تفسير سفر التكوين – الإصحاح ١
رواية خليقة الله
أولًا. أفكار تمهيدية لدراسة الكتاب المقدَّس
أ ) نأتي إلى الكتاب المقدَّس مُوقنين بأن هناك إلهًا.
يعتبر تفسير سفر التكوين اول السفار في العهد القديم
- هناك العديد من الأسباب الفلسفيَّة والمنطقيَّة القوية التي تبرر الإيمان بالله. إلَّا أنَّ الكتاب المقدَّس لا يُقدِّم حُججًا مُفصَّلة لتأكيد وجود الله. لكنَّه يخبرنا كيف يمكننا أن نعرف أنَّ الله موجود.
- يقول الكتاب المقدَّس أنَّه يمكننا أن نعلم أنَّ الله موجود بسبب ما نراه في العالم المخلوق.
- يشرح مزمور ١:١٩-٤ هذه الفكرة هكذا: ’اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ ٱللهِ، وَٱلْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ. يَوْمٌ إِلَى يَوْمٍ يُذِيعُ كَلَامًا، وَلَيْلٌ إِلَى لَيْلٍ يُبْدِي عِلْمًا. ٣ لَا قَوْلَ وَلَا كَلَامَ. لَا يُسْمَعُ صَوْتُهُمْ. فِي كُلِّ ٱلْأَرْضِ خَرَجَ مَنْطِقُهُمْ، وَإِلَى أَقْصَى ٱلْمَسْكُونَةِ كَلِمَاتُهُمْ. جَعَلَ لِلشَّمْسِ مَسْكَنًا فِيهَا.‘
- تشرح رسالة رومية ٢٠:١ أيضًا هذه الفكرة بقولها: ’لِأَنَّ أُمُورَهُ غَيْرَ ٱلْمَنْظُورَةِ تُرىَ مُنْذُ خَلْقِ ٱلْعَالَمِ مُدْرَكَةً بِٱلْمَصْنُوعَاتِ، قُدْرَتَهُ ٱلسَّرْمَدِيَّةَ وَلَاهُوتَهُ، حَتَّى إِنَّهُمْ بِلَا عُذْرٍ.‘
- هذا مثلٌ للحجة الغائية لوجود الله. وهي الفهم أن هنالك ذكاء (عقلًا) متميّزًا بالقصد خلق العالم هذا، لأن العالم يبيّن وجود كلٍّ من القصد والذكاء. ويرى كثيرون (ومن بينهم هذا الكاتب) أن الحجة المبنية على القصد والتصميم تبقى من دون رد من الملحد واللأدري.
ب) نأتي إلى الكتاب المقدَّس مؤمنين بأنَّ الله يتكلَّم من خلاله للإنسان بشكلٍ كاملٍ وشموليّ.
- نؤمن بما هو مكتوب في ٢ تيموثاوس١٦:٣-١٧ ’كُلُّ ٱلْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ ٱللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَٱلتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَٱلتَّأْدِيبِ ٱلَّذِي فِي ٱلْبِرِّ، لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ ٱللهِ كَامِلًا، مُتَأَهِّبًا لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ.‘
- يمكننا أن ندرس الله، لكن لا يمكننا أن نضعه تحت المجهر أو نفحصه في المختبر. يمكننا أن نُدرك مَن هو فقط من خلال إعلاناته التي اختارها لنا. يمكننا أن نثق أيضًا بأنَّ ما اختاره ليخبرنا به هو مفيدٌ لنا.
- نؤمن بأنَّ الكتاب المقدَّس ينبغي أن يُفهَم حرفيًّا، أي بشكلٍ مباشر وحقيقيّ نسبةً إلى فحواه.
- إنَّ الكتاب المقدَّس هو أكثر من مُجرَّد كتاب؛ إنَّه مكتبةٌ من الكتب، وهي كُتُب كُتِبت بأشكالٍ أدبيَّة مختلفة. فبعض أجزاء الكتاب المقدَّس تعطي حقائق تاريخيَّة والبعض الآخَر شعريّ والآخر نبويّ.
- ينبغي أن نفهم الكتاب المقدَّس نسبةً إلى فحواه. فمثلًا، عندما كتب داود في مزمور ٦:٦ هذه الكلمات: ’تَعِبْتُ فِي تَنَهُّدِي. أُعَوِّمُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ سَرِيرِي بِدُمُوعِي. أُذَوِّبُ فِرَاشِي،‘ استخدم الأسلوب الأدبيّ الشعريّ. نفهم أنَّه لم يقصد حرفيًا بأنَّ دموعه عوَّمت فراشه فعامَ وفاض!
- يقول سفر المزامير ١٢٨:١١٩ ’لِأَجْلِ ذَلِكَ حَسِبْتُ كُلَّ وَصَايَاكَ فِي كُلِّ شَيْءٍ مُسْتَقِيمَةً. كُلَّ طَرِيقِ كَذِبٍ أَبْغَضْتُ.‘ فبثقةٍ كبيرة يُعلِن المرنِّم عصمة كلمة الله. إنَّها صحيحة وغير مُخطئة؛ وهي صائبة في كلِّ المواضيع التي تناولتها.
- عندما يُقدِّم الكتاب المقدَّس تاريخًا، فهو تاريخٌ صحيح وحقيقيّ؛ فالأحداث التي أعلنها حصلت كما وُصِفت.
- عندما يُقدِّم الكتاب المقدَّس شِعرًا، فهو شعرٌ صحيح وحقيقيّ؛ فالمشاعر والاختبارات كانت حقيقيَّة للكاتب، وتتَّفق مع الخبرات البشريَّة.
- عندما يُقدِّم الكتاب المقدَّس نبوَّة، فهي نبوَّة صحيحة وحقيقيَّة؛ فالأحداث الموصوفة ستحصل كما هي مكتوبة.
- عندما يُقدِّم الكتاب المقدَّس توجيهًا، فهو توجيهٌ صحيح وحقيقيّ؛ فهو بالحقيقة يُخبرنا عن مشيئة الله وأفضل طريقةٍ للحياة.
- عندما يُخبرنا الكتاب المقدَّس عن الله، فهو صحيح وحقيقيّ؛ ويُظهِر لنا طبيعة قلب وفكر الله بقَدَر استيعابنا.
- إذا لم نتعامل مع الكتاب المقدَّس بهذه الطريقة، سنأتي إليه ونتعامل معه وفقًا لمشاعرنا نحوه، ومن ثمَّ نُقرِّر ما هو صحيح أو خطأ في النص، جاعلين أنفسنا أعظم من الكلمة نفسها. بالرغم من أنَّ تعاليم الكتاب المقدَّس لها عدَّة تطبيقات، غير أنَّ لها تفسيرًا واحدًا حقيقيًّا. ففي بعض الأحيان يكون هذا التّفسير سهلًا للتَّمييز، وفي أحيانٍ أخرى غير سهلٍ للتَّمييز. إلَّا أنَّ الله قصدَ شيئًا ما عندما أعلن كلمته للبشر.
- “إنَّ الطريقة الأمثل لشرح تكوين ١ هي عدم شرحها أبدًا، بل أن نقبل النص كما هو.” موريس (Morris)
- نؤمن بأنّ الكتاب المقدَّس ليس كتابًا علميًّا؛ ولكن، عندما يتناول العلوم، فإنه يقدم الحقيقة. وعلى أية حال، إن كان الكتاب المقدَّس لا يقدم ما يمكننا برهنته علميًا، عندها لا يمكننا الاعتماد عليه لإثبات الأمور الروحيَّة التي يستحيل إثباتها بشكلٍ موضوعيّ.
ج) نأتي إلى الكتاب المقدس عالمين أنَّ النسخ التي بين أيدينا هي نسخٌ موثوقة (بالرغم من أنَّها غير كاملة) تعكس ذات الكتابات التي أوحى بها الله بشكلٍ كامل.
- ندرك ذلك عن العهد القديم بمعاينتنا للاهتمام البالغ والدقَّة اللَّذَين تميَّز بهما النسَّاخ اليهود القدماء، وظهرا بوضوح في مخطوطات البحر الميِّت.
- ندرك ذلك عن العهد الجديد لعلمنا – بسبب المخطوطات السَّابقة وعددٍ كبيرٍ من المخطوطات القديمة – بأنَّه الوثيقة القديمة الأكثر موثوقيَّة وشموليَّة بين أيدينا. ففي حقيقة الأمر، نسبة التَّساؤل عن، أو علامات الاستفهام حول، مقاطع من العهد الجديد لا تتخطَّى الواحد في المليون.
د ) نأتي إلى الكتاب المقدَّس عالمين بفرادة وأهميَّة كتاب سفر التكوين.
- لولا سفر التكوين، سيكون الكتاب المقدَّس غير مُكتملٍ، وربَّما غير مفهوم. فهو يُحضِّر الأرضيَّة لدراما الخلاص الكاملة التي تَظهر تباعًا في بقيَّة الكتاب.
- معظم العقائد المهمَّة والتَّعاليم الكتابيَّة لها أساس في سفر التكوين.
- يُقدِّم سفر التكوين أساسًا للعقائد التالية:
- الخطيَّة والسقوط والخلاص والتبرير.
- وعد المسيَّا ويسوع المسيح.
- شخصيَّة الله والأقانيم.
- ملكوت الله.
- يُظهر سفر التكوين أصول:
- الكون.
- النظام والتَّعقيد.
- النظام الشمسيّ.
- الجو والفضاء الخارجيّ.
- الحياة والإنسان والزواج.
- الخير والشرّ.
- اللُّغة والحكومات والثقافة والمجتمعات والدّين.
- لأنَّ الناس تخلَّوا عن الحق المعلَن في سفر التكوين، كانوا يعيشون في مثل هذه الفوضى.
- يُقدِّم سفر التكوين أساسًا للعقائد التالية:
- إنَّ سفر التكوين مُهمٌّ بالنسبة إلى العهد الجديد. فهناك ما لا يقلُّ عن ١٦٥ مقطعًا في سفر التكوين مُشارٌ إليه أو مُقتبَسٌ منه في العهد الجديد؛ والعديد منها مُقتبسٌ أكثر من مرَّة واحدة. فهناك على الأقلّ ٢٠٠ اقتباس أو تلميح لسفر التكوين في العهد الجديد.
- تكلَّم المسيح في يوحنا ٤٦:٥-٤٧، عن أهميَّة تصديق ما كتبه موسى: “لِأَنَّكُمْ لَوْ كُنْتُمْ تُصَدِّقُونَ مُوسَى لَكُنْتُمْ تُصَدِّقُونَنِي، لِأَنَّهُ هُوَ كَتَبَ عَنِّي. فَإِنْ كُنْتُمْ لَسْتُمْ تُصَدِّقُونَ كُتُبَ ذَاكَ، فَكَيْفَ تُصَدِّقُونَ كَلَامِي؟.” لا يمكننا بصدق وثبات أن نقول إنَّنا نؤمن بيسوع إن كنَّا لا نؤمن بسفر التكوين!
- “كتب مارتن لوثر: ’أرجو وأحذِّر بمحبة كلَّ مؤمن تقيّ أن لا يتعثَّر ببساطة اللُّغة والقصص المذكورة في سفر التكوين. لا يجب أن يشك، بالرغم من بساطتها الظاهرة، أنها كلمات وأفعال ودينونات الله صاحب الجلالة والقوّة والحكمة.‘” بويس (Boice)
هـ) وفقًا للعهد الجديد، فإن موسى هو مَن كتب سفر التكوين (لوقا ٢٧:٢٤؛ ٤٤:٢٤). ويمكننا التَّخمين بأنَّه فعل ذلك بمساعدة العديد من السجلّات المكتوبة منذ القديم التي حَفِظها الله.
- هناك إشارات لبداية ونهاية هذه السجلّات. لاحظ صياغة هذه النصوص: تكوين ٤:٢؛ ١:٥؛ ٩:٦؛ ١:١٠؛ ١٠:١١؛ ٢٧:١١؛ ١٢:٢٥؛ ١٩:٢٥؛ ١:٣٦؛ ٩:٣٦؛ و٢:٣٧.
- توجد جُمَل في هذه المقاطع مثل: ’هذا هو تاريخ‘ و ’هذا كتاب‘ و ’هذه سلسلة نسَب‘ قد تُشير إلى بداية أو نهاية السجلّات التي جمعها موسى.
- “إذًا، من الممكن أنَّ سفر التكوين قد كُتِب بواسطة شهود عيان لأحداثٍ مُدوَّنة في داخله. وهناك احتمال أنَّ الروايات الأصليَّة سُجِّلت على طاولاتٍ من الحجر أو الطين، كما كانت العادة تُمارَس في البدايات، ومن ثمَّ انتقلت بالتَّوارد من الأب إلى الابن، ثمَّ ختامًا أصبحت في متناوَل موسى. ربّما اختار موسى أقسامًا مناسبة لتجميعها، وأدخل الإضافات والتعليقات في الافتتاحيات كمُحرِّر، ومن ثمَّ تدرَّج بشكلٍ سلسٍ من وثيقة إلى أخرى، مُقدِّمًا في النهاية النتيجة ألا وهي سفر التكوين الَّذي وصل إلينا.” موريس (Morris)
ثانيًا. الأيَّام الخمسة الأولى للخَلْق
أ ) الأهميَّة الفلسفيَّة لمعرفة الله كخالِق.
- أعلن الفيلسوف جون بول سارتر (Jean-Paul Sartre) وكثيرون غيره أن المشكلة الأساسيَّة للفلسفة هي كالتالي: هناك شيءٌ ما، بدلًا من لا شيء. لماذا؟ ذلك لأنَّ كلَّ شيءٍ في حياتنا ينبع من جواب هذا السُّؤال.
- إن كان كلُّ شيءٍ حولنا، بما فيه ذواتنا، هو نتيجة حوادث عشوائيَّة لا معنى لها بعيدة عن عمل الله الخالق، فهي إذًا تقول شيئًا عنا وإلى أين نحن والكون متجهون. وإذا كان هذا هو الحال، عندها تصبح الكرامة أو الشرف الَّذي نضفيه على الإنسان مجرَّد عواطف خالِصة، لأنَّنا لا نزيد أهميَّة عن أصغر الخلايا، ولا يوجد أيُّ قانون كونيّ أكبر وأهمّ من بقاء الأفضل.
- منذ حوالي مئة سنة، كان هناك فيلسوفٌ ألمانيّ اسمه آرثر شوبنهاور (Arthur Schopenhauer). وكعادته، كان يرتدي ثيابًا رثَّة كمُتشرِّد. وفي يومٍ من الأيَّام، جلس على مقعدٍ في حديقةٍ في برلين، وكان يُفكِّر مليًّا. أثار وجوده شبهات أحد رجال الشرطة، فما كان منه إلَّا وأن سأل الفيلسوف المتخفِّي عن مَن هو. أجاب شوبنهاور: ’أتمنى لو كنت أعرف من أنا.‘
- إنَّ الطريقة الوحيدة التي يمكننا من خلالها أن نكتشف مَن نحن هي من الله. والمكان الأفضل لذلك يبدأ من سفر التكوين.
- هناك عدَّة إجاباتٍ مُحتملة للسُّؤال عن كيف أتى كلُّ شيءٍ إلى الوجود. ويقول البعض، لم يكن هناك شيء على الإطلاق والآن يوجد شيء. أمَّا البعض الآخَر (بمَن فيهم الكتاب المقدَّس) فيقول أنَّه قبل الخليقة كان هناك كائنٌ شخصيّ.
- هناك قصَّة تقول أنَّه في يومٍ من الأيَّام قرَّر الطلاب في أحد صفوف الفيزياء التي يُعلِّمها أحدُ الأساتذة – مثل ألبرت أينشتاين – أن لا وجود لله. سألهم الأُستاذ عن مقدار المعرفة التي يملكونها كصف. تباحَث الطلاب بالأمر لوقتٍ ما وقرَّروا أنَّهم يمتلكون نسبة ٥٪ من المعرفة الإنسانيَّة. فكَّر الأُستاذ مليًّا مُعتقدًا بأنَّ تقديرهم كان مبالغًا بعض الشيء، وسألهم: “هل من الممكِن أن يكون الله في الـ ٩٥ ٪ التي لا تملكونها!”
ب) الآية (١): بيان بسيط عن الله الخالق.
١فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ.
- خَلَقَ ٱللهُ: سيُفصَّل هذا البيان الموجَز في الأعداد القادمة، إلَّا أنَّ الكتاب المقدَّس يُعلن ببساطة وبشكلٍ مباشر أنَّ العالَم لم يخلُق نفسه أو أنه أتى إلى الوجود بالصدفة. لقد خُلِق بواسطة الله الَّذي بحسب التَّعريف هو كائن أبديّ أزلي.
- “لم يكن صدفة أنَّ الله هو موضوع العدد الأوَّل من الكتاب المقدَّس، لأنَّ هذه الكلمة تُسيطر على كامل الأصحاح وتجذب الأنظار في كلِّ نقطةٍ فيه: لقد استُخدِمت الكلمة حوالي ٣٥ مرَّةً في قصة الخلق.” كيدنر (Kidner)
- إذا كنت تؤمن في الآية ١ من سفر التكوين ١، فلن تجد صعوبة في تصديق بقية الكتاب المقدَّس. فالله العظيم الذي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، قادر أن يحقق كلّ ما قاله الكتاب المقدَّس عنه.
- ٱللهُ: هي الكلمة العبريَّة القديمة لكلمة ’ألوهيم‘ (Elohim). لغويًّا، إنَّها كلمة جمع تُستخدَم بالمفرد. فالأفعال والضمائر المستخدمة مع ’ألوهيم‘ يجب أن تكون بالجمع، ولكن عندما تشير ’ألوهيم‘ إلى الرَّبِّ الإله، فالأفعال والضمائر تُستخدَم بالمفرد.
- يقتبس آدم كلارك (Adam Clark) من المعلم اليهودي سمعان بن جواشي (Simeon ben Joachi) الَّذي علَّق على كلمة ’ألوهيم‘: “تعال وانظر خفايا كلمة ’ألوهيم‘؛ هناك ثلاث درجات، وكلُّ درجة مميزة بمفردها، ومع ذلك فهم جميعًا واحد، وعند اتِّحادهم يشكِّلون واحدًا لا يمكن فصلهم عن بعض.” يضيف كلارك: “يكون متحيِّزًا بشكلٍ غريب كلُّ مَن لا يرى عقيدة الثَّالوث في هذه الكلمات أعلاه.”
- قال لوثر عن كلمة ’ألوهيم‘ ما يلي: “يوجد عندنا شهادة واضحة أنَّ موسى قصد أن يشير إلى الثَّالوث أو الأشخاص الثلاثة بطبيعةٍ إلهيَّة واحدة.” مُقتبَس من ليوبولد (Leupold).
- خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ: إنَّ الحقيقة البسيطة عن خليقة الله رائعة جدًّا عندما نفكر في عظمة الكون.
- تحتوي المجرَّة على البلايين من النجوم: تحتوي مجرَّتنا وحدها (مجرَّة باب التبَّانة) على ٢٠٠ بليون نجم. تبدو مجرَّتنا كلولبٍ ضخم، يدور في الفضاء، مع أذرعٍ تُشبه المروحة، وتقف شمسنا كنجمٍ على إحدى هذه الأذرع. ولكن، هذه فقط مجرَّتنا؛ هناك الكثير من المجرَّات بأشكالٍ مختلفة، بما فيها اللَّوالِب والمجموعات الكرويَّة والفطائر المسطَّحة. وتُقدَّر المسافة بين مجرَّةٍ وأُخرى بحوالي ٢٠ مليون بليون ميل. والمجرَّة الأقرب إلينا هي مجرَّة أندروميدا التي تبعد حوالي ١٢ مليون بليون ميلًا.
- إذا نظرت إلى كلِّ بقعةٍ من السماء بحجم القمر، ونظرت بعمق، فسترى حوالي مليون مجرَّة.
- لكنَّ الله صنع كلّ هذه بنفسه: ’وَيَدِي أَسَّسَتِ ٱلْأَرْضَ، وَيَمِينِي نَشَرَتِ ٱلسَّمَاوَاتِ. أَنَا أَدْعُوهُنَّ فَيَقِفْنَ مَعًا.‘ (إشعياء ١٣:٤٨).
- لكنَّ الله أكبر وأعظم من كلِّ خليقته: ’مَنْ كَالَ بِكَفِّهِ ٱلْمِيَاهَ، وَقَاسَ ٱلسَّمَاوَاتِ بِٱلشِّبْرِ، وَكَالَ بِٱلْكَيْلِ تُرَابَ ٱلْأَرْضِ، وَوَزَنَ ٱلْجِبَالَ بِٱلْقَبَّانِ، وَٱلْآكَامَ بِٱلْمِيزَانِ؟‘ (إشعياء ١٢:٤٠).
- خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ: إذا خلق الله السَّماوات والأرض، عندها يجب أن نضع جانبًا وإلى الأبد فكرة أنَّ أيّ شيءٍ يحدث بالصدفة. فالصدفة مجرَّد وصفٍ لاحتمالٍ إحصائيّ يتعلَّق بحدوث أمرٍ ما. فالصدفة وحدها لا تستطيع عمل أو أداء أيِّ شيء.
- يقع الكثير من الناس الأذكياء تحت هذا الوهم. جاك مونوا (Jacques Monod)، عالم الكيمياء الحيويَّة، كتب: “الصدفة وحدها هي مصدر كلِّ اختراع، كلِّ الخليقة في المحيط الحيويّ. فمحض الصدفة، مجانيّ تمامًا ولكن أعمى، هو جذر هذا الصرح الهائل للتطوُّر.”
- ولكن مَنْح هذه القوَّة للصدفة غير منطقيّ. لا تمتلك الصدفة أيَّة قوَّة. مثلًا، عند رمي عملة معدنية في الهواء، فإن احتمال أن تحطَّ أرضًا بالرأس أو الذيل هو ٥٠ ٪. ولكن، لا يمكن للصدفة أن تجعل العملة تنقلب رأسًا أو ذيلًا. فالعملة تنقلب نسبةً إلى القوَّة التي أُلقيت بها، وإلى قوَّة حركة الهواء وضغطه. إذًا، الصدفة لا تستطيع أن تعمل أيّ شيء، لكنَّها تصف الإحتمال.
- لبضع سنواتٍ خلَت، التمس العالِم كارل ساجان (Carl Sagan) من حكومة الولايات المتحدة الحصول على منحة لدعم الأبحاث الرامية إلى اكتشاف الحياة في الفضاء الخارجيّ. كان يتمنَّى أن يجد دليلًا على الحياة باستخدامه أداة فائقة الحساسيَّة تجذب ذبذبات الراديو من الفضاء البعيد. عندما وصلته هذه الذبذبات، بحث عن النظام والنمط اللَّذَين يُظهِران أنَّ هذه الإشارات منبعثة من حياةٍ ذكيَّة. وبنفس الطريقة، فإنّ نظام الكون يُظهر أنَّه مُهندَس بواسطة حياةٍ ذكيَّة، وليس صدفةً. يكتشف العلماء الصدفة بذبذبات الراديو (بشكل ثابت بدون نمط)، لكنَّها لا تخبرهم بشيء.
- لذلك، عندما يقول أحدهم أنَّ الكون أو أيّ شيءٍ آخَر أتى بالصدفة، يُمكن القول أنَّه وبالرغم من خبرتهم ومهارتهم في حقولٍ أُخرى، فعندما يتعلق الأمر بهذا الموضوع فهُم جُهَّال ومؤمنون بالخرافات وببساطةٍ يردِّدون نظرية مُتعبة تمّ دحضها قبلًا، ولكنَّها مقبولة بدون جدل أو تفكير.
- خَلَقَ اللهُ: مُتأصِّلة في فكرة الله أنَّه خالقٌ ومُصمِّمٌ ذكيّ. فقط المصمِّم الذكيّ يمكنه أن يخلق كونًا حسنًا، وليس الصدفة. فكونُنا هو كونٌ صحيح. فبالنسبة إلى هيو روس (Hugh Ross) في كتابه ’بصمات الله‘ (The Fingerprint of God):
- يمتلك الكون قوَّةً دقيقة للجاذبيَّة.
- إذا كانت أكبر، تصبح النجوم حارَّة فتحترق بسرعة وتصبح غير صالحة لتدعيم الحياة.
- إذا كانت أصغر، تصبح النجوم باردة والتَّفاعل النوويّ لا يتَّقِد وسنفقد الحرارة والضوء.
- يمتلك الكون سرعة دقيقة للضوء.
- إذا كانت أكبر، سترسل النجوم كميَّة كبيرة من الضوء.
- إذا كانت أصغر، لن ترسل النجوم كميَّة كافية من الضوء.
- يمتلك الكون مسافاتٍ دقيقة ومحددة بين النجوم.
- إذا كانت أكبر، ستصبح كثافة العنصر الثقيل خفيفة وبالتالي لا يمكن تكوُّن الكواكب الصخريَّة، وسيكون هناك كواكب غازية فقط.
- إذا كانت أصغر، ستصبح مسارات الكواكب غير ثابتة بسبب عوامل الجاذبيَّة التي تُسبِّبها النجوم.
- يمتلك الكون تَقاطُبًا دقيقًا مضبوطًا لجزيئات الماء.
- فإذا كانت أكبر، تصبح حرارة الإلتحام والتَّبخُّر كبيرة وغير صالحة للحياة.
- وإذا كانت أصغر، تصبح حرارة الإلتحام والتَّبخُّر صغيرة وغير صالحة للحياة أيضًا، ويصبح الماء غير صالحٍ للتَّفاعلات الكيميائيَّة، والجليد لا يطفو، مما يؤدّي إلى التَّجمُّد.
- يمكننا الإستنتاج بأنَّه لا يوجد صدفة بأن يخلق هذا الكون نفسه، من دون تدخُّل مُهندسٍ ومُصمِّمٍ ذكيّ.
- يمتلك الكون قوَّةً دقيقة للجاذبيَّة.
- فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ: يقول لنا هذا بأنَّ الله لم يستخدم مواد موجودة مُسبقًا لخلق الأرض. فالكلمة العبريَّة القديمة ’بارا‘ أو ’bara‘ (خلق) (Created) مُحدَّدة. وتعني ’خلق من العدم،‘ مُشيرة إلى أنَّ الله خلق العالم من لا شيء، وليس من ذاته. فالله ليس جزءًا من خليقته. وخلافًا للتَّصوُّرات الشرقيَّة التي تنادي بوحدة الوجود مع الله، يعلِّم الكتاب المقدَّس أنَّ الكون يمكنه أن يزول أمَّا هو فسيبقى.
- لا يمكن للبشر أن يخلقوا بمفهوم العبارة المستخدمة في تكوين ١:١. يمكننا التنظيم والتشكيل من مواد موجودة. وأقرب شيءٍ للخلق يمكننا أن نعمله هو استنساخ ذواتنا جنسيًّا. فقد يكون هذا الأمر أحد الأسباب التي تجعل الشيطان يريد أن يحوِّر ويُدمِّر خطَّة الله ونظامه بالنسبة إلى الجنس؛ فهذا يتَّصل بعمقٍ بكوننا على صورة الله ومثاله.
ج) تعليم الكتاب المقدَّس الواضح عن خليقة الله وعدم يقينيَّة العلم الحديث.
- يتصرَّف بعض العلماء بيقين معرفتهم عن أصل الكون، ولكن تُبرهن اكتشافاتهم المثيرة، بعددٍ من الطرق، بأنَّهم يتلمَّسون الظلام في طريقهم. أمَّا العلماء الصَّادقون، أولئك الَّذين يقاومون الغطرسة أو الكبرياء، يقدِّرون كم معرفتهم ضئيلة، ويضفون التواضع على اكتشافاتهم الحاليَّة.
- بعض العلماء يبدون وكأنَّهم متأكِّدون من معرفتهم حول الكون، لكنَّنا لا يجب أن نقبل هذا الكبرياء. فالمشهد العلميّ يتغيَّر باستمرار ويمكن تمثيله بمقالةٍ علميَّة نُشِرت في جريدة ’Los Angeles Times‘ مُعنونة: ’الإنفجار الكبير وما أتى بعدَهُ‘:
- في البدء كان الضوء، ولكن أيضًا الجسيمات الأولية والإلكترونات. أطلق الإنفجار الكبير طاقةً هائلة تكثَّفت إلى الإشعاع والجسيمات. تجمَّعت الكواركات (الجسيمات الأولية) إلى بروتونات وانحرفت بشكلٍ متوهِّجٍ ولزجٍ كوَّن شكل النجم. ومضى زهاء ٣٠٠،٠٠٠ سنة من الوقت. توسَّع الفضاء. وبرُدَت المادَّة. واتَّحدت الإلكترونات والبروتونات المضادَّة في نواةٍ من الهيدروجين التي ولِد منها أُولى الذرَّات. وأصبح الفضاء بين الذرَّاتِ شفَّافًا مثل الكريستال الَّذي نعرفه اليوم. أمَّا الباقي فهو تاريخ. اتَّحدت الذرَّات لِتكوِّن غيومًا من الغبار التي كبرت إلى نجومٍ ومجرَّاتٍ ومجموعاتٍ من المجرَّات. واستنفذت النجوم طاقتها النوويَّة، فسقطت وانجرَّت بدوراتٍ متكرِّرة، مسبِّبةً اتِّحاد المواد في طريقها. ومن حينٍ إلى آخَر، تكثَّف كوكبٌ بثبات حول نجمٍ من الجيل الثاني حيث يشكِّل الكربون أساس الحياة التي نمت إلى أنماطٍ مختلفة بحسب ما يفهمها علماء الكونيَّات.
- في سنة ١٩١٣، اكتشف عالمُ فلَك في أريزونا أن َّالنجوم تبدو وكأنَّها تتَّجه بعيدةً عن الأرض وبسرعةٍ هائلة، بحدود مليوني ميل في الساعة. وفي سنة ١٩١٩، استخدم عالِمٌ أمريكيٌ آخَر اسمه إدوين هابل (Edwin Hubble) هذه المعلومات ليطوِّر نظريَّة توسُّع الكون التي تعتبر أساس فكرة الإنفجار الكبير. وفي وقتٍ سابق، اكتشف علماء آخرون أشعَّة قادمة من أجزاء مختلفة من الكون اعتبروها أنَّها بقايا الإنفجار الكبير. إلَّا أنَّ العلماء بالحقيقة لا يمكنهم معرفة تلك اللَّحظة التي بدأ فيها الكون.
- في الحقيقة، كلَّما اكتشفوا أمرًا ما، كلَّما اكتشفوا أنَّهم لا يعرفون شيئًا. واجه علماء الفيزياء الفلكيَّة في وقتٍ ما تحدِّيًا آخَر: محاولة معرفتهم للمادَّة المظلمة (Dark Matter). ويستخدم العلماء هذا المصطلَح لشرح الجاذبيَّة المفرطة في الكون. قد تشكِّل المادَّة المظلمة ٩٩،٩ ٪ من كلِّ شيء في الكون، لكن لا أحد يدري ما هي. وبالرغم من تقديم بعض الاقتراحات، فهي تبقى مجرَّد اقتراحات. يقول ديفيد أو. كالدويل (David O. Caldwell) من جامعة كاليفورنيا في سانتا بربارة: “عندما يتعلَّق الأمر بالمادَّة المظلِمة، فإنَّ الشيء الوحيد المتأكِّدين منه هو وجودها.” لكن في الحقيقة، حتَّى في هذا يختلف العلماء. يقول مايكل س. تيرنر (Michael S. Turner)، عالمُ الفيزياء الفلكيَّة من جامعة شيكاغو، التالي: “إنَّه لأمرٌ في غاية التَّواضع أن يكون أصل وتكوين وطاقة وحجم أكثر المواد شيوعًا في الكون غير معروف.”
- تظهر هذه الشكوك في الصفحة الرئيسيَّة لمقالٍ نُشِر في ’Los Angeles Times‘ في مارس-آذار ٦، ١٩٩٥، بعنوان: ’إعادة التفكير في الأسئلة الكونيَّة.‘
- منذ أن وقف الناس أوَّلًا وسط الأعشاب الطويلة وتطلَّعوا نحو العالَم بإعجاب، كان الدّين والميثولوجيا والعلوم جميعها تتصارع كيف أتى هذا العالَم إلى الوجود. ولكن عندما تأتي إلى قصص الخلق، فإنَّ قلَّة هم من يستطيعون حمل مشعلٍ للقصَّة التي وضعها علماء الكونيات الحديثون.
- إذا عدنا بعقارب الزمن الكونيّ إلى الوراء حوالي ١٥ بليون سنة، يصفون وقتًا قبل الوقت، ومكانًا قبل وجود الفضاء. ومن لا شيء ومن دون مكانٍ محدَّد، تتفجَّر كل هذه الطاقة والمادَّة إلى حيِّز الوجود بحدث أُسمي ’الإنفجار الكبير.‘
- وإن كان علماء الفلك يحيكون ببراعة أفكارًا نابعة من الإيمان والمعادلات، فهم لا يمتلكون الكثير من البيانات. فلا يمكنهم رؤية أو قياس هذه الظاهرة التي يحاولون تفسيرها. يقول العالم الفيزيائيّ روبرتو بيتشي (Roberto Peccei) من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجيلوس: ’منذ خمسةٍ وعشرين عامًا، كان علم الفلَك قريبًا جدًا من الدّين.‘
- ويقول عالِم الفلَك التَّجريبيّ كريس ستابس (Chris Stubbs) من جامعة واشنطن: ’تجد تلك الأمور البعيدة جدًّا والخافتة أو المبهمة وتحاول أن تجد المنطق فيها.‘
- كما قال روكي كولد (Rocky Kold) من مختبر الفيزياء في إلينوي: ’في بعض الأحيان، أفتقد إلى تلك الأيَّام القديمة عندما كنت أجلس في مكان عملي غير آبهٍ أنَّ أحدًا ما سيناقض نظريَّتي في بضعة أسابيع.‘
- ويقول عالم الفلَك ديفيد ويلكينسون (David Wilkinson) من جامعة برينستون: ’إنَّ الكثيرين منَّا عملوا في هذا الحقل لعشرات السنين ولا يزالون قلقين بأنَّ كلَّ ما بنَوه سيسقط.‘
- تشير الملاحظات حديثة على سبيل المثال، بأنَّ الكون أحدث من نجومه القديمة، وهو لغز ومعضلة يحاول علماء الفلَك شرحهما.
- أمَّا ذلك اللُّغز الأكبر الَّذي يضرب العلماء مُظهرًا إيَّاهم وكأنَّهم أغبياء هو التالي: ’إنَّ ٩٩ ٪ من الكون، بحسب بعض التقديرات، مؤلَّف من مواد غير مألوفة. معروفة بالمادَّة المظلمة أو السوداء، إنَّها في الحقيقة شفَّافة، ولا تشعُّ أو تلقي بظلالها.‘ مهما كانت، فهي لا تشبهنا … وبالنسبة إلى بعض النظريات، إنَّها كالصمغ الذي يجمع الكون معًا ويمنعه من التمدُّد للأبد نحو الفضاء اللَّامتناهي.
- ’إنَّ دراسة أصل الإنسان تبدو حقلًا واسعًا يقود فيه الإكتشاف إلى نقاشٍ مُعقَّد من عدم اليقين‘ (كريستوفر سترينجر ’Christopher Stringer‘ من متحف لندن الطبيعيّ).
د ) قد يُشكِّك البعض بقدرة الكثيرين من العلماء الحديثين على الإجابة عن سؤال الأصول. لكن هذا لا يعطينا بشكلٍ أتوماتيكيّ الثقة بالجواب الموجود في سفر التكوين. إذ يعتقد البعض أنَّ سفر التكوين يُسجِّل أسطورة الخلق المقصود منها إظهار عظمة الله بشكلٍ شعريّ فخم. وبالرغم من وجود بعض العناصر الشعريّة في هذا التَّسجيل، نؤمن أنَّه كُتِب لتسجيل واقعٍ تاريخيّ. وتظهر كُتُب مقدَّسة أخرى، تناولت نفس أسلوب سفر التكوين ١، ذلك.
- يربط مزمور ١٣٦ رواية سفر التكوين عن الخلق ببقيَّة التَّاريخ الإسرائيليّ بغاية السلاسة. إذ لم توضَع رواية الخلق ضمن قائمة التاريخ الخياليّ.
- اقتبس يسوع من سفر التكوين مُعتبرًا إيَّاه مرجعًا تاريخيًّا موثوقًا (متَّى ٤:١٩-٦؛ ٣٥:٢٣).
- كتب ك. س. لويس (C.S. Lewis)، عندما سمع عن أحد الباحثين الكتابيِّين باعتقاده أنَّ رواية سفر التكوين عن الخلق هي أسطورة، أنَّه لا يريد أن يعرف عن كفاءات هذا الرجل كباحثٍ كتابيّ، بل أراد أن يعرف كم من الأساطير قرأ هذا الرجُل. كانت الأساطير مهنة لويس كباحثٍ أدبيّ، فكان يجدر به أن يرى أنَّ الرواية الكتابيَّة عن الخلق ليست أسطورة.
- صحيح أنَّ سفر التكوين لم يُكتَب بالدرجة الأولى كوثيقة علميَّة. ولكن، إذا أعطانا الله تفصيلات علميَّة حول الخلق، مكتوبة بلغةٍ علميَّة، فلن يكون بمقدور أحد أن يفهمها، ولن تكون هناك نهاية لهذه الرواية الطويلة. حتى ولو كُتِبت بلغَّةِ القرن العشرين العلميَّة، فلن تكون ذات معنى للأجيال السَّابقة ولا للأجيال المستقبليَّة على حدٍّ سواء.
- ’مَجْدُ ٱللهِ إِخْفَاءُ ٱلْأَمْرِ، وَمَجْدُ ٱلْمُلُوكِ فَحْصُ ٱلْأَمْرِ‘ (أمثال ٢:٢٥). إنَّ البحث العلميّ هو فخر الإنسان؛ لكن يجب أن يُعمَل بتواضع شديد، عالمين أنَّ الله يُخفي هذه المسائل عن الإنسان كي يبحث عنها.
هـ) عمل الله كلَّ هذا فِي الْبَدْءِ، لكن هناك الكثير قبل الْبَدْءِ.
- فِي الْبَدْءِ … اللهُ: كان الله نفسه قبل البدء: ’كُرْسِيُّكَ مُثْبَتَةٌ مُنْذُ ٱلْقِدَمِ. مُنْذُ ٱلْأَزَلِ أَنْتَ‘ (مزمور ٢:٩٣). بعض التساؤلات تعكر صفو البعض: ’من أين أتى الله؟‘ و’مَن خلق الله؟‘ الجواب موجود في ماهيَّة الله – أي أنَّ الله كائنٌ غير مخلوق، أبديّ – بدون بداية أو نهاية.
- يظهر ذلك في العديد من المقاطع الكتابيَّة. ’يَا رَبُّ، مَلْجَأً كُنْتَ لَنَا فِي دَوْرٍ فَدَوْرٍ. مِنْ قَبْلِ أَنْ تُولَدَ ٱلْجِبَالُ، أَوْ أَبْدَأْتَ ٱلْأَرْضَ وَٱلْمَسْكُونَةَ، مُنْذُ ٱلْأَزَلِ إِلَى ٱلْأَبَدِ أَنْتَ ٱللهُ‘ (مزمور ١:٩٠-٢).
- استخدم ج. إدوين أور (J. Edwin Orr) تعريفًا لا يُنسى عن الله كان دقيقًا كتابيًّا: ’إنَّ الله غير المحدود والأبديّ والروح غير المتغيِّر هو الكائن الكامل الَّذي منه تبدأ وتستمرّ وتنتهي كلُّ الأشياء.‘
- فِي الْبَدْءِ … اللهُ: كان الله في ثلاثة أقانيم (أشخاص) قبل البداية، واشترك الأقانيم بعلاقة محبَّة وتعاون: ’وَٱلْآنَ مَجِّدْنِي أَنْتَ أَيُّهَا ٱلْآبُ عِنْدَ ذَاتِكَ بِٱلْمَجْدِ ٱلَّذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ قَبْلَ كَوْنِ ٱلْعَالَمِ … أَيُّهَا ٱلْآبُ أُرِيدُ أَنَّ هَؤُلَاءِ ٱلَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي يَكُونُونَ مَعِي حَيْثُ أَكُونُ أَنَا، لِيَنْظُرُوا مَجْدِي ٱلَّذِي أَعْطَيْتَنِي، لِأَنَّكَ أَحْبَبْتَنِي قَبْلَ إِنْشَاءِ ٱلْعَالَمِ‘ (يوحنَّا ٥:١٧، ٢٤).
- فِي الْبَدْءِ … اللهُ: قبل البدء كان هناك قصدٌ أبديٌ في قلب الله (أفسس ١١:٣)، أن يجمع إلى واحد كلّ الأشياء في المسيح (أفسس ١٠:١). كان قصد الله أن ’يحُلَّ‘ أو ’يجمع‘ كلَّ الأشياء في يسوع وكأنَّ يسوع نفسه كان الجواب لمشكلةٍ عظيمة ومُعقَّدة كتبها الله على ’لوحة‘ الكون.
- فِي الْبَدْءِ … اللهُ: قبل البدء كان لله خطَّة لإتمام قصده الأبديّ، أُعلن الكثير من جوانبها لنا:
- كانت إرساليَّة المسيح مُقرَّرة مسبقًا قبل تأسيس العالَم: ’مَعْرُوفًا سَابِقًا قَبْلَ تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ، وَلَكِنْ قَدْ أُظْهِرَ فِي ٱلْأَزْمِنَةِ ٱلْأَخِيرَةِ مِنْ أَجْلِكُمْ‘ (١ بطرس ٢٠:١).
- كان وعد الحياة الأبديَّة قبل أن يبدأ الزمان: ’عَلَى رَجَاءِ ٱلْحَيَاةِ ٱلْأَبَدِيَّةِ، ٱلَّتِي وَعَدَ بِهَا ٱللهُ ٱلْمُنَزَّهُ عَنِ ٱلْكَذِبِ، قَبْلَ ٱلْأَزْمِنَةِ ٱلْأَزَلِيَّةِ‘ (تيطس ٢:١).
- أُعلِن سرُّ الإنجيل (الصليب) المقرَّر سابقًا قبل أجيال الدُّهور: ’بَلْ نَتَكَلَّمُ بِحِكْمَةِ ٱللهِ فِي سِرٍّ: ٱلْحِكْمَةِ ٱلْمَكْتُومَةِ، ٱلَّتِي سَبَقَ ٱللهُ فَعَيَّنَهَا قَبْلَ ٱلدُّهُورِ لِمَجْدِنَا‘ (١ كورنثوس ٧:٢).
- إنَّ النعمة التي أُعطيت لنا قد أُعطيت قبل الأزمنة الأزليَّة: ’ٱلَّذِي خَلَّصَنَا وَدَعَانَا دَعْوَةً مُقَدَّسَةً، لَا بِمُقْتَضَى أَعْمَالِنَا، بَلْ بِمُقْتَضَى ٱلْقَصْدِ وَٱلنِّعْمَةِ ٱلَّتِي أُعْطِيَتْ لَنَا فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ قَبْلَ ٱلْأَزْمِنَةِ ٱلْأَزَلِيَّةِ‘ (٢ تيموثاوس ٩:١).
- اختير المؤمنون بيسوع المسيح فيه قبل تأسيس العالَم: ’كَمَا ٱخْتَارَنَا فِيهِ قَبْلَ تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ، لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ وَبِلَا لَوْمٍ قُدَّامَهُ فِي ٱلْمَحَبَّةِ‘ (أفسس ٤:١).
- فِي الْبَدْءِ … اللهُ: في وقتٍ ما قبل البدء، خلق الله الملائكة لأنَّهم سيكونون شهودًا على خلق السَّموات والأرض (أيوب ٧:٣٨).
و ) الآية (٢): حالة الأرض قبل تنظيم الله الخليقة.
وَكَانَتِ ٱلْأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً، وَعَلَى وَجْهِ ٱلْغَمْرِ ظُلْمَةٌ، وَرُوحُ ٱللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ ٱلْمِيَاهِ.
- وَكَانَتِ ٱلْأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً: يُترجِم البعض هذه الفكرة في هذا العدد على الشكل التالي: ’وأصبحت ٱلْأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً.‘ يتمحور هذا الفكر حول خلق الأرض من دون شكل وهي خالية، لكنَّها أصبحت خربة وخالية بسبب العمل التدميريّ للشيطان. مع ذلك، ليس هذا هو المعنى اللُّغويّ البسيط للعبريَّة القديمة.
- ينظر الَّذين يتبعون هذه الفكرة إلى إشعياء ١٨:٤٥: ’لِأَنَّهُ هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: خَالِقُ ٱلسَّمَاوَاتِ هُوَ ٱللهُ. مُصَوِّرُ ٱلْأَرْضِ وَصَانِعُهَا. هُوَ قَرَّرَهَا. لَمْ يَخْلُقْهَا بَاطِلًا (فارغًا). لِلسَّكَنِ صَوَّرَهَا. أَنَا ٱلرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ.‘ تُعنى الفكرة هنا بأنَّ الله لم يخلق العالَم فارغًا (الكلمة العبريَّة هي ذاتها الكلمة المستخدمة لـ ’خالية‘ في تكوين ٢:١).
- بناءً على هذه الأفكار، طوَّر البعض ما سُمِّيَ بـ ’نظريَّة الفراغ أو الفجوة.‘ إنَّها الفكرة التي تنادي بوجود حقبة طويلة وغير مُحدَّدة بين تكوين ١:١ وتكوين ٢:١. معظم المدافعين عن ’نظريَّة الفراغ أو الفجوة‘ يستخدمونها لشرح سجلِّ الحفريَّات، عائدين بالحفريَّات القديمة والمنقرضة إلى هذه الحقبة غير المحدَّدة.
- بالرغم من وجودِ ميِّزة لهذه النظريَّة، لا يمكنها تفسير انقراض وتحجُّر الحيوانات القديمة. يقول الكتاب المقدَّس بصراحة أنَّ الموت دخل إلى العالَم بآدم (رومية ١٢:٥)، وبما أنَّ الحفريَّات كانت نتيجةً للموت، فلا يمكن أن يكون قد حدث هذا قبل وقت آدم.
- وَعَلَى وَجْهِ ٱلْغَمْرِ ظُلْمَةٌ: قد يشرح هذا نوعًا من المقاومة لعمل الروح القدس في الأرض. يُخمِّن البعض حصول هذا نتيجةً لسقوط الشيطان إلى الأرض (إشعياء ١٢:١٤؛ حزقيال ١٦:٢٨) مقاومًا ومناقضًا خطَّة الله، بالرغم من أنَّ مقاومته هذه كانت غير مُجدية.
- وَرُوحُ ٱللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ ٱلْمِيَاهِ: عندما بدأ الله بتغيير الأرض إلى شيءٍ جميل منسجِم مع خطَّته العظمى، بدأ بعمل رُوح ٱللهِ. فالروح القدس هو الذي يبدأ كل عملية خلق وإعادة الخلق.
- “كان أوَّل عملٍ إلهيّ لجعل هذا الكوكب صالحًا لسُكنى الإنسان هو أن يرُفَّ روح الله على وجه المياه. وحتَّى ذلك الوقت، كان كلُّ شيءٍ بدون شكل وخالي وغير صالح للاستعمال وفي حالةٍ من الإرتباك. وبكلمةٍ أخرى، كان كلُّ شيءٍ فوضويًّا؛ ولكي يعود إلى الجمال الأصليّ، بالرغم من أنَّه عالَمٌ ساقِط، كانت الحاجة إلى تحرُّك روح الله فوقه. سبيرجن (Spurgeon)
- كتب ليوبولد (Leupold) تعليقًا على الآية ’رُوحُ ٱللهِ يَرِفُّ‘ كالتالي: “يشير الفعل إلى حركة نابضة بالحياة، وتحوُّمٍ وقائيٍّ حافظ … كان العمل التحضيريّ كي ينتقل ما هو غير عضويّ إلى كائن عضويّ.”
- يَرِفُّ: “أيُّ انطباعٍ لانفصالٍ عظيم قد تتركه بقيَّة الأصحاح يمكن احباطه بتشبيه طائرٍ يرفُّ فوق حضانة العشِّ. فالفعل أيضًا في سفر التثنية ١١:٣٢ يشرح حركات النسر التي تحثُّ صغارها على الطيران.” كيدنر (Kidner)
- وَكَانَتِ ٱلْأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً: عندما خلق الله الأرض، يرجّح أنه خلق أرضًا “قديمة،” خالقًا أشياء في تسلسل زمني، إمّا بعمر ظاهرٍ أو مصطنع مبني في الخليقة.
- مثلًا، كان آدم بالِغًا عندما خُلِق؛ وكان هناك عمرٌ مدموجٌ داخله عن قصد. وعلى نحو مماثل، كان للأشجار في جنَّة عدن حلقاتٌ دالَّة على عمرها، ولا شكَّ بوجود الأخاديد والشواطئ الرمليَّة في عالَم آدم.
ز) الآيات (٣-٥): اليوم الأوَّل للخلق: خُلِق النور وانفصل عن الظلمة.
٣وَقَالَ ٱللهُ: «لِيَكُنْ نُورٌ»، فَكَانَ نُورٌ. ٤وَرَأَى ٱللهُ ٱلنُّورَ أَنَّهُ حَسَنٌ. وَفَصَلَ ٱللهُ بَيْنَ ٱلنُّورِ وَٱلظُّلْمَةِ. ٥وَدَعَا ٱللهُ ٱلنُّورَ نَهَارًا، وَٱلظُّلْمَةُ دَعَاهَا لَيْلًا. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا وَاحِدًا.
- لِيَكُنْ نُورٌ: إنَّ أوَّل خطوة من الفوضى إلى النظام هي في جلب النور. وهذه هي الطريقة التي يعمل الله من خلالها في حياتنا.
- كتب بولس عن النور المقدَّم لنا بواسطة الإنجيل: ’وَلَكِنْ إِنْ كَانَ إِنْجِيلُنَا مَكْتُومًا، فَإِنَّمَا هُوَ مَكْتُومٌ فِي ٱلْهَالِكِينَ، ٱلَّذِينَ فِيهِمْ إِلَهُ هَذَا ٱلدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ، لِئَلَّا تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي هُوَ صُورَةُ ٱللهِ. فَإِنَّنَا لَسْنَا نَكْرِزُ بِأَنْفُسِنَا، بَلْ بِٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبًّا، وَلَكِنْ بِأَنْفُسِنَا عَبِيدًا لَكُمْ مِنْ أَجْلِ يَسُوعَ. لِأَنَّ ٱللهَ ٱلَّذِي قَالَ: «أَنْ يُشْرِقَ نُورٌ مِنْ ظُلْمَةٍ»، هُوَ ٱلَّذِي أَشْرَقَ فِي قُلُوبِنَا، لِإِنَارَةِ مَعْرِفَةِ مَجْدِ ٱللهِ فِي وَجْهِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ‘ (٢ كورنثوس ٣:٤-٦).
- وَقَالَ ٱللهُ: لم يكن الله مُلزَمًا بأن يُصمِّم النور مستخدمًا يديه. لقد كان كافيًا أن ينطق الله بهذه الكلمات، لِيَكُنْ نُورٌ! فكان نور.
- “يجدر بك الملاحظة بأنَّ النور جاء على الفور. واللُّغة العبريَّة تُعبِّر بشكلٍ أفضل بكثير من ترجمتنا – باختصارٍ شديد. ’لِيَكُنْ نُورٌ، فَكَانَ نُورٌ.‘” سبيرجن (Spurgeon).
- لأنَّ الله خلق الأشياء بتسميتها إلى الوجود، يقول البعض أنَّه يمكننا أن نعمل على نفس المبدأ، ندعو الأشياء إلى الوجود بالإيمان. يُبنى هذا الأمر على فهمٍ خاطئ لسفر العبرانيِّين ٣:١١ (بِٱلْإِيمَانِ نَفْهَمُ أَنَّ ٱلْعَالَمِينَ أُتْقِنَتْ بِكَلِمَةِ ٱللهِ، حَتَّى لَمْ يَتَكَوَّنْ مَا يُرَى مِمَّا هُوَ ظَاهِر)، إذ تؤخذ هذه الآية على أنَّ الله نفسه استخدم الإيمان لخلق العالَم. لكن العكس هو الصحيح، فنحن بالإيمان نفهم أنَّ الله خلق العالَم.
- هناك أيضًا من يُسيء فهم مرقُس ٢٢:١١ التي تعني حرفيًّا ’’ليكن لك إيمان الله‘‘ وكأنَّه يجب علينا أن يكون لنا ذات الإيمان الَّذي يمتلكه الله. ولكن الكلمات ’فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: لِيَكُنْ لَكُمْ إِيمَانٌ بِٱللهِ‘ لا يمكن أن تعني ذلك، لأنَّ الإيمان، كما يقول سفر العبرانيِّين ١:١١، هُوَ ٱلثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَٱلْإِيقَانُ بِأُمُورٍ لَا تُرَى. ماذا يرجو الله؟ ما الَّذي لا يراه؟ فالكائن الكلِّي الوجود والمعرفة لا يحتاج إلى الإيمان. فهو موضوع الإيمان ومصدر الإيمان أيضًا (أفسس ٨:٢).
- فَكَانَ نُورٌ: يقول سفر التكوين بأنَّ النور والنهار واللَّيل كلٌّ منها موجود قبل خلق الشمس والقمر في اليوم الرابع (تكوين ١٤:١-١٩). يُظهِر هذا أنَّ النور هو أكثر من مجرَّد مادَّة فيزيائية محسوسة؛ فله أيضًا جانبًا خارقًا للطبيعة. ففي السماء الجديدة والأرض الجديدة، لن يكون هناك شمسٌ أو قمر. فالله نفسه سيكون النور (رؤيا يوحنا ٥:٢٢).
- إنَّ الظلمة التي أرسلها الله على المصريِّين (خروج ٢١:١٠) كانت ملموسة، أبعد بكثير ممَّا نفكِّر فيه عندما نربط أمرًا ما بالظلمة؛ يمكن الشعور بها. هذا يوضِّح وجود عنصرٍ محدَّد خارقٍ للطبيعة، يمكن ربطه بالنور والظلمة.
- وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا وَاحِدًا: كثيرون يتعجَّبون ما إذا كان هذا يومًا فعليًّا (بالمفهوم الَّذي نفكِّر به اليوم) أو حقبة جيولوجيَّة. يقول البعض بأنَّ الله خلق العالَم في ستَّة أيَّام، بينما البعض الآخَر يقول أنَّه خلق العالَم في ستَّة حقباتٍ جيولوجيَّة. بالرغم من وجود تباينٍ بين المسيحيِّين حول هذا، فإنَّ أسهل وأبسط معنًى لهذا العدد هو أنَّ الله خلق في ستَّة أيَّام كما نفكِّر بمعنى الأيَّام.
- “إن لم تكن الأيام المذكورة أيامًا عادية، فهل كان الله سيقبل بهذه الكلمة؟ هل سيقبل بتعابير غير دقيقة، مهما كانت تبني؟ فالسؤال يرتكز على الاستخدام السليم للغة.” كيدنر (Kidner)
- “لا يوجد ضرورة لدحض فكرة أنَّ اليوم (yom) يعني حقبةً. فالقواميس المحترمة … لا تعرف أيَّ شيءٍ عن هذه الفكرة. تعتبر القواميس العبريَّة مصدرنا الرئيسيّ للمعلومات المعتمدة المتعلِّقة بالكلمات العبريَّة.” ليوبولد (Leupold).
- “هذا، من دون أدنى شكٍّ، تسجيلٌ حرفيّ ودقيق لعمل الله في اليوم الأوَّل لخلق العالَم. سبيرجن (Spurgeon)
ح ) الآيات (٦-٨): اليوم الثَّاني للخلق: الله يخلق الجلد في الغلاف الجويّ.
٦وَقَالَ اللهُ: «لِيَكُنْ جَلَدٌ فِي وَسَطِ الْمِيَاهِ. وَلْيَكُنْ فَاصِلاً بَيْنَ مِيَاهٍ وَمِيَاهٍ». ٧فَعَمِلَ اللهُ الْجَلَدَ، وَفَصَلَ بَيْنَ الْمِيَاهِ الَّتِي تَحْتَ الْجَلَدِ وَالْمِيَاهِ الَّتِي فَوْقَ الْجَلَدِ. وَكَانَ كَذلِكَ. ٨وَدَعَا اللهُ الْجَلَدَ سَمَاءً. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا ثَانِيًا.
- لِيَكُنْ جَلَدٌ فِي وَسَطِ ٱلْمِيَاهِ: إنَّ فكرة الجلَد تتعلَّق بمكانٍ واسع أو فضاء (حسب بعض الترجمات). فُصِلت مياه اليابسة عن بخار المياه في السماء.
- وَٱلْمِيَاهِ ٱلَّتِي فَوْقَ ٱلْجَلَدِ: يعتقد بعض المفسِّرين والعلماء أنَّ الكتاب المقدَّس هنا يشير إلى وجود نسبةٍ كبيرة من بخار الماء في السماء. يمكن لهذا الغلاف من البخار أن يؤثِّر على بيئة الأرض، ويشير هنري موريس (Henry Morris) إلى عدَّة تأثيراتٍ لهذا الغلاف من البخار:
- “قد تحتوي المياه التي فوق الجلد على مساحةٍ هائلة من بخار الماء فوق التروبوسفير (أي الطبقة الجوية السفلى الملاصقة للأرض) وربَّما فوق الستراتوسفير أيضًا، في المنطقة ذات الحرارة العالية المعروفة اليوم بالأيونوسفير، تمتدُّ بعيدًا في الفضاء.” موريس (Morris)
- يمكنها أن تُستخدم كدفيئة عالميَّة، تحافظ على حرارةٍ موَّحدة وممتعة حول العالَم.
- من دون تغيُّراتٍ حراريَّة واسعة، لا وجود لرياحٍ تُذكَر، ودورة المياه والتساقطات لا تتشكَّل. بذلك لا يكون مطرٌ، كما نعرفه اليوم.
- سيكون هناك وفرة، نباتات شبيهة بالنباتات الاستوائيَّة حول العالَم تُغذَّى لا بمياه الأمطار، بل بدورةٍ غنيَّة من التبخُّر والتَّكثُّف، ما يؤدِّي إلى الندى الكثيف أو ضباب الأرض.
- يُصفِّي هذا الغلاف من البخار الأشعة فوق البنفسجيَّة والأشعة الكونيَّة وطاقاتٍ مُدمِّرة أخرى تضرب كوكب الأرض. تُعرَف هذه بأنَّها تُسبِّبُ الطفرات (أو التَّحوُّلات الجينيَّة)، التي تُقصِّر طول عمر الإنسان. وبسبب هذا الغلاف البخاريّ، يمكن لحياة الإنسان والحيوان أن تزداد كثيرًا.
- يُوفِّر الغلاف البخاريّ الخزَّان اللَّازم لطوفانٍ كونيٍّ مُحتمَل.
ط) الآيات (٩-١٣): اليوم الثَّالث للخلق: فُصِلت اليابسة عن مياه البحار؛ خُلِقت النباتات وكلُّ الأصناف النباتيَّة.
٩وَقَالَ اللهُ: «لِتَجْتَمِعِ الْمِيَاهُ تَحْتَ السَّمَاءِ إِلَى مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَلْتَظْهَرِ الْيَابِسَةُ». وَكَانَ كَذلِكَ. ١٠وَدَعَا اللهُ الْيَابِسَةَ أَرْضًا، وَمُجْتَمَعَ الْمِيَاهِ دَعَاهُ بِحَارًا. وَرَأَى اللهُ ذلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ. ١١وَقَالَ اللهُ: «لِتُنْبِتِ الأَرْضُ عُشْبًا وَبَقْلاً يُبْزِرُ بِزْرًا، وَشَجَرًا ذَا ثَمَرٍ يَعْمَلُ ثَمَرًا كَجِنْسِهِ، بِزْرُهُ فِيهِ عَلَى الأَرْضِ». وَكَانَ كَذلِكَ. ١٢فَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ عُشْبًا وَبَقْلاً يُبْزِرُ بِزْرًا كَجِنْسِهِ، وَشَجَرًا يَعْمَلُ ثَمَرًا بِزْرُهُ فِيهِ كَجِنْسِهِ. وَرَأَى اللهُ ذلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ. ١٣وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا ثَالِثًا.
- لِتَجْتَمِعِ ٱلْمِيَاهُ تَحْتَ ٱلسَّمَاءِ إِلَى مَكَانٍ وَاحِدٍ: أي أنه قبل هذا كانت الأرض مغمورة بالمياه. أمَّا الآن فالمياه اجتمعت إلى مكانٍ واحد، وبرزت اليابسة.
- لِتُنْبِتِ ٱلْأَرْضُ عُشْبًا: حصل هذا كلُّه قبل خلق الشمس (في اليوم الرَّابع للخلق، تكوين ١٤:١-١٩). هذا يعني أنَّه كان للنباتات مصدرٌ غذائيٌ كافٍ بسبب النور الَّذي خلقه الله قبل الشمس والقمر (في تكوين ٣:١).
- أولئك الَّذين يقترحون أنَّ أيَّام الخليقة ليست أيَّامًا حرفيَّة بل حقباتٍ متسلسلة بطيئة، يواجهون مشكلةً حقيقيَّة بالتطوُّر التدريجيّ. من الصعب بمكان شرح كيف أنَّ النباتات وكلّ الحياة النباتيَّة يمكنها أن تتطوَّر وتنمو دهورًا قبل الشمس والقمر. لا يُمكن لأيِّ مناصرٍ لنظريَّة النشوء والإرتقاء أن يُجادل بأنَّ الحياة النباتيَّة أكبر من عمر الشمس والقمر، إلَّا أنَّ هذا ما يُسجِّله سفر التكوين.
- يتعجَّب الكثيرون كيف أنَّ الشمس والقمر والنجوم خُلِقت في اليوم الرَّابع في الوقت الَّذي فيه خُلِق النور (بما فيه اللَّيل والنَّهار) في اليوم الأوَّل. يقترح البعض أنَّ المشكلة هذه يُمكِن أن تُحلَّ بالقول بأنَّ هذه الأجسام السَّماويَّة خُلِقت في اليوم الأوَّل، ولكنَّها لم تكُن ظاهرة تحديدًا، أو غير مكتملِة شكلًا، حتَّى اليوم الرَّابع. لكن سفر الرؤيا يُخبرنا عن أنَّ يومًا سيأتي لا نحتاج فيه لا للشمس ولا للقمر ولا للنجوم فيما بعد (رؤيا يوحنا ٢٣:٢١). لا يوجد أيُّ سببٍ لماذا لا يمكِن لله أن يبدأ الخليقة بذات الطريقة التي سينهيها فيها.
- وَكَانَ كَذَلِكَ: هذه هي بداية الحياة على كوكب الأرض، مخلوقة مباشرةً من الله، ولا تتطوَّر ببطءٍ على مدى ملايين السنين.
- يقول بعض العلماء الآن بأنَّ الحياة على الأرض بدأت عندما ضربت نيازك هائلة مُحمَّلة بالأحماض الأمينيَّة الأرض في وقتٍ كانت الشمس باردةً والأرض كرةً مغمورة بالمياه وسماكة الجليد تصل إلى ألف قدم في الكثافة. فالفكرة هي أنَّ نيزكًا ضرب الجليد، مخترقًا إيَّاه، ’’زارعًا‘‘ المياه تحته باللُّبنات الأساسيَّة للحياة، التي بدورها اجتمعت لتكوِّن خليطًا من ’المواد العضويَّة.‘ وبالرغم من ابتداء العمليَّة هذه، يقول العلماء بأنَّ الحياة على الأرض بدأت في فترةٍ جيولوجيَّة ما. لكنَّهم يشيرون إلى أنَّ هذه الفترة الجيولوجيَّة ما هي إلَّا عشرات الملايين من السنين أو أقلَّ من ذلك. في رأي الكاتب، نحتاج إلى إيمانٍ لنصدِّق هذه الفكرة أكثر من الإيمان الَّذي نحتاجه لتصديق سفر التكوين.
- يُعتبَر دليل الحفريات أكثر انسجامًا مع هذه الفكرة بأنَّ الحياة ظهرت بشكلٍ فجائيّ على الأرض، بدل التطوُّر البطيء.
- لِتُنْبِتِ ٱلْأَرْضُ عُشْبًا وَبَقْلًا يُبْزِرُ بِزْرًا، وَشَجَرًا ذَا ثَمَرٍ يَعْمَلُ ثَمَرًا كَجِنْسِهِ، بِزْرُهُ فِيهِ عَلَى ٱلْأَرْضِ: خُلِقت النباتات ليس كبذار، ولكن كنباتاتٍ كاملة النموّ بشكلٍ كامِل حاملةً البذار. إنَّها خُلِقت نامية، حاملةً مظاهر من العمر. لذلك نعتقد بأنَّ الدَّجاجة أتت حتمًا قبل البيضة.
- يَعْمَلُ ثَمَرًا كَجِنْسِهِ: يظهر هذا العدد عشر مرَّاتٍ في سفر التكوين الأصحاح الأوَّل. ممَّا يعني بأنَّ الله يسمح للتَّنوُّع ضمن الأجناس، لكن لا يُمكِن لجنسٍ ما أن يتطوَّر إلى جنسٍ آخَر.
- وَرَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ: يعلم الله ما معنى حسن. فهو ليس كائنًا غامضًا ومُحايدًا أخلاقيًّا. هو يعلَم ماذا يعني شيء حسن، وهو يُنظِّم خليقته كي تُنتِج شيئًا حسنًا.
- لا يسمِّي الله الأرض حسنة إلَّا بعد أن أصبحت مأهولة، مكانًا يحيا فيه الإنسان.
- فَأَخْرَجَتِ ٱلْأَرْضُ عُشْبًا وَبَقْلًا يُبْزِرُ بِزْرًا كَجِنْسِهِ، وَشَجَرًا يَعْمَلُ ثَمَرًا بِزْرُهُ فِيهِ كَجِنْسِهِ. وَرَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ: يستخدم البعض هذا المقطع لتبرير استعمال المخدَّرات (تحديدًا الماريجوانا)، ذلك لأنَّ العشب وكلَّ بقلٍ أتى إلى الوجود بأمرٍ من الله. في الحقيقة، ليس كلُّ عشبٍ جيِّد لكلِّ مقصد. فالشَوكَران طبيعيّ لكنَّه ليس جيِّدًا.
- في واقع الأمر، إنَّ استخدام المخدَّرات بهذه الطريقة غير مُعتمَد في أيِّ مكان ودائمًا مُدان في الكتاب المقدَّس. إنَّ الاستخدام الخطأ للأدوية والعقاقير والمخدَّرات غالبًا ما يكون مرتبطًا بالسحر والشعوذة.
- يدين الكتاب المقدَّس السحر بشكلٍ كامل (خروج ١٨:٢٢؛ تثنية ١٠:١٨؛ ٢ أخبار الأيَّام ٦:٣٣؛ رؤيا ٨:٢١ و١٥:٢٢). ففي كلا العهدَين القديم والجديد، كانت كلمة سحر مُرتبطة بصنع أو استخدام المخدَّرات.
ي) الآيات (١٤-١٩): اليوم الرَّابع للخلق: الشمس والقمر والنجوم.
١٤وَقَالَ اللهُ: «لِتَكُنْ أَنْوَارٌ فِي جَلَدِ السَّمَاءِ لِتَفْصِلَ بَيْنَ النَّهَارِ وَاللَّيْلِ، وَتَكُونَ لآيَاتٍ وَأَوْقَاتٍ وَأَيَّامٍ وَسِنِينٍ. ١٥وَتَكُونَ أَنْوَارًا فِي جَلَدِ السَّمَاءِ لِتُنِيرَ عَلَى الأَرْضِ». وَكَانَ كَذلِكَ. ١٦فَعَمِلَ اللهُ النُّورَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ: النُّورَ الأَكْبَرَ لِحُكْمِ النَّهَارِ، وَالنُّورَ الأَصْغَرَ لِحُكْمِ اللَّيْلِ، وَالنُّجُومَ. ١٧وَجَعَلَهَا اللهُ فِي جَلَدِ السَّمَاءِ لِتُنِيرَ عَلَى الأَرْضِ، ١٨وَلِتَحْكُمَ عَلَى النَّهَارِ وَاللَّيْلِ، وَلِتَفْصِلَ بَيْنَ النُّورِ وَالظُّلْمَةِ. وَرَأَى اللهُ ذلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ. ١٩وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا رَابِعًا.
- وَتَكُونَ لِآيَاتٍ وَأَوْقَاتٍ وَأَيَّامٍ وَسِنِينٍ: صنع الله الشمس والقمر – هذه أَنْوَارٌ فِي جَلَدِ ٱلسَّمَاءِ لتكونَ لِآيَاتٍ وَأَوْقَاتٍ وَأَيَّامٍ وَسِنِينٍ. منذ البدء، استخدم الإنسان عطيَّة الله من الشمس والقمر والنجوم لكي يُعلِّم ويقيس الأوقات والاتِّجاهات.
- وَقَالَ ٱللهُ: «لِتَكُنْ أَنْوَارٌ فِي جَلَدِ ٱلسَّمَاءِ: علِم الله تمامًا كم يجب أن تبعد الشمس عن الأرض. فبضع ملايين الأميال أكثر بعدًا أو أقلّ وتغدو الحياة كما نعرفها مستحيلة.
- إنَّ التَّوازن المعقَّد لنظامنا البيئيّ يجادل بقوَّة باتِّجاه تأكيد وجود الخالق. فنحن نعيش في عالَمٍ مُعقَّد للغاية.
- يقتبِس جينزبرج (Ginzberg) من أسطورة يهوديَّة تجمع بين حركة الشمس وتسبيح الله (كما في مزمور ٣:١١٣، ١:٥٠، و٣:١٤٨): “إنَّ تقدُّم الشمس في مدارها يعني ترنيمة تسبيحٍ لله بدون انقطاع. وهذه الترنيمة تجعل من الحركة مُمكِنة. لذلك، عندما أراد يشوع أن تقف الشمس، كان عليه أن يأمرها بالسكوت أو الصمت. صمتت أغنية المديح، فوقفت الشمس.”
- وَتَكُونَ لِآيَاتٍ وَأَوْقَاتٍ وَأَيَّامٍ وَسِنِينٍ: عندما وضع الله الأنوار في السماء لآياتٍ وأوقاتٍ وأيَّامٍ وسنين، شملت ربَّما ما نُسمِّيه بالأبراج، لكن سُمِّيت بالعبريَّة القديمة الـ مازاروث (Mazzaroth) (أيوب ٣١:٣٨-٣٢).
- من الجدير بالملاحظة، إنَّ سلسلة الأبراج الفلكيَّة هي ذاتها في كلِّ لغةٍ ومجتمع، حتَّى ولو تغيَّرت أسماء الأبراج. ونعلم أيضًا أنَّ أشكال الأبراج المقترحة لا تشبه هذه الأشياء أبدًا. بالرغم من ذلك، نرى أنَّ أسماء الأبراج هي ذاتها في مختلف المجتمعات. تشير هذه النقطة إلى بدايةٍ ما قبل بابل حيث حقيقة الأبراج الفلكيَّة فسُدَت.
- يتكلَّم إنجيل لوقا ٧٠:١ وأعمال الرُّسُل ٢١:٣ عن أنبياء قدِّيسين منذ بدء العالَم. ربَّما هؤلاء الأنبياء هم نجومٌ أنفسهم. يُخبرنا مزمور ٤:١٤٧ وإشعياء ٢٦:٤٠ أنَّ الله يعدُّ النجوم ويدعوها بأسماء. ومزمور ١:١٩-٦ يُخبرنا أنَّ السماء تحتوي على رسالةٍ من الله.
- إنَّ علم التَّنجيم هو تحويرٌ شيطانيّ لرسالة الله الأصليَّة المتعلِّقة بالنجوم، تلك الرسالة التي تُسطِّر خطَّته للخلاص. ولأنَّ علم التنجيم هو فاسد، يجدر تجنُّبه دائمًا (إشعياء ١٢:٤٧-١٥).
- فَعَمِلَ ٱللهُ أيضًا … ٱلنُّجُومَ: مع كلِّ النجوم الأخرى في الكون، غالبًا ما نتساءل عن ما إذا كانت الحياة موجودة في كواكب أخرى.
- عندما نأخذ بعين الاعتبار كلّ ما هو ضروريّ لاستمراريَّة الحياة، كما نعرفها، هناك كواكب قليلة يمكنها أن تدعم الحياة. آخذين بعين الاعتبار أيضًا عناصر أخرى كطبيعة مجرَّتنا ومواقع النجوم وعمر النجوم وألوان النجوم والمسافات بين النجوم ومَيل المحور وتوقيت الدوران وقوَّة الجاذبيَّة السطحيَّة وقوَّة المدِّ والجزر والحقل المغناطيسيّ وكميَّة الأوكسجين في الغلاف الجويّ والضغط الجويّ وعشرين عنصرًا هامًّا آخر، فاحتمال أن تتواجد كلِّ هذه العناصر الـ ٣٣ في كوكبٍ واحدٍ هو واحد من كل ١٠ أس ٤٢. والعدد الإجماليّ المحتمَل للكواكب في الكون هو هو ١٠ أس ٢٢.
- صرفت الحكومة الأمريكيَّة في وقتٍ ما ١٠٠ مليون دولار في مدَّة سنة وهي تحاول إيجاد حياةٍ ذكيَّة خارج كوكب الأرض. كان من الحكمة بمكان أن تُصرَف هذه الأموال لزراعة حياةٍ ذكيَّة في واشنطن أو مراكز حكوميَّة أخرى.
ك) الآيات (٢٠-٢٣): اليوم الخامس للخلق: خُلِقت الطيور والكائنات البحريَّة.
٢٠وَقَالَ اللهُ: «لِتَفِضِ الْمِيَاهُ زَحَّافَاتٍ ذَاتَ نَفْسٍ حَيَّةٍ، وَلْيَطِرْ طَيْرٌ فَوْقَ الأَرْضِ عَلَى وَجْهِ جَلَدِ السَّمَاءِ». ٢١فَخَلَقَ اللهُ التَّنَانِينَ الْعِظَامَ، وَكُلَّ ذَوَاتِ الأَنْفُسِ الْحيَّةِ الدَّبَّابَةِ الْتِى فَاضَتْ بِهَا الْمِيَاهُ كَأَجْنَاسِهَا، وَكُلَّ طَائِرٍ ذِي جَنَاحٍ كَجِنْسِهِ. وَرَأَى اللهُ ذلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ. ٢٢وَبَارَكَهَا اللهُ قَائِلاً: «أَثْمِرِي وَاكْثُرِي وَامْلإِي الْمِيَاهَ فِي الْبِحَارِ. وَلْيَكْثُرِ الطَّيْرُ عَلَى الأَرْضِ». ٢٣وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا خَامِسًا.
- لِتَفِضِ ٱلْمِيَاهُ زَحَّافَاتٍ ذَاتَ نَفْسٍ حَيَّةٍ: نرى التَّنوُّع الكبير للطيور والخلائق البحريَّة التي خُلِقت في نفس الوقت، وليس تطوُّرًا بطيئًا على مدى الملايين من السنين. بالرغم من أنَّ الحياة النباتيَّة خُلِقت قبل الحياة الحيوانيَّة، لم تُخلَق الحياة الحيوانيَّة من الحياة النباتيَّة.
- ومن بين التَّنوُّع الحيوانيّ، فإنَّ الكثير منها يتشارك مع أجزاء مُتشابهة: الطيور والزحَّافات والثَّدييَّات وهلمَّ جرى. يدعم هذا بشكلٍ مُقنِع وجود مُصمِّمٍ مشتركٍ بينها كما يدعم وجود مصدرٍ مشتركٍ للحياة. كلُّ الحياة لم تأتِ من نفس الخليَّة البدائيَّة، ولكنَّها انبثقت من نفس المصمِّم.
- كَأَجْنَاسِهَا: مرَّةً أخرى، كلُّ الحياة الحيوانيَّة خُلِقت كأجناسها. صمَّم الله عن قصدٍ الكثير من التَّنوُّع ضمن الجنس الواحد، لكنَّ الجنس ’الواحد‘ لا يتحوَّل إلى آخَر. مثلًا، هناك تنوُّع في أجناس الكلاب. فالكلب القلطيّ يختلف كثيرًا عن الكلب الدنماركيّ الكبير، لكنَّ كِلَيهما من فصيلة الكلاب. ومع ذلك، لا يمكن لهما أن يتحوَّلا إلى فأرٍ، بغضِّ النظر عن تعدُّد التَّزاوج.
- يُقدِّم علماء التَّطوُّر أحيانًا أمثلةً مُقنِعة عن تطوُّرٍ جزئيّ، وهو التَّنوُّع داخل الجنس الواحِد، يتأقلَم مع البيئة. مثلًا، إنَّ نسبة اللَّون الأسود إلى الأبيض في العثِّ المرقَّط يمكنها أن ترتفع كلَّما ازداد التَّلوُّث ما يُسهِّل اختفاء العثِّ الأسود؛ أو العصافير يمكنها أن تُطوِّر أنواعًا مختلفة من المناقير استجابةً لبيئتها المميَّزة. إلَّا أنَّ العثّ يبقى عثًّا، والعصافير تبقى عصافيرًا. فلم يكن هناك من تغيير خارج إطار الجنس الواحد. فالتَّطوُّر الجزئيّ لا يُبرهن التَّطوُّر الكبير.
ل) ألا يُشير السجل الأحفوريّ إلى أنَّ هذه المخلوقات تطوَّرت ببطءٍ نحو الوجود، بدل الظهور الفجائيّ؟
- معظم الناس لا يدركون أنَّ أقوى خصمٍ لداروين ليسوا رجال دين، بل خبراء في الحفريَّات. أقرَّ داروين بأنَّ حالة البراهين الأحفوريَّة هي “الأكثر وضوحًا والأخطر اعتراضًا على نظريَّتي،” وبسبب البراهين الأحفوريَّة، “أجمع معظم علماء الحفريَّات البارزون … وكلُّ الجيولوجيِّين العظماء …، أحيانًا بقوَّة‘‘ على أنَّ الأجناس لا تتغيَّر.
- يُحدَّد السجلُّ الأحفوريّ بقاعدتين كبيرتين: الأولى، الثبات أو عدم التَّغيُّر (Stasis)، التي تعني أنَّ معظم الأجناس لم تتغيَّر في كلِّ تاريخها الموثَّق. فالطريقة التي بدَوا فيها عندما ظهروا أوَّلًا في السجلُّ الأحفوريّ هي ذاتها التي ظهروا فيها في ختام السجلّ الأحفوريّ. لم يتغيَّروا. ثانيًا، الظهور الفجائيّ (sudden appearance)، الَّذي يعني أنَّه وفي أيَّة بقعةٍ محليَّة، لا تنشأ الأجناس بشكلٍ تدريجيّ، بل تظهر مرَّةً واحدة ’بشكلها الكامل.‘
- قال فيليب جونسون (Philip Johnson): “إذا كان التطوُّر يعني التَّغيُّر التَّدريجيّ لجنسٍ ما إلى آخَر، فإنَّ السمة البارزة للسجلِّ الأحفوريّ هي غياب الدَّليل على التطوُّر.”
- يحتوي حوض بيغهورن (Bighorn) في ولاية وايومنغ (Wyoming) على سجلٍّ غير متقطِّع للرواسب الأحفوريَّة التي يقول فيها الجيولوجيُّون بأنَّ عمرها حوالي خمسة ملايين سنة. لأنَّ هذا السجلّ مُكتمِل، افترض علماء الأحفوريَّات أنَّ بإمكانهم إيجاد طرفٍ إيجابيّ للتطوُّر. في حين أنَّ “السجلّ الأحفوريّ لا يُقدِّم وثيقةً مُقنِعة لانتقالٍ وحيد من جنسٍ أو صنفٍ إلى آخَر.” جونسون (Johnson)
- كتب عالِم التطوُّر نيل إلدريدج (Nile Eldredge): “نحن علماء الأحفوريَّات نقول بأنَّ تاريخ الحياة (في السجلِّ الأحفوريّ) يدعم (قصَّة التطوُّر التدريجيّ)، بالرغم من علمنا أنَّه ليس كذلك.” جونسون (Johnson)
- إمَّا أن التطوُّر حصل ببطء، وكلُّ تغييرٍ بسيط يبني على آخِر تغيير، على مرِّ مليارات السنين؛ أو أتت هذه التَّغييرات بقفزاتٍ سريعة: مثل خروج فأرة من بيضةِ ثعبان.
- يرفض السجلُّ الأحفوريّ بشكلٍ كامل فكرة وجود الملايين من التَّغيُّرات الصغيرة؛ فالقفزات السريعة هي بمثابة طريقة تنسبُ القوَّة العجائبيَّة إلى ’الصدفة‘ أو ’الطبيعة‘ بدل الله. وإن كنَّا نعجَب لإيمان هؤلاء الَّذين يؤمنون بهؤلاء الوحوش البشريَّة، نرى عقلانيَّةً أكثر إذا آمنَّا بخالقٍ ومُصمِّمٍ حكيم.
ثالثًا. اليوم السَّادس للخَلْق: خلق الإنسان.
أ ) الآيات (٢٤-٢٥): صنع الله الحيوانات البريَّة.
٢٤وَقَالَ اللهُ: «لِتُخْرِجِ الأَرْضُ ذَوَاتِ أَنْفُسٍ حَيَّةٍ كَجِنْسِهَا: بَهَائِمَ، وَدَبَّابَاتٍ، وَوُحُوشَ أَرْضٍ كَأَجْنَاسِهَا». وَكَانَ كَذلِكَ. ٢٥فَعَمِلَ اللهُ وُحُوشَ الأَرْضِ كَأَجْنَاسِهَا، وَالْبَهَائِمَ كَأَجْنَاسِهَا، وَجَمِيعَ دَبَّابَاتِ الأَرْضِ كَأَجْنَاسِهَا. وَرَأَى اللهُ ذلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ.
- لِتُخْرِجِ ٱلْأَرْضُ ذَوَاتِ أَنْفُسٍ حَيَّةٍ: في اليوم الخامس للخلق، صنع الله الطيور والحيوانات البحريَّة، أمَّا الآن فحوَّل الله انتباهه الخلاق نحو الحيوانات البريَّة المتنوِّعة.
- لِتُخْرِجِ ٱلْأَرْضُ ذَوَاتِ أَنْفُسٍ حَيَّةٍ كَجِنْسِهَا: عندما ننظر إلى التَّنوُّع اللَّانهائيّ للمملكة الحيوانيَّة (الحيَّة والمنقرضة)، ينبغي أن نتأثَّر بقوَّة الله الخلاقة، كما بحسِّهِ الفكاهيّ. أيُّ كائنٍ يصنع الزرافة وخِلد الماء والطَّاووس هو إله فرحٍ وفُكاهة.
- بالنسبة إلى أنثى الطَّاووس، فإنَّ معظم الطواويس الجذَّابة هي التي لها أجنحةٌ كبيرة، ولكن الجناح الكبير على الذَّيل يؤخِّر الهروب من الحيوان المفترِس. لذلك، تُكرِم أنثى الطَّاووس ذكَرَها بأقلِّ فرصةٍ للبقاء. هذا مثلٌ واحد عن ظاهرةٍ طبيعيَّة تُشكِّل مشكلة كبيرة لفكرة بقاء الأفضل.
- كَجِنْسِهَا: وأيضًا، نُشدِّد على هذا العدد المهم. يسمح الله بتبايناتٍ هائلة ضمن الجنس الواحد، لكنَّ جنسًا لا يتحوَّل أبدًا إلى جنسٍ آخَر.
ب) الآية (٢٦): يُخطِّط الله لصنع الإنسان على صورته.
٢٦وَقَالَ ٱللهُ: «نَعْمَلُ ٱلْإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا، فَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى سَمَكِ ٱلْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ ٱلسَّمَاءِ وَعَلَى ٱلْبَهَائِمِ، وَعَلَى كُلِّ ٱلْأَرْضِ، وَعَلَى جَمِيعِ ٱلدَّبَّابَاتِ ٱلَّتِي تَدِبُّ عَلَى ٱلْأَرْضِ».
- نَعْمَلُ ٱلْإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا: إنَّ الاستخدام المتكرِّر لصيغة الجمع (نَعْمَلُ … صُورَتِنَا، كَشَبَهِنَا) ينسجم مع فكرة وجود الله الواحد في ثلاثة أقانيم.
- عمل ليوبولد (Leopold) عملًا جيِّدًا عندما أظهر أنَّ صيغة الجمع لـ نَعْمَلُ لا يمكنها أن تكون مجرَّد جمع ملوكيّ، ولا الله متكلِّمًا مع وإلى الملائكة. إنَّها إشارة إلى الثالوث، وإن كانت بشكلٍ غير مباشِر.
- عَلَى صُورَتِنَا: إنَّ فهمنا لِمَن هو الإنسان يبدأ بمعرفتنا أنَّنا صُنِعنا على شبَه الله. يختلِف الإنسان عن كلِّ ترتيبٍ للكائنات المخلوقة لأنَّه خُلِق كي يكون لديه انسجام مع الله.
- يعني هذا أنَّ هوَّةً لا يمكن سدُّها تقف بين الحياة الإنسانيَّة والحياة الحيوانيَّة. بالرغم من بعض التَّشابه البيولوجيّ مع بعض الحيوانات، فنحن متميِّزين بالإمكانات الأخلاقيَّة والعقليَّة والروحيَّة.
- يعني هذا أنَّ هوَّةً لا يمكن سدُّها تقف بين الحياة الإنسانيَّة والحياة الملائكيَّة. لا نجد في أيِّ مكانٍ قوله أنَّ الملائكة صُنعوا على صورة الله. لا يمكن للملائكة أن يكون لهم نفس العلاقة من المحبَّة والشركة كتلك التي نتمتَّع بها نحن مع الله.
- يعني هذا أنَّ التَّجسُّد كان بالحقِّ مُمكِنًا. الله (في الأقنوم الثَّاني من الثالوث) يمكنه حقًّا أن يُصبِح إنسانًا لأنَّه بالرغم من أنَّ الألوهة والإنسانيَّة ليستا نفس الشيء، فإنَّهما متكاملتان أو متوافقتان.
- يعني هذا أنَّ للحياة الإنسانيَّة قيمةً جوهريَّة، تختلف إلى حدٍّ ما عن ’نوعيَّة الحياة‘ التي يختبرها أيُّ شخص، ذلك لأنَّ الحياة الإنسانيَّة مخلوقة على صورة الله.
- كَشَبَهِنَا: هناك عدَّة أشياءٍ مُحدَّدة في الإنسان تُظهِر أنَّه مخلوق على صورة الله وشبَهِه (مثالِه).
- للبشريَّة وحدها طلَّةٌ طبيعيَّة أو وجه طبيعيّ يتطلَّع إلى الأعلى.
- البشريَّة وحدها لها هذا التَّنوُّع في تعابير الوجه.
- البشريَّة وحدها لها هذا الشعور بالعار المعبَّر عنه باحمرار الخدود.
- البشريَّة وحدها تتكلَّم.
- البشريَّة وحدها تمتلك الشخصيَّة والأخلاقيَّات والروحانيَّة.
- صُورَتِنَا: هناك على الأقلّ ثلاثة جوانب لفكرة أنَّنا خُلِقنا على صورة الله.
- يعني هذا أنَّ البشر يمتلكون الشخصيَّة: المعرفة والمشاعر والإرادة. هذا يضع الإنسان في مصافٍ بعيد عن الحيوانات والنباتات.
- يعني هذا أنَّ البشر يمتلكون الأخلاقيَّات: نستطيع إصدار أحكامٍ أخلاقيَّة ولنا ضمير.
- يعني هذا أنَّ البشر يمتلكون الروحانيَّة: خُلِق الإنسان لعلاقةٍ مع الله. إنَّه على مستوى الروح نتواصل مع الله.
- صُورَتِنَا: لا يعني هذا أنَّ الله يمتلك جسمًا فيزيائيًّا أو إنسانيًّا. الله روح (يوحنَّا ٢٤:٤). بالرغم من أنَّ الله لا يمتلك جسمًا، صمَّم الإنسان بطريقةٍ يستطيع جسمه أن يعمل الكثير من الأشياء التي يعملها الله: يرى ويسمع ويشمُّ ويلمُس ويتكلَّم ويُفكِّر ويُخطِّط، وإلى ما هنالك.
- “من غير الآمن بتاتًا أن نقول بأنَّ جسم الإنسان منقوش بناءً على جسم الله، لأنَّ الله، وهو روحٌ معنويَّة، ليس له ما نسمِّيه جسمًا مادِّيًّا. بالرغم من ذلك، يجب أن يُنظر إلى جسم الإنسان كأصلَح وعاءٍ لروح الإنسان التي تُشبه خالقها، حتَّى أنَّ الله وملائكته اختاروا الهيئة البشريَّة عند ظهورهم للإنسان.” ليوبولد (Leupold)
- عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا: الكلمتان صورة وشبَه مختلفتان نسبيًّا. صورة تتعلَّق أكثر بالمظهر، وشبَه تتعلَّق أكثر بتشابه مُجرَّد، لكن كلتاهما تعنيان نفس الشيء في سياق الآيات هنا.
- فَيَتَسَلَّطُونَ: قبل أن خلق الله الإنسان، أقرَّ وأصدر مرسومًا أنَّ الإنسان يتسلَّط على الأرض. إنَّ تفوُّق الإنسان في ترتيب الخلق وقدرته على التَّأثير على البيئة ليسا صدفة؛ إنَّهما جزءٌ من خطَّة الله للإنسان والأرض.
- في هذا الإطار، إنَّها خطيَّة إذا لم يستخدم الإنسان هذه السيادة بمسؤوليَّة، في سياق الاعتبار المناسب للوكالة على هذه الأرض.
ج) الآيات (٢٧-٣١): خلْق الله للإنسان ومأموريته الأولى لآدم.
٢٧فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ. ٢٨وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ، وَأَخْضِعُوهَا، وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ». ٢٩وَقَالَ اللهُ: «إِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُكُمْ كُلَّ بَقْل يُبْزِرُ بِزْرًا عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ، وَكُلَّ شَجَرٍ فِيهِ ثَمَرُ شَجَرٍ يُبْزِرُ بِزْرًا لَكُمْ يَكُونُ طَعَامًا. ٣٠وَلِكُلِّ حَيَوَانِ الأَرْضِ وَكُلِّ طَيْرِ السَّمَاءِ وَكُلِّ دَبَّابَةٍ عَلَى الأَرْضِ فِيهَا نَفْسٌ حَيَّةٌ، أَعْطَيْتُ كُلَّ عُشْبٍ أَخْضَرَ طَعَامًا». وَكَانَ كَذلِكَ. ٣١وَرَأَى اللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدًّا. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا سَادِسًا.
- فَخَلَقَ ٱللهُ ٱلْإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ: خلق الله الإنسان بناءً على خطَّته الموصوفة في سفر التكوين ٢٦:١. إنَّ مفهوم خلق الإنسان على صورة الله يُكرَّر للتَّشديد على الفكرة.
- قيل لنا بصراحة أنَّ الله خلق الإنسان كاملًا، وخلقه في يومٍ واحد، وليس تدريجيًّا على مدى ملايين السنين من التَّطوُّر التَّدريجيّ. ففكرة التَّطوُّر التَّدريجيّ البطيء التي تُنتِجُ آليَّة مُعقَّدة كجسم الإنسان لا تصمد.
- يقال أنَّه يوجد على الأقلِّ ٤٠ مرحلةً مختلفة من التَّطوُّر ضروريَّة لتكوين العين. فما منفعة الـ ٣٩ مرحلة يا ترى؟ يُجادل عالِم الرِّياضيَّات د. س. أولام (S. Ulam) قائلًا بأنَّه من المستحيل بمكان أن تتطوَّر العين نتيجةً لتراكم الطفرات الصغيرة ذلك لأنَّ عدد هذه الطفرات كبيرٌ جدًّا بحيث لا يتَّسع الوقت لظهور تأثيراتهم في تكوين العين. يُعلِّق العالِم التَّطوُّري إرنست ماير (Ernst Mayr) بالقول: “يمكننا النجاح بطريقة أو بأخرى إنَّ قمنا بتعديل هذه الأرقام للمراحل. ونرتاح إلى الحقيقة التي تؤكِّد أنَّ التَّطوُّر قد حصل.” يلاحظ جونسون (Johnson): “إنَّ الدَّاروينيَّة بالنسبة إليهم لم تكن نظريَّة مفتوحة للدحض بل حقيقة محسومة.”
- كتب داروين: “إذا كان من الممكن إظهار وجود عضو معقَّد من دون تغيراتٍ عديدة وطفيفة متتابعة، فإنَّ نظريَّتي ستنهار حتمًا.” أدرج البروفيسور ريتشارد جولدشميت (Richard Goldschmidt)، باحثٌ جينيّ من جامعة كاليفورنيا في بيركلي، سلسلة من الأشكال المعقَّدة (من شعر الثَّدييَّات إلى مادَّة الهيموغلوبين) اعتقد أنَّه لا يمكن إنتاجها بتغيُّراتٍ طفيفة خلال آلاف السنين. “لاقى الدَّاروينيُّون هذا الاقتراح الهائل بسخريةٍ وحشيَّة. وكما وصفها جولدشميت، ’هذه المرَّة لم أكن مجنونًا فحسب بل مُجرمًا‘ … لنفترض بأنَّ هذا الحدث العشوائيّ يمكنه إعادة تشكيل عضوٍ واحدٍ مُعقَّد مثل الكبد أو الكلية، فهذا يُشبه الفكر الذَّي يقول بأنَّ ساعةً مُحسَّنة يمكن تصميمها بإلقاء ساعة قديمة على الحائط.” جونسون (Johnson).
- ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ: لا يجب أن يُفسَّر هذا ليعني أنَّ آدم في الأصل كان نوعًا من كائنٍ مُخنَّث، أي ذكر وأنثى معًا. يعطينا هذا المقطع من سفر التكوين لمحةً عن خلق الله للإنسان، بينما تكوين ٢ سيشرح كيف خلق الله الذكر والأنثى.
- في أيَّامنا، يقول الكثيرون بأنَّه لا يوجد اختلافات أو فوارق حقيقيَّة بين الرجل والمرأة. إنَّ هذا منطقيّ إذا كنَّا نتاج تطوُّرٍ طائشٍ وغبيّ، وليس منطقيَّا إذا كان صحيحًا أنَّ ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ. بالنسبة إلى الله، فإنَّ الفوارق بين الرجل والمرأة ليست صِدَفًا. وبما أنَّه خلقهما، فالفوارق جيِّدة وذات معنى.
- إنَّ الرجال ليسوا نساءً، والنساء لسن رجالًا. أحد أكثر العلامات المحزنة في ثقافتنا الفاسدة هو مقدار ودرجة الارتباك بين الجنسين اليوم.
- إنَّه عبثٌ التَّساؤل ما إذا كان الرجال أو النساء أحدهم متفوِّقٌ على الآخَر. فالرجل هو متفوِّقٌ تمامًا لأنَّه رجل. والمرأة هي متفوِّقة تمامًا لأنَّها امرأة. ولكن عندما يحاول الرجل أن يكون امرأة أو المرأة أن تكون رجلًا، فلا بدَّ من وجود شيءٍ أو أحدٍ أدنى.
- وَبَارَكَهُمُ ٱللهُ: إنَّ أوَّل شيءٍ عمله الله للإنسان هو مباركته. فمن دون بركة الله، تصبح الحياة البشريَّة غير محتمَلة بل وأيضًا مستحيلة.
- أَثْمِرُوا وَٱكْثُرُوا وَٱمْلَأُوا ٱلْأَرْضَ، وَأَخْضِعُوهَا، وَتَسَلَّطُوا: أعطى الله الإنسان عملًا ليعمله، وهو: إتمام قصد الله في التسلط على الأرض. جزءٌ من هذه الوصيَّة هو أن على الإنسان أن يُثمِر ويتكاثر ويملأ الأرض. لا يمكن للإنسان أن يُتمِّم خطَّة الله على الأرض من دون الإكثار والسكن فيها.
- إضافة لذلك، أعطى الله البشريَّة رغبةً في ممارسة الجنس، الأمر الَّذي يجعل الانتشار في الأرض سريعًا ومُمكِنًا.
- ومع ذلك، يفكِّر الكثيرون بأنَّ الثَّمر والإكثار هما القصد الوحيد أو الرئيسيّ للجنس، إلاَّ أنَّ الحال ليس كذلك. إنَّ السبب الرئيسيّ لخلق الله الجنس هو المساهمة في توثيق الروابط العلائقيَّة في الجسد الواحد.
- يمارس الحيوانات العلاقات الجنسيَّة فقط للتَّوالُد والإكثار، لكن يختلف التجاوب الجنسيّ لدى الإنسان عن الحيوان بطرقٍ عدَّة. إذ لا يكون للإباضة عند البشر أيُّة علامات خارجيَّة؛ ويمارس البشر الجنس بشكلٍ خاص؛ كما يمتلك البشر الخصائص الجنسيَّة الثانويَّة (فقط عند الإنسان يتطوَّر الثدي قبل الولادة الأولى). فقط الإنسان يُظهِر حضورًا ثابتًا ورغبةً مستمرَّة في الجنس، إذا ما قارنَّا هذا بالفصل الجنسيّ ’الحامي‘ عند الحيوانات. عند الإنسان، يطول وقت العمليَّة الجنسيَّة وشدَّة المتعة تزداد قوَّةً، وهو الوحيد الَّذي يمارس الجنس حتَّى بعد انتهاء زمن الإنجاب. ليس أيٌّ من هذه الأبعاد الجنسيَّة للبشر ضروريٌّ للتناسل، إلَّا أنَّها جميعها نافعة للجنس كأداةٍ للتواصل والإتِّحاد.
- لَكُمْ يَكُونُ طَعَامًا: أعطى الله الإنسان سلطانًا على كلِّ الأرض، لكن نرى أنَّ النباتات والبقول المذكورة أُعطيت خصِّيصًا كطعام. يبدو أنَّ الجنس البشريّ قبل الطوفان كان نباتيًّا، ولكن بعد الطوفان، سُمِح للإنسان أن يأكل أجسام الحيوانات (تكوين ٣:٩).
- وَرَأَى ٱللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدًّا: إنَّ تقييم الله النِّهائيّ لعمله في الخلق كان جيَّدًا جدًّا. سُرَّ الله بخليقته، كما نحن أيضًا.
- عندما أعلن الله أن الخليقة حسنة، عنى ذلك حقًّا. في ذلك الوقت، كانت حسنة بالكامل؛ لم يكن هناك من موت أو تحلُّل على الأرض بتاتًا.
د ) إنَّ الاكتشافات الأحفوريَّة لما يُسمَّى بأجداد أو أسلاف الإنسان مثل Australopithecus afarensis، Australopithecus africanus، Homo habilis، و Homo erectus تُظهر أنَّ البحث مملوء من عدم الأمانة أو التَّفكير السليم.
- نقتبس من جونسون (Johnson): “إنَّ الجوَّ النفسيّ الَّذي يحيط بالنظرة إلى أحافير أسلاف الإنسان تذكِّرنا بغرابة تبجيل الآثار في ضريح القرون الوسطى.” في سنة ١٩٨٤، عرض المتحف الأمريكي للتَّاريخ الطبيعيّ الأحافير الأصليَّة التي تصف تطوُّر الإنسان المسمَّاة أسلاف.
- من جونسون: “نُقِلت ’الآثار الباهظة الثمن والهشَّة‘ من قِبَل الأوصياء القلقين في طائرة من الدرجة الأولى ومن ثمَّ إلى متحفٍ يرافقها موكبٌ مهمٌّ بحضور الشرطة. وفي داخل المتحف، وضعت الآثار خلف زجاجٍ عازلٍ للرصاص ليراها نخبةٌ من علماء الأنثروبولوجيا الَّذين تحادثوا فيما بينهم بأصواتٍ خافتة وكأنَّهم يبحثون في اللَّاهوت في إحدى الكاتدرائيَّات. أحد علماء الاجتماع معاينًا هذه الطقوس الأنثروبولوجيَّة علَّق قائلًا: ’يبدو لي هذا وكأنَّه عبادة الأسلاف.‘”
- يُعتبر سولي زكرمان (Solly Zuckerman) عالماً تطوُّريًّا ملتزمًا وأحد أكثر العلماء البريطانيِّين تأثيرًا. ويعتبر أن معظم الأدلَّة الأحفوريَّة لتطوُّر الإنسان ليس لها معنًى. أخضع زكرمان أحفوريَّاتٍ أساسيَّة لسنواتٍ من اختبار القياسات الحيويَّة، وأعلن أنَّ الفكرة التي تنادي بأنَّهم مشوا وركضوا منتصبين هي تمنِّي. وأبدى ملاحظاتٍ حول تكهُّنات متهوِّرة في حقل أصول الإنسان مُبديًا استغرابه من “شرعيَّة هذا العِلم وإذا ما كان علمًا حقيقيًّا.” جونسون (Johnson)
- “إنَّ قصَّة تحدُّر الإنسان من القردة ليست مجرَّد نظريَّة علميَّة؛ إنَّها معادلة علمانيَّة لقصَّة آدم وحوَّاء، ولها أهمية ثقافية. ولنشر القصَّة كان لا بدَّ من وجود رسومٍ توضيحيَّة ومعارض في المتحف وبرامج تلفزيونية. وهي تتطلَّب كهنوتًا علميًّا مؤلَّفًا من جيشٍ من الباحثين والعلماء لنشر القصَّة بين الناس … لهذا الكهنوت العلميّ صلاحيَّة مسائلة وتحليل قصَّة الخلق. إذًا، لهؤلاء الخبراء مصلحةٌ راسخة في حماية قصَّتهم، وفرض قواعد معيَّنة في التفكير ما يجعلها منيعة. وعندما يسأل النقَّاد، ’هل نظريَّتك حقًّا صحيحة؟‘ لا يجب أن نكتفي بالجواب إنَّها ’علمٌ جيِّد، كما نُعرِّف العلم.‘” جونسون (Johnson)
- لا نجد التطوريِّين مهتَّمين باكتشاف ما إذا كانت نظريَّتهم صحيحة. يعتقدون أنَّه عند تجاهل إصبع الله في الخليقة، تصبح نظريَّتهم التفسير الوحيد المتوفِّر، لذلك نرى أنَّ عملهم ينصبُّ في معرفة كيفيَّة عمل نظريَّتهم وليس ما إذا كانت صحيحة.
هـ) لماذا نظريِّة التَّطوُّر (النشوء والإرتقاء) مُعتقدٌ بها عالميًّا اليوم؟
- في العشرينيَّات من القرن الماضي، تطوَّع أستاذٌ بديلٌ سابق في إحدى المدارس في تينيسي ليحامي عن قضيَّة تنوي الطعن بقانونٍ الولاية الذي يمنع تعليم نظريَّة التَّطوُّر في المدارس العامَّة. لم يكن الأستاذ متأكدًا حتَّى من أنَّه قد علَّم التَّطوُّر فيما مضى، رغم ذلك، استمرت المحاكمة.
- كان القاضي المسؤول عن القضيَّة وليام جينينغز براين (William Jennings Bryan)، وهو وزيرٌ سابقٌ للخارجيَّة في عهد وودرو ويلسون (Woodrow Wilson)، ومرشَّح للرئاسة لثلاث مرَّاتٍ عن الديموقراطيِّين. آمن براين بالكتاب المقدَّس، ولكن ليس حرفيًّا. كان يعتقد بأنَّ ’الأيَّام‘ في سفر التكوين تشير إلى حقباتٍ تاريخيَّة غير مُحدَّدة وليس أيَّامًا من ٢٤ ساعة. كان يقود الدفاع شخصٌ اسمه كلارنس دارو (Clarence Darrow)، محامٍ جنائيّ مشهور ومُحاضر مُلحِد. ناور دارو براين ليصعد إلى المنصَّة كشاهدٍ خبيرٍ في الكتاب المقدَّس، مُذلًّا إيَّاه في استجواب مُدمِّر. عندما انتهى الأمر، اعترف دارو بالذنب نيابة عن موكله ودفع غرامةً قدرها ١٠٠ دولار.
- لم تصل المحاكمة إلى نتيجةٍ تُذكَر، لكن أحد الصحافيِّين إتش إل مينكين (H.L. Mencken) قدَّمها إلى العالَم بشكلٍ ساخر فكانت انتصارًا للدَّاروينيَّة. أولئك الَّذين آمنوا بخلقِ الله اعتُبِروا أغبياء وحمقى، وأُعطيت نظريَّة التَّطوُّر مقام الإحترام. وإذا ما جمعنا هذا مع الحركة المناهضة للقوى الخارقة للطبيعة الممثَّلة بالكثير من العلماء والمعلِّمين، نرى أنَّ قبول العالَم اليوم لهذه النظريَّة يُصبح أمرًا مفهومًا.
- هذا الموقف السلوكيّ يُستخدَم في قمع النقاش والأسئلة حول نظريَّة التَّطوُّر اليوم. “عندما يسأل الغرباء عن ما إذا كانت هذه النظريَّة آمنة كما اعتقدنا، يُقال لهم بشكلٍ حاسِم أنَّ هذه الأسئلة ليست في محلِّها. فالحجج بين الخبراء تتعلَّق بقضايا التَّفاصيل، مثل المقياس الزمنيّ الدَّقيق وآليَّة التَّحوُّلات التَّطوريَّة. هذه الاختلافات هي علامات غير دالَّة على أزمةٍ ما، بقدر ما هي خميرة إبداعيَّة صحِّيَّة في الحقل العلميّ، وفي كلِّ الأحوال لا يوجد مساحة للشكِّ حول شيءٍ أسمَوهُ ’حقيقة‘ التَّطوُّر.” جونسون (Johnson)