سفر إرميا – الإصحاح ٤٣
إرميا في مصر
أولًا. إرميا يؤخذ إلى مصر رغم إرادته
أ ) الآيات (١-٣): اتهام إرميا بالتنبؤ كذبًا
١وَكَانَ لَمَّا فَرَغَ إِرْمِيَا مِنْ أَنْ كَلَّمَ كُلَّ ٱلشَّعْبِ بِكُلِّ كَلَامِ ٱلرَّبِّ إِلَهِهِمِ، ٱلَّذِي أَرْسَلَهُ ٱلرَّبُّ إِلَهُهُمْ إِلَيْهِمْ، بِكُلِّ هَذَا ٱلكَلَامِ، ٢أَنَّ عَزَرْيَا بْنَ هُوشَعْيَا وَيُوحَانَانَ بْنَ قَارِيحَ، وَكُلَّ ٱلرِّجَالِ ٱلْمُتَكَبِّرِينَ كَلَّمُوا إِرْمِيَا قَائِلِينَ: «أَنْتَ مُتَكَلِّمٌ بِٱلْكَذِبِ! لَمْ يُرْسِلْكَ ٱلرَّبُّ إِلَهُنَا لِتَقُولَ: لَا تَذْهَبُوا إِلَى مِصْرَ لِتَتَغَرَّبُوا هُنَاكَ. ٣بَلْ بَارُوخُ بْنُ نِيرِيَّا مُهَيِّجُكَ عَلَيْنَا لِتَدْفَعَنَا لِيَدِ ٱلْكَلْدَانِيِّينَ لِيَقْتُلُونَا، وَلِيَسْبُونَا إِلَى بَابِلَ.
١. عَزَرْيَا… وَيُوحَانَانَ… وَكُلَّ ٱلرِّجَالِ ٱلْمُتَكَبِّرِينَ: كان هنالك رجال كثيرون متكبرون بين القادة في البقية في الأرض. ولم يعجبهم أن يُفضح رياؤهم، كما فعل النبي في إرميا ٤٢: ٢٠.
٢. أَنْتَ مُتَكَلِّمٌ بِٱلْكَذِبِ! لَمْ يُرْسِلْكَ ٱلرَّبُّ إِلَهُنَا لِتَقُولَ: من اللافت للنظر أن هؤلاء الرجال، الذين عايشوا الدقة المأساوية لكل كلمة نطق بها إرميا حول خطية يهوذا ودينونتها، يقولون الآن إنه نبي كاذب. فقد قالوا هذا رغم الأدلة، لا بسبب الأدلة.
• “لم يكن لديهم لون آخر لتمردهم غير أن ينكروا بشكل توكيدي أن الله قد تكلم بما قاله النبي.” كلارك (Clarke)
• “كانوا طوال الوقت يَعُدون الله (لو أنهم أدركوا ذلك) قوة يريدون تجنيدها في خدمتهم، لا ربًّا يطيعونه. وما زالوا لا يستطيعون أن يصدقوا أن إرادته يمكن أن تكون مختلفة بشكل جذري عن إرادتهم.” كيدنر (Kidner)
٣. لَا تَذْهَبُوا إِلَى مِصْرَ لِتَتَغَرَّبُوا هُنَاكَ: هذه هي الرسالة التي أنكروها بوضوح، والتي أعطاها الله لإرميا ليقدمها.
• “كانت وجهة نظرهم هي أن الله لم يمنعهم من الذهاب إلى مصر. وهذا مثل جيد لرجل كان مقتنعًا تمامًا بأن آراءه الخاطئة كانت على صواب إلى درجة أن عقله كان مقفلًا تمامًا عن أي احتمال آخر. وهذه ظاهرة قديمة.” ثومبسون (Thompson)
٤. بَارُوخُ بْنُ نِيرِيَّا مُهَيِّجُكَ عَلَيْنَا لِتَدْفَعَنَا لِيَدِ ٱلْكَلْدَانِيِّينَ لِيَقْتُلُونَا، وَلِيَسْبُونَا إِلَى بَابِلَ: اتهموا إرميا بأنه لم يأتِ برسالة من الله، بل من البابليين. وقالوا إن هذا كله مخطط له لجلب الموت عليهم أو لسبيهم إلى بابل.
• كانت التهمة سخيفة. “فالنبي الذي رفض أن يعدّل رسالته ليرضي الملك لن يسمح لهذا الكاتب بأن يتلاعب به.” فينبيرغ (Feinberg)
• “عندما لا يحب الناس كلمة الله، فإنهم يتخيلون أن شخصًا حرّض المتكلم عليهم.” ماير (Meyer)
• “ليس واضحًا ما الذي يمكنه أن يكسبه باروخ بممارسة هذا التأثير المزعوم.” كندال (Cundall)
• مُهَيِّجُكَ عَلَيْنَا: “كم هو غريب أن يعتقد الأشرار دائمًا أن كلمة الله هي ضدهم، بينما هم الذين ضدها.” ماير (Meyer)
ب) الآيات (٤-٧): يوحانان والرؤساء الآخرون يأخذون البقية إلى مصر بالقوة، بمن فيهم إرميا.
٤فَلَمْ يَسْمَعْ يُوحَانَانُ بْنُ قَارِيحَ وَكُلُّ رُؤَسَاءِ ٱلْجُيُوشِ وَكُلُّ ٱلشَّعْبِ لِصَوْتِ ٱلرَّبِّ بِٱلْإِقَامَةِ فِي أَرْضِ يَهُوذَا، ٥بَلْ أَخَذَ يُوحَانَانُ بْنُ قَارِيحَ، وَكُلُّ رُؤَسَاءِ ٱلْجُيُوشِ، كُلَّ بَقِيَّةِ يَهُوذَا ٱلَّذِينَ رَجَعُوا مِنْ كُلِّ ٱلْأُمَمِ ٱلَّذِينَ طُوِّحُوا إِلَيْهِمْ لِيَتَغَرَّبُوا فِي أَرْضِ يَهُوذَا، ٦ٱلرِّجَالَ وَٱلنِّسَاءَ وَٱلْأَطْفَالَ وَبَنَاتِ ٱلْمَلِكِ، وَكُلَّ ٱلْأَنْفُسِ ٱلَّذِينَ تَرَكَهُمْ نَبُوزَرَادَانُ رَئِيسُ ٱلشُّرَطِ، مَعَ جَدَلْيَا بْنِ أَخِيقَامَ بْنِ شَافَانَ، وَإِرْمِيَا ٱلنَّبِيِّ وَبَارُوخَ بْنِ نِيرِيَّا، ٧فَجَاءُوا إِلَى أَرْضِ مِصْرَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا لِصَوْتِ ٱلرَّبِّ وَأَتَوْا إِلَى تَحْفَنْحِيسَ.
١. فَلَمْ يَسْمَعْ يُوحَانَانُ بْنُ قَارِيحَ وَكُلُّ رُؤَسَاءِ ٱلْجُيُوشِ وَكُلُّ ٱلشَّعْبِ لِصَوْتِ ٱلرَّبِّ بِٱلْإِقَامَةِ فِي أَرْضِ يَهُوذَا: وعدوا بأن يفعلوا أي شيء يمكن أن يطلبه الله منهم (إرميا ٤٢: ٥-٦). فطلب منهم الله أن يثقوا به وأن يبقوا في الأرض. فلم يفِ يوحانان، والقادة الآخرون، وكل الشعب بوعدهم، وقرروا الذهاب إلى مصر للحماية والتدبير.
• “هكذا هو فساد الطبيعة البشرية الساقطة. فعندما يتوصل الناس إلى إجماع، فغالبًا ما يكونون متمردين على إرادة الله (انظر تكوين ١١: ١-١٤).” فينبيرغ (Feinberg)
• “بدت ذراع البشر (مصر) ضمانة أكبر للأمان من ذراع الرب.” كندال (Cundall)
٢. أَخَذَ… كُلَّ بَقِيَّةِ يَهُوذَا… ٱلرِّجَالَ وَٱلنِّسَاءَ وَٱلْأَطْفَالَ… وَإِرْمِيَا ٱلنَّبِيِّ وَبَارُوخَ: “لم يكتفِ يوحانان والشعب بعصيان الله، بل أخذوا بالقوة كل شخص آخر مجبرًا إياهم على المجيء إلى مصر.
٣. فَجَاءُوا إِلَى أَرْضِ مِصْرَ: هنالك معنى بموجبه أنهم أخذوا إرميا ورفيقه باروخ رهينتين ضد الله. فبما أن الرب وعد كل الذين يذهبون إلى مصر بالدينونة (إرميا ٤٢: ١٧)، تجرأوا عمليًا بالحكم على نبيه الأمين الذي ذهب إلى مصر، حتى لو كان ضد إرادته.
• “لا بد أن هذا كان أكثر الأحداث مأساوية في حياة إرميا، حيث تحطمت آماله في أن يمضي آخر أيامه في وطنه حيث وعد الرب باسترداد الحياة القومية لشعبه.” ثومبسون (Thompson)
• “عاد نسل إبراهيم إلى مصر بعد فترة طويلة من تحريرهم منها. ومع معاناة شديدة، أُنقِذوا من عبوديتهم في مصر ليرجعوا إلى هناك كبقية مهزومة ويائسة بعد حوالي ٩٠٠ سنة.” فينبيرغ (Feinberg)
• إِلَى تَحْفَنْحِيسَ: “أطلق اليونانيون عليها اسم دافني. وكانت تقع في أقصى مصر السفلى قرب هليوبوليس. ويرجح أنهم توقفوا في هذا المكان للحصول على إذن من فرعون للتوغل أكثر في مصر. ويقول التقليد حسب جيروم إن إرميا رُجم هناك حتى الموت من قبل هؤلاء التعساء المتمردين الذين كان يسهر عليهم، ويصلي، ويعاني من إهانات كثيرة ومشقات من كل نوع من أجلهم. وها هو الآن يختم صدق رسالته بدمه.” كلارك (Clarke)
ثانيًا. كلمة الله إلى إرميا في مصر
أ ) الآيات (٨-٩): آية الحجارة المطمورة
٨ ثُمَّ صَارَتْ كَلِمَةُ ٱلرَّبِّ إِلَى إِرْمِيَا فِي تَحْفَنْحِيسَ قَائِلَةً: ٩”خُذْ بِيَدِكَ حِجَارَةً كَبِيرَةً وَٱطْمُرْهَا فِي ٱلْمِلَاطِ، فِي ٱلْمَلْبِنِ ٱلَّذِي عِنْدَ بَابِ بَيْتِ فِرْعَوْنَ فِي تَحْفَنْحِيسَ أَمَامَ رِجَالٍ يَهُودٍ.”
١. ثُمَّ صَارَتْ كَلِمَةُ ٱلرَّبِّ إِلَى إِرْمِيَا فِي تَحْفَنْحِيسَ: لم يعد إرميا في الأرض الموعودة حيث أمر الله شعبه الباقين بعد السبي البابلي أن يبقوا فيها. وقد نُقِل إرميا إلى مصر بالقوة، غير أن كلمة الله وصلت إليه هناك. فما زال نبي الله، ولم يعده الله عاصيًا بسبب الظروف الفريدة والغريبة الموجودة في مصر.
• “تجاهلوا كلمة الله، ورفضوها علانية وعن عمد، معزّين أنفسهم بإنكارهم أنها كلمته. لكنهم لم يهربوا من الرب وكلمته. فما زالوا في متناول كلمة الرب.” مورجان (Morgan)
٢. خُذْ بِيَدِكَ حِجَارَةً كَبِيرَةً وَٱطْمُرْهَا: أمر الله إرميا بأـن يفعل نفس نوع الشيء الذي كان يأمره به في يهوذا، أي أن يفعل شيئًا من شأنه أن يوضح كلمته (رسالته) النبوية، ويجعلها قابلة للتذكر. فقد أُمر إرميا أن يأخذ بعض الحجارة الكبيرة ويطمرها عِنْدَ بَابِ بَيْتِ فِرْعَوْنَ.
• “في تلك البقعة بالذات، أمام المقر الملكي، سيؤكد نبوخنصّر سيادته على مصر. وسيفعل هذا بأمر من الله.” كيدنر (Kidner)
• “قام فليندرز بتير الذي نقّب عن مدينة تفحنحيس في القرن التاسع عشر بكشف منطقة مرصوفة أمام مدخل السكن الملكي، وربطها بالمنصة المذكورة في هذه الآية.” هاريسون (Harrison)
ب) الآيات (١٠-١٣): رسالة الحجارة المخبأة
١٠وَقُلْ لَهُمْ: هَكَذَا قَالَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: هَأَنَذَا أُرْسِلُ وَآخُذُ نَبُوخَذْرَاصَّرَ مَلِكَ بَابِلَ عَبْدِي، وَأَضَعُ كُرْسِيَّهُ فَوْقَ هَذِهِ ٱلْحِجَارَةِ ٱلَّتِي طَمَرْتُهَا فَيُبْسِطُ دِيبَاجَهُ عَلَيْهَا. ١١وَيَأْتِي وَيَضْرِبُ أَرْضَ مِصْرَ، ٱلَّذِي لِلْمَوْتِ فَلِلْمَوْتِ، وَٱلَّذِي لِلسَّبْيِ فَلِلسَّبْيِ، وَٱلَّذِي لِلسَّيْفِ فَلِلسَّيْفِ. ١٢وَأُوقِدُ نَارًا فِي بُيُوتِ آلِهَةِ مِصْرَ فَيُحْرِقُهَا وَيَسْبِيهَا، وَيَلْبَسُ أَرْضَ مِصْرَ كَمَا يَلْبَسُ ٱلرَّاعِي رِدَاءَهُ، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ هُنَاكَ بِسَلَامٍ. ١٣وَيَكْسِرُ أَنْصَابَ بَيْتَ شَمْسٍ ٱلَّتِي فِي أَرْضِ مِصْرَ، وَيُحْرِقُ بُيُوتَ آلِهَةِ مِصْرَ بِٱلنَّارِ.
١. هَأَنَذَا أُرْسِلُ وَآخُذُ نَبُوخَذْرَاصَّرَ مَلِكَ بَابِلَ: وعد الله بإرسال نبوخذنصّر ليغزو مصر ويدينها، كما فعل بيهوذا. وسيضع عرشه الملكي فوق تلك الحجارة في فناء قصر فرعون.
• “لا بد أن إرميا طمر الحجارة على مسافة ما من المبنى الفعلي. إذ يبدو غير محتمل أن يُسمح للاجئ من يهوذا بأن يعبث برصيف قصر فرعون.” ثومبسون (Thompson)
• “كانت الحجارة الكبيرة رمزًا لقاعدة سينصب عليها نبوخذنصر عرشه كعلامة على غزوه لمصر.” ثومبسون (Thompson)
• دِيبَاجَهُ: “لا تَرِد هذه الكلمة في أي موضع آخر من العهد القديم. ويقول فريدمان إن هذا التعبير مشتق من جذر كلمة أشورية تعني ’يبسط.‘ ومن هنا يقدم الباحثون أفكارًا متنوعة.” فينبيرغ (Feinberg)
٢. وَيُحْرِقُ بُيُوتَ آلِهَةِ مِصْرَ بِٱلنَّارِ: وعد الله بأن تكون الدينونة القادمة على مصر شاملة. إذ سيأتي الموت، والسيف، والسبي من خلال البابليين. وسيقومون بتدمير المعابد المصرية ونهبها أيضًا. فكانت الرسالة واضحة: إذا كانوا قد ذهبوا إلى مصر للهروب من غضب البابليين وقوّتهم، فسيتبعهم البابليون إلى هناك. فكان أفضل لهم أن يبقوا في اليهودية، ويتكلوا على الله في الحماية والتدبير.
• “يوثّق نقش مجزَّأ حقيقة غزو نبوخذنصّر لمصر في ٥٦٨/٧ ق. م. عندما كان عماسيس (٥٧٠-٥٢٦ ق. م.) هو الفرعون. فكان الهجوم رحلة عقابية أكثر منه تقليصًا للأرض بالجملة.” هاريسون (Harrison)
• كَمَا يَلْبَسُ ٱلرَّاعِي رِدَاءَهُ: “بهذه السهولة وبقليل من المقاومة، وبثقة تامة بأنها مُلكه.” كلارك (Clarke)
• هنالك نُسخ تترجم إرميا ٤٣: ١٢ هكذا: سينظف أرض مصر كما ينظف الراعي ثوبه من الحشرات الطفيلية. “هذه صورة مألوفة هنا يفهمها الذين سافروا في بعض أنحاء الشرق الأوسط. ويُستخدم التقاط القمل من ملابس المرء لوصف أنشطة نبوخذنصّر في النهب عند غزوه إلى مصر أخيرًا.” ثومبسون (Thompson)