سفر إرميا – الإصحاح ٢
الآبار المشققة
أولًا. الطبيعة المذهلة لخطية إسرائيل
أ ) الآيات (١-٣): الأيام الطيبة الخوالي
١وَصَارَتْ إِلَيَّ كَلِمَةُ ٱلرَّبِّ قَائِلًا: ٢”ٱذْهَبْ وَنَادِ فِي أُذُنَيْ أُورُشَلِيمَ قَائِلًا: هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: قَدْ ذَكَرْتُ لَكِ غَيْرَةَ صِبَاكِ، مَحَبَّةَ خِطْبَتِكِ، ذِهَابَكِ وَرَائِي فِي ٱلْبَرِّيَّةِ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَزْرُوعَةٍ. ٣إِسْرَائِيلُ قُدْسٌ لِلرَّبِّ، أَوَائِلُ غَلَّتِهِ. كُلُّ آكِلِيهِ يَأْثَمُونَ. شَرٌّ يَأْتِي عَلَيْهِمْ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ.”
١. ٱذْهَبْ وَنَادِ فِي أُذُنَيْ أُورُشَلِيمَ: يذكّرنا هذا بأن جوهر عمل إرميا كنبي كان تقديم رسائل إلى مملكة يهوذا الجنوبية وعاصمتها، أورشليم.
• غالبًا ما يشير الله إلى يهوذا وأورشليم على أنهما إسرائيل في سفر إرميا، رغم أن مملكة إسرائيل الشمالية (الممثلة في أسباط الشمال العشرة) سقطت أمام الأشوريين قبل مئة سنة من عمل إرميا كنبي. ويشير الله إلى يهوذا وأورشليم على أنهما إسرائيل لأن هذا صحيح.
• في أيام يربعام القديمة وانفصاله عن مملكة يهوذا الجنوبية، لم يحب الكهنة الشرعيون واللاويون الساكنون في الشمال عبادة يربعام الوثنية. فقد وجّهوا مع آخرين قلوبهم لطلب الرب، إله إسرائيل، ثم نزحوا من الشمال إلى مملكة يهوذا الجنوبية (٢ أخبار الأيام ١١: ١٣-١٦). ولهذا فإن يهوذا ضمت بالفعل إسرائيليين من كل الأسباط العشرة
٢. قَدْ ذَكَرْتُ لَكِ غَيْرَةَ صِبَاكِ: قدّم الله من خلال النبي إرميا مناشدة صادقة لأورشليم، مذكِّرًا إياها بعلاقتها السابقة. ويمثّل القول “أتذكر كيف أن علاقتنا كانت رائعة ذات يوم” مناشدة قوية.
• “يتذكر الله أوقات الغيرة تلك، والمواسم السعيدة تلك، والساعات المتسمة بالحماسة. وإذا وصلنا إلى انحسار المد، وإذا صرنا باردين وأمواتًا تقريبًا، ونسينا الأيام الطيبة الخوالي، فلم ينسَ الله.” سبيرجن (Spurgeon)
٣. ذِهَابَكِ وَرَائِي فِي ٱلْبَرِّيَّةِ: هذا تلميح إلى ذكريات الخروج عندما قاد الله إسرائيل عبر البرية. لم يكونوا كاملين في علاقتهم بالله حينئذٍ. لكن كانت لديهم محبة لله وثقة بالرب، وهما أمران ناقصان بشدة في أيام إرميا.
٤. إِسْرَائِيلُ قُدْسٌ لِلرَّبِّ: هذا هو ما أمر الله به إسرائيل في البرية (لاويين ١١: ٤٥). وحققت إسرائيل هذا إلى حد ما. لقد فُرِزوا لله كشعب له، ولم تكن لديهم رغبة كبيرة في أوثان مصر أو الكنعانيين.
٥. كُلُّ آكِلِيهِ يَأْثَمُونَ. شَرٌّ يَأْتِي عَلَيْهِمْ: في ذلك الموسم من العلاقة الخاصة بالله، اهتم الرب بإسرائيل اهتمامًا خاصًّا. فإذا حاول أحدهم أن يلتهمها، فسيُصيبه شر. ويأتي هذا في تناقض صارخ مع الدينونة التي ستحل في النهاية على أورشليم الخائنة على أيدي أعدائها.
ب) الآيات (٤-٨): الجحود الكبير لإسرائيل العاصية
٤اِسْمَعُوا كَلِمَةَ ٱلرَّبِّ يَا بَيْتَ يَعْقُوبَ، وَكُلَّ عَشَائِرِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ. ٥هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: «مَاذَا وَجَدَ فِيَّ آبَاؤُكُمْ مِنْ جَوْرٍ حَتَّى ٱبْتَعَدُوا عَنِّي وَسَارُوا وَرَاءَ ٱلْبَاطِلِ وَصَارُوا بَاطِلًا؟ ٦وَلَمْ يَقُولُوا: أَيْنَ هُوَ ٱلرَّبُّ ٱلَّذِي أَصْعَدَنَا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، ٱلَّذِي سَارَ بِنَا فِي ٱلْبَرِّيَّةِ فِي أَرْضِ قَفْرٍ وَحُفَرٍ، فِي أَرْضِ يُبُوسَةٍ وَظِلِّ ٱلْمَوْتِ، فِي أَرْضٍ لَمْ يَعْبُرْهَا رَجُلٌ وَلَمْ يَسْكُنْهَا إِنْسَانٌ؟ ٧وَأَتَيْتُ بِكُمْ إِلَى أَرْضِ بَسَاتِينَ لِتَأْكُلُوا ثَمَرَهَا وَخَيْرَهَا. فَأَتَيْتُمْ وَنَجَّسْتُمْ أَرْضِي وَجَعَلْتُمْ مِيرَاثِي رِجْسًا. ٨اَلْكَهَنَةُ لَمْ يَقُولُوا: أَيْنَ هُوَ ٱلرَّبُّ؟ وَأَهْلُ ٱلشَّرِيعَةِ لَمْ يَعْرِفُونِي، وَٱلرُّعَاةُ عَصَوْا عَلَيَّ، وَٱلْأَنْبِيَاءُ تَنَبَّأُوا بِبَعْلٍ، وَذَهَبُوا وَرَاءَ مَا لَا يَنْفَعُ.
١. مَاذَا وَجَدَ فِيَّ آبَاؤُكُمْ مِنْ جَوْرٍ حَتَّى ٱبْتَعَدُوا عَنِّي: دعا الله بيت إسرائيل إلى أن يفسروا رفضهم له وسعيهم وراء الأوثان. فأراد أن يعرف أي عيب وجدوا فيه حتى جعلهم يتبنون عبادة الأوثان.
• يعلّق ثومبسون (Thompson) على عبارة ’وَسَارُوا وَرَاءَ ٱلْبَاطِلِ وَصَارُوا بَاطِلًا‘: “حاول بعضهم ترجمة هذه العبارة إلى ’سعوا وراء أشباح فارغة فصاروا أنفسهم فارغين،‘ أو إلى ’ساروا وراء التفاهة، فصاروا أنفسهم تافهين.‘”
٢. وَأَتَيْتُ بِكُمْ إِلَى أَرْضِ بَسَاتِينَ لِتَأْكُلُوا ثَمَرَهَا وَخَيْرَهَا: ذكّر الله إسرائيل بمدى لطفه وكرمه معهم، حيث أعطاهم أرض كنعان الوفيرة.
• وقعت أحداث الخروج قبل ٨٠٠ سنة من زمن إشعياء. ومن المفهوم (رغم أنه ليس جيدًا) أن تأخذ إسرائيل بركة الأرض بعد ٨٠٠ سنة على أنها أمر مسلَّم به. ولا يوجد تفسير كافٍ عندما نعد أعمال الله الصالحة لنا أمرًا مفروغًا منه بعد أسابيع فقط.
٣. وَنَجَّسْتُمْ أَرْضِي وَجَعَلْتُمْ مِيرَاثِي رِجْسًا: من الواضح أن الله دعا أرض إسرائيل أرضه وميراثه. وقد نجّست إسرائيل الأرض وجعلتها دنسة من خلال عبادة الأوثان.
٤. اَلْكَهَنَةُ لَمْ يَقُولُوا: أَيْنَ هُوَ ٱلرَّبُّ؟ وَأَهْلُ ٱلشَّرِيعَةِ لَمْ يَعْرِفُونِي: لم يخدم قادة إسرائيل الدينيون الله أو الشعب بشكل حسن. فلم يطلبوا الرب (لَمْ يَقُولُوا: أَيْنَ هُوَ ٱلرَّبُّ؟)، ولم يعلّموا كلمة الله (الشريعة) في سياق علاقة شخصية به (لَمْ يَعْرِفُونِي).
• يشير تعبير ’أهل الشريعة‘ إلى الكهنة واللاويين الذين كان عليهم أن يعلّموا الشريعة ويفسروها ويطبقوها للشعب. ’هم الذين يشرّعون الشريعة، ويستخلصون معانيها الروحية، ويُظهِرون ما تشير إليه شهاداته.‘ كلارك (Clarke)
٥. وَٱلرُّعَاةُ عَصَوْا عَلَيَّ، وَٱلْأَنْبِيَاءُ تَنَبَّأُوا بِبَعْلٍ: تسبب القادة المدنيون والدينيون في ضرر أكبر من أي نفع قدموه لشعب الله وللرب نفسه.
ج) الآيات (٩-١٢): طبيعة خطية إسرائيل المذهلة
٩لذَلِكَ أُخَاصِمُكُمْ بَعْدُ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، وَبَنِي بَنِيكُمْ أُخَاصِمُ. ١٠فَٱعْبُرُوا جَزَائِرَ كِتِّيمَ، وَٱنْظُرُوا، وَأَرْسِلُوا إِلَى قِيدَارَ، وَٱنْتَبِهُوا جِدًّا، وَٱنْظُرُوا: هَلْ صَارَ مِثْلُ هَذَا؟ ١١هَلْ بَدَلَتْ أُمَّةٌ آلِهَةً، وَهِيَ لَيْسَتْ آلِهَةً؟ أَمَّا شَعْبِي فَقَدْ بَدَلَ مَجْدَهُ بِمَا لَا يَنْفَعُ! ١٢اِبْهَتِي أَيَّتُهَا ٱلسَّمَاوَاتُ مِنْ هَذَا، وَٱقْشَعِرِّي وَتَحَيَّرِي جِدًّا، يَقُولُ ٱلرَّبُّ.
١. ذَلِكَ أُخَاصِمُكُمْ (أوجّه تهمًا إليكم) بَعْدُ: لن يسمح الله لخطية قادة إسرائيل وشعبها هذه بأن تمر من دون التصدي لها. فجلب الله، بشكل رسمي شكوى قانونية على إسرائيل بسبب خطيتها.
٢. وَٱنْظُرُوا: هَلْ صَارَ مِثْلُ هَذَا؟ هَلْ بَدَلَتْ أُمَّةٌ آلِهَةً: بما أن إسرائيل كانت تتطلع إلى الشعوب المحيطة بها في تقليد لعبادتها الوثنية، طلب الله من شعبه المتمرد أن ينظروا إلى الأماكن البعيدة – جَزَائِرَ كِتِّيمَ (قبرص) وقِيدَارَ سائلًا: هل تركت هذه الشعوب آلهتها؟ فالغريب هو أن الوثنيين المحيطين بإسرائيل كانوا أكثر وفاء لآلهتهم من إسرائيل للإله الحي.
• “كانت كتيم (قبرص) أقصى نقطة في الغرب في جغرافية يهوذا، بينما كانت قيدار قبيلة صحراوية في الشرق. ولهذا، فإنه يقول ما مفاده. ’من الغرب إلى الشرق، أو في أي مكان‘.” كوندال (Cundall)
• “فكِّروا في التوبيخ الذي يسببه تمسك الوثنيين العنيد بأوثانهم للتباطؤ الذي يمارسه كثيرون من المجاهرين بإيمانهم في ممارستهم لديانتهم.” ماكلارين (Maclaren)
٣. أَمَّا شَعْبِي فَقَدْ بَدَلَ مَجْدَهُ بِمَا لَا يَنْفَعُ: كانت الشعوب الوثنية وفيّة لآلهتها لم تفعل شيئًا لها. غير أنه كان لدى إسرائيل إله كل مجد باركهم بطرق لا تُحصى ابتعدوا عنه.
٤. اِبْهَتِي… وَٱقْشَعِرِّي… وَتَحَيَّرِي: أولًا، كان هنالك اندهاش كبيرِ (ابْهَتِي) من أن يكون الناس على هذا الحمق والخيانة والجحود. ثم هناك شيء ينبغي أن يخافوه (ٱقْشَعِرِّي) لأنه لا بد لله البار أن يعاقب مثل هذا التمرد الشائن. وأخيرًا، هنالك قفر وخراب، لأن عواقب تصرفات هؤلاء المتمردين لن تترك شيئًا.
ثانيًا. خواء عبادة إسرائيل الوثنية وخزيها
أ ) الآية (١٣): آبار مشققة
١٣لِأَنَّ شَعْبِي عَمِلَ شَرَّيْنِ: تَرَكُونِي أَنَا يَنْبُوعَ ٱلْمِيَاهِ ٱلْحَيَّةِ، لِيَنْقُرُوا لِأَنْفُسِهِمْ أَبْآرًا، أَبْآرًا مُشَقَّقَةً لَا تَضْبُطُ مَاءً.
١. تَرَكُونِي أَنَا يَنْبُوعَ ٱلْمِيَاهِ ٱلْحَيَّةِ: كان هذا أول شرور شعب الله – ترْكهم لله. وهذا شر، لا لأنه يدل على عدم الوفاء والجحود فحسب، بل لأنه حماقة أيضًا. فالله هو ينبوع المياه الحية، وإمداد لا ينتهي من الحياة الجوهرية الصالحة العذية النقية.
• كان يَنْبُوعَ ٱلْمِيَاهِ ٱلْحَيَّةِ في الشرق الأدنى القديم آبارًا ارتوازية، شيئًا مميزًا. إذ كان إمدادًا مستمرًّا من المياه الصالحة العذبة الواهبة للحياة. وفي إسرائيل القديمة، كان جلْب الماء عملًا شاقًّا، لكن يَنْبُوعَ ٱلْمِيَاهِ ٱلْحَيَّةِ كان يجلب الماء لك مباشرة.
٢. لِيَنْقُرُوا لِأَنْفُسِهِمْ أَبْآرًا، أَبْآرًا مُشَقَّقَةً لَا تَضْبُطُ مَاءً: بعد أن تخلى شعب الله عن مياهه الحية، عملوا بجد (لِيَنْقُرُوا لِأَنْفُسِهِمْ) من أجل الحصول على إمداد أدنى بكثير. غير أن ما حصلوا عليه في نهاية الأمر أجران مشققة لَا تَضْبُطُ مَاءً.
• “يتم تخزين المياه مباشرة في أجران، فلا تعود مياهًا حيّة، بل تصبح راكدة. وتبدأ عملية التدهور… وفضلًا عن ذلك، لا يمكن للإنسان أن ينقر أجرانًا تضبط ماء. فكلها مشققة. ويتوجب علينا أن نعيش قرب الجداول، وإلا هلكنا.” مورجان (Morgan)
• “بعد أن يترك المرء الله الذي لا يمكن لروح الإنسان الظمأى أن تجد اكتفاءً وارتواء إلا فيه، يشرع في بذل جهد متواصل في نقر أجران من الذهب والفضة من أجل بيوت بديعة، ومن أجل اكتساب سمعة لسمات طيبة، والصدقات المُسرِفة، وأجران الحكمة، والمعرفة القديمة. وهو يعتقد أنه سيحصل من أيٍّ من هذه الأجران على إمدادات كافية تدوم له مدى الحياة. لكن في أفضل الأحوال، فإن هذه المياه مالحة، وتفتقر إلى بريق الحياة المؤكسجة (الممتلئة بالأوكسجين). وستكون حارة مع حرارة النهار.” ماير (Meyer)
ب) الآيات (١٤-١٩): شعب الله يتطلعون إلى مصر وأشور ويهجرون الرب
١٤أَعَبْدٌ إِسْرَائِيلُ، أَوْ مَوْلُودُ ٱلْبَيْتِ هُوَ؟ لِمَاذَا صَارَ غَنِيمَةً؟ ١٥زَمْجَرَتْ عَلَيْهِ ٱلْأَشْبَالُ. أَطْلَقَتْ صَوْتَهَا وَجَعَلَتْ أَرْضَهُ خَرِبَةً. أُحْرِقَتْ مُدُنُهُ فَلَا سَاكِنَ. ١٦وَبَنُو نُوفَ وَتَحْفَنِيسَ قَدْ شَجُّوا هَامَتَكِ. ١٧أَمَا صَنَعْتِ هَذَا بِنَفْسِكِ، إِذْ تَرَكْتِ ٱلرَّبَّ إِلَهَكِ حِينَمَا كَانَ مُسَيِّرَكِ فِي ٱلطَّرِيقِ؟ ١٨وَٱلْآنَ مَا لَكِ وَطَرِيقَ مِصْرَ لِشُرْبِ مِيَاهِ شِيحُورَ؟ وَمَا لَكِ وَطَرِيقَ أَشُّورَ لِشُرْبِ مِيَاهِ ٱلنَّهْرِ؟ ١٩يُوَبِّخُكِ شَرُّكِ، وَعِصْيَانُكِ يُؤَدِّبُكِ. فَٱعْلَمِي وَٱنْظُرِي أَنَّ تَرْكَكِ ٱلرَّبَّ إِلَهَكِ شَرٌّ وَمُرٌّ، وَأَنَّ خَشْيَتِي لَيْسَتْ فِيكِ، يَقُولُ ٱلسَّيِّدُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ.
١. أَعَبْدٌ إِسْرَائِيلُ، أَوْ مَوْلُودُ ٱلْبَيْتِ هُوَ؟ لِمَاذَا صَارَ غَنِيمَةً؟: في وقت مبكر من هذا الإصحاح (إرميا ٢: ٣)، وعد الله بحماية يهوذا إذا أطاعته. والآن، يطلب الله منها، من خلال إرميا، أن تتأمل حالة إسرائيل (بمعنى مملكة إسرائيل الشمالية) ليتذكروا كيف أن رعاياها صاروا عبيدًا الآن.
٢. وَبَنُو نُوفَ وَتَحْفَنِيسَ قَدْ شَجُّوا هَامَتَكِ: كانت نوف وتحفنيس مدينتين مصريتين. ونوف اسم آحر لمدينة ممفيس، العاصمة القديمة لمصر السفلى، قرب القاهرة الحديثة. وهنا يحذّر الله يهوذا من الاتكال على مصر التي ستشج هامتها (أو ربما فعلت هذا قبل حلول ذلك الوقت)، والتي هزمت وقتلت الملك الصالح يوشيا (٢ ملوك ٢٣: ٢٩).
٣. أَمَا صَنَعْتِ هَذَا بِنَفْسِكِ، إِذْ تَرَكْتِ ٱلرَّبَّ إِلَهَكِ: كان السبب واضحًا. كانت إسرائيل مسبية، وشعبها عبيدًا، ومدنها أُحرقت لأنها تركت الرب.
٤. وَٱلْآنَ مَا لَكِ وَطَرِيقَ مِصْرَ… وَطَرِيقَ أَشُّورَ: حذّر الله يهوذا من التطلع إلى مصر (مِيَاهِ شِيحُورَ، أي النيل)، أو إلى أشور (مِيَاهِ ٱلنَّهْرِ، أي الفرات) من أجل العون. إذ لم تكن مياه نهريهما شيئًا بالنسبة للماء الحي الموجود في الرب.
• “مهما كانت جاذبية التحالف مع مصر، إلا أن يهوذا ستعاني إذا وقعت في هذا الشرك.” هاريسون (Harrison)
• “شيحور، أو السواد، إشارة ساخرة إلى نهر النيل، أحد أكثر آلهة مصر تبجيلًا.” هاريسون (Harrison)
٥. يُوَبِّخُكِ شَرُّكِ، وَعِصْيَانُكِ يُؤَدِّبُكِ: إذا استمرت أورشليم في مسارها الهدام، فسيكون هنالك تقويم كافٍ تمامًا وتوبيخ عنيف في عواقب أعمالها. وستعرف على نحو مؤكد أن ترْكها للرب شرٌّ ومرٌ.
٦. خَشْيَتِي لَيْسَتْ فِيكِ: خافت أورشليم من هجوم البابليين، وبالتالي فكرت في عقد تحالفات مع مصر وأشور. لكن المشكلة تمثلت في أنها لم تخفِ الرب، إله الجنود، أي إله الجيوش السماوية. وكان الله قادرًا على حمايتها إذا تابت واتكلت عليه.
ج) الآيات (٢٠-٢٥): السعي غير الحكيم وراء الآلهة الزائفة
٢٠لِأَنَّهُ مُنْذُ ٱلْقَدِيمِ كَسَرْتُ نِيرَكِ وَقَطَعْتُ قُيُودَكِ، وَقُلْتِ: لَا أَتَعَبَّدُ. لِأَنَّكِ عَلَى كُلِّ أَكَمَةٍ عَالِيَةٍ وَتَحْتَ كُلِّ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ أَنْتِ ٱضْطَجَعْتِ زَانِيَةً! ٢١وَأَنَا قَدْ غَرَسْتُكِ كَرْمَةَ سُورَقَ، زَرْعَ حَقٍّ كُلَّهَا. فَكَيْفَ تَحَوَّلْتِ لِي سُرُوغَ جَفْنَةٍ غَرِيبَةٍ؟ ٢٢فَإِنَّكِ وَإِنِ ٱغْتَسَلْتِ بِنَطْرُونٍ، وَأَكْثَرْتِ لِنَفْسِكِ ٱلْأُشْنَانَ، فَقَدْ نُقِشَ إِثْمُكِ أَمَامِي، يَقُولُ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ.٢٣ كَيْفَ تَقُولِينَ: لَمْ أَتَنَجَّسْ. وَرَاءَ بَعْلِيمَ لَمْ أَذْهَبْ؟ ٱنْظُرِي طَرِيقَكِ فِي ٱلْوَادِي. اِعْرِفِي مَا عَمِلْتِ، يَا نَاقَةً خَفِيفَةً ضَبِعَةً فِي طُرُقِهَا! ٢٤يَا أَتَانَ ٱلْفَرَا، قَدْ تَعَوَّدَتِ ٱلْبَرِّيَّةَ! فِي شَهْوَةِ نَفْسِهَا تَسْتَنْشِقُ ٱلرِّيحَ. عِنْدَ ضَبَعِهَا مَنْ يَرُدُّهَا؟ كُلُّ طَالِبِيهَا لَا يُعْيُونَ. فِي شَهْرِهَا يَجِدُونَهَا. ٢٥اِحْفَظِي رِجْلَكِ مِنَ ٱلْحَفَا وَحَلْقَكِ مِنَ ٱلظَّمَإِ. فَقُلْتِ: بَاطِلٌ! لَا! لِأَنِّي قَدْ أَحْبَبْتُ ٱلْغُرَبَاءَ وَوَرَاءَهُمْ أَذْهَبُ.
١. وَقُلْتِ: لَا أَتَعَبَّدُ. لِأَنَّكِ عَلَى كُلِّ أَكَمَةٍ عَالِيَةٍ وَتَحْتَ كُلِّ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ أَنْتِ ٱضْطَجَعْتِ زَانِيَةً: شبّه الله عبادة الأوثان في مملكة إسرائيل الشمالية بالدعارة. ففي سعي إسرائيل إلى الأوثان، كانت مثل زوجة خائنة لزوجها حتى إنها صارت عاهرة تعاشر الأوثان.
• يتحدث النص بلغة مجازية، لكنها كانت مرتبطة بالواقع. فقد كانت آلهة وثنية وكنعانية كثيرة مكرَّمة من الإسرائيليين تُعبَد في طقوس جنسية. وغالبًا ما ارتبطت عبادة الأوثان بالفجور الجنسي باستخدام الذكور والإناث في أغراض البغاء.
• “تُبرز الإشارات الكثيرة إلى الإشباع الجنسي إحدى أبرز سمات الدعارة في العبادة الكنعانية، حيث كان هنالك ربط للبغايا من الإناث والذكور بالمعابد.” كوندال (Cundall)
٢. أَنْتِ ٱضْطَجَعْتِ زَانِيَةً… لِي سُرُوغَ جَفْنَةٍ غَرِيبَةٍ… فَإِنَّكِ وَإِنِ ٱغْتَسَلْتِ بِنَطْرُونٍ: استخدم الله صورة قوية لوصف خطية إسرائيل وخزيها. فقد كانوا مثل عاهرة، أو نبتة قذرة أو شخص قذر جدًّا لا يمكن أن يجعله أي غسول أو صابون نظيفًا.
• “كرمة سورق هي ’كرمة نبيلة‘ أو ’كرمة مختارة،‘ عنبها أحمر عالي الجودة، وهو يُزرع في وادي الصرار بين أورشليم والبحر الأبيض المتوسط.” هاريسون (Harrison)
• زرع الله شعبه كرمة ممتازة جديرة، على رجاء أن يجمع منها محصولًا غنيًّا من العنب الممتاز. لكنهم تحوّلوا إلى كرمة برية ذات رائحة نتنة.” ثومبسون (Thompson)
• نُقِشَ إِثْمُكِ أَمَامِي: “تترك الخطية لطخة عار عميقة متأصلة بحيث يصعب التخلص منها على الإطلاق، لا باستخدام المبيّضات، أو التخفيف من خطورتها، أو بتقديم الأعذار، إلخ، أو بأية تنقية قانونية أو مستحضرات منافِقة.” تراب (Trapp)
• “كان إثم يهوذا متأصِّلًا حتى إنه لا يمكن لأي قدر من المنظفات أن يزيله. والميزة الأسمى لعمل المسيح على الجلجثة هي أنه يزيل وصمة الإثم القاتمة (١ يوحنا ١: ٧).” هاريسون (Harrison)
٣. ٱنْظُرِي طَرِيقَكِ فِي ٱلْوَادِي. اِعْرِفِي مَا عَمِلْتِ: يشير هذا إلى وادي هنوم، ذلك المضيق العميق الذي يقع إلى الغرب والجنوب من أورشليم. وقد كان مكانًا لعبادة الأوثان والأعمال الشنيعة.
• “هنا كانت تمارَس جميع أنواع الطقوس الوثنية، بما في ذلك عبادة البعل ومولك (انظر ٧: ٣١-٣٢؛ ٢ ملوك ٢٣: ١٠).” ثومبسون (Thompson)
• ٱنْظُرِي طَرِيقَكِ فِي ٱلْوَادِي. اِعْرِفِي مَا عَمِلْتِ: “كيف كان بإمكانهم أن يدّعوا البراءة وهم يمارسون عبادتهم الدنيئة للبعل في وادي هنوم بتقديم أبنائهم قرابين له.” فينبيرغ (Feinberg)
٤. يَا أَتَانَ ٱلْفَرَا، قَدْ تَعَوَّدَتِ ٱلْبَرِّيَّةَ! فِي شَهْوَةِ نَفْسِهَا تَسْتَنْشِقُ ٱلرِّيحَ: الصورة التالية هي لجمل (جمل عربي سريع) أو لأتان برية في الحر (في وقت تزاوجها… في شهرها) من دون أية سيطرة على شهوتها، تاركة الجميع أن يركبوها.
• “الإبل الشابة غير موثوقة على الإطلاق، وصعبه المراس، وسهلة الإزعاج، بحيث تندفع في أي اتجاه على ما يبدو.” ثومبسون (Thompson)
• على ما يبدو (وفق رايكن وآخرين)، عندما يكون الجو حارًّا، تلاحق الأتان البرية الذكر من دون كبح جماح. “الأتان في وقت الحر عنيفة تقريبًا. وهي تقطع طريقها وهي تحاول أن تشم رائحة الذكر من بوله. ثم تسرع في الطريق بحثًا عنه.” ثومبسون (Thompson)
٥. اِحْفَظِي رِجْلَكِ مِنَ ٱلْحَفَا وَحَلْقَكِ مِنَ ٱلظَّمَإِ: كانت القدم الحافية والظمأ الدائم من علامات السبي والعبد. وكان هذا مصير مملكة إسرائيل الشمالية. وسيكون هذا مصير يهوذا أيضًا في نهاية الأمر إذا لم تتب وترجع إلى الرب. لكنها استجابت لمناشدة الله القلبية بالاستسلام لعبادة الأوثان. “فَقُلْتِ: بَاطِلٌ! لَا! لِأَنِّي قَدْ أَحْبَبْتُ ٱلْغُرَبَاءَ وَوَرَاءَهُمْ أَذْهَبُ.”
د ) الآيات (٢٦-٢٨): خزي إسرائيل
٢٦كَخِزْيِ ٱلسَّارِقِ إِذَا وُجِدَ هَكَذَا خِزْيُ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ، هُمْ وَمُلُوكُهُمْ وَرُؤَسَاؤُهُمْ وَكَهَنَتُهُمْ وَأَنْبِيَاؤُهُمْ، ٢٧قَائِلِينَ لِلْعُودِ: أَنْتَ أَبِي، وَلِلْحَجَرِ: أَنْتَ وَلَدْتَنِي. لِأَنَّهُمْ حَوَّلُوا نَحْوِي ٱلْقَفَا لَا ٱلْوَجْهَ، وَفِي وَقْتِ بَلِيَّتِهِمْ يَقُولُونَ: قُمْ وَخَلِّصْنَا. ٢٨فَأَيْنَ آلِهَتُكَ ٱلَّتِي صَنَعْتَ لِنَفْسِكَ؟ فَلْيَقُومُوا إِنْ كَانُوا يُخَلِّصُونَكَ فِي وَقْتِ بَلِيَّتِكَ. لِأَنَّهُ عَلَى عَدَدِ مُدُنِكَ صَارَتْ آلِهَتُكَ يَا يَهُوذَا.
١. كَخِزْيِ ٱلسَّارِقِ إِذَا وُجِدَ هَكَذَا خِزْيُ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ: لا يخجل اللص إلا عندما يُكتشف أمره. وهو يندم أو يأسف على الإمساك به في الجرم المشهود وعلى معاقبته، ولا يندم على الجريمة نفسها. وبنفس الطريقة، لم تندم إسرائيل عندما أُمسك بها في الجرم المشهود وعانت بسبب خطيتها.
٢. قَائِلِينَ لِلْعُودِ: أَنْتَ أَبِي: يصور إرميا عبادتهم الوثنية الحمقاء، حيث كانوا يعبدون أشياء من خشب وحجر. فكان العود (الشجرة) يمثل سارية، وهي إلهة كنعانية رئيسية، بينما يمثل الحجر البعل، الإله الكنعاني الرئيسي.
• “تم العثور على هذه الأعمدة الحجرية في حفريات أُجريت في فلسطين. وكل ما تبقّى من الأعمدة الخشبية هو حفرة تركتْ فيها الأخشاب المتعفنة تربة ملوّنة مختلفة. وتوجد أدلة أثرية كافية لهذه تشير إلى استخدامها على نطاق واسع.” ثومبسون (Thompson)
• “كان في كل مزار سارية. ويرجح أن هذا كان عامودًا خشبيًّا يمثل بديلًا رسميًّا لشجرة مقدسة تمثل العنصر الجنسي الأنثوي، ومزّيبة Mazzebah أو عامود حجري يمثل العنصر الجنسي الذكوري.” كوندال (Cundall)
• “هنالك سخرية قوية هنا، لأن الرمز الأنثوي (الشجرة) هو الذي يُدعى ’أبي،‘ بينما يُدعى الرمز الذكوري ’أمي‘ التي ولدتهم. إذ كانت إسرائيل مشوّشة حول ما كانت تعبده عندما نسبت وجودها إلى آلهة الخصب.” ثومبسون (Thompson)
٣. وَفِي وَقْتِ بَلِيَّتِهِمْ يَقُولُونَ: قُمْ وَخَلِّصْنَا: علِم الله أن شعبه سيرفض عبادة الأوثان الباطلة عندما تأتي الأزمات العظيمة. ومع ذلك، كان الله مبررًا في أن يسأل: أَيْنَ آلِهَتُكَ ٱلَّتِي صَنَعْتَ لِنَفْسِكَ؟
٤. فَلْيَقُومُوا إِنْ كَانُوا يُخَلِّصُونَكَ فِي وَقْتِ بَلِيَّتِكَ: لم تنفع الأوثان التي أحبتها إسرائيل ويهوذا إياهما في وقت الشدة. لقد عبدتا أوثانًا كثيرة – (لِأَنَّهُ عَلَى عَدَدِ مُدُنِكَ صَارَتْ آلِهَتُكَ يَا يَهُوذَا)، لكنها لم تساعدهما، سواء أكان هذا بشكل جماعي أو فردي، في وقت الضيق.
• لِأَنَّهُ عَلَى عَدَدِ مُدُنِكَ صَارَتْ آلِهَتُكَ يَا يَهُوذَا: “كان لدى كل مدينة في الشعوب الوثنية إلهها الحامي لها الخاص بها. وتبنّت يهوذا التي غرقت في الوثنية كثيرًا هذه العادة.” كلارك (Clarke)
هـ) الآيات (٢٩-٣٢): الله لن يصغي إلى إسرائيل التي رفضته.
٢٩لِمَاذَا تُخَاصِمُونَنِي؟ كُلُّكُمْ عَصَيْتُمُونِي، يَقُولُ ٱلرَّبُّ. ٣٠لِبَاطِلٍ ضَرَبْتُ بَنِيكُمْ. لَمْ يَقْبَلُوا تَأْدِيبًا. أَكَلَ سَيْفُكُمْ أَنْبِيَاءَكُمْ كَأَسَدٍ مُهْلِكٍ. ٣١أَنْتُمْ أَيُّهَا ٱلْجِيلُ، ٱنْظُرُوا كَلِمَةَ ٱلرَّبِّ. هَلْ صِرْتُ بَرِّيَّةً لِإِسْرَائِيلَ أَوْ أَرْضَ ظَلَامٍ دَامِسٍ؟ لِمَاذَا قَالَ شَعْبِي: قَدْ شَرَدْنَا، لَا نَجِيءُ إِلَيْكَ بَعْدُ؟ ٣٢هَلْ تَنْسَى عَذْرَاءُ زِينَتَهَا، أَوْ عَرُوسٌ مَنَاطِقَهَا؟ أَمَّا شَعْبِي فَقَدْ نَسِيَنِي أَيَّامًا بِلَا عَدَدٍ.
١. لِمَاذَا تُخَاصِمُونَنِي؟ كُلُّكُمْ عَصَيْتُمُونِي: تحدّث الله في السطور السابقة كيف أن شعبه سيلجؤون إليه في وقت ضيقهم، لكن ليس بسبب توبة حقيقية، بل للهروب من العواقب الحالية. وهنا يمتحن الله توبة إسرائيل ليرى إن كانت ستعود إليه من خلال الصعوبات.
٢. أَكَلَ سَيْفُكُمْ أَنْبِيَاءَكُمْ: كان شعب الله مذنبين في رفضهم للأنبياء وقتْلهم.
٣. لِمَاذَا قَالَ شَعْبِي: قَدْ شَرَدْنَا، لَا نَجِيءُ إِلَيْكَ بَعْدُ؟: كان شعب الله في الكبرياء، معتقدين أنهم ليسوا بحاجة إلى المجيء والتواضع أمام الله الحي.
٤. هَلْ تَنْسَى عَذْرَاءُ زِينَتَهَا، أَوْ عَرُوسٌ مَنَاطِقَهَا؟ أَمَّا شَعْبِي فَقَدْ نَسِيَنِي أَيَّامًا بِلَا عَدَدٍ: كان رفض إسرائيل لله غير عادي. فمن الطبيعي أن تعتز الشابة بزينتها، وتثمّن العروس بملابسها. وعندما ينسى شعب الله إلههم الذي فعل الكثير من أجلهم، فإن هذه إهانة لكل ما هو صالح وحق.
• أَوْ عَرُوسٌ مَنَاطِقَهَا: يشير هذا إلى شيء مثل خاتم الزواج. “كان لباس العروس وِشاحًا أو حِزامًا يشير إلى وضعها كامرأة متزوجة.” هاريسون (Harrison)
و ) الآيات (٣٣-٣٧): أمل إسرائيل في الأوثان التي اتكلت عليها سيخيب.
٣٣لِمَاذَا تُحَسِّنِينَ طَرِيقَكِ لِتَطْلُبِي ٱلْمَحَبَّةَ؟ لِذَلِكَ عَلَّمْتِ ٱلشِّرِّيرَاتِ أَيْضًا طُرُقَكِ. ٣٤أَيْضًا فِي أَذْيَالِكِ وُجِدَ دَمُ نُفُوسِ ٱلْمَسَاكِينِ ٱلْأَزْكِيَاءِ. لَا بِٱلنَّقْبِ وَجَدْتُهُ، بَلْ عَلَى كُلِّ هَذِهِ. ٣٥وَتَقُولِينَ: لِأَنِّي تَبَرَّأْتُ ٱرْتَدَّ غَضَبُهُ عَنِّي حَقًّا. هَأَنَذَا أُحَاكِمُكِ لِأَنَّكِ قُلْتِ: لَمْ أُخْطِئْ. ٣٦لِمَاذَا تَرْكُضِينَ لِتَبْدُلِي طَرِيقَكِ؟ مِنْ مِصْرَ أَيْضًا تَخْزَيْنَ كَمَا خَزِيتِ مِنْ أَشُّورَ. ٣٧مِنْ هُنَا أَيْضًا تَخْرُجِينَ وَيَدَاكِ عَلَى رَأْسِكِ، لِأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ رَفَضَ ثِقَاتِكِ، فَلَا تَنْجَحِينَ فِيهَا.
١. لِمَاذَا تُحَسِّنِينَ (تجمّلين) طَرِيقَكِ لِتَطْلُبِي ٱلْمَحَبَّةَ؟ شعرت إسرائيل بأن للسعي وراء الحب ما يبرره، وأن مثل هذا السعي يمكن أن يُعَد جميلًا. إذ كانوا يعتقدون أن محبة الأوثان حسنة مثل محبة الرب، إله عهدهم. كان الحب المعبَّر عنه في ما دعاه الرب فجورًا جنسيًّا جيدًّا بالنسبة لهم مثل الحب الذي يدعوه الله الأخلاق الجنسية. فلم يقبل الله محاولتهم بتحسين طريقهم بالسعي وراء الحب.
• تُحَسِّنِينَ: “تُستخدم هذه الكلمة في تزيين إيزابل رأسها (٢ ملوك ٩: ٣٠). فما الحاجة إلى مثل هذه الحيلة الفاسقة وإلا التشذيب إن كان كل شيء على ما يرام؟” تراب (Trapp)
٢. لِذَلِكَ عَلَّمْتِ ٱلشِّرِّيرَاتِ أَيْضًا طُرُقَكِ: بالنسبة لإسرائيل في أيام إرميا، لم يكن كافيًا لهم أن يدعوا سعيهم الآثم وراء الحب أمرًا جميلًا. إذ كان عليهم أن يعلّموا هذا للآخرين أيضًا.
٣. أَيْضًا فِي أَذْيَالِكِ وُجِدَ دَمُ نُفُوسِ ٱلْمَسَاكِينِ ٱلْأَزْكِيَاءِ: تركهم حبهم غير الأخلاقي الذي كانوا يدعونه جميلًا ملطَّخين بدم الأبرياء المساكين.
• إن تطبيق هذا القسم من إرميا على العصر الحديث أمر لا لُبس فيه.
يصر كثيرون اليوم على السعي وراء الحب بصفته جميلًا، مثل السعي وراء الحب المفترض في الزنا، والجنس قبل الزواج، والمثلية الجنسية، والانحرافات. ولا يتفق الله مع مبرراتهم.
يصر كثيرون من هؤلاء على تعليم الآخرين طرقهم داعين إليها في المجتمع العام، آملين أن يطبّعوا ما كان يُعَد آثمًا أو منحرفًا، فيصبح شيئًا عاديًّا.
يعاني الأبرياء المساكين، حيث يُقتل الأطفال غير المولودين، وتتحطم البيوت، ويفرض الانحراف نفسه على الأبرياء.
٤. لَا بِٱلنَّقْبِ وَجَدْتُهُ، بَلْ عَلَى كُلِّ هَذِهِ: كانت الخطية والانحراف اللذان شاعا في أيام إرميا واضحًا. فالتعامي وحده هو الذي يمنع الأفراد والمجتمع من تمييزهما والإقرار بوجودهما.
٥. وَتَقُولِينَ: لِأَنِّي تَبَرَّأْتُ ٱرْتَدَّ غَضَبُهُ عَنِّي حَقًّا: رغم الطبيعة الواضحة لخطايا إسرائيل، ما زال بإمكانهم أن يدّعوا البراءة. وشعروا بأنهم مستحقون للرحمة الإلهية.
٦. هَأَنَذَا أُحَاكِمُكِ لِأَنَّكِ قُلْتِ: لَمْ أُخْطِئْ: لم يُثِرْ ادعاؤهم بالبراءة إعجاب الله. لذا سيقاضيهم. ولم يجعلهم ادعاؤهم بالبراءة أقل ذنبًا.
٧. لِمَاذَا تَرْكُضِينَ لِتَبْدُلِي طَرِيقَكِ: الفكرة هي أنهم كانوا يقفزون من هنا وهناك في مسار غير منتظم. وتعبر ترجمة تفسيرية عن هذه الفكرة هكذا: ’أنتم هنا أولًا، ثم هناك. أنتم تنتقلون من حليف إلى آخر طلبًا للعون.‘ لم يكن هنالك سبب يدعوهم إلى القفز هنا وهناك. إذ كان عليهم أن يلجأوا إلى الرب مباشرة.
• استخلص سبيرجن (Spurgeon) في عظة له بعنوان “القفز هنا وهناك” نقطتين من هذا النص.
ركّز سبيرجن على “أنت” المتضمَّنة في “تركضين”: لِمَاذَا تَرْكُضِينَ لِتَبْدُلِي طَرِيقَكِ؟ إذ كانت إسرائيل بمثابة زوجة الرب. فما الذي يدفعها إلى فعل هذا؟
ركّز سبيرجن على كلمة “لماذا”: لِمَاذَا تَرْكُضِينَ لِتَبْدُلِي طَرِيقَكِ؟ طلب الرب سببًا سببًا من إسرائيل يفسر قيامهم بالقفز من هنا وهناك.
٨. مِنْ هُنَا أَيْضًا تَخْرُجِينَ وَيَدَاكِ عَلَى رَأْسِكِ: وعد الرب بأن يجعل ثقتهم بمصر بلا أية نتائج. وبلا توبة وطنية حقيقية، سيذهب أهل يهوذا أسرى وعبيدًا وأياديهم على رؤوسهم. فلم يُكرم الله تحالفاتهم مع مصر أو أية قوة أجنبية أخرى.