سفر إرميا – الإصحاح ٢٢
التكلم إلى بيت داود
أولًا. الرسالة إلى بيت داود
أ ) الآيات (١-٥): دعوة مُلِحة إلى التوبة
١هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: ٱنْزِلْ إِلَى بَيْتِ مَلِكِ يَهُوذَا وَتَكَلَّمْ هُنَاكَ بِهَذِهِ ٱلْكَلِمَةِ، ٢وَقُلِ: ٱسْمَعْ كَلِمَةَ ٱلرَّبِّ يَا مَلِكَ يَهُوذَا ٱلْجَالِسَ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ، أَنْتَ وَعَبِيدُكَ وَشَعْبُكَ ٱلدَّاخِلِينَ فِي هَذِهِ ٱلْأَبْوَابِ. ٣هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: أَجْرُوا حَقًّا وَعَدْلًا، وَأَنْقِذُوا ٱلْمَغْصُوبَ مِنْ يَدِ ٱلظَّالِمِ، وَٱلْغَرِيبَ وَٱلْيَتِيمَ وَٱلْأَرْمَلَةَ. لَا تَضْطَهِدُوا وَلَا تَظْلِمُوا، وَلَا تَسْفِكُوا دَمًا زَكِيًّا فِي هَذَا ٱلْمَوْضِعِ. ٤لِأَنَّكُمْ إِنْ فَعَلْتُمْ هَذَا ٱلْأَمْرَ يَدْخُلُ فِي أَبْوَابِ هَذَا ٱلْبَيْتِ مُلُوكٌ جَالِسُونَ لِدَاوُدَ عَلَى كُرْسِيِّهِ رَاكِبِينَ فِي مَرْكَبَاتٍ وَعَلَى خَيْلٍ. هُوَ وَعَبِيدُهُ وَشَعْبُهُ. ٥وَإِنْ لَمْ تَسْمَعُوا لِهَذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ فَقَدْ أَقْسَمْتُ بِنَفْسِي، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، إِنَّ هَذَا ٱلْبَيْتَ يَكُونُ خَرَابًا.
١. ٱسْمَعْ كَلِمَةَ ٱلرَّبِّ يَا مَلِكَ يَهُوذَا ٱلْجَالِسَ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ: واصل إرميا النبوّة من الإصحاح السابق موجّهًا كلامه إلى بيت داود. وكانت هذه رسالة موجهة إلى الملك على نحو خاص. إذ ينبغي له أن يحرص على الإصغاء لأنه كان يجلس على كرسي داود.
٢. أَجْرُوا حَقًّا وَعَدْلًا: تشبه رسالة إرميا إلى الملك إلى حد بعيد تلك التي بدأها في الإصحاح السابق (إرميا ٢١: ١١-١٢). ودعا النبي المتحدث باسم الرب الملك إلى الاضطلاع بمسؤولياته كملك بطريقة تقية بارّة. وتفترض هذه الوصية وجود فساد وظلم عظيمين على أعلى مستويات المملكة.
٣. إِنْ فَعَلْتُمْ هَذَا ٱلْأَمْرَ… وَإِنْ لَمْ تَسْمَعُوا لِهَذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ: نبّه إرميا الملك أن التوبة والقضاء بالعدل أمر سيكافأ، وأن الرفض سيعاقَب. وهكذا وُضع الخيار أمام يهوذا وحكامها مرة أخرى.
• “نحن قريبون للرسالة الموجهة إلى الملك صدقيّا بما يكفي لنقترح لأول مرة أننا ما زلنا نتعامل مع نفس الرجل. لكن يرجّح أن هذه الفقرة كانت رسالة أبكر إلى ملك آخر، لأنه ما زال متسع من الوقت لبيت داود للتعافي بقوة.” كيدنر (Kidner)
ب) الآيات (٦-٧): الدينونة القادمة
٦لِأَنَّهُ هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ عَنْ بَيْتِ مَلِكِ يَهُوذَا: جِلْعَادٌ أَنْتَ لِي. رَأْسٌ مِنْ لُبْنَانَ. إِنِّي أَجْعَلُكَ بَرِّيَّةً، مُدُنًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ. ٧وَأُقَدِّسُ عَلَيْكَ مُهْلِكِينَ، كُلَّ وَاحِدٍ وَآلَاتِهِ، فَيَقْطَعُونَ خِيَارَ أَرْزِكَ وَيُلْقُونَهُ فِي ٱلنَّارِ.
١. جِلْعَادٌ أَنْتَ لِي. رَأْسٌ مِنْ لُبْنَانَ: كانت هنالك مناطق ممتازة في الأرض الموعودة وبالقرب منها. فاستخدم الله هذه الأماكن المُثَمَّنة لإظهار مدى تثمينه لبيت داود.
• “عالٍ وسعيد، مثل الجبال المثمرة، والمشهورة بالتوابل وأشياء مرغوبة أخرى.” تراب (Trapp)
٢. وَأُقَدِّسُ عَلَيْكَ مُهْلِكِينَ: أكد الله النقطة أنه لن يحارب عنهم البابليين، بل سيحاربهم هم، مجهِّزًا الجنود بنفسه.
ج) الآيات (٨-٩): الشعوب تسأل عن السبب
٨وَيَعْبُرُ أُمَمٌ كَثِيرَةٌ فِي هَذِهِ ٱلْمَدِينَةِ، وَيَقُولُونَ ٱلْوَاحِدُ لِصَاحِبِهِ: لِمَاذَا فَعَلَ ٱلرَّبُّ مِثْلَ هَذَا لِهَذِهِ ٱلْمَدِينَةِ ٱلْعَظِيمَةِ؟ ٩فَيَقُولُونَ: مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ تَرَكُوا عَهْدَ ٱلرَّبِّ إِلَهِهِمْ وَسَجَدُوا لِآلِهَةٍ أُخْرَى وَعَبَدُوهَا.
١. لِمَاذَا فَعَلَ ٱلرَّبُّ مِثْلَ هَذَا لِهَذِهِ ٱلْمَدِينَةِ ٱلْعَظِيمَةِ؟: تصوَّر إرميا الشعوب التي ترى دمار أورشليم وهي تتساءل: أليس هؤلاء شعب الله؟ وهل كان إله إسرائيل أضعف من إله البابليين؟
٢. مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ تَرَكُوا عَهْدَ ٱلرَّبِّ إِلَهِهِمْ وَسَجَدُوا لِآلِهَةٍ أُخْرَى وَعَبَدُوهَا: كان الجواب على سؤال الأمم بسيطًا. فالسبب هو أنها ابتعدت عن الرب، وتخلّت عن عهدها معه. وأدت عبادتها للأوثان إلى هذا الدمار.
ثانيًا. رسالة حول أبناء يوشيا
أ ) الآيات (١٠-١٢): رسالة حول شلّوم (يُدعى يهوآحاز أيضًا)
١٠لَا تَبْكُوا مَيْتًا وَلَا تَنْدُبُوهُ. ٱبْكُوا، ٱبْكُوا مَنْ يَمْضِي، لِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بَعْدُ فَيَرَى أَرْضَ مِيلَادِهِ. ١١لِأَنَّهُ هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ عَنْ شَلُّومَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، ٱلْمَالِكِ عِوَضًا عَنْ يُوشِيَّا أَبِيهِ: ٱلَّذِي خَرَجَ مِنْ هَذَا ٱلْمَوْضِعِ لَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ بَعْدُ. ١٢بَلْ فِي ٱلْمَوْضِعِ ٱلَّذِي سَبُوهُ إِلَيْهِ، يَمُوتُ. وَهَذِهِ ٱلْأَرْضُ لَا يَرَاهَا بَعْدُ.
١. لَا تَبْكُوا مَيْتًا وَلَا تَنْدُبُوهُ: قيلت هذه الكلمات النبوية بمناسبة موت الملك يوشيا وسبي ابنه شلّوم (المعروف باسم يهوآحاز أيضًا).
• مَيْتًا: يشير الميت هنا إلى الملك يوشيا الذي قُتل في معركة مجدّو.
• مَنْ يَمْضِي: يشير’من يمضي‘ إلى يهوآحاز (شلوم) الذي خلف يوشيا، لكن سرعان ما خلعه نخو، فرعون مصر (٢ ملوك ٢٣: ٣١-٣٥). وكان أخا يهوياقيم.
“يخبر إرميا الأمّة عمومًا أنه لا داعي إلى أن يندبوا الملك يوشيا (٢٢: ١٠) الذي قُتل في معركة مجدّو في ٦٠٩ ق. م.” فينبيرغ (Feinberg)
٢. عَنْ شَلُّومَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، ٱلْمَالِكِ: قال إرميا إن مصير شلوم في السبي أسوأ من الموت الأكثر بطولية لأبيه يوشيا في المعركة.
• “بعد مقتل يوشيا في معركة مجدو في عام ٦٠٩ ق. م. خلَفه أحد أبنائه، حيث حكم مدة ثلاثة أشهر قبل أن يخلعه نخو. ثم أُخِذ إلى ربلة، وبعد ذلك إلى مصر، حيث مات في نهاية الأمر (انظر ٢ ملوك ٢٣: ٣٣ فصاعدًا؛ ٢ أخبار الأيام ٣٦: ٤).” هاريسون (Harrison)
ب) الآيات (١٣-١٧): رسالة إلى يهوياقيم
١٣وَيْلٌ لِمَنْ يَبْنِي بَيْتَهُ بِغَيْرِ عَدْلٍ وَعَلَالِيَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، ٱلَّذِي يَسْتَخْدِمُ صَاحِبَهُ مَجَّانًا وَلَا يُعْطِيهِ أُجْرَتَهُ. ١٤ٱلْقَائِلُ: أَبْنِي لِنَفْسِي بَيْتًا وَسِيعًا وَعَلَالِيَ فَسِيحَةً. وَيَشُقُّ لِنَفْسِهِ كُوًى وَيَسْقُفُ بِأَرْزٍ وَيَدْهُنُ بِمُغْرَةٍ. ١٥هَلْ تَمْلِكُ لِأَنَّكَ أَنْتَ تُحَاذِي ٱلْأَرْزَ؟ أَمَا أَكَلَ أَبُوكَ وَشَرِبَ وَأَجْرَى حَقًّا وَعَدْلًا؟ حِينَئِذٍ كَانَ لَهُ خَيْرٌ. ١٦قَضَى قَضَاءَ ٱلْفَقِيرِ وَٱلْمِسْكِينِ، حِينَئِذٍ كَانَ خَيْرٌ. أَلَيْسَ ذَلِكَ مَعْرِفَتِي، يَقُولُ ٱلرَّبُّ؟ ١٧لِأَنَّ عَيْنَيْكَ وَقَلْبَكَ لَيْسَتْ إِلَا عَلَى خَطْفِكَ، وَعَلَى ٱلدَّمِ ٱلزَّكِيِّ لِتَسْفِكَهُ، وَعَلَى ٱلِٱغْتِصَابِ وَٱلظُّلْمِ لِتَعْمَلَهُمَا.
١. وَيْلٌ لِمَنْ يَبْنِي بَيْتَهُ بِغَيْرِ عَدْلٍ: حسب عادات أنبياء إسرائيل، واجه إرميا يهوياقيم بسبب جشعه وظلمه. وقال إن آخرين من بيت داود مذنبون في ما يلي:
• الإثم والظلم (بِغَيْرِ عَدْلٍ … بِغَيْرِ حَقٍّ).
• غشّهم للعمال (وَلَا يُعْطِيهِ أُجْرَتَهُ).
• الانغماس في الرفاهية الأنانية (أَبْنِي لِنَفْسِي بَيْتًا وَسِيعًا وَعَلَالِيَ فَسِيحَةً).
• الافتراض والتجاسر (تَمْلِكُ لِأَنَّكَ أَنْتَ تُحَاذِي ٱلْأَرْزَ).
• عدم اتِّباع الأمثلة الصالحة لأجدادهم (أَكَلَ أَبُوكَ وَشَرِبَ وَأَجْرَى حَقًّا وَعَدْلًا).
“في مواجهة الجزية الثقيلة التي فرضها المصريون، انتزع يهوياقيم قيمتها من رعاياه بفرض ضرائب ثقيلة (٢ ملوك ٢٣: ٣٣ فصاعدًا)، ثم شرع في التخطيط لبناء قصر فخم للغاية، مجبرًا العمال على العمل لديه من دون أجر.” كوندال (Cundall)
ٱلَّذِي يَسْتَخْدِمُ صَاحِبَهُ مَجَّانًا: “توجد نغمة ديمقراطية هنا مفادها أن الملك هو زميل [صاحب] البنّاء الذي يعمل من أجله.” ثومبسون (Thompson)
أَبْنِي لِنَفْسِي بَيْتًا وَسِيعًا وَعَلَالِيَ فَسِيحَةً: لا يمكن لاتساع مساحة قصره أن يمحو ذكرى العمل القسري وغير المأجور الذي ارتكز عليه. وسيتبنّى الله قضية العمّال المظلومين وسينتقم لهم.” ماير (Meyer)
هَلْ تَمْلِكُ لِأَنَّكَ أَنْتَ تُحَاذِي ٱلْأَرْزَ؟: “سأل إرميا يهوياقيم بشكل لاذع (٢٢: ١٥أ) ما مفاده: هل يجعلك بناء القصور الفخمة ملكًا؟” فينبيرغ (Feinberg)
٢. أَلَيْسَ ذَلِكَ مَعْرِفَتِي: دعا إرميا يهوياقيم أن يتذكر أباه يوشيا الذي عاش حياة متواضعة كملك وأجرى العدل والبر. فكان هذا – لا بناء القصور – دليلًا على معرفة الله.
• أَمَا أَكَلَ أَبُوكَ وَشَرِبَ: “عاش أبوه بشكل جيد، ومع ذلك قام بواجباته الملكية المهمة المتمثلة في تطبيق العدل والحق.” ثومبسون (Thompson)
• تحدّث إرميا عن مبدأ ورَدَ في عدة مواضع أخرى في الكتاب المقدس، وبشكل خاص في رسالة يوحنا الأولى. والفكرة هي أنه يمكن قياس محبتنا لله ومعرفتنا به بدقة من خلال تعاملنا مع الآخرين، وبشكل خاص أولئك الذين في عائلة الله. فلم يعرف حكام يهوذا الله على الإطلاق لأنهم لم يعيشوا محبته وعدله تجاه الآخرين.
“نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّنَا قَدِ ٱنْتَقَلْنَا مِنَ ٱلْمَوْتِ إِلَى ٱلْحَيَاةِ، لِأَنَّنَا نُحِبُّ ٱلْإِخْوَةَ. مَنْ لَا يُحِبَّ أَخَاهُ يَبْقَ فِي ٱلْمَوْتِ” (١ يوحنا ٣: ١٤).
“وَأَمَّا مَنْ كَانَ لَهُ مَعِيشَةُ ٱلْعَالَمِ، وَنَظَرَ أَخَاهُ مُحْتَاجًا، وَأَغْلَقَ أَحْشَاءَهُ عَنْهُ، فَكَيْفَ تَثْبُتُ مَحَبَّةُ ٱللهِ فِيهِ؟” (١ يوحنا ٣: ١٧).
٣. لِأَنَّ عَيْنَيْكَ وَقَلْبَكَ لَيْسَتْ إِلَا عَلَى خَطْفِكَ: بدلًا من أن يعرفوا الله،، عرفوا الجشع والعنف والظلم، ولهذا كانوا ناضجين لحصاد الدينونة.
ج) الآيات (١٨-١٩): الدينونة القادمة على يهوذا
١٨لِذَلِكَ هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ عَنْ يَهُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا: لَا يَنْدُبُونَهُ قَائِلِينَ: آهِ يَا أَخِي! أَوْ آهِ يَا أُخْتِي! لَا يَنْدُبُونَهُ قَائِلِينَ: آهِ يَا سَيِّدُ! أَوْ آهِ يَا جَلَالَهُ! ١٩يُدْفَنُ دَفْنَ حِمَارٍ مَسْحُوبًا وَمَطْرُوحًا بَعِيدًا عَنْ أَبْوَابِ أُورُشَلِيمَ.
١. لَا يَنْدُبُونَهُ: كان يهوياقيم حاكمًا قاسيًا وجشعًا على يهوذا. وعندما انتهى عهده الذي دام ١١ عامًا، لم يأسف أحد عليه.
٢. يُدْفَنُ دَفْنَ حِمَارٍ: يتحدث إرميا عن دينونة فظيعة على يهوذا – كملك يموت بلا رثاء، أو حزن، أو دفن لائق.
• “لا تعطي ٢ ملوك ٢٤: ٦ أي تلميح إلى هذا، لكن موت يهوياقيم حدث عندما كانت أورشليم تحت الحصار البابلي بسبب تمرده. وهنالك دعم للرأي القائل بحدوث ثورة في القصر عندما اغتيل الملك، وطُرحت جثته من فوق السور، في إشارة إلى البابليين أن أورشليم نأَتْ بنفسها عن سياسته المتمردة. ومن المؤكد أن أورشليم نجت بشكل طفيف نسبيًّا عندما استسلمت في النهاية.” كوندال (Cundall)
ج) الآيات (٢٠-٢٣): نبوة متعلقة بأورشليم وحكامها
٢٠اِصْعَدِي عَلَى لُبْنَانَ وَٱصْرُخِي، وَفِي بَاشَانَ أَطْلِقِي صَوْتَكِ، وَٱصْرُخِي مِنْ عَبَارِيمَ، لِأَنَّهُ قَدْ سُحِقَ كُلُّ مُحِبِّيكِ. ٢١تَكَلَّمْتُ إِلَيْكِ فِي رَاحَتِكِ. قُلْتِ: لَا أَسْمَعُ. هَذَا طَرِيقُكِ مُنْذُ صِبَاكِ، أَنَّكِ لَا تَسْمَعِينَ لِصَوْتِي. ٢٢كُلُّ رُعَاتِكِ تَرْعَاهُمُ ٱلرِّيحُ، وَمُحِبُّوكِ يَذْهَبُونَ إِلَى ٱلسَّبْيِ. فَحِينَئِذٍ تَخْزَيْنَ وَتَخْجَلِينَ لِأَجْلِ كُلِّ شَرِّكِ. ٢٣أَيَّتُهَا ٱلسَّاكِنَةُ فِي لُبْنَانَ ٱلْمُعَشِّشَةُ فِي ٱلْأَرْزِ، كَمْ يُشْفِقُ عَلَيْكِ عِنْدَ إِتْيَانِ ٱلْمُخَاضِ عَلَيْكِ، ٱلْوَجَعِ كَوَالِدَةٍ.
١. اِصْعَدِي عَلَى لُبْنَانَ وَٱصْرُخِي: تتجه النبوة إلى أورشليم وحكامها المقدَّر لهم أن يدانوا بسبب عبادتهم للأوثان وللأحلاف التي عقدوها. وكان التطلع إلى أماكن بعيدة، مثل لبنان وباشان وعباريم حماقة ودمارًا. إذ كان هؤلاء، من ناحية روحية، مثل عشاق يهوذا الزناة. وها هم قد هلكوا.
• “كان لبنان بغاباته المجيدة صورة الجمال والنجاح، مثل باشان بمراعيها الغنية (٢٢: ٢٠). أما بالنسبة لعباريم (٢٢: ٢٠)، فكانت سلسلة جبلية في الجنوب الشرقي رأى منها موسى أرض الموعد.” كيدنر (Kidner)
• “محبوها هم حلفاؤها السياسيون الذين كُسِروا… فهُجرت وعُزلت وصارت وحيدة.” ثومبسون (Thompson)
• “يناشد إرميا معاصريه (وهم مسؤولون في أورشليم، لأن الأفعال المستخدمة هنا هي في صيغة المؤنث) أن يندبوا النتائج الكارثية التي جلبتها سياسة يهوياقيم الدولية الحمقاء على بلدهم.” فينبيرغ (Feinberg)
٢. تَكَلَّمْتُ إِلَيْكِ فِي رَاحَتِكِ. قُلْتِ: لَا أَسْمَعُ: لقد تمتع شعب الله ببركة كبيرة وازدهار عظيم في الأرض الموعودة. وفي سنوات الازدهار تلك، تحدَّث الله إليهم، لكنهم رفضوا الإصغاء إليه.
• هذه واحدة من أعظم نقاط الحالة البشرية ومآسيها. فغالبًا ما نرفض الاستماع إلى الله في نجاحنا وازدهارنا، ولا نوليه اهتمامنا إلا في مواسم الويل. ومع ذلك، فإنه أفضل لنا أن نسمع إلى الله في ويلنا من أن لا نستمع إليه ولا نستجيب له على الإطلاق.
• “يحسُن بنا أن نضيف إلى ذلك حاشية من مزمور ١١٩: ٦٧ ’قَبْلَ أَنْ أُذَلَّلَ أَنَا ضَلَلْتُ، أَمَّا ٱلْآنَ فَحَفِظْتُ قَوْلَكَ.‘” كيدنر (Kidner)
٣. فَحِينَئِذٍ تَخْزَيْنَ وَتَخْجَلِينَ: ربما يقدم هذا الجو الذي يمكن فيه لسكان أورشليم وحكامها أن يستمعوا إلى الله ثانية ويرفضوا أوثان الأمم.
• أَيَّتُهَا ٱلسَّاكِنَةُ فِي لُبْنَانَ: “يشير هذا إلى الملك ونبلائه في قصورهم المبنية من خشب الأرز.” فينبيرغ (Feinberg) فقد استخدمو أرزًا كثيرًا حتى إنهم صنعوا أعشاشهم في الأرز (ٱلْمُعَشِّشَةُ فِي ٱلْأَرْزِ).
ثانيًا. رسالة إلى كنياهو
أ ) الآيات (٢٤-٢٧): السبي القادم لكنياهو (المعروف باسم يهوياكين أيضًا)
٢٤حَيٌّ أَنَا، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، وَلَوْ كَانَ كُنْيَاهُو بْنُ يَهُويَاقِيمَ مَلِكُ يَهُوذَا خَاتمًا عَلَى يَدِي ٱلْيُمْنَى فَإِنِّي مِنْ هُنَاكَ أَنْزِعُكَ، ٢٥وَأُسَلِّمُكَ لِيَدِ طَالِبِي نَفْسِكَ، وَلِيَدِ ٱلَّذِينَ تَخَافُ مِنْهُمْ، وَلِيَدِ نَبُوخَذْرَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ، وَلِيَدِ ٱلْكَلْدَانِيِّينَ. ٢٦وَأَطْرَحُكَ وَأُمَّكَ ٱلَّتِي وَلَدَتْكَ إِلَى أَرْضٍ أُخْرَى لَمْ تُولَدَا فِيهَا، وَهُنَاكَ تَمُوتَانِ. ٢٧أَمَّا ٱلْأَرْضُ ٱلَّتِي يَشْتَاقَانِ إِلَى ٱلرُّجُوعِ إِلَيْهَا، فَلَا يَرْجِعَانِ إِلَيْهَا.
١. وَلَوْ كَانَ كُنْيَاهُو بْنُ يَهُويَاقِيمَ مَلِكُ يَهُوذَا خَاتمًا عَلَى يَدِي ٱلْيُمْنَى فَإِنِّي مِنْ هُنَاكَ أَنْزِعُكَ: ربما ظن شعب يهوذا وقادة بيت داود أنهم كانوا محبوبين جدًّا من الله بحيث لا يمكن أن يرسل دينونة عليهم. وهنا يعد الله بأنه حتى لو كانوا مثمّنين لديه مثل الخاتم في يمناه، فستأتي الدينونة.
• “والآن، لا يمكن لشيء أن يمنع سبي يهوياكين، لأن الله، في خلعه للخاتم، رفض قيادته للأمّة.” هاريسون (Harrison)
٢. وَهُنَاكَ تَمُوتَانِ: صوّر الله شعبه على أنهم ثمينون له مثل الخاتم الذي ذكره. غير أنه، إذا جاز التعبير، سيخلعه ويعطيه لنبوخذنصّر، ملك بابل، وسيُطرَدون من الأرض، ويموتون بين البابليين. ولن يعودوا إلى الأرض الموعودة.
• لقد تحقق هذا تمامًا (بالنسبة لكنياهو المعروف باسم يهوياكين) بعد فترة حكم وجيزة، أُخِذ وعائلته الملكية إلى بابل كأسرى (٢ ملوك ٢٤: ٨-١٥).
ب) الآيات (٢٨-٣٠): اللعنة على نسل كنياهو
٢٨هَلْ هَذَا ٱلرَّجُلُ كُنْيَاهُو وِعَاءُ خَزَفٍ مُهَانٍ مَكْسُورٍ، أَوْ إِنَاءٌ لَيْسَتْ فِيهِ مَسَرَّةٌ؟ لِمَاذَا طُرِحَ هُوَ وَنَسْلُهُ وَأُلْقُوا إِلَى أَرْضٍ لَمْ يَعْرِفُوهَا؟ ٢٩يَا أَرْضُ، يَا أَرْضُ، يَا أَرْضُ ٱسْمَعِي كَلِمَةَ ٱلرَّبِّ! ٣٠هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: ٱكْتُبُوا هَذَا ٱلرَّجُلَ عَقِيمًا، رَجُلًا لَا يَنْجَحُ فِي أَيَّامِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَنْجَحُ مِنْ نَسْلِهِ أَحَدٌ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ وَحَاكِمًا بَعْدُ فِي يَهُوذَا.
١. هَلْ هَذَا ٱلرَّجُلُ كُنْيَاهُو وِعَاءُ خَزَفٍ مُهَانٍ مَكْسُورٍ: طرح إرميا سؤالًا بلاغيًّا. والجواب هو ’نعم.‘ إذ كان كنياهو مهانًأ محتقرًا حيث كان مرتبطًا بعبادة الأوثان وبالتعاسة (إِنَاءٌ لَيْسَتْ فِيهِ مَسَرَّةٌ)، وبسبب سبيه (لِمَاذَا طُرِحَ هُوَ وَنَسْلُهُ وَأُلْقُوا إِلَى أَرْضٍ لَمْ يَعْرِفُوهَا؟)
• إِنَاءٌ لَيْسَتْ فِيهِ مَسَرَّةٌ: “يشير التعبير الفني ’وعاء‘ (٢٢: ٢٨) إلى قِدْر أو آنية من درجة أدنى، حيث إنها إشارة ساخرة من الشاب يهوياكين وقيادته.” هاريسون (Harrison)
• إِنَاءٌ لَيْسَتْ فِيهِ مَسَرَّةٌ: “هذه صياغة غير مباشرة تشير إلى مرحاض أو إناء للتبّول (كما في هوشع ٨: ٨).” تراب (Trapp)
• طُرِحَ: “لقد رُحِّل بالفعل، وما زال اسمه مقروءًا على قائمة بابلية من السجناء الأجانب وحصصهم من الزيت والشعير.” كيدنر (Kidner)
٢. يَا أَرْضُ، يَا أَرْضُ ٱسْمَعِي كَلِمَةَ ٱلرَّبِّ: كانت هذه مقدمة فريدة وجادة لنذر أو وعد من الله.
• “يوحي التكرار بأقوى توكيد، وبالجدية، والشدة.” فينبيرغ (Feinberg)
• يمكن أن تترجم الكلمة العبرية المترجمة إلى ’أرض‘ (بمعنى العالم كله) أيضًا إلى ’أرض‘ بمعنى ’أرض يهوذا.‘ ويفضّل كدنر ترجمتها إلى ’أرض‘ (بمعنى العالم كله): “الترجمة القديمة للآية ٢٩ مثيرة للإعجاب على نحو فريد (يَا أَرْضُ، يَا أَرْضُ ٱسْمَعِي كَلِمَةَ ٱلرَّبِّ). وفي حين أنه قُصِد للمستمعين الأوائل أن يفهموها بمعنى أضيق، على أنها ’أرض يهوذا،‘ إلاّ أنه يَحْسُن بنا أن نعطيها نطاقها الكامل.” كيدنر (Kidner)
٣. ٱكْتُبُوا هَذَا ٱلرَّجُلَ عَقِيمًا… لَا يَنْجَحُ مِنْ نَسْلِهِ أَحَدٌ: تُدرج ١ أخبار الأيام ٣: ١٧-١٨ قوائم أبناء كنياهو. فليس الأمر أنه لم ينجب أبناء، لكن ينبغي أن يُعَد بلا أبناء (عقيمًا) لأن أبناءه ملعونون.
• ٱكْتُبُوا هَذَا ٱلرَّجُلَ: “يتعلق الأمر بالكتابة أو التسجيل بسجل للمواطنين (انظر إشعياء ٤: ٣). ويدل الرقم على الإحصاء السكّاني.” فينبيرغ (Feinberg)
٤. لِأَنَّهُ لَا يَنْجَحُ مِنْ نَسْلِهِ أَحَدٌ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ وَحَاكِمًا بَعْدُ فِي يَهُوذَا: كانت هذه لعنة فريدة وقوية على سلالة كنياهو. فقد نذر الله بأنه لن يحكم إسرائيل نسل دم لكنياهو.
• هذا شبيه للوعد المكتوب في إرميا ٣٦: ٣٠ عن أبي كنياهو، يهوياقيم، أو ربما كان امتدادًا له: لِذَلِكَ هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ عَنْ يَهُويَاقِيمَ مَلِكِ يَهُوذَا: ’لَا يَكُونُ لَهُ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ، وَتَكُونُ جُثَّتُهُ مَطْرُوحَةً لِلْحَرِّ نَهَارًا، وَلِلْبَرْدِ لَيْلًا.‘
• تمثل هذه النبوّات الموازية مشكلة. فقد وعد الله داود بأن يملك نسله على إسرائيل والعالم (٢ صموئيل ٧: ١٦). وبحلول وقت يهوياقيم وكنياهو، لم يكن ذلك النسل قد أتى بعد. وهنا يبدو أن الله يعد بأن من المستحيل أن يأتي هذا النسل. فإذا كان هنالك أحد من نسل دم داود من خلال يهوياقيم، لا يمكنه أن يجلس على كرسي داود، ليكون الملك والمسيّا بسبب اللعنة المسجّلة في إرميا ٢٢: ٣٠ و ٣٦: ٣٠. لكن إذا كان الملك الموعود لم ينحدر من داود، لا يمكن أن يكون الوريث الشرعي بسبب الوعد المقطوع لداود وطبيعة النسل الملكي.
• وهنا تأتي الاختلافات في سلسلة المواليد في متى ولوقا. فقد دوّن متى نسب يوسف رَجُلَ مَرْيَمَ ٱلَّتِي وُلِدَ مِنْهَا يَسُوعُ ٱلَّذِي يُدْعَى ٱلْمَسِيحَ (متى ١: ١٦). وقد بدأ بإبراهيم، وتتبّع خط النسل إلى يسوع من خلال يوسف. أما لوقا فتتبّع نسب مريم، لا يوسف (وَهُوَ عَلَى مَا كَانَ يُظَنُّ ٱبْنَ يُوسُفَ) (لوقا ٣: ٢٣). وبدأ بيسوع وتتبّع خط النسل راجعًا، وصولًا إلى آدم، بدءًا بمريم غير المذكورة.
• يشمل نسب متى يهوياكين، لكنه يبيّن فقط من هو أبو يسوع الشرعي، لا الطبيعي. ويتتبّع لوقا خط نسب يسوع من خلال ناثان بن داود، لا من خلال سليمان.” فينبيرغ (Feinberg)