سفر إرميا – الإصحاح ٣٨
النبي في الحفرة
أولًا. إرميا في الحفرة
أ ) الآيات (١-٣): إرميا يعظ في أيام صدقيا
١وَسَمِعَ شَفَطْيَا بْنُ مَتَّانَ، وَجَدَلْيَا بْنُ فَشْحُورَ، وَيُوخَلُ بْنُ شَلَمْيَا، وَفَشْحُورُ بْنُ مَلْكِيَّا، ٱلْكَلَامَ ٱلَّذِي كَانَ إِرْمِيَا يُكَلِّمُ بِهِ كُلَّ ٱلشَّعْبِ قَائِلًا: ٢«هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: ٱلَّذِي يُقِيمُ فِي هَذِهِ ٱلْمَدِينَةِ يَمُوتُ بِٱلسَّيْفِ وَٱلْجُوعِ وَٱلْوَبَإِ. أَمَّا ٱلَّذِي يَخْرُجُ إِلَى ٱلْكَلْدَانِيِّينَ فَإِنَّهُ يَحْيَا وَتَكُونُ لَهُ نَفْسُهُ غَنِيمَةً فَيَحْيَا. ٣هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: هَذِهِ ٱلْمَدِينَةُ سَتُدْفَعُ دَفْعًا لِيَدِ جَيْشِ مَلِكِ بَابِلَ فَيَأْخُذُهَا.
١. شَفَطْيَا… وَجَدَلْيَا… وَيُوخَلُ… وَفَشْحُورُ: كان هؤلاء من رؤساء يهوذا المرتبطين بالعائلة الملكية بطريقة ما. وكانت للأرستقراطيين منزلتهم الخاصة ومصلحتهم في حمايتها مع اقتراب كارثة الغزو البابلي التام لأورشليم.
• “لا شك أن هؤلاء الرؤساء الصخّابين هم السياسيون الذين أثّروا في الملك لاتخاذ إجراءات ضد النبي، ودعوا إلى مقاومة بابل، بينما كان إرميا يعلن بإصرار عدم جدواها.” مورجان (Morgan)
• وَجَدَلْيَا بْنُ فَشْحُورَ، وَيُوخَلُ بْنُ شَلَمْيَا: في عامي ٢٠٠٥ و٢٠٠٨ اكتشف د. إيلات مازار في مدينة داود ختمين خزفيين يحملان اسمي جدليا بن فشحور ويوخل بن شلميا، وهما اسمان مذكوران في إرميا ٣٧: ٣. وهما جزء من أحدث الأشخاص الاثنين والخمسين من الكتاب المقدس العبري الذين ثبّت علم الآثار وجودهم. (Biblical Archaeology Review, ٤١.٥, page ١٨ – September/October ٢٠١٥)
٢. ٱلَّذِي يُقِيمُ فِي هَذِهِ ٱلْمَدِينَةِ يَمُوتُ بِٱلسَّيْفِ: كما فعل إرميا بشكل ثابت على مدى خدمته النبوية، طلب من الشعب الاستسلام للبابليين لينجوا ويتمكنوا من العيش كمسبيين وينتظروا الاسترداد الموعود لشعب الله.
• أَمَّا ٱلَّذِي يَخْرُجُ: “يرجح أن الفعل ’يخرج‘ يحمل معنى ’ينشق إلى…‘ أو ’يسلّم نفسه لـ….‘ فبدت ملاحظات إرميا وكأنها خيانة أعطت المسؤولين أسبابًا وجيهة للقبض عليه.” ثومبسون (Thompson)
٣. هَذِهِ ٱلْمَدِينَةُ سَتُدْفَعُ دَفْعًا لِيَدِ جَيْشِ مَلِكِ بَابِلَ: لم تتغير رسالة إرميا من خلال النبي. إذ كان غزو أورشليم مؤكدًا.
ب) الآيات (٤-٦): إلقاء إرميا في حفرة بسبب كرازته
٤فَقَالَ ٱلرُّؤَسَاءُ لِلْمَلِكِ: «لِيُقْتَلْ هَذَا ٱلرَّجُلُ، لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يُضْعِفُ أَيَادِيَ رِجَالِ ٱلْحَرْبِ ٱلْبَاقِينَ فِي هَذِهِ ٱلْمَدِينَةِ، وَأَيَادِيَ كُلِّ ٱلشَّعْبِ، إِذْ يُكَلِّمُهُمْ بِمِثْلِ هَذَا ٱلْكَلَامِ. لِأَنَّ هَذَا ٱلرَّجُلَ لَا يَطْلُبُ ٱلسَّلَامَ لِهَذَا ٱلشَّعْبِ بَلِ ٱلشَّرَّ». ٥فَقَالَ ٱلْمَلِكُ صِدْقِيَّا: «هَا هُوَ بِيَدِكُمْ، لِأَنَّ ٱلْمَلِكَ لَا يَقْدِرُ عَلَيْكُمْ فِي شَيْءٍ». ٦فَأَخَذُوا إِرْمِيَا وَأَلْقُوْهُ فِي جُبِّ مَلْكِيَّا ٱبْنِ ٱلْمَلِكِ، ٱلَّذِي فِي دَارِ ٱلسِّجْنِ، وَدَلُّوا إِرْمِيَا بِحِبَالٍ. وَلَمْ يَكُنْ فِي ٱلْجُبِّ مَاءٌ بَلْ وَحْلٌ، فَغَاصَ إِرْمِيَا فِي ٱلْوَحْلِ.
١. لِيُقْتَلْ هَذَا ٱلرَّجُلُ: طلب رؤساء يهوذا المذكورون في إرميا ٣٨: ١ من صدقيا أن يقتل إرميا لأن رسالته تؤثر سلبًا في معنويات الرجال المدافعين عن أورشليم.
• يُضْعِفُ أَيَادِيَ رِجَالِ ٱلْحَرْبِ: “يَرِد تعبير مشابه في رسالة لخيش السادسة، حيث أشار القائد العسكري إلى عناصر معينة في أورشليم.” ثومبسون (Thompson)
• رِجَالِ ٱلْحَرْبِ ٱلْبَاقِينَ فِي هَذِهِ ٱلْمَدِينَةِ: “من الواضح أن يهوذا قد فقدت عددًا لا بأس به من الرجال الجيدين. ولا شك أن بعضهم سقط في المعركة وهم يدافعون عن أسوار المدينة. وكان آخرون يتسللون ليلًا واحدً واحدًا أو اثنين اثنين للاستسلام للبابليين.” رايكن (Ryken)
٢. لِأَنَّ هَذَا ٱلرَّجُلَ لَا يَطْلُبُ ٱلسَّلَامَ لِهَذَا ٱلشَّعْبِ بَلِ ٱلشَّرَّ: كان هذا نقيض الحقيقة تمامًا. لم يحب إرميا الرسالة التي كان يكرز بها، رسالة الهلاك والكارثة، لكنه بفعل هذا كان يعطي شعب يهوذا فرصتهم الوحيدة للبقاء في وجه التهديد البابلي.
• عادةً ما يُتَّهم خدام الله بعكس الحقيقة تمامًا. فقد كان موسى حليمًا جدًّا (عدد ١٢: ٣)، لكن اتُّهِم بالكبرياء والتعالي (عدد ١٦: ٣). وكان أيوب رجلًا بارًّا (أيوب ١: ١)، لكن أصحابه اتهموه بخطية عظيمة (أيوب ٤: ٧-٨؛ ٨: ٢٠؛ ١١: ١٤-١٧). وكان يسوع، ابن الله، بلا عيب، لكن اتُّهِم بأنه كان مسكونًا بروح شريرة (يوحنا ٧: ٢٠؛ ٨: ٤٨؛ ٨؛ ٥٢).
• “اتَّهم آخاب إيليا بالتهمة التي ارتكبها هو نفسه. وفعل اليهود نفس الأمر مع يسوع، ومع بولس لاحقًا. وفعل المضطهِدون الوثنيون نفس الأمر مع المؤمنين الأوائل بالمسيح. وفعل حتى الهراقطة نفس الأمر مع الأورثوذوكس (مستقيمي الأمر)، حيث اتهموهم بأنهم محرضون للفتن ومناهِضون للمَلَكية، إلخ.” تراب (Trapp)
٣. هَا هُوَ بِيَدِكُمْ: لم يجد صدقيا الشجاعة للوقوف في وجه رؤساء يهوذا، فسمح لهم بأن يفعلوا بإرميا كما حلا لهم. فدلّوه إلى حفرة شبيهة بالزنزانة، حيث غرق في الوحل.
• “كان، بطبيعة الحال، ملكًا دُمية نصّبه نبوخذنصّر بعد سبي يهوياكين. وربما لم يكن مقبولًا من الجميع في الأمّة بصفته الملك الحقيقي.” ثومبسون (Thompson)
• “يا لك من حاكم مسكين ضعيف! فأنت تحترم النبي وتخشى العصابة. وتضحي برجل بريء بسبب ضعفك وخُبثهم وشرّهم.” كلارك (Clarke)
• “صدقيا مثال آخر للشر الذي يأتي من معدن أخلاقي ضعيف، ومن الشر الذي يقع عليه. كانت لديه دوافع جيدة، لكنه لم يستطع الصمود أمام الأشرار من حوله.” ماكلارين (Maclaren)
• “شلَّ ترهيب الرؤساء إرادته. إذ كان ملكًا ذا عَظْم من التمنّي، لا من عامود فقري حقيقي.” كندال (Cundall)
• “لعل كان استسلام الملك لرؤسائه (إرميا ٣٨: ٥) أكثر استسلام بشاعة في تاريخ الكتاب المقدس حتى اللحظة التي غسل فيها بيلاطس البنطي يديه أمام الجميع.” كيدنر (Kidner)
• “يبدو أنه من خريجي المدرسة السياسية نفسها التي التحق بها بيلاطس البنطي في ما بعد.” رايكن (Ryken)
• “إذا أردنا أن نحكم عليه، ربما نحكم على أنفسنا، لأن ضعفه ربما لم يكشف نفسه قط لو لم يُدفَع إلى وضع أكبر منه كثيرًا.” كيدنر (Kidner)
٤. وَدَلُّوا إِرْمِيَا بِحِبَالٍ: كان من الواضح أن الرؤساء نووا قتل إرميا (لِيُقْتَلْ هَذَا ٱلرَّجُلُ)، لكنهم في نفاقهم الكبير لم يريدوا أن يتحملوا ذنب سفك دمه. فبدلًا من أن يدفعوه إلى أسفل نحو الزنزانة ليسقط – وهو أمر قد يؤدي إلى فتح جرح والتسبب في إراقة دمه – دلّوه بعناية بحبال إلى الزنزانة، حيث سيموت ميتة بطيئة من الجوع أو المرض أو التعرض لخطر ما، لكن من ناحية فنية من دون إراقة دم.
• كانت الزنزانة في بيت ملكيا بلا ماء. إذ كانت حوض ماء (جُرنًا) ممتلئًا بالوحل. فقد امتلكت معظم بيوت أورشليم أجرانًا خاصة (انظر ٢ ملوك ١٨: ٣١؛ أمثال ٥: ١٥) لتجميع مياه الأمطار أو مياه الينابيع. وكانت في العادة على شكل كمثرى مع فتحة صغيرة في الأعلى يمكن تغطيتها عند اللزوم لمنع الحوادث أو تلوت الماء.” هاريسون (Harrison)
• “كانت نية الرؤساء النهائية هي موت إرميا من دون إراقة دماء (انظر تكوين ٣٧: ١٨-١٩). ومن المحتمل أن يموت ميتة بطيئة مؤلمة من الجوع في الجرن، لكن من دون سفك دم.” هاريسون (Harrison)
• “توقّف الرؤساء قبل وضع نهاية عنيفة لحياة إرميا. فألقوا به بشكل فظ في جرن ماء مهجور، مع نية واضحة في التسبب في موته إما بالمجاعة أو التعرض لأي خطر في هذه الظروف.” كندال (Cundall)
ج) الآيات (٧-١٣): إنقاذ إرميا من حفرة السجن
٧فَلَمَّا سَمِعَ عَبْدَ مَلِكُ ٱلْكُوشِيُّ، رَجُلٌ خَصِيٌّ، وَهُوَ فِي بَيْتِ ٱلْمَلِكِ، أَنَّهُمْ جَعَلُوا إِرْمِيَا فِي ٱلْجُبِّ، وَٱلْمَلِكُ جَالِسٌ فِي بَابِ بَنْيَامِينَ، ٨خَرَجَ عَبْدَ مَلِكُ مِنْ بَيْتِ ٱلْمَلِكِ وَكَلَّمَ ٱلْمَلِكَ قَائِلًا: ٩«يَا سَيِّدِي ٱلْمَلِكَ، قَدْ أَسَاءَ هَؤُلَاءِ ٱلرِّجَالُ فِي كُلِّ مَا فَعَلُوا بِإِرْمِيَا ٱلنَّبِيِّ، ٱلَّذِي طَرَحُوهُ فِي ٱلْجُبِّ، فَإِنَّهُ يَمُوتُ فِي مَكَانِهِ بِسَبَبِ ٱلْجُوعِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بَعْدُ خُبْزٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ». ١٠فَأَمَرَ ٱلْمَلِكُ عَبْدَ مَلِكَ ٱلْكُوشِيَّ قَائِلًا: «خُذْ مَعَكَ مِنْ هُنَا ثَلَاثِينَ رَجُلًا، وَأَطْلِعْ إِرْمِيَا مِنَ ٱلْجُبِّ قَبْلَمَا يَمُوتُ». ١١فَأَخَذَ عَبْدَ مَلِكُ ٱلرِّجَالَ مَعَهُ، وَدَخَلَ إِلَى بَيْتِ ٱلْمَلِكِ، إِلَى أَسْفَلِ ٱلْمَخْزَنِ، وَأَخَذَ مِنْ هُنَاكَ ثِيَابًا رِثَّةً وَمَلَابِسَ بَالِيَةً وَدَلَّاهَا إِلَى إِرْمِيَا إِلَى ٱلْجُبِّ بِحِبَالٍ. ١٢وَقَالَ عَبْدَ مَلِكُ ٱلْكُوشِيُّ لِإِرْمِيَا: «ضَعِ ٱلثِّيَابَ ٱلرِّثَّةَ وَٱلْمَلَابِسَ ٱلْبَالِيَةَ تَحْتَ إِبْطَيْكَ تَحْتَ ٱلْحِبَالِ». فَفَعَلَ إِرْمِيَا كَذَلِكَ. ١٣فَجَذَبُوا إِرْمِيَا بِٱلْحِبَالِ وَأَطْلَعُوهُ مِنَ ٱلْجُبِّ. فَأَقَامَ إِرْمِيَا فِي دَارِ ٱلسِّجْنِ.
١. عَبْدَ مَلِكُ ٱلْكُوشِيُّ، رَجُلٌ خَصِيٌّ: وضع رؤساء يهوذا إرميا في كراهية شديدة في زنزانة، حيث يرجح أنه سيموت عمّا قريب. فأرسل الله رجلًا أجنبيًّا، عبد ملك الكوشي لمساعدة إرميا ولمناشدة الملك من أجله.
• من المحتمل أن عبد ملك هذا لم يكن خصيًّا بمعنى الكلمة. “لم تكن كلمة Saris تعني شخصًا مخصيًّا، بل كانت تنطوي على معنى أوسع، شأنها شأن كلمات مثل ’رئيس‘ أو ’وكيل‘” فينبيرغ (Feinberg)
• نظرًا لأن عبد ملك كان أجنبيًّا (وربما كان خصيًّا بالفعل)، كان مستثنى من الهيكل وممارسات يهودية كثيرة (لاويين ٢١: ٢٠). ومع ذلك، كان لديه قلب أكثر رحمة من معظم الطبقة الحاكمة التي شاركت بالفعل في هذه الممارسات.
• “كان غريبًا، لكنه كان (مثل السامري الصالح في الإنجيل) أكثر رحمة من أي فرد في الأمة اليهودية التي كانت تفتخر بامتيازاتها.” تراب (Trapp)
• “ربما لا نعرف حتى اسمه، لأن ’عبد ملك‘ يعني ببساطة ’عبد الملك،‘ فلم يكن اسمًا بالمعنى الفعلي. لكن حتى لو كان هذا هو اسمه الصحيح، فإن هذا يبيّن أنه ليست لديه هوية خاصة به.” رايكن (Ryken)
٢. وَأَطْلِعْ إِرْمِيَا مِنَ ٱلْجُبِّ قَبْلَمَا يَمُوتُ: كان الملك صدقيا رجلًا ضعيفًا سهل التأثر بالآخرين. فعندما طلب منه رؤساء يهوذا أن يلقي بإرميا في الحفرة، وافق على طلبهم. وعندما طلب منه عبد ملك أن يخرجه، وافق على طلبه أيضًا. كان إرميا على وشك الموت، ولهذا أمر الملك باستدعاء ثلاثين رجلًا للمساعدة في إنقاذه.
• لِأَنَّهُ لَيْسَ بَعْدُ خُبْزٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ: “الإيحاء هنا بأن المؤن الغذائية قد استُنفِدت مبالغة نوعًا ما في حمو اللحظة، لأن مخزون الطعام دام حتى قبل سقوط المدينة بقليل (إرميا ٥٢: ٦ فصاعدًا).” هاريسون (Harrison)
• “يا له من رجل شجاع، حيث عارض رؤساء كثيرين أقوياء جدًّا حتى إن الملك نفسه لم يكن ليجرؤ على إغضابهم! إن روح الله القدوس هو الذي وضع فيه هذه القوة، وأعطاه حرية الكلام.” تراب (Trapp)
• ثَلَاثِينَ رَجُلًا: لم تكن هنالك حاجة إلى هذا العدد الكبير من الرجال للقيام بعمل سحب إرميا من الحفرة، بل ليكونوا حراسًا لئلا يتمكن أيٌّ من الأشخاص المتنفّذين الذين أرادوا الموت للنبي من إنقاذه. “لأن الترجمة السبعينية ومخطوطة مازورية واحدة فقط تستخدم ’ثلاثة‘ بدلًا من ’ثلاثين،‘ يختار عدد من الباحثين الرقم الأصغر. لكن مثل هذا الدليل الطفيف ليس كافيًا لإبطال كل المخطوطات الأصلية.” فينبيرغ (Feinberg)
٣. ضَعِ ٱلثِّيَابَ ٱلرِّثَّةَ وَٱلْمَلَابِسَ ٱلْبَالِيَةَ تَحْتَ إِبْطَيْكَ تَحْتَ ٱلْحِبَالِ: لم يكن عبد ملك مهتمًّا بإنقاذ إرميا فحسب، بل بفعل ذلك بأكثر الطرق الممكنة أمانًا وراحة.
• “إنه لأمر منوِّر أن عبد ملك قام بعمل الإنقاذ بطريقة مدروسة ومتسمة بالرأفة، عالمًا أن الحبال العارية ستحدث جروحًا في أطراف إرميا الذي كان يتضوّر جوعًا.” كندال (Cundall)
• يمكن أن تؤخذ مزمور ١٨: ١٦ و٣٥ خارج سياقها لتوضع على شفتي إرميا الممتن، شاكرًا الله وعبد ملك. “أَرْسَلَ مِنَ ٱلْعُلَى فَأَخَذَنِي. نَشَلَنِي مِنْ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ… وَلُطْفُكَ يُعَظِّمُنِي.”
• تصف إرميا ٣٩: ١٥-١٨ كيف أن “عبد ملك نال نفس مكافأة إرميا. فعندما سقطت أورشليم، أُنقِذ كلا الرجلين، لأن الله يخلصّ الذين يتكلون عليه. وقد خلص عبد ملك، شأنه شأن كل خدام الله الحقيقيين، بالإيمان.” رايكن (Ryken)
٤. فَأَقَامَ إِرْمِيَا فِي دَارِ ٱلسِّجْنِ: تم إنقاذ إرميا من حفرة الزنزانة، لكن ظل محتجزًا في السجن.
ثانيًا. إرميا والملك صدقيا
أ ) الآيات (١٤-١٦): الاتفاق بين إرميا والملك صدقيا
١٤فَأَرْسَلَ ٱلْمَلِكُ صِدْقِيَّا وَأَخَذَ إِرْمِيَا ٱلنَّبِيَّ إِلَيْهِ، إِلَى ٱلْمَدْخَلِ ٱلثَّالِثِ ٱلَّذِي فِي بَيْتِ ٱلرَّبِّ، وَقَالَ ٱلْمَلِكُ لِإِرْمِيَا: «أَنَا أَسْأَلُكَ عَنْ أَمْرٍ. لَا تُخْفِ عَنِّي شَيْئًا». ١٥فَقَالَ إِرْمِيَا لِصِدْقِيَّا: «إِذَا أَخْبَرْتُكَ أَفَمَا تَقْتُلُنِي قَتْلًا؟ وَإِذَا أَشَرْتُ عَلَيْكَ فَلَا تَسْمَعُ لِي!» ١٦فَحَلَفَ ٱلْمَلِكُ صِدْقِيَّا لِإِرْمِيَا سِرًّا قَائِلًا: “حَيٌّ هُوَ ٱلرَّبُّ ٱلَّذِي صَنَعَ لَنَا هَذِهِ ٱلنَّفْسَ، إِنِّي لَا أَقْتُلُكَ وَلَا أَدْفَعُكَ لِيَدِ هَؤُلَاءِ ٱلرِّجَالِ ٱلَّذِينَ يَطْلُبُونَ نَفْسَكَ.”
١. فَأَرْسَلَ ٱلْمَلِكُ صِدْقِيَّا وَأَخَذَ إِرْمِيَا ٱلنَّبِيَّ إِلَيْهِ، إِلَى ٱلْمَدْخَلِ ٱلثَّالِثِ ٱلَّذِي فِي بَيْتِ ٱلرَّبِّ: كما في إرميا ٣٨: ١٦-١٧، أراد الملك صدقيا لقاء خاصًّا مع إرميا.
• هنالك عدة أوجه شبه بين الإصحاحين ٣٧ و٣٨. ويعتقد بعض المفسرين مثل طومبسون (Thompson) أن هذين الإصحاحين يصفان الحدث نفسه، لكن من زاويتين مختلفتين. غير أن هذين الإصحاحين يتضمنان أوجه اختلاف أكثر من أوجه الشبه. إذ هنالك:
تهمتان مختلفان موجهتان إلى إرميا
مكانان مختلفان للحجز
أسلوبان مختلفان للإنقاذ
مكانان مختلفان للقاء مع الملك
حواران مختلفان مع الملك
• وبالنظر إلى هذه النقاط، فإن الأرجح أنهما بالفعل حدثان منفصلان مع أنهما متشابهان. فكان إرميا في اللقاء الثاني ثابتًا على معدنه الأخلاقي، وكان الملك صدقيا ثابتًا على معدنه الأخلاقي. ولهذا ربما تمثل نفس الدراما بطرق متشابهة لكن مختلفة.
٢. إِذَا أَخْبَرْتُكَ أَفَمَا تَقْتُلُنِي قَتْلًا: توسّل صدقيا إلى إرميا أن يخبره الحقيقة، لكن النبي خشي من أن الملك لا يستطيع تحمُّل الحقيقة. فقد خشي في أحسن الأحوال أن يتم تجاهل كلامه (فَلَا تَسْمَعُ لِي)، وفي أسوأ الأحوال أن يتم قتله.
٣. إِنِّي لَا أَقْتُلُكَ: أقسم صدقيا لإرميا أنه لن يقتله ولن يسمح لآخرين بأن يفعلوا ذلك.
• من الغريب أن ملكًا لم يحيّ كما كان يحيا الرب (يسوع) يقسم ’حَيٌّ هُوَ ٱلرَّبُّ.‘ “لكن أية ميزة يمكن أن تُنسب إلى قسم شخص اشتهر بأنه يحنث بأقسامه، كما حنث بقسمه بالولاء لنبوخذنصر؟” تراب (Trapp)
• “يعرف إرميا أيّ أمان سيئ يمكن أن يقدمه هذا القسم الجليل (إرميا ٣٨: ١٦) من رجل يتناسب كلامه تناسبًاعكسيًّا، كما يحدث غالبًا، مع قوة لغته).” كيدنر (Kidner)
ب) الآيات (١٧-١٨): كلمة أخيرة لصدقيا، وآخر عرض للرحمة
١٧فَقَالَ إِرْمِيَا لِصِدْقِيَّا: «هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ إِلَهُ ٱلْجُنُودِ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: إِنْ كُنْتَ تَخْرُجُ خُرُوجًا إِلَى رُؤَسَاءِ مَلِكِ بَابِلَ، تَحْيَا نَفْسُكَ وَلَا تُحْرَقُ هَذِهِ ٱلْمَدِينَةُ بِٱلنَّارِ، بَلْ تَحْيَا أَنْتَ وَبَيْتُكَ. ١٨وَلَكِنْ إِنْ كُنْتَ لَا تَخْرُجُ إِلَى رُؤَسَاءِ مَلِكِ بَابِلَ، تُدْفَعُ هَذِهِ ٱلْمَدِينَةُ لِيَدِ ٱلْكَلْدَانِيِّينَ فَيُحْرِقُونَهَا بِٱلنَّارِ، وَأَنْتَ لَا تُفْلِتُ مِنْ يَدِهِمْ.
١. هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ إِلَهُ ٱلْجُنُودِ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: قبِل إرميا المخاطرة بتوصيل كلمة الله إلى الملك صدقيا. وفي كلام الله لصدقيا من خلال النبي، بدأ بتعريف نفسه.
• كان الرب (يهوه)، إله عهد إسرائيل.
• كان رب الجنود، إله الجيوش السماوية وكل قوّتها.
• كان إله إسرائيل وربًّا وسيّدًا على أنسال العهد، إبراهيم وإسحق ويعقوب.
٢. إِنْ كُنْتَ تَخْرُجُ خُرُوجًا إِلَى رُؤَسَاءِ مَلِكِ بَابِلَ: لم تكن هذه كلمة جديدة لصدقيا. ربما كانت تتضمن إحساسًا بإلحاح جديد، لكنها لم تكن رسالة جديدة له. فقد كان البابليون أداة الله في الدينونة على يهوذا، ولهذا فإن من الحماقة والعبث مقاومتهم. فكان أفضل لصدقيا أن يستسلم لهم ولإرادة الله.
• “ضاع كل شيء بالفعل، كما أعلن الله (إرميا ٣٨: ٣). ولم يكن لموقف أورشليم الانتحاري قيمة تكتيكية الآن بعد اجتياح البلد بأكمله وفشل الاندفاع المصري. فكان العناد، بغض النظر عن تكلفة الأرواح، هو وحده الذي يمكن أن يطيل هذه المعاناة. ولم يكن عنادًا ضد العدو فحسب، بل ضد الرب أيضًا.” كيدنر (Kidner)
• كان هذا صبرًا ورحمة لافتين للنظر من الله تجاه ملك رفض كلمته مرات كثيرة من قبل. لم يكن بوسع صدقيا أن يمنع الغزو بتوبة منه، لكن كان بإمكانه أن يجعل الغزو أقل قسوة، حتى في هذا الوقت المتأخر.
إذا استسلم، سينجو ولن يُقتل – تَحْيَا نَفْسُكَ.
إذا استسلم، ستنجو أورشليم من الدمار الكلي – وَلَا تُحْرَقُ هَذِهِ ٱلْمَدِينَةُ بِٱلنَّارِ.
إذا استسلم، ستنجو زوجاته، وأبناؤه، وعائلته الملكية من الموت – تَحْيَا أَنْتَ وَبَيْتُكَ.
• “كان كل ما عليه أن يفعله هو أن يثق بالنبي، ويرفع رأسه عاليًا، ويرفع علم الهدنة، ويمشي عبر الرؤساء إلى الجيوش الكلدانية. إذ كان من شأن هذا الندم البسيط أن ينقذ المدينة.” رايكن (Ryken)، نقلًا عن جست (Guest)
• إِنْ كُنْتَ تَخْرُجُ خُرُوجًا إِلَى رُؤَسَاءِ مَلِكِ بَابِلَ: عرف صدقيا أن عليه أن يستسلم لرؤساء نبوخذنصّر، لكنه استسلم بشكل مخزٍ لرؤساء يهوذا (إرميا ٣٨: ٤). وقد نبّهه الله من خلال النبي إلى ضرورة الاستسلام للرؤساء المناسبين.
٣. وَلَا تُحْرَقُ هَذِهِ ٱلْمَدِينَةُ بِٱلنَّارِ: اعتمد مصير المدينة على توبة رجل واحد وثقته بالرب. فمن شأن الاستسلام للبابليين أن ينقذ مدينة أورشليم. صحيح أنها ستُغزى، لكنها لن تُحرق بالنار.
• “كانت دعوة مذهلة، وبشكل خاص بالنسبة للحجب السابق عن كل رجاء لأورشليم، بغضّ النظر عن الرجاء في إعادة بنائها.” كيدنر (Kidner)
ج) الآيات (١٩-٢٣): توكيد الله لصدقيا من خلال النبي
١٩فَقَالَ صِدْقِيَّا ٱلْمَلِكُ لِإِرْمِيَا: «إِنِّي أَخَافُ مِنَ ٱلْيَهُودِ ٱلَّذِينَ قَدْ سَقَطُوا لِلْكَلْدَانِيِّينَ لِئَلَّا يَدْفَعُونِي لِيَدِهِمْ فَيَزْدَرُوا بِي». ٢٠فَقَالَ إِرْمِيَا: «لَا يَدْفَعُونَكَ. ٱسْمَعْ لِصَوْتِ ٱلرَّبِّ فِي مَا أُكَلِّمُكَ أَنَا بِهِ، فَيُحْسَنَ إِلَيْكَ وَتَحْيَا نَفْسُكَ. ٢١وَإِنْ كُنْتَ تَأْبَى ٱلْخُرُوجَ، فَهَذِهِ هِيَ ٱلْكَلِمَةُ ٱلَّتِي أَرَانِي ٱلرَّبُّ إِيَّاهَا: ٢٢هَا كُلُّ ٱلنِّسَاءِ ٱللَّوَاتِي بَقِينَ فِي بَيْتِ مَلِكِ يَهُوذَا، يُخْرَجْنَ إِلَى رُؤَسَاءِ مَلِكِ بَابِلَ وَهُنَّ يَقُلْنَ: قَدْ خَدَعَكَ وَقَدِرَ عَلَيْكَ مُسَالِمُوكَ. غَاصَتْ فِي ٱلْحَمْأَةِ رِجْلَاكَ وَٱرْتَدَّتَا إِلَى ٱلْوَرَاءِ. ٢٣وَيُخْرِجُونَ كُلَّ نِسَائِكَ وَبَنِيكَ إِلَى ٱلْكَلْدَانِيِّينَ، وَأَنْتَ لَا تُفْلِتُ مِنْ يَدِهِمْ، لِأَنَّكَ أَنْتَ تُمْسَكُ بِيَدِ مَلِكِ بَابِلَ، وَهَذِهِ ٱلْمَدِينَةُ تُحْرَقُ بِٱلنَّارِ.
١. إِنِّي أَخَافُ مِنَ ٱلْيَهُودِ ٱلَّذِينَ قَدْ سَقَطُوا لِلْكَلْدَانِيِّينَ: كان بمقدور صدقيا، شأنه شأننا جميعًا، أن يفكر دائمًا في سبب يجعل الطاعة لله فكرة غير جيدة. فقد اعتقد أن أولئك الذين سبق أن استسلموا للكلدانيين قد يسيئون إليه بطريقة ما.
• “ومرة أخرى، يظهر ضعف معدن صدقيا الأخلاقي. إذ كان يعرف أنه كان هنالك مسار عملٍ صائب ينبغي أن يتخذه، لكنه افتقر إلى الشجاعة لاتخاذه.” ثومبسون (Thompson)
• ربما تكون الإساءة الوحيدة التي كان يخشى منها هي السخرية والازدراء من أولئك الذين استسلموا في وقت سابق، قائلين: “لقد استسلمنا قبل شهور عندما طلبتَ منا أن نواصل القتال. فانظر من هو الذي استسلم الآن. وانظر كم كنت على خطأ.”
٢. ٱسْمَعْ لِصَوْتِ ٱلرَّبِّ: ناشد إرميا الملك عارفًا أن أكثر الأمور أمانًا دائمًا هو أن يطيع صوت الله (ٱسْمَعْ لِصَوْتِ ٱلرَّبِّ). إذ ستكون هنالك بركة للطاعة (فَيُحْسَنَ إِلَيْكَ وَتَحْيَا نَفْسُكَ)، ولعنة للعصيان (وَيُخْرِجُونَ كُلَّ نِسَائِكَ وَبَنِيكَ إِلَى ٱلْكَلْدَانِيِّينَ).
• حذّر إرميا الملك قائلًا ما مفاده: “أنت تقلق بشأن ما يمكن أن يقوله المنشقون. فلا تقلق بشأن ذلك. بل اقلق بشأن ما ستقوله حريمك عندما يستسلمن لرؤساء بابل.”
٣. وَقَدِرَ عَلَيْكَ مُسَالِمُوكَ (خدعك أصحابك): ألقى إرميا نصًّا شعريًّا قصيرًا يعبر عن الدمار الذي سيلحق بزوجات صدقيا وأبنائه إذا استمر الملك في عصيانه للرب.
• “ستُساق نساء الملك وأبناؤه إلى رؤساء البابليين وهن يغنّين في طريقهن أغنية تقليدية قصيرة حول تعرضه للخيانة من أصحابه وتخلّيهم عنه بينما كان يغرق في الوحل (انظر مزمور ٦٩: ١٤).” ثومبسون (Thompson)
• “تُسمع في صوت النبي نساء في الحاشية الملكية والبيت الملكيين وهن يغنّين أغنية تهكمية مُرة (إرميا ٣٨: ٢٢) تعبيرًا عن عار أسرهن وإهانتهن من قبل أفراد عسكريين وشخصيات دبلوماسية من العدو.” هاريسون (Harrison)
• “إن ما سيكون أكثر إيلامًا من سخرية المنشقين الذين خشيهم صدقيا هو سخرية نساء القصر التي ستصب عليه بسبب سذاجته في الوثوق بحلفائه غير الأوفياء.” فينبيرغ (Feinberg)
٤. وَيُخْرِجُونَ كُلَّ نِسَائِكَ وَبَنِيكَ إِلَى ٱلْكَلْدَانِيِّينَ: لن يغيّر أي شيء حقيقة أن البابليين، كأداة دينونة من الله، سيغزون يهوذا وأورشليم. ومع ذلك، فإن طاعة رجل واحد أو عصيانه يمكن أن يحدد مدى التعاسة والدمار في ذلك الغزو.
• كانت هذه كلمة شجاعة قوية جلبها إرميا إلى صدقيا. لقد سبق أن أظهر الملك رحمة للنبي ووعد بأن يعطيه خبزًا (إرميا ٣٧: ٢١)، لكن الخبز الذي وضعه الملك في فم النبي لم يمنع إرميا من التكلم بالصدق.
• “لا يوجد ما هو مميز في هذه القصة أكثر من ولاء إرميا المطلق الثابت للرسالة النبوية التي دُعي إلى إيصالها.” مورجان (Morgan)
د ) الآيات (٢٤-٢٨): صدقيا وإرميا ورؤساء يهوذا
٢٤فَقَالَ صِدْقِيَّا لِإِرْمِيَا: «لَا يَعْلَمْ أَحَدٌ بِهَذَا ٱلْكَلَامِ، فَلَا تَمُوتَ. ٢٥وَإِذَا سَمِعَ ٱلرُّؤَسَاءُ أَنِّي كَلَّمْتُكَ، وَأَتَوْا إِلَيْكَ وَقَالُوا لَكَ: أَخْبِرْنَا بِمَاذَا كَلَّمْتَ ٱلْمَلِكَ، لَا تُخْفِ عَنَّا فَلَا نَقْتُلَكَ، وَمَاذَا قَالَ لَكَ ٱلْمَلِكُ. ٢٦فَقُلْ لَهُمْ: إِنِّي أَلْقَيْتُ تَضَرُّعِي أَمَامَ ٱلْمَلِكِ حَتَّى لَا يَرُدَّنِي إِلَى بَيْتِ يُونَاثَانَ لِأَمُوتَ هُنَاكَ». ٢٧فَأَتَى كُلُّ ٱلرُّؤَسَاءِ إِلَى إِرْمِيَا وَسَأَلُوهُ، فَأَخْبَرَهُمْ حَسَبَ كُلِّ هَذَا ٱلْكَلَامِ ٱلَّذِي أَوْصَاهُ بِهِ ٱلْمَلِكُ. فَسَكَتُوا عَنْهُ لِأَنَّ ٱلْأَمْرَ لَمْ يُسْمَعْ. ٢٨فَأَقَامَ إِرْمِيَا فِي دَارِ ٱلسِّجْنِ إِلَى ٱلْيَوْمِ ٱلَّذِي أُخِذَتْ فِيهِ أُورُشَلِيمَ.
١. لَا يَعْلَمْ أَحَدٌ بِهَذَا ٱلْكَلَامِ: لم يرغب صدقيا في أن يعرف أي شخص آخر ما قاله الرب له على فم النبي إرميا حرصًا على مصلحته الخاصة. ربما لم يُرِد أن يلام على كارثة البؤس والدمار بسبب عصيانه.
• “حتى معاينته السابقة لما سيجلبه عصيانه على عائلته (إرميا ٣٨: ٢٣) لم تنجح في دفعه إلى اتخاذ القرار الصائب. إذ كان يخاف كطفل من انكشاف حديثه السري. وتبيّن كلماته الوداعية ’لا تُفشِ سري!‘ أن آخر دعوة من الله له إلى الرجوع عن الهاوية (إرميا ٣٨: ٢٠) لم تؤثر فيه.” كيدنر (Kidner)
٢. فَأَخْبَرَهُمْ حَسَبَ كُلِّ هَذَا ٱلْكَلَامِ ٱلَّذِي أَوْصَاهُ بِهِ ٱلْمَلِكُ: عندما سأل رؤساء يهوذا إرميا عما دار بينه وبين الملك، أخبرهم ما طلب منه الملك أن يقول لهم. فلم يكشف ما قاله الله لصدقيا، معتقدًا أن الأمر كان يخص الله والملك.
• “كان هذا هو قول الحق، ولا شيء غير الحق، لكن ليس كل الحق. لم يشأ الملك أن يلوث ضميره، ولم يقترح شيئًا لا يتفق مع الحق.” كلارك (Clarke)
٣. فَأَقَامَ إِرْمِيَا فِي دَارِ ٱلسِّجْنِ إِلَى ٱلْيَوْمِ ٱلَّذِي أُخِذَتْ فِيهِ أُورُشَلِيمَ: نُقِل إرميا إلى حفرة الزنزانة، وبقي هناك حتى غُزيت أورشليم، تمامًا كما تنبّأ النبي.
• رجع إرميا إلى السجن، بينما رجع صدقيا إلى القصر. وسيتكشف أن مصير إرميا كان أفضل من مصير الملك. “رجع صدقيا إلى القصر ليعاني من آلام معرفة أي صواب كان عليه أن يفعله لكنه افتقر إلى الشجاعة ليفعله.” ثومبسون (Thompson)