سفر التكوين – الإصحاح ٢١
ولادة إسحاق
أولًا. ولادة إسحاق
أ ) الآية (١): يُتمِّم الله وعده لإبراهيم وسارة.
١وَٱفْتَقَدَ ٱلرَّبُّ سَارَةَ كَمَا قَالَ، وَفَعَلَ ٱلرَّبُّ لِسَارَةَ كَمَا تَكَلَّمَ.
- وَٱفْتَقَدَ ٱلرَّبُّ سَارَةَ كَمَا قَالَ: استغرق الوعد وقتًا طويلًا (٢٥ سنة) ليتحقَّق، لكنَّ الله كان أمينًا في وعدهِ. لا تفشل مواعيد الله أبدًا.
- كَمَا قَالَ: لم يتحقَّق الوعد بابنٍ لأنَّ إبراهيم كان كاملًا في طاعته، بل لأنَّ الله كان أمينًا لكلمته.
- بعض وعود الله مشروطة وتعتمد على أمرٍ ما يجب أن نعمله. هناك وعودٌ أخرى لله غير مشروطة، وسيتمِّمها الله ليس بسبب ما نفعله، بل بسبب منَ هو.
ب) الآيات (٢-٧): سُمِّيَ الابن إسحاق.
٢فَحَبِلَتْ سَارَةُ وَوَلَدَتْ لِإِبْرَاهِيمَ ٱبْنًا فِي شَيْخُوخَتِهِ، فِي ٱلْوَقْتِ ٱلَّذِي تَكَلَّمَ ٱللهُ عَنْهُ. ٣وَدَعَا إِبْرَاهِيمُ ٱسْمَ ٱبْنِهِ ٱلْمَوْلُودِ لَهُ، ٱلَّذِي وَلَدَتْهُ لَهُ سَارَةُ «إِسْحَاقَ». ٤وَخَتَنَ إِبْرَاهِيمُ إِسْحَاقَ ٱبْنَهُ وَهُوَ ٱبْنُ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ كَمَا أَمَرَهُ ٱللهُ. ٥وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ ٱبْنَ مِئَةِ سَنَةٍ حِينَ وُلِدَ لَهُ إِسْحَاقُ ٱبْنُهُ. ٦وَقَالَتْ سَارَةُ: «قَدْ صَنَعَ إِلَيَّ ٱللهُ ضِحْكًا. كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ يَضْحَكُ لِي». ٧وَقَالَتْ: «مَنْ قَالَ لِإِبْرَاهِيمَ: سَارَةُ تُرْضِعُ بَنِينَ؟ حَتَّى وَلَدْتُ ٱبْنًا فِي شَيْخُوخَتِهِ».!
- وَدَعَا إِبْرَاهِيمُ ٱسْمَ ٱبْنِهِ ٱلْمَوْلُودِ لَهُ، ٱلَّذِي وَلَدَتْهُ لَهُ سَارَةُ إِسْحَاقَ: كان اسمُ إِسْحَاق يعني في الأصل نوعًا من التوبيخ لضَحِك إبراهيم وسارة (تكوين ١٧:١٧-١٩ و١٢:١٨-١٥)، لكنَّ الله حوَّل توبيخًا ناعمًا إلى مناسبة للفرح.
- إِسْحَاقَ: أصبح إسحاق نموذجًا أو صورةً رائعة عن المسيَّا الآتي، يسوع المسيح.
- كلاهما كانا ابنَين موعودَين بشكلٍ خاص.
- كلاهما حُبِل بهما عجائبيًّا.
- كلاهما وُلِدا بعد فترةٍ من التَّأخير.
- أُمُّهُما كلتاهما أُعطيتا تأكيدًا على قدرة الله المطلَقة (تكوين ١٣:١٨-١٤؛ لوقا ٣٤:١، ٣٧).
- كلاهما أُعطيا أسماءً غنيَّة مع معاني قبل ولادتهما.
- تحقَّقت ولادتهما في الوقت المعيَّن من الله (تكوين ٢:٢١؛ غلاطية ٤:٤).
- ترافقت ولادتهما مع فرحٍ عظيم (تكوين ٦:٢١ ؛ لوقا ٤٦:١-٤٧، ١٠:٢-١١).
ثانيًا. النزاع بين إسماعيل وإسحاق
أ ) الآيات (٨-١١): تُريد سارة من إبراهيم أن يطرد هاجر وابنها كليهما.
٨فَكَبِرَ ٱلْوَلَدُ وَفُطِمَ. وَصَنَعَ إِبْرَاهِيمُ وَلِيمَةً عَظِيمَةً يَوْمَ فِطَامِ إِسْحَاقَ. ٩وَرَأَتْ سَارَةُ ٱبْنَ هَاجَرَ ٱلْمِصْرِيَّةِ ٱلَّذِي وَلَدَتْهُ لِإِبْرَاهِيمَ يَمْزَحُ، ١٠فَقَالَتْ لِإِبْرَاهِيمَ: «ٱطْرُدْ هَذِهِ ٱلْجَارِيَةَ وَٱبْنَهَا، لِأَنَّ ٱبْنَ هَذِهِ ٱلْجَارِيَةِ لَا يَرِثُ مَعَ ٱبْنِي إِسْحَاقَ». ١١فَقَبُحَ ٱلْكَلَامُ جِدًّا فِي عَيْنَيْ إِبْرَاهِيمَ لِسَبَبِ ٱبْنِهِ.
- فَكَبِرَ ٱلْوَلَدُ وَفُطِمَ: يقول بعض القدماء بأنَّ الأولاد لم يُفطَموا حتَّى عمر ١٢ سنة وربَّما ٥ سنوات كما يقول البعض، لكنَّ البحث الأكثر اعتمادًا يُشير إلى عمر ٣ سنوات. كان إسحاق صغيرًا.
- وَرَأَتْ سَارَةُ ٱبْنَ هَاجَرَ … يَمْزَحُ: كان هذا النزاع بين الابنَين تقريبًا حتميًّا، على الرغم من وجود فارقٍ بنيهما بحوالي ١٣ سنةً تقريبًا. وجد إبراهيم صعوبةً في قبول تذمُّر سارة، عندما لم يُرِد أن يرفض ابنه من هاجر، إسماعيل.
- لاحظ أنَّ الخلاف أتى من إسماعيل تجاه إسحاق. إسماعيل هو مَن كان يمزح مع إسحاق. في غلاطية ٢٢:٤-٢٩، استعمل بولس هذا النزاع كصورة عن النزاع بين المولودين بالوعد وأولئك المولودين بالجسد.
- في غلاطية ٤، اعترض اليهود الناموسيُّون الَّذين كانوا يُزعجون الغلاطيِّين قائلين أنَّهم أولاد إبراهيم وبالتالي مباركين. اعترف بولس بأنَّهم أولاد إبراهيم، لكنَّهم كانوا مثل إسماعيل وليس إسحاق! ادَّعى الناموسيُّون بأنَّ إبراهيم أبوهم. فسألهم بولس عن مَن كانت أُمّهم، هاجر أم سارة؟ وُلِد إسماعيل من جارية وَوُلِد بحسب الجسد. وُلِد إسحاق من امرأةٍ حُرَّة وَوُلِد بحسب الوعد. وحتَّى مع ذلك، روَّج الناموسيُّون لعلاقةٍ مع الله مبنيَّة على العبوديَّة وبحسب الجسد. إنَّ إنجيل النعمة الحقيقيّ يهبُ الحريَّة في يسوع المسيح وهو وعدٌ يُؤخَذ بالإيمان.
- حتَّى وإن اضطهد إسماعيل ونسله إسحاق ونسله، لا يجب أن نتعجَّب بأنَّ الناس، في أيَّامنا هذه، الَّذين يتبعون الله باعتماد القوَّة البشريَّة والحكمة (في الجسد)، يضطهدون بالفعل أولئك الَّذين يتبعون الله بالإيمان بواسطة الوعد.
ب) الآيات (١٢-١٤): بناءً على توجيه الله، يطرد إبراهيم هاجر وابنها.
١٢فَقَالَ ٱللهُ لِإِبْرَاهِيمَ: «لَا يَقْبُحُ فِي عَيْنَيْكَ مِنْ أَجْلِ ٱلْغُلَامِ وَمِنْ أَجْلِ جَارِيَتِكَ. فِي كُلِّ مَا تَقُولُ لَكَ سَارَةُ ٱسْمَعْ لِقَوْلِهَا، لِأَنَّهُ بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ. ١٣وَٱبْنُ ٱلْجَارِيَةِ أَيْضًا سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً لِأَنَّهُ نَسْلُكَ». ١٤فَبَكَّرَ إِبْرَاهِيمُ صَبَاحًا وَأَخَذَ خُبْزًا وَقِرْبَةَ مَاءٍ وَأَعْطَاهُمَا لِهَاجَرَ، وَاضِعًا إِيَّاهُمَا عَلَى كَتِفِهَا، وَٱلْوَلَدَ، وَصَرَفَهَا. فَمَضَتْ وَتَاهَتْ فِي بَرِّيَّةِ بِئْرِ سَبْعٍ.
- فِي كُلِّ مَا تَقُولُ لَكَ سَارَةُ ٱسْمَعْ لِقَوْلِهَا: ربَّما لم يُرِد إبراهيم أن يتخلَّى عن إسماعيل بسبب اعتباره ابنَ هاجر كخطَّةٍ بديلة. فإذا حصل أمرٌ مكروهٌ لإسحاق، سيكون هناك دائمًا إسماعيل. لم يُرِد الله أن يثق إبراهيم بابنٍ بديل أو بخطَّةٍ بديلة. أراد الله إبراهيم أن يثق به.
- ربَّما تمَّ إغراء إبراهيم برفض مشورة سارة لمجرَّد أنَّ سارة هي التي عرضتها. بدلًا من ذلك، طلب رأي الرَّبِّ في الأمر ونفَّذ ما اقترحته سارة، وفعل ذلك من دون أن يشعر أنَّه استسلم لمطالب سارة.
- وَصَرَفَهَا: كان حلُّ الله واضحًا – تخلَّص من ابن الجسد. لم يكن هناك مكانٌ للمصالحة مع الجسد، ولا وجود لتعايشٍ سلميّ. يجب إبعاد ابن الجسد ببساطة إلى الأبد.
- هذا هو نفس الحلِّ في حربنا الدَّائرة بين الثقة بالجسد والثقة بالروح القدس: ٱطْرُدْ هَذِهِ ٱلْجَارِيَةَ وَٱبْنَهَا. لا يتعايش الناموس والنعمة إلى الأبد كقواعد لحياتنا المسيحيَّة، ولا مجال للتساؤل حول انتمائنا للحرَّة وليس لِلْجارية.
- فَمَضَتْ وَتَاهَتْ فِي بَرِّيَّةِ بِئْرِ سَبْعٍ: قد يبدو أنَّ عمل إبراهيم هذا كان قاسٍ، لكنَّه كان تمامًا كما أراده الله، وتمامًا ما كان يجب أن يتمّ.
- لا يُشكِّل اللَّحم والدم الرِّباط الأقوى الَّذي يريدنا الله أن نكرِّمه. هناك ظروف لا يمكننا فيها فعل أيِّ شيءٍ سوى التَّخلِّي عن العائلة من أجل مجد الله.
- يريدنا الله أنَّ نكون قُساةً مع الجسد بنفس الأسلوب: وَلَكِنَّ ٱلَّذِينَ هُمْ لِلْمَسِيحِ قَدْ صَلَبُوا ٱلْجَسَدَ مَعَ ٱلْأَهْوَاءِ وَٱلشَّهَوَاتِ (غلاطية ٢٤:٥).
- وَأَخَذَ خُبْزًا وَقِرْبَةَ مَاءٍ: كان إبراهيم رجلًا غنيًّا ويمكنه بكلِّ تأكيد تحمُّل إعطائهم المزيد من الإمدادات، حتَّى إعطائهم حمارًا أو عدَّة حيواناتٍ مُحمَّلة. بالرغم من ذلك، لاحظ إبراهيم أنَّه بدون عون الله، مهما أعطاهما لن يكون كافيًا. لكن مع الله، ستسير الأمور على ما يرام.
ج) الآيات (١٥-١٨): يحفظ الله إسماعيل وهاجر في الصحراء.
١٥وَلَمَّا فَرَغَ ٱلْمَاءُ مِنَ ٱلْقِرْبَةِ طَرَحَتِ ٱلْوَلَدَ تَحْتَ إِحْدَى ٱلْأَشْجَارِ، ١٦وَمَضَتْ وَجَلَسَتْ مُقَابِلَهُ بَعِيدًا نَحْوَ رَمْيَةِ قَوْسٍ، لِأَنَّهَا قَالَتْ: «لَا أَنْظُرُ مَوْتَ ٱلْوَلَدِ». فَجَلَسَتْ مُقَابِلَهُ وَرَفَعَتْ صَوْتَهَا وَبَكَتْ. ١٧فَسَمِعَ ٱللهُ صَوْتَ ٱلْغُلَامِ، وَنَادَى مَلَاكُ ٱللهِ هَاجَرَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ وَقَالَ لَهَا: «مَا لَكِ يَا هَاجَرُ؟ لَا تَخَافِي، لِأَنَّ ٱللهَ قَدْ سَمِعَ لِصَوْتِ ٱلْغُلَامِ حَيْثُ هُوَ. ١٨قُومِي ٱحْمِلِي ٱلْغُلَامَ وَشُدِّي يَدَكِ بِهِ، لِأَنِّي سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً عَظِيمَةً».
- وَلَمَّا فَرَغَ ٱلْمَاءُ مِنَ ٱلْقِرْبَةِ: وكما ارتحل هاجر وإسماعيل بعيدًا عن إبراهيم، بدأت المؤَن بالنَّفاذ في نهاية المطاف. فَرَغَ ٱلْمَاءُ الَّذي كان بحوزتهما وتركت هاجر ابنها تحت ظلِّ إِحْدَى ٱلْأَشْجَارِ، مُتوقِّعةً موتهما في البريَّة.
- “ها هو حنانُ الأمِّ لولدها ينفذ مع العطش، وتذكَّر أنَّ هذا الحنان يجب أن يكون شعور كلِّ المسيحيِّين الغيارى على الأرواح الهالكة بسبب عدم وجود المسيح والهالكة أبديًّا والهالكة بدون أملٍ في الخلاص.” سبيرجن (Spurgeon)
- فَسَمِعَ ٱللهُ صَوْتَ ٱلْغُلَامِ: عندما هاجر رَفَعَتْ صَوْتَهَا وَبَكَتْ، أجابها الله. من الملفِت للنظر، سمع الله استجابةً لـ صَوْتِ ٱلْغُلَامِ وليس لِبكاء هاجر. بطريقةٍ ما، صرخ إسماعيل طالبًا الرحمة والمساعدة.
- لَا تَخَافِي، لِأَنَّ ٱللهَ قَدْ سَمِعَ لِصَوْتِ ٱلْغُلَامِ حَيْثُ هُوَ: بالرغم من المشكلة اليائسة في البريَّة، أعطى وعدُ الله هاجر وإسماعيل سببًا لـ عدم الخوف. أظهر الله خدمةً خاصَّة لإسماعيل لأنَّه كان ذريَّةَ إبراهيم.
- لِأَنِّي سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً عَظِيمَةً: بالرغم من أنَّ إسماعيل لم يكُن ابن الموعد، لم يكُن الله ضدَّه. أصبح نسلُ إبراهيم أُمَّةً عَظِيمَةً، الشعب العربيّ.
د ) الآيات (١٩-٢١): عناية الله بهاجر وإسماعيل.
١٩وَفَتَحَ ٱللهُ عَيْنَيْهَا فَأَبْصَرَتْ بِئْرَ مَاءٍ، فَذَهَبَتْ وَمَلَأَتِ ٱلْقِرْبَةَ مَاءً وَسَقَتِ ٱلْغُلَامَ .٢٠وَكَانَ ٱللهُ مَعَ ٱلْغُلَامِ فَكَبِرَ، وَسَكَنَ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ، وَكَانَ يَنْمُو رَامِيَ قَوْسٍ. ٢١وَسَكَنَ فِي بَرِّيَّةِ فَارَانَ، وَأَخَذَتْ لَهُ أُمُّهُ زَوْجَةً مِنْ أَرْضِ مِصْرَ.
- وَفَتَحَ ٱللهُ عَيْنَيْهَا فَأَبْصَرَتْ بِئْرَ مَاءٍ: سواء كانت العجيبة أن الله خلقَ مصدرًا للمياه أو أظهر مصدرًا للمياه كان موجودًا، فقد اعتنى الله بحاجة هاجر وإسماعيل.
- يشرح سبيرجن (Spurgeon) أوجُه الشبه بين هاجر والشخص الَّذي يحتاج إلى الله. “أوَّلًا، كما في حالة هاجر، فإنَّ توفير احتياجاته هو في مُتناول اليد: البئر قريب. ثانيًا، غالبًا ما يحدث أنَّ احتياجاته تمَّ توفيرها له وله وحده، كما يبدو أنَّ هذه هي الحال. وثالثًا، لا حاجة إلى بذل مجهود كبير للحصول على كلِّ ما نريده من الاحتياجات التي قدَّمها الله بالفعل. ملأت قُربتها بالماء – عملًا مُفرِحًا لها؛ وأعطت الولد ليشرب.”
- وَكَانَ ٱللهُ مَعَ ٱلْغُلَامِ: إنَّ الفكرة المركَّز عليها هي أنَّ الله لم يكُن ضدَّ إسماعيل ونسله. الله كان مَعَ إسماعيل، وكان له وعدًا بمُستقبله.
ثالثًا. يُبرِم إبراهيم عهدًا مع ملكٍ فلسطينيّ
أ ) الآيات (٢٢-٢٤): يصنع إبراهيم معاهدة لا عدائيَّة مع أبيمالك.
٢٢وَحَدَثَ فِي ذَلِكَ ٱلزَّمَانِ أَنَّ أَبِيمَالِكَ وَفِيكُولَ رَئِيسَ جَيْشِهِ كَلَّمَا إِبْرَاهِيمَ قَائِلَيْنِ: «ٱللهُ مَعَكَ فِي كُلِّ مَا أَنْتَ صَانِعٌ. ٢٣فَٱلْآنَ ٱحْلِفْ لِي بِٱللهِ هَهُنَا أَنَّكَ لَا تَغْدُرُ بِي وَلَا بِنَسْلِي وَذُرِّيَّتِي، كَٱلْمَعْرُوفِ ٱلَّذِي صَنَعْتُ إِلَيْكَ تَصْنَعُ إِلَيَّ وَإِلَى ٱلْأَرْضِ ٱلَّتِي تَغَرَّبْتَ فِيهَا». ٢٤فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: «أَنَا أَحْلِفُ».
- أَبِيمَالِكَ … كَلَّمَا إِبْرَاهِيمَ: ربَّما لم يكُن هذا هو أبيمالك نفسه المذكور في تكوين ٢٠. كان أَبِيمَالِك صفةً لحاكمٍ بين الكنعانيِّين وليس اسمًا خاصًا. التقى هذا الحاكم وَفِيكُول، رَئِيسَ جَيْشِهِ، بإبراهيم.
- ٱللهُ مَعَكَ فِي كُلِّ مَا أَنْتَ صَانِعٌ: لاحظ أبيمالك هذا بسبب نزاهة إبراهيم وبسبب البركة الواضحة في حياته. كان لإبراهيم أعظم البركات: حضور الله في حياته.
- “أعتقد أنَّ أعظم بركة يُمكِن أن يعطيها الله للإنسان هي حضوره الشخصيّ. لو كان لي خيارٌ في كلِّ البركات التي في حياتي، فلا ينبغي حتمًا أن أطلُبَ غنًى، لأنَّ هذا لا يجلب الرَّاحة؛ ولا يجب أن أطلُبَ الشهرة، لأنَّه لا راحة للإنسان الَّذي يتوقَّع منه الآخرون الاستمرار بالكلام، ولأنَّها مَهمَّةٌ صعبة لإنجاز ذلك؛ لكن يجب أن أختار، كأعظم شرفٍ لي، أن يكون الله دائمًا معي.” سبيرجن (Spurgeon)
- فَٱلْآنَ ٱحْلِفْ لِي بِٱللهِ هَهُنَا أَنَّكَ لَا تَغْدُرُ بِي: لأنَّ الله بارك إبراهيم بشكلٍ كبير، كان رجلًا غنيًّا جدًّا وذا نفوذٍ وقوَّة. علِم أبيمالك أنَّه من المهمِّ بمكان ما أن يكون إبراهيم إلى جانبه وجانب نسله. وافق إبراهيم، قائلًا: ’أَنَا أَحْلِفُ.‘
ب) الآيات (٢٥-٣١): برجوعه إلى المعاهدة، يُزيل إبراهيم خلافًا حول بئرٍ مُهمٍّ.
٢٥وَعَاتَبَ إِبْرَاهِيمُ أَبِيمَالِكَ لِسَبَبِ بِئْرِ ٱلْمَاءِ ٱلَّتِي ٱغْتَصَبَهَا عَبِيدُ أَبِيمَالِكَ. ٢٦فَقَالَ أَبِيمَالِكُ: «لَمْ أَعْلَمْ مَنْ فَعَلَ هَذَا ٱلْأَمْرَ. أَنْتَ لَمْ تُخْبِرْنِي، وَلَا أَنَا سَمِعْتُ سِوَى ٱلْيَوْمِ». ٢٧فَأَخَذَ إِبْرَاهِيمُ غَنَمًا وَبَقَرًا وَأَعْطَى أَبِيمَالِكَ، فَقَطَعَا كِلَاهُمَا مِيثَاقًا. ٢٨وَأَقَامَ إِبْرَاهِيمُ سَبْعَ نِعَاجٍ مِنَ ٱلْغَنَمِ وَحْدَهَا. ٢٩فَقَالَ أَبِيمَالِكُ لِإِبْرَاهِيمَ: «مَا هِيَ هَذِهِ ٱلسَّبْعُ ٱلنِّعَاجِ ٱلَّتِي أَقَمْتَهَا وَحْدَهَا؟» ٣٠فَقَالَ: «إِنَّكَ سَبْعَ نِعَاجٍ تَأْخُذُ مِنْ يَدِي، لِكَيْ تَكُونَ لِي شَهَادَةً بِأَنِّي حَفَرْتُ هَذِهِ ٱلْبِئْرَ». ٣١لِذَلِكَ دَعَا ذَلِكَ ٱلْمَوْضِعَ «بِئْرَ سَبْعٍ»، لِأَنَّهُمَا هُنَاكَ حَلَفَا كِلَاهُمَا.
- وَعَاتَبَ إِبْرَاهِيمُ أَبِيمَالِكَ لِسَبَبِ بِئْرِ ٱلْمَاءِ: بما أنَّ كنعان لم يكُن لها أنهُرٌ هامَّة واعتمادٌ كبيرٌ على المطر، كان البئر مُلكًا مُهمًّا واستراتيجيًّا. على ما يبدو، كان يمتلك إبراهيم بِئْرِ ٱلْمَاءِ التي ٱغْتَصَبَهَا عَبِيدُ أَبِيمَالِك. لم يقبل رجُل الإيمان ببساطة هذا الخطأ؛ عَاتَبَ أَبِيمَالِكَ لِسَبَبِ بِئْرِ ٱلْمَاءِ.
- فَأَخَذَ إِبْرَاهِيمُ غَنَمًا وَبَقَرًا وَأَعْطَى أَبِيمَالِكَ، فَقَطَعَا كِلَاهُمَا مِيثَاقًا: كانت الأغنام والأبقار تُستخدَم كذبائح لإبرام أو فسخِ معاهدةٍ ما كما في تكوين ٧:١٥-٢١.
- إِنَّكَ سَبْعَ نِعَاجٍ تَأْخُذُ مِنْ يَدِي: كانت السَبْعُ نِعَاجٍ هديَّةً خاصَّة من إبراهيم إلى أبيمالك لإظهار الإحسان ولتقديم بعض التعويض لخسارته الولوج إلى البئر. فهِم إبراهيم حقوق ملكيَّته، لكنَّه لم يكُن طمَّاعًا أو بخيلًا. كان قبول النعاج السبع اعترافًا بأنَّ إبراهيم حفر البئر وهي مُلكُه.
- لِذَلِكَ دَعَا ذَلِكَ ٱلْمَوْضِعَ بِئْرَ سَبْعٍ: كان هذا اسمًا توضيحيًّا. تعني بِئْرَ سَبْعٍ مكان مياه، بئر مياهٍ جوفيَّة. يفهم البعض الإسم الكتابي بِئْرَ سَبْعٍ كـ بئرٍ من سبعة أو بئر القسَم. ستُصبِح بِئْرَ سَبْعٍ مكانًا بارزًا في تاريخ الإسرائيليِّين المستمرّ، ويستمرُّ اليوم كمدينةٍ مُهمَّة في إسرائيل الحديثة (بئر سبع).
- حفر ابن إبراهيم، إسحاق، هذه البئر مرَّةً أُخرى، وبنى مذبحًا في بئر سبع (تكوين ٢٣:٢٦-٣٣).
- توقَّف حفيد إبراهيم، يعقوب، في بئر سبع عند تركه أرض الموعد (تكوين ١٠:٢٨-١٥، ١:٤٦-٧).
- عندما ضمَّ الإسرائيليُّون أرض الموعد، أصبحت بئر سبع المنطقة الخاصَّة بسبط شمعون ويهوذا (يشوع ٢٨:١٥، ٢:١٩).
- كان أبناء صموئيل قضاةً في بئر سبع (١ صموئيل ٢:٨).
- حصَّن الملك شاول بئر شبع في حروبه ضدَّ العماليق (١ صموئيل ٤٨:١٤، ٢:١٥-٩).
- وجد النبيُّ إيليَّا ملجأً في بئر سبع عندما أمرت إيزابيل بقتله (١ ملوك ٣:١٩).
- ذكر النبيُّ عاموس بئر سبع في علاقتها بعبادة الأوثان (عاموس ٥:٥ و١٤:٨).
- إنَّ العبارة من دان إلى بئر سبع ستصبح فيما بعد مثَلًا يصِف أرض إسرائيل كلّها، من الشمال (دان) إلى الجنوب (بئر سبع). يُمكن أن يُرى هذا في هذه المقاطع مثل قضاة١:٢٠، ١ صموئيل ٢٠:٣، ٢ صموئيل ١٠:٣، ١ ملوك ٢٥:٤، وأخرى كثيرة غيرها.
ج) الآيات (٣٢-٣٤): يدعو إبراهيم باسم الرَّبِّ.
٣٢فَقَطَعَا مِيثَاقًا فِي بِئْرِ سَبْعٍ، ثُمَّ قَامَ أَبِيمَالِكُ وَفِيكُولُ رَئِيسُ جَيْشِهِ وَرَجَعَا إِلَى أَرْضِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ. ٣٣وَغَرَسَ إِبْرَاهِيمُ أَثْلًا فِي بِئْرِ سَبْعٍ، وَدَعَا هُنَاكَ بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ ٱلْإِلَهِ ٱلسَّرْمَدِيِّ. ٣٤وَتَغَرَّبَ إِبْرَاهِيمُ فِي أَرْضِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ أَيَّامًا كَثِيرَةً.
- وَغَرَسَ إِبْرَاهِيمُ أَثْلًا فِي بِئْرِ سَبْعٍ: بعد المعاهدة الناجحة، قام إبراهيم بأمرٍ يتطلَّع إلى العقود والأجيال القادمة. تحتاج شجرة أَثْلٍ (شجرة أرزٍ) إلى وقتٍ طويل كي تنمو، لكنَّ إبراهيم علِم أنَّ الله قد وعد بالأرض له ولنسله إلى الأبد.
- وَدَعَا هُنَاكَ بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ ٱلْإِلَهِ ٱلسَّرْمَدِيِّ: حتَّى خلال هذا الوقت من الصراع في عائلته وبين جيرانه، حافظ إبراهيم على مسيرةٍ حقيقيَّة، حيَّة مع الله. لم يُبعِده الصراع عن الله، لكنَّه سمح له بتقريبه أكثر من الرِّبِّ.