سفر إرميا – الإصحاح ٤٤
كلمة لشعب الله في مصر، محررين ومرفوضين
أولًا. الكلمة إلى شعب الله في مصر
أ ) الآيات (١-٦): الله يكلم شعبه حول خطاياهم السابقة
١اَلْكَلِمَةُ ٱلَّتِي صَارَتْ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ جِهَةِ كُلِّ ٱلْيَهُودِ ٱلسَّاكِنِينَ فِي أَرْضِ مِصْرَ، ٱلسَّاكِنِينَ فِي مَجْدَلَ وَفِي تَحْفَنْحِيسَ، وَفِي نُوفَ وَفِي أَرْضِ فَتْرُوسَ قَائِلَةً: ٢«هَكَذَا قَالَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: أَنْتُمْ رَأَيْتُمْ كُلَّ ٱلشَّرِّ ٱلَّذِي جَلَبْتُهُ عَلَى أُورُشَلِيمَ، وَعَلَى كُلِّ مُدُنِ يَهُوذَا، فَهَا هِيَ خَرِبَةٌ هَذَا ٱلْيَوْمَ وَلَيْسَ فِيهَا سَاكِنٌ، ٣مِنْ أَجْلِ شَرِّهِمِ ٱلَّذِي فَعَلُوهُ لِيُغِيظُونِي، إِذْ ذَهَبُوا لِيُبَخِّرُوا وَيَعْبُدُوا آلِهَةً أُخْرَى لَمْ يَعْرِفُوهَا هُمْ وَلَا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ. ٤فَأَرْسَلْتُ إِلَيْكُمْ كُلَّ عَبِيدِي ٱلْأَنْبِيَاءِ مُبَكِّرًا وَمُرْسِلًا قَائِلًا: لَا تَفْعَلُوا أَمْرَ هَذَا ٱلرِّجْسِ ٱلَّذِي أَبْغَضْتُهُ. ٥فَلَمْ يَسْمَعُوا وَلَا أَمَالُوا أُذْنَهُمْ لِيَرْجِعُوا عَنْ شَرِّهِمْ فَلَا يُبَخِّرُوا لِآلِهَةٍ أُخْرَى. فَٱنْسَكَبَ غَيْظِي وَغَضَبِي، وَٱشْتَعَلَا في مُدُنِ يَهُوذَا وَفِي شَوَارِعِ أُورُشَلِيمَ، فَصَارَتْ خَرِبَةً مُقْفِرَةً كَهَذَا ٱلْيَوْمِ.
١. اَلْكَلِمَةُ ٱلَّتِي صَارَتْ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ جِهَةِ كُلِّ ٱلْيَهُودِ ٱلسَّاكِنِينَ فِي أَرْضِ مِصْرَ: وصف إرميا ٤٢ كيف أن رؤساء اليهود الباقين في الأرض قادوا الجميع إلى مصر، حتى رغم إرادتهم وأمْر الله. وكان إرميا من بين هؤلاء الذين تم جلبهم بالقوة إلى مصر. فتكلّم بهذه الكلمة إلى اليهود هناك.
• كانت هذه كلمة الرب، لكن “ليست كلمة تعزية – فكيف يمكن أن تكون كذلك ما داموا يعيشون في تمرد صريح على الرب؟ – لكنها كلمة توبيخ وتهديد. ولأي سبب؟ كانوا عنيدين متعنّتين.” تراب (Trapp)
٢. رَبُّ ٱلْجُنُودِ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: بدأ الله هذه الكلمة إلى هؤلاء اليهود النازحين بإعلان اسمين من أسمائه. فقد ظل هو رب الجنود، إله الجيوش السماوية القوية. وبقي إله إسرائيل رغم أن إسرائيل لم تكن موجودة كمملكة في ذلك الوقت. غير أن هذه الأمور التي تظهر أنها غير موجودة حقيقية بالنسبة للرب وفي خطته.
٣. أَنْتُمْ رَأَيْتُمْ كُلَّ ٱلشَّرِّ ٱلَّذِي جَلَبْتُهُ عَلَى أُورُشَلِيمَ، وَعَلَى كُلِّ مُدُنِ يَهُوذَا: ذكّر الله شعبه الموجودين الآن في مصر بسبب مجيء الدينونة على يهوذا. فقد جاءت من الله نفسه مِنْ أَجْلِ شَرِّهِمِ ٱلَّذِي فَعَلُوهُ لِيُغِيظُونِي، ولا سيما شرهم في عبادة الأوثان.
• “رغم كل ما حدث تحقيقًا لتحذيرات إرميا من الدينونة في سقوط أورشليم، لم يتعلم اللاجئون من المصفاة شيئًا. فقد استمرت عبادة الأوثان.” ثومبسون (Thompson)
٤. فَلَمْ يَسْمَعُوا وَلَا أَمَالُوا أُذْنَهُمْ لِيَرْجِعُوا عَنْ شَرِّهِمْ: أرسل الله أنبياءه ليوجهوا شعبه ويحذروهم، لكنهم أبوا أن يسمعوا. فكانت خطيتهم (ولاسيما خطية عبادة الأوثان) سيئة بما يكفي. وكان رفضهم للتقويم مميتًا، فَصَاروا هم خَرِبَين مُقْفِرَين من دينونة الله.
• لَا تَفْعَلُوا أَمْرَ هَذَا ٱلرِّجْسِ ٱلَّذِي أَبْغَضْتُهُ: “إن غضب الله على غير النادمين غير مرحب به، وحتمي أيضًا.” كيدنر (Kidner)
• “قد يقول أحدهم: ’أوه. الخطية شيء حلو.‘ لا. إنه رجس بغيض. ويقول آخر: ’إنه شيء مُسِر.‘ لا. إنه شيء رجس بغيض. ويقول آخر: ’لكنه شيء عصري. إذ يمكنك أن تراه في بلاط الملك والرؤساء، ويحبه عظماء الأرض.‘ رغم أنهم يفعلون ذلك، إلا أنه شيء رجس بغيض. فرغم أنه يزحف إلى عرش ملك، وينشر الوحل على جواهر التاج، إلا أنه بغيض رجس.” سبيرجن (Spurgeon)
• “احذر من جلب الألم إلى قلب المحبة اللامتناهية. لكن اطلب أن يكون لديك شيء من بُغض الله للخطية.” ماير (Meyer)
ب) الآيات (٧-١٠): يتحدث الله لشعبه عن خطيتهم الحالية.
٧فَٱلْآنَ هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ إِلَهُ ٱلْجُنُودِ، إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: لِمَاذَا أَنْتُمْ فَاعِلُونَ شَرًّا عَظِيمًا ضِدَّ أَنْفُسِكُمْ لِٱنْقِرَاضِكُمْ رِجَالًا وَنِسَاءً أَطْفَالًا وَرُضَّعًا مِنْ وَسْطِ يَهُوذَا وَلَا تَبْقَى لَكُمْ بَقِيَّةٌ؟ ٨لِإِغَاظَتِي بِأَعْمَالِ أَيَادِيكُمْ، إِذْ تُبَخِّرُونَ لِآلِهَةٍ أُخْرَى فِي أَرْضِ مِصْرَ ٱلَّتِي أَتَيْتُمْ إِلَيْهَا لِتَتَغَرَّبُوا فِيهَا، لِكَيْ تَنْقَرِضُوا وَلِكَيْ تَصِيرُوا لَعْنَةً وَعَارًا بَيْنَ كُلِّ أُمَمِ ٱلْأَرْضِ. ٩هَلْ نَسِيتُمْ شُرُورَ آبَائِكُمْ وَشُرُورَ مُلُوكِ يَهُوذَا وَشُرُورَ نِسَائِهِمْ، وَشُرُورَكُمْ وَشُرُورَ نِسَائِكُمُ ٱلَّتِي فُعِلَتْ فِي أَرْضِ يَهُوذَا وَفِي شَوَارِعِ أُورُشَلِيمَ؟ ١٠لَمْ يُذَلُّوا إِلَى هَذَا ٱلْيَوْمِ، وَلَا خَافُوا وَلَا سَلَكُوا فِي شَرِيعَتِي وَفَرَائِضِي ٱلَّتِي جَعَلْتُهَا أَمَامَكُمْ وَأَمَامَ آبَائِكُمْ.
١. لِمَاذَا أَنْتُمْ فَاعِلُونَ شَرًّا عَظِيمًا ضِدَّ أَنْفُسِكُمْ: هنالك شعور في هذا النص بالتعجب في كلام الله هذا، كما لو أنه لا يستطيع أن يصدق أن شعبه قد يكونون بهذا الحمق ليرفضوا كلمته ويتمردوا على أمره، بينما ذكرى تدمير الدينونة الأخيرة ماثلة أمامهم.
• “هذه عظة مصقولة وثاقبة من أولها إلى آخرها، ولا تختلف عن تلك التي كرز بها استفانوس والتي رُجم بسببها (أعمال الرسل ٧: ٥٤؛ ٥٧-٥٨). وربما كانت كافية لتكون آخر عظة لإرميا.” تراب (Trapp)
٢. لِمَاذَا أَنْتُمْ فَاعِلُونَ شَرًّا عَظِيمًا ضِدَّ أَنْفُسِكُمْ: هنالك شعور أيضًا بالتعجب من الطبيعة التدميرية للذات لخطيتهم. صحيح أنهم أخطأوا إلى الله بشكل رهيب، لكنهم أخطأوا بشكل رهيب إلى أنفسهم أيضًا.
٣. لِٱنْقِرَاضِكُمْ رِجَالًا وَنِسَاءً أَطْفَالًا وَرُضَّعًا مِنْ وَسْطِ يَهُوذَا وَلَا تَبْقَى لَكُمْ بَقِيَّةٌ؟: كان أمرًا سيئًا بما يكفي أن نبوخذنصر أخذ كل شعب الله تقريبًا من أرض يهوذا مسبيين إلى بابل. ومن بعض النواحي، كان الأمر أسوأ عندما تم إبعاد كل الشعب من الأرض الموعودة إما بالاختيار أو بالقوة إلى مصر.
٤. إِذْ تُبَخِّرُونَ لِآلِهَةٍ أُخْرَى فِي أَرْضِ مِصْرَ: سرعان ما بدأ أولئك الذين ذهبوا إلى مصر في عبادة آلهتها. فنفس قلب عبادة الأوثان الذي قادهم إلى الخطية في يهوذا مع أوثان كنعان قادهم الآن إلى السعي وراء أوثان مصر. ويكشف هذا عن أحد الأسباب التي دعت الله إلى نهيهم عن الذهاب إلى مصر، ودعوته لهم إلى الثقة به وبحمايته وتدبيره في يهوذا.
٥. لِكَيْ تَنْقَرِضُوا وَلِكَيْ تَصِيرُوا لَعْنَةً وَعَارًا بَيْنَ كُلِّ أُمَمِ ٱلْأَرْضِ: وعد الله بأن يبارك ويسترد المسبيين من بابل. ولم يَعِد إلا بالدينونة لمن ذهبوا باختيارهم إلى مصر محذرًا من أنهم سيصيرون لعنة وعارًا.
٦. هَلْ نَسِيتُمْ شُرُورَكُم: كان الجواب على السؤال واضحًا. لقد نسوا شر آبائهم، وملوكهم، وزوجاتهم، وبشكل خاص شرهم الخاص. وسيعانون بشدة لنسيان هذا كله.
• “أولئك الذين يرفضون أن يأخذوا عِبَرًا جديرون بأن يُجعلوا عبرًا.” تراب (Trapp)
• لَمْ يُذَلُّوا: أظهرت البقية أنها ليست تائبة أو منسحقة Dukkeu ’مكدومة‘ (انظر إشعياء ٥٣: ٥).” فينبيرغ (Feinberg)
ج) الآيات (١١-١٤): وعد بالدينونة على الذين ذهبوا إلى مصر
١١ لِذَلِكَ هَكَذَا قَالَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: هَأَنَذَا أَجْعَلُ وَجْهِي عَلَيْكُمْ لِلشَّرِّ، وَلِأَقْرِضَ كُلَّ يَهُوذَا. ١٢وَآخُذُ بَقِيَّةَ يَهُوذَا ٱلَّذِينَ جَعَلُوا وُجُوهَهُمْ لِلدُّخُولِ إِلَى أَرْضِ مِصْرَ لِيَتَغَرَّبُوا هُنَاكَ، فَيَفْنَوْنَ كُلُّهُمْ فِي أَرْضِ مِصْرَ. يَسْقُطُونَ بِٱلسَّيْفِ وَبِالْجُوعِ. يَفْنَوْنَ مِنَ ٱلصَّغِيرِ إِلَى ٱلْكَبِيرِ بِٱلسَّيْفِ وَٱلْجُوعِ. يَمُوتُونَ وَيَصِيرُونَ حَلْفًا وَدَهَشًا وَلَعْنَةً وَعَارًا. ١٣وَأُعَاقِبُ ٱلَّذِينَ يَسْكُنُونَ فِي أَرْضِ مِصْرَ، كَمَا عَاقَبْتُ أُورُشَلِيمَ بِٱلسَّيْفِ وَٱلْجُوعِ وَٱلْوَبَإِ. ١٤وَلَا يَكُونُ نَاجٍ وَلَا بَاقٍ لِبَقِيَّةِ يَهُوذَا ٱلْآتِينَ لِيَتَغَرَّبُوا هُنَاكَ فِي أَرْضِ مِصْرَ، لِيَرْجِعُوا إِلَى أَرْضِ يَهُوذَا ٱلَّتِي يَشْتَاقُونَ إِلَى ٱلرُّجُوعِ لِأَجْلِ ٱلسَّكَنِ فِيهَا، لِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ مِنْهُمْ إِلَّا ٱلْمُنْفَلِتُونَ.
١. لِذَلِكَ هَكَذَا قَالَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: ومرة أخرى، يقدم الله نفسه بألقاب السلطة والقوة والمُلكية.
٢. هَأَنَذَا أَجْعَلُ وَجْهِي عَلَيْكُمْ لِلشَّرِّ، وَلِأَقْرِضَ كُلَّ يَهُوذَا: تمامًا كما وعد الله من قبل بأنه سيكون ضد يهوذا وليس معهم ضد البابليين الغزاة، كذلك سيكون ضد أولئك الذين قاموا بسبي أنفسهم إلى مصر.
• “إن كان الشعب قرروا الذهاب إلى مصر ومواصلة عبادة الأوثان أيضًا، فقد قرر الله أن يفتقدهم بالدينونة.” ثومبسون (Thompson)
٣. يَفْنَوْنَ مِنَ ٱلصَّغِيرِ إِلَى ٱلْكَبِيرِ بِٱلسَّيْفِ وَٱلْجُوعِ: وعد الله بدينونة بموتٍ قبل الأوان للذين فضّلوا مصر على الثقة بالله في أرض الموعد.
• لِيَرْجِعُوا إِلَى أَرْضِ يَهُوذَا: “يوضح هنا أنه لا يشير إلى مستوطنين يهود دائمين في مصر (انظر إرميا ٤٤: ١٤)، بل إلى البقية وحدها التي لجأت إلى هناك على أمل العودة إلى أرض يهوذا في أقرب فرصة. ولن ينجو إلا اللاجئون العرضيون. فالصورة بالنسبة للبقية قاتمة وغير مريحة.” فينبيرغ (Feinberg)
• “لم تكن مصر في حد ذاتها أرضًا ممنوعة. إذ ستصبح مركزًا مهمًّا للتعليم للشتات اللاحق. وستؤوي العائلة المقدسة. فلم تكن خطية معاصري إرميا جغرافية. لقد كانت تصويتًا برفض الثقة بالله.” كيدنر (Kidner)
٤. لِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ مِنْهُمْ إِلَّا ٱلْمُنْفَلِتُونَ: وعد الله بأنه سيكون هنالك عدد قليل جدًّا سيتمكن من الهروب من دينونة الموت القادمة على الذين اختاروا أن يجدوا أمنهم في مصر بدلًا من الرب.
• إِلَّا ٱلْمُنْفَلِتُونَ: “حتى في معاقبة البقية العاصية، سيسمح الله لعدد قليل من الناجين بالعودة إلى يهوذا، وبالتالي بالحفاظ على الصلة بين الشعب والأرض.” هاريسون (Harrison)
ثانيًا. رد فعل شعب الله في مصر
أ ) الآيات (١٥-١٦): الاستجابة العامة
١٥فَأَجَابَ إِرْمِيَا كُلُّ ٱلرِّجَالِ ٱلَّذِينَ عَرَفُوا أَنَّ نِسَاءَهُمْ يُبَخِّرْنَ لِآلِهَةٍ أُخْرَى، وَكُلُّ ٱلنِّسَاءِ ٱلْوَاقِفَاتِ، مَحْفَلٌ كَبِيرٌ، وَكُلُّ ٱلشَّعْبِ ٱلسَّاكِنِ فِي أَرْضِ مِصْرَ فِي فَتْرُوسَ قَائِلِينَ: ١٦”إِنَّنَا لَا نَسْمَعُ لَكَ ٱلْكَلِمَةَ ٱلَّتِي كَلَّمْتَنَا بِهَا بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ.”
١. مَحْفَلٌ كَبِيرٌ: قدّم إرميا كلمة من الله إلى جمهور عريض (محفل كبير)، مستغلًّا حضور كل الذين جاءوا إلى فتروس في مصر من يهوذا باختيارهم أو بالقوة. وشملت المجموعة رجالًا عَرَفُوا أَنَّ نِسَاءَهُمْ يُبَخِّرْنَ لِآلِهَةٍ أُخْرَى.
• “إن استخدام اللغة الشاملة (كُلُّ ٱلرِّجَالِ، وَكُلُّ ٱلنِّسَاءِ، وَكُلُّ ٱلشَّعْبِ) استخدام أدبي يُستخدم للتوكيد، ولا يجب أن يؤخذ بشكل حرفي.” فينبيرغ (Feinberg)
٢. إِنَّنَا لَا نَسْمَعُ لَكَ: عرف الشعب أن إرميا كان يتكلم بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ، غير أنهم لم يأبهوا له. رفضوا النبي، ورفضوا كلمته، ورفضوا الإله الذي أعطاه إياها. فكانت صراحتهم لافتة للنظر، لكن خطيتهم كانت عظيمة.
• “يبدو أن النبي في مصيره الخارجي أمضى حياة حزينة بلا انقطاع، ربما أكثر من أي شخص آخر باستثناء الرب يسوع. وكان هذا واضحًا للمفسرين اليهود في تفسيرهم لسفر إشعياء ونبواته حتى إنهم طبّقوا كلمات الإصحاح ٥٣ عليه.” رايكن (Ryken)، نقلًا عن ماير (Meyer) ويضيف رايكن (Ryken): “لم يكن إرميا العبد المتألم، لكنه كان عبدًا متألمًا حتى النهاية.”
ب) الآيات (١٧-١٨): استجابة الرجال
١٧بَلْ سَنَعْمَلُ كُلَّ أَمْرٍ خَرَجَ مِنْ فَمِنَا، فَنُبَخِّرُ لِمَلِكَةِ ٱلسَّمَاوَاتِ، وَنَسْكُبُ لَهَا سَكَائِبَ. كَمَا فَعَلْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا وَمُلُوكُنَا وَرُؤَسَاؤُنَا فِي أَرْضِ يَهُوذَا وَفِي شَوَارِعِ أُورُشَلِيمَ، فَشَبِعْنَا خُبْزًا وَكُنَّا بِخَيْرٍ وَلَمْ نَرَ شَرًّا. ١٨وَلَكِنْ مِنْ حِينَ كَفَفْنَا عَنِ ٱلتَّبْخِيرِ لِمَلِكَةِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَسَكْبِ سَكَائِبَ لَهَا، ٱحْتَجْنَا إِلَى كُلٍّ، وَفَنِينَا بِٱلسَّيْفِ وَٱلْجُوعِ.
١. بَلْ سَنَعْمَلُ كُلَّ أَمْرٍ خَرَجَ مِنْ فَمِنَا: كان الرجال صريحين وصادقين. فقد وعدوا بأن يفعلوا أي شيء يريدونه، ولن يسمحوا لأوامر الله ونبوّته بأن تعترض طريق ما يريدون أن يقولوه ويفعلوه.
٢. فَنُبَخِّرُ لِمَلِكَةِ ٱلسَّمَاوَاتِ، وَنَسْكُبُ لَهَا سَكَائِبَ: تكلموا عن الأيام التي سبقت سقوط أورشليم وغزو يهوذا عندما عبدوا المعبودة البابلية، ملكة السماء، بطقوس مختلفة. وقد فعلوا هذا كما سبق أن فعله آباؤهم وملوكهم ورؤساؤهم في جميع أنحاء يهوذا وأورشليم.
• “يرجح أن الإشارة هنا هي إلى عشتار Ishtar الأشورية – البابلية… وكانت عشتار (أثتارت) Athtart الكنعانية إلهة الحرب والحب. وكانت تمثل المبدأ الأنثوي للخصوبة… وعشتروث Ashtoreth هي الصيغة العبرية للإلهة اليونانية Astarte وكانت هذه الإِلهة القديمة تُدعى عشتار في اللغة الأكادية، وإنانا Inanna في السومرية، وأثتارت في الأوغارتية. ونظيرتها في العهد الجديد هي أرطميس (انظر أعمال الرسل ١٩). وهي باللاتينية دايانا Diana وكانت عبادة هذه الآلهة منتشرة في الشرق الأدنى القديم.” فينبيرغ (Feinberg)
• كانت ملكة السماء بالنسبة للبابليين إلهة أمومية مرتبطة بالقمر، والعائلة، والخصوبة. وإنه لأمر غريب أن الكنيسة الكاثوليكية الغربية تعطي مريم، أم يسوع نفس هذا اللقب، وتوجه لها تبجيلًا وصلوات غير لائقة، وأحيانًا العبادة. وليس لدينا أي إذن كتابي أو تشجيع كتابي على أن يكون لدينا صلة بملكة السماء. ويلاحظ بعضهم أن أشخاصًا معاصرين يعبدون ملكة السماء تحت أسماء أخرى – ’الطبيعة الأم‘ أو ’النسوية‘ أو ’الفتنة.‘ Mother Nature, Feminism, or Glamor.
• كَمَا فَعَلْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا وَمُلُوكُنَا وَرُؤَسَاؤُنَا: “هنا يحتكمون إلى الأيام القديمة، والسلطة، والوفرة والسلام. هذه هي الذرائع البابوية وأركان الدين العفِن. يقولون إنه الدين القديم، وله رؤساؤه الأقوياء الذين يرعونه، وهو يمارَس في روما، الكنيسة الأم. وله وفرة وسلام حيثما يُعترف به، وحيثما لا يوجد إلا القداديس وصلوات الفجر. هذه هي حججهم، لكنها سيئة للغاية.” تراب (Trapp)
٣. فَشَبِعْنَا خُبْزًا وَكُنَّا بِخَيْرٍ وَلَمْ نَرَ شَرًّا: تذكّروا الأيام التي كانوا فيها يعبدون ملكة السماء على أنها الأيام الخوالي الطيبة. ويزعمون أنهم عندما توقفوا عن فعل هذه الأمور، افتقروا إلى كل شيء (ٱحْتَجْنَا إِلَى كُلٍّ)، واختبروا أشكال الهلاك (وَفَنِينَا بِٱلسَّيْفِ وَٱلْجُوعِ).
• هذه لمحة كاشفة جدًّا للانحراف الروحي، لأنهم في إلقائهم اللوم على كل مشكلاتهم على الإصلاح بدلًا من الشرور التي حاول ذلك الإصلاح أن يجتثها، كانوا يقلبون الحقيقة رأسًا على عقب.” كيدنر (Kidner)
• “لأنه تم استئصال عبادة البعل أثناء إصلاح يوشيا (٢ ملوك ٢٣: ٤-٢٠)، ألقت البقية المتمردة اللوم على كل المصائب التي حلت على يهوذا على هذا العمل الإصلاحي.” هاريسون (Harrison)
• “على نقيض ذلك، ادعى الشعب أن الأمور لم تسؤ إلا عندما توقفوا عن إرضاء إلَهة السماء. ربما خطر ببالهم فترة حكم منسّى الطويلة والهادئة نسبيًّا، والتي سُمح فيها بحرية كاملة في ممارسة أشكال العبادات الخارجة عن الرب يهوه.” ثومبسون (Thompson)
• “ومختصر الكلام هو أن البقية ادّعت أن العبادة الوثنية قد أفادتها أكثر بكثير مما فعله الرب الذي مثّله إرميا.” فينبيرغ (Feinberg)
• بعقل صافٍ، وحتى بأدنى فهم للأمور الروحية، كان تحليلهم جنونيًّا. “كانت الأمور رائعة عندما رفضْنا الرب وعصيناه إلى أن جاءت الدينونة الموعودة من الرب.” غالبًا ما تكون الخطية جيدة إلى أن يُدفع ثمنها، وهو الموت (رومية ٦: ٢٣).
• “على المستوى الغريزي، يكون العقل الساقط دائمًا على استعداد للافتراض أن الله هو الخصم (مثل هؤلاء الأشخاص) الذي يمكننا أن نلومه على ماضينا وعدم ثقتنا بمستقبلنا.” كيدنر
ج) الآية (١٩): استجابة النساء
١٩وَإِذْ كُنَّا نُبَخِّرُ لِمَلِكَةِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَنَسْكُبُ لَهَا سَكَائِبَ، فَهَلْ بِدُونِ رِجَالِنَا كُنَّا نَصْنَعُ لَهَا كَعْكًا لِنَعْبُدَهَا وَنَسْكُبُ لَهَا ٱلسَّكَائِبَ؟
١. وَإِذْ كُنَّا نُبَخِّرُ لِمَلِكَةِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَنَسْكُبُ لَهَا سَكَائِبَ: اعترفت النساء بأنهن لعبن دورًا في عبادة ملكة السماء البابلية وغيرها من الأوثان.
٢. فَهَلْ بِدُونِ (إذن) رِجَالِنَا: حاولن تحميل أزواجهن المسؤولية عن خطاياهن، بمعنى أنه كان بإمكانهم أن يوقفوهن لو أرادوا. وفي الخطية الأولى، لامَ آدم حواء على خطيته. وهنا ترُد نساء يهوذا في مصر الجميل.
• “عرف أزواجهن أنهن كنّ يصنعن كعكات الهلال المميزة Kawwan التي كانت تُختم بصورة الإِلهة.” ثومبسون (Thompson)
• تشير عدد ٣٠: ٣-١٢ إلى أن نذور الزوجة لا تكون مُلزِمة إلا إذا وافق زوجها عليها. “فبما أن أزواجهن وافقوا، فلماذا يشكو إرميا من أفعال النساء؟” فينبيرغ (Feinberg)
• يذكّرنا هذا بأنهن كن ما زلن يخطئن رغم أن أزواجهن أمروهن أو سمحوا لهن بفعل ذلك. إذ كان مفترضًا أن تخضع النساء لأزواجهن، لكن ليس بالمعنى المطلق. فإذا كانت السلطة المعطاة من الله تأمرهن بأن يخطئن، فإن عليهن أن يطعن الله، لا الإنسان.
ثالثًا. إرميا يرد على الشعب
أ ) الآيات (٢٠-٢٣): إرميا يخبرهم بسبب مجيء الدمار والدينونة.
٢٠فَكَلَّمَ إِرْمِيَا كُلَّ ٱلشَّعْبِ، ٱلرِّجَالَ وَٱلنِّسَاءَ وَكُلَّ ٱلشَّعْبِ ٱلَّذِينَ جَاوَبُوهُ بِهَذَا ٱلْكَلَامِ قَائِلًا: ٢١«أَلَيْسَ ٱلْبَخُورُ ٱلَّذِي بَخَّرْتُمُوهُ فِي مُدُنِ يَهُوذَا وَفِي شَوَارِعِ أُورُشَلِيمَ، أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ وَمُلُوكُكُمْ وَرُؤَسَاؤُكُمْ وَشَعْبُ ٱلْأَرْضِ، هُوَ ٱلَّذِي ذَكَرَهُ ٱلرَّبُّ وَصَعِدَ عَلَى قَلْبِهِ. ٢٢وَلَمْ يَسْتَطِعِ ٱلرَّبُّ أَنْ يَحْتَمِلَ بَعْدُ مِنْ أَجْلِ شَرِّ أَعْمَالِكُمْ، مِنْ أَجْلِ ٱلرَّجَاسَاتِ ٱلَّتِي فَعَلْتُمْ، فَصَارَتْ أَرْضُكُمْ خَرِبَةً وَدَهَشًا وَلَعْنَةً بِلَا سَاكِنٍ كَهَذَا ٱلْيَوْمِ. ٢٣مِنْ أَجْلِ أَنَّكُمْ قَدْ بَخَّرْتُمْ وَأَخْطَأْتُمْ إِلَى ٱلرَّبِّ، وَلَمْ تَسْمَعُوا لِصَوْتِ ٱلرَّبِّ، وَلَمْ تَسْلُكُوا فِي شَرِيعَتِهِ وَفَرَائِضِهِ وَشَهَادَاتِهِ مِنْ أَجِلِ ذَلِكُمْ قَدْ أَصَابَكُمْ هَذَا ٱلشَّرُّ كَهَذَا ٱلْيَوْمِ.
١. أَلَيْسَ ٱلْبَخُورُ… هُوَ ٱلَّذِي ذَكَرَهُ ٱلرَّبُّ؟: حاول إرميا أن يجادلهم بالعقل. فقد تركوا الله خارج تفكيرهم. وشعروا بأنه إذا تجاهلوا الله، فلن يهتم للأمر بطريقة ما. غير أن الله اهتم، حيث بقيَ إله إسرائيل سواء أرفضوه أم لم يرفضوه. فقد رأى وتذكر الله خطاياهم وعبادتهم للأوثان.
٢. وَلَمْ يَسْتَطِعِ ٱلرَّبُّ أَنْ يَحْتَمِلَ بَعْدُ: كان الله صبورًا جدًّا مع شعبه العصاة، لكنهم اختاروا أن يأخذوا صبره على أنه يعني أنه لم يكن يهتم. لكنه كان مهتمًّا بالفعل (مِنْ أَجِلِ ذَلِكُمْ قَدْ أَصَابَكُمْ هَذَا ٱلشَّرُّ كَهَذَا ٱلْيَوْمِ).
• “ما كانت للكارثة لتَحْدُث لو أن إسرائيل أطاعت شروط العهد المذكور والمشار إليه هنا فِي شَرِيعَتِهِ وَفَرَائِضِهِ وَشَهَادَاتِهِ.” هاريسون (Harrison)
• “تحولت رحمة الله التي أُسيء التعامل معها إلى سخط.” تراب (Trapp)
ب) الآيات (٢٤-٢٩): إرميا يخبرهم بالشدة والدينونة القادمة.
٢٤ثُمَّ قَالَ إِرْمِيَا لِكُلِّ ٱلشَّعْبِ وَلِكُلِّ ٱلنِّسَاءِ: «ٱسْمَعُوا كَلِمَةَ ٱلرَّبِّ يَا جَمِيعَ يَهُوذَا ٱلَّذِينَ فِي أَرْضِ مِصْرَ. ٢٥هَكَذَا تَكَلَّمَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ قَائِلًا: أَنْتُمْ وَنِسَاؤُكُمْ تَكَلَّمْتُمْ بِفَمِكُمْ وَأَكْمَلْتُمْ بِأَيَادِيكُمْ قَائِلِينَ: إِنَّنَا إِنَّمَا نُتَمِّمُ نُذُورَنَا ٱلَّتِي نَذَرْنَاهَا، أَنْ نُبَخِّرَ لِمَلِكَةِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَنَسْكُبُ لَهَا سَكَائِبَ، فَإِنَّهُنَّ يُقِمْنَ نُذُورَكُمْ، وَيُتَمِّمْنَ نُذُورَكُمْ. ٢٦لِذَلِكَ ٱسْمَعُوا كَلِمَةَ ٱلرَّبِّ يَا جَمِيعَ يَهُوذَا ٱلسَّاكِنِينَ فِي أَرْضِ مِصْرَ: هَأَنَذَا قَدْ حَلَفْتُ بِٱسْمِي ٱلْعَظِيمِ، قَالَ ٱلرَّبُّ، إِنَّ ٱسْمِي لَنْ يُسَمَّى بَعْدُ بِفَمِ إِنْسَانٍ مَّا مِنْ يَهُوذَا فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ قَائِلًا: حَيٌّ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ. ٢٧هَأَنَذَا أَسْهَرُ عَلَيْهِمْ لِلشَّرِّ لَا لِلْخَيْرِ، فَيَفْنَى كُلُّ رِجَالِ يَهُوذَا ٱلَّذِينَ فِي أَرْضِ مِصْرَ بِٱلسَّيْفِ وَٱلْجُوعِ حَتَّى يَتَلَاشَوْا. ٢٨وَٱلنَّاجُونَ مِنَ ٱلسَّيْفِ يَرْجِعُونَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ إِلَى أَرْضِ يَهُوذَا نَفَرًا قَلِيلًا، فَيَعْلَمُ كُلُّ بَقِيَّةِ يَهُوذَا ٱلَّذِينَ أَتُوْا إِلَى أَرْضِ مِصْرَ لِيَتَغَرَّبُوا فِيهَا، كَلِمَةَ أَيِّنَا تَقُومُ. ٢٩وَهَذِهِ هِيَ ٱلْعَلَامَةُ لَكُمْ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، إِنِّي أُعَاقِبُكُمْ فِي هَذَا ٱلْمَوْضِعِ، لِتَعْلَمُوا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقُومَ كَلَامِي عَلَيْكُمْ لِلشَّرِّ.
١. لِذَلِكَ هَكَذَا قَالَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: ومرة أخرى، يقدم الله نفسه بألقاب السلطة والقوة والمُلكية.
• “من منظور زمني ترتيبي، يرجح أن هذه كانت آخر نبوة مدوّنة لإرميا. وقد أنهى خدمته كما بدأها وفيًّا لله، وواثقًا بأمانة الرب. “لقد رأى أُمته وهي تتدهور من دولة مستقلة قوية نسبيًّا إلى نقطة الانقراض تقريبًا. ويبدو أن خدمته لم تثمر كثيرًا. غير أن إيمانه المطلق بإله كلي القدرة، وإدراكه للحقائق الأساسية واضحان كما كانا في أي وقت مضى.” كندال (Cundall)
٢. إِنَّنَا إِنَّمَا نُتَمِّمُ نُذُورَنَا: اقتبس إرميا نذر الشعب بمواصلة عبادة ملكة السماء والأوثان الأخرى. فكان هذا إعلانًا أن الله سمع تحدّيهم بوضوح.
• فَإِنَّهُنَّ يُقِمْنَ نُذُورَكُمْ، وَيُتَمِّمْنَ نُذُورَكُمْ: “يطلب إرميا من البقية، في تعبير قوي من السخرية والاشمئزاز، أن يمضوا قُدُمًا في الوفاء بنذورهم الآثمة. وربما كان يشير إلى البخور والسكائب والكعكات التي كانت النساء يحملنها.” فينبيرغ (Feinberg)
٣. لَنْ يُسَمَّى بَعْدُ بِفَمِ إِنْسَانٍ مَّا مِنْ يَهُوذَا فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ: أعلن الله رسميًا وبشكل جليل أنه رفض كل الذين رفضوه واختاروا الذهاب إلى مصر، أولئك الذين وثقوا بالأوثان أكثر مما وثقوا به. ولن يسمح لهم بالتكلم باسمه.
٤. هَأَنَذَا أَسْهَرُ عَلَيْهِمْ لِلشَّرِّ لَا لِلْخَيْرِ: سبق الله أن أمرهم بأن يبقوا في أرض يهوذا وأن يثقوا بسهره عليهم للحماية والتدبير. وفي رفضهم له ولوعوده، سيظل يسهر عَلَيْهِمْ لِلشَّرِّ لَا لِلْخَيْرِ. فكان هذا عدوًّا مرعبًا، مع العلم أن الله هو أفضل صديق، لكن أسوأ عدو يمكن أن يكون لدى إنسان.
• يحتمل أن الجالية اليهودية في مصر استمعت إلى تحذيرات إرميا فتابت. فبحلول زمن العهد الجديد، كانت هنالك جالية يهودية كبيرة وقوية في مصر. فربما تجاوبوا بالتوبة ونجوا من هذه الدينونة.
٥. وَٱلنَّاجُونَ مِنَ ٱلسَّيْفِ يَرْجِعُونَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ إِلَى أَرْضِ يَهُوذَا نَفَرًا قَلِيلًا: وعدهم الله بأنهم إذا ثابروا على خطاياهم، لن يفلت منهم إلا بقية من الدينونة التي ستواجههم في مصر. وأما الباقي فَيَفْنَى كُلُّ رِجَالِ يَهُوذَا ٱلَّذِينَ فِي أَرْضِ مِصْرَ بِٱلسَّيْفِ وَٱلْجُوعِ. وسيبرهن هذا صدق وعد الله الرهيب بالسهر عليهم للشر.
• “بالنسبة للمرتدين في مصر، لن يحمل المستقبل لهم شيئًا. لكن بالنسبة لمواطنيهم في بابل الذين قبلوا تأديب الله، كان لديهم رجاء في الحرية.” كيدنر (Kidner)
• “ظهرت حاشية محتملة لقصّتهم إلى النور في بُرديّات أليفانتاين، وهي مجموعة من الرسائل والوثائق ترجع إلى القرن الخامس قبل الميلاد. وهي تخص مستعمرة عسكرية ليهود استوطنوا جزيرة من جزر النيل على الحدود الجنوبية لمصر. وتوحي الإشارة إلى نجاة معبد من معابدهم من التهديد بالدمار في ٥٢٥ ق. م. بأنه لا بد أن المستعمرة قد ترسخت جيدًا في ذلك الوقت وترجع في أصلها، إن صح الأمر، إلى زمن إرميا أو قبله. وسواء أكان مؤسسوها كانوا الأشخاص المُشار إليهم في هذا الإصحاح أم كانوا مجموعة أخرى، فإن من المثير للاهتمام أن عبادتهم تكشف عن مزيج إباحي من الديانة الإسرائيلية والكنعانية، وهو مزيج من المؤكد أن خصوم إرميا كانوا قادرين عليه تمامًا.” كيدنر (Kidner)
ج) الآية (٣٠): إرميا يخبرهم بالدينونة القادمة على فرعون ومصر.
٣٠هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: هَأَنَذَا أَدْفَعُ فِرْعَوْنَ حَفْرَعَ مَلِكَ مِصْرَ لِيَدِ أَعْدَائِهِ وَلِيَدِ طَالِبِي نَفْسِهِ، كَمَا دَفَعْتُ صِدْقِيَّا مَلِكَ يَهُوذَا لِيَدِ نَبُوخَذْرَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ عَدُوِّهِ وَطَالِبِ نَفْسِهِ.
١. هَأَنَذَا أَدْفَعُ فِرْعَوْنَ حَفْرَعَ مَلِكَ مِصْرَ لِيَدِ أَعْدَائِهِ: وعد الله بأن نبوخذنصّر، ملك بابل، سيهاجم مصر (إرميا ٤٣: ١٠-١٣). وهنا أعطى إرميا نبوة أكثر تحديدًا لهذا الحدث المؤكد.
• “في واقع الأمر، أطاح عماسيس حفرا. فقد تمرد عليه، ثم شاركه الحكم (هيرودوتس ٢: ١٦١-١٦٣، ١٦٩). وتمرد عماسيس على نبوخذنصّر في ٥٧٠ ق. م. وهُزم في ٥٦٨ ق. م. بعد ١٦ عامًا من سقوط أورشليم. وخُلِع حفرا عن العرش، وخنقه بعض من رعاياه. ومرة أخرى تَبَرَّأ إرميا.” فينبيرغ (Feinberg)
٢. كَمَا دَفَعْتُ صِدْقِيَّا مَلِكَ يَهُوذَا لِيَدِ نَبُوخَذْرَاصَّرَ: كما حدث مع صدقيا، كذلك سيحدث مع الفرعون، وستثبت صحة أحكام الله.
• “لم يحدد إرميا أن حفرا سيقع في يد نبوخذنصّر، بل في يد أعدائه. وكما فقد صدقيا حياته، كذلك سيفقد الفرعون حياته.” ثومبسون (Thompson)
• من منظور زمني ترتيبي، كانت هذه آخر كلمات إرميا النبوية المدونة. “وكلمة الله صامتة حول ما حدث لإرميا بعد أحداث هذا الإصحاح، رغم أن التقليد نشط بشكل مفرط حول هذا الأمر. إذ هنالك أساطير كثيرة حول موته. وتقول إحداها إنه قُتِل في دافني. وتدّعي أخرى أنه حمل خيمة الاجتماع وأخفاها في الجبال حيث مات موسى (٢ مكابيين ٢: ٤-٨). وتقول أسطورة أخرى إنه حي مع أخنوخ وإيليا، ومن المتوقع أن يعود كسابق (رائد، بشير) للمسيّا.” فينبيرغ (Feinberg)