سفر إرميا – الإصحاح ٤٦
كلمة دينونة عن مصر
أولًا. الهزيمة في كركميش
أ ) الآيات (١-٢): مقدمة للنبوة
١كَلِمَةُ ٱلرَّبِّ ٱلَّتِي صَارَتْ إِلَى إِرْمِيَا ٱلنَّبِيِّ عَنِ ٱلْأُمَمِ، ٢عَنْ مِصْرَ، عَنْ جَيْشِ فِرْعَوْنَ نَخُو مَلِكِ مِصْرَ ٱلَّذِي كَانَ عَلَى نَهْرِ ٱلْفُرَاتِ فِي كَرْكَمِيشَ، ٱلَّذِي ضَرَبَهُ نَبُوخَذْرَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ فِي ٱلسَّنَةِ ٱلرَّابِعَةِ لِيَهُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا.
١. كَلِمَةُ ٱلرَّبِّ ٱلَّتِي صَارَتْ إِلَى إِرْمِيَا ٱلنَّبِيِّ عَنِ ٱلْأُمَمِ: هذه بداية قسم يستمر حتى إرميا ٥١، حيث يعلن إرميا دينونته على الأمم المحيطة بيهوذا.
• “في الترجمة السبعينية، تأتي هذه الإصحاحات بعد العنوان في إرميا ٢٥: ١٣أ، وتنتهي في ٢٥: ١٥-٣٨ (= الترجمة السبعينية ٣٢). ويوحي هذا بأن كتلة الإعلانات الإلهية المتداولة لفترة كوحدة مستقلة نُسجت في السفر كله بطرق مختلفة.” ثومبسون (Thompson)
٢. إِرْمِيَا ٱلنَّبِيِّ عَنِ ٱلْأُمَمِ: إنه تذكير مهم بأنه رغم أن سفر إرميا يتعامل في الغالب مع دينونة الله على يهوذا، إلا أنه لم يهمل الشعوب الأممية أو يتجاهلها. إذ سيدينها بعدل.
• “يعرف الله هويته. فهو ليس مشرفًا إقليميًّا، وليس إلهًا قبليًّا. فهو إله كل الشعوب. وسيادته غير مقصورة على ثقافة واحدة، أو أمّة بعينها، أو مجموعة عِرقية.” رايكن (Ryken)
٣. عَنْ مِصْرَ: يصف إرميا ٤٦ الدينونة التي ستحل على مصر، وبشكل خاص في معركة كركميش التي سيهزم فيها البابليون المصريين. وعندما أطلق إرميا هذه النبوة، كانت المعركة ما زالت في المستقبل.
• “يستهل إرميا حديثه بمصر، لأن فلسطين كانت لفترة طويلة مجالًا للنفوذ السياسي المصري.” هاريسون (Harrison)
• “يبدأ إرميا بشكل لائق بالمصريين الذين – إلى جانب عداوتهم القديمة – قتلوا الملك الصالح، يوشيا حديثًا. فمات معه كل رخاء الشعب اليهودي.” تراب (Trapp)
• ليست كركميش عند ملتقى نهري الخابور والفرات، بل في أعالي الفرات. ولأنها كانت المدينة العظيمة الوحيدة في المنطقة، كانت المفتاح إلى سوريا في الشرق. وكانت تشرف على ممر الفرات.” فينبيرغ (Feinberg)
• “قتل الفرعون نخو، في طريقه إلى كركميش، يوشيا، ملك يهوذا في عام ٦٠٩ عندما حاول أن يصدّه.” كيدنر (Kidner) وأبقى الفرعون جيشه في كركميش لأربع سنوات، مهيمنًا على المنطقة، ومنتظرًا المواجهة الحتمية مع بابل الصاعدة. وعندما جاءت، هُزم المصريون.
٤. فِي ٱلسَّنَةِ ٱلرَّابِعَةِ لِيَهُويَاقِيمَ: كان هذا قبل ٦٠٥ ق. م. عندما سُحق المصريون في كركميش (إرميا ٤٦: ٢ فصاعدًا) في تركيا الحديثة، قرب الحدود السورية. ولاحقت الجيوش البابلية فلول الجيش المصري جنوبًا، وجاءت إلى أورشليم.
ب) الآيات (٣-٥): جنود يُستُدعون للقتال ويُهزَمون هزيمة نكراء.
٣أَعِدُّوا ٱلْمِجَنَّ وَٱلتُّرْسَ وَتَقَدَّمُوا لِلْحَرْبِ. ٤أَسْرِجُوا ٱلْخَيْلَ، وَٱصْعَدُوا أَيُّهَا ٱلْفُرْسَانُ، وَٱنْتَصِبُوا بِٱلْخُوَذِ. ٱصْقِلُوا ٱلرِّمَاحَ. ٱلْبَسُوا ٱلدُّرُوعَ. ٥لِمَاذَا أَرَاهُمْ مُرْتَعِبِينَ وَمُدْبِرِينَ إِلَى ٱلْوَرَاءِ، وَقَدْ تَحَطَّمَتْ أَبْطَالُهُمْ وَفَرُّوا هَارِبِينَ، وَلَمْ يَلْتَفِتُوا؟ ٱلْخَوْفُ حَوَالَيْهِمْ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ.
١. تَقَدَّمُوا لِلْحَرْبِ: يضع إرميا في نبوّته المستمع والقارئ في مسرح المعركة. فالسلاح جاهز (أَعِدُّوا ٱلْمِجَنَّ وَٱلتُّرْسَ)، والفرسان يُعِدّون أنفسهم (أَسْرِجُوا ٱلْخَيْلَ).
• لاحظ ثومبسون في هذا القسم، إرميا ٤٦: ٣-١٢، أن “الشعر هو الأكثر نبضًا بالحياة (بين الأنواع الأدبية) في العهد القديم، وأن من المؤكد أن أي شعر فيه لا يتفوق على ذاك الموجود في إرميا.” ثومبسون (Thompson)
• “كان المجن درعًا صغيرة دائرية الشكل بشكل عام، بينما كانت الدرع الكبيرة Sinad بيضاوية أو مستطيلة، وقد تم تصميمها لحماية الجسم بأكمله.” هاريسون (Harrison)
• “لا شك أن جيشًا حسن التجهيز كذاك الموصوف هنا سينتصر بشكل طبيعي. لكن الأحداث تأخذ منعطفًا غير متوقع.” فينبيرغ (Feinberg)
٢. لِمَاذَا أَرَاهُمْ مُرْتَعِبِينَ وَمُدْبِرِينَ إِلَى ٱلْوَرَاءِ؟: المعنى هنا هو أن المعركة انتهت حالما بدأت. فحالما تم تجهيز الدروع، والرماح والخيول، سرعان ما تَحَطَّمَتْ أَبْطَالُهُمْ وَفَرُّوا هَارِبِينَ.
• “ماذا؟ هل أُصيب الجيش الضخم المخيف وحسن التجهيز بالذعر؟ لقد عادوا هاربين بسرعة من دون أن يتلفتوا حولهم، بينما كان يُضرب قادتهم وآمِروهم الذين كانوا يحاولون أن يحشدوهم.” كلارك (Clarke)
• يصور إرميا بشكل ساخر القوات المصرية حسنة التجهيز، والمتفاخرة، والمتمتعة بمهارات عالية، ثم يقابلها مع عاقبة الهزيمة الساحقة والهروب المخزي.” كندال (Cundall)
٣. وَلَمْ يَلْتَفِتُوا؟ ٱلْخَوْفُ حَوَالَيْهِمْ: وصف إرميم انسحابًا كاملًا للجيش المصري أمام البابليين.
ج) الآيات (٦-٨): صوت الجيش البابلي المنتصر
٦ ٱلْخَفِيفُ لَا يَنُوصُ وَٱلْبَطَلُ لَا يَنْجُو. فِي ٱلشِّمَالِ بِجَانِبِ نَهْرِ ٱلْفُرَاتِ عَثَرُوا وَسَقَطُوا. ٧مَنْ هَذَا ٱلصَّاعِدُ كَٱلنِّيلِ، كَأَنْهَارٍ تَتَلَاطَمُ أَمْوَاهُهَا؟ ٨تَصْعَدُ مِصْرُ كَٱلنِّيلِ، وَكَأَنْهَارٍ تَتَلَاطَمُ ٱلْمِيَاهُ. فَيَقُولُ: أَصْعَدُ وَأُغَطِّي ٱلْأَرْضَ. أُهْلِكُ ٱلْمَدِينَةَ وَٱلسَّاكِنِينَ فِيهَا.
١. ٱلْخَفِيفُ لَا يَنُوصُ: استطاع إرميا في رؤيته النبوية أن يرى قادة الجيش البابلي وهم يصدرون الأوامر لجنودهم بملاحقة الجنود المصريين وإلحاق الهزيمة بهم.
٢. بِجَانِبِ نَهْرِ ٱلْفُرَاتِ: دارت معركة كركميش بالقرب من نهر الفرات في منطقة حدودية بين تركيا الحديثة وسورية.
٣. تَصْعَدُ مِصْرُ كَٱلنِّيلِ: عندما يفيض نهر عظيم كالفرات، فإنه يتسبب في دمار هائل. وجاءت مصر للمعركة كجيش يمكن أن يسحق خصمه قائلًا: سوف أُهْلِكُ ٱلْمَدِينَةَ وَٱلسَّاكِنِينَ فِيهَا.
• تَصْعَدُ مِصْرُ كَٱلنِّيلِ، وَكَأَنْهَارٍ تَتَلَاطَمُ ٱلْمِيَاهُ: “تشير كلمة ’أنهار‘ هنا إلى النيل وقنوات الري فيه. ومن هنا جاءت صيغة الجمع. ويبدو المصريون المندفعون مثل النيل عندما يغطّي الريف المحيط به.” هاريسون (Harrison)
د ) الآيات (٩-١٠): القضاء على مصر المتكبرة
٩ٱصْعَدِي أَيَّتُهَا ٱلْخَيْلُ، وَهِيجِي أَيَّتُهَا ٱلْمَرْكَبَاتُ، وَلْتَخْرُجِ ٱلْأَبْطَالُ: كُوشُ وَفُوطُ ٱلْقَابِضَانِ ٱلْمِجَنَّ، وَٱللُّودِيُّونَ ٱلْقَابِضُونَ وَٱلْمَادُّونَ ٱلْقَوْسَ. ١٠فَهَذَا ٱلْيَوْمُ لِلسَّيِّدِ رَبِّ ٱلْجُنُودِ يَوْمُ نَقْمَةٍ لِلِٱنْتِقَامِ مِنْ مُبْغِضِيهِ، فَيَأْكُلُ ٱلسَّيْفُ وَيَشْبَعُ وَيَرْتَوِي مِنْ دَمِهِمْ. لِأَنَّ لِلسَّيِّدِ رَبِّ ٱلْجُنُودِ ذَبِيحَةً فِي أَرْضِ ٱلشِّمَالِ عِنْدَ نَهْرِ ٱلْفُرَاتِ.
١. ٱصْعَدِي أَيَّتُهَا ٱلْخَيْلُ، وَهِيجِي أَيَّتُهَا ٱلْمَرْكَبَاتُ: دعا الله الجيش المصري المتكبر إلى هذه المعركة، جالبًا إياهم لغرض الحكم عليهم.
٢. كُوشُ وَفُوطُ ٱلْقَابِضَانِ ٱلْمِجَنَّ: كان للجيش المصري المتغطرس الذي جاء إلى كركميش، شأنه شأن جيوش كثيرة، جنود أجانب كثيرون من عبيد ومرتزقة (من كوش وفوط).
٣. فَهَذَا ٱلْيَوْمُ لِلسَّيِّدِ رَبِّ ٱلْجُنُودِ يَوْمُ نَقْمَةٍ: دعا الله الجيش المصري المتغطرس إلى المجيء إلى كركميش ليُظهر أنه رب الجنود، وأن هذا هو يوم انتقامه.
• يمثل تعبير ’يوم الرب‘ في إرميا ٤٦: ١٠ مثلًا جيدًا للمبدأ الذي يقول إن هذا التعبير لا يشير بالضرورة إلى يوم واحد، بل إلى أي وقت أو موسم تَظهر فيه قوة الله، ولاسيما في دينونته على مقاوميه المتغطرسين. إنه يوم لِلِٱنْتِقَامِ مِنْ مُبْغِضِيهِ.
٤. لِأَنَّ لِلسَّيِّدِ رَبِّ ٱلْجُنُودِ ذَبِيحَةً فِي أَرْضِ ٱلشِّمَالِ عِنْدَ نَهْرِ ٱلْفُرَاتِ: سيُرضي الجيش المصري المهزوم الله كما ترضيه ذبيحة تحمل دينونة على الخطية.
• “يمثل النبي هذا على أنه ذبيحة عظيمة، حيث يُذبح عدد لا يُحصى من الضحايا.” كلارك (Clarke)
هـ) الآيات (١١-١٢): مصر لا تشفى من محنتها.
١١ٱصْعَدِي إِلَى جِلْعَادَ وَخُذِي بَلَسَانًا يَا عَذْرَاءَ، بِنْتَ مِصْرَ. بَاطِلًا تُكَثِّرِينَ ٱلْعَقَاقِيرَ. لَا رِفَادَةَ لَكِ. ١٢قَدْ سَمِعَتِ ٱلْأُمَمُ بِخِزْيِكِ، وَقَدْ مَلَأَ ٱلْأَرْضَ عَوِيلُكِ، لِأَنَّ بَطَلًا يَصْدِمُ بَطَلًا فَيَسْقُطَانِ كِلَاهُمَا مَعًا.
١. ٱصْعَدِي إِلَى جِلْعَادَ وَخُذِي بَلَسَانًا: عندما مُنيَ الجيش المصري بهزيمة نكراء في كركميش، تراجع جنوبًا نحو مصر، لكن عبر الأرض الموعودة، بما في ذلك جلعاد. ولن يستردوا قوّتهم هناك (بَاطِلًا تُكَثِّرِينَ ٱلْعَقَاقِيرَ. لَا رِفَادَةَ لَكِ.)
• “الإشارة إلى العقاقير الكثيرة تعليق ساخر على عجز مصر عن مداواة جراح الهزيمة بعد أن سمع الآخرون الآن بآخر إذلال لها.” هاريسون (Harrison)
• “ربما يكون ارتباط البلسان بجلعاد بسبب حقيقة أن القوافل التجارية القادمة من الشرق كانت تمر عبر جلعاد حاملة كميات من البلسان.” ثومبسون (Thompson)
٢. قَدْ سَمِعَتِ ٱلْأُمَمُ بِخِزْيِكِ: ذاعت هزيمة مصر في كركميش لأنها كانت بداية لبابل كقوة عالمية حقيقية في المنطقة، وبداية انحطاط لمصر.
ثانيًا. غزو مصر
أ ) الآيات (١٣-١٧): مصر عاجزة عن الدفاع أمام جيوش بابل.
١٣اَلْكَلِمَةُ ٱلَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا ٱلرَّبُّ إِلَى إِرْمِيَا ٱلنَّبِيِّ فِي مَجِيءِ نَبُوخَذْرَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ لِيَضْرِبَ أَرْضَ مِصْرَ: ١٤«أَخْبِرُوا فِي مِصْرَ، وَأَسْمِعُوا فِي مَجْدَلَ، وَأَسْمِعُوا فِي نُوفَ وَفِي تَحْفَنْحِيسَ. قُولُوا ٱنْتَصِبْ وَتَهَيَّأْ، لِأَنَّ ٱلسَّيْفَ يَأْكُلُ حَوَالَيْكَ.١٥ لِمَاذَا ٱنْطَرَحَ مُقْتَدِرُوكَ؟ لَا يَقِفُونَ، لِأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ طَرَحَهُمْ! ١٦كَثَّرَ ٱلْعَاثِرِينَ حَتَّى يَسْقُطَ ٱلْوَاحِدُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَيَقُولُوا: قُومُوا فَنَرْجِعَ إِلَى شَعْبِنَا، وَإِلَى أَرْضِ مِيلَادِنَا مِنْ وَجْهِ ٱلسَّيْفِ ٱلصَّارِمِ. ١٧قَدْ نَادُوا هُنَاكَ: فِرْعَوْنُ مَلِكُ مِصْرَ هَالِكٌ. قَدْ فَاتَ ٱلْمِيعَادُ.
١. فِي مَجِيءِ نَبُوخَذْرَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ لِيَضْرِبَ أَرْضَ مِصْرَ: بعد سنوات كثيرة من انتصار نبوخذنصّر في كركميش، أرسل جيشه مرة أخرى، وهذه المرة طوال الطريق إلى مصر نفسها.
• “أسماء الأماكن الواردة في الآية ١٤ هي لبلدات حدودية في طريق الغزاة من الشمال الشرقي.” كيدنر (Kidner)
٢. ٱنْتَصِبْ وَتَهَيَّأْ، لِأَنَّ ٱلسَّيْفَ يَأْكُلُ حَوَالَيْكَ: بإمكان شعب مصر أن يبذلوا قصارى جهدهم للاستعداد لهذا الغزو البابلي القادم، لكن هذا الاستعداد لن يفيدهم في شيء. إذ سيُسحَق رجالهم البواسل.
٣. لِأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ طَرَحَهُمْ: لم تكن قوة الجيش البابلي هي وحدها العاملة هنا. فقد كان الله مصمّمًا على طرد المدافعين عن مصر ليجلب دينونة واسعة على مصر المتكبرة.
٤. فِرْعَوْنُ مَلِكُ مِصْرَ هَالِكٌ (مجرد ضجيج): “مع الغزو البابلي، كان بإمكان الجميع أن يروا أن الفرعون لم يعد حاكمًا لقوة وسلطة عظيمتين.
• “في الآية ١٦ يُسمع كلام الجنود بينما كانت القوات المرتزقة في طريق العودة إلى بلدانها، فكانوا يدعون الفرعون ’ضجيجًا،‘ أي متبجّحًا، لائمين إياه على تفويت الفرصة للانتصار. (قَدْ فَاتَ ٱلْمِيعَادُ)” فينبيرغ (Feinberg)
• فِرْعَوْنُ مَلِكُ مِصْرَ هَالِكٌ (مجرد ضجيج): “هنالك ترجمات تقول إنه ’ملك طنّان،‘ وأخرى تقول إنه ’ملك ضوضائي.‘ غير أن كلمة ’ثرثار‘ تعكس السخرية في النص الأصلي على نحو أفضل، حيث تصور الفرعون على أنه متبجّح فوّت فرصته في الانتصار – قَدْ فَاتَ ٱلْمِيعَادُ.” هاريسون (Harrison)
• “وفوق كل شيء، يوجد تلخيص مدمر لفرعون في الآية ١٧ كشخص ثرثار يسمح للساعة (الحاسمة) بأن تمر.” كيدنر (Kidner)
ب) الآيات (١٨-٢٦): يقينية الدينونة على بابل
١٨حَيٌّ أَنَا، يَقُولُ ٱلْمَلِكُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ ٱسْمُهُ، كَتَابُورٍ بَيْنَ ٱلْجِبَالِ، وَكَكَرْمَلٍ عِنْدَ ٱلْبَحْرِ يَأْتِي. ١٩اِصْنَعِي لِنَفْسِكِ أُهْبَةَ جَلَاءٍ أَيَّتُهَا ٱلْبِنْتُ ٱلسَّاكِنَةُ مِصْرَ، لِأَنَّ نُوفَ تَصِيرُ خَرِبَةً وَتُحْرَقُ فَلَا سَاكِنَ. ٢٠مِصْرُ عِجْلَةٌ حَسَنَةٌ جِدًّا. ٱلْهَلَاكُ مِنَ ٱلشِّمَالِ جَاءَ جَاءَ. ٢١أَيْضًا مُسْتَأْجَرُوهَا فِي وَسْطِهَا كَعُجُولِ صِيرَةٍ. لِأَنَّهُمْ هُمْ أَيْضًا يَرْتَدُّونَ، يَهْرُبُونَ مَعًا. لَمْ يَقِفُوا لِأَنَّ يَوْمَ هَلَاكِهِمْ أَتَى عَلَيْهِمْ، وَقْتَ عِقَابِهِمْ. ٢٢صَوْتُهَا يَمْشِي كَحَيَّةٍ، لِأَنَّهُمْ يَسِيرُونَ بِجَيْشٍ، وَقَدْ جَاءُوا إِلَيْهَا بِٱلْفُؤُوسِ كَمُحْتَطِبِي حَطَبٍ. ٢٣يَقْطَعُونَ وَعْرَهَا، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، وَإِنْ يَكُنْ لَا يُحْصَى، لِأَنَّهُمْ قَدْ كَثُرُوا أَكْثَرَ مِنَ ٱلْجَرَادِ، وَلَا عَدَدَ لَهُمْ. ٢٤قَدْ أُخْزِيَتْ بِنْتُ مِصْرَ وَدُفِعَتْ لِيَدِ شَعْبِ ٱلشِّمَالِ. ٢٥قَالَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: هَأَنَذَا أُعَاقِبُ أَمُونَ نُو وَفِرْعَوْنَ وَمِصْرَ وَآلِهَتَهَا وَمُلُوكَهَا، فِرْعَوْنَ وَٱلْمُتَوَكِّلِينَ عَلَيْهِ. ٢٦وَأَدْفَعُهُمْ لِيَدِ طَالِبِي نُفُوسِهِمْ، وَلِيَدِ نَبُوخَذْراصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ، وَلِيَدِ عَبِيدِهِ. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تُسْكَنُ كَٱلْأَيَّامِ ٱلْقَدِيمَةِ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ.
١. حَيٌّ أَنَا، يَقُولُ ٱلْمَلِكُ: يعلن الله بأقوى لغة أن هذا سيحدث. فكان من المؤكد أنه سيُطلَب من شعب مصر الاستعداد للذهاب إلى السبي (اِصْنَعِي لِنَفْسِكِ أُهْبَةَ جَلَاءٍ).
• “كان كل من جبلي تابور والكرمل بارزين بالنسبة للتضاريس الجغرافية المجاورة. وسيرتفع نبوخذنصّر، حسب هذا القياس التمثيلي، فوق كل الملوك الآخرين حتى إنه يتوجب أن يخضع الفرعون لقوته وجلاله.” هاريسون (Harrison)
• “بدا لإرميا أن هذين الجبلين يصوران نبوخذنصر مرتفعًا فوق مصر مثل ارتفاع الجبال الشاهقة على سهل.” ثومبسون (Thompson)
٢. مِصْرُ عِجْلَةٌ حَسَنَةٌ جِدًّا: كانت مصر تنظر إلى نفسها بفخار على أنها قوية وعظيمة وجميلة. فقال الله إن جنودها أقوياء وجميلون مثل العجول الجميلة، لكنهم في الواقع جاهزون ليكونوا ذبيحة، وسيُقطَعون كما تُقطع الغابة.
• “من الواضح أنه تم الاعتناء بالمرتزقة أو المستأجرين بشكل جيد كعجول سُمِّنت، غير أنها ليست ذات فائدة في ساعة الخطر. وربما خطر ببال إرميا صورة زراعية أخرى، وهي العجول المسمّنة للذبح.” ثومبسون (Thompson)
• صَوْتُهَا يَمْشِي كَحَيَّةٍ: “تمثل الإشارة إلى انزلاق الحية (الثعبان) أو تلوّيها في مسارها تعليقًا ساخرًا حول إذلال واحد من أكثر آلهة مصر فخرًا. وقد كان بارزًا في الشارات الملكية.” هاريسون (Harrison)
٣. وَلَا عَدَدَ لَهُمْ: ستُخزى مصر وستُدفع لِيَدِ شَعْبِ ٱلشِّمَالِ (البابليين). فعندما يهجم الجيش الضخم عليها، سيجلب عقابًا على مدن مصر وحكامها.
• ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تُسْكَنُ كَٱلْأَيَّامِ ٱلْقَدِيمَةِ: “يوحي النص بأن الرب كان يعاقب مصر بدلًا من أن يدمرها، لكي تستمر لاحقًا كما في الماضي. ويتكرر هذا الوعد بالاسترداد لشعوب أخرى (إرميا ٤٨: ٤٧؛ ٤٩: ٦، ٣٩).” ثومبسون (Thompson)
ج) الآيات (٢٧-٢٨): تعزية لشعب الله
٢٧وَأَنْتَ فَلَا تَخَفْ يَا عَبْدِي يَعْقُوبُ، وَلَا تَرْتَعِبْ يَا إِسْرَائِيلُ، لِأَنِّي هَأَنَذَا أُخَلِّصُكَ مِنْ بَعِيدٍ، وَنَسْلَكَ مِنْ أَرْضِ سَبْيِهِمْ، فَيَرْجِعُ يَعْقُوبُ وَيَطْمَئِنُّ وَيَسْتَرِيحُ وَلَا مُخِيفٌ. ٢٨أَمَّا أَنْتَ يَاعَبْدِي يَعْقُوبُ فَلَا تَخَفْ، لِأَنِّي أَنَا مَعَكَ، لِأَنِّي أُفْنِي كُلَّ ٱلْأُمَمِ ٱلَّذِينَ بَدَّدْتُكَ إِلَيْهِمْ. أَمَّا أَنْتَ فَلَا أُفْنِيكَ، بَلْ أُؤَدِّبُكَ بِٱلْحَقِّ وَلَا أُبَرِّئُكَ تَبْرِئَةً.
١. وَأَنْتَ فَلَا تَخَفْ يَا عَبْدِي يَعْقُوبُ: بعد الغزو البابلي لأورشليم ويهوذا، خافت البقية الباقية في الأرض من استمرار الوجود البابلي. وأحسوا بأنهم سيكونون أكثر أمانًا في مصر (إرميا ٤٢-٤٣). فطلب منهم الله ألا يخافوا وأن يتكلوا عليه في الأرض.
• “في وسط الغضب، يتذكر الله الرحمة. فرغم أن يهوذا ستخرَّب، وأورشليم ستؤخذ، والهيكل سيُحرق، والشعب سيُحمل إلى السبي، إلا أن الأمة لن تهلك. إذ ستُحفَظ بذرة ستحيا منها الأمّة.” كلارك (Clarke)
٢. هَأَنَذَا أُخَلِّصُكَ مِنْ بَعِيدٍ، وَنَسْلَكَ مِنْ أَرْضِ سَبْيِهِمْ: وعد الله بإنهاء سبي شعبه في بابل، سامحًا لهم بالعودة إلى أرضهم. وسيتحقق هذا، وسيرجع يعقوب وسيرتاح.
٣. لِأَنِّي أَنَا مَعَكَ، لِأَنِّي أُفْنِي كُلَّ ٱلْأُمَمِ ٱلَّذِينَ بَدَّدْتُكَ إِلَيْهِمْ: أرسل الله شعبه إلى السبي كدينونة لهم على خطيتهم العظيمة إليه. ولن ينسى دينونته البارة على الشعوب المجاورة أيضًا.
• “إن كانت ويلات مصر مؤقتة، فستكون ويلات إسرائيل كذلك، وبشكل أكبر.” فينبيرغ (Feinberg)
٤. أَمَّا أَنْتَ فَلَا أُفْنِيكَ: “ستكون دينونة الله على الأمم مختلفة عن تقويم شعبه. فقد تصبح الإمبراطوريات والممالك الوثنية أمرًا من الماضي. لكن الله لن ينهي إسرائيل، شعب عهده أبدًا.
• “إذا أخذنا الله لنكون له وليعطينا أفضل ما لديه، عندئذٍ لن نُسحق رغم تأديبه لنا. فرغم أن الله يقوّمنا، ويُضعفنا، ويذلنا، إلا أنه لن يفنينا. فرغم أنه يقلِّمنا، لن نُقطع لنُطرح إلى الأرض. حتى إننا قد ننظر بهدوء إلى الكوارث التي لا يمكن الرجوع عنها والتي تجتاح الأشرار.” ماير (Meyer)
٥. أُؤَدِّبُكَ بِٱلْحَقِّ: كانت دينونة الله على شعبه دليلًا على محبته ورعايته لهم. فهو، كأب أمين، يقوّمهم ولا يتركهم من دون تأديب كامل (وَلَا أُبَرِّئُكَ تَبْرِئَةً).