سفر إرميا – الإصحاح ٥٠
كلمة دينونة على بابل
“من الملاحظ أنه لا بصيص رجاء لبابل. إنها تلك القوة في طبيعتها مادية لبعض الوقت، وروحية دائمًا، والتي تمّ تصوُّرها على أنها محاولة لجعل الإنسان عظيمًا بإحباطه للقصد الإلهي. وهلاكها لا يمكن الرجوع عنه لا في العهد القديم ولا في العهد الجديد.” مورجان (Morgan)
أولًا. بابل تُقهَر، وإسرائيل ويهوذا تُسترَدّان
أ ) الآيات (١-٣): قهر بابل وإذلال أوثانها
١ٱلْكَلِمَةُ ٱلَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا ٱلرَّبُّ عَنْ بَابِلَ وَعَنْ أَرْضِ ٱلْكَلْدَانِيِّينَ عَلَى يَدِ إِرْمِيَا ٱلنَّبِيِّ. ٢أَخْبِرُوا فِي ٱلشُّعُوبِ، وَأَسْمِعُوا وَٱرْفَعُوا رَايَةً. أَسْمِعُوا لَا تُخْفُوا. قُولُوا: أُخِذَتْ بَابِلُ. خَزِيَ بِيلُ. ٱنْسَحَقَ مَرُودَخُ. خَزِيَتْ أَوْثَانُهَا. ٱنْسَحَقَتْ أَصْنَامُهَا. ٣لِأَنَّهُ قَدْ طَلَعَتْ عَلَيْهَا أُمَّةٌ مِنَ ٱلشِّمَالِ هِيَ تَجْعَلُ أَرْضَهَا خَرِبَةً فَلَا يَكُونُ فِيهَا سَاكِنٌ. مِنْ إِنْسَانٍ إِلَى حَيَوَانٍ هَرَبُوا وَذَهَبُوا.
١. عَنْ بَابِلَ وَعَنْ أَرْضِ ٱلْكَلْدَانِيِّينَ: كانت المنطقة الأكبر معروفة باسم أرض الكلدان، وكانت المدينة الرئيسية العظيمة في تلك المنطقة هي بابل. فكانت هذه كلمة دينونة على إمبراطورية استخدمها الله لجلب دينونته على يهوذا في زمن إرميا.
٢. أَخْبِرُوا فِي ٱلشُّعُوبِ: كان للإمبراطورية البابلية تأثير في الشعوب المجاورة، ولهذا كانت محتاجة إلى سماع كلمة الله على لسان النبي إرميا.
٣. أُخِذَتْ بَابِلُ. خَزِيَ بِيلُ: ستُغزى المدينة، وستُذَل الأوثان التي وضعوا ثقتهم فيها، وعلى الأخص بيل ومردوخ. وسيُكسَر هذان مع مدينتهما بمجيء دينونة الله.
• “كان بيل (’سيد‘ أو ’رب‘) لقب إله العاصفة، إنليل. وعندما صار مردوخ رئيسًا لمجمع الآلهة البابلية في الألفية الثانية ق. م. حصل على تسمية ’بيل‘ أيضًا.” هاريسون (Harrison)
• خَزِيَتْ أَوْثَانُهَا: الكلمة المترجمة إلى أوثان غير عادية. “ليس هذا هو التعبير العبري المعتاد للأوثان الذي يظهر سابقًا في الآية. ويُدرج فهرس يونغ الأبجدي عشر كلمات عبرية مختلفة تدل على الأوثان، لكنه لم يذكر هذا الاسم قيد المناقشة. وتُستخدم كلمة Gillal مرات كثيرة في العهد القديم في صيغة الجمع دائمًا. وهي تشير إلى “قِطَع أخشاب” أو “كُتل”، أي أشياء لا شكل لها. وقد ترجمها إيوالد، كما فعل علماء اليهود قبله، إلى “أشياء رثّة” أو ’أشياء قذرة.‘” فينبيرغ (Feinberg)
• “كلمة Gillulim غير محتشمة، وهي تعني ’كُرات من البراز.‘ وهي تطبق على أوثان الأمم في لاويين ٢٦: ٣٠؛ تثنية ٢٩: ١٧؛ ١ ملوك ١٥: ١٢؛ ٢١: ٢٥؛ إلخ. واستخدم حزقيال هذه الكلمة حوالي ٣٨ مرة.” ثومبسون (Thompson)
٤. لِأَنَّهُ قَدْ طَلَعَتْ عَلَيْهَا أُمَّةٌ مِنَ ٱلشِّمَالِ: استخدم الله بابل لجلب الدينونة على يهوذا وشعوب أخرى. وعندما يحين وقت الله، سيستخدم أمة من الشمال لتدين الكلدانيين وتجعل أرضهم خربة.
• مِنَ ٱلشِّمَالِ: “كان الماديون الذين شكلوا الجزء الرئيسي من جيش كورش يسكنون إلى الشمال أو الشمال الشرقي من بابل.” كلارك (Clarke)
ب) الآيات (٤-٥): استرداد إسرائيل ويهوذا
٤فِي تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ وَفِي ذَلِكَ ٱلزَّمَانِ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، يَأْتِي بَنُو إِسْرَائِيلَ هُمْ وَبَنُو يَهُوذَا مَعًا. يَسِيرُونَ سَيْرًا، وَيَبْكُونَ وَيَطْلُبُونَ ٱلرَّبَّ إِلَهَهُمْ. ٥يَسْأَلُونَ عَنْ طَرِيقِ صِهْيَوْنَ، وَوُجُوهُهُمْ إِلَى هُنَاكَ، قَائِلِينَ: هَلُمَّ فَنَلْصَقُ بِٱلرَّبِّ بِعَهْدٍ أَبَدِيٍّ لَا يُنْسَى.
١. فِي تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ وَفِي ذَلِكَ ٱلزَّمَانِ: ربط إرميا الدينونة القادمة على بابل باسترداد إسرائيل ويهوذا. إذ سيعود شعبها بتوبة (يَبْكُونَ باستمرار) وَيَطْلُبُونَ ٱلرَّبَّ إِلَهَهُمْ).
• من الواضح أن استرداد إسرائيل جانب من خطة الله للأيام الأخيرة (متى ٢٣: ٣٩؛ رومية ١١: ٢٦). ودينونة بابل جانب من جوانب الأيام الأخيرة أيضًا (رؤيا (١٧-١٨). وقد تحقق كل من دينونة بابل واسترداد إسرائيل تقريبًا. وسيكتمل التحقيق النهائي في الأيام الأخيرة.
• يَسِيرُونَ سَيْرًا، وَيَبْكُونَ: تدل العبارة ’وَيَبْكُونَ (باستمرار)‘ عن عمق توبة إسرائيل في الأيام الأخيرة. وهي توبة تتحدث عنها أيضًا زكريا ١٢: ١٠. “نلاحظ مرة أخرى أن المسبيين عند رجوعهم كانوا في حالة ندب أثناء مسيرتهم. لاحِظ الكلمات: يَسِيرُونَ سَيْرًا، وَيَبْكُونَ. ربما اعتقدنا أنه عندما بدأوا بالسير إلى إلههم، انفجر نور عظيم عليهم حتى يتوقفوا عن البكاء. لكنهم استمروا يسيرون ويسيرون ويبكون.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. يَسْأَلُونَ عَنْ طَرِيقِ صِهْيَوْنَ، وَوُجُوهُهُمْ إِلَى هُنَاكَ: سيكون جزء من الاسترداد لمّ شمل إسرائيل ويهوذا معًا ثانية في الأرض الموعودة لهم بصفتهم نسل عهد إبراهيم وإسحاق ويعقوب.
٣. هَلُمَّ فَنَلْصَقُ بِٱلرَّبِّ بِعَهْدٍ أَبَدِيٍّ لَا يُنْسَى: سيرجعون إلى الله حسب شروطه، شروط العهد. وهذه وعود مرتبطة بالعهد الجديد (إرميا ٣١: ٣١-٣٤؛ حزقيال ١١: ١٦-٢٠؛ ٣٦: ٢٤-٢٨).
• يذكّر هذا الأمر المؤمن بأن علاقتنا بالله ترتكز على شيء يقوم على أساس عظيم، وهو عهد دائم. وتتضمن عبرانيين ٨: ٧-١٣ وصفًا قويًّا لهذا العهد العظيم، حيث يُعطى لنا خير الله ورعايته على أساس العهد.
• “أنا أبتهج بهذه الكتب الإسكتلندية القديمة حول العهد. إذ كانت حقيقة العهد مغروسة بقوة في القلب الإسكتلندي حتى إن الفلاحين، إضافة إلى رجال الدين، كانوا يتحدثون عنه على الدوام. ولعلك تتذكر صلاة الشكر التي كانت ترفعها امرأة تسكن كوخًا على العصيدة. لا أستطيع أن أكرر كلماتها على نحو دقيق في لهجتها المحلية، لكنها كانت على النحو التالي: “أشكرك، يا رب، على العصيدة. وأشكرك لأنك أعطيتني شهية لها. لكني أشكرك أكثر من أي شيء آخر على أن لديّ حقًّا عهديًّا في العصيدة.” فكِّروا في الأمر فقط – حقًّا عهديًّا في العصيدة.” سبيرجن (Spurgeon)
ج) الآيات (٦-٧): الحاجة إلى الاسترداد
٦كَانَ شَعْبِي خِرَافًا ضَالَّةً، قَدْ أَضَلَّتْهُمْ رُعَاتُهُمْ. عَلَى ٱلْجِبَالِ أَتَاهُوهُمْ. سَارُوا مِنْ جَبَلٍ إِلَى أَكَمَةٍ. نَسُوا مَرْبَضَهُمْ. ٧كُلُّ ٱلَّذِينَ وَجَدُوهُمْ أَكَلُوهُمْ، وَقَالَ مُبْغِضُوهُمْ: لَا نُذْنِبُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ أَخْطَأُوا إِلَى ٱلرَّبِّ، مَسْكِنِ ٱلْبِرِّ وَرَجَاءِ آبَائِهِمِ ٱلرَّبِّ.
١. كَانَ شَعْبِي خِرَافًا ضَالَّةً: تحدث الله على لسان النبي إرميا بحنان عن شعبه كخراف ضالة خانها رعاتها. وقد أدت القيادة السيئة لهؤلاء الرعاة إلى ابتعاد شعبه وتشتيتهم من جبل إلى جبل، ومن تل إلى تل، من دون مكان للراحة.
٢. لَا نُذْنِبُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ أَخْطَأُوا إِلَى ٱلرَّبِّ: لقد التهمهم أعداؤهم، مدّعين أنهم مبررون في فعل ذلك لأنهم كانوا مجرد أدوات لدينونة الله. ومع أن يهوذا وإسرائيل أخطأوا واستحقوا الدينونة، إلا أن هذا لم يبرر الذين استخدمهم الله لجلب هذه الدينونة.
ثانيًا. سقوط بابل، وصفْح عن إسرائيل
أ ) الآيات (٨-١٠): الهروب من بابل تحت الهجوم
٨اُهْرُبُوا مِنْ وَسْطِ بَابِلَ وَٱخْرُجُوا مِنْ أَرْضِ ٱلْكَلْدَانِيِّينَ، وَكُونُوا مِثْلَ كَرَارِيِزَ أَمَامَ ٱلْغَنَمِ. ٩لِأَنِّي هَأَنَذَا أُوقِظُ وَأُصْعِدُ عَلَى بَابِلَ جُمْهُورَ شُعُوبٍ عَظِيمَةٍ مِنْ أَرْضِ ٱلشِّمَالِ، فَيَصْطَفُّونَ عَلَيْهَا. مِنْ هُنَاكَ تُؤْخَذُ. نِبَالُهُمْ كَبَطَلٍ مُهْلِكٍ لَا يَرْجِعُ فَارِغًا. ١٠وَتَكُونُ أَرْضُ ٱلْكَلْدَانِيِّينَ غَنِيمَةً. كُلُّ مُغْتَنِمِيهَا يَشْبَعُونَ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ.
١. اُهْرُبُوا مِنْ وَسْطِ بَابِلَ: طلب الله من الكلدانيين المقدَّر لهم بالهلاك أن يهربوا من أرضهم. إذ سيحشد الله جيشًا كبيرًا من بلد من الشمال لمهاجمة بابل واحتلالها.
• مِثْلَ كَرَارِيِزَ (كباش) أَمَامَ ٱلْغَنَمِ: “بمجرد فتح حظيرة الغنم، كانت الكباش تندفع لمغادرة الحظيرة أولًا. ولذلك ستكون يهوذا في طليعة الشعوب المسبية التي ستنفلت من بابل لتعود إلى ديارها.” ثومبسون (Thompson)
• جُمْهُورَ شُعُوبٍ عَظِيمَةٍ مِنْ أَرْضِ ٱلشِّمَالِ: “تألف جيش كورش من عناصر من الماديين والفُرس والأرمن والكادوشيين والساكا، إلخ. ورغم أنهم لم يأتوا جميعًا من الشمال، إلا أنه قد تمّ ترتيبهم تحت إشراف الماديين الذين أتوا من الشمال، في إشارة إلى بابل.” كلارك (Clarke)
٢. وَتَكُونُ أَرْضُ ٱلْكَلْدَانِيِّينَ غَنِيمَةً: سيأخذ الجيش العظيم الذي سيهاجم بابل ثرواتها وعظمتها. وقد تحقق هذا عندما غزا الفُرس بابل. وسيتحقق بشكل أوفى في سقوط بابل في آخر الزمان (رؤيا ١٧-١٨).
ب) الآيات (١١-١٦): سقوط بابل هو انتقام الرب.
١١لِأَنَّكُمْ قَدْ فَرِحْتُمْ وَشَمِتُّمْ يَا نَاهِبِي مِيرَاثِي، وَقَفَزْتُمْ كَعِجْلَةٍ فِي ٱلْكَلَإِ، وَصَهَلْتُمْ كَخَيْلٍ، ١٢تَخْزَى أُمُّكُمْ جِدًّا. تَخْجَلُ ٱلَّتِي وَلَدَتْكُمْ. هَا آخِرَةُ ٱلشُّعُوبِ بَرِّيَّةٌ وَأَرْضٌ نَاشِفَةٌ وَقَفْرٌ. ١٣بِسَبَبِ سَخَطِ ٱلرَّبِّ لَا تُسْكَنُ، بَلْ تَصِيرُ خَرِبَةً بِٱلتَّمَامِ. كُلُّ مَارٍّ بِبَابِلَ يَتَعَجَّبُ وَيَصْفِرُ بِسَبَبِ كُلِّ ضَرَبَاتِهَا. ١٤اِصْطَفُّوا عَلَى بَابِلَ حَوَالَيْهَا يَا جَمِيعَ ٱلَّذِينَ يَنْزِعُونَ فِي ٱلْقَوْسِ. ٱرْمُوا عَلَيْهَا. لَا تُوَفِّرُوا ٱلسِّهَامَ لِأَنَّهَا قَدْ أَخْطَأَتْ إِلَى ٱلرَّبِّ. ١٥ٱهْتِفُوا عَلَيْهَا حَوَالَيْهَا. قَدْ أَعْطَتْ يَدَهَا. سَقَطَتْ أُسُسُهَا. نُقِضَتْ أَسْوَارُهَا. لِأَنَّهَا نَقْمَةُ ٱلرَّبِّ هِيَ، فَٱنْقِمُوا مِنْهَا. كَمَا فَعَلَتِ ٱفْعَلُوا بِهَا. ١٦ٱقْطَعُوا ٱلزَّارِعَ مِنْ بَابِلَ، وَمَاسِكَ ٱلْمِنْجَلِ فِي وَقْتِ ٱلْحَصَادِ. مِنْ وَجْهِ ٱلسَّيْفِ ٱلْقَاسِي يَرْجِعُونَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى شَعْبِهِ، وَيَهْرُبُونَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى أَرْضِهِ.
١. لِأَنَّكُمْ قَدْ فَرِحْتُمْ وَشَمِتُّمْ يَا نَاهِبِي مِيرَاثِي: وعد الله بابل بهذه الدينونة لأنها فرحت من دون حق بكونها أداة دينونة الرب على شعبه. وفضلًا عن ذلك، كانوا جاهزين للدينونة بسبب تكبُّرهم ورضاهم عن أنفسهم (كَعِجْلَةٍ فِي ٱلْكَلَإِ).
• بَرِّيَّةٌ وَأَرْضٌ نَاشِفَةٌ وَقَفْرٌ: “جاء انحطاطها في نهاية المطاف إلى كومة من الدمار (إرميا ٥١: ٣٧)، وبرية وأرض ناشفة وقفر (إرميا ٥٠: ١٢ب) بشكل تدرُّجي. ويرجع هذا إلى حد كبير إلى بناء عاصمة جديدة، وهي سلوقية، على نهر دجلة عام ٢٧٥ ق. م. لكن كان ما زال فيها سكان في القرن الأول للميلاد.” كيدنر (Kidner)
٢. كُلُّ مَارٍّ بِبَابِلَ يَتَعَجَّبُ: ستُذهل الدينونة القادمة على بابل الشعوب التي ستكون وكلاء على دينونة الله (لِأَنَّهَا نَقْمَةُ ٱلرَّبِّ هِيَ). وسيحل بالكلدانيين نفس الدمار الذي ألحقوه بغيرهم (كَمَا فَعَلَتِ ٱفْعَلُوا بِهَا).
• “ستنزل بابل القوية إلى مكانة ثانوية في الشرق الأدنى عندما يعاقبها الله. ومرة أخرى، سيشهق المارة دهشة لمرآها.” هاريسون (Harrison)
٣. سَقَطَتْ أُسُسُهَا. نُقِضَتْ أَسْوَارُهَا: تمثل هذه العبارات (وعبارات مماثلة في إرميا ٥٠-٥١) تحديًا مثيرًا للاهتمام في فهم تحقيق النبوة. فلم يمض وقت طويل على إطلاق نبوة إرميا هذه حتى تم غزو بابل، لكن لم يتم تدميرها. فالأساسات لم تسقط، والأسوار لم تُنقَض.
• “”كان كورش الذي وحّد الإمبراطورية المادية – الفارسية، ثم غزا بابل، حريصًا على تجنيبها الدمار. ولهذا، لا بد أن الإشارات إلى الدمار (إرميا ٥٠: ١٦) تشير إلى هجوم لاحق.” فينبيرغ (Feinberg)
• “يقول هيرودوتس (١.١٩١) إن كورش استولى على بابل بتحويل مجرى نهر الفرات إلى خندق. وهاجم الفُرس بابل بشكل غير متوقع لدرجة أنه عندما تم الاستيلاء على المناطق الخارجية من المدينة، لم يدرك الموجودون في الوسط أنه تم الاستيلاء عليها.” فينبيرغ (Feinberg)
• إن أحد العوامل المهمة التي يجب أخذها في الاعتبار هو أن نبوخذنصّر، ملك بابل، تاب توبة جذرية أمام الله. ويحتمل أن أسوأ ما تم التنبُّؤ به لم يحدث لأن الله استجاب لتوبته برحمة. “من المحتمل على الأقل أن إذلال نبوخذنصر وتواضعه، والذي بلغ ذروته في شهادته في دانيال ٤: ٣٤-٣٧، فتح الباب للرحمة عام ٥٣٩ ق. م. لأنه من الواضح أن استجابة الله الكريمة لآخاب، أو منسّى، أو مدينة نينوى، هي أنه يقابل تغيير موقف البشر في منتصف الطريق.” كيدنر (Kidner)
• هنالك عامل آخر ينبغي وضعه في الاعتبار، وهو أن الله لم ينتهِ من دينونته على بابل، المدينة الثانية الأكثر ذِكرًا في الكتاب المقدس. لم تُدن بابل بعيدًا عن زمن إرميا، لكن حتى هذه الدينونة أشارت إلى تحقيق أعظم في أواخر الأيام. لقد تحقق سقوط بابل الذي تنبّأ به إرميا جزئيًّا عندما غزا الماديون والفرس بابل القديمة. ومع ذلك، فإن صلة بابل برؤيا ١٨: ٢، ’سَقَطَتْ! سَقَطَتْ بَابِلُ ٱلْعَظِيمَةُ،‘ تبيّن أن هنالك سقوطًا نهائيًّا لبابل مستقبلًا.
• “لقد أزعج ذِكر الإصحاحين ٥٠ و٥١ من إرميا لدمار عنيف لبابل المفسرين، في حين أن الهزيمة التي مُنيت بها على يد كورش عام ٥٣٩ ق. م. تمت من دون معركة، ومن دون إلحاق أضرار بالمدينة. لكن مع نبوات توقعية أخرى، إن لم يحدث تحقيق ما في فترة واحدة، ينبغي البحث عنه في مستقبل آخر.” فينبيرغ (Feinberg)
• في واقع الأمر، فإن هذا التحدي التفسيري هو شهادة قوية لصحة نبوة إرميا. “يواجه أولئك الباحثون المنتقدون الذين يرفضون إمكانية التنبؤ بالمستقبل، والذين يزعمون أن هذين الإصحاحين كتُبا بعد سقوط بابل عام ٥٣٩ ق. م. مشكلة لا يمكن التغلب عنها. فإذا كُتبت هذه الكلمات بعد الحدث، فمن المؤكد أنها ستتوافق مع الأحداث نفسها بشكل أكثر دقة.” كندال (Cundall)
ج) الآيات (١٧-٢٠): الله يصفح عن إسرائيل ويحفظها.
١٧إِسْرَائِيلُ غَنَمٌ مُتَبَدِّدَةٌ. قَدْ طَرَدَتْهُ ٱلسِّبَاعُ. أَوَّلًا أَكَلَهُ مَلِكُ أَشُّورَ، ثُمَّ هَذَا ٱلْأَخِيرُ، نَبُوخَذْرَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ هَرَسَ عِظَامَهُ. ١٨لِذَلِكَ هَكَذَا قَالَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: هَأَنَذَا أُعَاقِبُ مَلِكَ بَابِلَ وَأَرْضَهُ كَمَا عَاقَبْتُ مَلِكَ أَشُّورَ. ١٩وَأَرُدُّ إِسْرَائِيلَ إِلَى مَسْكَنِهِ، فَيَرْعَى كَرْمَلَ وَبَاشَانَ، وَفِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ وَجِلْعَادَ تَشْبَعُ نَفْسُهُ. ٢٠فِي تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ وَفِي ذَلِكَ ٱلزَّمَانِ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، يُطْلَبُ إِثْمُ إِسْرَائِيلَ فَلَا يَكُونُ، وَخَطِيَّةُ يَهُوذَا فَلَا تُوجَدُ، لِأَنِّي أَغْفِرُ لِمَنْ أُبْقِيهِ.
١. إِسْرَائِيلُ غَنَمٌ مُتَبَدِّدَةٌ. قَدْ طَرَدَتْهُ ٱلسِّبَاعُ: في مرحلة سابقة من هذه النبوة، تحدَّث إرميا عن إسرائيل كخراف ضالة (إرميا ٥٠: ٦). وهو الآن يراها خرافًا بدّدتها أسود أشور وبابل الأقوياء.
• نَبُوخَذْرَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ هَرَسَ عِظَامَهُ: لقد تعرّض كل نسل يعقوب للتحرش والإفساد، أولًا من قبل الأشوريين، ثم من الكلدانيين. وتصرفوا معهم كما يتصرف أسد مع خروف، حيث يُمسك به، ثم يؤكل لحمه كله، ثم تُهرَس عظامه لاستخراج النخاع.” كلارك (Clarke)
٢. هَأَنَذَا أُعَاقِبُ مَلِكَ بَابِلَ وَأَرْضَهُ كَمَا عَاقَبْتُ مَلِكَ أَشُّورَ: وعد الله بأنه كما زالت الإمبراطورية الأشورية، كذلك ستزول الإمبراطورية البابلية ذات يوم عندما تعاقَب.
٣. وَأَرُدُّ إِسْرَائِيلَ إِلَى مَسْكَنِهِ: على نقيض الإمبراطوريتين الزائلتين، أشور وبابل، سيرُد الله إسرائيل إلى أرضها، فتعيش على خير أرضها، فَيَرْعَى كَرْمَلَ وَبَاشَانَ، وَفِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ وَجِلْعَادَ تَشْبَعُ نَفْسُهُ.
٤. يُطْلَبُ إِثْمُ إِسْرَائِيلَ فَلَا يَكُونُ: هذا الوعد الرائع وعد آخر من الوعود العظيمة للعهد الجديد. إذ يتمثل جانب آخر منه في استرداد إسرائيل وخلاصها. وقد وعد الله بالصفح عن إسرائيل والحفاظ عليها.
• لِأَنِّي أَغْفِرُ لِمَنْ أُبْقِيهِ: إن واحدة من أهم سمات أيام الاسترداد هي التجديد الروحي، مع ما يصاحبه من غفران… وسيكون غفران البقية شاملًا بحيث يُمحى ذنبهم وخطاياهم بشكل كامل.” ثومبسون (Thompson)
ثالثًا. كسْر بابل وافتداء إسرائيل
أ ) الآيات (٢١-٢٧): ذبْح بابل
٢١اِصْعَدْ عَلَى أَرْضِ مِرَاثَايِمَ. عَلَيْهَا وَعَلَى سُكَّانِ فَقُودَ. ٱخْرِبْ وَحَرِّمْ وَرَاءَهُمْ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، وَٱفْعَلْ حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرْتُكَ بِهِ. ٢٢صَوْتُ حَرْبٍ فِي ٱلْأَرْضِ، وَٱنْحِطَامٌ عَظِيمٌ. ٢٣كَيْفَ قُطِعَتْ وَتَحَطَّمَتْ مِطْرَقَةُ كُلِّ ٱلْأَرْضِ؟ كَيْفَ صَارَتْ بَابِلُ خَرِبَةً بَيْنَ ٱلشُّعُوبِ؟ ٢٤قَدْ نَصَبْتُ لَكِ شَرَكًا، فَعَلِقْتِ يَا بَابِلُ، وَأَنْتِ لَمْ تَعْرِفِي! قَدْ وُجِدْتِ وَأُمْسِكْتِ لِأَنَّكِ قَدْ خَاصَمْتِ ٱلرَّبَّ. ٢٥فَتَحَ ٱلرَّبُّ خِزَانَتَهُ، وَأَخْرَجَ آلَاتِ رِجْزِهِ، لِأَنَّ لِلسَّيِّدِ رَبِّ ٱلْجُنُودِ عَمَلًا فِي أَرْضِ ٱلْكَلْدَانِيِّينَ. ٢٦هَلُمَّ إِلَيْهَا مِنَ ٱلْأَقْصَى. ٱفْتَحُوا أَهْرَاءَهَا. كَوِّمُوهَا عِرَامًا، وَحَرِّمُوهَا وَلَا تَكُنْ لَهَا بَقِيَّةٌ. ٢٧أَهْلِكُوا كُلَّ عُجُولِهَا. لِتَنْزِلْ لِلذَّبْحِ. وَيْلٌ لَهُمْ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى يَوْمُهُمْ، زَمَانُ عِقَابِهِمْ.
١. اِصْعَدْ عَلَى أَرْضِ مِرَاثَايِمَ: تكلم الله عن منطقتين محددتين من بابل، وهما مراثايم وفقود. كان الأمر واضحًا: ٱخْرِبْ وَحَرِّمْ وَرَاءَهُمْ. كانت بابل كمطرقة على الأرض كلها. وستُقطع وتُكسَر لأنها قاومت الربِ (لأَنَّكِ قَدْ خَاصَمْتِ ٱلرَّبَّ).
• “كانت مراثايم وفقود مكانين حقيقين في بابل. ومن المفارقات أن اسميهما يبدوان مثل كلمات تعني ’تمرد مزدوج‘ و’عقاب.‘” رايكن (Ryken)
أَرْضِ مِرَاثَايِمَ: كان هذا مكانًا فعليًّا، لكن أيضًا “يوجد تلاعب بالألفاظ هنا، لأن الجذر Mrh يعني ’يتمرد،‘ وشكل الكلمة مزدوج يعني ’(أرض) التمرد المزدوج‘ أو ’أرض التمرد الثنائي،‘ أي ’أكثر المتمردين تمردًا.‘” ثومبسون (Thompson)
سُكَّانِ فَقُودَ: “يعني جذر كلمة Pqd ’يعاقب.‘ ومن هنا فإن أرض فقود هي أرض الهلاك.” ثومبسون (Thompson)
“كان الأنبياء مغرمين بهذا النوع من لَيِّ الكلمات ليضيفوا حيوية للهجوم والانتقاد، وليربطوا المعنى بالذاكرة.” كيدنر (Kidner)
• “أدرك النبي أن بابل كان أداة في يد الرب، حيث أشار إليها على أنها ’مِطْرَقَةُ كُلِّ ٱلْأَرْضِ.‘ لكن المطرقة تحطمت وصَارَتْ بَابِلُ خَرِبَةً.” مورجان (Morgan)
• “كانت بابل مَدَقَّةً أو مطرقة لشعوب كثيرة. وقد بدأها نمرود، وتبِع خلفاؤه خطواته. ودُعي تشارلز مارتل هكذا لنفس السبب. وقد وُصِف أوغسطين أيضًا على نحو مستحَق على أنه مطرقة الهراطقة.” تراب (Trapp)
• قَدْ نَصَبْتُ لَكِ شَرَكًا، فَعَلِقْتِ يَا بَابِلُ: “لم يستولِ كورش على المدينة بعاصفة. لقد كان نهر الفرات يمر عبرها. فحفر كورش قناة ليجري فيها النهر في اتجاه آخر لتحويل مجراه. وانتظر ذلك الوقت الذي يسلّم فيه السكان أنفسهم للفجور والخلاعة. وفي جوف الليل، حوّل مجرى النهر، ودخل هو وجيشه المدينة من القناة القديمة التي صارت الآن خالية من المياه. كان هذا هو الفخ الذي يتكلم عنه النبي هنا. (Herodotus, lib. i., c. ١٩١). كلارك (Clarke)
٢. فَتَحَ ٱلرَّبُّ خِزَانَتَهُ: فتح الله في دينونته ترسانته، وَأَخْرَجَ آلَاتِ رِجْزِهِ، مهاجمًا بابل بصفته الإله رب الجنود، رب الجيوش السماوية.
٣. أَهْلِكُوا كُلَّ عُجُولِهَا. لِتَنْزِلْ لِلذَّبْحِ: ستهلك الثيران، تلك التي كانت تُذبح في الماضي لأوثان بابل، في المذبحة القادمة على بابل.
ب) الآيات (٢٨-٣٢): مجازاة بابل المتفاخرة
٢٨صَوْتُ هَارِبِينَ وَنَاجِينَ مِنْ أَرْضِ بَابِلَ، لِيُخْبِرُوا فِي صِهْيَوْنَ بِنَقْمَةِ ٱلرَّبِّ إِلَهِنَا، نَقْمَةِ هَيْكَلِهِ. ٢٩اُدْعُوا إِلَى بَابِلَ أَصْحَابَ ٱلْقِسِيِّ. لِيَنْزِلْ عَلَيْهَا كُلُّ مَنْ يَنْزِعُ فِي ٱلْقَوْسِ حَوَالَيْهَا. لَا يَكُنْ نَاجٍ. كَافِئُوهَا نَظِيرَ عَمَلِهَا. ٱفْعَلُوا بِهَا حَسَبَ كُلِّ مَا فَعَلَتْ، لِأَنَّهَا بَغَتْ عَلَى ٱلرَّبِّ، عَلَى قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ. ٣٠لِذَلِكَ يَسْقُطُ شُبَّانُهَا فِي ٱلشَّوَارِعِ، وَكُلُّ رِجَالِ حَرْبِهَا يَهْلِكُونَ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ. ٣١هَأَنَذَا عَلَيْكِ أَيَّتُهَا ٱلْبَاغِيَةُ، يَقُولُ ٱلسَّيِّدُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ، لِأَنَّهُ قَد أَتَى يَوْمُكِ حِينَ عِقَابِي إِيَّاكِ. ٣٢فَيَعْثُرُ ٱلْبَاغِي وَيَسقُطُ ولَا يَكُونُ لَهُ مَنْ يُقِيمُهُ، وَأُشْعِلُ نَارًا في مُدُنِهِ فَتَأْكُلُ كُلَّ مَا حَوَالَيْهَا.
١. صَوْتُ هَارِبِينَ وَنَاجِينَ مِنْ أَرْضِ بَابِلَ: سمع النبي في نبوّته أولئك الذين تمكنوا من الهرب والنجاة وهم يتحدثون عن انتقام الله بِنَقْمَةِ ٱلرَّبِّ، نَقْمَةِ هَيْكَلِهِ. فكان هيكل أورشليم الذي دُمِّر هو الذي يُلحق دمارًا ببابل. فكما دَمَّروا، كذلك سيدمَّرون.
٢. لِأَنَّهَا بَغَتْ عَلَى ٱلرَّبِّ: كان هذا أصل خطية بابل. لقد قادتها كبرياؤها إلى الاعتقاد المتغطرس إلى أنها تستطيع أن تكيل الدمار على الآخرين من دون أن يكال لها الدمار بالمقابل. فكانت هذه غطرسة كبيرة.
• “لم يكن النبي موهومًا حول بابل نفسها. فقد عرف شرّها. وعرف أن الله قد نقض شؤون البشر لتكون بابل أداة تأديبه لهم، إلا أنه لا بد أن تدان هي نفسها.” مورجان (Morgan)
ج) الآيات (٣٣-٣٤): فادي إسرائيل القوي
٣٣هَكَذَا قَالَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ: إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَنِي يَهُوذَا مَعًا مَظْلُومُونَ، وَكُلُّ ٱلَّذِينَ سَبَوْهُمْ أَمْسَكُوهُمْ. أَبَوْا أَنْ يُطْلِقُوهُمْ. ٣٤وَلِيُّهُمْ قَوِيٌّ. رَبُّ ٱلْجُنُودِ ٱسْمُهُ. يُقِيمُ دَعْوَاهُمْ لِكَيْ يُرِيحَ ٱلْأَرْضَ وَيُزْعِجَ سُكَّانَ بَابِلَ.
١. وَكُلُّ ٱلَّذِينَ سَبَوْهُمْ أَمْسَكُوهُمْ (بإحكام): عندما سبت إمبراطوريتا أشور وبابل شعب يهوذا، لم يطلقاهم. فلم يُسمح للشعب اليهودي بالرجوع إلى أرض الميعاد إلا في عهد أولئك الذين غزوا بابل، وهم الماديون والفرس.
٢. وَلِيُّهُمْ قَوِيٌّ: لقد أمسكت أشور وبابل بيهوذا وإسرائيل، لكن فاديهما سيتبنى قضيتهما (يُقِيمُ دَعْوَاهُمْ). ورغم أن الله سيُزْعِجُ سُكَّانَ بَابِلَ، إلا أنه سيُرِيحُ ٱلْأَرْضَ.
• “لم تُدرك شعوب كثيرة أن الله وليّ إسرائيل (فاديهم القريب) (إرميا ٥٠: ٣٤). فالولي القريب يتطوع بمناصرة قضية إسرائيل، وهو يجلب السلام لخاصّته، لكن إزعاجًا لمضطهديهم.” فينبيرغ (Feinberg)
• ينبغي أن يتذكر كل من يجرؤ على إزعاج إسرائيل أن وَلِيَّهُمْ قَوِيٌّ. “لقد احتُقر اليهود بصفتهم ذاك الذي ابتلاهم الله. وكان هذا هو العذر الذي تمسكت به حتى الشعوب المسيحية المزعومة للإساءة إليهم ولظُلمهم. فلا ننسَ أن الله لم يرذل شعبه رغم أنه يؤدبهم. وستختبر أية أمة تضطهدهم عاجلًا أم لاحقًا غضب النار الإلهي.” مورجان (Morgan)
• لِكَيْ يُرِيحَ ٱلْأَرْضَ: إن المكان الذي نستلقي فيه للراحة هو تحت ظل الصليب. فبينما نبقى هناك، نكون آمنين تمامًا ومبارَكين.” ماير (Meyer)
رابعًا. عظمة الدينونة القادمة على بابل
أ ) الآيات (٣٥-٣٨): سيف على الكلدانيين
٣٥سَيْفٌ عَلَى ٱلْكَلْدَانِيِّينَ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، وَعَلَى سُكَّانِ بَابِلَ، وَعَلَى رُؤَسَائِهَا، وَعَلَى حُكَمَائِهَا. ٣٦سَيْفٌ عَلَى ٱلْمُخَادِعِينَ، فَيَصِيرُونَ حُمُقًا. سَيْفٌ عَلَى أَبْطَالِهَا فَيَرْتَعِبُونَ. ٣٧سَيْفٌ عَلَى خَيْلِهَا وَعَلَى مَرْكَبَاتِهَا وَعَلَى كُلِّ ٱللَّفِيفِ ٱلَّذِي فِي وَسْطِهَا، فَيَصِيرُونَ نِسَاءً. سَيْفٌ عَلَى خَزَائِنِهَا فَتُنْهَبُ. ٣٨حَرٌّ عَلَى مِيَاهِهَا فَتَنْشَفُ، لِأَنَّهَا أَرْضُ مَنْحُوتَاتٍ هِيَ، وَبِٱلْأَصْنَامِ تُجَنُّ.
١. سَيْفٌ عَلَى ٱلْكَلْدَانِيِّينَ: وعد الله بان سيف دينونته سيأتي على شعب بابل، وَعَلَى رُؤَسَائِهَا، وَعَلَى حُكَمَائِهَا ٱلْمُخَادِعِينَ (العرافين) وأَبْطَالِهَا، وعَلَى خَيْلِهَا وَعَلَى مَرْكَبَاتِهَا أيضًا.
٢. لِأَنَّهَا أَرْضُ مَنْحُوتَاتٍ هِيَ: لا بد أن يشعر كل ما اتكلت عليه بابل بألم سيف الله. وسيشمل هذا الشعوب المختلطة (اللفيف) التي شكلت جيوشها وكنوزها وأوثانها. وسيحس الكلدانيون المولعون بالأوثان حتى الجنون (وَبِٱلْأَصْنَامِ تُجَنّ) بحد سيف الله.
ب) الآيات (٣٩-٤٠): الطبيعة التامة لدمار بابل
٣٩لِذَلِكَ تَسْكُنُ وُحُوشُ ٱلْقَفْرِ مَعَ بَنَاتِ آوَى، وَتَسْكُنُ فِيهَا رِعَالُ ٱلنَّعَامِ، وَلَا تُسْكَنُ بَعْدُ إِلَى ٱلْأَبَدِ، وَلَا تُعْمَرُ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ.٤٠ كَقَلْبِ ٱللهِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ وَمُجَاوَرَاتِهَا، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، لَا يَسْكُنُ هُنَاكَ إِنْسَانٌ، وَلَا يَتَغَرَّبُ فِيهَا ٱبْنُ آدَمَ.
١. تَسْكُنُ وُحُوشُ ٱلْقَفْرِ مَعَ بَنَاتِ آوَى: سيكون دمار بابل كاملًا لدرجة أن المدينة ستصبح أرضًا قاحلة تسكنها حيوانات برية، أو أرواح نجسة.
• وُحُوشُ ٱلْقَفْرِ مَعَ بَنَاتِ آوَى: “يُعَد التعبيران Siyyim and iyyim عادة حيوانات، لكنّ هنالك شيئًا غريبًا حول تلك المخلوقات التي تسكن هذه المدن المدمَّرة. ويبدو أن تعبير ’الشياطين‘ أو ’الأرواح الشريرة‘ أكثر ملاءمة.” ثومبسون (Thompson)
٢. كَقَلْبِ ٱللهِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ: سيكون دمار بابل تامًّا بحيث يمكن تشبيهه بالدمار الذي أصاب سدوم وعمورة.
ج) الآيات (٤١-٤٤): دمار من الشمال
٤١هُوَذَا شَعْبٌ مُقْبِلٌ مِنَ ٱلشِّمَالِ، وَأُمَّةٌ عَظِيمَةٌ، وَيُوقَظُ مُلُوكٌ كَثِيرُونَ مِنْ أَقَاصِي ٱلْأَرْضِ. ٤٢يُمْسِكُونَ ٱلْقَوْسَ وَٱلرُّمْحَ. هُمْ قُسَاةٌ لَا يَرْحَمُونَ. صَوْتُهُمْ يَعِجُّ كَبَحْرٍ، وَعَلَى خَيْلٍ يَرْكَبُونَ، مُصْطَفِّينَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ لِمُحَارَبَتِكِ يَا بِنْتَ بَابِلَ. ٤٣سَمِعَ مَلِكُ بَابِلَ خَبَرَهُمْ فَٱرْتَخَتْ يَدَاهُ. أَخَذَتْهُ ٱلضِّيقَةُ وَٱلْوَجَعُ كَمَاخِضٍ. ٤٤هَا هُوَ يَصْعَدُ كَأَسَدٍ مِنْ كِبْرِيَاءِ ٱلْأُرْدُنِّ إِلَى مَرْعًى دَائِمٍ. لِأَنِّي أَغْمِزُ وَأَجْعَلُهُمْ يَرْكُضُونَ عَنْهُ. فَمَنْ هُوَ مُنْتَخَبٌ فَأُقِيمَهُ عَلَيْهِ؟ لِأَنَّهُ مَنْ مِثْلِي؟ وَمَنْ يُحَاكِمُنِي؟ وَمَنْ هُوَ ٱلرَّاعِي ٱلَّذِي يَقِفُ أَمَامِي؟
١. هُوَذَا شَعْبٌ مُقْبِلٌ مِنَ ٱلشِّمَالِ: ستأتي نهاية بابل من الماديين والفرس، أي من جهة الشمال تقريبًا. وبما أن قدرًا كبيرًا من هذه النبوة لا يتحدث عن غزو قريب فحسب، بل عن دمار نهائي لبابل (رؤيا ١٧-١٨)، سيأتي دمارهم بطريقة ما من الشمال.
٢. هُمْ قُسَاةٌ لَا يَرْحَمُونَ: سيكون غزاة بابل محاربين قساة بلا رحمة. ونادرًا ما أظهرت بابل الرحمة، ولهذا لا ينبغي أن تتوقع أية رحمة من الغزاة أيضًا.
٣. أَخَذَتْهُ ٱلضِّيقَةُ: وصف إرميا في مواضع كثيرة هذا التأثير الذي تركته بابل وجيوشها على الشعوب المحتلة (إرميا ١٣: ٨؛ ٢٢: ٢٣؛ ٤٨: ٤١؛ ٤٩: ٢٢). والآن، سيأتي رعب مماثل على ملك بابل.
• “لا عجب أن الملك البابلي الذي اعتاد أن يكون المنتصر دائمًا، صار الآن مشلولًا بالخوف من كونه ضحية محتملة.” ثومبسون (Thompson)
• يَصْعَدُ كَأَسَدٍ: “الأسد الآن (إرميا ٥٠: ٤٤) هو كورش، بينما كان في إرميا ٤٩: ١٩ نبوخذنصر.” فينبيرغ (Feinberg)
٤. وَمَنْ هُوَ ٱلرَّاعِي ٱلَّذِي يَقِفُ أَمَامِي؟: يتكلم الله عن شيء بدهي. إذ ليس هنالك راعٍ، أو ملك، أو قائد يمكن أن يقف أمامه وأمام دينونته القادمة.
د ) الآيات (٤٥-٤٦): مشورة الرب على بابل
٤٥لِذَلِكَ ٱسْمَعُوا مَشُورَةَ ٱلرَّبِّ ٱلَّتِي قَضَى بِهَا عَلَى بَابِلَ، وَأَفْكَارَهُ ٱلَّتِي ٱفْتَكَرَ بِهَا عَلَى أَرْضِ ٱلْكَلْدَانِيِّينَ: إِنَّ صِغَارَ ٱلْغَنَمِ تَسْحَبُهُمْ. إِنَّهُ يَخْرِبُ مَسْكَنَهُمْ عَلَيْهِمْ. ٤٦مِنَ ٱلْقَوْلِ: أُخِذَتْ بَابِلُ. رَجَفَتِ ٱلْأَرْضُ وَسُمِعَ صُرَاخٌ فِي ٱلشُّعُوبِ.
١. لِذَلِكَ ٱسْمَعُوا مَشُورَةَ ٱلرَّبِّ ٱلَّتِي قَضَى بِهَا عَلَى بَابِلَ: دعا الله لا إسرائيل ويهوذا فحسب إلى سماع مشورة الرب، بل دعا أيضًا بابل والشعوب الأخرى. كانت الدينونة قادمة على بابل، فأراد الله أن يعرف العالم كله ذلك.
٢. أُخِذَتْ بَابِلُ. رَجَفَتِ ٱلْأَرْضُ وَسُمِعَ صُرَاخٌ فِي ٱلشُّعُوبِ: سيُظهر الله جبروته، وحكمته، وعدالته، وخطته المتكشفة عبر العصور في دينونة بابل ومن خلالها.