سفر إرميا – الإصحاح ٣٠
مخلّصون من وقت ضيق على يعقوب
“لا تنظروا بعد إلى إرميا بصفته النبي الباكي فقط، لأن ومضات بهجته تجعل ليل حزنه ساطعًا بشفق من اللمعان السماوي.” سبيرجن (Spurgeon)
أولًا. تدوين النبوة
أ ) الآيات (١-٣): تدوين الكلام في سفر
١اَلْكَلَامُ ٱلَّذِي صَارَ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ قَائِلًا: ٢”هَكَذَا تَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ قَائِلًا: ٱكْتُبْ كُلَّ ٱلْكَلَامِ ٱلَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ إِلَيْكَ فِي سِفْرٍ، ٣لِأَنَّهُ هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، وَأَرُدُّ سَبْيَ شَعْبِي إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأُرْجِعُهُمْ إِلَى ٱلْأَرْضِ ٱلَّتِي أَعْطَيْتُ آبَاءَهُمْ إِيَّاهَا فَيَمْتَلِكُونَهَا.”
١. اَلْكَلَامُ ٱلَّذِي صَارَ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ: تقدم إرميا ٣٢: ١-٢ هذه النبوة والسفر (التي تغطي أربعة إصحاحات ٣٠-٣٣) حتى قبل سقوط أورشليم النهائي. وتميّزها نغمتها العامة والتفاؤل عن كثير مما سبق في إرميا.
• تقدم إرميا ٣٢: ١-٢ هذه النبوة والسفر (التي تغطي أربعة إصحاحات ٣٠-٣٣) حتى قبل سقوط أورشليم النهائي. “يقدَّم السياق التاريخي بوضوح في إرميا ٣٢: ١ فصاعدًا (انظر ٣٣: ١). كانت أورشليم في مراحلها النهائية من حصار دام ١٨ شهرًا انتهى بتدميرها على أيدي البابليين. ومن ناحية إنسانية ما كان ممكنًا أن يكون الوضع أكثر سوءًا. لكن، عند هذه النقطة بالذات، أمر الله إرميا بأن يتكلم عن المستقبل.” كندال (Cundall)
٢. ٱكْتُبْ كُلَّ ٱلْكَلَامِ ٱلَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ إِلَيْكَ فِي سِفْرٍ: أُمِر إرميا بأن يكتب النبوة التالية. ومن الواضح أن كلام الله السابق تم تدوينه، لكن هنالك تركيزًا خاصًّا على تدوين هذه الكلمة. ويرجح أن هذا يعود إلى أن اكتمالها النهائي كان بعيدًا بالنسبة لأيام إرميا.
• “هذه هي محتويات هذا السفر الثمين – كل ورقة، بل كل سطر، بل كل حرف يقْطُر عطرًا ورحمة.” تراب (Trapp)
٣. وَأَرُدُّ سَبْيَ شَعْبِي إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا: هذا وعد معلن مرات كثيرة قبل هذه النقطة وبعدها في سفر إرميا. لكن مع تطور هذه النبوة، يبدو من الواضح أن هذه العودة من السبي ستكون لاحقة للعودة الوشيكة من السبي، وستكون أعظم منها.
• يشار إلى هذا بشكل خاص في الكلمات الأخيرة من هذا الفصل، والتي تخبرنا أنه في آخر الأيام سيتذكرونها ويتأملونها (إرميا ٣٠: ٢٤). لقد نظر إرميا إلى ما هو أبعد من يومه الحالي ومستقبله القريب ليرى آخر الأيام.
ب) الآيات (٤-٧): وقت ضيق على إسرائيل
٤فَهَذَا هُوَ ٱلْكَلَامُ ٱلَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ ٱلرَّبُّ عَنْ إِسْرَائِيلَ وَعَنْ يَهُوذَا: ٥”لِأَنَّهُ هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: صَوْتَ ٱرْتِعَادٍ سَمِعْنَا. خَوْفٌ وَلَا سَلَامٌ. ٦اِسْأَلُوا وَٱنْظُرُوا إِنْ كَانَ ذَكَرٌ يَضَعُ! لِمَاذَا أَرَى كُلَّ رَجُلٍ يَدَاهُ عَلَى حَقْوَيْهِ كَمَاخِضٍ، وَتَحَوَّلَ كُلُّ وَجْهٍ إِلَى صُفْرَةٍ؟ ٧آهِ! لِأَنَّ ذَلِكَ ٱلْيَوْمَ عَظِيمٌ وَلَيْسَ مِثْلُهُ. وَهُوَ وَقْتُ ضِيقٍ عَلَى يَعْقُوبَ، وَلَكِنَّهُ سَيُخَلَّصُ مِنْهُ.
١. ٱلْكَلَامُ ٱلَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ ٱلرَّبُّ عَنْ إِسْرَائِيلَ وَعَنْ يَهُوذَا: إن ذكر المملكتين تلميح آخر إلى أن هذه النبوة تتكلم عن شيء لاحق للعودة من السبي البابلي أو أعظم منها. صحيح أن مملكة يهوذا ضمت أناسًا من كل الأسباط (٢ أخبار الأيام ١١: ١٣-١٦). ولهذا لا تتطلب هذه الكلمات تحقيقًا أكبر، لكنها توحي بذلك بالفعل.
٢. صَوْتَ ٱرْتِعَادٍ سَمِعْنَا. خَوْفٌ وَلَا سَلَامٌ: وصف إرميا بشاعرية رعب الشعب اليهودي (إسرائيل ويهوذا) في ظل كارثة لا مثيل لها.
• “تثير صورة رجل ممسك بحقويه (أَرَى كُلَّ رَجُلٍ يَدَاهُ عَلَى حَقْوَيْهِ كَمَاخِضٍ) سؤالًا: هل يمكن أن يحمل الرجل طفلًا؟ إنهم يتصرفون كالنساء في المخاض، وتشحب وجوههم (وَتَحَوَّلَ كُلُّ وَجْهٍ إِلَى صُفْرَةٍ).” ثومبسون (Thompson)
٣. ذَلِكَ ٱلْيَوْمَ عَظِيمٌ وَلَيْسَ مِثْلُهُ: كثيرًا ما استخدم إرميا كلمات مشابهة في وصف الدينونة القادمة على يهوذا وأورشليم في يومه. غير أن هذا يصف شيئًا أبعد من هذا. فهنالك وقت رعب قادم على الشعب اليهودي سيكون أسوأ من أي وقت مضى (وَلَيْسَ مِثْلُهُ).
• ذَلِكَ ٱلْيَوْمَ عَظِيمٌ: ترتبط فكرة اليوم العظيم بالكارثة التي تأتي على الأرض كلها في آخر الأيام.
“قَرِيبٌ يَوْمُ ٱلرَّبِّ ٱلْعَظِيمِ. قَرِيبٌ وَسَرِيعٌ جِدًّا. صَوْتُ يَوْمِ ٱلرّبِّ. يَصْرُخُ حِينَئِذٍ ٱلْجَبَّارُ مُرًّا” (صفنيا ١: ١٤).
“لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ يَوْمُ غَضَبِهِ ٱلْعَظِيمُ. وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ٱلْوُقُوفَ؟” (رؤيا ٦: ١٧).
“… لِتَجْمَعَهُمْ لِقِتَالِ ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ ٱلْعَظِيمِ” (رؤيا ١٦: ١٤).
• “غالبًا ما يُستخدم تعبير “ذلك اليوم” Hayyom hahu في الكتابات النبوية في تقديم معلومات متعلقة بيوم الرب، وهو موضوع أُخروي مهم.” فينبيرغ (Feinberg)
• وَلَيْسَ مِثْلُهُ: قال يسوع أيضًا إنه سيأتي يوم ضيق لا نظير له: “لِأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ ضِيقٌ عَظِيمٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مُنْذُ ٱبْتِدَاءِ ٱلْعَالَمِ إِلَى ٱلْآنَ وَلَنْ يَكُونَ” (متى ٢٤: ٢١).
٤. وَهُوَ وَقْتُ ضِيقٍ عَلَى يَعْقُوبَ: يبدو أن وقت الضيق على يعقوب هذا المذكور في إرميا ٣٠ أبعد من كارثة الغزوات البابلية والسبي. فهذه فترة كارثية قادمة مقدَّرة على الشعب اليهودي. وقد وصفها يسوع أيضًا بوضوح في خطابه على جبل الزيتون (متى ٢٤: ١٥-٢٢). وهنا ربط يسوع وقت الضيق هذا بما أسماه ’رجسة الخراب.‘
• عندما نربط إرميا ٣٠ بمتى ٢٤، نلاحظ أن ما نسميه في الغالب ’الضيقة العظيمة‘ هو على نحو محدد وقت ضيق على يعقوب. وهو يأتي عندما يحاول زعيم عالمي عظيم رهيب والحكومة التي يمثلها تدمير الشعب اليهودي. وسيأمل إبليس من خلال هذه القنوات أن يلتهم الشعب اليهودي (رؤيا ١٢: ١-٦).
• لا يعني هذا التقليل من الاضطهاد الذي سيمارس ضد أتباع يسوع، سواء أكانوا يهودًا أم من الأمميين. ومع ذلك، نلاحظ أن الله سيعمل من خلال وقت هذا الضيق على يعقوب، حسب خطة الله للعصور، على جلب خلاص لليهود.
٥. وَلَكِنَّهُ سَيُخَلَّصُ مِنْهُ (عبْره): من خلال وقت هذا الضيق على الشعب اليهودي والذي لا مثيل له، سينقذهم الله ويجلب لهم خلاصه، وسيحميهم (كما في رؤيا ١٢: ٦)، وسيجلبهم إلى الإيمان بمسيّاهم، يسوع المسيح (إرميا ٢٣: ٦؛ رومية ١١: ٢٦).
• “يقول إرميا إنه قبل أن يتحقق الوعد بالاسترداد، لا بد من تأديب الأمّة بشدة، لكن ليس إلى حد الكارثة النهائية.” فينبيرغ (Feinberg)
• وَلَكِنَّهُ سَيُخَلَّصُ مِنْهُ (عبْره): “لا منه، بل عبْره. ويعرف الرب كيف يخلّص الذين له.” تراب (Trapp) سيمر الشعب اليهودي (الذين لم يؤمنوا بمسيّاهم بعد) بوقت الضيق على يعقوب هذا، وسيخلَّصون عبرها. وبالمقابل، طلب منا يسوع أن نصلي لكي ننجو من هذه الأشياء (لوقا ٢١: ٣٦)، ووعد يسوع شعبه بأنه سيحفظهم من ساعة الكارثة القادمة على الأرض (رؤيا ٣: ١٠).
ج) الآيات (٨-٩): لا عبيد بعد
٨وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ، يَقُولُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ، أَنِّي أَكْسِرُ نِيرَهُ عَنْ عُنُقِكَ، وَأَقْطَعُ رُبُطَكَ، وَلَا يَسْتَعْبِدُهُ بَعْدُ ٱلْغُرَبَاءُ، ٩بَلْ يَخْدِمُونَ ٱلرَّبَّ إِلَهَهُمْ وَدَاوُدَ مَلِكَهُمُ ٱلَّذِي أُقِيمُهُ لَهُمْ.
١. أَنِّي أَكْسِرُ نِيرَهُ عَنْ عُنُقِكَ: سبق أن استخدم نبي كاذب رمز النير المكسور لجلب أمل زائف (إرميا ٢٨: ٢-٤). وهنا يعلن الله الوعد الصحيح بأنه ذات يوم، في موسم ضيق يعقوب، لن يعود هنالك أي نير على الشعب اليهودي.
٢. وَلَا يَسْتَعْبِدُهُ بَعْدُ ٱلْغُرَبَاءُ: يشير هذا إلى شيء أعظم من العودة من السبي البابلي، لأنه منذ ذلك الحين، استُعبد الشعب اليهودي للعمل بالسخرة مرات كثيرة.
٣. بَلْ يَخْدِمُونَ ٱلرَّبَّ إِلَهَهُمْ: بدلًا من أن يكون الشعب اليهودي عبيدًا للغرباء، سيكونون عبيدًا أمناء للرب (وفي نهاية الأمر، لمسيّا الرب، يسوع المسيح).
٤. وَدَاوُدَ مَلِكَهُمُ: في ذلك اليوم، سيقيم لهم ملكًا عليهم. يرى معظم المفسرين هذا على أنه إشارة إلى المسيّا، ابن داود، لا إلى داود بن يسّى. غير أن هنالك أسبابًا وجيهة للاعتقاد أن هذا النص ونصوصًا أخرى مشابهة تتحدث عن داود بن يسّى.
• قد يبدو هذا الوعد مستحيلًا، غير أنه يتكرر عدة مرات في كتابات الأنبياء في العهد القديم (إشعياء ٥٥: ٣-٤؛ حزقيال ٣٤: ٢٣-٢٤؛ ٣٧: ٢٤-٢٥؛ هوشع ٣: ٥). وهو يتحدث عن داود المقام، ابن يسّى، ملكًا على إسرائيل في الأرض الألفية.
• لدينا دلائل على أنه عندما يملك شعب الله مع يسوع على الأرض الألفية، سيوكَّل أشخاص على مناطق جغرافية حسب أمانتهم (لوقا ١٩: ١٦-١٩). ويبدو أن نصيب داود المجيد هو أن يملك على إسرائيل.
د ) الآيات (١٠-١١): وعد بلم الشمل ووعد بالتأديب
١٠أَمَّا أَنْتَ يَا عَبْدِي يَعْقُوبَ فَلَا تَخَفْ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، وَلَا تَرْتَعِبْ يَا إِسْرَائِيلُ، لِأَنِّي هَأَنَذَا أُخَلِّصُكَ مِنْ بَعِيدٍ، وَنَسْلَكَ مِنْ أَرْضِ سَبْيِهِ، فَيَرْجِعُ يَعْقُوبُ وَيَطْمَئِنُّ وَيَسْتَرِيحُ وَلَا مُزْعِجَ. ١١لِأَنِّي أَنَا مَعَكَ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، لِأُخَلِّصَكَ. وَإِنْ أَفْنَيْتُ جَمِيعَ ٱلْأُمَمِ ٱلَّذِينَ بَدَّدْتُكَ إِلَيْهِمْ، فَأَنْتَ لَا أُفْنِيكَ، بَلْ أُؤَدِّبُكَ بِٱلْحَقِّ، وَلَا أُبَرِّئُكَ تَبْرِئَةً.
١. أَمَّا أَنْتَ يَا عَبْدِي يَعْقُوبَ فَلَا تَخَفْ: تنبّأ الله بوقت محنة رهيبة قادمة على الشعب اليهودي، وقت ضيق على يعقوب. لكنه لم يُرِد لهم أن يخافوا، بل أن يكونوا واثقين بانتصاره النهائي ووعده بالخلاص (هَأَنَذَا أُخَلِّصُكَ مِنْ بَعِيدٍ).
٢. فَيَرْجِعُ يَعْقُوبُ وَيَطْمَئِنُّ وَيَسْتَرِيحُ: تحقق هذا بمعنى أقل وبمستوى أدنى في عودة المسبيين بقيادة عزرا ونحميا. فكان التحقيق محدودًا جدًّا. فلا يمكن القول عن العودة من السبي البابلي، ’وَلَا مُزْعِجَ.‘ لكن سيقال هذا عن إسرائيل في الحكم الألفي.
٣. وَإِنْ أَفْنَيْتُ جَمِيعَ ٱلْأُمَمِ ٱلَّذِينَ بَدَّدْتُكَ إِلَيْهِمْ: هذا جانب آخر تحقق بمعنى أقل في العودة من السبي البابلي، لكنه ينتظر آخر الأيام (إرميا ٣٠: ٢٤) لتحقيقه الكامل.
٤. فَأَنْتَ لَا أُفْنِيكَ: كان وعد الله لإسرائيل أنهم لن يفنوا كشعب، سواء أكان ذلك بالموت أم بالاندماج في الشعوب الأخرى. سيحتملون محنًا رهيبة، لكنهم سينجون.
• يمكن للمؤمن اليوم أن يستمد تعزية من هذا المبدأ الخاص المتعلق بمعدن الله الأدبي وطبيعته. “ثمِّنْ هذه الكلمات الحنون في قلبك. فلن يفنيك الله أبدًا. قد يبدو أنه لم يبقَ لك شيء، وأن الأتون محمّى جدًّا، وأن المخزون قد انخفض إلى ما يقرب الصفر. لكن الله يعلم مدى احتمالك. وسيُبقي يده معك.” ماير (Meyer)
٥. أُؤَدِّبُكَ بِٱلْحَقِّ: ذكّر الله إسرائيل بأنه رغم أنهم سيرون الأمم الأخرى التي ابتلتهم وهي تدان من الله، إلا أنه سيؤدبهم أيضًا. فلأنهم أخطأوا، لن يسمح لهم بأن يفلتوا من العقاب.
ثانيًا. استرداد بعد محنة مستعصية
أ ) الآيات (١٢-١٥): محنة مستعصية
١٢لِأَنَّهُ هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: كَسْرُكِ عَدِيمُ ٱلْجَبْرِ وَجُرْحُكِ عُضَالٌ. ١٣لَيْسَ مَنْ يَقْضِي حَاجَتَكِ لِلْعَصْرِ. لَيْسَ لَكِ عَقَاقِيرُ رِفَادَةٍ. ١٤قَدْ نَسِيَكِ كُلُّ مُحِبِّيكِ. إِيَّاكِ لَمْ يَطْلُبُوا. لِأَنِّي ضَرَبْتُكِ ضِرْبَةَ عَدُوٍّ، تَأْدِيبَ قَاسٍ، لِأَنَّ إِثْمَكِ قَدْ كَثُرَ، وَخَطَايَاكِ تَعَاظَمَتْ. ١٥مَا بَالُكِ تَصْرُخِينَ بِسَبَبِ كَسْرِكِ؟ جُرْحُكِ عَدِيمُ ٱلْبَرْءِ، لِأَنَّ إِثْمَكِ قَدْ كَثُرَ، وَخَطَايَاكِ تَعَاظَمَتْ، قَدْ صَنَعْتُ هَذِهِ بِكِ.
١. كَسْرُكِ عَدِيمُ ٱلْجَبْرِ: تحدّث الله إلى الشعب اليهودي بصدق عن حالتهم الآثمة. وأوضح أنه ليس من بين الرجال من يتبنّى قضيّتهم (لَيْسَ مَنْ يَقْضِي حَاجَتَكِ). فلم يكن هنالك عبر التاريخ كثيرون من غير اليهود من هم مستعدون للوقوف إلى جانب الشعب اليهودي في وجه مواجهة الكراهية العميقة لليهود.
٢. قَدْ نَسِيَكِ كُلُّ مُحِبِّيكِ: في أيام إرميا وما بعدها، غالبًا ما كان الشعب اليهودي يتكل على الشعوب الأجنبية ويضعون أنفسهم بين أيديها على أمل أن تحميهم. لكنها كانت تنساهم.
• “كان المحبون هم الأمم المحيطة التي اعتمدت عليها يهوذا في مساعدتها ضد بابل.” هاريسون (Harrison)
• مَا بَالُكِ تَصْرُخِينَ بِسَبَبِ كَسْرِكِ؟: “لماذا لا تبكين بالأحرى على آثامك؟ لا تصرخي Perri ’لقد مت،‘ بل اصرخي Peccari ’لقد أخطأت، وقد قضي عليّ. لكني فعلت هذا بحماقة شديدة.‘” تراب (Trapp)
٣. لِأَنَّ إِثْمَكِ قَدْ كَثُرَ، وَخَطَايَاكِ تَعَاظَمَتْ، قَدْ صَنَعْتُ هَذِهِ بِكِ: ذكّرهم الله بأن الكارثة التي حلت بهم جاءت من يدهم. فلم تكن صدفة، أو أحداثًا ناتجة عن سوء حظ.
ب) الآيات (١٦-١٧): التهام الملتهِم
١٦لِذَلِكَ يُؤْكَلُ كُلُّ آكِلِيكِ، وَيَذْهَبُ كُلُّ أَعْدَائِكِ قَاطِبَةً إِلَى ٱلسَّبْيِ، وَيَكُونُ كُلُّ سَالِبِيكِ سَلْبًا، وَأَدْفَعُ كُلَّ نَاهِبِيكِ لِلنَّهْبِ. ١٧لِأَنِّي أَرْفُدُكِ وَأَشْفِيكِ مِنْ جُرُوحِكِ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ. لِأَنَّهُمْ قَدْ دَعَوْكِ مَنْفِيَّةَ صِهْيَوْنَ ٱلَّتِي لَا سَائِلَ عَنْهَا.
١. يُؤْكَلُ كُلُّ آكِلِيكِ: تكلّم الله بالتعزية لشعبه مؤكدًا أن العدالة ستأخذ مجراها مع الذين ابتلوها والتهموها. إذ سيذهبون هم أنفسهم للسبي، وسيصبحون نهبًا.
• “لأن شعب الله يخضعون للدينونة معترفين بذنبهم، يعلن الله انتقامه بالمثل من أعدائهم.” فينبيرغ (Feinberg)
٢. لِأَنِّي أَرْفُدُكِ وَأَشْفِيكِ مِنْ جُرُوحِكِ: وعد الله بجلب الخراب على أعداء بني إسرائيل، ووعد باستردادهم، لأن الشعوب المقاومة لهم عاملوهم كمنبوذين.
ج) الآيات (١٨-٢٠): استرداد أورشليم وشعب الله
١٨هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: هَأَنَذَا أَرُدُّ سَبْيَ خِيَامِ يَعْقُوبَ، وَأَرْحَمُ مَسَاكِنَهُ، وَتُبْنَى ٱلْمَدِينَةُ عَلَى تَلِّهَا، وَٱلْقَصْرُ يُسْكَنُ عَلَى عَادَتِهِ. ١٩وَيَخْرُجُ مِنْهُمُ ٱلْحَمْدُ وَصَوْتُ ٱللَّاعِبِينَ، وَأُكَثِّرُهُمْ وَلَا يَقِلُّونَ، وَأُعَظِّمُهُمْ وَلَا يَصْغُرُونَ. ٢٠وَيَكُونُ بَنُوهُمْ كَمَا فِي ٱلْقَدِيمِ، وَجَمَاعَتُهُمْ تَثْبُتُ أَمَامِي، وَأُعَاقِبُ كُلَّ مُضَايِقِيهِمْ.
١. هَأَنَذَا أَرُدُّ سَبْيَ خِيَامِ يَعْقُوبَ: أكد الله وعد الاسترداد لغرض التوكيد. فلن يدوم سبيهم الحالي، أو أي سبي في المستقبل إلى الأبد.
• “يفترض أن نفهم من خلال تعبير ’الخيام‘ العشائر، أي الأشخاص الذين يعيشون في الخيام.” ثومبسون (Thompson)
٢. وَتُبْنَى ٱلْمَدِينَةُ عَلَى تَلِّهَا: لن تبقى أورشليم مدينة ميتة أو غير مأهولة. إذ سيبنيها الله ويستردها. فقد وعد الله بأن يبارك أهلها، فيفرّحهم ويكثّرهم.
• وَأُعَظِّمُهُمْ: “سأُعطيهم كرامة حيثما يكونون، فلا يعودوا محتقرين. وسيكون هذا تغييرًا عظيمًا جدًّا، لأنهم الآن محتقرون في جميع أنحاء الأرض.” كلارك (Clarke)
د ) الآيات (٢١-٢٢): ذاك الذي يجذبهم
٢١وَيَكُونُ حَاكِمُهُمْ مِنْهُمْ، وَيَخْرُجُ وَالِيهِمْ مِنْ وَسْطِهِمْ، وَأُقَرِّبُهُ فَيَدْنُو إِلَيَّ، لِأَنَّهُ مَنْ هُوَ هَذَا ٱلَّذِي أَرْهَنَ قَلْبَهُ لِيَدْنُوَ إِلَيَّ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ؟ ٢٢وَتَكُونُونَ لِي شَعْبًا وَأَنَا أَكُونُ لَكُمْ إِلَهًا.
١. وَيَكُونُ حَاكِمُهُمْ مِنْهُمْ، وَيَخْرُجُ وَالِيهِمْ مِنْ وَسْطِهِمْ: في سياق الاسترداد النهائي للشعب اليهودي، وصف إرميا نبويًّا حاكمهم، ذاك الذي سيملك عليهم في نهاية المطاف. وهو يأتي من وسطهم. إنه واحد منهم.
• ربما تكون هذه الترجمة لإرميا ٣٠: ٢١ مفيدة: سيكون رئيسهم واحدًا منهم من أنفسهم. سيخرج حاكمهم من وسطهم. وسأجذبه قريبًا مني فيقترب مني. فمن يجرؤ على الاقتراب مني؟
٢. وَأُقَرِّبُهُ فَيَدْنُو إِلَيَّ: تشير الصياغة هنا إلى أن هذا الحاكم الفريد سيقترب إلى الرب بطريقة خاصة ككاهن وممثل عن الشعب. وهذه إشارة إلى المسيّا الذي ليس ملكًا فحسب، بل كاهن أيضًا على رتبة ملكي صادق.
• “سيكون له امتياز الاقتراب إلى الله. ويبيّن هذا الاستخدام في العهد القديم أن له منصبًا وخدمة كهنوتيين (انظر مزمور ١١٠: ٤؛ زكريا ٦: ١٣).” فينبيرغ (Feinberg)
٣. ٱلَّذِي أَرْهَنَ قَلْبَهُ لِيَدْنُوَ إِلَيَّ: يطرح الرب هذا السؤال لا لأنه لا يعرف الإجابة، بل طرحه ليلفت الانتباه إلى ذاك الشخص الكامل في طاعته وفي قلبه، والذي يمكنه الاقتراب إلى الله الآب ككاهن نيابة عن شعبه.
• مَنْ هُوَ هَذَا: “مَن غيرُ ابني المسيح يجرؤ أن يفعل هذا؟ أو من هو اللائق لأن يفعل هذا؟ إنه شخص ممتاز فوق العادة، كما يوحي به السؤالMi – hu – ze(مَنْ هُوَ هَذَا؟)” تراب (Trapp)
• ٱلَّذِي أَرْهَنَ قَلْبَهُ: “رغب الرب من كل قلبه أن يفعل هذا. وهو يُشرك كل قلبه في أداء هذا الأمر. فقبل كل العوالم، كان قصده الأسمى هو أن يقترب إلى الله كممثل عن الإنسان… إذ كان منشغلًا بمحبته لله، وبمحبته للإنسان. ولم يكن بوسعه أن يرتاح إلا بعد أن استرد ذلك الانسجام المكسور بين الطرفين المنقسمين.” سبيرجن (Spurgeon)
٤. وَتَكُونُونَ لِي شَعْبًا وَأَنَا أَكُونُ لَكُمْ إِلَهًا: هذه هي نتيجة اقتراب الملك-الكاهن. إذ يجلب شعب الله إلى علاقة وثيقة وعميقة بالله.
هـ) الآيات (٢٣-٢٤): زوبعة الأيام الأخيرة
٢٣هُوَذَا زَوْبَعَةُ ٱلرَّبِّ تَخْرُجُ بِغَضَبٍ، نَوْءٌ جَارِفٌ. عَلَى رَأْسِ ٱلْأَشْرَارِ يَثُورُ. ٢٤لَا يَرْتَدُّ حُمُوُّ غَضَبِ ٱلرَّبِّ حَتَّى يَفْعَلَ، وَحَتَّى يُقِيمَ مَقَاصِدَ قَلْبِهِ. فِي آخِرِ ٱلْأَيَّامِ تَفْهَمُونَهَا.
١. زَوْبَعَةُ ٱلرَّبِّ: الزوبعة هنا تعبير مجازي يشير إلى دينونة تأتي كإعصار مدمر لا يمكن احتواؤه أو التحكم به.
• “قبل أن تكون هنالك بركة، ينبغي أن تعطى الدينونة للمذنب.” فينبيرغ (Feinberg)
٢. لَا يَرْتَدُّ حُمُوُّ غَضَبِ ٱلرَّبِّ حَتَّى يَفْعَلَ، وَحَتَّى يُقِيمَ مَقَاصِدَ قَلْبِهِ: إن دينونة الله مؤكدة. ربما يؤخرها في رحمته، لكنها قادمة لا محالة. وتأتي دينونة الله من قلبه أيضًا. ويتمثل أحد تعابير محبة الله للخير في غضبه على ما هو شرير.
٣. فِي آخِرِ ٱلْأَيَّامِ تَفْهَمُونَهَا: يذكّرنا الله بأن كثيرًا من هذا الإصحاح ينتظر آخر الأيام لتحقيقه النهائي.
• “في أيام المسيا، ولا سيما في نهاية العالم، سيتم إنجاز كل هذه الأمور بشكل كامل.” تراب (Trapp)