سفر التكوين – الإصحاح ١٢
دعوة الله لأبرام؛ أبرام في مصر
أولًا. وعدُ الله لأبرام
أ ) الآيات (١-٣): عهدُ الله السابق مع أبرام.
١وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِأَبْرَامَ: «ٱذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى ٱلْأَرْضِ ٱلَّتِي أُرِيكَ.٢فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ ٱسْمَكَ، وَتَكُونَ بَرَكَةً. ٣وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ، وَلَاعِنَكَ أَلْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ ٱلْأَرْضِ».
- وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِأَبْرَامَ: في سفر أعمال الرسل ٢:٧-٤، أظهر الله من خلال استفانوس أنَّ الوعد أُعطيَ لأبرام وَهُوَ فِي مَا بَيْنَ ٱلنَّهْرَيْنِ، قَبْلَمَا سَكَنَ في حَارَانِ. يُكرِّر سفر التكوين ١:١٢-٣ الوعد الَّذي قاله الله لأبرام. كرَّر الله الوعد الآن في الوقت الَّذي مات فيه أبوه ما اضطرَّ أبرام إلى طاعةٍ كاملة.
- إنَّ طاعة أبرام لم تُحبِط وعد الله. بدلًا من ذلك، كان هذا يعني أنَّ الوفاء بالوعد قد تأخَّر حتى أصبح أبرام جاهزًا لفعل ما أمره الرَّبُّ أن يفعله.
- سيكون أبرام بالتَّأكيد عملاق الإيمان، حتَّى أبًا للمؤمنين (غلاطية ٧:٣)؛ ومع ذلك فهو لم يبدأ كبطلٍ للإيمان. نرى أبرام كمثال للنموِّ في الإيمان والطاعة.
- إنَّ الأهم من إيمان أبرام هو وعد الله. لاحظ كم من مرَّةٍ يقول الله أنا أُريد في هذه الأعداد. نعتبِر تكوين ١١ أصحاحًا ينفرد بإظهار خطط الإنسان. أمَّا تكوين ١٢ فهو عن خطط الله. يشرح تكوين ١:١٢-٣ كيف وعد إله أبرام بأرضٍ وبأُمَّة وبِبَركة.
- إِلَى ٱلْأَرْضِ ٱلَّتِي أُرِيكَ: بعد أن ذكَر أنَّه يريد من أبرام أن يتركَ بلده وأقاربه، وعد الله أبرام بأرض. وبالأخصِّ، وعد الله بأرض كنعان، ما يمكن أن يُسمَّى الآن بـ ‘إسرائيل الكبرى.’
- فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً: وعد الله أن يصنع أُمَّةً من أبرام. سيكون لديه أبناء وأحفاد ومتحدِّرون آخرون، ما يكفي لإسكان أُمَّةٍ عظيمة.
- وَأُعَظِّمَ ٱسْمَكَ: وعد الله أن يبارك أبرام ويجعل اسمه عظيمًا. ربَّما لا يوجد اسم أكثر تكريمًا في التاريخ من اسم أبرام، المكرَّم من اليهود والمسلمين والمسيحيِّين.
- وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ، وَلَاعِنَكَ أَلْعَنُهُ: وعد الله أيضًا أنَّه سيُباركُ مُباركيه و يلعن لاعنيه. هذا الوعد – الموروث من قِبَل أولاد أبرام بالعهد، الشعب اليهوديّ – يبقى صالحًا اليوم وهو أصلُ سقوط وموت الكثير من الإمبراطوريَّات.
- من الناحية التاريخية، أنعم الله على الكثير من الدول التي عاملت الشعب اليهودي بطريقة جيدة. “عندما اجتاح اليونانيُّون فلسطين ودنَّسوا المذبح في الهيكل اليهوديّ، سرعان ما تمَّ غزوهم من قِبَل روما. عندما قتلت روما بولس وآخرين ودمَّرت أورشليم تحت حكم تيطس، سرعان ما سقطت روما. تمَّ تخفيض إسبانيا إلى أمَّة من الدرجة الخامسة بعد تشريع محاكم التفتيش ضدَّ اليهود؛ سقطت بولندا بعد المذابح؛ سقطت ألمانيا التي كان يحكمُها هتلر بعد العربدة في معاداتها للسَّاميَّة؛ فقدت بريطانيا إمبراطوريَّتها عندما كسرت إيمانها بإسرائيل.” بارنهاوس (Barnhouse)
- أثَّر هذا الوعد أيضًا في الكنيسة. كانت الأزمِنَة التي أخذت فيها الكنيسة على عاتقها اضطهاد الشعب اليهوديّ أزمِنةً مُظلِمة ليس فقط لليهود ولكن أيضًا للكنيسة.
- وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ ٱلْأَرْضِ: لم يكن فقط وعد أبرام بالبركة، لكنَّ الله وعده أيضًا بأن يجعله بركةً، حتَّى الدرجة التي فيها تَتَبَارَك جميع قبائل الأرض في أبرام. تحقَّق هذا الوعد المذهل في المسيح الَّذي جاء من نسل أبرام. لم تكن بركة الله لأبرام لمصلحته، أو حتَّى من أجل الأمَّة اليهوديَّة الآتية. كانت من أجل العالَم كلِّه، من أجل جَمِيعُ قَبَائِلِ ٱلْأَرْضِ بواسطة يسوع المسيح.
- وَٱلْكِتَابُ إِذْ سَبَقَ فَرَأَى أَنَّ ٱللهَ بِٱلْإِيمَانِ يُبَرِّرُ ٱلْأُمَمَ، سَبَقَ فَبَشَّرَ إِبْرَاهِيمَ أَنْ ‘فِيكَ تَتَبَارَكُ جَمِيعُ ٱلْأُمَمِ.’ إِذًا ٱلَّذِينَ هُمْ مِنَ ٱلْإِيمَانِ يَتَبَارَكُونَ مَعَ إِبْرَاهِيمَ ٱلْمُؤْمِنِ (غلاطية ٨:٣-٩).
- وَهُمْ يَتَرَنَّمُونَ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً قَائِلِينَ: «مُسْتَحِقٌّ أَنْتَ أَنْ تَأْخُذَ ٱلسِّفْرَ وَتَفْتَحَ خُتُومَهُ، لِأَنَّكَ ذُبِحْتَ وَٱشْتَرَيْتَنَا لِلهِ بِدَمِكَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ (رؤيا ٩:٥). سوف يمسُّ عمل يسوع كلَّ جماعة من الناس على الأرض.
- اقتبس بويس (Boice) ملاحظة مارتن لوثر(Martin Luther)، الَّذي قال أنَّ الوعد وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ ٱلْأَرْضِ يجب أن يُكتَب ‘بأحرفٍ ذهبيَّة ويجب أن يُمدَح في جميع لُغَّات العالَم،’ لأن ‘من غيرُه … مَن وزَّع البركات على كلِّ الأمم، إلَّا ابنُ الله، ربُّنا يسوع المسيح؟’
- يشير هذا أيضًا إلى رؤيةٍ إرساليَّة قصدها الله أن تكون لنسل إبراهيم في العهد. كان عليهم أن ينظروا إلى ما أبعدَ من أنفسهم، إلى جميع الأمم، إلى جَمِيعُ قَبَائِلِ ٱلْأَرْضِ. “هناك ، كما ترى، كانت الشخصيَّة الارساليَّة لنسل إبراهيم، فيا ليتهم قد أدركوا ذلك. لم يباركهم الله من أجلهم فقط، بل أيضًا من أجل كلِّ الأمم: ‘وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ ٱلْأَرْضِ’” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآية (٤): ذهاب أبرام من حاران.
٤فَذَهَبَ أَبْرَامُ كَمَا قَالَ لَهُ ٱلرَّبُّ وَذَهَبَ مَعَهُ لُوطٌ. وَكَانَ أَبْرَامُ ٱبْنَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً لَمَّا خَرَجَ مِنْ حَارَانَ.
- وَذَهَبَ مَعَهُ لُوطٌ: كانت هذه أيضًا طاعةً جزئيَّة إضافيَّة بالنسبة إلى أبرام. أمره الله ٱذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ (تكوين١٢: ١)، إلَّا أنَّه أتى بابن أخيه معه. لم يكن لوط ليكون بركةً لأبرام. لم يكن سوى مصدرٍ للمشاكل والإزعاج.
- وَكَانَ أَبْرَامُ ٱبْنَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً لَمَّا خَرَجَ مِنْ حَارَانَ: جاء أبرام إلى أرض كنعان في هذا السنّ المتقدِّم. وأن يكون أبًا لولدٍ من ساراي وكأنَّه حُلُمٌ منسيّ.
ج) الآيات (٥-٦): وصول أبرام إلى كنعان.
٥فَأَخَذَ أَبْرَامُ سَارَايَ ٱمْرَأَتَهُ، وَلُوطًا ٱبْنَ أَخِيهِ، وَكُلَّ مُقْتَنَيَاتِهِمَا ٱلَّتِي ٱقْتَنَيَا وَٱلنُّفُوسَ ٱلَّتِي ٱمْتَلَكَا فِي حَارَانَ. وَخَرَجُوا لِيَذْهَبُوا إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ. فَأَتَوْا إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ. ٦وَٱجْتَازَ أَبْرَامُ فِي ٱلْأَرْضِ إِلَى مَكَانِ شَكِيمَ إِلَى بَلُّوطَةِ مُورَةَ. وَكَانَ ٱلْكَنْعَانِيُّونَ حِينَئِذٍ فِي ٱلْأَرْضِ.
- وَكُلَّ مُقْتَنَيَاتِهِمَا ٱلَّتِي ٱقْتَنَيَا وَٱلنُّفُوسَ ٱلَّتِي ٱمْتَلَكَا فِي حَارَانَ: ترك أبرام أور الكلدانيِّين مع أبيه وابن أخيه، متوقِّفًا في حاران مدَّةً كافية للحصول على مقتنياتٍ كثيرة و نفوس.
- فَأَتَوْا إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ: أتى أبرام إلى كنعان كغريب، ليعيش في أرضٍ مأهولة بالعشائر مُتجذِّرة في العنف والخطيَّة (تكوين ٣٤: ١-٥) لكن لِتُصبح أكثر سوءًا (تكوين ١٥: ١٦).
- وَٱجْتَازَ أَبْرَامُ فِي ٱلْأَرْضِ إِلَى مَكَانِ شَكِيمَ إِلَى بَلُّوطَةِ مُورَةَ: كانت هذه محطَّة أبرام الأولى في كنعان. جاء إلى شجرة بلوط بارزة (بَلُّوطَةِ مُورَة).
- إنَّ الإسم شَكِيم يعني كَتِف. ربَّما يأخذ معناه من جغرافيا المنطقة. الفكرة هي أنَّ التَّلَّتَين جرازيم وإيبال كانتا مثل ‘الكتف’ مع شكيم في وسطها. لم تكن شكيم وسط جبلين فحسب بل كانت أيضًا في وسط كنعان.
- هذا هو المكان الَّذي جاء إليه يعقوب بأمان عندما عاد مع نسائه وأولاده بعد إقامته مع لابان (تكوين ٣٣: ١٨).
- هنا اشترى يعقوب قطعة أرض من كنعانيٍّ يُدعى حمور، مقابل ١٠٠ قطعة من الفضة (تكوين ٣٣: ١٩).
- هذا هو المكان حيث بنى يعقوب مذبحًا للرَّبِّ ودعاه إِيلَ إِلَهَ إِسْرَائِيل (تكوين ٣٣: ٢٠). هنا توطَّدت العلاقة بين يعقوب وما صار يُعرَف بـ بئر يعقوب.
- كانت شكيم ذلك المكان حيث اغتُصِبت دينا، ابنة يعقوب – وارتكب أبناء يعقوب في انتقامهم مذبحةً ذهب ضحيَّتها رجال المدينة (تكوين ٣٤).
- كانت هذه بقعة الأرض التي أعطاها يعقوب لابنه يوسف، تلك الأرض التي استولى عليها من الأموريِّين بسيفه وقوسه في معركةٍ غير مُدوَّنة (تكوين ٢٢:٤٨).
- هذا هو المكان الَّذي دُفِنت فيه عظام يوسف عندما أُصعِدت من أرض مصر (يشوع ٣٢:٢٤).
- هذا هو المكان حيث قطع يشوع عهدًا مع إسرائيل، لتجديد التزامهم تجاه إله إسرائيل: وَأَمَّا أَنَا وَبَيْتِي فَنَعْبُدُ ٱلرَّبَّ (يشوع ٢٤).
- إنَّ اسم شَكِيم في العهد الجديد هو سُوخَار – حيث التقى يسوع بالمرأة السَّامريَّة عند ذلك البئر (يوحنَّا ٥:٤-٦).
- إنَّ الإسم شَكِيم يعني كَتِف. ربَّما يأخذ معناه من جغرافيا المنطقة. الفكرة هي أنَّ التَّلَّتَين جرازيم وإيبال كانتا مثل ‘الكتف’ مع شكيم في وسطها. لم تكن شكيم وسط جبلين فحسب بل كانت أيضًا في وسط كنعان.
- وَكَانَ ٱلْكَنْعَانِيُّونَ حِينَئِذٍ فِي ٱلْأَرْضِ: جاء أبرام إلى الأرض التي وعد بها الله، لكن الكنعانيُّون كانوا لا يزالون فِي ٱلْأَرْضِ. لم يكن لديهم نيَّة لإعطاء الأرض لأبرام، ولم يتخلَّوا عنها حتى أُجبِروا على الخروج منها بعد حوالي ٤٠٠ عام.
د ) الآيات (٧-٩): ظهور الله لأبرام في كنعان.
٧وَظَهَرَ ٱلرَّبُّ لِأَبْرَامَ وَقَالَ: «لِنَسْلِكَ أُعْطِي هَذِهِ ٱلْأَرْضَ». فَبَنَى هُنَاكَ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ ٱلَّذِي ظَهَرَ لَهُ. ٨ثُمَّ نَقَلَ مِنْ هُنَاكَ إِلَى ٱلْجَبَلِ شَرْقِيَّ بَيْتِ إِيلٍ وَنَصَبَ خَيْمَتَهُ. وَلَهُ بَيْتُ إِيلَ مِنَ ٱلْمَغْرِبِ وَعَايُ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ. فَبَنَى هُنَاكَ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ وَدَعَا بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ. ٩ثُمَّ ٱرْتَحَلَ أَبْرَامُ ٱرْتِحَالًا مُتَوَالِيًا نَحْوَ ٱلْجَنُوبِ.
- وَظَهَرَ ٱلرَّبُّ لِأَبْرَامَ: عندما كان أبرام في الأرض، ذكَّره الله بوعده. كانت ٱلْأَرْض التي رآها أبرام مُلكًا له ولِنَسله. كانت ٱلْأَرْض التي رآها أبرام بعينيه الجسديَّتَين أرضًا حقيقيَّة.
- لِنَسْلِكَ أُعْطِي هَذِهِ ٱلْأَرْضَ: لم يمتلك أبرام أيًّا من هذه الأرض باستثناء قطعة الأرض التي اشتراها لِدَفن زوجته (تكوين ٢٣: ١٤-٢٠). ومع ذلك، كان وعد الله دليلًا كافيًا ليؤكِّد لأبرام أنَّه يمتلك بالفعل المنطقة بأكملها.
- فَبَنَى هُنَاكَ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ: كان المذبح مُهمًّا بالنسبة إلى أبرام لأنَّه كان مكانًا للاجتماع مع الله ولِيُقدِّم ذبيحةً عن الخطيَّة ولِيُظهِر خضوعه لله ولكي يعبد الله.
- للمسيحيِّين مذبحٌ أيضًا (عبرانيِّين ١٠:١٣). نلتقي مع الله في أماكننا حيث نتذكَّر ذبيحة المسيح من أجل الخطيَّة (أفسس ٢:٥) وحيث نخضع لله كذبائح حيَّة (رومية ١:١٢) وحيث نُقدِّم ذبائح التَّسبيح (عبرانيِّين ١٥:١٣).
- وَنَصَبَ خَيْمَتَهُ: حتَّى في الأرض التي أعطاه إيَّاها الله، لم يعِش أبرام في بيت – لقد عاش دائمًا في خيمة. الخيام هي منزل الَّذين يمرُّون كرُحَّلٍ فقط ولا يضعون فيها جذورًا دائمة.
- نحن أيضًا وجِدنا لنعيش في الخيام كنزلاء، كغرباء على هذه الأرض (١ بطرس ١١:٢). يجب أن نعيش كأناسٍ لهم مكانُ سكنًى أبديٍّ في السماء، ليس على الأرض. الكثيرون من المسيحيِّين يريدون أن يبنوا البيوت على الأرض ويظنُّون أنَّهم سيفرحون بالخيام التي في السماء.
- النَّزيل أو الغريب هو شخصٌ يترك بيته ويتَّجه أو يحجُّ نحو مكانٍ مُحدَّد. هو ليس تائهًا؛ فالنَّزيل له هدف. كان هدف أبرام مدينة الله السماويَّة (عبرانيِّين ٨:١١-١٠، ١٤-١٦)، وهذا هدفنا أيضًا.
ثانيًا. أبرام في مصر
أ ) الآية (١٠): إيمان أبرام يُمتحَن بالجوع.
١٠وَحَدَثَ جُوعٌ فِي ٱلْأَرْضِ، فَٱنْحَدَرَ أَبْرَامُ إِلَى مِصْرَ لِيَتَغَرَّبَ هُنَاكَ، لِأَنَّ ٱلْجُوعَ فِي ٱلْأَرْضِ كَانَ شَدِيدًا.
- وَحَدَثَ جُوعٌ فِي ٱلْأَرْضِ: كان الجوع مشكلة خطيرة. مات الكثيرون من الناس من الجوع. وكان من الصواب أن يقلق أبرام بسبب المجاعة وإطعام أسرته. لكنَّه كان مُخطئًا في تفكيره أنَّ الله لن يُؤمِّن احتياجاته في المكان الَّذي طلب منه أن يعيش فيه. وبعد كلِّ هذا، دعا الله أبرام إلى كنعان وليس إلى مصر.
- أبرام، كمعظمنا، وجد أنَّه من الأسهل أن يثق بالله في وعوده البعيدة المنال بدلًا من قدرة الله على تأمين حاجاته الآنيَّة.
- فَٱنْحَدَرَ أَبْرَامُ إِلَى مِصْرَ: عندما نُمتحَن بهذه الطريقة، نعتقد أنَّ خياراتنا سليمة لأنَّ لا أذيَّة ستنتج عن ذلك. وإن بارك الله أبرام وحفظهُ حتَّى في مصر، فقد خرج بأمتعة زائدة وبتوبيخٍ من ملك وثنيّ. أتت الأذيَّة بسبب رحلته إلى مصر.
- برز هذا الأذى لاحقًا خصِّيصًا عندما أمست صبيَّة خادمة اسمها هاجر – التي اتَّخذتها ساراي لما كانت في مصر – مصدرًا لمشكلةٍ كبيرة بالنسبة لعائلة أبرام.
ب) الآيات (١١-١٣): شاعرًا بخطرٍ داهم في مصر، يُقنِع أبرام ساراي بالكذب بشأنه.
١١وَحَدَثَ لَمَّا قَرُبَ أَنْ يَدْخُلَ مِصْرَ أَنَّهُ قَالَ لِسَارَايَ ٱمْرَأَتِهِ: «إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ ٱمْرَأَةٌ حَسَنَةُ ٱلْمَنْظَرِ. ١٢فَيَكُونُ إِذَا رَآكِ ٱلْمِصْرِيُّونَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: هَذِهِ ٱمْرَأَتُهُ. فَيَقْتُلُونَنِي وَيَسْتَبْقُونَكِ. ١٣قُولِي إِنَّكِ أُخْتِي، لِيَكُونَ لِي خَيْرٌ بِسَبَبِكِ وَتَحْيَا نَفْسِي مِنْ أَجْلِكِ».
- إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ ٱمْرَأَةٌ حَسَنَةُ ٱلْمَنْظَرِ: كان أبرام قلقًا على جاذبيَّة زوجته ذات الستِّين عامًا في مصر. يُظهِر هذا أنَّ ساراي لم تكن فقط امرأةً لها جمالٌ خاص، بل أيضًا أن ليس كلُّ ثقافة تؤلِّه المظهر اليانع كما تفعل المجتمعات الحديثة.
- إنَّ العمر الطويل لحياة أبرام وساراي يُساعد في شرح جمالها. بما أنَّ أبرام عاش لـ ١٧٥ وساراي لـ ١٢٧، كان هذا عمرًا متوسِّطًا بالنسبة إليها، ربَّما يتوافق مع ما نعتقد بأنَّه العَقد الثالث من عمرها.
- تقول إحدى الأساطير اليهوديَّة أنَّه عندما نزل أبرام إلى مصر، حاول أن يُخبِّئ ساراي في صندوق. عندما سأله مسؤولو الجمارك المصريُّون عمَّا يوجَد في الصندوق، أجاب، ‘شعير.’ ‘كلَّا،’ قالوا له، ‘إنَّها تحتوي على القمح.’ ‘حسنٌ جدًّا،’ أجابهم أبرام. ‘سأدفع الضريبة على القمح،’ ثمَّ قال له المسؤولون إنَّها تحتوي على الفلفل. أجاب أبرام أنَّه سيدفع ضريبة الفلفل. ثمَّ قال المسؤولون إنَّها تحتوي على الذهب. أجاب أبرام أنَّه سيدفع ضريبة الذهب. ثمَّ قال المسؤولون إنَّها تحتوي على أحجارٍ نفيسة. أجاب أبرام أنَّه سيدفع ضريبة الأحجار النفيسة. في هذا الوقت أصرَّ المسؤولون على فتح الصندوق. وعندما فعلوا ذلك، أضاءت كلُّ مصرَ بجمال ساراي. كلُّ هذه الأساطير تقول أنَّه بالمقارنة مع ساراي، بدت كلُّ النساء الأخريات كقِرَدة. حتَّى أنَّها كانت أكثر جمالًا من حوَّاء مُقتبَس من جينزبرج (Ginzburg).
- قُولِي إِنَّكِ أُخْتِي: كان هذا الأمر في الواقع نصف الحقيقة. كانت ساراي أخت أبرام غير الشقيقة (تكوين ١٢:٢٠). لكن نصف الحقيقة هذه كانت كذبة كاملة. كان من الواضح أنَّ نيَّة أبرام هنا هي الخداع، وقد اتَّكل على خداعه ليحفظه بدلًا من التَّوكُّل على الرَّبِّ.
- إذا أردنا فعل شيء خاطئ، يمكننا أن نجد بعض الأسباب الوجيهة للقيام بذلك. إذا لم يكن بالإمكان أن نُفكِّر بالأسباب بأنفسنا، فسيكون الشيطان سعيدًا باقتراحها.
- من الناحية المثاليَّة يقول أبرام، “وعدني الله بالأولاد، وأنا لا أملكهم بعد؛ لذلك، أعلم أنني غير قابل للتدمير حتَّى يتحقَّق وعد الله، لأنَّ وعود الله هي دائمًا صحيحة. سيحفظني الله وزوجتي.”
ج) الآيات (١٤-١٥): أُخذت ساراي إلى بيت فرعون.
١٤فَحَدَثَ لَمَّا دَخَلَ أَبْرَامُ إِلَى مِصْرَ أَنَّ ٱلْمِصْرِيِّينَ رَأَوْا ٱلْمَرْأَةَ أَنَّهَا حَسَنَةٌ جِدًّا. ١٥وَرَآهَا رُؤَسَاءُ فِرْعَوْنَ وَمَدَحُوهَا لَدَى فِرْعَوْنَ، فَأُخِذَتِ ٱلْمَرْأَةُ إِلَى بَيْتِ فِرْعَوْنَ.
- أَنَّ ٱلْمِصْرِيِّينَ رَأَوْا ٱلْمَرْأَةَ أَنَّهَا حَسَنَةٌ جِدًّا: جذبت ساراي الانتباه لأنَّها كانت حَسَنَةً جِدًّا ولأنَّها أيضًا كانت برفقة رجلٍ يبدو غنيًّا ونافذًا (أبرام).
- فَأُخِذَتِ ٱلْمَرْأَةُ إِلَى بَيْتِ فِرْعَوْنَ: إنَّ فهمنا للمكانة التي كانت لأبرام وساراي في خطَّة الفداء، نلاحظ كم كان هذا الأمر جدِّيًّا. لم يُرِد الله لرحم ساراي أن يتدنَّس بملكٍ أُمميّ، لأنَّ المسيح سينحدر من سلالتها.
د ) الآيات (١٦-٢٠): يخرج أبرام من مصر بعد توبيخه من فرعون.
١٦فَصَنَعَ إِلَى أَبْرَامَ خَيْرًا بِسَبَبِهَا، وَصَارَ لَهُ غَنَمٌ وَبَقَرٌ وَحَمِيرٌ وَعَبِيدٌ وَإِمَاءٌ وَأُتُنٌ وَجِمَالٌ. ١٧فَضَرَبَ ٱلرَّبُّ فِرْعَوْنَ وَبَيْتَهُ ضَرَبَاتٍ عَظِيمَةً بِسَبَبِ سَارَايَ ٱمْرَأَةِ أَبْرَامَ. ١٨فَدَعَا فِرْعَوْنُ أَبْرَامَ وَقَالَ: «مَا هَذَا ٱلَّذِي صَنَعْتَ بِي؟ لِمَاذَا لَمْ تُخْبِرْنِي أَنَّهَا ٱمْرَأَتُكَ؟ ١٩لِمَاذَا قُلْتَ: هِيَ أُخْتِي، حَتَّى أَخَذْتُهَا لِي لِتَكُونَ زَوْجَتِي؟ وَٱلْآنَ هُوَذَا ٱمْرَأَتُكَ! خُذْهَا وَٱذْهَبْ»! ٢٠فَأَوْصَى عَلَيْهِ فِرْعَوْنُ رِجَالًا فَشَيَّعُوهُ وَٱمْرَأَتَهُ وَكُلَّ مَا كَانَ لَهُ.
- فَصَنَعَ إِلَى أَبْرَامَ خَيْرًا بِسَبَبِهَا: بارك الله أبرام حتَّى ولو لم يفعل ما كان يجب أن يُعمَل. استمرَّ الله بحفظ أبرام، حتَّى عندما تصرَّف ككاذب. لم ينكُس الله بوعده لأبرام، لأنَّ الوعد يستند على الله وليس على أبرام.
- مَا هَذَا ٱلَّذِي صَنَعْتَ بِي؟: يا للأسف، كان لا بدَّ من تأنيب أبرام بواسطة ملكٍ وثنيّ. تظهر حماية الله الإلهيَّة لأبرام وسراي أنَّه لو كان سيثق في الله ويقول الحقيقة، كان كلُّ شيءٍ سيكون على ما يُرام.
- لكنَّ الله مُنشغلٌ في نموِّ أبرام نحو ذلك الرجل صاحب الإيمان الكبير، وهذا يتطلَّب ظروفًا تُحتِّم على أبرام أن يثق بالله. “الإيمان ليس كالفطر الَّذي ينمو بين عشيَّة وضحاها في التربة الرطبة؛ إنَّه كشجرة البلُّوط التي تنمو لآلاف السِّنين تحت أعاصير الرياح والمطر” بارنهاوس (Barnhouse)