سفر إرميا – الإصحاح ١٦
علامات حية على الدينونة القادمة
أولًا. دعوة إرميا ليحيا كعلامة على الدينونة القادمة
أ ) الآيات (١-٤): إرميا يُنهى عن الزواج والإنجاب
١ثُمَّ صَارَ إِلَيَّ كَلَامُ ٱلرَّبِّ قَائِلًا: ٢”لَا تَتَّخِذْ لِنَفْسِكَ ٱمْرَأَةً، وَلَا يَكُنْ لَكَ بَنُونَ وَلَا بَنَاتٌ فِي هَذَا ٱلْمَوْضِعِ. ٣لِأَنَّهُ هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ عَنِ ٱلْبَنِينَ وَعَنِ ٱلْبَنَاتِ ٱلْمَوْلُودِينَ فِي هَذَا ٱلْمَوْضِعِ، وَعَنْ أُمَّهَاتِهِمِ ٱللَّوَاتِي وَلَدْنَهُمْ، وَعَنْ آبَائِهِمِ ٱلَّذِينَ وَلَدُوهُمْ فِي هَذِهِ ٱلْأَرْضِ: ٤مِيتَاتِ أَمْرَاضٍ يَمُوتُونَ. لَا يُنْدَبُونَ وَلَا يُدْفَنُونَ، بَلْ يَكُونُونَ دِمْنَةً عَلَى وَجْهِ ٱلْأَرْضِ، وَبِالسَّيْفِ وَٱلْجُوعِ يَفْنَوْنَ، وَتَكُونُ جُثَثُهُمْ أُكْلًا لِطُيُورِ ٱلسَّمَاءِ وَلِوُحُوشِ ٱلْأَرْضِ.”
١. لَا تَتَّخِذْ لِنَفْسِكَ ٱمْرَأَةً: نهى الله إرميا عن فعل شيء، وهو نهي يعارض إرادته العامة لشعبه والتقاليد الثقافية القوية للشعب اليهودي. فقد نهاه عن أن يتخذ زوجة أو أن ينجب أبناء.
• في الثقافة اليهودية القديمة (وبين كثيرين من اليهود الملتزمين اليوم)، كان من العار والمهانة أن يكون المرء أعزب ومقطوعًا من الأبناء. إذ كان الزواج وإنجاب الأبناء أمرًا متوقعًا. وستجلب طاعة إرميا للأمر الإلهي الانتباه.
“بما أن الزواج كان حالة الحياة الطبيعية للرجل العبراني البالغ السليم، فإن من شأن التعفف (بالامتناع عن الزواج) للأسباب المقدمة أن يقدّم درسًا موضوعيًّا قويًّا.” هاريسون (Harrison)
“كانت العزوبة أمرًا غير عادي، لا في إسرائيل فحسب، بل في جميع أنحاء الشرق الأدنى أيضًا.” فينبيرغ (Feinberg)
حتى اللغة العبرية الكتابية لا تتضمن كلمة تشير إلى ’أعزب‘.” رايكن (Ryken)
• ينبغي أن نفترض أن إرميا، شأنه شأن معظم الكثيرين، كان يبحث عن بركات الزواج والأبوة ومزاياهما. إذ كانت هذه رغبات مشروعة له. لكنه قد يحتاج، من أجل تلبية دعوة الله في حياته، إلى أن يحرم نفسه من هذه الأشياء لمتابعة دعوة الله الأسمى. وسيشرح يسوع لاحقًا أنه يتوجب على أتباعه أن ينكروا أنفسهم، ويحملوا صليبهم، ويتبعوه (لوقا ٩: ٢٣). ووفقًا لإرادة الله للمؤمن الفرد، قد يعني هذا التخلي عن هذه المساعي المشروعة.
• بموجب العهد الجديد، وبين المؤمنين، فإن الزواج وإنجاب الأبناء ما زال مكرّمًا، وهو أمر يمكن أن يُتوقع. غير أن العهد الجديد يعطي كرامة ومكانة خاصة لغير المتزوجين، طالبًا منهم أن يعدّوا حالتهم هذه دعوة من الله، مثل إرميا (١ كورنثوس ٧: ٧-٩؛ ٧: ٢٦-٣٥).
٢. مِيتَاتِ أَمْرَاضٍ يَمُوتُونَ (سيموتون ميتات بشعة): كان هذا هو السبب الذي قدّمه الله للنهي غير العادي الذي وجّهه لإرميا. فالوقت الحالي ممتلئ بالضيق، وستكون هنالك أزمات قادمة لدرجة أن من الحكمة له أن لا يتزوج أو ينجب.
• كان هذا إلى حد بعيد نفس المنطق الذي استخدمه بولس في تقديم النصيحة بالقناعة بالعزوبة في ١ كورنثوس ٧: ٢٦-٣٥ في ضوء الضيق الحالي: ’فَأَظُنُّ أَنَّ هَذَا حَسَنٌ لِسَبَبِ ٱلضِّيقِ ٱلْحَاضِرِ‘ (١ كورنثوس ٧: ٢٦).
• “وسيكون حرمانه من زوجة وأبناء بمنزلة تحذير من أن الحياة العائلية في الأمّة ستتمزق.” (فينبيرغ (Feinberg)
ب) الآيات (٥-٧): إرميا يُنهى عن أن يندب مع النادبين
٥لِأَنَّهُ هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: لَا تَدْخُلْ بَيْتَ ٱلنَّوْحِ وَلَا تَمْضِ لِلنَّدْبِ وَلَا تُعَزِّهِمْ، لِأَنِّي نَزَعْتُ سَلَامِي مِنْ هَذَا ٱلشَّعْبِ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، ٱلْإِحْسَانَ وَٱلْمَرَاحِمَ. ٦فَيَمُوتُ ٱلْكِبَارُ وَٱلصِّغَارُ فِي هَذِهِ ٱلْأَرْضِ. لَا يُدْفَنُونَ وَلَا يَنْدُبُونَهُمْ، وَلَا يَخْمِشُونَ أَنْفُسَهُمْ وَلَا يَجْعَلُونَ قَرَعَةً مِنْ أَجْلِهِمْ. ٧وَلَا يَكْسِرُونَ خُبْزًا فِي ٱلْمَنَاحَةِ لِيُعَزُّوهُمْ عَنْ مَيِّتٍ، وَلَا يَسْقُونَهُمْ كَأْسَ ٱلتَّعْزِيَةِ عَنْ أَبٍ أَوْ أُمٍّ.
١. لَا تَدْخُلْ بَيْتَ ٱلنَّوْحِ وَلَا تَمْضِ لِلنَّدْبِ: كان وما زال أمرًا طبيعيًّا أن يحزن ويندب المرء مع الآخرين في وقت الموت. لكن لأن الله نزع سلامه من هذا الشعب، كان على إرميا أن يمتنع عن الانضمام إلى الآخرين في تعبيراتهم الرسمية عن الحداد.
• “كان عدم إظهار الحزن أمرًا غير طبيعي ومدعاة للانتقاد. فلن تسمح به طقوس الفقيد – بشكل خاص في ما يتعلق لأولئك الذين فقدوا أبًا أو أمًّا. ولهذا سيُحرم إرميا من بركة خدمة المتألّمين.” فينبيرغ (Feinberg)
٢. فَيَمُوتُ ٱلْكِبَارُ وَٱلصِّغَارُ فِي هَذِهِ ٱلْأَرْضِ: كان على إرميا أن يبتعد عن مناسبات الحداد مع الآخرين كعلامة على الكارثة الكبرى القادمة التي ستحل على يهوذا عندما ينتشر الموت بشكل واسع لدرجة أن الموتى لَا يُدْفَنُونَ وَلَا يَنْدُبُونَهُمْ.
٣. وَلَا يَخْمِشُونَ أَنْفُسَهُمْ وَلَا يَجْعَلُونَ قَرَعَةً مِنْ أَجْلِهِمْ: عندما تضرب الدينونة القادمة يهوذا، لن تتم مراعاة أيٍّ من ممارسات الحداد، لا بالنسبة لأولئك المقبولين ثقافيًّا (يَكْسِرُونَ خُبْزًا فِي ٱلْمَنَاحَةِ)، ولا بالنسبة لأولئك العصاة الذين يقلّدون الطقوس الوثنية (يَخْمِشُونَ أَنْفُسَهُمْ).
• يَخْمِشُونَ أَنْفُسَهُمْ: “هذه طقوس لتشويه الذات، حيث يقوم النادبون بجرح أنفسهم وحلق رؤوسهن ولحاهم. ويبدو أن هذا مورس على نطاق واسع في إسرائيل (إرميا ٤١: ٤٥؛ ٤٧: ٥؛ ٤٨: ٣٧؛ إشعياء ١٥: ٢-٣؛ ٢٢: ١٢؛ حزقيال ٧: ١٨؛ ميخا ١: ١٦، إلخ) رغم أنها كانت ممنوعة.” ثومبسون (Thompson)
ج) الآيات (٨-٩): إرميا يُنهى عن الاشتراك في ولائمهم.
٨وَلَا تَدْخُلْ بَيْتَ ٱلْوَلِيمَةِ لِتَجْلِسَ مَعَهُمْ لِلْأَكْلِ وَٱلشُّرْبِ. ٩لِأَنَّهُ هَكَذَا قَالَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: هَأَنَذَا مُبَطِّلٌ مِنْ هَذَا ٱلْمَوْضِعِ، أَمَامَ أَعْيُنِكُمْ وَفِي أَيَّامِكُمْ، صَوْتَ ٱلطَّرَبِ وَصَوْتَ ٱلْفَرَحِ، صَوْتَ ٱلْعَرِيسِ وَصَوْتَ ٱلْعَرُوسِ.
١. وَلَا تَدْخُلْ بَيْتَ ٱلْوَلِيمَةِ لِتَجْلِسَ مَعَهُمْ لِلْأَكْلِ وَٱلشُّرْبِ: كما أُمر النبي بأن ينأى بنفسه عن تأسيس علاقات أسرية وتعبيرات الحداد العام، كذلك عليه أن ينأى بنفسه عن الاحتفالات العامة كعلامة على الدينونة القادمة.
• “لا يمكننا إلاّ أن نتخيل فقط ما يعنيه هذا لقلب رقيق رائع مثل قلب إرميا. ففي مجتمع يهوذا المتماسك، كان هذا بمنزلة حرمان مفروض على الذات.” كوندال (Cundall)
٢. هَأَنَذَا مُبَطِّلٌ مِنْ هَذَا ٱلْمَوْضِعِ… صَوْتَ ٱلطَّرَبِ وَصَوْتَ ٱلْفَرَحِ: عندما تحل أزمة الدينونة على يهوذا، لن يكون هنالك فرح أو احتفالات زفاف. فكان على إرميا، كعلامة، أن يعيش في يومه الحالي كما لو أن الدينونة قد جاءت بالفعل.
ثانيًا. كلمات متناوبة للدينونة والاسترداد
أ ) الآيات (١٠-١٣): شرح دينونة الله لشعب يهوذا
١٠وَيَكُونُ حِينَ تُخْبِرُ هَذَا ٱلشَّعْبَ بِكُلِّ هَذِهِ ٱلْأُمُورِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ لَكَ: لِمَاذَا تَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ عَلَيْنَا بِكُلِّ هَذَا ٱلشَّرِّ ٱلْعَظِيمِ، فَمَا هُوَ ذَنْبُنَا وَمَا هِيَ خَطِيَّتُنَا ٱلَّتِي أَخْطَأْنَاهَا إِلَى ٱلرَّبِّ إِلَهِنَا؟ ١١فَتَقُولُ لَهُمْ: مِنْ أَجْلِ أَنَّ آبَاءَكُمْ قَدْ تَرَكُونِي، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، وَذَهَبُوا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى وَعَبَدُوهَا وَسَجَدُوا لَهَا، وَإِيَّايَ تَرَكُوا، وَشَرِيعَتِي لَمْ يَحْفَظُوهَا. ١٢وَأَنْتُمْ أَسَأْتُمْ فِي عَمَلِكُمْ أَكْثَرَ مِنْ آبَائِكُمْ. وَهَا أَنْتُمْ ذَاهِبُونَ كُلُّ وَاحِدٍ وَرَاءَ عِنَادِ قَلْبِهِ ٱلشِّرِّيرِ حَتَّى لَا تَسْمَعُوا لِي. ١٣فَأَطْرُدُكُمْ مِنْ هَذِهِ ٱلْأَرْضِ إِلَى أَرْضٍ لَمْ تَعْرِفُوهَا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ، فَتَعْبُدُونَ هُنَاكَ آلِهَةً أُخْرَى نَهَارًا وَلَيْلًا حَيْثُ لَا أُعْطِيكُمْ نِعْمَةً.
١. لِمَاذَا تَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ عَلَيْنَا بِكُلِّ هَذَا ٱلشَّرِّ ٱلْعَظِيمِ: استبق الله هذا السؤال من شعب يهوذا وقادتها عدة مرات في سفر إرميا. وكان يهمه أن يجيب عليه. إذ كان من المهم أن يعرفوا أن الكارثة ليست سوء حظ أو قدر أعمى. فكان عليهم أن يدركوا أنها كانت استجابة عادلة لخطاياهم وتمردهم.
٢. مِنْ أَجْلِ أَنَّ آبَاءَكُمْ قَدْ تَرَكُونِي: لم يكن هذا الغزو وسبي يهوذا نتيجة لخطايا جيل واحد فقط. فقد كان التمرد المتقسّي على مدى عدة أجيال هو الذي أوصل يهوذا إلى دينونتها الوشيكة.
٣. وَأَنْتُمْ أَسَأْتُمْ فِي عَمَلِكُمْ أَكْثَرَ مِنْ آبَائِكُمْ. وَهَا أَنْتُمْ ذَاهِبُونَ كُلُّ وَاحِدٍ وَرَاءَ عِنَادِ قَلْبِهِ ٱلشِّرِّيرِ: كانت خطايا آبائهم كافية لتجعلهم مسؤولين عن الدينونة، لكنهم أضافوا إليها ذنبهم الخاص. إذ أضافوا إلى خطايا آبائهم من عبادة الأوثان ورفْض طرق الله عبادة الذات بطريقة ملحوظة.
٤. فَأَطْرُدُكُمْ مِنْ هَذِهِ ٱلْأَرْضِ إِلَى أَرْضٍ لَمْ تَعْرِفُوهَا: بسبب الذنب الجماعي لآبائهم ولجيلهم الحالي، كان الغزو والسبي حصيلة مؤكدة.
• فَتَعْبُدُونَ هُنَاكَ آلِهَةً أُخْرَى نَهَارًا وَلَيْلًا: “هنا يؤكد لهم إرميا بشكل ساخر أنه ستتاح لهم في السبي الفرصة لإشباع رغبتهم في العبادة الوثنية ليلًا ونهارًا.” فينبيرغ (Feinberg)
ب) الآيات (١٤-١٥): وعد رائع بالاسترداد من السبي
١٤لذَلِكَ هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، وَلَا يُقَالُ بَعْدُ: حَيٌّ هُوَ ٱلرَّبُّ ٱلَّذِي أَصْعَدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، ١٥بَلْ: حَيٌّ هُوَ ٱلرَّبُّ ٱلَّذِي أَصْعَدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ ٱلشِّمَالِ وَمِنْ جَمِيعِ ٱلْأَرَاضِي ٱلَّتِي طَرَدَهُمْ إِلَيْهَا. فَأُرْجِعُهُمْ إِلَى أَرْضِهِمِ ٱلَّتِي أَعْطَيْتُ آبَاءَهُمْ إِيَّاهَا.
١. هَا أَيَّامٌ تَأْتِي: كانت الكلمة السابقة من إرميا مظلمة قدر الإمكان، ’حَيْثُ لَا أُعْطِيكُمْ نِعْمَةً‘ في أرض سبيهم. ومع ذلك، وكما لو أن الله لم يستطع أن يتمالك نفسه، أتْبع كلمته اليائسة بوعد رائع كريم.
٢. وَلَا يُقَالُ بَعْدُ: حَيٌّ هُوَ ٱلرَّبُّ ٱلَّذِي أَصْعَدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ: كان إنقاذ الله لشعبه من مصر هو العمل المركزي للفداء في العهد القديم. وقد ذكّر الله إسرائيل بهذا العمل العظيم من خلال الاحتفال بعيد الفصح وبطرق أخرى كثيرة.
٣. بَلْ حَيٌّ هُوَ ٱلرَّبُّ ٱلَّذِي أَصْعَدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ ٱلشِّمَالِ وَمِنْ جَمِيعِ ٱلْأَرَاضِي ٱلَّتِي طَرَدَهُمْ إِلَيْهَا: قدم الله وعدًا رائعًا بأنه سيكون هنالك مقياس جديد لعظمته وقوته الفدائية. وسيكون هذا المقياس العودة من السبي عندما يُرجعهم الله إلى أرضهم.
• “تبيّن الإشارة إلى ’جَمِيعِ ٱلْأَرَاضِي‘ أن النبي كان يتنبأ بالعودة من شتات عام بعد السبي.” فينبيرغ (Feinberg)
• يوجد قياس تمثيلي روحي هنا. فعمل الفداء الأولي في حياة المؤمن عظيم. لكن يمكن أن يُعَد عمل استرداد المؤمن – عندما يُخرج الله ابنًا له من سبيه المجازي ويُرجعه إلى أرضه ووعده – أعظم. وهذا هو المبدأ الذي كشفه إرميا.
ج) الآيات (١٦-١٨): حماسة الرب في ملاحقة الشعب الناضج للدينونة
١٦هَأَنَذَا أُرْسِلُ إِلَى جَزَّافِينَ كَثِيرِينَ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، فَيَصْطَادُونَهُمْ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أُرْسِلُ إِلَى كَثِيرِينَ مِنَ ٱلْقَانِصِينَ فَيَقْتَنِصُونَهُمْ عَنْ كُلِّ جَبَلٍ وَعَنْ كُلِّ أَكَمَةٍ وَمِنْ شُقُوقِ ٱلصُّخُورِ. ١٧لِأَنَّ عَيْنَيَّ عَلَى كُلِّ طُرُقِهِمْ. لَمْ تَسْتَتِرْ عَنْ وَجْهِي، وَلَمْ يَخْتَفِ إِثْمُهُمْ مِنْ أَمَامِ عَيْنَيَّ. ١٨وَأُعَاقِبُ أَوَّلًا إِثْمَهُمْ وَخَطِيَّتَهُمْ ضِعْفَيْنِ، لِأَنَّهُمْ دَنَّسُوا أَرْضِي، وَبِجُثَثِ مَكْرُهَاتِهِمْ وَرَجَاسَاتِهِمْ قَدْ مَلَأُوا مِيرَاثِي.
١. هَأَنَذَا أُرْسِلُ إِلَى جَزَّافِينَ كَثِيرِينَ: كان الجزّافون هؤلاء صيادي سمك بمعنى سلبي. إذ سيرسل الله صيادين مجازيين على شعبه ليمسكوا بهم من أجل الدينونة والسبي الموعودين. فلن يستطيعوا الإفلات من الله لأن عينيه ’عَلَى كُلِّ طُرُقِهِمْ.‘
• “لكن يفهم بعضهم أن الجزافين هنا هم المصريون الذين كانوا يعتاشون في معظمهم على صيد الأسماك. ويفهمون أن القانصين (صيادي البَرّ) هم الكلدانيون (كما في تكوين ١٠: ٨-٩).” تراب (Trapp)
• “يجذب صيادو الأسماك الغنيمة الكبيرة بالشبكة – ويفترض أن هذه إشارة إلى الترحيل – ليتبعهم القانصون الذين يلتقطون الناجين الأفراد.” كوندال (Cundall)
• وَأُعَاقِبُ أَوَّلًا إِثْمَهُمْ وَخَطِيَّتَهُمْ ضِعْفَيْنِ: “ربما تكون الترجمة التالية أفضل: “سأعاقبهم تمامًا كما يستحقون من أجل إثمهم وخطيتهم.” فلم يكن عقابهم مضاعفًا بقدر ما كان مناسبًا. فالعقوبة تناسب الجريمة.” رايكن (Ryken)
٢. لِأَنَّهُمْ دَنَّسُوا أَرْضِي: يشرح هذا سبب ملاءمة السبي لحالة يهوذا الآثمة بعمق. فلأنهم دنسوا أرض الرب، سيُطردون منها لفترة من الزمن.
• وَبِجُثَثِ مَكْرُهَاتِهِمْ وَرَجَاسَاتِهِمْ: “إما أن يكون المقصود هنا هو الأوثان نفسها، والتي ما هي إلا جثث بلا حياة، وإما الذبائح التي قُدمت لها.” كلارك (Clarke)
• “لكن الاندهاش من تسامحها مع آلهة أخرى لا يقل عن الدهشة من جيل – جيلنا – يفتخر بالتعددية الدينية، ويخجل من التصريح بالإيمان الحصري بالمسيحية.” كيدنر (Kidner)
د ) الآيات (١٩-٢١): الرب يمجَّد بين الأمم.
١٩يَا رَبُّ، عِزِّي وَحِصْنِي وَمَلْجَإِي فِي يَوْمِ ٱلضِّيْقِ، إِلَيْكَ تَأْتِي ٱلْأُمَمُ مِنْ أَطْرَافِ ٱلْأَرْضِ، وَيَقُولُونَ: “إِنَّمَا وَرِثَ آبَاؤُنَا كَذِبًا وَأَبَاطِيلَ وَمَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ. ٢٠هَلْ يَصْنَعُ ٱلْإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ آلِهَةً وَهِيَ لَيْسَتْ آلِهَةً؟”. ٢١”لِذَلِكَ هَأَنَذَا أُعَرِّفُهُمْ هَذِهِ ٱلْمَرَّةَ، أُعَرِّفُهُمْ يَدِي وَجَبَرُوتِي، فَيَعْرِفُونَ أَنَّ ٱسْمِي يَهْوَهُ.”
١. يَا رَبُّ، عِزِّي وَحِصْنِي وَمَلْجَإِي فِي يَوْمِ ٱلضِّيْقِ: رغم كآبة حالة يهوذا ودينونتها الوشيكة، أمكن لإرميا أن يجد قوة وملجأ في الرب.
٢. إِلَيْكَ تَأْتِي ٱلْأُمَمُ مِنْ أَطْرَافِ ٱلْأَرْضِ: لن يفي الله بوعده لإسرائيل باسترداد شعبه من سبيه، بل سيقوم أيضًا بعمل أعظم من هذا. فقد وعد بأن يجذب الأمم إليه مِنْ أَطْرَافِ ٱلْأَرْضِ.
٣. وَرِثَ آبَاؤُنَا كَذِبًا وَأَبَاطِيلَ وَمَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ: ستكون هذه شهادة الأمم التائبة المنجذبة إلى الله. وسيرون أوثانهم وأمورهم التي لا منفعة فيها.
• “يؤدي التفكير في واقع (حقيقة) الله المزكّى، مقابل سراب الآلهة الوثنية، إلى فتح عيني النبي فيرى نبويًّا ذلك اليوم الذي ستدرك فيه الشعوب البعيدة خواء أديانها، فتلتجئ إلى الرب.” كيدنر (Kidner)
• هَلْ يَصْنَعُ ٱلْإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ آلِهَةً وَهِيَ لَيْسَتْ آلِهَةً؟: “هل يمكن أن يكون شخص على هذه الدرجة من الغباء، أو أن يكون عبثيًّا بهذا الشكل الأخرق؟ نعم. فالإنسان الساقط قادر على أي شيء خسيس، ودنيء، وشرير، إلى أن يتأثر ويتحول بنعمة المسيح.” كلارك (Clarke)
٤. أُعَرِّفُهُمْ يَدِي وَجَبَرُوتِي: وعد الله بإعلان قوي لقوته وعظمته للأمم. وقد تحقق هذا في إظهار قوة الله ومحبته من خلال عمل يسوع والتقديم المستمر لهذه الرسالة.
• فَيَعْرِفُونَ أَنَّ ٱسْمِي يَهْوَهُ: “في ذلك اليوم، ستعرف الأمم أن اسمه يهوه. لكن الاسم يدل على الطبيعة الأدبية لصاحبه. ويدل اسم يهوه على مجموعة واسعة من الصفات التي ليس أقلها قدرته على الخلاص.” ثومبسون (Thompson)
• “ينقسم المفسرون حول ما إذا كان اليهود أم الأمم هم المقصودين هنا. وفي واقع الأمر، فإن ما يقال ينطبق عليهما معًا. فلا لزوم لاستبعاد أيٍّ منهما (انظر حزقيال ٣٦: ٢٣؛ ٣٧: ١٤).” فينبيرغ (Feinberg)