سفر إرميا – الإصحاح ١٤
جفاف على يهوذا
أولًا. نموذج للتوبة لم يتحقق
أ ) الآيات (١-٦): موسم قحط على يهوذا
١كَلِمَةُ ٱلرَّبِّ ٱلَّتِي صَارَتْ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ جِهَةِ ٱلْقَحْطِ: ٢”نَاحَتْ يَهُوذَا وَأَبْوَابُهَا ذَبُلَتْ. حَزِنَتْ إِلَى ٱلْأَرْضِ وَصَعِدَ عَوِيلُ أُورُشَلِيمَ. ٣وَأَشْرَافُهُمْ أَرْسَلُوا أَصَاغِرَهُمْ لِلْمَاءِ. أَتَوْا إِلَى ٱلْأَجْبَابِ فَلَمْ يَجِدُوا مَاءً. رَجَعُوا بِآنِيَتِهِمْ فَارِغَةً. خَزُوا وَخَجِلُوا وَغَطَّوْا رُؤُوسَهُمْ ٤مِنْ أَجْلِ أَنَّ ٱلْأَرْضَ قَدْ تَشَقَّقَتْ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَطَرٌ عَلَى ٱلْأَرْضِ خَزِيَ ٱلْفَلَّاحُونَ. غَطَّوْا رُؤُوسَهُمْ. ٥حَتَّى أَنَّ ٱلْإِيَّلَةَ أَيْضًا فِي ٱلْحَقْلِ وَلَدَتْ وَتَرَكَتْ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ كَلأٌ. ٦ٱلْفِرَا وَقَفَتْ عَلَى ٱلْهِضَابِ تَسْتَنْشِقُ ٱلرِّيحَ مِثْلَ بَنَاتِ آوَى. كَلَّتْ عُيُونُهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ عُشْبٌ.”
١. كَلِمَةُ ٱلرَّبِّ ٱلَّتِي صَارَتْ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ جِهَةِ ٱلْقَحْطِ: من الواضح أن هذا الجزء من نبوة إرميا جاء أثناء فترة عانت فيها يهوذا من الجفاف. وطالما كانت مواسم الجفاف المستمرة أو المتعددة قضية حياة أو موت في المجتمعات التي كان معظم أفرادها يعتاشون على الزراعة.
• كان الجفاف قضية خاصة لإسرائيل ويهوذا قديمًا، لأنه كان يُعتقد أن المعبود الكنعاني، البعل، هو إله الطقس والمطر. وقد انجذب الإسرائيليون القدماء إلى عبادة البعل لأنهم أرادوا المطر.
• “هدد الرب بالقحط على العصيان (تثنية ٢٨: ٢٣-٢٤). وكان هذا جزءًا من لعنات العهد. وكان هدف الرب من إرسال الجفاف هو أن تتوب الأمة.” فينبيرغ (Feinberg)
• “تأتي كلمة ’القحط‘ في النص العبري في صيغة الجمع (مواسم قحط)، ما يشير إلى سلسلة من هذه الكوارث التي تترك كل واحدة منها الناجين أقل قدرة على مواجهة الكارثة التالية.” كيدنر (Kidner)
٢. وَأَشْرَافُهُمْ أَرْسَلُوا أَصَاغِرَهُمْ لِلْمَاءِ. أَتَوْا إِلَى ٱلْأَجْبَابِ فَلَمْ يَجِدُوا مَاءً: وصف إرميا من خلال النبوة والشعر الكارثة الكبرى لمواسم الجفاف المتتالية في يهوذا. وقد أذل هذا الأمر الشعب بسبب نقص المياه الواهبة للحياة (خَزُوا وَخَجِلُوا).
• “كان هنالك إرباك ويأس. ’وَغَطَّوْا رُؤُوسَهُمْ.‘ ويغطي الشرقيون رؤوسهم عندما يكونون في حزن عميق، كما فعل داود عندما عبر وادي قدرون. وتعني تغطية الرأس ما يلي: لا أستطيع أن أواجه هذا. لا تنظروا إليّ في حزن، ولا تتوقعوا مني أن أنظر إليكم. وأنا أغطي رأسي لأن الكارثة تغطيني بشكل كامل.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. حَتَّى أَنَّ ٱلْإِيَّلَةَ أَيْضًا فِي ٱلْحَقْلِ وَتَرَكَتْ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ كَلأٌ: عندما جلب الله التأديب أو الدينونة على يهوذا من خلال الجفاف، أثّر هذا في الحيوانات والطبيعة من حولهم. ومن شأن توبتهم الصادقة أن تفيدهم وتفيد العالم الطبيعي أيضًا.
• يُظهِر إرميا معرفة بالحياة الريفية في الصور البلاغية التوضيحية الملائمة. فالإيَّلة مشهورة برعاية صغارها. والحمير البرية (الفرا) من أصلب الحيوانات القادرة على تحمُّل الجفاف.” كوندال (Cundall)
ب) الآيات (٧-٩): نموذج للتوبة في زمن القحط
٧وَإِنْ تَكُنْ آثَامُنَا تَشْهَدُ عَلَيْنَا يَا رَبُّ، فَٱعْمَلْ لِأَجْلِ ٱسْمِكَ. لِأَنَّ مَعَاصِيَنَا كَثُرَتْ. إِلَيْكَ أَخْطَأْنَا. ٨يَا رَجَاءَ إِسْرَائِيلَ، مُخَلِّصَهُ فِي زَمَانِ ٱلضِّيقِ، ٩لِمَاذَا تَكُونُ كَغَرِيبٍ فِي ٱلْأَرْضِ، وَكَمُسَافِرٍ يَمِيلُ لِيَبِيتَ؟ لِمَاذَا تَكُونُ كَإِنْسَانٍ قَدْ تَحَيَّرَ، كَجَبَّارٍ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخَلِّصَ؟ وَأَنْتَ فِي وَسْطِنَا يَا رَبُّ، وَقَدْ دُعِينَا بِٱسْمِكَ. لَا تَتْرُكْنَا.
١. وَإِنْ تَكُنْ آثَامُنَا تَشْهَدُ عَلَيْنَا يَا رَبُّ، فَٱعْمَلْ لِأَجْلِ ٱسْمِكَ: باستخدام إرميا خياله النبوي، فكّر في شكل التوبة التي ينبغي ليهوذا أن تقدمها استجابة لمواسم القحط.
٢. يَا رَجَاءَ إِسْرَائِيلَ، مُخَلِّصَهُ فِي زَمَانِ ٱلضِّيقِ، لِمَاذَا تَكُونُ كَغَرِيبٍ فِي ٱلْأَرْضِ: بعد المجيء إلى الله بتواضع وتوبة، سعت المناشدة إلى تذكير الله بأنه رجاء إسرائيل ومخلصّها، فطلبتْ منه ألّا يكون كغريب عنهم في وقت حاجتهم الشديدة.
٣. لِمَاذَا تَكُونُ كَإِنْسَانٍ قَدْ تَحَيَّرَ، كَجَبَّارٍ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخَلِّصَ؟: تخيّل إرميا، في ثقته الكبيرة بقوة الله وقدرته على الخلاص، كيف أن التائب يحتكم إلى كرامة الله ومجده في إنقاذ شعبه، حيث يُظهر الرب نفسه على أنه القادر على أن يخلّص.
٤. وَأَنْتَ فِي وَسْطِنَا يَا رَبُّ، وَقَدْ دُعِينَا بِٱسْمِكَ. لَا تَتْرُكْنَا: ذكّر التائب الله بأنه قريب من إسرائيل وبأن شعب إسرائيل يخصونه. فطلب منه أن يتصرف على أساس هذا القرب والتوحُّد.
• لو أطلقت الأمة هذه الصرخة من القلب، وجعلتها صرختها، فإنه سيمكن لله أن يقدم الغفران.” كوندال (Cundall)
ج) الآية (١٠): استجابة الله لرد فعل يهوذا الفعلي الضحل
١٠هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ لِهَذَا ٱلشَّعْبِ: “هَكَذَا أَحَبُّوا أَنْ يَجُولُوا. لَمْ يَمْنَعُوا أَرْجُلَهُمْ، فَٱلرَّبُّ لَمْ يَقْبَلْهُمْ. اَلْآنَ يَذْكُرُ إِثْمَهُمْ وَيُعَاقِبُ خَطَايَاهُمْ.”
١. هَكَذَا أَحَبُّوا أَنْ يَجُولُوا. لَمْ يَمْنَعُوا أَرْجُلَهُمْ: استجاب الله للتائب المتخيَّل – وكان هذا أمرًا متخيَّلًا فحسب. فقد أحبت يهوذا الموجودة بالفعل أن تتجول وتتوه وتنحرف، ولم تحجم عن الخطية.
• التوبة، والاعتراف، والتواضع أمام الله، إن كانت موجودة في العقل (أو القلب) فحسب، وليس في فعل حقيقي، لا تأثير لها بالنسبة للرب. إذ يتوجب أن تتخطى هذه مسألة الشعور. والتوبة الموصوفة في إرميا ١٤: ٧-٩ رائعة، لكن غير حقيقية.
٢. فَٱلرَّبُّ لَمْ يَقْبَلْهُمْ: لأن التائب هنا كان متخيًلًا فحسب، فلن يقبل الله شعبًا غير وفي، بل سيتذكر خطاياهم ويعاقب عليها.
ثانيًا. فضح الأنبياء الكذبة
أ ) الآيات (١١-١٢): عدم جدوى يقين الدينونة
١١وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِي: “لَا تُصَلِّ لِأَجْلِ هَذَا ٱلشَّعْبِ لِلْخَيْرِ. ١٢حِينَ يَصُومُونَ لَا أَسْمَعُ صُرَاخَهُمْ، وَحِينَ يُصْعِدُونَ مُحْرَقَةً وَتَقْدِمَةً لَا أَقْبَلُهُمْ، بَلْ بِٱلسَّيْفِ وَٱلْجُوعِ وَٱلْوَبَإِ أَنَا أُفْنِيهِمْ.”
١. لَا تُصَلِّ لِأَجْلِ هَذَا ٱلشَّعْبِ لِلْخَيْرِ: أعطى الله إرميا أمرًا مماثلًا في إرميا ٧: ١٦-١٩. كان شعب يهوذا عند هذه النقطة متقسّين حتى إنهم تجاوزوا الصلاة من أجلهم. إذ كان مسارهم ثابتًا، فقال الله لإرميا ببساطة: ’حِينَ يَصُومُونَ لَا أَسْمَعُ صُرَاخَهُمْ.‘
• إنه لأمر ذو دلالة أنه كان على الله أن يطلب من إرميا ألاّ يصلي. والافتراض أنه كان يريد أن يصلي من أجلهم، لكن الله منعه من ذلك. ويوجد شيء على هذا المنوال في العهد الجديد في ١ يوحنا ٥: ١٤-١٦، حيث شرح يوحنا أن هنالك أشخاصًا، على الأقل من ناحية نظرية، خارج تأثير الصلاة لأجلهم، ولهذا لا ينبغي الصلاة من أجلهم.
• ما أفظع حالة هذا الشعب في إشارة إلى الذين يقول الرب للخدام عنهم: ’لا تصلّوا من أجلهم،‘ أو إلى ما يرقى إلى التحريم، حيث يحجب عن خدامه روح الصلاة والشفاعة من أجل الشعب.” كلارك (Clarke)
٢. بَلْ بِٱلسَّيْفِ وَٱلْجُوعِ وَٱلْوَبَإِ أَنَا أُفْنِيهِمْ: ستأتي الدينونة الموعودة. ولن تكون التوبة غير الصادقة المقدمة كافية أبدًا.
• “كانت العناصر الثلاثة – السيف، والمجاعة، والوبأ – تصاحب الحروب دائمًا، ويشار إليها عدة مرات في العهد القديم.” ثومبسون (Thompson)
ب) الآية (١٣): إرميا يذكر كلام الأنبياء الكذبة.
١٣فَقُلْتُ: “آهِ، أَيُّهَا ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ! هُوَذَا ٱلْأَنْبِيَاءُ يَقُولُونَ لَهُمْ لَا تَرَوْنَ سَيْفًا، وَلَا يَكُونُ لَكُمْ جُوعٌ بَلْ سَلَامًا ثَابِتًا أُعْطِيكُمْ فِي هَذَا ٱلْمَوْضِعِ.”
١. آهِ، أَيُّهَا ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ! هُوَذَا ٱلْأَنْبِيَاءُ يَقُولُونَ لَهُمْ: كان لدى إرميا رسالة باسم الرب ليوصلها إلى شعب يهوذا. ومع ذلك، لم يكن إرميا هو الوحيد الذي صرّح أنه جاء بمثل هذه الرسالة. إذ ادّعى آخرون أنهم أنبياء أيضًا.
٢. لَا تَرَوْنَ سَيْفًا، وَلَا يَكُونُ لَكُمْ جُوعٌ بَلْ سَلَامًا ثَابِتًا أُعْطِيكُمْ فِي هَذَا ٱلْمَوْضِعِ: كانت رسالة الأنبياء الآخرين هي أنه سيكون هنالك إنقاذ من السيف والمجاعة، وأن الله سينقذهم. فكانت رسالتهم إيجابية ممتلئة بالأمل، على نقيض الرسالة التي أعطاها الله إلى إرميا.
• يرجّح أن إرميا كان يأمل في أن يشرح أو يبرر عدم التوبة بين شعب يهوذا وقادتها. فلم يتوبوا لأن أنبياء آخرين أخبروهم أن الأمور ستكون على ما يرام.
• “قدّم النبي أعذارًا عن الشعب، واسترحم الله من أجلهم. وقد فعل هذا بشكل مُلِح. ومرة أخرى، أجاب الرب مبيّنًا لخادمه عدم جدوى مثل هذه الصلاة.” مورجان (Morgan)
ج) الآيات (١٤-١٥): تقييم الله لهؤلاء الأنبياء الكذبة
١٤فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِي: «بِٱلْكَذِبِ يَتَنَبَّأُ ٱلْأَنْبِيَاءُ بِٱسْمِي. لَمْ أُرْسِلْهُمْ، وَلَا أَمَرْتُهُمْ، وَلَا كَلَّمْتُهُمْ. بِرُؤْيَا كَاذِبَةٍ وَعِرَافَةٍ وَبَاطِلٍ وَمَكْرِ قُلُوبِهِمْ هُمْ يَتَنَبَّأُونَ لَكُمْ. ١٥لِذَلِكَ هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ عَنِ ٱلْأَنْبِيَاءِ ٱلَّذِينَ يَتَنَبَّأُونَ بِٱسْمِي وَأَنَا لَمْ أُرْسِلْهُمْ، وَهُمْ يَقُولُونَ: لَا يَكُونُ سَيْفٌ وَلَا جُوعٌ فِي هَذِهِ ٱلْأَرْضِ: “بِٱلسَّيْفِ وَٱلْجُوعِ يَفْنَى أُولَئِكَ ٱلْأَنْبِيَاءُ.”
١. بِٱلْكَذِبِ يَتَنَبَّأُ ٱلْأَنْبِيَاءُ بِٱسْمِي: كانت هذه دينونة مباشرة وقوية. فلم يتكلم الأنبياء المزعومون باسم الرب حقًّا. إذ تنبّأوا بأكاذيب.
٢. لَمْ أُرْسِلْهُمْ، وَلَا أَمَرْتُهُمْ، وَلَا كَلَّمْتُهُمْ. بِرُؤْيَا كَاذِبَةٍ وَعِرَافَةٍ وَبَاطِلٍ وَمَكْرِ قُلُوبِهِمْ هُمْ يَتَنَبَّأُونَ لَكُمْ: لم يعلن الله عن أية مسؤولية عن كلام هؤلاء الأنبياء المزعومين. فكان مصدر كلامهم خداع قلوبهم. فجاءت تلك النبوات من أنفسهم، لا من الرب.
٣. بِٱلسَّيْفِ وَٱلْجُوعِ يَفْنَى أُولَئِكَ ٱلْأَنْبِيَاءُ: سيكون الأنبياء الكذبة أنفسهم الذين تحدثوا عن سلام وأمان، بينما كان الوقت وقت توبة واستعداد للدينونة، أهدافًا خاصة للدينونة القادمة بالسيف والمجاعة.
• كان على الشعب أن يعرفوا أن الرب يعاقب الخطية. وما كان عليهم أن يصدقوا الأنبياء الكذبة. وتُذكر دينونة الأمة هنا لأن الشعب كان مستعدًّا لقبول الخداع.” فينبيرغ (Feinberg)
د ) الآية (١٦): دينونة الله على الذين يبقون تحت كلام الأنبياء الكذبة
١٦وَٱلشَّعْبُ ٱلَّذِي يَتَنَبَّأُونَ لَهُ يَكُونُ مَطْرُوحًا فِي شَوَارِعِ أُورُشَلِيمَ مِنْ جَرَى ٱلْجُوعِ وَٱلسَّيْفِ، وَلَيْسَ مَنْ يَدْفِنُهُمْ هُمْ وَنِسَاؤُهُمْ وَبَنَوُهُمْ وَبَنَاتُهُمْ، وَأَسْكُبُ عَلَيْهِمْ شَرَّهُمْ.
١. وَٱلشَّعْبُ ٱلَّذِي يَتَنَبَّأُونَ لَهُ: لم يَعُد الله الذين قبلوا كلام الأنبياء الكذبة أبرياء من الذنب. فقد كانوا مسؤولين عن رفض كلام الأنبياء الحقيقيين (مثل إرميا وغيره)، وعن قبول كلام الأنبياء الكذبة الناعم الكاذب.
٢. يَكُونُ مَطْرُوحًا فِي شَوَارِعِ أُورُشَلِيمَ مِنْ جَرَى ٱلْجُوعِ وَٱلسَّيْفِ: لا يجعل الاستماع إلى كلام الأنبياء الكذبة وتصديقه صحيحًا. وسيتحمل كل من يسمعهم ويصدقهم نفس الدينونة التي قال الأنبياء الكذبة إنها لن تأتي.
٣. وَلَيْسَ مَنْ يَدْفِنُهُمْ: كان هذا يُعَد خزيًا خاصًّا، حيث سيضاعف الله الخزي الذي سيُلصق بهم (وَأَسْكُبُ عَلَيْهِمْ شَرَّهُمْ).
ثالثًا. ألم الأنبياء
أ ) الآيات (١٧-١٨): البكاء على الدينونة القادمة
١٧وَتَقُولُ لَهُمْ هَذِهِ ٱلْكَلِمَةَ: لِتَذْرِفْ عَيْنَايَ دُمُوعًا لَيْلًا وَنَهَارًا وَلَا تَكُفَّا، لِأَنَّ ٱلْعَذْرَاءَ بِنْتَ شَعْبِي سُحِقَتْ سَحْقًا عَظِيمًا، بِضَرْبَةٍ مُوجِعَةٍ جِدًّا. ١٨إِذَا خَرَجْتُ إِلَى ٱلْحَقْلِ، فَإِذَا ٱلْقَتْلَى بِٱلسَّيْفِ. وَإِذَا دَخَلْتُ ٱلْمَدِينَةَ، فَإِذَا ٱلْمَرْضَى بِٱلْجُوعِ، لِأَنَّ ٱلنَّبِيَّ وَٱلْكَاهِنَ كِلَيْهِمَا يَطُوفَانِ فِي ٱلْأَرْضِ وَلَا يَعْرِفَانِ شَيْئًا.
١. لِتَذْرِفْ عَيْنَايَ دُمُوعًا لَيْلًا وَنَهَارًا: لم يكن من دواعي سرور إرميا أو الإحساس بالانتصار أن يعرف أنه كان نبيًّا حقيقيًّا، وأن أولئك الذين يتحدثون بالكلام الناعم أنبياء كذبة. إذ كان ألمه على الدينونة القادمة أعظم بكثير من أي رضا من كونه على صواب.
٢. لِأَنَّ ٱلْعَذْرَاءَ بِنْتَ شَعْبِي سُحِقَتْ سَحْقًا عَظِيمًا: نظر إرميا إلى شعب الله كما كان يمكن أن يكونوا عليه ٱلْعَذْرَاءَ بِنْتَ شَعْبِي. وتحسّر لأنه لن يكون هنالك مفر من الدينونة القادمة، لا في الحقل ولا في المدينة.
• “يدعو النبي يهوذا ’ٱلْعَذْرَاءَ بِنْتَ شَعْبِي‘ لأنها كانت محروسة بغيرة من الشعوب الوثنية، كما تُحرس العذراء في البيوت الشرقية.” فينبيرغ (Feinberg)
٣. لِأَنَّ ٱلنَّبِيَّ وَٱلْكَاهِنَ كِلَيْهِمَا يَطُوفَانِ فِي ٱلْأَرْضِ وَلَا يَعْرِفَانِ شَيْئًا: كان أولئك الذين يفترض أن يكونوا نورًا ودليلًا لشعب الله هم أنفسهم عميانًا. فلم يترك هذا أملًا كبيرًا لشعب الله في الهروب من الدينونة القادمة.
ب) الآيات (١٩-٢٠): اعتراف بالخطية والإثم
١٩هَلْ رَفَضْتَ يَهُوذَا رَفْضًا، أَوْ كَرِهَتْ نَفْسُكَ صِهْيَوْنَ؟ لِمَاذَا ضَرَبْتَنَا وَلَا شِفَاءَ لَنَا؟ ٱنْتَظَرْنَا ٱلسَّلَامَ فَلَمْ يَكُنْ خَيْرٌ، وَزَمَانَ ٱلشِّفَاءِ فَإِذَا رُعْبٌ. ٢٠قَدْ عَرَفْنَا يَا رَبُّ شَرَّنَا، إِثْمَ آبَائِنَا، لِأَنَّنَا قَدْ أَخْطَأْنَا إِلَيْكَ.
١. هَلْ كَرِهَتْ نَفْسُكَ صِهْيَوْنَ؟: اندهش إرميا من الكارثة القادمة. وكان حزينًا بما يكفي ليتساءل إن كان الله قد رذل شعبه، ورفضه كليًّا، ومقتهم، وضربهم بما يتجاوز الشفاء.
• أخبر الله إرميا أنه لن يسمع صلواته من أجل يهوذا (إرميا ١٤: ١١). غير أن إرميا لم يستطع التوقف عن ذلك. “رغم ذلك، استمر إرميا في التضرع من أجل يهوذا، وطلب من الرب أن يسمح له بذلك، مجادلًا معه بصبر.” مورجان (Morgan)
• “فماذا يفعل في هذه الحالة؟ فقد أمره الله بأن لا يصلي لأجل الشعب. ويبدو أن الله عازم على ضربهم. فماذا يمكن للمحبة أن تفعل عندما يصدر أمر بإغلاق بوابات الصلاة؟ لاحِظ كيف أنه بعد أن طلب منه الله ألاّ يصلي، شقّ طريقه إلى عرش النعمة، وراح يفعل أخيرًا ما طلب منه الله ألا يفعله.” سبيرجن (Spurgeon)
٢. ٱنْتَظَرْنَا ٱلسَّلَامَ فَلَمْ يَكُنْ خَيْرٌ: كان شعب يهوذا يأملون، تحت تأثيرات كلام الأنبياء الكذبة الناعم، في السلام والشفاء. لكن الضيق جاء بدلًا من ذلك.
٣. قَدْ أَخْطَأْنَا إِلَيْكَ: كانت هذه النتيجة المرجوة من الله من مجيء هذا الضيق عليهم – أن يوصلهم إلى معرفة كاملة بشرورهم وإثمهم. ولن تحقق الكلمات الناعمة للأنبياء الكذبة الذين نصّبوا أنفسهم بأنفسهم هذه النتيجة المرجوة.
• “يعلم النبي أن الاعتراف سيؤدي إلى الغفران. وإذا رفضت الأمة أن تعترف بخطيتها، فسيفعل إرميا هذا نيابة عنهم.” هاريسون (Harrison)
• رأى آدم كلارك أن شعب يهوذا وقادتهم لم يعترفوا بخطيتهم على غرار إرميا. “فعل النبي هذا نيابة عن الشعب. لكن من المؤسف أنهم لم ينضموا إليه في هذه الصلاة.” كلارك (Clarke)
ج) الآيات (٢١-٢٢): تضرُّع إلى الله أن يذكرهم في تعاستهم
٢١لَا تَرْفُضْ لِأَجْلِ ٱسْمِكَ. لَا تَهِنْ كُرْسِيَّ مَجْدِكَ. اُذْكُرْ. لَا تَنْقُضْ عَهْدَكَ مَعَنَا. ٢٢هَلْ يُوجَدُ فِي أَبَاطِيلِ ٱلْأُمَمِ مَنْ يُمْطِرُ، أَوْ هَلْ تُعْطِي ٱلسَّمَاوَاتُ وَابِلًا؟ أَمَا أَنْتَ هُوَ ٱلرَّبُّ إِلَهُنَا؟ فَنَرْجُوكَ، لِأَنَّكَ أَنْتَ صَنَعْتَ كُلَّ هَذِهِ.
١. لَا تَرْفُضْ لِأَجْلِ ٱسْمِكَ. لَا تَهِنْ كُرْسِيَّ مَجْدِكَ: عندما لم يرَ إرميا شيئًا صالحًا فيهم ليحتكم به إلى الله، صلى بطريقة مختلفة، طلب على أساس اسم الله، وعلى أساس حكمه وسلطته (كُرْسِيَّ مَجْدِكَ)، وعلى أساس عهده معهم.
• “إنه الآن يصلي. ولا يسعه إلا أن يصلي. لقد قيل له ألاّ يصلي، لكنه يشعر بأنه مجبور على أن يصلي. فهو يحب الشعب كثيرًا حتى إنه كان مدفوعًا إلى التضرع من أجلهم.” سبيرجن (Spurgeon)
• يستبق هذا الأساس من التفكير العهد الجديد. فبموجب العهد الجديد، نؤمن بأن الله يقدم العون والبركة والنعمة، لا بناء على هويتنا أو أفعالنا، بل على هوية الله وما فعله.
٢. هَلْ يُوجَدُ فِي أَبَاطِيلِ (الأوثان) ٱلْأُمَمِ مَنْ يُمْطِرُ: بدأ هذا الإصحاح بالقلق حول مواسم الجفاف. والآن يتحدث إرميا، على ما يأمل، نيابة عن شعب تائب يدرك أن البعل أو أي إله وثني آخر عاجز عن إحداث المطر. فحتى الطبيعة، بعيدًا عن الله، لا تستطيع أن تفعل ذلك (هَلْ تُعْطِي ٱلسَّمَاوَاتُ وَابِلًا؟). لقد فصلتهم دينونة الله، بغضّ النظر عن مدى قسوتها، عن العبادة الوثنية والاعتماد على آلهة الشعوب أو الطبيعة في إحداث المطر.
٣. فَنَرْجُوكَ (لذلك ننتظرك): يتطلع القلب الذي أذله الرب، والمستسلم والخاضع له، إليه باتكال صبور. لقد أدى عمل الله التقويمي القاسي في شعبه إلى عمل رحيم.
• “هل وصلت إلى نقطة صعبة جدًّا؟ هل أنت في ضيقة مؤلمة، ضيقة لم تعرفها من قبل؟ فانتظر الرب. ارجُهُ. فإذا لم يرد عليك في البداية، وبدا أن أبواب السماء مغلقة أمامك، فاستمر وانتظر الرب. فإلى أين يمكنك الذهاب إذا ابتعدت عنه؟” سبيرجن (Spurgeon)