون لديه شجرة ميلاد أو أن يحتفل بعيد الميلاد، فإن عليه أن يبقى راسخًا في اقتناعه هذا. ومن المهم أن نتذكر ما كتبه بولس: “وكل ما ليس من الإيمان فهو خطية” (رومية ١٤: ٢٣).
• لكن رغم وجود بعض أوجه الشبه، إلا أن هنالك أسبابًا كثيرة للاعتقاد بأن الاختلافات أكبر بين تزيين هذه الشجرة وشجرة عيد الميلاد، ولا تمنع ممارسة العادة الحديثة لشجرة لعيد الميلاد.
تحدَّث إرميا عن عادات الأمم، بينما في العالم الحديث، يشكل الاحتفال الملائم بعيد الميلاد تعبيرًا عن الإيمان بالله وبابنه، لا عادة غير المؤمنين.
تحدّث إرميا عن اعتبار شجرة وثنًا، بينما ليست شجرة الميلاد (عندما تُفهم على نحو سليم) وثنًا. فإذا عدّتها عائلة ما وثنًا، ينبغي التخلص منها.
تحدّث إرميا عن مؤمنين يستعيرون عادات لغير مؤمنين. وعندما يكون لدى غير مؤمن شجرة ميلاد، فإن هذه حالة استعارة غير مؤمن لعادة للمؤمنين.
تحدّث إرميا إلى زمن في التاريخ كانت فيه الأشجار مرتبطة ارتباطًا مباشرًا بعبادة الأوثان، سواء أكانت أشجارًا فعلية أم تمثيلات لها (إرميا ٢: ٢٧).
٤. لَا تَخَافُوهَا لِأَنَّهَا لَا تَضُرُّ، وَلَا فِيهَا أَنْ تَصْنَعَ خَيْرًا: سخر إرميا بلطف من العبادة الوثنية للأشياء غير الحية مثل الأشجار المزينة. ولا ينبغي تقديم أي توقير خاص لها، حيث إنها عاجزة عن فعل أي شيء، سواء أكان خيرًا أم شرًّا.
• تُترجم العبارة في إرميا ١٠: ٥ ’هِيَ كَٱللَّعِينِ فِي مَقْثَأَةٍ‘ إلى ’مثل فزّاعة في حقل خيار‘ في بعض الترجمات. فالوثن باطل لا قيمة له. ’إنه مثل فزّاعة غير قادرة على التحرك أو الكلام في كومة من الخيار.‘ ثومبسون (Thompson)
ب) الآيات (٦-١٠): عظمة الله على كل الأوثان
٦لَا مِثْلَ لَكَ يَارَبُّ! عَظِيمٌ أَنْتَ، وَعَظِيمٌ ٱسْمُكَ فِي ٱلْجَبَرُوتِ. ٧مَنْ لَا يَخَافُكَ يَا مَلِكَ ٱلشُّعُوبِ؟ لِأَنَّهُ بِكَ يَلِيقُ. لِأَنَّهُ فِي جَمِيعِ حُكَمَاءِ ٱلشُّعُوبِ وَفِي كُلِّ مَمَالِكِهِمْ لَيْسَ مِثْلَكَ. ٨بَلُدُوا وَحَمِقُوا مَعًا. أَدَبُ أَبَاطِيلَ هُوَ ٱلْخَشَبُ. ٩فِضَّةٌ مُطَرَّقَةٌ تُجْلَبُ مِنْ تَرْشِيشَ، وَذَهَبٌ مِنْ أُوفَازَ، صَنْعَةُ صَانِعٍ وَيَدَيْ صَائِغٍ. أَسْمَانْجُونِيٌّ وَأُرْجُوَانٌ لِبَاسُهَا. كُلُّهَا صَنْعَةُ حُكَمَاءَ. ١٠أَمَّا ٱلرَّبُّ ٱلْإِلَهُ فَحَقٌّ. هُوَ إِلَهٌ حَيٌّ وَمَلِكٌ أَبَدِيٌّ. مِنْ سُخْطِهِ تَرْتَعِدُ ٱلْأَرْضُ، وَلَا تَطِيقُ ٱلْأُمَمُ غَضَبَهُ.
١. لَا مِثْلَ لَكَ يَا رَبُّ: الرب، إله عهد إسرائيل، مختلف عن الأوثان الجامدة التي يعبدها الناس. والآلهة الوثنية خاملة وحمقاء.
• أَدَبُ أَبَاطِيلَ هُوَ ٱلْخَشَبُ: “النص الحرفي هو ’الشجرة نفسها تعليم أباطيل.‘ والمعنى هنا هو أن التعليمات أو الإرشادات المأخوذة من الأوثان ليست أكثر قيمة من الأوثان نفسها.” هاريسون (Harrison)
• “كانت ترشيش الحد الغربي للعالم القديم، وربما تكون طرسوس في إسبانيا. وموقع أوفاز مجهول، وقد تكون الكلمة مصطلحًا معدنيًّا يعني ’الذهب المصفّى‘.” هاريسون (Harrison)
٢. كُلُّهَا صَنْعَةُ حُكَمَاءَ. أَمَّا ٱلرَّبُّ ٱلْإِلَهُ فَحَقٌّ: التباين الحتمي بين الرب وأوثان الأمم هو أنها صنعة أيدي الناس، بينما الرب هو خالق تلك الأيدي ذاتها.
• “يصنع البشر أوثانًا، بينما يصنع الرب بشرًا.” مورجان (Morgan)
• أما بالنسبة للأوثان، فلم تُدخر تكلفة في تزيينها – أَسْمَانْجُونِيٌّ وَأُرْجُوَانٌ لِبَاسُهَا. “كانت هذه أثمن الأصباغ، ونادرة جدًّا، وبسعر مرتفع.” كلارك (Clarke)
٣. مِنْ سُخْطِهِ تَرْتَعِدُ ٱلْأَرْضُ، وَلَا تَطِيقُ ٱلْأُمَمُ غَضَبَهُ: لم تكن آلهة الشعوب شيئًا. إذ كانت مجرد إسقاطات من تخيلات البشر الفاسدة. والرب، إله عهد إسرائيل، هو الكائن (الموجود)، والذي يتدخل، ويجلب الدينونة.
ج) الآيات (١١-١٦): مجد الإله الخالق
١١هَكَذَا تَقُولُونَ لَهُمْ: “ٱلْآلِهَةُ ٱلَّتِي لَمْ تَصْنَعِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلْأَرْضَ تَبِيدُ مِنَ ٱلْأَرْضِ وَمِنْ تَحْتِ هَذِهِ ٱلسَّمَاوَاتِ” ١٢صَانِعُ ٱلْأَرْضِ بِقُوَّتِهِ، مُؤَسِّسُ ٱلْمَسْكُونَةِ بِحِكْمَتِهِ، وَبِفَهْمِهِ بَسَطَ ٱلسَّمَاوَاتِ. ١٣إِذَا أَعْطَى قَوْلًا تَكُونُ كَثْرَةُ مِيَاهٍ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، وَيُصْعِدُ ٱلسَّحَابَ مِنْ أَقَاصِي ٱلْأَرْضِ. صَنَعَ بُرُوقًا لِلْمَطَرِ، وَأَخْرَجَ ٱلرِّيحَ مِنْ خَزَائِنِهِ. ١٤بَلُدَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ مَعْرِفَتِهِ. خَزِيَ كُلُّ صَائِغٍ مِنَ ٱلتِّمْثَالِ، لِأَنَّ مَسْبُوكَهُ كَذِبٌ وَلَا رُوحَ فِيهِ. ١٥هِيَ بَاطِلَةٌ صَنْعَةُ ٱلْأَضَالِيلِ. فِي وَقْتِ عِقَابِهَا تَبِيدُ. ١٦لَيْسَ كَهَذِهِ نَصِيبُ يَعْقُوبَ، لِأَنَّهُ مُصَوِّرُ ٱلْجَمِيعِ، وَإِسْرَائِيلُ قَضِيبُ مِيرَاثِهِ. رَبُّ ٱلْجُنُودِ ٱسْمُهُ.”
١. ٱلْآلِهَةُ ٱلَّتِي لَمْ تَصْنَعِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلْأَرْضَ تَبِيدُ مِنَ ٱلْأَرْضِ: في سياق المقابلة بين الرب والأوثان، يعلن الله هلاك الآلهة االوثنية.
• ربما كانت إرميا ١٠: ١١ قولًا شعبيًّا أو مأثورًا ضد عبادة الأوثان، أو قولًا مقتبسًا من الآرامية، وهي لغة قريبة جدًّا من العبرية. وهذه هي الآية الوحيدة في سفر إرميا باللغة الآرامية. “لأن هذه الآية مكتوبة بالآرامية، فإن عددًا من المفسرين يرفضونها على أنها إضافة للتلميع. لكنها موجودة في كل النسخ والترجمات. وفضلًا عن ذلك، فإنها تناسب السياق بشكل رائع. ولم يشرح أحد ما الذي يدفع أي شخص إلى إقحام هذه الآية هنا. لقد كان قولًا يُضرب به المثل، ولهذا قُدِّم بلغة الشعب.” فينبيرغ (Feinberg)
٢. صَانِعُ ٱلْأَرْضِ بِقُوَّتِهِ: الرب، بالمقابلة مع الآلهة الوثنية، إله حي نشط صنع الأرض، وأسّس الكون، وبسط السموات.
• أعلن الله أن الامتحان بين الرب والأوثان هو امتحان خلق.” مورجان (Morgan)
• “إن كلمات النبي الأخيرة حول الأوثان هي أنها ليست باطلة (تافهة) فحسب، بل إنها صنعة استهزاء أيضًا، وهي لهذا لا تستحق إلا الاستهزاء.” فينبيرغ (Feinberg)
٣. بَلُدَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ مَعْرِفَتِهِ: يتناول إرميا السلوك الأحمق للذين يصنعون الأوثان ويعبدونها. وهنالك أوثان كثيرة استُخرجت من عمليات الحفريات الأثرية غير جميلة على الإطلاق. ومن المؤكد أنها بَاطِلَةٌ صَنْعَةُ ٱلْأَضَالِيلِ.
٤. لَيْسَ كَهَذِهِ نَصِيبُ يَعْقُوبَ: الرب مختلف عن الأوثان المعبودة من الأمم. فهو الخالق. وقد اختار إسرائيل شعب ميراث له. وهو إله الجيوش السماوية (رَبُّ ٱلْجُنُودِ ٱسْمُهُ).
• نَصِيبُ يَعْقُوبَ: الفكرة هي أن الرب، بمعنى ما، يخص شعب إسرائيل. “ويشير ’نصيب‘ شخص إلى مقتنىً يخصه.” ثومبسون (Thompson)
د ) الآيات (١٧-١٨): تنبيه للهروب بسرعة من الغزاة
١٧اِجْمَعِي مِنَ ٱلْأَرْضِ حُزَمَكِ أَيَّتُهَا ٱلسَّاكِنَةُ فِي ٱلْحِصَارِ. ١٨لِأَنَّهُ هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: “هَأَنَذَا رَامٍ مِنْ مِقْلَاعٍ سُكَّانَ ٱلْأَرْضِ هَذِهِ ٱلْمَرَّةَ، وَأُضَيِّقُ عَلَيْهِمْ لِكَيْ يَشْعُرُوا.”
١. اِجْمَعِي مِنَ ٱلْأَرْضِ حُزَمَكِ: رأى إرميا نبويًّا الجيش البابلي الغازي آتيًا كأداة دينونة، ونبّه شعب الأرض إلى الاستعداد بسرعة.
٢. هَأَنَذَا رَامٍ مِنْ مِقْلَاعٍ سُكَّانَ ٱلْأَرْضِ: رغم أن أية استعدادات متعجلة يمكن أن يقوموا بها، إلا أنه لن يتمكن أحد منهم أن يقف أمام دينونة الله على يهوذا. إذ سيُطردون من الأرض.
• هَأَنَذَا رَامٍ: “هذه صورة حية تدل على طردهم بالمقلاع. إذ سيطرد الله يهوذا من الأرض بهذه السرعة، وبهذه القسوة، وإلى هذه المسافة البعيدة. “سأقذف بهم بسرعة، وسأقذف بهم إلى بابل. وذات يوم سيقذف الله كل أشرار الأرض إلى الجحيم.” تراب (Trapp)
• “تتضمن كلمة ’رامٍ‘ في هذه الآية صورة حية، وهي تُستخدم للقذف بالمقلاع. ويصور الرب نفسه على أنه هو الذي يطرد سكان يهوذا.” ثومبسون (Thompson)
• “وكما تبيّن، انتشر الدمار على نطاق واسع بعد الغزو الثاني لنبوخذنصر في عام ٥٨٧ ق. م. وقد أظهرت التحقيقات الأثرية صورة موحّدة لما حدث. فقد دُمرت بلدات كثيرة في بداية القرن السادس ولم تُسكن ثانية. ولم توجد حالة لبلدة في يهوذا كانت مأهولة باستمرار على مدى فترة الغزو البابلي.” ثومبسون (Thompson)
ثانيًا. صلاة إرميا
أ ) الآيات (١٩-٢٠): صلاة على لسان الذين تحت الغزو البابلي
١٩وَيْلٌ لِي مِنْ أَجْلِ سَحْقِي! ضَرْبَتِي عَدِيمَةُ ٱلشِّفَاءِ! فَقُلْتُ: «إِنَّمَا هَذِهِ مُصِيبَةٌ فَأَحْتَمِلُهَا». ٢٠خَيْمَتِي خَرِبَتْ، وَكُلُّ أَطْنَابِي قُطِعَتْ. بَنِيَّ خَرَجُوا عَنِّي وَلَيْسُوا. لَيْسَ مَنْ يَبْسُطُ بَعْدُ خَيْمَتِي وَيُقِيمُ شُقَقِي.
١. وَيْلٌ لِي مِنْ أَجْلِ سَحْقِي: صلى إرميا على لسان شخص عانى من الغزو البابلي القادم. والصلاة ممتلئة بالألم والكرب.
٢. خَيْمَتِي خَرِبَتْ، وَكُلُّ أَطْنَابِي قُطِعَتْ. بَنِيَّ خَرَجُوا عَنِّي وَلَيْسُوا: يصوّر إرميا اليأس والصدمة والإحساس بالوحدة لدى الذين سيحتملون وقت الدينونة القاسي.
• “شخَّص أورشليم على أنها أم تسكن في خيمة محرومة من أبنائها.” كوندال (Cundall)
ب) الآيات (٢١-٢٢): الضيق الذي يأتي من الرعاة البلداء
٢١لِأَنَّ ٱلرُّعَاةَ بَلُدُوا وَٱلرَّبَّ لَمْ يَطْلُبُوا. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لَمْ يَنْجَحُوا، وَكُلُّ رَعِيَّتِهِمْ تَبَدَّدَتْ. ٢٢هُوَذَا صَوْتُ خَبَرٍ جَاءَ، وَٱضْطِرَابٌ عَظِيمٌ مِنْ أَرْضِ ٱلشِّمَالِ لِجَعْلِ مُدُنِ يَهُوذَا خَرَابًا، مَأْوَى بَنَاتِ آوَى.
١. لِأَنَّ ٱلرُّعَاةَ بَلُدُوا وَٱلرَّبَّ لَمْ يَطْلُبُوا: عند التفكير في يأس يهوذا تحت الغزو البابلي، تأمّل إرميا جزءًا مهمًّا من القضية، وهو أن قادة يهوذا – الروحيين والسياسيين على حد سواء – لم يطلبوا الرب.
• “لم يكن لدى الأنبياء والكهنة الفاسدين الذين أغووا الشعب بعيدًا عن الحق ضمير للصلاة. ولهذا ذهب الجميع إلى الدمار والخراب.” تراب (Trapp)
٢. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لَمْ يَنْجَحُوا، وَكُلُّ رَعِيَّتِهِمْ تَبَدَّدَتْ: عنت عدم أمانة الرعاة ضيقًا لهم وللشعب الذين كانوا من المفترض أن يقودوهم بأمانة. فلن ينتفع أحد من بلادة قلوبهم وانفصالهم عن الرب.
• “يتوجب أن نتجنب التعميم على نطاق واسع جدًّا. لكن، بشكل عام، لا جدال أن الرعية المتضائلة، والقضية المتراجعة تشيران إلى الافتقار إلى الصلاة من جهة الأعضاء، لكن من المؤكد تقريبًا من جهة الراعي نفسه.” ماير (Meyer)
ج) الآيات (٢٣-٢٥): مناشدة متواضعة لله أن يجازي الجيش الغازي
٢٣عَرَفْتُ يَا رَبُّ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ طَرِيقُهُ. لَيْسَ لِإِنْسَانٍ يَمْشِي أَنْ يَهْدِيَ خَطَوَاتِهِ. ٢٤أَدِّبْنِي يَا رَبُّ وَلَكِنْ بِٱلْحَقِّ، لَا بِغَضَبِكَ لِئَلَّا تُفْنِيَنِي. ٢٥اُسْكُبْ غَضَبَكَ عَلَى ٱلْأُمَمِ ٱلَّتِي لَمْ تَعْرِفْكَ، وَعَلَى ٱلْعَشَائِرِ ٱلَّتِي لَمْ تَدْعُ بِٱسْمِكَ. لِأَنَّهُمْ أَكَلُوا يَعْقُوبَ. أَكَلُوهُ وَأَفْنَوْهُ وَأَخْرَبُوا مَسْكَنَهُ.
١. عَرَفْتُ يَا رَبُّ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ طَرِيقُهُ. لَيْسَ لِإِنْسَانٍ يَمْشِي أَنْ يَهْدِيَ خَطَوَاتِهِ: عندما تأمّل إرميا الدينونة العظيمة القادمة على يهوذا من خلال الغزاة البابليين، وضع في اعتباره أيضًا أن الله أرسلهم. فلم يفكروا في هذا بمنأى عن الله. فالله سيوجه خطواتهم.
• يربط مورجان هذا أيضًا بالمناقشة السابقة حول عبادة الأوثان. “الأوثان التي يصنعها البشر هي دائمًا محاولات لتصوير – من وعيهم الداخلي – آلهة يمكن أن يطيعوها. وبعبارة أخرى، فإن صنع الأوثان محاولة من الإنسان لتوجيه خطواته.” مورجان (Morgan)
• “قد يبدو أن الإنسان يتحكم في تقدمه، لكن الحقيقة هي أن الإنسان الذي أفسدته الخطية غير قادر على تحقيق مصيره الحقيقي. فهو بأمَسِّ الحاجة إلى الله، كما أدرك الرجل الحكيم.” كوندال (Cundall)
• “كانت هذه تعزية إرميا: “لا أعرف ما قد يفعله نبوخذنصّر، لكني أعرف أن طريق الإنسان ليس في نفسه. ولَيْسَ لِإِنْسَانٍ يَمْشِي أَنْ يَهْدِيَ خَطَوَاتِهِ. وأنا أعلم في مقاصد الله الأبدية أن كل خطوة من طريق يهوذا مرسومة. وسيجعل الله هذا يعمل من أجل مجده ولخير شعبه المختار في نهاية الأمر.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. أَدِّبْنِي يَا رَبُّ وَلَكِنْ بِٱلْحَقِّ، لَا بِغَضَبِكَ لِئَلَّا تُفْنِيَنِي: عرف إرميا أن الدينونة العظيمة القادمة موجهة من الله، ولهذا ناشد الله الرحمة. وقد عرف أنه لا بد أن تقوَّم يهوذا. لكنه طلب من الله أن يُظهر رحمة فلا يقضي على شعبه.
٣. اُسْكُبْ غَضَبَكَ عَلَى ٱلْأُمَمِ ٱلَّتِي لَمْ تَعْرِفْكَ: عندما وضع في اعتباره أن الله سيستخدم البابليين كأداة لتأديب يهوذا، طلب من الله أن يدينهم أيضًا.
• “لذلك يطلب من الله أن يضرب أعداءه بدلًا من أبنائه. وبناءً على ما نعرفه عن البابليين، فإننا لا نتعجب من أن يرفع إرميا صلاة كهذه.” سبيرجن (Spurgeon)
• “لقد تَحَقق هذا في الكلدانيين (البابليين). فقد عوقب نبوخذنصّر بالجنون، وقُتل ابنه في عربداته، وأخذ كورش مدينتهم ونهبها. ودُمِّرت الإمبراطورية البابلية في نهاية الأمر.” كلارك (Clarke)