سفر التكوين – الإصحاح ١٦
هاجر وولادة إسماعيل
أولًا. ساراي تُعطي جاريتها هاجر إلى أبرام
أ ) الآيات (١-٢): تقترح ساراي ابنًا لأبرام من هاجر.
١وَأَمَّا سَارَايُ ٱمْرَأَةُ أَبْرَامَ فَلَمْ تَلِدْ لَهُ. وَكَانَتْ لَهَا جَارِيَةٌ مِصْرِيَّةٌ ٱسْمُهَا هَاجَرُ، ٢فَقَالَتْ سَارَايُ لِأَبْرَامَ: «هُوَذَا ٱلرَّبُّ قَدْ أَمْسَكَنِي عَنِ ٱلْوِلَادَةِ. ٱدْخُلْ عَلَى جَارِيَتِي لَعَلِّي أُرْزَقُ مِنْهَا بَنِينَ». فَسَمِعَ أَبْرَامُ لِقَوْلِ سَارَايَ.
- وَأَمَّا سَارَايُ ٱمْرَأَةُ أَبْرَامَ فَلَمْ تَلِدْ لَهُ: لسنين كثيرة خلَت، وعد الله أبرام أنَّه سيكون له نسل لا يُعدُّ من الكثرة (تكوين ٢:١٢). حتَّى هذه اللَّحظة، ليس له أولاد من ساراي امرأته.
- وَكَانَتْ لَهَا جَارِيَةٌ مِصْرِيَّةٌ: كانت هاجر بالتأكيد جزءًا ممَّا تلقَّاهُ أبرام أثناء وجوده في مصر (تكوين ١٦:١٢).
- “على الأرجح أنَّ هاجر كانت أحد العبيد الَّذين أعطاه إيَّاهُم فرعون عندما طرده هو وسارة؛ وأنت تعرف ما هي المشاكل التي جلبتها هاجر إلى العائلة. لو عاش أبرام حياةً مُنفصِلة ولم يقع تحت ثِقلِ عادات الَّذين حوله، لما كان لديه تلك الخطيَّة وذلك الحزن المتعلِّق بهاجر؛ ولما كان له ذلك التَّوبيخ البار من أبيمالك، ملك جيرار، عندما تصرَّف بالخداع معه بالنسبة إلى زوجته” سبيرجن (Spurgeon)
- فَقَالَتْ سَارَايُ لِأَبْرَامَ: هُوَذَا ٱلرَّبُّ قَدْ أَمْسَكَنِي عَنِ ٱلْوِلَادَةِ: فهمت ساراي أنَّ الله له سلطانٌ على الرحم. لقد وعد أبرام وساراي بنسلٍ، ولم يأتي هذا النسل بعد سنينٍ كثيرة. كان هناك الكثير من الألم في هذه الكلمات.
- ألَم الأمل المؤجَّل يجعل القلب مريضًا (أمثال ١٢:١٣).
- ألَم الصلاة غير المستجابة بعد.
- ألَم اليدَين اللَّتَين لم تضمَّا ابنها بعد.
- ألَم الخجل من العالَم.
- ألَم ملامة الله على المشاكل الشخصيَّة؛ عدم الإيمان هو خطيَّة، لكنَّه أيضًا مرضٌ يحمل الكثير من الألم.
- ٱدْخُلْ عَلَى جَارِيَتِي لَعَلِّي أُرْزَقُ مِنْهَا بَنِينَ: شجَّعت ساراي أبرام على أن ينخرط فيما كان يُعرَف في تلك الأيَّام بترتيب الأمِّ البديلة. بحسب العادة، سيُعتبر الولد ابنًا لأبرام وساراي، وليس ابنًا لأبرام وهاجر.
- يمكِن لساراي أن تُبرِّر ذلك بالقول أنَّها طريقة لتتميم وعد الله. “أبرام، لقد وعدك الله بأنَّك ستكون أبًا لأممٍ كثيرة، لكنَّه لم يذكرني بالتَّحديد. ربَّما أنت أبٌ لأممٍ كثيرة، لكنَّني لست الأُمَّ.”
- مع ذلك، كان هذا ضدَّ إرادة الله لأسبابٍ كثيرة.
- كانت هذه خطيَّة عدم الإيمان بالله وبوعده: آمنت ساراي بسلطان الله على الرحم، ثمَّ تصرَّفت ضدَّ ذلك.
- كانت هذه خطيَّة ضدَّ خطَّة الله للزَّواج: ذلك الرجل الواحد وتلك المرأة الواحدة في علاقة الجسد الواحد.
- كانت هذه خطيَّة ضدَّ زواج أبرام وساراي: لم يتمَّ هذا الترتيب البديل في عيادة الطَّبيب، بل في غرفة النوم.
- فَسَمِعَ أَبْرَامُ لِقَوْلِ سَارَايَ: لم تكن ساراي المرأة الأولى التي تتعذَّب بهذه الفكرة: سيكون زوجي في حالٍ أفضل مع شخصٍ آخَر. كان مؤذيًا لساراي أن تتمسَّك بهذه الفكرة؛ كان أسوأ بكثير لأبرام أن يستمِعَ لقولِ امرأته في هذا الموضوع.
- تمتلك امرأةٌ مسيحيَّة تقيَّة الكثير من الحكمة في علاقتها مع زوجها، والكثير من الأزواج يتعلَّمون قيمة الإصغاء لحكمة زوجاتهم. ومع ذلك، لا توجد زوجة معصومة عن الخطأ، وأبرام كان مسؤولًا عن استماعهِ للنصيحة غير الحكيمة، المبنيَّة على عدم الإيمان.
- كان يجب على أبرام أن يقول شيئًا من هذا القبيل: “بوركت يا ساراي – لكنَّك أنت زوجتي ونحن معًا في هذا. بالرغم من صعوبته، لِنَثقَ بالله مرَّةً أخرى من أجل مُعجزة. لا أُريد أن أُخطئ إلى الله وإلى زواجنا مع هذه الجارية المصريَّة.”
- يقتبِس جينزبرج من تقليدٍ يهوديّ، يقول أنَّه قبلما أتيا ليسكنا في أرض الموعد، اعتبر أبرام وساراي أنَّهما عاقران كَقصاصٍ لِعَدم عيشهما في الأرض. فقد مضت عشرُ سنينٍ على زواجهما، وما زالا بدون أولاد. شعرت ساراي أنَّه حان الوقت لعمل شيءٍ ما. ربَّما تفكَّرت بكلمات هذا المثل القديم (غير الكتابيّ)، ’إنَّ الله يُساعد الَّذين يساعدون أنفسهم.‘
ب) الآيات (٣-٤): يُوافِق أبرام على اقترح ساراي.
٣فَأَخَذَتْ سَارَايُ ٱمْرَأَةُ أَبْرَامَ هَاجَرَ ٱلْمِصْرِيَّةَ جَارِيَتَهَا، مِنْ بَعْدِ عَشَرِ سِنِينَ لإِقَامَةِ أَبْرَامَ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ، وَأَعْطَتْهَا لِأَبْرَامَ رَجُلِهَا زَوْجَةً لَهُ. ٤فَدَخَلَ عَلَى هَاجَرَ فَحَبِلَتْ. وَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهَا حَبِلَتْ صَغُرَتْ مَوْلَاتُهَا فِي عَيْنَيْهَا.
- فَأَخَذَتْ سَارَايُ ٱمْرَأَةُ أَبْرَامَ هَاجَرَ ٱلْمِصْرِيَّةَ جَارِيَتَهَا: تصرَّف كلٌّ منهما نسبةً لعدم إيمانه. لم يتزوَّج أبرام هاجر فعلًا، لكنَّه تصرَّف تجاهها كرجل لا يتصرَّف إلَّا هكذا تجاه زوجته.
- مِنْ بَعْدِ عَشَرِ سِنِينَ لإِقَامَةِ أَبْرَامَ: لقد مرَّت أكثر من عشر سنوات منذ الوعد بشأن نسل أبرام. وفقًا لكلِّ الحسابات، تبدو عشر سنوات وقتًا طويلًا لانتظار وعد الله.
- كانت ممارسة النَّسَب البديل شائعة نوعًا ما في العالَم القديم وقد تكون مقبولة عند الله في مناسبات أخرى؛ لكنَّها لم تكن لأبرام، خليل الله ورجل الإيمان. كان لله طريقٌ مختلفٌ له.
- كان أبرام وساراي مُحبَطَين لدرجة أنَّهما تعاملا مع مشكلة العقم هذه بوضعهم الله خارج الموضوع. وكأنَّهما قالا، “بما أنَّ الله هو خارج هذه المعادلة، كيف نحلُّ هذه المشكلة؟” كان هذا خاطئًا لاعتباراتٍ عدَّة.
- ليس الله خارج المعادلة أبدًا.
- يجب على رجال ونساء الإيمان أن يسلكوا بالإيمان – ليس بعدم الإيمان.
- يجب على رجال ونساء الإيمان أن يروا الأمور في العالَم الروحيّ، ليس فقط في العالَم المادِّيّ.
- إنَّ الانتظار الطويل للوعد أحبط عزيمتهما وجعلهما مُعرَّضَين للسلوك في الجسد. حتَّى بعد هذا، سيدوم الانتظار أكثر من ١٣ سنة حتَّى مجيء ابن الموعد.
- عندما نحاول بفارغ الصبر تحقيق وعود الله بمجهودنا، لا يُنجَز أيُّ شيءٍ بل ربَّما يؤخِّر هذا تتميم الوعد. كان على يعقوب أن يعيش منفيًّا لمدَّة ٢٥ سنة، لأنَّه ظنَّ أنَّه يجب ترتيب إتمام وعد الله بأخذ البركة من أبيه. كان على موسى أن يرعى الماشية لمدَّة ٤٠ سنة في البريَّة بعد محاولته تتميم وعد الله بقتله مصريًّا.
- من الأفضل أن نقبلَ عون الله أكثر من أن نُجرِّب أن نساعده بحكمتنا وحتَّى بعدم إيماننا. “أولئك الَّذين هُم فعلًا غيارى لله غالبًا ما يمدُّون أيديهم إلى ذلك الثمر الَّذي لن يُميتهم. للأسف، إنَّ الكثير من عمل المسيحيِّين يُنجَز بهذه الطريقة، وفي الوقت الَّذي فيه يتمُّ الحبَل، فالمولود لا يمكنه أن يكون وريثًا. إنَّ العمل المسيحيّ المنجَز فقط من خلال الجهد البشريّ بدون اعتبار الجسد ميِّتًا، وساراي كالميِّتة، يُمكِن أن يُنتِج حملاتِ نهضةٍ كبيرة لكن بدون أن يخلُص أحدٌ بالفعل وكنائسٍ أعضاؤها كثيرون مع زوانٍ كثير بين الحنطة.” بارنهاوس (Barnhouse)
- فَدَخَلَ عَلَى هَاجَرَ فَحَبِلَتْ: تصرَّف أبرام بِناءً على قوَّته الذاتيَّة وحكمته عندما وافق على الدخول على هاجر ولم يثق بقدرة الله على إعطائه وريثًا من ساراي. لكن هذا لم يكن مسألة رومانسيَّة حسيَّة. بحسب بعض عادات ذلك اليوم، كان على هاجر أن تجلس في حضن ساراي حيث قام أبرام بتلقيحها، ذلك لإظهار أنَّ الابن المولود سيكون شرعًا لساراي، بما أنَّ هاجر هي أُمٌّ بديلة عن ساراي.
- نفهم هذا من حادثة مماثلة حيث استُخدمت الجارية كأُمٍّ بديلة في حالة إعطاء راحيل جاريتها بِلْهَة ليعقوب عندما كانت راحيل عاقرًا. في هذا السياق، نقرأ في تكوين ٣:٣٠ فَقَالَتْ: هُوَذَا جَارِيَتِي بِلْهَةُ، ٱدْخُلْ عَلَيْهَا فَتَلِدَ عَلَى رُكْبَتَيَّ، وَأُرْزَقُ أَنَا أَيْضًا مِنْهَا بَنِينَ.
- تدلُّ العبارة ‘فَتَلِدَ عَلَى رُكْبَتَيَّ’ على ممارسةٍ قديمة للتَّبنِّي البديل. يعتقد البعض أنَّ هذه العبارة تدلُّ فقط على وضع الطفل بشكل رمزيٍّ على رُكبتَي مَن سيتبنَّاه. يعتقد آخرون أنَّها تشير إلى جلوس البديل على رُكبتَي الأمِّ المتبنِّية خلال التلقيح وبعد الولادة. مثلًا، بالرجوع إلى تكوين ٣:٣٠، يقول تفسير القرن العشرين للكتاب المقدَّس: ‘ربَّما تكون هذه الكلمات مقصودة حرفيًّا، وليس مجرد تبنِّي مجازيّ.’
- لا يجب أن ننظر إلى فكرة أنَّ هاجر تمَّ تلقيحها وولادتها ‘عَلَى رُكْبَتَيّ’ ساراي كأمرٍ مؤكَّد – لا نعرف الكثير عن هذه الممارسة القديمة، وحتَّى لو كانت عادة قديمة، فهذا لا يعني أنَّها كانت متَّبعة في كلِّ حالة. لكنَّها بالتَّأكيد احتمالٌ معقول.
- فَحَبِلَتْ: من وجهة نظر ساراي، فإنَّ شيئًا رهيبًا وقع – نجح أبرام بأن يجعل هاجر تحبل. يؤكِّد هذا، بدون أدنى شكٍّ، بأنَّ عدم توفير ابن لأبرام هو وجود مُشكلة لدى ساراي، وليس زوجها. في بيئةٍ تُثمِّن الأبوَّة والأمومة، فأن تكون أُمًّا لابنِ رجلٍ غنيٍّ ونافذٍ كـأبرام يُعطي جارية كهاجر مكانةً رفيعة، بحيث أنَّها بدت أكثر مُباركة من ساراي.
- هذا يُذكِّرنا بأنَّ النتائج ليست كافية لتبرير ما نفعله أمام الله. ليس صائبًا أن نقول: ‘حسنًا، أخذوا ابنًا منه. لا بدَّ أن تكون هذه مشيئة الله’ لا ينفع الجسد بشيء (يوحنَّا ٦٣:٦)، لكنَّه يستطيع أن يُنتِج شيئًا. إنَّ فعل أمور في الجسد قد يأتي بنتائج، وقد نأسف لأنَّنا حصلنا عليها.
- مهما حاول الرجل أو المرأة أن يُنجِزاه من دون الله، فسيكون فشلًا ذريعًا – أو حتَّى المزيد من النجاح البائس.
- وَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهَا حَبِلَتْ صَغُرَتْ مَوْلَاتُهَا فِي عَيْنَيْهَا: بدأت هاجر على الفور باعتبار نفسها أفضل وأعظم من ساراي. إنَّ حالةً سيِّئة غدت أكثر سوءًا.
ج) الآيات (٥-٦): غضب ساراي الموجَّه إلى هاجر.
٥فَقَالَتْ سَارَايُ لِأَبْرَامَ: «ظُلْمِي عَلَيْكَ! أَنَا دَفَعْتُ جَارِيَتِي إِلَى حِضْنِكَ، فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهَا حَبِلَتْ صَغُرْتُ فِي عَيْنَيْهَا. يَقْضِي ٱلرَّبُّ بَيْنِي وَبَيْنَكَ». ٦فَقَالَ أَبْرَامُ لِسَارَايَ: «هُوَذَا جَارِيَتُكِ فِي يَدِكِ. ٱفْعَلِي بِهَا مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْكِ». فَأَذَلَّتْهَا سَارَايُ، فَهَرَبَتْ مِنْ وَجْهِهَا.
- ظُلْمِي عَلَيْكَ: ألقت ساراي باللَّوم كاملًا على أبرام، ولسببٍ وجيه. كان من الواجب عليه أن يتصرَّف كقائدٍ روحيّ ويُخبر زوجته بأنَّ الله يستطيع أن يُتمِّم وعده، ولم يكونا بحاجة إلى محاولة تنفيذ وعد الله بعصيانه والاعتماد على قوَّة الإنسان وحكمته.
- صَغُرْتُ فِي عَيْنَيْهَا: إنَّ ازدراء هاجر بساراي سبَّب هذه المشكلة. لم تستطع مقاومة إظهار التَّعالي غير المناسب، معتقدةً أنَّ حبَلَها إلى حدٍّ ما جعلها أفضل من ساراي.
- هُوَذَا جَارِيَتُكِ فِي يَدِكِ. ٱفْعَلِي بِهَا مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْكِ: بدا أنَّ أبرام يزيد الوضع السيِّئ سوءًا من خلال تسليمه الموضوع لساراي وعدم الاهتمام بالطفل الذي كان أبًا له. ومع ذلك ، فقد وضع علاقته مع ساراي في المقام الأوَّل، وكان ذلك جيِّدًا.
- تولَد هذه الحالات العائليَّة المعقَّدة والصعبة بشكلٍ مخيف من عدم طاعتنا. آخذين جميع هذه الأمور بعين الاعتبار، من الأسهل بكثير أن نعيش حياةً واثقة في الله ومطيعة لله. يريد الله أن يُجنِّبنا هذه التَّعقيدات والصعوبات.
- فَأَذَلَّتْهَا سَارَايُ، فَهَرَبَتْ مِنْ وَجْهِهَا: اصطدمت قسوة ساراي مع كبرياء هاجر، وكلُّ ما كان يمكن أن تُفكِّر فيه هاجر هو الهروب. حتَّى مع عدم وجود مكانٍ للذهاب إليه، هَرَبَتْ مِنْ وَجْهِهَا – ربَّما إلى مصر، موطنها الأصليّ.
ثانيًا. تهرب هاجر من أبرام وساراي
أ ) الآيات (٧-٩): يظهر ملاك الرَّبِّ لهاجر ويُرشدها.
٧فَوَجَدَهَا مَلَاكُ ٱلرَّبِّ عَلَى عَيْنِ ٱلْمَاءِ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ، عَلَى ٱلْعَيْنِ ٱلَّتِي فِي طَرِيقِ شُورَ. ٨وَقَالَ: «يَا هَاجَرُ جَارِيَةَ سَارَايَ، مِنْ أَيْنَ أَتَيْتِ؟ وَإِلَى أَيْنَ تَذْهَبِينَ؟». فَقَالَتْ: «أَنَا هَارِبَةٌ مِنْ وَجْهِ مَوْلَاتِي سَارَايَ». ٩فَقَالَ لَهَا مَلَاكُ ٱلرَّبِّ: «ٱرْجِعِي إِلَى مَوْلَاتِكِ وَٱخْضَعِي تَحْتَ يَدَيْهَا».
- فَوَجَدَهَا مَلَاكُ ٱلرَّبِّ عَلَى عَيْنِ ٱلْمَاءِ: إنَّ هروب هاجر قادها إلى عَيْنِ ٱلْمَاءِ. ربَّما كانت خائفة أن تذهب بعيدًا وتترك وراءها نبعًا من المياه. في مشقَّتها، التقى بها مَلَاكُ ٱلرَّبِّ.
- وَقَالَ: على ما يبدو، كان مَلَاكُ ٱلرَّبِّ حضورًا جسديًّا تكلَّم مع هاجر كمَن يُكلِّم شخصٌ ما شخصًا آخَر. لا نمتلك هذا الشعور بأنَّ هذا كان مجرَّد حسٍّ روحيّ أو صوتٍ في الريح. كان هناك شخصٌ محسوس مع هاجر، وكان هذا الشخص مَلَاكُ ٱلرَّبِّ.
- لاحقًا في النص، يَظهر أنَّ هاجر فهِمت أنَّ هذا الشخص الموجود جسديًّا كان الله شخصيًّا. عندما يكون الله موجودًا جسديًّا، نفهم أنَّه ظهورٌ ليسوع المسيح قبل التَّجسُّد.
- نفهم هذا لأنَّه يقول عن الله الآب: ٱللهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلِٱبْنُ ٱلْوَحِيدُ ٱلَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ ٱلْآبِ هُوَ خَبَّرَ (يوحنَّا١٨:١)، ولا رأى أحدٌ من الناس الله في شخص الآب (١ تيموثاوس ١٦:٦). لذلك، إذا ظهر الله جسديًّا في العهد القديم وتكلَّم كمَن يُكلِّم شخصًا آخَر، نفهم هذا على أنَّه ظهورٌ للابن الأبديّ، الشخص الثاني في الثالوث، قبل تجسُّده في بيتَ لحمٍ.
- إنَّ مَلَاكُ ٱلرَّبِّ سيظهر لاحقًا لإبراهيم (تكوين ٢٢).
- إنَّ مَلَاكُ ٱلرَّبِّ سيظهر لاحقًا لموسى (خروج ٣).
- إنَّ مَلَاكُ ٱلرَّبِّ سيظهر لاحقًا لبلعام (عدد ٢٢).
- إنَّ مَلَاكُ ٱلرَّبِّ سيظهر لاحقًا لجماعة إسرائيل (قضاة ٢).
- إنَّ مَلَاكُ ٱلرَّبِّ سيظهر لاحقًا لجدعون (قضاة ٦).
- إنَّ مَلَاكُ ٱلرَّبِّ سيظهر لاحقًا لذوي شمشون (قضاة ١٣).
- إنَّ مَلَاكُ ٱلرَّبِّ سيظهر لاحقًا لداود (٢ صموئيل ٢٤).
- إنَّ مَلَاكُ ٱلرَّبِّ سيظهر لاحقًا لإيليَّا (١ ملوك ١٩).
- كان هذا أوَّلَ ظهورٍ لمَلَاكِ ٱلرَّبِّ في الكتاب المقدَّس. لم يظهر أوَّلًا لنوح أو أخنوخ أو أبرام. ظهر مَلَاكُ ٱلرَّبِّ أوَّلًا لامرأةٍ ستصبح أُمًّا وكانت لديها مشكلة الكبرياء وسيء مُعاملتها من امرأةٍ وضعتها في كلِّ هذه الفوضى.
- كلُّ هذا يجعلنا مُتعجِّبين من محبَّة الله للأشخاص غير المرغوب فيهم، ولا يجب أن ننسى أنَّه غالِبًا ما يُسرُّ بفعل ذلك.
- مِنْ أَيْنَ أَتَيْتِ؟ وَإِلَى أَيْنَ تَذْهَبِينَ؟: سألها مَلَاكُ ٱلرَّبِّ سؤالا مُهمًّا وثاقبًا. في خضمِّ كبرياء هاجر ومأساتها، تصرَّفت من دون أن تُفكِّر، ‘من أين أتيتُ. وإلى أين أذهبُ؟’
- مُتذكِّرون أنَّ هذيَن السؤالَين سيُخلِّصاننا من الكثير من المشاكل.
- ظنَّت هاجر أنَّها عرفت: أتيت من أكثر الأمكنة تعاسةً. أنا لست ذاهبة إلى أيِّ مكان. أخبرها مَلَاكُ ٱلرَّبِّ، لديَّ خطَّة لك – دعينا نمضي قدمًا فيها.
- ٱرْجِعِي إِلَى مَوْلَاتِكِ وَٱخْضَعِي تَحْتَ يَدَيْهَا: قال لها مَلَاكُ ٱلرَّبِّ أن تتوب. إذا غيَّرت وجهتها، فهناك وعدٌ ضمنيّ – قدِّمي الطَّاعة لي وسأُحافظ عليك. لم يقُل المسيح بالضبط لهاجر أن تعود إلى أُسرةٍ مُسيئة؛ لقد قدَّم وعدًا ضمنيًّا بالحماية.
ب) الآيات (١٠-١٢): وعد ملاك الرَّبِّ لهاجر.
١٠وَقَالَ لَهَا مَلَاكُ ٱلرَّبِّ: «تَكْثِيرًا أُكَثِّرُ نَسْلَكِ فَلَا يُعَدُّ مِنَ ٱلْكَثْرَةِ». ١١وَقَالَ لَهَا مَلَاكُ ٱلرَّبِّ: «هَا أَنْتِ حُبْلَى، فَتَلِدِينَ ٱبْنًا وَتَدْعِينَ ٱسْمَهُ إِسْمَاعِيلَ، لِأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ سَمِعَ لِمَذَلَّتِكِ. ١٢وَإِنَّهُ يَكُونُ إِنْسَانًا وَحْشِيًّا، يَدُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ، وَيَدُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ، وَأَمَامَ جَمِيعِ إِخْوَتِهِ يَسْكُنُ».
- تَكْثِيرًا أُكَثِّرُ نَسْلَكِ فَلَا يُعَدُّ مِنَ ٱلْكَثْرَةِ: لم يقصد الله بالوعد الحمايةَ فقط، بل أعطى أيضًا وعدًا واضحًا ببركةٍ مُذهِلة. إنَّ الابن غير المولود لهاجر سيكون أبًا لنسلٍ لا يُحصى.
- وهكذا تحقَّق الوعد، وأصبح إسماعيل سلَفًا للشعب العربيّ، كما أنَّ أخاه غير الشقيق سيُصبح لاحقًا سلَفًا للشعب اليهوديّ.
- يُجعَل هذا النزاع بين العرب واليهود حتَّى أكثر مأساويَّة: إنَّهم إخوة ويتشاركون أبًا واحِدًا في إبراهيم.
- وَتَدْعِينَ ٱسْمَهُ إِسْمَاعِيلَ: أُعطيَ إسماعيل وعدًا عظيمًا، ليس فقد في أعداد نسله، بل أيضًا في أنَّه أوَّلُ شخصٍ في الكتاب المقدَّس يُعطى إسمًا قبل ولادته. كان لله خطَّةٌ لهذا الصبيّ ولنسله. لا يعطي الله اسمًا إذا لم يكن يمتلك خطَّة.
- يعتقد الكثير من المسيحيِّين اليوم أنَّهم يُدرِكون خطَّة الله لنسل إسماعيل، الشعب العربيّ: يريد الله أن يمحو أثرهم بسبب كراهيتهم لليهود واضطهادهم للمسيحيِّين. إنَّ ردَّة الفعل هذه غير مبنيَّة على الكتاب المقدَّس، خصوصًا في هذا النص من سفر التكوين ١٦. اعتبِر:
- كان من الممكن أن يسمح الله لهاجر وابنها أن يموتا في البريَّة – لكنَّه لم يسمح بذلك. تدخَّل الله خصِّيصًا كي لا يحصل هذا الأمر.
- كان من الممكن أن يسمح الله لهاجر بأن تعيش وتختفي من حياة وبيئة إبراهيم وسارة، لكنَّه لم يسمح بذلك.
- يمكن للمرء أن يُجادل بأنَّ الحبَل بإسماعيل كان نتيجةً للخطيَّة وعدم الإيمان؛ لكن كان يُمكِن لله أن يمحوه من القصَّة، واختار الله أن لا يفعل ذلك. إنَّ هذا الجزء من القصَّة هو عمل الله، وليس عمل إنسان.
- أمر الله هاجر تحديدًا بأن تعود، بأن تبقى جزءًا من القصَّة. يمكننا أن نعلَم أنَّ قصَّة الله للشعب العربيّ لم تنتهي.
- يجب أن نتذكَّر أيضًا أنَّ الزيارات الملائكيَّة، زيارات يسوع، تستمرُّ حتَّى يومنا في وسط المتحدِّرين من إسماعيل. لم ينتهيَ ملاكُ الرَّبِ من زيارته لإسماعيل.
- يعتقد الكثير من المسيحيِّين اليوم أنَّهم يُدرِكون خطَّة الله لنسل إسماعيل، الشعب العربيّ: يريد الله أن يمحو أثرهم بسبب كراهيتهم لليهود واضطهادهم للمسيحيِّين. إنَّ ردَّة الفعل هذه غير مبنيَّة على الكتاب المقدَّس، خصوصًا في هذا النص من سفر التكوين ١٦. اعتبِر:
- وَتَدْعِينَ ٱسْمَهُ إِسْمَاعِيلَ، لِأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ سَمِعَ لِمَذَلَّتِكِ: إنَّ اسم إسماعيل يعني الله سيسمع. يمكننا أن نأخذ هذا كمحفِّزٍ للصلاة من أجل نهضةٍ وانتعاشٍ روحيٍّ بين الشعوب العربيَّة، لأنَّهم عندما يصرخون إلى يسوع، سيسمعهم الله.
- وَإِنَّهُ يَكُونُ إِنْسَانًا وَحْشِيًّا، يَدُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ، وَيَدُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ: لن تكون حياة ابن هاجر سهلةً، لكنَّ الله سيهتمُّ به ويُعيله.
- تذكَّر أنَّ التَّأثير السيِّئ لهذا – وَإِنَّهُ يَكُونُ إِنْسَانًا وَحْشِيًّا، يَدُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ، وَيَدُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ – برز بشكلٍ أساسيّ في العنف والقتل بين العرب أنفسهم. يقتلون بعضهم البعض أكثر ممَّا يقتلون اليهود والمسيحيِّين. لمصلحتهم الخاصَّة، حتَّى أكثر من مصلحتنا الخاصَّة، نحن نصلِّي: الله، اجلُب خلاصًا للشعب العربيّ.
ج) الآيات (١٣-١٦): بركة الرَّبِّ وحمايته لهاجر وإسماعيل.
١٣فَدَعَتِ ٱسْمَ ٱلرَّبِّ ٱلَّذِي تَكَلَّمَ مَعَهَا: «أَنْتَ إِيلُ رُئِي». لِأَنَّهَا قَالَتْ: «أَهَهُنَا أَيْضًا رَأَيْتُ بَعْدَ رُؤْيَةٍ؟». ١٤لِذَلِكَ دُعِيَتِ ٱلْبِئْرُ «بِئْرَ لَحَيْ رُئِي». هَا هِيَ بَيْنَ قَادِشَ وَبَارَدَ. ١٥فَوَلَدَتْ هَاجَرُ لِأَبْرَامَ ٱبْنًا. وَدَعَا أَبْرَامُ ٱسْمَ ٱبْنِهِ ٱلَّذِي وَلَدَتْهُ هَاجَرُ «إِسْمَاعِيلَ». ١٦كَانَ أَبْرَامُ ٱبْنَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ سَنَةً لَمَّا وَلَدَتْ هَاجَرُ إِسْمَاعِيلَ لِأَبْرَامَ.
- أَنْتَ إِيلُ رُئِي: علِمت هاجر أنَّ هذا الزائر لم يكن مجرَّد ملاك ظهر لها. كان ملاكُ الرَّبِّ أيضًا إِيلُ رُئِي، هو ذاتَهُ النَّاظر إلى هاجر وابنها العتيد إسماعيل.
- بعد التقائها بـ إِيلُ رُئِي (أنت الله الَّذي يرى)، علِمت هاجر أنَّه إذا كان الله موجودًا معها في البريَّة، سيكون معها في خضوعها لسراي أيضًا. وكأنَّ هاجر قالت لله، ‘نظرت إليَّ، والآن سأنظر إليك.’ هذه العلاقة وجهًا لوجه مع الله تُغيِّر وتُحوِّل.
- فَوَلَدَتْ هَاجَرُ لِأَبْرَامَ ٱبْنًا: على ما يبدو، رجعت هاجر بالفعل بقلب خاضع. أخبرت القصَّة كلَّها لأبرام وساراي، وأسمى أبرام الولد إسماعيل، تمامًا كما أوصيَ في الاجتماع مع ملاكِ الرَّبِّ الَّذي وصفته هاجر.
- ربَّما قالت هاجر عندما عادت، “هربت منكم جميعًا لأنَّني كنت بائسة جدًّا واعتقدت أنَّني لا أستطيع الاستمرار هنا. لكنَّ الرَّبَّ التقاني وأخبرني أنَّه سيُريني الطريق. قال لي أن أعود وأُقدِّم لك الخضوع، ولهذا أنا هنا.”
- اعتقدت هاجر أنَّ ظروفها بحاجة إلى تغيير؛ في الحقيقة، لقد احتاجت إلى تغيير. “إذا سعينا إلى تغيير ظروفنا، فنحن كمَن يقفز من قَدرِ القلي إلى النار. يجب أن نكون منتصرين تمامًا حيث نحن. نحن لا نحتاج إلى تغييرٍ مناخيّ، لكن إلى تغييرٍ قلبيّ. يريد الجسد الهروب، لكنَّ الله يريد إظهار قوَّته تمامًا في ذلك المكان الَّذي اختبرنا فيه أعظم استياء.” بارنهاوس (Barnhouse)
- لدى المسيحيِّين اليوم وعدٌ أكثر وضوحًا وروعةً من ذلك الوعد الَّذي أُعطيَ لهاجر. نحن لنا وعد يسوع: وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ ٱلْأَيَّامِ إِلَى ٱنْقِضَاءِ ٱلدَّهْرِ». آمِينَ (متَّى ٢٠:٢٨).
- إذا كان عليك أن تخضع في ظروفٍ صعبة، الله يرى.
- إذا تألَّمت تحت ثقل الخدمة، الله يرى.
- إذا أشرت فقط برغبتك في الهروب، الله يرى.
- لقد التقاك الله وأرسل يسوع ليكون قريبًا منك وهو يُعطي أملًا جديدًا.