سفر إرميا – الإصحاح ١٣
علامتا تحذير
يبدو أن هذا الإصحاح تجميع لعدة علامات وكلمات نبوية اُعطيت لإرميا في أوقات مختلفة.
أولًا. علامة مِنطقة الكتان
أ ) الآيات (١-٥): إخفاء منطقة الكتان
١هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ لِي: «ٱذْهَبْ وَٱشْتَرِ لِنَفْسِكَ مِنْطَقَةً مِنْ كَتَّانٍ وَضَعْهَا عَلَى حَقْوَيْكَ وَلَا تُدْخِلْهَا فِي ٱلْمَاءِ». ٢فَٱشْتَرَيْتُ ٱلْمِنْطَقَةَ كَقَوْلِ ٱلرَّبِّ وَوَضَعْتُهَا عَلَى حَقْوَيَّ. ٣فَصَارَ كَلَامُ ٱلرَّبِّ إِلَيَّ ثَانِيَةً قَائِلًا: ٤«خُذِ ٱلْمِنْطَقَةَ ٱلَّتِي ٱشْتَرَيْتَهَا ٱلَّتِي هِيَ عَلَى حَقَوَيْكَ، وَقُمِ ٱنْطَلِقْ إِلَى ٱلْفُرَاتِ، وَٱطْمِرْهَا هُنَاكَ فِي شَقِّ صَخْرٍ». ٥فَٱنْطَلَقْتُ وَطَمَرْتُهَا عِنْدَ ٱلْفُرَاتِ كَمَا أَمَرَنِي ٱلرَّبُّ.
١. ٱذْهَبْ وَٱشْتَرِ لِنَفْسِكَ مِنْطَقَةً مِنْ كَتَّانٍ: طلب الرب، إله عهد إسرائيل، من إرميا أن يأخذ منطقة (حزامًا) ويربطها حول خصره كدرس موضوعي. وكانت المنطقة مرتبطة بالثياب الكهنوتية لكل من رئيس الكهنة (خروج ٢٨: ٤) والكهنة العاديين (لاويين ١٦: ٤). وكانت المنطقة الكتّانية هذه علامة على الكرامة والنُبل.
• وَقُمِ ٱنْطَلِقْ إِلَى ٱلْفُرَاتِ، وَٱطْمِرْهَا هُنَاكَ فِي شَقِّ صَخْرٍ: يرى بعضهم، مثل هاريسون (Harrison)، أن هذه المنطقة كانت قماشًا يُلبس حول الخصر أو الحقوين. لكن يبدو أنه أفضل أن تُفهم على أنها حزام زخرفي أو قماش عريض مزخرف حول الخصر.
• “لو أراد إرميا أن يرتدي اللباس النبوي التقليدي، لارتدى سترة ضيقة إلى حد ما مصنوعة من مادة خشنة وفوقها عباءة من الشعر. فكان من شأن ارتدائه منطقة من الكتان حول خصره، مثل تلك التي يرتديها الكهنة والنبلاء الأثرياء، أن يجعل منظره رائعًا جذابًا.” ثومبسون (Thompson)
٢. وَقُمِ ٱنْطَلِقْ إِلَى ٱلْفُرَاتِ، وَٱطْمِرْهَا هُنَاكَ فِي شَقِّ صَخْرٍ: أمر الله إرميا بأن يقوم برحلة طويلة على طول الطريق شمالًا (وشرقًا إلى حد ما) إلى نهر الفرات. وكان هذا هو الاتجاه الذي سيأتي منه غزاة يهوذا في المستقبل. وبمجرد وصوله إلى هناك، كان عليه أن يطمر المنطقة بجانب النهر على ما يفترض.
• يعتقد بعضهم أن إرميا لم يقطع كل تلك المسافة إلى نهر الفرات، بل ذهب إلى مصدر مائي أقرب له اسم مشابه. ويعتقد آخرون أنه كان مجرد حلم نبوي، لكن لا يوجد سبب وجيه للاعتقاد أن إرميا لم يقطع تلك الرحلة الطويلة كتمثيل لمثل. “أعتقد أن هذا تاريخ، أي أن إرميا سافر بالفعل إلى بابل ورجع مرتين.” مورجان (Morgan)
• “من شأن اختفاء النبي مدة ثلاثة أشهر أن يثير ضجة في عناثوث، وعودته بلا منطقة أن تثير تعليقات كثيرة.” ثومبسون (Thompson)
• “لذلك يبدو أن رحلة النبي كانت مجرد رؤية، تمامًا كما كانت رحلة إشعياء حافي القدمين، وزواج هوشع من عاهرة، واضطجاع حزقيال على جانب واحد مدة ٣٩٠ يومًا دفعة واحدة.” تراب (Trapp)
ب) الآيات (٦-٧): العثور على المنطقة فاسدة عديمة الفائدة
٦وَكَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ أَنَّ ٱلرَّبَّ قَالَ لِي: «قُمِ ٱنْطَلِقْ إِلَى ٱلْفُرَاتِ وَخُذْ مِنْ هُنَاكَ ٱلْمِنْطَقَةَ ٱلَّتِي أَمَرْتُكَ أَنْ تَطْمِرَهَا هُنَاكَ». ٧فَٱنْطَلَقْتُ إِلَى ٱلْفُرَاتِ، وَحَفَرْتُ وَأَخَذْتُ ٱلْمِنْطَقَةَ مِنَ ٱلْمَوْضِعِ ٱلَّذِي طَمَرْتُهَا فِيهِ. وَإِذَا بِٱلْمِنْطَقَةِ قَدْ فَسَدَتْ. لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ.
١. قُمِ ٱنْطَلِقْ إِلَى ٱلْفُرَاتِ وَخُذْ مِنْ هُنَاكَ ٱلْمِنْطَقَةَ: بعد أيام كثيرة، أمر الله النبي بأن يقوم بالرحلة الطويلة مرة أخرى، وفي هذه المرة، لغرض أخذ المنطقة من المكان الذي سبق أن طمرها فيه.
٢. وَإِذَا بِٱلْمِنْطَقَةِ قَدْ فَسَدَتْ. لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ: وجد إرميا ربما ما كان يتوقعه. إذ فسدت المنطقة بفعل الأوساخ والرطوبة. كانت ما زالت موجودة، لكن في حالة خراب لا تصلح لشيء. فلم يعد فيها ما يدل على النبل والأهمية كما من قبل.
• “في حين أنه ربما لم ينتبه الشعب إلى الكلمات الواضحة، لا بد أن هذا العمل التمثيلي الصغير جذب انتباه الشعب وفضولهم. لا تلومونا إذا قمنا بتمثيل الحق بشكل درامي. إذ يتوجب علينا أن نربح قلوب الناس. وعندما نفعل ذلك، فإننا نخاطر بأن نوصَف بأننا مسرحيون.” سبيرجن (Spurgeon)
ج) الآيات (٨-١٢): تدمير كبرياء الشعب
٨فصَارَ كَلَامُ ٱلرَّبِّ إِلَيَّ قَائِلًا: ٩«هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: هَكَذَا أُفْسِدُ كِبْرِيَاءَ يَهُوذَا، وَكِبْرِيَاءَ أُورُشَلِيمَ ٱلْعَظِيمَةِ. ١٠هَذَا ٱلشَّعْبُ ٱلشِّرِّيرُ ٱلَّذِي يَأْبَى أَنْ يَسْمَعَ كَلَامِي، ٱلَّذِي يَسْلُكُ فِي عِنَادِ قَلْبِهِ وَيَسِيرُ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لِيَعْبُدَهَا وَيَسْجُدَ لَهَا، يَصِيرُ كَهَذِهِ ٱلْمِنْطَقَةِ ٱلَّتِي لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ. ١١لِأَنَّهُ كَمَا تَلْتَصِقُ ٱلْمِنْطَقَةُ بِحَقْوَيِ ٱلْإِنْسَانِ، هَكَذَا أَلْصَقْتُ بِنَفْسِي كُلَّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَكُلَّ بَيْتِ يَهُوذَا، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، لِيَكُونُوا لِي شَعْبًا وَٱسْمًا وَفَخْرًا وَمَجْدًا، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا. ١٢فتقول لهم هذه الكلمة.هكذا قال الرب اله اسرائيل.كل زق يمتلئ خمرا.فيقولون لك اما نعرف معرفة ان كل زق يمتلئ خمرا.
١. هَكَذَا أُفْسِدُ كِبْرِيَاءَ يَهُوذَا، وَكِبْرِيَاءَ أُورُشَلِيمَ ٱلْعَظِيمَةِ: أُخذت المنطقة الدالّة على النبل إلى الفرات حيث فسدت. وهكذا ستؤخذ أورشليم ويهوذا إلى الفرات (وما بعده) في السبي القادم. وبهذا سيقضي الله على كبرياء شعبه.
• “كما فسُد المنطقة، كذلك سيُقضى على كبرياء يهوذا وأورشليم الفاضحة.” ثومبسون (Thompson)
٢. يَصِيرُ كَهَذِهِ ٱلْمِنْطَقَةِ ٱلَّتِي لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ: في وقت ما، كان شعب الله، إسرائيل، ذا فائدة في العالم. لكنهم رفضوا الله، حتى إنهم في تلك المرحلة لم يكونوا نافعين لشيء. وكان هذا من خلال خطاياهم الثلاث.
• ٱلَّذِي يَأْبَى أَنْ يَسْمَعَ كَلَامِي: تقسّى شعب الله وصاروا باردين تجاه حكمة الله لهم.
• ٱلَّذِي يَسْلُكُ فِي عِنَادِ قَلْبِهِ: وثق شعب الله بقلوبهم، وتطلّعوا إلى الذات بدلًا من الرب.
• وَيَسِيرُ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لِيَعْبُدَهَا: عندما توقفوا عن الاستماع لله، وساروا وراء إملاءات قلوبهم، أدّى بهم هذا إلى عبادة الأوثان الفاسدة.
٣. لِأَنَّهُ كَمَا تَلْتَصِقُ ٱلْمِنْطَقَةُ بِحَقْوَيِ ٱلْإِنْسَانِ، هَكَذَا أَلْصَقْتُ بِنَفْسِي كُلَّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَكُلَّ بَيْتِ يَهُوذَا: كانت المنطقة الفخمة تعبّر عن الجمال والنبل، كذلك أراد الله أن يكون شعبه زينة لعظمته تجاه العالم كله. فإذا تمسكوا به فسيكونون ’لِي شَعْبًا وَٱسْمًا وَفَخْرًا وَمَجْدًا.‘
• “كان الغرض الرئيسي والهدف الأسمى للبشر هو أن يُلَفُّوا حول خصر الله كزينة. وعندما نكون في أفضل حالاتنا، فإننا نزيّن الله بالمجد.” رايكن (Ryken)
٤. وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا: بسبب خطايا شعب يهوذا العنيدة المستمرة إلى الرب، لم يحققوا المصير الجميل الذي خطّطه الله لهم، فأصبحوا عديمي النفع ومخرَّبين ومفسَدين مثل المنطقة المدفونة.
• ما صحَّ بالنسبة ليهوذا قديمًا يصح اليوم بين شعب الله. فخطة الله هي أن يجعل شعبه زينة نبيلة، زخرفًا على وجوده وعمله. فإذا رفضنا هذه الدعوة، نصبح عديمي الفائدة لأسمى قصد وأفضل غرض – ولقصدنا ولغرضنا.
ثانيًا. علامة زق الخمر
أ ) الآية (١٢): كُلُّ زِقٍّ يَمْتَلِئُ خَمْرًا.
١٢فَتَقُولُ لَهُمْ هَذِهِ ٱلْكَلِمَةَ: هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: كُلُّ زِقٍّ يَمْتَلِئُ خَمْرًا. فَيَقُولُونَ لَكَ: أَمَا نَعْرِفُ مَعْرِفَةً أَنَّ كُلَّ زِقٍّ يَمْتَلِئُ خَمْرًا؟
١. كُلُّ زِقٍّ يَمْتَلِئُ خَمْرًا: كان لهذه العبارة التي يُضرب بها المثل معنى، وهو أنه ’كل شيء سيحقق قصده.‘ فكان الغرض من الزقّ أن يحفظ الخمر، ولهذا فإن القول ’كُلُّ زِقٍّ يَمْتَلِئُ خَمْرًا‘ طريقة أخرى للقول إن ’كل شيء سيحقق قصده،‘ أو ’سيكون كل شيء صحيحًا في نهاية الأمر.‘
• “من الواضح أن هذه العلامة عنت شيئًا ينطوي على التفاؤل، مثل القول ’كلما توقعت أكثر، حصلت على أكثر،‘ أو ربما ’سيكون كل شيء صحيحًا في نهاية الأمر.‘” كيدنر (Kidner)
• زق: كان الزقّ أكبر إناء خزفي لتخزين الخمر (انظر إشعياء ٢٢: ٢٤؛ ٣٠: ١٤؛ مراثي أرميا ٤: ٢).” هاريسون (Harrison)
٢. أَمَا نَعْرِفُ مَعْرِفَةً أَنَّ كُلَّ زِقٍّ يَمْتَلِئُ خَمْرًا؟: تبيّن استجابة الشعب ثقتهم بالمبدأ الذي يتضمنه القول المأثور. فإذا كان الله قد خطّط لقصد نبيل وسامٍ لإسرائيل، فمن المؤكد أنه سيتم تحقيقه. وستتبع ذلك أوقات جيدة.
ب) الآيات (١٣-١٤): شعب يهوذا سكارى ومخرَّبون
١٣فَتَقُولُ لَهُمْ: هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: هَأَنَذَا أَمْلَأُ كُلَّ سُكَّانِ هَذِهِ ٱلْأَرْضِ وَٱلْمُلُوكَ ٱلْجَالِسِينَ لِدَاوُدَ عَلَى كُرْسِيِّهِ، وَٱلْكَهَنَةَ وَٱلْأَنْبِيَاءَ وَكُلَّ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ سُكْرًا. ١٤وَأُحَطِّمُهُمُ ٱلْوَاحِدَ عَلَى أَخِيهِ، ٱلْآبَاءَ وَٱلْأَبْنَاءَ مَعًا، يَقُولُ ٱلرَّبُّ. لَا أُشْفِقُ وَلَا أَتَرَأَّفُ وَلَا أَرْحَمُ مِنْ إِهْلَاكِهِمْ.
١. هَأَنَذَا أَمْلَأُ كُلَّ سُكَّانِ هَذِهِ ٱلْأَرْضِ… سُكْرًا: بدلًا من أن يحقق شعب الله المتمرد قصدهم أمام الله بطريقة سامية نبيلة، سيمتلئون خدَرًا وغباءً. فإذا كانت لديه ثقة قدرية بمصيرهم كشعب الله، فإن الرب سيحطم هذه الثقة.
• ستمتلئ رؤوسهم (بطريفة غير مختلفة عن الأواني الفخارية المستدية والفارغة من كل نفع) بالسُّكر، والضلال، والمخاوف، وروح الدُّوار.” تراب (Trapp)
٢. وَأُحَطِّمُهُمُ ٱلْوَاحِدَ عَلَى أَخِيهِ: ليس مصير الزق هو الامتلاء فحسب، بل الكسر أيضًا. وقد وعد الله شعبه المتمردين بهذا المصير إذا استمروا في خطيتهم ضده.
• “أعلن إرميا أن الله سيملأ شعبه بخمر غضبه. وكما ستحطَّم جرار الخمر الخزفية التي هزئ بها الشعب عندما تحطم بعضها بعضًا، سيحطم الله شعبه.” ثومبسون (Thompson)
ثالثًا. كيفية الاستجابة لتحذيرات الله
أ ) الآيات (١٥-١٦): تواضعْ وقدِّم المجد للرب.
١٥اِسْمَعُوا وَٱصْغَوْا. لَا تَتَعَظَّمُوا لِأَنَّ ٱلرَّبَّ تَكَلَّمَ. ١٦أَعْطُوا ٱلرَّبَّ إِلَهَكُمْ مَجْدًا قَبْلَ أَنْ يَجْعَلَ ظَلَامًا، وَقَبْلَمَا تَعْثُرُ أَرْجُلُكُمْ عَلَى جِبَالِ ٱلْعَتَمَةِ، فَتَنْتَظِرُونَ نُورًا فَيَجْعَلُهُ ظِلَّ مَوْتٍ، وَيَجَعْلُهُ ظَلَامًا دَامِسًا.
١. لَا تَتَعَظَّمُوا لِأَنَّ ٱلرَّبَّ تَكَلَّمَ: في كل مرة يتحدث فيها الله إلينا، يكون لدينا خيار الرد بكبرياء وتعظُّم، أو بتواضع. فلدينا الخيار أن نرفض كلمته ونقاومها، أو أن نتضع أمام سلطته. فنبّه الله شعب يهوذا إلى ضرورة اتخاذ سبيل التواضع.
• “إذا رفضت سماع ما يقوله الرب، فإنك ستتبع أصواتًا أخرى ستغويك إلى ليلة مصرية من التشويش. ستتأمل وتتفكر، أو أنك ستنتقد أو تُتَفِّه إلى أن تلفك سحابة من الشكوك ودخان كثيف من التكهنات، مقتربًا جدًّا من الاختناق بزفير عدم الإيمان. ولن تعرف ما ينبغي أن تفعل، أو تفكر، أو تقول، ولا أين تأخذ نفسك، لأنك تخليت عن دليلك، وأطفأت مصباحك.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. أَعْطُوا ٱلرَّبَّ إِلَهَكُمْ مَجْدًا قَبْلَ أَنْ يَجْعَلَ ظَلَامًا: لم تكن الدينونة الموعودة بعيدة. وكان على شعب يهوذا أن يلجأوا إلى الرب قبل أن يحل الظلام وتتعثر أرجلهم. ففي رفضهم لله، سيكونون مثل المسافرين بين الجبال ليلًا، والذين يحاولون أن يشقوا طريقهم عبر مسالك خطرة في ظلمة كثيفة.
• يمكن لشعب يهوذا أن يعطوا الله المجد بإقرارهم بمكانته المتفوقة، وبمكانتهم المناسبة تحته. ويمكنهم أن يعترفوا بتواضع بخطاياهم، ويرفضوا أصنامهم التي سلبت الله مجده.
• أَعْطُوا ٱلرَّبَّ إِلَهَكُمْ مَجْدًا: “اعترفوا بخطاياكم، وارجعوا إليه لكي تتفادوا هذه الشرور المؤلمة.” كلارك (Clarke)
ب) الآيات (١٧-٢٠): ثمن عدم مراعاة تحذيرات الله
١٧وَإِنْ لَمْ تَسْمَعُوا ذَلِكَ، فَإِنَّ نَفْسِي تَبْكِي فِي أَمَاكِنَ مُسْتَتِرَةً مِنْ أَجْلِ ٱلْكِبْرِيَاءِ، وَتَبْكِي عَيْنَيَّ بُكَاءً وَتَذْرِفُ ٱلدُّمُوعَ، لِأَنَّهُ قَدْ سُبِيَ قَطِيعُ ٱلرَّبِّ. ١٨قُلْ لِلْمَلِكِ وَلِلْمَلِكَةِ: «ٱتَّضِعَا وَٱجْلِسَا، لِأَنَّهُ قَدْ هَبَطَ عَنْ رَأْسَيْكُمَا تَاجُ مَجْدِكُمَا». ١٩أُغْلِقَتْ مُدُنُ ٱلْجَنُوبِ وَلَيْسَ مَنْ يَفْتَحُ. سُبِيَتْ يَهُوذَا كُلُّهَا. سُبِيَتْ بِٱلتَّمَامِ. ٢٠اِرْفَعُوا أَعْيُنَكُمْ وَٱنْظُرُوا ٱلْمُقْبِلِينَ مِنَ ٱلشِّمَالِ. أَيْنَ ٱلْقَطِيعُ ٱلَّذِي أُعْطِيَ لَكِ، غَنَمُ مَجْدِكِ؟
١. وَإِنْ لَمْ تَسْمَعُوا ذَلِكَ، فَإِنَّ نَفْسِي تَبْكِي: كانت هذه مرثاة إرميا الأليمة. فلم يكن مراقبًا فاتر المشاعر وهو يلقي بصواعق دينونة الله على يهوذا. بل ساخت عيناه بالدموع بسبب خطيتها وكبريائها، ولأن قطيع الرب سيُسبى عما قريب.
• “ينبغي أن يكون الخدام الصالحون ممتلئين بدموع الرأفة، فيبكون في الخفاء على شعبهم وعلى الخطر المحدق بهم.” تراب (Trapp)
٢. قُلْ لِلْمَلِكِ وَلِلْمَلِكَةِ: ’ٱتَّضِعَا‘: إذا خضع ملك يهوذا وملكتها واستسلما لله، فمن المؤكد أن الشعب سيحذو حذوهما. وفي هذا العمل الروحي، كان على القادة أن يأخذوا زمام المبادرة.
• كانت هذه الكلمة موجهة إلى الملك الشاب يهوياكين وأمه نحوشتا (٢ ملوك ٢٤: ٨-١٦). وربما كانا بالفعل في بابل بحلول هذا الوقت، لكن كان ما زال بإمكانهما أن يستفيدا من هذه الرسالة بالتواضع أمام الرب.
• “كان الخطاب حثًّا على التواضع في ضوء فقدانهما الوشيك للسيادة. وقد كانت الكبرياء سمة ذلك البيت الملكي.” فينبيرغ (Feinberg)
٣. لِأَنَّهُ قَدْ هَبَطَ عَنْ رَأْسَيْكُمَا تَاجُ مَجْدِكُمَا: إن كانت لملك يهوذا أو الملكة الأم مسؤولية خاصة في قيادة الشعب إلى التوبة، فإن لديهما سببًا خاصًّا للقيام بهذا. فبسبب ارتفاع مكانتهما، سيؤثر السقوط القادم فيهما بشكل أسوأ.
• أُغْلِقَتْ مُدُنُ ٱلْجَنُوبِ: “لن يدخل الكلدانيون مدن الشمال فحسب، بل مدن الجنوب أيضًا، لأنهم سينطلقون من طرف إلى طرف أقصى من الأرض، ناشرين الدمار في كل مكان، وحاملين السكان إلى السبي.” كلارك (Clarke)
• سُبِيَتْ يَهُوذَا كُلُّهَا. سُبِيَتْ بِٱلتَّمَامِ: “عبارة ’سُبِيَتْ يَهُوذَا كُلُّهَا‘ مبالغة بلاغية، لأنه لم يؤخذ إلى بابل في هذا الوقت (٥٩٧ ق. م.) إلا بعض القادة والصنّاع المهرة. غير أن هؤلاء مثّلوا الأمة كلها.” فينبيرغ (Feinberg)
٤. أَيْنَ ٱلْقَطِيعُ ٱلَّذِي أُعْطِيَ لَكِ، غَنَمُ مَجْدِكِ: سيأخذ الغزاة القادمون من الشمال شعب يهوذا أسرى. وبما أنه كان يُنظر إلى الملك على أنه راعٍ لشعبه، كانت صورة الغزاة وهم يسرقون الأغنام الجميلة لملك يهوذا مناسبة بشكل خاص.
• اِرْفَعُوا أَعْيُنَكُمْ (ارفعي عينيك): “يجيء الأمر هنا في صيغة المؤنث (ارفعي عينيك). ولهذا يبدو أنه يخاطب مدينة أورشليم.” ثومبسون (Thompson)
ج) الآيات (٢١-٢٣): ذنب الذين يعاقبهم الرب
٢١مَاذَا تَقُولِينَ حِينَ يُعَاقِبُكِ، وَقَدْ عَلَّمْتِهِمْ عَلَى نَفْسِكِ قُوَّادًا لِلرِّيَاسَةِ؟ أَمَا تَأْخُذُكِ ٱلْأَوْجَاعُ كَٱمْرَأَةٍ مَاخِضٍ؟ ٢٢وَإِنْ قُلْتِ فِي قَلْبِكِ: «لِمَاذَا أَصَابَتْنِي هَذِهِ؟». لِأَجْلِ عَظَمَةِ إِثْمِكِ هُتِكَ ذَيْلَاكِ وَٱنْكَشَفَ عَنَفًا عَقِبَاكِ. ٢٣هَلْ يُغَيِّرُ ٱلْكُوشِيُّ جِلْدَهُ أَوِ ٱلنَّمِرُ رُقَطَهُ؟ فَأَنْتُمْ أَيْضًا تَقْدِرُونَ أَنْ تَصْنَعُوا خَيْرًا أَيُّهَا ٱلْمُتَعَلِّمُونَ ٱلشَّرَّ.
١. مَاذَا تَقُولِينَ حِينَ يُعَاقِبُكِ؟: عندما تأتي الكارثة الموعودة على يهوذا، لن يكون لهم عذر. فرغم أن إرميا حذّرهم كرسول للرب، إلا أنهم لم يسمعوا له.
• “كان الشعب، شأنهم شأن المؤمنين الاسميين في كل العصور، متشككين في أن مثل هذه المصائب يمكن أن تحل بهم.” هاريسون (Harrison)
• وَقَدْ عَلَّمْتِهِمْ عَلَى نَفْسِكِ قُوَّادًا لِلرِّيَاسَةِ: “يقال هذا عن أعدائهم، سواء أكانوا الأشوريين أم الكلدانيين… وهكذا تعلَّم أعداؤهم أن يكونوا أسيادهم وأربابهم.” كلارك (Clarke)
٢. لِأَجْلِ عَظَمَةِ إِثْمِكِ هُتِكَ ذَيْلَاكِ وَٱنْكَشَفَ عَنَفًا عَقِبَاكِ: حذّر الله شعب يهوذا، بصور قوية، من أن إثمهم كان عظيمًا بحيث إن الدينونة القادمة عليهم ستكون انتهاكًا صارخًا.
• الفكرة هنا هي أن شعب يهوذا غير الأمناء سيُنتهكون بشكل فظيع ومأساوي على أيدي غزاتهم، أو أنهم سيُذَلّون أو يُفضحون كعاهرات على زناهم الروحي المستمر (كما في إشعياء ٤٧: ٢-٣؛ هوشع ٢: ٣). وكلتا الصورتين مناسبة للسياق.
• “كان كشف الأعضاء السرية (المذكورة هنا بشكل ملطف على أنه تمزيق التنورة – هُتِكَ ذَيْلَاكِ عَقِبَاكِ – وإساءة معاملة الجسد) كان عارًا علنيًا يُصَب على العاهرات.” فينبيرغ (Feinberg)
• “إن تعبير ’هُتِكَ ذَيْلَاكِ وَٱنْكَشَفَ عَنَفًا عَقِبَاكِ‘ تعبير ملطف للإشارة إلى الاغتصاب الجنسي هنا وفي كل موضع في العهد القديم (لاويين ١٨: ٦-١٩؛ تثنية ٢٣: ١؛ ٢٧: ٢٠؛ إشعياء ٤٧: ٣؛ ناحوم ٣: ٥، إلخ.” ثومبسون (Thompson)
• “الإشارة إلى كشف العقبين تعبير ملطّف أيضًا. وهو يُترجم في نسخ أخرى إلى ’انتهاك الجسد،‘ و’التعرض للعنف‘ و’الأطراف المكشوفة‘.” هاريسون (Harrison)
• “في ظل الاستعارات العنيفة، فإن الدرس هو أن الشعب الذي يتخلى عن فضيلته، وأخلاقه، ونزاهته، وإيمانه سيجد نفسه غير حر، بل رخيصًا مجردًا من كل ما يعطيه قيمة واحترامًا.” كيدنر (Kidner)
٣. هَلْ يُغَيِّرُ ٱلْكُوشِيُّ جِلْدَهُ أَوِ ٱلنَّمِرُ رُقَطَهُ؟ فَأَنْتُمْ أَيْضًا تَقْدِرُونَ أَنْ تَصْنَعُوا خَيْرًا أَيُّهَا ٱلْمُتَعَلِّمُونَ ٱلشَّرَّ: اقتبس إرميا هذا المثل ليحث الشعب العالقين في طبيعتهم الآثمة، وغير القادرين على تغيير أنفسهم. فلم يكن الحل أولًا في الإصلاح الوطني، بل في التوبة الوطنية والاعتماد على الله القادر على تغيير طبيعة الإنسان.
• “كان الشر مرتبطًا بهم، لا بشكل خارجي كقفّازات فحسب، بل كان مصبوغًا بعمق فيهم أيضًا. وهو أمر لا يمكن أن يغيروه أو أن يرغبوا في ذلك، كما لا يستطيع المرء أن يغيّر لون بشرته.” كيدنر (Kidner)
• قد يكون الشر متأصّلًا في الناس بحيث يجدون أن من المستحيل أن يتغيروا. لكن، من منظور كتابي أوسع، نرى العمل التغييري الجذري ليسوع المسيح: ’إِذًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي ٱلْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: ٱلْأَشْيَاءُ ٱلْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا ٱلْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا‘ (٢ كورنثوس ٥: ١٧). ولا تأتي التغييرات دفعة واحدة، وهي لا تكتمل إلا عندما نقام في مجد. غير أن التغيير الجذري حقيقي. لا يستطيع ٱلْكُوشِيُّ أن يغير جِلْدَهُ أَوِ ٱلنَّمِرُ رُقَطَهُ، لكن الرب يستطيع أن يغير الرجال والنساء.
• “السؤال هو: هَلْ يُغَيِّرُ ٱلْكُوشِيُّ جِلْدَهُ؟ والجواب هو: لا، وألف لا. وهنالك سؤال آخر: هل يمكن تغيير جلد الكوشي؟ والجواب التوكيدي هو: نعم، وألف نعم. هل يمكن تغيير جلد الكوشي؟ وهل يمكن تغيير طبيبعة الخاطئ؟ نعم. فالله قادر على كل شيء.” سبيرجن (Spurgeon)
د ) الآيات (٢٤-٢٥): تصميم الرب على تشتيت شعبه
٢٤فَأُبَدِّدُهُمْ كَقَشٍّ يَعْبُرُ مَعَ رِيحِ ٱلْبَرِّيَّةِ. ٢٥هَذِهِ قُرْعَتُكِ، ٱلنَّصِيبُ ٱلْمَكِيلُ لَكِ مِنْ عِنْدِي، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، لِأَنَّكِ نَسِيتِنِي وَٱتَّكَلْتِ عَلَى ٱلْكَذِبِ.
١. فَأُبَدِّدُهُمْ كَقَشٍّ: لن تُقهر يهوذا وتُسبى فحسب، بل ستتشتت عبر الإمبراطورية البابلية والامبراطوريات اللاحقة أيضًا. كان هذا نصيبهم آٱلْمَكِيلُ لَكِ مِنْ عِنْدِي.‘
• هَذِهِ قُرْعَتُكِ: “لا تبحث عما هو أفضل، لأنك من خلال كذبك وباطلك تخليت عن مراحمك، وستكون بائسًا باختيارك.” تراب (Trapp)
٢. لِأَنَّكِ نَسِيتِنِي وَٱتَّكَلْتِ عَلَى ٱلْكَذِبِ: حتى في هذا الإنذار الشديد، أعطى الله شعبه خارطة للرجوع إلى رضاه وبركته. فحيث نسوا الله، يتوجب عليهم أن يتذكروه ثانية. وحيث اتكلوا على الكذب والذات والأوثان، يتوجب عليهم أن يبتعدوا عنها.
• وَٱتَّكَلْتِ عَلَى ٱلْكَذِبِ: “كان ارتباط يهوذا بالكذب في حد ذاته خزيًا عظيمًا، عمل زنا.” ثومبسون (Thompson)
• “المفارقة هنا هي أن يهوذا ستعاني على أيدي الأشخاص الذين توددت إليهم وغازلتهم. وبسبب انغماسها في أعمال الظلمة غير المثمرة، ستُفضَح يهوذ علنًا على أنها الخليعة الفاسدة والتي كانت ذات يوم مرتبطة بعهد محبة بالرب.” هاريسون (Harrison)
هـ) الآيات (٢٦-٢٧): افتضاح عار شعب الله
٢٦فَأَنَا أَيْضًا أَرْفَعُ ذَيْلَيْكِ عَلَى وَجْهِكِ فَيُرَى خِزْيُكِ. ٢٧فِسْقُكِ وَصَهِيلُكِ وَرَذَالَةُ زِنَاكِ عَلَى ٱلْآكَامِ فِي ٱلْحَقْلِ. قَدْ رَأَيْتُ مَكْرَهَاتِكِ. وَيْلٌ لَكِ يَا أُورُشَلِيمُ! لَا تَطَهَرِينَ. حَتَّى مَتَى بَعْدُ؟
١. فَأَنَا أَيْضًا أَرْفَعُ ذَيْلَيْكِ: عَلَى وَجْهِكِ فَيُرَى خِزْيُكِ: رفض شعب الله بشكل مزمن وعنيد أن يتواضعوا أمام الرب (كما في مناشدة إرميا ١٣: ١٨). ولذلك، سيواجهون خزيًا أكبر ملائمًا لزناهم الفعلي والروحي.
• وَصَهِيلُكِ: “الإشارة هنا هي إلى حيوان (حصان) يتطلع إلى علاقة محرمة.” فينبيرغ (Feinberg)
٢. وَيْلٌ لَكِ يَا أُورُشَلِيمُ! لَا تَطَهَرِينَ: لم يكن النبي إرميا هو وحده الذي توجّع على مصير هذا الشعب العنيد، عابد الأوثان. إذ انضم الرب نفسه إلى هذا التحسر والتضرع.
• “يختتم النبي هذه الخصومة (القانونية) التوكيدية والمشبوبة بالعاطفة بالتضرع إليهم أن يقدموا توبة حقيقية وسريعة، كما فعل كثيرًا، لكن من دون نجاح كبير.” تراب (Trapp)