سفر إرميا – الإصحاح ٢٣
غصن البر والأنبياء الأشرار
أولًا. غصن البر
أ ) الآيات (١-٢): ويل للرعاة المُهلِكين
١وَيْلٌ لِلرُّعَاةِ ٱلَّذِينَ يُهْلِكُونَ وَيُبَدِّدُونَ غَنَمَ رَعِيَّتِي، يَقُولُ ٱلرَّبُّ. ٢لِذَلِكَ هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ عَنِ ٱلرُّعَاةِ ٱلَّذِينَ يَرْعَوْنَ شَعْبِي: أَنْتُمْ بَدَّدْتُمْ غَنَمِي وَطَرَدْتُمُوهَا وَلَمْ تَتَعَهَّدُوهَا. هَأَنَذَا أُعَاقِبُكُمْ عَلَى شَرِّ أَعْمَالِكُمْ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ.
١. وَيْلٌ لِلرُّعَاةِ: في الإصحاح السابق، أعلن دينونته وحكمه على عدة ملوك ليهوذا. وهو الآن يدين بشكل عام مثل هؤلاء الرعاة غير الأمناء. ففي تلك الأيام، غالبًا ما كان القادة يدعون رعاة. ولم يكن لهذا التعبير سياق روحي.
• رغم أن إرميا خاطب القادة بشكل عام (القادة السياسيين، القادة التجاريين، القادة العسكريين، قادة التعليم، القادة الروحيين)، إلا أننا نضع التركيز الأول في يومنا على الرعاة كقادة روحيين.
٢. ٱلَّذِينَ يُهْلِكُونَ وَيُبَدِّدُونَ غَنَمَ رَعِيَّتِي (مرعاي): يستحق هؤلاء القادة ويلًا خاصًّا لأنهم لم يفيدوا شعب الله (رَعِيَّتِي) أو كانوا يجمعونه (يبدّدونه).
• لقد تبدَّدت الرعية بالفعل في زمن إرميا. فقد حُملت إلى بابل وإلى الشعوب كمسبيين. وذهب آخرون إلى مصر كلاجئين. ويمكن إرجاع هذا كله إلى القادة غير الأتقياء التعساء لشعب الله.
٣. عَنِ ٱلرُّعَاةِ ٱلَّذِينَ يَرْعَوْنَ شَعْبِي: يتعامل هذا في الغالب مع الجانب الروحي للقيادة، والذي كان من المتوقع أن يقوم به ملوك يهوذا. ويمكن القول إنه لم يكن لأحد من آخر ملوك يهوذا منذ يوشيا (يهوآحاز، ويهوياقيم، ويهوياكين، وصدقيا) أيّ اهتمام روحي بشعب الله (شعبي).
• وفي الإطار الحديث، يعالج هذا الحاجة العظيمة للقادة الروحيين بين شعب الله لإطعام شعبه. وقد أكّد يسوع هذا في استرداده لبطرس (يوحنا ٢١) عندما طلب منه مرتين أن يرعى خرافه.
٤. هَأَنَذَا أُعَاقِبُكُمْ عَلَى شَرِّ أَعْمَالِكُمْ: سيتعامل الله مع شر الرعاة غير الأمناء، وسيضعهم موضع المساءلة.
ب) الآيات (٣-٤): الوعد باسترداد القطيع الجريح المشتت
٣وَأَنَا أَجْمَعُ بَقِيَّةَ غَنَمِي مِنْ جَمِيعِ ٱلْأَرَاضِي ٱلَّتِي طَرَدْتُهَا إِلَيْهَا، وَأَرُدُّهَا إِلَى مَرَابِضِهَا فَتُثْمِرُ وَتَكْثُرُ. ٤وَأُقِيمُ عَلَيْهَا رُعَاةً يَرْعَوْنَهَا فَلَا تَخَافُ بَعْدُ وَلَا تَرْتَعِدُ وَلَا تُفْقَدُ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ.
١. وَأَنَا أَجْمَعُ بَقِيَّةَ غَنَمِي مِنْ جَمِيعِ ٱلْأَرَاضِي ٱلَّتِي طَرَدْتُهَا إِلَيْهَا: كان أحد الأسباب وراء قيام الله بتبديد شعبه في السبي هو قادتهم غير الروحيين وغير الفعّالين. ومع ذلك، وعد الله بأنه ذات يوم سيجمع بقية قطيعه من كل بلدان سبيهم.
• هذا جانب من جوانب العهد الجديد الذي وعد به الله لإسرائيل. وتوجد وعود بلم شمل إسرائيل ثانية في الأرض الموعودة في نبوّات كثيرة من العهد القديم (إرميا ٣٢: ٣٧-٤١؛ حزقيال ١١: ١٦-٢٠؛ ٣٦: ١٦-٢٨؛ ٣٧: ٢١-٢٨).
• إن معجزة صيرورة إسرائيل أمّة مستقلة مرة أخرى في العصر الحديث بعد ٢٥٠٠ سنة تحقيق أوّلي لهذه الوعود العظيمة. ونحن نقول إنه ’تحقيق أوّلي‘ لأن جمع إسرائيل في أرضها كان في عدم إيمان حاليًّا.
٢. فَتُثْمِرُ وَتَكْثُرُ: لن يعيدهم الله إلى أرض الموعد فحسب، بل سيباركهم هنالك فيها أيضًا. وسينمو عدد سكانهم بسرعة.
٣. وَأُقِيمُ عَلَيْهَا رُعَاةً يَرْعَوْنَهَا: كانت إحدى البركات التي وعد بها الله إسرائيل المستردَّة إلى الأرض هي القادة الأتقياء. وسيطعمهم القادة (بمعنى روحي) أمانًا وازدهارًا (وَلَا تُفْقَدُ).
• كان هذا وعدًا يجلب أشياء إلى مكان أفضل مما كانوا فيه قبل السبي، عندما كانت إسرائيل في الأرض، لكن كانت تعاني تحت قادة أشرار. ’لم يكن الوعد بالاسترداد إلى نفس الوضع قبل السبي كافيًا. إذ كان هنالك رجاء أفضل.‘ ثومبسون (Thompson)
• بمعنى فوري، تحقَّق هذا في القادة الصالحين الأتقياء لإسرائيل بعد السبي، مثل زربّابل، وعزرا، ونحميا، وهوشع رئيس الكهنة، وحجّي، وزكريّا، وملاخي.
• لدينا تحقيق أولي، تحقيق جزئي لهذا في إسرائيل الحديثة. ويمكننا أن نتوقع تحقيقًا تامًّا عندمل يلجؤون إلى يسوع بصفته مسيّاهم.
ج) الآيات (٥-٦): الملك القادم
٥هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، وَأُقِيمُ لِدَاوُدَ غُصْنَ بِرٍّ، فَيَمْلِكُ مَلِكٌ وَيَنْجَحُ، وَيُجْرِي حَقًّا وَعَدْلًا فِي ٱلْأَرْضِ. ٦فِي أَيَّامِهِ يُخَلَّصُ يَهُوذَا، وَيَسْكُنُ إِسْرَائِيلُ آمِنًا، وَهَذَا هُوَ ٱسْمُهُ ٱلَّذِي يَدْعُونَهُ بِهِ: ٱلرَّبُّ بِرُّنَا.
١. وَأُقِيمُ لِدَاوُدَ غُصْنَ بِرٍّ: قبل ذلك، وعد الله بأن المسيّا سيأتي من سلالة داود (٢ صموئيل ٧: ٥-١٦). وهذا تثبيت لتلك النبوة السابقة. وسيأتي غصن البر من سلالة داود.
• في نهاية الإصحاح، وعد الله بأنه لن يجلس أحد من نسل كنياهو الملكي على عرش داود (إرميا ٢٢: ٣٠). ويبدو كما لو أن خط داود الملكي قد قُطع كشجرة، ولم يبقَ منه إلا الجذع. غير أن الله سيأخذ هذا الجذع ويُخرج منه برعمًا، غُصنًا (غصن البر).
• “الاستعارة هي لبرعم يخرج من الشجرة الداودية (أي سلالته) التي رغم أنها قُطعت، إلا أنها ليست ميّتة.” ثومبسون (Thomspon)
• “البرعم هو الذي ينبت من جذور شجرة ساقطة. وهكذا ستنبثق حياة جديدة من السلالة الساقطة.” هاريسون (Harrison)
٢. فَيَمْلِكُ مَلِكٌ وَيَنْجَحُ: سيقود غصن البر هذا شعب الله بصفته ملكًا ناجحًا. وسيكون الرخاء والعدل والبر سمات حكمه. وسيمتد هذا الحكم إلى الأرض كلها، لا إلى حدود إسرائيل فحسب.
• فَيَمْلِكُ مَلِكٌ وَيَنْجَحُ: “وفضلًا عن ذلك، سيملك كملك حقيقي، لا كملك دُمية مثل صدقيا وأسلافه المباشرين.” فينبيرغ (Feinberg)
٣. فِي أَيَّامِهِ يُخَلَّصُ يَهُوذَا، وَيَسْكُنُ إِسْرَائِيلُ آمِنًا: سيكون الخلاص والأمان لكل شعب الله، لكل من يهوذا وإسرائيل. وستكون المملكة موحّدة مرة أخرى.
• “تشير إسرائيل هنا إلى المملكة الشمالية. وستكون هي أيضًا في أمان.” ثومبسون (Thompson)
٤. ٱلرَّبُّ بِرُّنَا: أعلن إرميا أن هَذَا هُوَ ٱسْمُهُ ٱلَّذِي يَدْعُونَهُ بِهِ. وستكون هذه الطريقة التي يُعطي بها الرب شعبه البر، حيث إنه هو برّنا.
• “عبارة ’الرب برنا‘ تتكون من كلمتين في العبرية (كما في الترجمة العربية) Yaweh Tsidkenu وهذا اسم موسيقي عذب للرب يسوع المسيح الذي يفيد ضمنًا ألوهته، كما يفيد غصن داود البار ناسوته.” تراب (Trapp)
• “يرجّح أن Yaweh Tsidkenu يتضمن تلاعبًا لفظيًّا على اسم الملك صدقيّا الذي يعني ’بري هو يهوه.‘ ثومبسون (Thompson) “لقد قلبَ إرميا اسم صدقيا ليصنع هذا التلاعب. كان صدقيا يُدعى ’البر هو الرب.‘ لكن المسيا سيُدعى ’الرب برّنا‘ رايكن (Ryken)
• إن عبارة ’الرب برنا،‘ كإشارة مسيانية، دليل قوي على ألوهة المسيّا. فهو يهوه. “لقد فهم اليهود الاسم في الآية ٦ ب على أنه اسم للمسيّا. ويقول الترجوم إنه ’مسيا الأبرار‘ أو ’مسيّا البر‘ وقد أقروا بأن هاتين الكلمتين تشكلان اسم المسيّا.” فينبيرغ (Feinberg)
• يسوع هو ’الرب برنا.‘ والبر شيء إيجابي. ولا يتمثل عمل يسوع في شعبه في تطهير وصمة الخطية فحسب. فطاعة يسوع الكاملة وبرّه لنا فيه. ’يشير هذا إلى شخص لن يعكس بر الله فحسب، بل سينقله إلى شعبه أيضًا، جاعلًا إياه مقتنى لهم.‘ كيدنر (Kidner)
• “لعل هذا الوعد خطر ببال بولس عندما تكلم عن ’المسيح يسوع … برنا‘ (١ كورنثوس ١: ٣٠؛ انظر ٢ كورنثوس ٥: ٢١).” كيدنر (Kidner)
• الراحة في يسوع بصفته برنا قوة عظيمة. “أيها الشيطان، لا تزعجني تهديداتك وأهوالك. لماذا؟ لأني أومن بذاك الذي اسمه ’الرب برنا.‘ وهو الذي أبطل الناموس، ودان الخطية، وأبطل الموت، وحطّم الجحيم. وهو شيطان بالنسبة لك، أيها الشيطان.” تراب (Trapp) – مقتبسًا لوثر
د ) الآيات (٧-٨): عظمة عمل الله في لم الشمل والاسترداد
٧لِذَلِكَ هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، وَلَا يَقُولُونَ بَعْدُ: حَيٌّ هُوَ ٱلرَّبُّ ٱلَّذِي أَصْعَدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، ٨بَلْ: حَيٌّ هُوَ ٱلرَّبُّ ٱلَّذِي أَصْعَدَ وَأَتَى بِنَسْلِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ ٱلشِّمَالِ وَمِنْ جَمِيعِ ٱلْأَرَاضِي ٱلَّتِي طَرَدْتُهُمْ إِلَيْهَا فَيَسْكُنُونَ فِي أَرْضِهِمْ.
١. وَلَا يَقُولُونَ بَعْدُ: احتفلت إسرائيل بحق من خلاصها من مصر. وأعلن إرميا أنه سيحدث خلاص أعظم في جمع إسرائيل كجانب من جوانب العهد الجديد.
• خُلقت إسرائيل كأمة في خروجها من مصر، واستُرِدّت في جمعها من بابل ومن الشعوب الأخرى. ووعد الله بأن استرداد إسرائيل سيكون أعظم من خلقها. ويرتبط هذا بالمبدأ القائل إن الإنسان المسترَد أو المفدي أعظم من الإنسان المخلوق أو البريء.
٢. فَيَسْكُنُونَ فِي أَرْضِهِمْ: يتكرر الوعد التوكيدي. إذ سيُرجع الله شعبه إلى الأرض الموعودة. وحتى بعد الدينونة العظيمة والسبي الآتي، لن ينتهي الرب من العمل فيهم ومعهم، ولن ينتهي العمل فيهم عندما يكونون في الأرض.
ثانيًا. الألم الذي صاحب الأنبياء الكذبة
أ ) الآيات (٩-١٠): قلب إرميا المكسور بسبب الأنبياء الكذبة
٩فِي ٱلْأَنْبِيَاءِ: اِنْسَحَقَ قَلْبِي فِي وَسَطِي. ٱرْتَخَتْ كُلُّ عِظَامِي. صِرْتُ كَإِنْسَانٍ سَكْرَانَ وَمِثْلَ رَجُلٍ غَلَبَتْهُ ٱلْخَمْرُ، مِنْ أَجْلِ ٱلرَّبِّ وَمِنْ أَجْلِ كَلَامِ قُدْسِهِ. ١٠لِأَنَّ ٱلْأَرْضَ ٱمْتَلَأَتْ مِنَ ٱلْفَاسِقِينَ. لِأَنَّهُ مِنْ أَجْلِ ٱللَّعْنِ نَاحَتِ ٱلْأَرْضُ. جَفَّتْ مَرَاعِي ٱلْبَرِّيَّةِ، وَصَارَ سَعْيُهُمْ لِلشَّرِّ، وَجَبَرُوتُهُمْ لِلْبَاطِلِ.
١. فِي ٱلْأَنْبِيَاءِ: (بسبب الأنبياء) اِنْسَحَقَ قَلْبِي فِي وَسَطِي: انزعج إرميا كثيرًا بسبب وجود عمل أنبياء آخرين في أيامه. ولم ينكسر قلبه لأنه لم تعجبه المنافسة معهم، لكن بسبب ما ألحقوه من ضرر بكرامة الله وشعبه.
• “يشير ’القلب،‘ كما هو مستخدم هنا، إلى حالة عقلية مضطربة بشدة، لا إلى حالة عاطفية. فلا يستطيع قلبه استيعاب الطريقة التي اختار بها هؤلاء الأنبياء إساءة دعوتهم المِهْنية.” هاريسون (Harrison)
٢. ٱرْتَخَتْ كُلُّ عِظَامِي. صِرْتُ كَإِنْسَانٍ سَكْرَانَ: لم يكن هذا لأنه طغى عليه إحساس جميل بالسُّكْر بسبب عمل الروح القدس، بل كان في خوف وسخط على عمل الأنبياء الآخرين وهو يقارن كلامهم المفترض أنه من الله مع الكلام المقدس الذي جلبه النبي باسم الله.
• جعل التناقض الكبير بين رسالة النبي ورسالة الأنبياء الكذبة إياه يشعر بالغثيان. إذ كانت رسالته هي التوبة، بينما كانت رسالتهم هي الاسترخاء. ولا يمكن أن تكون كلا الرسالتين صحيحة.
٣. لِأَنَّ ٱلْأَرْضَ ٱمْتَلَأَتْ مِنَ ٱلْفَاسِقِينَ (الزناة) لِأَنَّهُ مِنْ أَجْلِ ٱللَّعْنِ نَاحَتِ ٱلْأَرْضُ: وعد الأنبياء الآخرون بالبركة والوفرة، لكن الدليل كان في صالح إرميا. فقد أثبت الوجود الثقيل للخطية (الزنا، بمعنييه الحرفي والمجازي معًا) واللعنة على الأرض نفسها أنه حان الوقت للتوبة، لا للاسترخاء.
ب) الآيات (١١-١٢): أنبياء وكهنة نجسون
١١لِأَنَّ ٱلْأَنْبِيَاءَ وَٱلْكَهَنَةَ تَنَجَّسُوا جَمِيعًا، بَلْ فِي بَيْتِي وَجَدْتُ شَرَّهُمْ يَقُولُ ٱلرَّبُّ. ١٢لِذَلِكَ يَكُونُ طَرِيقُهُمْ لَهُمْ كَمَزَالِقَ فِي ظَلَامٍ دَامِسٍ، فَيُطْرَدُونَ وَيَسْقُطُونَ فِيهَا، لِأَنِّي أَجْلِبُ عَلَيْهِمْ شَرًّا سَنَةَ عِقَابِهِمْ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ.
١. لِأَنَّ ٱلْأَنْبِيَاءَ وَٱلْكَهَنَةَ تَنَجَّسُوا جَمِيعًا: أَمْكن لأرميا أن يرى الافتقار الجوهري للقداسة بين أولئك الذين يفترض أنهم قادة روحيون. فالنجاسة هي نقيض القداسة. فلم يكونوا يختلفون عن عباد الأوثان المحيطين بيهوذا.
• “كان الأنبياء الكذبة، إلى جانب الملوك الأشرار، مسؤولين بشكل كبير جدًّا عن خراب الأُمّة.” فينبيرغ (Feinberg)
٢. فِي بَيْتِي وَجَدْتُ شَرَّهُمْ: لم يكن الأمر أن حياة هؤلاء الأنبياء والكهنة افتقرت إلى القداسة. بل كانت قلوبهم النجسة وطرقهم الشريرة واضحة أيضًا في بيت الله. فمهما بذلوا من جهود إلى تقسيم حياتهم المفتقرة إلى القداسة، فإنها لم تنجح.
٣. يَكُونُ طَرِيقُهُمْ لَهُمْ كَمَزَالِقَ: جعلتهم طرقهم النجسة مقدّرين للانزلاق والسقوط. صحيح أنه ليس الجميع يسقطون على الطرق الزلقة، لكن معظمهم يسقطون.
ج) الآيات (١٣-١٥): الدينونة الموعودة على الأنبياء الفاسدين
وَقَدْ رَأَيْتُ فِي أَنْبِيَاءِ ٱلسَّامِرَةِ حَمَاقَةً. تَنَبَّأُوا بِٱلْبَعْلِ وَأَضَلُّوا شَعْبِي إِسْرَائِيلَ. وَفِي أَنْبِيَاءِ أُورُشَلِيمَ رَأَيْتُ مَا يُقْشَعَرُّ مِنْهُ. يَفْسِقُونَ وَيَسْلُكُونَ بِٱلْكَذِبِ، وَيُشَدِّدُونَ أَيَادِيَ فَاعِلِي ٱلشَّرِّ حَتَّى لَا يَرْجِعُوا ٱلْوَاحِدُ عَنْ شَرِّهِ. صَارُوا لِي كُلُّهُمْ كَسَدُومَ، وَسُكَّانُهَا كَعَمُورَةَ. لِذَلِكَ هَكَذَا قَالَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ عَنِ ٱلْأَنْبِيَاءِ: هَأَنَذَا أُطْعِمُهُمْ أَفْسَنْتِينًا وَأَسْقِيهِمْ مَاءَ ٱلْعَلْقَمِ، لِأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ أَنْبِيَاءِ أُورُشَلِيمَ خَرَجَ نِفَاقٌ فِي كُلِّ ٱلْأَرْضِ.
١. وَقَدْ رَأَيْتُ فِي أَنْبِيَاءِ ٱلسَّامِرَةِ حَمَاقَةً… وَفِي أَنْبِيَاءِ أُورُشَلِيمَ رَأَيْتُ مَا يُقْشَعَرُّ مِنْهُ: شبّه الله أنبياء أورشليم ويهوذا بأنبياء السامرة الذين قادوا المملكة الشمالية إلى الخراب الروحي والاجتماعي قبل حوالي ١٥٠ سنة.
٢. حَتَّى لَا يَرْجِعُوا ٱلْوَاحِدُ عَنْ شَرِّهِ: لأن حياتهم كانت ممتلئة بالمساومة الروحية (يَفْسِقُونَ (يزنون) وَيَسْلُكُونَ بِٱلْكَذِبِ)، لم يكن لدى الأنبياء والكهنة أية مكانة أو قوة لإرجاع الآخرين عن شرهم.
• مع عدم رجوع أحد عن شرّه، لم تكن هنالك قيود روحية أو أخلاقية. فكان كل شخص يفعل ما يراه صوابًا في عينيه. وأما رجال الله الذين كان عليهم أن يوقفوهم، فلم يفعلوا ذلك.
• مع جو عدم ضبط النفس، أصبح شعب الله مثل سدوم وعمورة بالنسبة له. “أعطوا في دُنيوِيّتهم بيت الله الذي كان معْقِل القداسة طابعًا علمانيًّا دنيويًّا (٢٣: ١١). وبسبب تراخيهم، سواء أكان بالممارسة أم الوعظ، كانوا ينزعون العار من الخطية (وبشكل خاص مثل خطايا الشهوة، سواء أكان ذلك بين الجنسين أم بين المثليين – ٢٣: ١٤ب. انظر تكوين ١٩: ٤-٥).” كيدنر (Kidner)
٣. هَأَنَذَا أُطْعِمُهُمْ أَفْسَنْتِينًا وَأَسْقِيهِمْ مَاءَ ٱلْعَلْقَمِ: سيكون لهؤلاء الأنبياء الفاسدين المساومين مستقبل مرير.
• “لأنهم سمّموا ينابيع الأُمّة الروحية، كان على الرب أن يضع دينونة عنيفة عليهم – وهي تنعكس في الأفسنتين ذي الرائحة الكريهة القوية والمذاق المر، والماء المسموم.” فينبيرغ (Feinberg)
٤. لِأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ أَنْبِيَاءِ أُورُشَلِيمَ خَرَجَ نِفَاقٌ فِي كُلِّ ٱلْأَرْضِ: كانت رغبة الله هي أن يكون شعبه رسلًا لقداسته وبرّه. وبدلًا من ذلك، أصبحوا من خلال الأنبياء الفاسدين رسل البذاءة والنجاسة، وهذا نقيض القداسة.
د ) الآيات (١٦-١٧): لا تصغوا إلى الأنبياء الفاسدين
١٦هَكَذَا قَالَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ: لَا تَسْمَعُوا لِكَلَامِ ٱلْأَنْبِيَاءِ ٱلَّذِينَ يَتَنَبَّأُونَ لَكُمْ، فَإِنَّهُمْ يَجْعَلُونَكُمْ بَاطِلًا. يَتَكَلَّمُونَ بِرُؤْيَا قَلْبِهِمْ لَا عَنْ فَمِ ٱلرَّبِّ. ١٧قَائِلِينَ قَوْلًا لِمُحْتَقِرِيَّ: قَالَ ٱلرَّبُّ: يَكُونُ لَكُمْ سَلَامٌ! وَيَقُولُونَ لِكُلِّ مَنْ يَسِيرُ فِي عِنَادِ قَلْبِهِ: لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ شَرٌّ.
١. لَا تَسْمَعُوا لِكَلَامِ ٱلْأَنْبِيَاءِ: أخبرهم الله هذا بنفسه. وفي العادة، أراد الله من شعبه أن يولوا اهتمامًا خاصًّا لأولئك الذين يجلبون كلمته إليهم. ويبيّن هذا مدى انفصال هؤلاء الأنبياء المفترضين عن كلمة الله الحقيقية.
٢. يَجْعَلُونَكُمْ بَاطِلًا… يَتَكَلَّمُونَ بِرُؤْيَا قَلْبِهِمْ: تكلّم هؤلاء الأنبياء الفاسدون، لكن ليس من فم الرب. إذ كانوا يَتَكَلَّمُونَ بِرُؤْيَا قَلْبِهِمْ. فكان تأثير هذه الكلمات التي اجترحها بشر، والمتنكّرة في صورة كلمة الله، هو جعْل الذين صدّقوها أشخاصًا باطلين (تافهين بلا قيمة).
• لَا عَنْ فَمِ ٱلرَّبِّ: “كان هذا تصريحًا جسورًا من إرميا، حيث يوحي هذا بأن رسالته جاءت من الرب مباشرة.” ثومبسون (Thompson)
٣. قَائِلِينَ قَوْلًا لِمُحْتَقِرِيَّ: كان الأنبياء الفاسدون يخشون أن يتكلموا بكلمة توبيخ وتوبة للذين احتقروا الرب. وبدلًا من ذلك، تحدثوا إليهم بكلمات سلام ناعمة واعدين بعدم وقوع شر (لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ شَرّ) … لكل مَنْ يَسِيرُ فِي عِنَادِ قَلْبِهِ.
• يَكُونُ لَكُمْ سَلَامٌ: “كان قلب النبوة الكاذبة هو التلويح الدائم برجاء زائف.” فينبيرغ (Feinberg)
• مَنْ يَسِيرُ فِي عِنَادِ قَلْبِهِ: لم يستطيعوا أو لم يرغبوا في توبيخ كل مَنْ يَسِيرُ فِي عِنَادِ قَلْبِهِ. كان عدم مواجهتهم للشر أو عجزهم عن ذلك علامة على قيادة سيئة أو فاسدة.
• تعتقد ثقافتنا أن اتِّباع قلبك هو الحكمة العليا للحياة. ويقول الكتاب المقدس: “تُوجَدُ طَرِيقٌ تَظْهَرُ لِلْإِنْسَانِ مُسْتَقِيمَةً، وَعَاقِبَتُهَا طُرُقُ ٱلْمَوْتِ” (أمثال ١٤: ١٢). ويتكرر هذا التوكيد في أمثال ١٦: ٢٥).
هـ) الآيات (١٨-٢٠): الطبيعة الجادة لدينونة الله
١٨لِأَنَّهُ مَنْ وَقَفَ فِي مَجْلِسِ ٱلرَّبِّ وَرَأَى وَسَمِعَ كَلِمَتَهُ؟ مَنْ أَصْغَى لِكَلِمَتِهِ وَسَمِعَ؟». ١٩هَا زَوْبَعَةُ ٱلرَّبِّ. غَيْظٌ يَخْرُجُ، وَنَوْءٌ هَائِجٌ. عَلَى رُؤُوسِ ٱلْأَشْرَارِ يَثُورُ. ٢٠لَا يَرْتَدُّ غَضَبُ ٱلرَّبِّ حَتَّى يُجْرِيَ وَيُقِيمَ مَقَاصِدَ قَلْبِهِ. فِي آخِرِ ٱلْأَيَّامِ تَفْهَمُونَ فَهْمًا.
١. هَا زَوْبَعَةُ ٱلرَّبِّ. غَيْظٌ يَخْرُجُ، وَنَوْءٌ هَائِجٌ: فعل الأنبياء الفاسدون ما فعلوه من دون خوف من العقاب. وقد نسوا أن دينونات الله ستأتي ذات يوم كزوبعة عنيفة.
• زَوْبَعَةُ: “وهي السِّموم Simoom وهي رياح ساخنة مزعجة تهب من الجنوب. وهي كثيرًا ما تُذكَر أو يشار إليها في الكتابات المقدسة.” كلارك (Clarke)
٢. لَا يَرْتَدُّ غَضَبُ ٱلرَّبِّ حَتَّى يُجْرِيَ وَيُقِيمَ مَقَاصِدَ قَلْبِهِ: لم يكن غضب الله على الأنبياء الفاسدين مجرد مسألة انزعاج شخصي. بل كان بارًّا، وسيظل موجّهًا ضدهم إلى أن يتحقق العدل.
• وجّه الله كلامه في الآيات السابقة ضد أولئك الذين يسلكون في عناد قلبهم (إرميا ٢٣: ١٧). وهنا يعد الله بتنفيذ أفكار قلبه ضد أولئك الذين اتّبعوا قلوبهم. وسيكون واضحًا أي قلب هو الأعلى.
و ) الآيات (٢١-٢٢): الأنبياء الكذبة لم يرسَلوا من الله
٢١لَمْ أُرْسِلِ ٱلْأَنْبِيَاءَ بَلْ هُمْ جَرَوْا. لَمْ أَتَكَلَّمْ مَعَهُمْ بَلْ هُمْ تَنَبَّأُوا. ٢٢وَلَوْ وَقَفُوا فِي مَجْلِسِي لَأَخْبَرُوا شَعْبِي بِكَلَامِي وَرَدُّوهُمْ عَنْ طَرِيقِهِمِ ٱلرَّدِيءِ وَعَنْ شَرِّ أَعْمَالِهِمْ.
١. لَمْ أُرْسِلِ ٱلْأَنْبِيَاءَ بَلْ هُمْ جَرَوْا: لم يرسل الله هؤلاء الأنبياء الفاسدين، غير أنهم كانوا يجرون من مكان إلى آخر بطاقة عظيمة لإعلان كلامهم ذاتيّ التوليد.
• “لم يتلقّوا تفويضًا إلهيًّا قط، غير أنهم جروا برسائلهم الزائفة بحماسة وحيوية، محاولين تحقيق أهدافهم الخاصة.” فينبيرغ (Feinberg)
٢. وَلَوْ وَقَفُوا فِي مَجْلِسِي لَأَخْبَرُوا شَعْبِي بِكَلَامِي وَرَدُّوهُمْ عَنْ طَرِيقِهِمِ ٱلرَّدِيءِ وَعَنْ شَرِّ أَعْمَالِهِمْ: لو كان هؤلاء أنبياء حقيقيين مرسلين من الله، لدعوا الشعب إلى التوبة، لكنهم لم يفعلوا ذلك. وبدلًا من ذلك، قدّموا رسالة الاسترخاء.
ز ) الآيات (٢٣-٢٤): حماقة مقاومة الله أو رفضه
٢٣أَلَعَلِّي إِلَهٌ مِنْ قَرِيبٍ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، وَلَسْتُ إِلَهًا مِنْ بَعِيدٍ. ٢٤إِذَا ٱخْتَبَأَ إِنْسَانٌ فِي أَمَاكِنَ مُسْتَتِرَةٍ أَفَمَا أَرَاهُ أَنَا، يَقُولُ ٱلرَّبُّ؟ أَمَا أَمْلَأُ أَنَا ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلْأَرْضَ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ؟
١. أَلَعَلِّي إِلَهٌ مِنْ قَرِيبٍ: في طرح الله لهذا السؤال البلاغي، ذكّر يهوذا بأنه قريب. فلم يكن هنالك جدوى من الاختباء منه في أماكن سرية.
• “يميل الملحدون إلى الاعتقاد بهذا. فلأنهم لا يرون أحدًا، لا يراهم أحد.” تراب (Trapp)
٢. أَمَا أَمْلَأُ أَنَا ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلْأَرْضَ: يستطيع نفس الإله الذي يملأ الكون أن يرى ما نفعله. وهذا أمر اختار الأنبياء الفاسدون، وأولئك الذين ظلوا من دون تقويم، بسسب هؤلاء الأنبياء، أن ينسوه.
ح) الآيات (٢٥-٢٧): أكاذيب الأنبياء
٢٥قَدْ سَمِعْتُ مَا قَالَهُ ٱلْأَنْبِيَاءُ ٱلَّذِينَ تَنَبَّأُوا بِٱسْمِي بِٱلْكَذِبِ قَائِلِينَ: حَلِمْتُ، حَلِمْتُ. ٢٦حَتَّى مَتَى يُوجَدُ فِي قَلْبِ ٱلْأَنْبِيَاءِ ٱلْمُتَنَبِّئِينَ بِٱلْكَذِبِ؟ بَلْ هُمْ أَنْبِيَاءُ خِدَاعِ قَلْبِهِمِ! ٢٧ٱلَّذِينَ يُفَكِّرُونَ أَنْ يُنَسُّوا شَعْبِي ٱسْمِي بِأَحْلَامِهِمِ ٱلَّتِي يَقُصُّونَهَا ٱلرَّجُلُ عَلَى صَاحِبِهِ، كَمَا نَسِيَ آبَاؤُهُمُ ٱسْمِي لِأَجْلِ ٱلْبَعْلِ.
١. قَدْ سَمِعْتُ مَا قَالَهُ ٱلْأَنْبِيَاءُ ٱلَّذِينَ تَنَبَّأُوا بِٱسْمِي بِٱلْكَذِبِ: كان يفترض أن هذا وحده كافٍ لتخويف الأنبياء الفاسدين. فإذا لم يحكم إنسان ويميز كلامهم النبوي المفترض، فإن الله سمعهم، وسيدينهم.
• في سياق العهد الجديد، يأمر الله بأن تحكم الرعية على أية كلمة نبوية.
“أَمَّا ٱلْأَنْبِيَاءُ فَلْيَتَكَلَّمِ ٱثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ، وَلْيَحْكُمِ ٱلْآخَرُونَ” (١ كورنثوس ١٤: ٢٩).
“لَا تَحْتَقِرُوا ٱلنُّبُوَّاتِ. ٱمْتَحِنُوا كُلَّ شَيْءٍ، تَمَسَّكُوا بِٱلْحَسَنِ” (١ تسالونيكي ٥: ٢٠-٢١).
“أَيُّهَا ٱلْأَحِبَّاءُ، لَا تُصَدِّقُوا كُلَّ رُوحٍ، بَلِ ٱمْتَحِنُوا ٱلْأَرْوَاحَ: هَلْ هِيَ مِنَ ٱللهِ؟ لِأَنَّ أَنْبِيَاءَ كَذَبَةً كَثِيرِينَ قَدْ خَرَجُوا إِلَى ٱلْعَالَمِ” (١ يوحنا ٤: ١).
• إنه لفشل ذريع بين مؤمنين كثيرين أن تُقبَل أيّة كلمة نبوية مزعومة من دون أي اختبار أو تمييز. ومع ذلك، إذا لم يحكموا، فسيفعل الله هذا بطريقة أو أخرى.
٢. حَلِمْتُ، حَلِمْتُ: أحبَّ الأنبياء الكذبة أن يتكلموا عن أحلام وأشياء عظيمة منتفخة. لكن المشكلة كمنت في أنها محض أكاذيب. وربما كانت الكذبة حلمًا بالنسبة لهم، أو ربما حلموا حلمًا، لكنه لم يكن رسالة حقيقية من الله، بل كانت من خِدَاعِ قَلْبِهِمِ.
• “الإنسان مخلوق بحيث يبحث دائمًا بطريقة ما عن توجيه من العالم الروحي الذي يكمن وراء كل المظاهر والأشكال المادية. ويخلق هذا المسعى فرصة لأشخاص أشرار لا يملكون أي نور حقيقي من ذلك العالم؛ ومع ذلك، يتكلمون كما لو أنهم يمتلكون ذلك النور. وبهذا يضللون سامعيهم.” مورجان (Morgan)
٣. يُفَكِّرُونَ أَنْ يُنَسُّوا شَعْبِي ٱسْمِي بِأَحْلَامِهِمِ: أحب الأنبياء الفاسدون التركيز على الظواهر الروحية مثل الأحلام. ورغم أن هذا تركيزهم الروحي المزعوم، إلا أن هذا أبعد الناس عن الاهتمام بالله نفسه، عن معدنه الأدبي المتمثل في اسمه.
• أَنْ يُنَسُّوا شَعْبِي ٱسْمِي بِأَحْلَامِهِمِ: “حالما ينسى الناس معدن الرب الأدبي، يمكن إقناعهم بقبول كل أنواع العقائد.” ثومبسون (Thompson)
ط) الآيات (٢٨-٢٩): المكانة المتدنية للظواهر الروحية بالمقابلة مع كلمة الله
٢٨اَلنَّبِيُّ ٱلَّذِي مَعَهُ حُلْمٌ فَلْيَقُصَّ حُلْمًا، وَٱلَّذِي مَعَهُ كَلِمَتِي فَلْيَتَكَلَّمْ بِكَلِمَتِي بِٱلْحَقِّ. مَا لِلتِّبْنِ مَعَ ٱلْحِنْطَةِ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ. ٢٩أَلَيْسَتْ هَكَذَا كَلِمَتِي كَنَارٍ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، وَكَمِطْرَقَةٍ تُحَطِّمُ ٱلصَّخْرَ؟
١. اَلنَّبِيُّ ٱلَّذِي مَعَهُ حُلْمٌ فَلْيَقُصَّ حُلْمًا: دعا الله أولئك المهووسين بالظواهر الروحية إلى بسطها. قُصّوا الحلم، وقدّموا قضيّتكم على أفضل وجه.
• “من الواضح أنه عدَّ هذه الأحلام خبرات ذاتية للغاية لا علاقة لها بكلمة الرب. فكان هنالك فرق. فليقصّ الحالم حلمه إذا شاء، لكن ينبغي أن يكون واضحًا أنه كان مجرد حلم، وليس كلمة من عند الرب.” ثومبسون (Thompson)
٢. وَٱلَّذِي مَعَهُ كَلِمَتِي فَلْيَتَكَلَّمْ بِكَلِمَتِي بِٱلْحَقِّ: قدّم الله دعوة ثانية، وهذه المرة لمن لديه كلمة الرب. وهذا الشخص مدعو إلى التكلم بكلمة الرب بأمانة، ولا يصمت رغم عدد الأنبياء الفاسدين وشعبيّتهم.
• كان في أيام إرميا أنبياء فاسدون أكثر من أولئك الذين يتكلمون بكلمة الله بأمانة.
٣. مَا لِلتِّبْنِ مَعَ ٱلْحِنْطَةِ؟: من الواضح أن حلم النبي الفاسد كان مثل التبن. كان شيئًا، لكنْ ذا جوهر قليل، ولا يقدم عونًا. وأما كلمة الله التي تقدَّم بأمانة، فهي مثل الحنطة. ولها جوهرها، وتقدم تغذية وحياة، وتمتلك القوة على التكاثر.
٤. هَكَذَا كَلِمَتِي كَنَارٍ: لكلمة الله قوة كالنار، قوة للإفادة والحكم. وأما التبن فليست لدية قوة على النار.
• كلمة الله كنار تستطيع أن تدفئ وتعزّي.
• كلمة الله كنار تستطيع أن تحرق وتؤلم.
• كلمة الله كنار تستطيع أن تصهر أقسى المعادن.
• كلمة الله كنار تنقّي الشوائب وتلتهمها.
5. وَكَمِطْرَقَةٍ تُحَطِّمُ ٱلصَّخْرَ: كلمة الله قوية كالمطرقة. إذ تمتلك القوة على البناء أو الكسر. ولا يمتلك التبن قوة على المطرقة.
• وَكَمِطْرَقَةٍ: “عندما يريد خادم الإنجيل أن يستخدمه، يفترض أن يعلّمه هذا التشبيه كيف ينبغي أن يستخدمه. فليضرب به بكل ما أوتي به من قوة بضربات جبارة من أجل ربّه.” سبيرجن (Spurgeon)
• “أعتقد أن الأمر لا يتطلب أي نوع من التعليم لتعلّم كيفية استخدام المطرقة. لا أدري، ربما يتطلب الأمر هذا. لكن يبدو أنه لدى استخدام المرء للمطرقة على نحو سليم، فإنه ليس عليه أن يفعل سوى أن يضرب بها. أيها الإخوة، عندما تكرزون، استخدموا مطرقة الإنجيل، واضربوا بها بأقوى ما يمكنكم.” سبيرجن (Spurgeon)
• كتب آدم كلارك تحذيرًا حكيمًا ضد فكرة إمكان كلمة الله أن تعمل عملها من دون روح الله. “دعونا ننتبه لئلا نظن، كما ظن آخرون وأكدوا أن الكتابات المقدسة في حد ذاتها كافية لتنوير النفس وتبكيتها وتجديدها، وأنه لا حاجة إلى الروح القدس. فلا بد من وسيط لكي تعمل النار وتنتج تأثيرها. ومن المؤكد أنه لا يمكن للمطرقة أن تكسر الصخرة إلى قطع إلا إذا استخدمها عامل ماهر. وروح الله هو القادر على أن يفعل هذا. إذ تُقرأ كلمة الله كثيرًا، ويُتكلم بها كثيرًا من دون إحداث آثار مفيدة.” كلارك (Clarke)
ي) الآيات (٣٠-٣٢) الله ضد الأنبياء الفاسدين
٣٠لِذَلِكَ هَأَنَذَا عَلَى ٱلْأَنْبِيَاءِ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، ٱلَّذِينَ يَسْرِقُونَ كَلِمَتِي بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ. ٣١هَأَنَذَا عَلَى ٱلْأَنْبِيَاءِ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، ٱلَّذِينَ يَأْخُذُونَ لِسَانَهُمْ وَيَقُولُونَ: قَالَ. ٣٢هَأَنَذَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَنَبَّأُونَ بِأَحْلَامٍ كَاذِبَةٍ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، ٱلَّذِينَ يَقُصُّونَهَا وَيُضِلُّونَ شَعْبِي بِأَكَاذِيبِهِمْ وَمُفَاخَرَاتِهِمْ وَأَنَا لَمْ أُرْسِلْهُمْ وَلَا أَمَرْتُهُمْ. فَلَمْ يُفِيدُوا هَذَا ٱلشَّعْبَ فَائِدَةً، يَقُولُ ٱلرَّبُّ.
١. هَأَنَذَا عَلَى ٱلْأَنْبِيَاءِ: لمجرد أن أحدهم ادعى أنه نبي، فإن هذا لا يعني أن الله يناصره أو يصادق على ادعائه.. ففي أيام إرميا، كما في أيامنا، كان هنالك أنبياء كثيرون كان الله عليهم.
٢. ٱلَّذِينَ يَسْرِقُونَ كَلِمَتِي بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ: عندما تم تجاهل كلمة الله لأن الناس انجذبوا إلى الظواهر الروحية الشبيهة بالتبن، والتي كان الأنبياء الكذبة مولعين بها، فكأن الأمر مثل سرقة كلمته. فكان الله عليهم.
٣. ٱلَّذِينَ يَأْخُذُونَ لِسَانَهُمْ وَيَقُولُونَ: قَالَ: كان الله على الذين زعموا أنهم يتكلمون نيابة عن الله، بينما كانوا يتكلمون من منابع قلوبهم.
• ٱلَّذِينَ يَأْخُذُونَ لِسَانَهُمْ وَيَقُولُونَ: قَالَ: “هنالك تلاعب بالألفاظ هنا يصعب فهمه في الترجمة الحالية. يقول النص العبري حرفيًّا ’يَأْخُذُونَ (يستخدمون) لِسَانَهُمْ ويعلنون إعلانًا.‘ والمعنى هو أن رسالة الأنبياء الكذبة نبعت من أنفسهم مقدمة بشيء من الزخرف أو التنميق لتبدو على أنها من الله.” ثومبسون (Thompson)
٤. ٱلَّذِينَ يَتَنَبَّأُونَ بِأَحْلَامٍ كَاذِبَةٍ: كان الله على أولئك الذين يروّجون للأحلام والظواهر الروحية فوق كلمته.
٥. وَيُضِلُّونَ شَعْبِي بِأَكَاذِيبِهِمْ وَمُفَاخَرَاتِهِمْ: قادت الكلمات الخادعة والطائشة المنطوقة باسم الله شعبه إلى الضلال. ولهذا كان الرب ضد هؤلاء المستهترين الذين لا يضعون اعتبارًا للحق.
٦. وَأَنَا لَمْ أُرْسِلْهُمْ وَلَا أَمَرْتُهُمْ. فَلَمْ يُفِيدُوا هَذَا ٱلشَّعْبَ فَائِدَةً: لم يرسلهم الله، ولهذا لم يكونوا ذا فائدة أو خير حقيقي لشعبه، حتى لو كانت نيّاتهم حسنة. قد يكون هنالك بعض الرغوة أو الإثارة، لكن لا توجد فائدة حقيقية.
ك) الآيات (٣٣-٤٠): لا تذكروا بعد وحي الرب.
٣٣وَإِذَا سَأَلَكَ هَذَا ٱلشَّعْبُ أَوْ نَبِيٌّ أَوْ كَاهِنٌ قَائِلًا: مَا وَحْيُ ٱلرَّبِّ؟ فَقُلْ لَهُمْ: أَيُّ وَحْيٍ؟ إِنِّي أَرْفُضُكُمْ، هُوَ قَوْلُ ٱلرَّبِّ. ٣٤فَٱلنَّبِيُّ أَوِ ٱلْكَاهِنُ أَوِ ٱلشَّعْبُ ٱلَّذِي يَقُولُ: وَحْيُ ٱلرَّبِّ، أُعَاقِبُ ذَلِكَ ٱلرَّجُلَ وَبَيْتَهُ. ٣٥هَكَذَا تَقُولُونَ ٱلرَّجُلُ لِصَاحِبِهِ وَٱلرَّجُلُ لِأَخِيهِ: بِمَاذَا أَجَابَ ٱلرَّبُّ؟ وَمَاذَا تَكَلَّمَ بِهِ ٱلرَّبُّ؟ ٣٦أَمَّا وَحْيُ ٱلرَّبِّ فَلَا تَذْكُرُوهُ بَعْدُ، لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلِّ إِنْسَانٍ تَكُونُ وَحْيَهُ، إِذْ قَدْ حَرَّفْتُمْ كَلَامَ ٱلْإِلَهِ ٱلْحَيِّ رَبِّ ٱلْجُنُودِ إِلَهِنَا. ٣٧هَكَذَا تَقُولُ لِلنَّبِيِّ: بِمَاذَا أَجَابَكَ ٱلرَّبُّ؟ وَمَاذَا تَكَلَّمَ بِهِ ٱلرَّبُّ؟ ٣٨وَإِذَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ: وَحْيُ ٱلرَّبِّ، فَلِذَلِكَ هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: مِنْ أَجْلِ قَوْلِكُمْ هَذِهِ ٱلْكَلِمَةَ: وَحْيُ ٱلرَّبِّ، وَقَدْ أَرْسَلْتُ إِلَيْكُمْ قَائِلًا لَا تَقُولُوا: وَحْيُ ٱلرَّبِّ، ٣٩لِذَلِكَ هَأَنَذَا أَنْسَاكُمْ نِسْيَانًا، وَأَرْفُضُكُمْ مِنْ أَمَامِ وَجْهِي، أَنْتُمْ وَٱلْمَدِينَةَ ٱلَّتِي أَعْطَيْتُكُمْ وَآبَاءَكُمْ إِيَّاهَا. ٤٠وَأَجْعَلُ عَلَيْكُمْ عَارًا أَبَدِيًّا وَخِزْيًا أَبَدِيًّا لَا يُنْسَى.
١. وَحْيُ ٱلرَّبِّ: هذا القسم صعب نوعًا ما بسبب وجود استخدام التورية وتلاعب الألفاظ في النص العبري. فالكلمة المفتاحية هي Massa وهي تعني كُلاًّ من العبء أو الثِّقل والإعلان (بمعنى وحي من الله). ويكون المقصود أحيانًا معنى واحدًا، وأحيانًا المعنى الثاني، وأحيانًا كلا المعنيين.
• “صارت الكلمة، من خلال الاستخدام، تعني ما يوضع كعبء أو ثِقَل على قلب النبي، بعد أن كان هكذا بالفعل على قلب الله.” فينبيرغ (Feinberg)
• “تأتي الحُجّة كلها إلينا معقّدة نوعًا ما، ربما لأنه تم تطوير التورية بطريقة مستدامة. إذ يتكرر معنيا Massa (’الكلام النبوي‘ و’العبء‘) والفعل Nasa عدة مرات. وإعلان الرب أو وحيه هو أن الشعب عبء عليه.” ثومبسون (Thompson)
2. مَا وَحْيُ ٱلرَّبِّ؟: يرجّح أن هذا كان سؤالًا تهكميًّا طرحه الأنبياء الفاسدون على إرميا. وبما أن معظم عمل إرميا النبوي كان يعلن الهلاك ويدعو إلى التوبة، أرادوا مازحين أن يعرفوا ما هي الكلمة الثقيلة لهم من الرب في ذلك اليوم.
• “يشير إرميا إلى أن الشعب، والكهنة، والأنبياء (إرميا ٢٣: ٣٣) بدأوا باستخدام هذه الكلمة المهمة بشكل تهكمي واستهزائي. فكانوا يسألون إرميا: ’ما هو الوحي (العبء) الآن؟،‘ أي ’ما هي الكلمة الثقيلة من الله الآن؟‘” فينبيرغ (Feinberg)
• “عندما يسألك هؤلاء الأشخاص، أو نبي، أو كاهن، ’أي عبء قد وضعه الرب على قلبك؟،‘ فقل لهم، ’أنتم العبء. وسأطرحكم، يقول الرب.‘” رايكن (Ryken)
٣. فَقُلْ لَهُمْ: أَيُّ وَحْيٍ؟: طلب الله من إرميا أن يجيبهم بهذه العبارة. وقد عنى إما أنه لا ينبغي التفكير في كلام الرب على أنه عبء بقدر ما هو حق، وإما (ربما على الأرجح) أن الأنبياء الفاسدين المتهكمين هم العبء.
• فَقُلْ لَهُمْ: أَيُّ وَحْيٍ؟ “إنه أفضل بكثير لنا أن نتبع الترجمة السبعينية والفلجاتا التي تقول: ’أنت العبء.‘ ولا يتطلب هذا أي تغيير في الحروف الساكنة، بل تقسيمًا آخر لها.” فينبيرغ (Feinberg)
٤. أُعَاقِبُ ذَلِكَ ٱلرَّجُلَ وَبَيْتَهُ: نذر الله أن يعاقب أولئك الذين تجاسروا بإطلاق وحي من عندهم، مبعدين الناس عن الانتباه بكلمة الله. وفي ما يتعلق بالله، فإنه يقول: أَمَّا وَحْيُ ٱلرَّبِّ فَلَا تَذْكُرُوهُ بَعْدُ.
٥. لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلِّ إِنْسَانٍ تَكُونُ وَحْيَهُ، إِذْ قَدْ حَرَّفْتُمْ كَلَامَ ٱلْإِلَهِ ٱلْحَيِّ: كانت المؤسسة النبوية في زمن إرميا قد أصبحت فاسدة بحيث يمكن لأي شخص أن يدعي أنه ينقل وحي الرب، بينما كان يتكلم من نفسه. وكانت كلماته المنطوقة تحرّف رسالة الله الحقيقية.
٦. وَأَجْعَلُ عَلَيْكُمْ عَارًا أَبَدِيًّا وَخِزْيًا أَبَدِيًّا لَا يُنْسَى: كانت هذه هي النتيجة النهائية لانجذابهم للإعلانات، والأحلام، والظواهر الروحية الأخرى.
• وَأَرْفُضُكُمْ مِنْ أَمَامِ وَجْهِي: “وأخيرًا، في الآيتين ٣٩-٤٠، يأخذ ويؤكد الفعل الأصلي لكلمة ’عبء‘ بمعناه الحرفي لكي يصوّر هؤلاء الأشخاص وهم يُلتقطون ويُطرحون بعيدًا في عار لا يمكن إصلاحه.” كيدنر (Kidner)
• “الازدراء بالكلمة خطية مغرية، بحيث لا يستطيع الله أن يكتفي بمجرد قول ما سيفعله بهؤلاء المذنبين فيها.” تراب (Trapp)