سفر إرميا – الإصحاح ٣٤
الرجوع عن تحرير العبيد
أولًا. كلمة الرب على صدقيّا، ملك يهوذا
أ ) الآيات (١-٣): الله ينبئ صدقيا بسقوط أورشليم الوشيك
١اَلْكَلِمَةُ ٱلَّتِي صَارَتْ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ حِينَ كَانَ نَبُوخَذْنَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ وَكُلُّ جَيْشِهِ وَكُلُّ مَمَالِكِ أَرَاضِي سُلْطَانِ يَدِهِ وَكُلُّ ٱلشُّعُوبِ، يُحَارِبُونَ أُورُشَلِيمَ وَكُلُّ مُدُنِهَا قَائِلَةً: ٢«هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: ٱذْهَبْ وَكَلِّمْ صِدْقِيَّا مَلِكَ يَهُوذَا وَقُلْ لَهُ: هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: هَأَنَذَا أَدْفَعُ هَذِهِ ٱلْمَدِينَةَ لِيَدِ مَلِكِ بَابِلَ فَيُحْرِقُهَا بِٱلنَّارِ. ٣وَأَنْتَ لَا تُفْلِتُ مِنْ يَدِهِ، بَلْ تُمْسَكُ إِمْسَاكًا وَتُدْفَعُ لِيَدِهِ، وَتَرَى عَيْنَاكَ عَيْنَيْ مَلِكِ بَابِلَ، وَتُكَلِّمُهُ فَمًا لِفَمٍ وَتَذْهَبُ إِلَى بَابِل.
١. يُحَارِبُونَ أُورُشَلِيمَ وَكُلُّ مُدُنِهَا قَائِلَةً: جاءت هذه النبوّة على صدقيا ومملكته، في العام العاشر أو الحادي عشر من حكمه. وكان قد جاء نبوخذنصر مع جيشه البابلي على أورشليم وحاصرها.
• تعطي الآيتان ٢١-٢٢ معلومات إضافية حول الوقت والسياق. فقد قال الله إن الجيوش البابلية التي تراجعت عن أورشليم ستعود إليها (إرميا ٣٤: ٢٢). وتأتي أحداث هذا الإصحاح في سياق هجوم المصريين على البابليين أثناء الحصار، حيث انسحب نبوخذنصّر لفترة قصيرة من حصاره لأورشليم لمحاربة المصريين في الجنوب (إرميا ٣٧: ٥-١٠). فظنّ قادة أورشليم وأهلها أنهم قد نجوا. لكن الله ونبيّه عرفا أن البابليين سيرجعون.
• “كانت إستراتيجية الغزاة هي إبقاء العاصمة تحت الحصار وتقليل الحصون الممتدة واحدًا بعد الآخر أثناء السنة القادمة. وعندما لم يتبقَّ إلا لخيش وعزيقة (إرميا ٣٤: ٧)، بدأ يلوح أمل أخيرًا، حيث وصلت أنباء حول اقتراب الجيوش المصرية بقيادة الفرعون حفرع (إرميا ٤٤: ٣٠) إلى العاصمة، ربما في أواخر ربيع عام ٥٨٨ قبل الميلاد.” ثومبسون (Thompson)
• وَكُلُّ مَمَالِكِ أَرَاضِي سُلْطَانِ يَدِهِ وَكُلُّ ٱلشُّعُوبِ: “تبيّن دانيال ٣: ٢-٣ و٤: ١ الامتداد الشاسع للإمبراطورية البابلية. وجاء الجنود المحاربون فيها من رعايا أخرى للانضمام إلى الحصار (انظر ٢ ملوك ٢٤: ٢).” فينبيرغ (Feinberg)
٢. هَأَنَذَا أَدْفَعُ هَذِهِ ٱلْمَدِينَةَ لِيَدِ مَلِكِ بَابِل: رغم رفع الحصار عن المدينة بشكل مؤقت، إلا أن الله أراد لصدقيا أن يعرف أنّ المدينة والمملكة ستُغزيان بإرادة الله وأمره. فلم يكن البابليون وحدهم ضد يهوذا.
• لقد أُحرقت بالنار فعلًا. وقد أُحرق بيت الله وبيت الملك، وكل بيوت أورشليم، أي بيوت العظماء فيها (٢ ملوك ٢٥: ٩).
٣. وَأَنْتَ لَا تُفْلِتُ مِنْ يَدِهِ: في بعض الأحيان، عندما تسقط مدينة أو مملكة، كان ملكها ينجو أو يهرب. فأراد الله من صدقيا أن يعرف أن هذا لن يكون الحال في هذه المرة. إذ سيؤسر من الملك البابلي نبوخذنصّر الذي نصّبه على العرش كملك تابع له (٢ أخبار الأيام ٣٦: ١٠)، والذي تمرد صدقيا عليه، وسيواجهه.
• “كان متوقعًا أن ينال عقوبة شديدة. والتعبير العبري نابض بالحياة: ’وَتَرَى عَيْنَاكَ عَيْنَيْ مَلِكِ بَابِلَ، وَتُكَلِّمُهُ فَمًا لِفَمٍ وَتَذْهَبُ إِلَى بَابِل.‘ وكانت مواجهات كهذه معروفة في الوثائق الموجودة الباقية الآن من الشرق الأدنى القديم.” ثومبسون (Thompson)
• “كانت كلمة الرب إليه هي ألّا ينخدع بفترة الراحة المؤقتة في الحصار. فالموقف يائس فعلًا.” فينبيرغ (Feinberg)
• “بتذكُّرنا استعداد الله عن التراجع عن التهديد (إرميا ١٨: ٨، ١١)، ورأفة نبوخذنصّر بإرميا، بسبب دعوته إلى الاستسلام (إرميا ٣٩: ١١-١٢)، نتساءل إن كان سيجد صدقيا رحمة لو أنه تاب.” كيدنر (Kidner)
ب) الآيات (٤-٥): الوعد بأن صدقيا سيموت ميتة طبيعية
٤وَلَكِنِ ٱسْمَعْ كَلِمَةَ ٱلرَّبِّ يَا صِدْقِيَّا مَلِكَ يَهُوذَا. هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ مِنْ جِهَتِكَ: لَا تَمُوتُ بِٱلسَّيْفِ. ٥بِسَلَامٍ تَمُوتُ، وَبِإِحْرَاقِ آبَائِكَ ٱلْمُلُوكِ ٱلْأَوَّلِينَ ٱلَّذِينَ كَانُوا قَبْلَكَ، هَكَذَا يُحْرِقُونَ لَكَ وَيَنْدُبُونَكَ قَائِلِينَ: آهِ، يَا سَيِّدُ. لِأَنِّي أَنَا تَكَلَّمْتُ بِٱلْكَلِمَةِ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ.
١. لَا تَمُوتُ بِٱلسَّيْفِ: كان هنالك مصير رهيب أمام صدقيا، لكنه لم يمت بحد السيف. فبعد فترة وجيزة من هذه النبوة، أسره البابليون، ثم قتلوا أبناءه أمام عينيه، ثم فقأوهما، وأوثقوه بسلاسل نحاسية، وأخذوه إلى بابل (٢ ملوك ٢٥: ٧).
• لَا تَمُوتُ بِٱلسَّيْفِ: “مع أن أباه يوشيا، وكان رجلًا أفضل منه بكثير، مات بحد السيف. فأحكام الله وطرقه تتجاوز الاستقصاء.” تراب (Trapp)
٢. يُحْرِقُونَ (البخور) لَكَ وَيَنْدُبُونَكَ: كانت لدى صدقيا تعزيات صغيرة في ميتة مسالمة، وتذكُّر رعاياه وندبهم له. ويعتقد بعضهم أن هذا كان وعدًا مشروطًا لم يتحقق قط لأنه لم يلجأ إلى الله.
• “لدى اليهود تقليد أن نبوخذنصّر أمر بإخراجه من السجن في يوم احتفال، وأساء إليه أمام رؤسائه من أجل التسلية. ونتيجة لذلك، مات صدقيا بعد فترة قصيرة من الخزي والحزن. وبعد ذلك، وكتعويض لما فعله نبوخذنصّر، دفنه دفنًا مشرّفًا، طالبًا من رعايا صدقيا السابقين أن يحرقوا روائح زكية وينوحوا على موته.” كلارك (Clarke)
• “لا ينبغي الخلط بين ’بِإِحْرَاقِ آبَائِكَ‘ والترميد (حرق جثث الموتى حتى تصبح رمادًا) المشهور في الهند. فلم يكن الترميد هذا عادة سائدة بين اليهود.” فينبيرغ (Feinberg)
ج) الآيات (٦-٧): إرميا يوصل الكلمة إلى الملك صدقيا
٦فَكَلَّمَ إِرْمِيَا ٱلنَّبِيُّ صِدْقِيَّا مَلِكَ يَهُوذَا بِكُلِّ هَذَا ٱلْكَلَامِ فِي أُورُشَلِيمَ، ٧إِذْ كَانَ جَيْشُ مَلِكِ بَابِلَ يُحَارِبُ أُورُشَلِيمَ وَكُلَّ مُدُنِ يَهُوذَا ٱلْبَاقِيَةِ: لَخِيشَ وَعَزِيقَةَ. لِأَنَّ هَاتَيْنِ بَقِيَتَا فِي مُدُنِ يَهُوذَا مَدِينَتَيْنِ حَصِينَتَيْنِ.
١. فَكَلَّمَ إِرْمِيَا ٱلنَّبِيُّ صِدْقِيَّا مَلِكَ يَهُوذَا بِكُلِّ هَذَا ٱلْكَلَامِ: بقي إرميا نبيًّا شجاعًا. لقد كان لدى صدقيا السلطة على إيذائه بطرق كثيرة، لكن النبي لم يتردد في إيصال الرسالة الإلهية إلى الملك.
٢. وَكُلَّ مُدُنِ يَهُوذَا ٱلْبَاقِيَةِ: لَخِيشَ وَعَزِيقَةَ: كانت مدينة لخيش على بعد حوالي ٣٠ ميلًا إلى الجنوب الغربي من أورشليم. وبسبب التهديد المصري، كان على نبوخذنصّر أن يؤمّن النقاط الإستراتيجية إلى الجنوب قبل اكتمال غزوه لأورشليم.
• اكتشف علماء الآثار حفرة في لخيش تحتوي على بقايا ١.٥٠٠ جندي مصري من ضحايا نبوخذنصر. وتم اكتشاف رسائل لخيش، وهي كتابات عاجلة كُتبت على قطع من الفخار تدور حول الهجوم البابلي وغزو مدن مثل لخيش وعزيقة (وهما مذكورتان على نحو محدد في رسائل لخيش).
• “تم العثور على واحدة وعشرين قطعة فخارية لكتابة القوائم، والرسائل، إلخ. يرجع تاريخها إلى الغزو البابلي. وتقول إحدى القطع: “نحن نراقب وصول إشارات من لخيش حسب الدلائل التي أعطانا إياها سيدي، لأننا لا نستطيع أن نرى عزيقة.” وعادة ما يؤخذ هذا على أنه تلميح إلى أن عزيقة سقطت، وإلى أن إشارة الدخان أو المنارة التي تشير إلى صمود المدينة لم تعد موجودة.” كندال (Cundall)
• كانت هاتان مدينتين ذات أهمية كبيرة. وقد سبق أن حصّنهما رحبعام (٢ أخبار الأيام ١١: ٩-١١؛ ٣٢: ٩).” كلارك (Clarke)
ثانيًا. خطية تحرير العبيد واستعبادهم ثانية
أ ) الآيات (٨-١١): الرجوع إلى العهد لإطلاق العبيد من الخدمة
٨ٱلْكَلِمَةُ ٱلَّتِي صَارَتْ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ، بَعْدَ قَطْعِ ٱلْمَلِكِ صِدْقِيَّا عَهْدًا مَعَ كُلِّ ٱلشَّعْبِ ٱلَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ لِيُنَادُوا بِٱلْعِتْقِ، ٩أَنْ يُطْلِقَ كُلُّ وَاحِدٍ عَبْدَهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ أَمَتَهُ ٱلْعِبْرَانِيَّ وَٱلْعِبْرَانِيَّةَ حُرَّيْنِ، حَتَّى لَا يَسْتَعْبِدَهُمَا، أَيْ أَخَوَيْهِ ٱلْيَهُودِيَّيْنِ، أَحَدٌ. ١٠فَلَمَّا سَمِعَ كُلُّ ٱلرُّؤَسَاءِ وَكُلُّ ٱلشَّعْبِ ٱلَّذِينَ دَخَلُوا فِي ٱلْعَهْدِ أَنْ يُطْلِقُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَبْدَهُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ أَمَتَهُ حُرَّيْنِ وَلَا يَسْتَعْبِدُوهُمَا بَعْدُ، أَطَاعُوا وَأَطْلَقُوا. ١١وَلَكِنَّهُمْ عَادُوا بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرْجَعُوا ٱلْعَبِيدَ وَٱلْإِمَاءَ ٱلَّذِينَ أَطْلَقُوهُمْ أَحْرَارًا، وَأَخْضَعُوهُمْ عَبِيدًا وَإِمَاءً.
١. بَعْدَ قَطْعِ ٱلْمَلِكِ صِدْقِيَّا عَهْدًا مَعَ كُلِّ ٱلشَّعْبِ ٱلَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ لِيُنَادُوا بِٱلْعِتْقِ: في وقت ما من عهد الملك صدقيا (ربما عندما هدد البابليون بغزو أورشليم)، نادى بإعتاق العبيد العبرانيين في يهوذا.
• في إسرائيل القديمة، كما في العالم القديم بأكمله، كان هنالك أشخاص يعملون لدى آخرين على أساس مبدأ العبودية. فقد كانوا عبيدًا بمعنى ما، لكن ليس بالضرورة بالمعنى الوحشي والمنحط الذي يفكر فيه معظم الناس حول العبودية.
• يعتقد بعضهم أن الكتاب المقدس هو المسؤول عن العبودية. والعكس هو الصحيح. لقد وجدت العبودية قبل إسرائيل وموسى. والكتاب المقدس مسؤول عن القضاء عن العبودية، لا عن تأسيسها.
• كانت هنالك أربع طرق يمكن بها لعبراني أن يكون عبدًا لعبراني آخر.
في حالة الفقر المُدْقِع، قد يبيع المرء حريته (لاويين ٢٥: ٣٩).
قد يبيع رجل ابنة له كأَمَة في بيت بقصد أن تتزوج في ذلك البيت في النهاية (خروج ٢١: ٧).
في حالة الإفلاس، يمكن أن يكون رجل عبدًا لدائنه (٢ ملوك ٤: ١).
إذا لم يكن ما لدى السارق ما يدفعه كتعويض مناسب (خروج ٢٢: ٣-٤).
• “كان استعباد شعب إسرائيل لأبناء وطنهم إلى حد كبير مسألة اقتصادية. فقد يقبل الرجال المدينون وضع العبودية حتى تتم تصفية ديونهم.” ثومبسون (Thompson)
• لا تنطبق فكرتا اختطاف الإنسان واستعباده مدى الحياة – وهما تصوّران لدى كثيرين حول العبودية – على ممارسة العبودية في العهد القديم. إذ كانت العبودية في العادة:
مختارة أو مرتّبة بشكل متبادل
محددة المدة
منظمة بشكل كبير
• ٱلْعِبْرَانِيَّ: “كلمة ’عبراني‘ Ibri ذات دلالة. ففي العهد القديم، لم تكن تُستخدم من بني إسرائيل أنفسهم في العادة. لكن هذا التعبير ظهر في فترات من التاريخ عندما كانوا في حالة عبودية، كما في مصر في أيام ما قبل الخروج، وفي زمن الهيمنة الفلسطية.” ثومبسون (Thompson)
٢. أَطَاعُوا وَأَطْلَقُوا: بسبب أمر صدقيا وقادته، أطلقوا عبيدهم أحرارًا على الفور. ومع ذلك، يبدو من الكلمات التالية في هذا الإصحاح، أنهم لم يطلقوا عبيدهم قبل الوقت المحدد لهم. ويبدو أن هؤلاء كانوا عبيدًا تم الاحتفاظ بهم بعد السنوات التي حددتها شريعة موسى (خروج ٢١: ٢-٤).
• “في وسط محنتهم، قاموا ببعض عروض الندم وبعض مبادرات الإصلاح.” كلارك (Clarke)
• يبدو أن صدقيا وشعب إسرائيل لم يفعلوا عملًا كريمًا. فقد توقفوا ببساطة عن عصيان وصية الله في خروج ٢١ وتثنية ١٥: ١٢-١٥. ويبدو أن أهل أورشليم ويهوذا في ذلك الوقت اتبعوا الشرائع القديمة حول نقل المُلكية بشكل حرفي (إرميا ٣٢: ٩-١٥). ولم يطيعوا كل الشرائع المتعلقة بإعتاق العبيد العبرانيين في السنة السابعة.
• إذا أردنا أن نكون كرماء مع أهل أورشليم ويهوذا، يمكننا القول إنهم أطاعوا وصية إعتاق العبيد لأنهم كانوا بائيسن ونادمين تحت الحصار البابلي، وأنهم تابوا عن خطيتهم السابقة. ويرجح أنهم فعلوا ذلك لأن الأسياد تحت الحصار لم يريدوا أن يتحملوا مسؤولية إطعام عبيدهم الذين لم يعد لديهم عمل يقومون به في الحقول، وربما يكونون أفضل كجنود ضد البابليين لو أُطلق سراحهم. وهكذا فعلوا هذا إما عن ذعر، أو تقوى، أو مصلحة ذاتية باردة.
• “عند هذه النقطة، وصلت أخبار أن جيشًا مصريًّا كان في طريقه لإنقاذ أورشليم. ودفعت هذه الأخبار البابليين إلى رفع الحصار مؤقتًا عن المدينة لإعادة تجميع صفوفهم، والهجوم على المصريين المهاجمين.” هاريسون (Harrison)
٣. وَلَكِنَّهُمْ عَادُوا بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرْجَعُوا ٱلْعَبِيدَ وَٱلْإِمَاءَ ٱلَّذِينَ أَطْلَقُوهُمْ أَحْرَارًا، وَأَخْضَعُوهُمْ عَبِيدًا وَإِمَاءً: غيّروا رأيهم عندما رفع البابليون الحصار عن المدينة. فمع زوال التهديد، لم تعد هنالك حاجة إلى التوبة الجذرية. فتابوا عن توبتهم، وأخضعوا العبيد إلى العبودية مرة أخرى.
• “انسحب الكلدانيون، ربما لنجدة قواتهم الأخرى المحاربة للجيوش الخارجة من مصر [إرميا ٣٧: ٧، ١١]. فاعتقد هؤلاء اليهود الأغبياء أنهم صاروا بعيدين عن عصا الله، فنقضوا نذورهم بغدر.” كلارك (Clarke)
• عندما رُفع الحصار، “لم تعد هنالك مشكلة طعام، بل مشكلة عبيد. ولذلك تم إلغاء إعتاق العبيد. فعاد هؤلاء التعساء إلى حيث بدأوا.” كيدنر (Kidner)
• “تظهر بوضوح في هذه النبوة إحدى الخطايا التي ميزت تلك الأزمنة، وهي قمع الفقراء والعاجزين، ما أثار سخط الرب المصوَّر بشكل نابض بالحياة.” مورجان (Morgan)
• صاروا أحرارًا بموجب شريعة الله، وبأمر الملك، وبإجراء من أسيادهم السابقين. غير أنهم أُجبروا على العودة. ولا نعرف ماهية القوة أو التهديدات التي استخدموها لإجبارهم. ربما عملوا بجهد على إقناعهم بأنهم ليسوا أحرارًا حقًّا رغم كل ذلك، وأن عليهم أن يستمروا في الحياة كعبيد. وفي القياس التمثيلي الروحي، يأمل إبليس في أن يخدع المؤمنين على هذا المنوال. فهو يريد أن يقنعهم بأنهم ليسوا أحرارًا حقًّا، وأنه يتوجب عليهم أن يعودوا تحت خدمته.
ب) الآيات (١٢-١٦): التذكير بشريعة موسى
١٢فَصَارَتْ كَلِمَةُ ٱلرَّبِّ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ قَائِلَةً: ١٣«هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: أَنَا قَطَعْتُ عَهْدًا مَعَ آبَائِكُمْ يَوْمَ أَخْرَجْتُهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ ٱلْعَبِيدِ قَائِلًا: ١٤فِي نِهَايَةِ سَبْعِ سِنِينَ تُطْلِقُونَ كُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ ٱلْعِبْرَانِيَّ ٱلَّذِي بِيعَ لَكَ وَخَدَمَكَ سِتَّ سِنِينَ، فَتُطْلِقُهُ حُرًّا مِنْ عِنْدِكَ. وَلَكِنْ لَمْ يَسْمَعْ آبَاؤُكُمْ لِي وَلَا أَمَالُوا أُذُنَهُمْ. ١٥وَقَدْ رَجَعْتُمْ أَنْتُمُ ٱلْيَوْمَ وَفَعَلْتُمْ مَا هُوَ مُسْتَقِيمٌ فِي عَيْنَيَّ، مُنَادِينَ بِٱلْعِتْقِ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى صَاحِبِهِ، وَقَطَعْتُمْ عَهْدًا أَمَامِي فِي ٱلْبَيْتِ ٱلَّذِي دُعِيَ بِٱسْمِي. ١٦ثُمَّ عُدْتُمْ وَدَنَّسْتُمُ ٱسْمِي وَأَرْجَعْتُمْ كُلُّ وَاحِدٍ عَبْدَهُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ أَمَتَهُ ٱلَّذِينَ أَطْلَقْتُمُوهُمْ أَحْرَارًا لِأَنْفُسِهِمْ، وَأَخْضَعْتُمُوهُمْ لِيَكُونُوا لَكُمْ عَبِيدًا وَإِمَاءً.
١. أَنَا قَطَعْتُ عَهْدًا مَعَ آبَائِكُمْ يَوْمَ أَخْرَجْتُهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ ٱلْعَبِيدِ: بدأ الله بتذكيرهم بأنهم كانوا جميعًا من ماضٍ متسم بالعبودية. ولهذا كان ينبغي أن يجعلهم هذا أكثر كرمًا ورحمة بعبيدهم، لكن هذا لم يحصل.
• ٱلَّذِي بِيعَ لَكَ: “هذه هي الترجمة الحرفية للنص العبري (بدلًا من ’الذي بيع له‘ في بعض الترجمات)، ما يعكس تقليدًا طويلًا في الشرق الأدنى من التبنّي الطوعي للعبودية من أفراد لأسباب اقتصادية.” هاريسون (Harrison)
٢. وَخَدَمَكَ سِتَّ سِنِينَ، فَتُطْلِقُهُ حُرًّا: كان هذا أمر الله في خروج ٢١: ٢-٤. وكانت هذه هي الشريعة التي عصوها زمنًا طويلًا (وَلَكِنْ لَمْ يَسْمَعْ آبَاؤُكُمْ لِي). وبموجب أمر صدقيا أطعتم (رَجَعْتُمْ أَنْتُمُ ٱلْيَوْمَ وَفَعَلْتُمْ مَا هُوَ مُسْتَقِيمٌ فِي عَيْنَيَّ).
٣. ثُمَّ عُدْتُمْ وَدَنَّسْتُمُ ٱسْمِي: كانت عودتهم إلى العصيان عملًا دنسًا أمام الله، وبشكل خاص بسبب القهر الرهيب الذي يقع على الآخرين.
• “يخلق كل ظلم من إنسان إلى إنسان في فكر المظلوم المتألم تساؤلات حول الله. وهكذا يتدنس اسمه. ومن شأن هذا أن يثير غضب الله على الذين تسببوا في هذا التدنيس. فالإساءة الموجهة من إنسان إلى إنسان تلحق إساءة أعمق بالله.” مورجان (Morgan)
ج) الآية (١٧): المناداة بحرية الدينونة
١٧لِذَلِكَ هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: أَنْتُمْ لَمْ تَسْمَعُوا لِي لِتُنَادُوا بِٱلْعِتْقِ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى أَخِيهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ إِلَى صَاحِبِهِ. هَأَنَذَا أُنَادِي لَكُمْ بِٱلْعِتْقِ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، لِلسَّيْفِ وَٱلْوَبَإِ وَٱلْجُوعِ، وَأَجْعَلُكُمْ قَلَقًا لِكُلِّ مَمَالِكِ ٱلْأَرْضِ.
١. لَمْ تَسْمَعُوا لِي لِتُنَادُوا بِٱلْعِتْقِ: كانت لدى أهل أورشليم فرصة عظيمة لإطاعة الله وعمل الخير لإخوتهم العبرانيين بالمناداة بالعتق لأولئك الذين كانوا أحرارًا بالفعل حسب شريعة موسى. فلم يطيعوا الله، ففوّتوا تلك الفرصة العظيمة.
• لدى المؤمن بموجب العهد الجديد سلام عظيم في معرفته بأن يسوع هو المحرر الذي لا يسترد أبدًا الحرية التي يمنحها.
٢. هَأَنَذَا أُنَادِي لَكُمْ بِٱلْعِتْقِ… لِلسَّيْفِ وَٱلْوَبَإِ وَٱلْجُوعِ: كانت هذه هي ’الحرية‘ التي أعلنها الله لأسياد عبيد كانوا قُساة وعصاة. سيحررهم الله من حمايته. وسيرون السيف والوبأ والجوع القادمين بحرية كاملة، معلنًا ’وَأَجْعَلُكُمْ قَلَقًا لِكُلِّ مَمَالِكِ ٱلْأَرْضِ.‘
د ) الآيات (١٨-٢٢): عقاب الذين كسروا العهد
١٨وَأَدْفَعُ ٱلنَّاسَ ٱلَّذِينَ تَعَدَّوْا عَهْدِي، ٱلَّذِينَ لَمْ يُقِيمُوا كَلَامَ ٱلْعَهْدِ ٱلَّذِي قَطَعُوهُ أَمَامِي. ٱلْعِجْلَ ٱلَّذِي قَطَعُوهُ إِلَى ٱثْنَيْنِ، وَجَازُوا بَيْنَ قِطْعَتَيْهِ. ١٩رُؤَسَاءَ يَهُوذَا وَرُؤَسَاءَ أُورُشَلِيمَ، ٱلْخِصْيَانَ وَٱلْكَهَنَةَ وَكُلَّ شَعْبِ ٱلْأَرْضِ ٱلَّذِينَ جَازُوا بَيْنَ قِطْعَتَيِ ٱلْعِجْلِ، ٢٠أَدْفَعُهُمْ لِيَدِ أَعْدَائِهِمْ وَلِيَدِ طَالِبِي نُفُوسِهِمْ، فَتَكُونُ جُثَثُهُمْ أُكْلًا لِطُيُورِ ٱلسَّمَاءِ وَوُحُوشِ ٱلْأَرْضِ. ٢١وَأَدْفَعُ صِدْقِيَّا مَلِكَ يَهُوذَا وَرُؤَسَاءَهُ لِيَدِ أَعْدَائِهِمْ، وَلِيَدِ طَالِبِي نُفُوسِهِمْ، وَلِيَدِ جَيْشِ مَلِكِ بَابِلَ ٱلَّذِينَ صَعِدُوا عَنْكُمْ. ٢٢هَأَنَذَا آمُرُ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، وَأَرُدُّهُمْ إِلَى هَذِهِ ٱلْمَدِينَةِ فَيُحَارِبُونَهَا وَيَأْخُذُونَهَا وَيُحْرِقُونَهَا بِٱلنَّارِ، وَأَجْعَلُ مُدُنَ يَهُوذَا خَرِبَةً بِلَا سَاكِنٍ.
١. ٱلَّذِينَ لَمْ يُقِيمُوا كَلَامَ ٱلْعَهْدِ ٱلَّذِي قَطَعُوهُ أَمَامِي: عيّن الله دينونة خاصة لأولئك الذين تراجعوا عن وعدهم بعتق عبيدهم طاعة للشريعة. لقد قُطِع العهد بشكل رسمي من خلال السير عبر أجزاء الحيوان الذبيحي (كما مع إبراهيم في تكوين ١٥: ٩-٢١). وحسب التعبير العبري، كما في التعبير العربي أيضًا، كان العهد يُقطَع، ولا يُصنع.
• “كما هو الحال في النقوش الأشورية، كانت نية قاطع العهد، وهو يمر عبر قطع الذبيحة الحيوانية، أن يستدعي لعنة على نفسه بأن يقَطَّع إلى أشلاء مثل العجل الذبيحي إذا نقضوا العهد.” فينبيرغ (Feinberg)
٢. أَدْفَعُهُمْ لِيَدِ أَعْدَائِهِمْ وَلِيَدِ طَالِبِي نُفُوسِهِمْ: وعد الله بأنهم لن يفلتوا من الدينونة. لقد أعطوا أنفسهم الحرية في تحديد مصير الآخرين من خلال التصرف بصفتهم أسيادًا عليهم. وسيريهم الله حريته في تنفيذ دينونته فيهم.
٣. هَأَنَذَا آمُرُ… وَأَرُدُّهُمْ إِلَى هَذِهِ ٱلْمَدِينَةِ: بسبب التهديد المصري (إرميا ٣٧: ٥-١٠)، انسحب الجيش البابلي من حصاره لأورشليم. ولمّا رجع أهل أورشليم ويهوذا عن وعدهم بتحرير عبيدهم، سيقوم الله بإعادة البابليين لإكمال عمل الدينونة.
• ٱلَّذِينَ صَعِدُوا عَنْكُمْ: “لمّا سمع نبوخذنصّر أن هنالك جيشًا مصريًّا في طريقه إلى أورشليم لإغاثتها، رفع الحصار، وخرج لملاقاة المصريين، وهزمهم. وفي أثناء ذلك، أُعلِنت هذه النبوّة.” كلارك (Clarke)
• “دُمرت مدن كثيرة في بداية القرن السادس ق. م. ولم يُعَد تأهيلها قط. ودُمِّرت مدن أخرى في ذلك الوقت وأُعيد تأهيلها جزئيًّا بعد فترة طويلة من هجرها. ولا توجد حالة واحدة معروفة حيث كانت مدينة من مدن يهوذا أُعيد تأهيلها بشكل مستمر عبر فترة السبي.” ثومبسون (Thompson)، نقلًا عن أولبرايت (Albright).