سفر التكوين – الإصحاح ٢
اكتمال الخليقة؛ آدم في جنَّة عدَن
أولًا. اكتمال الخليقة
أ ) الآيات (١-٣): اليوم السَّابع للخلق.
١فَأُكْمِلَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَكُلُّ جُنْدِهَا. ٢وَفَرَغَ اللهُ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ مِنْ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ. فَاسْتَرَاحَ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ. ٣وَبَارَكَ اللهُ الْيَوْمَ السَّابعَ وَقَدَّسَهُ، لأَنَّهُ فِيهِ اسْتَرَاحَ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ اللهُ خَالِقًا.
- فَٱسْتَرَاحَ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلسَّابِعِ: لم يكن الله محتاجًا لأن يستريح في اليوم السَّابع لأنَّه كان تعِبًا. لقد استراح ليُظهِر أنَّ عمله في الخلق قد أُكمِل، ولكي يعطي الإنسان نموذجًا يتعلَّق بترتيب الوقت (سبعة أيَّام في الأسبوع)، ولكي يعطينا مثالًا عن بركة الرَّاحة في اليوم السَّابع.
- إنَّ توقيت سبعة أيَّامٍ في الأسبوع لهو مفهومٌ متجذِّرٌ بشكلٍ دائم في الإنسان. بالرغم من محاولة البعض عبر التَّاريخ تغيير هذا النمط (مثلًا، كانت هناك محاولة لتغيير الأسبوع إلى عشرة أيَّام خلال الثورة الفرنسيَّة)، باءت هذه المحاولات بالفشل ولم تأتِ بنتيجة. نحن في دورةٍ من سبعة أيَّامٍ في الأسبوع ذلك لأنَّ الله يعمل على هذا الأساس.
- وَبَارَكَ ٱللهُ ٱلْيَوْمَ ٱلسَّابِعَ وَقَدَّسَهُ: قدَّس الله اليوم السَّابع لأنَّه عطيَّة للإنسان للرَّاحة والتَّجديد، وفوق كلِّ هذا لأنَّ يوم السَّبت هو مثالٌ للرَّاحة المتوفِّرة في شخص وعمل يسوع المسيح.
- كولوسي ١٦:٢-١٧ وغلاطية ٩:٤-١١ يشيران بوضوح إلى أنَّ المؤمنين ليسوا مُلزَمين بحفظ السَّبت في يومنا هذا لأنَّ يسوع أتمَّ القصد والخطَّة الموضوعان للسَّبت من أجلنا وفينا (عبرانيِّين ٩:٤-١١). لكن، لا يجب أن يخسر المؤمنون السَّبت؛ بمعنى أنَّ كلَّ يومٍ هو يوم راحة في العمل المتمَّم في يسوع المسيح. كلُّ يومٍ هو موضوعٌ بشكلٍ خاص لله.
- بالرغم من أنَّنا أحرارٌ من الالتزام القانونيّ للسَّبت، لا يجوز أن نُغفِل عن أهميَّة يوم الرَّاحة. لقد عملنا الله لكي نحتاج إلى الرَّاحة. لكنَّنا أيضًا مأمورون أن نعمل ستَّة أيَّامٍ. “كلُّ مَن يُبطِل وقته في ستَّة أيَّام هو مُذنِبٌ بنظر الله مثل كلِّ مَن يعمل في اليوم السَّابع” (كلارك). في عالمنا المتحضِّر اليوم، لدينا أربعة إلى خمسة أيَّامِ عمل في الأسبوع وفُرَصٍ أو إجازاتٍ سخيَّة عدَّة، فبالتَّأكيد نستطيع أن نُقدِّم ’وقت الفراغ‘ هذا لعمل الرَّبّ.
- لِأَنَّهُ فِيهِ ٱسْتَرَاحَ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ: رغم أن الله استراح في اليوم السَّابع من عملية الخلق، إلا أنه لم يفرض السَّبت أو يُظهِر لنا أهمية الراحة لأجل نفسه. فالله لا يأخذ إجازة يوم السَّبت. قال الرب يسوع المسيح: “أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى ٱلْآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ” (يوحنَّا١٧:٥). فلا يحتاج الله أن يأخذ يومًا للرَّاحة، لكنَّ الإنسان يحتاج أن يرى راحة الله ويعلَم أنَّه يستطيع أن يدخل إليها بعمل المسيح الَّذي أُكمِل.
- انتهى كل يومٍ من أيَّام الخلق بعبارة: “وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ … يَوْمًا وَاحِدًا” ما عدا اليوم السابع. ذلك لأنَّ راحة الله من أجلنا لا تُحصَر بيومٍ حرفيٍّ واحد. ففي يسوع المسيح، لدى الله سبتٌ للرَّاحة أبديٌّ أُعِدَّ لشعبه (عبرانيِّين ٩:٤-١١).
- “الله، الَّذي أكمل عمله في الخلق، يستريح، وكأنَّنا نقول: ’هذا هو مصير أولئك الَّذين يُدعَون شعبي؛ كي يستريحوا كما أستريح، كي يستريحوا فيَّ.‘” بويس (Boice)
ب) الآيات (٤-٧): تاريخ السَّماوات والأرض.
٤هذِهِ مَبَادِئُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ حِينَ خُلِقَتْ، يَوْمَ عَمِلَ الرَّبُّ الإِلهُ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ. ٥كُلُّ شَجَرِ الْبَرِّيَّةِ لَمْ يَكُنْ بَعْدُ فِي الأَرْضِ، وَكُلُّ عُشْبِ الْبَرِّيَّةِ لَمْ يَنْبُتْ بَعْدُ، لأَنَّ الرَّبَّ الإِلهَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أَمْطَرَ عَلَى الأَرْضِ، وَلاَ كَانَ إِنْسَانٌ لِيَعْمَلَ الأَرْضَ. ٦ثُمَّ كَانَ ضَبَابٌ يَطْلَعُ مِنَ الأَرْضِ وَيَسْقِي كُلَّ وَجْهِ الأَرْضِ. ٧وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ تُرَابًا مِنَ الأَرْضِ، وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْسًا حَيَّةً.
- هَذِهِ مَبَادِئُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلْأَرْضِ: هذا يؤكد على ’أصل أو سلالة‘ السَّماوات والأرض، فهو التَّاريخ المعطى مباشرةً من الله إمَّا لموسى أو لآدم، اللَّذين دوَّنا تاريخ خلق الله في سبعة أيَّام. كان هذا شيئًا لم يُعاينه أيُّ إنسان.
- يَوْمَ عَمِلَ ٱلرَّبُّ ٱلْإِلَهُ ٱلْأَرْضَ وَٱلسَّمَاوَاتِ: هذا هو الاستخدام الأوَّل لكلمة الرَّبُّ (يهوه) في الكتاب المقدَّس. إنَّ الكلمة الإنكليزيَّة الرَّبّ تشتقُّ من كلمة الأنجلو- سكسونيَّة لـ الخبز (مثل كلمة رغيف)، لأنَّ الرجال الإنكليز القدماء ذويّ المكانة الرَّفيعة كانوا يمتلكون بيوتًا مفتوحة دائمًا، حيث كان الجميع يأتون ويأخذون الخبز للأكل. وهكذا، فقد حصلوا على اللَّقب المشرِّف أرباب، التي تعني ’موَّزِّعو الخبز.‘
- كُلُّ شَجَرِ ٱلْبَرِّيَّةِ لَمْ يَكُنْ بَعْدُ فِي ٱلْأَرْضِ، وَكُلُّ عُشْبِ ٱلْبَرِّيَّةِ لَمْ يَنْبُتْ بَعْدُ: يبدأ هذا التَّاريخ قبل وجودِ أيِّ غطاءٍ نباتيّ على الأرض (عودة إلى تكوين ١:١)، ذلك الوقت الَّذي كان يتواجد فيه فقط الفضاء وكرة مائيَّة نعرفها بالأرض.
- لِأَنَّ ٱلرَّبَّ ٱلْإِلَهَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أَمْطَرَ عَلَى ٱلْأَرْضِ: عندما خلق الله الحياة النباتيَّة أوَّلًا (في اليوم الثَّالث للخلق، تكوين ١١:١-١٣)، لم يكن الإنسان قد خُلِق بعد ليهتمَّ بالحياة النباتيَّة على الأرض، ولم يكن هناك مطرٌ. فالجلَد السَّميك من البخار المائيّ في الفضاء البخاريّ خُلِق في اليوم الثَّاني (تكوين٦:١-٨)، وصُنع لا لدورة الأمطار (كما نعرفها) بل لنظامٍ غنيٍّ من التَّبخُّر والتَّركيز، مؤدِّيًا إلى هطول ندًى كثيف أو ضباب على الأرض.
- وَجَبَلَ ٱلرَّبُّ ٱلْإِلَهُ آدَمَ تُرَابًا مِنَ ٱلْأَرْضِ: عندما خلق الله الإنسان، صنعهُ من أبسط العناصر، تُرَابًا مِنَ ٱلْأَرْضِ. لا شيء غير ’استثنائيٍّ‘ أو ’مُذهِل‘ في المادَّة التي صُنِع منها الإنسان، فقط في طريقة تنظيم هذه العناصر الأساسيَّة.
- عندما يستخدم الكتاب المقدَّس كلمة تُرَاب بطريقةٍ مجازيَّة أو رمزيَّة، فهي تعني شيئًا قليل القيمة، مرتبطًا بالحقارة والتَّواضُع (تكوين ٢٧:١٨؛ ١ صموئيل ٨:٢؛ ١ ملوك ٢:١٦). كلمة تراب في الكتاب المقدَّس لا تشير إلى الشر ولا للا شيء؛ لكنَّه لا شيءَ تقريبًا.
- وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْسًا حَيَّةً: بهذه النفخة الإلهيَّة، أصبح الإنسان نَفْسًا حَيَّةً، كسائر أشكال الحياة الحيوانيَّة (فالعبارة نَفْسًا حَيَّةً (chay nephesh) مُستخدَمة في تكوين ٢٠:١-٢١ وهنا). لكن، فقط الإنسان كائنٌ حيٌّ أو نَفْسٌ حَيَّةٌ على صورة الله ومثاله (تكوين ٢٦:١-٢٧).
- إنَّ الكلمة نَفْسًا في العبريَّة هي ruach – الكلمة التي تُقلِّد صوت التَّنفُّس – هي ذاتها المستخدَمة لـ الروح، كما هي الحال في اللُّغتَين القديمتَين اليونانيَّة (pneuma) واللَّاتينية (spiritus). خلق الله الإنسان واضعًا فيه نسمته، وروحه.
- “إنَّ مضامين هذه اللُّغة، المفهومة من قِبَل القارئ العبريّ، تعني أنَّ الإنسان خُلِق خصِّيصًا بواسطة نسمةٍ إلهيَّة وضِعت فيه.” بويس (Boice)
- نقرأ نسخة الملك جيمس التي تقول: صار الإنسان روحًا حيَّة. هذا يجعلنا نتساءل إن كان الإنسان نفسه روحٌ، أو يمتلك روحًا. يبدو أنَّ هذه الفقرة تشير إلى أنَّ الإنسان هو روح، لكن فقراتٍ مثل ١ تسالونيكي ٢٣:٥ وعبرانيِّين ١٢:٤ تبدو وكأنَّها تشير إلى أنَّ الإنسان يمتلك روحًا. يبدو أن الكتاب المقدَّس يتكلَّم بهاتين الطريقتَين، ويستخدم العبارة بطرقٍ وبمعانٍ مختلفة.
ثانيًا. آدم في جنَّة عدن
أ ) الآيات (٨-٩): شجرتان في جنَّة عدن.
٨وَغَرَسَ الرَّبُّ الإِلهُ جَنَّةً فِي عَدْنٍ شَرْقًا، وَوَضَعَ هُنَاكَ آدَمَ الَّذِي جَبَلَهُ. ٩وَأَنْبَتَ الرَّبُّ الإِلهُ مِنَ الأَرْضِ كُلَّ شَجَرَةٍ شَهِيَّةٍ لِلنَّظَرِ وَجَيِّدَةٍ لِلأَكْلِ، وَشَجَرَةَ الْحَيَاةِ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ، وَشَجَرَةَ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ.
- وَغَرَسَ ٱلرَّبُّ ٱلْإِلَهُ جَنَّةً فِي عَدْنٍ شَرْقًا: كانت عدن جنَّةً مزروعة خصِّيصًا بواسطة الله؛ كانت مكانًا صنعه الله لسكنٍ مثاليّ لآدم (ومن ثمَّ، حوَّاء).
- وَوَضَعَ هُنَاكَ آدَمَ ٱلَّذِي جَبَلَهُ: إنَّ تفاصيل خلق آدم وحوَّاء تُعلِّمنا شيئًا ما. بعد قراءة تكوين ١، قد نفترض بأنَّ الرجل والمرأة صُنِعا في نفس الوقت، إلَّا أنَّ النصَّ لا يشير إلى ذلك بشكلٍ خاص. نحن نفترض ذلك. لا نعلم تفاصيل خلق الإنسان حتَّى وصولنا إلى تكوين ٢.
- وَأَنْبَتَ ٱلرَّبُّ ٱلْإِلَهُ مِنَ ٱلْأَرْضِ كُلَّ شَجَرَةٍ: إنَّ بقيَّة الأصحاح الثَّاني من سفر التكوين لا تُقدِّم سجلًّا مختلِفًا أو مُتناقضًا عن الخلق. على العكس، ربَّما يكون تأريخًا للخلق من وجهة نظر آدم. هذا هو اختبار آدم عن الخلق، الَّذي لا يُناقض المكتوب في تكوين ١:١–٧:٢ – بل يُكمِّله.
- في متَّى ٤:١٩-٥، أشار يسوع إلى الأحداث في تكوين ١ وإلى الأحداث في تكوين ٢ كأحداثٍ متناغمة ومنسجمة مع بعضها.
- شَجَرَةَ ٱلْحَيَاةِ… شَجَرَةَ مَعْرِفَةِ ٱلْخَيْرِ وَٱلشَّرِّ: كانت هاتان الشجرتان بين كلِّ الأشجار التي خلقها الله واللَّتان وضِعتا في جنَّة عدن.
- كانت شَجَرَةَ ٱلْحَيَاةِ لِتُعطي (أو تُحافظ على) الحياة الأبديَّة (تكوين ٢٢:٣). لا يزال لله شجرة حياةٍ متاحة لشعبه (رؤيا ٧:٢)، الموجودة في السَّماء (رؤيا يوحنا ٢:٢٢).
- كانت شَجَرَةَ مَعْرِفَةِ ٱلْخَيْرِ وَٱلشَّرِّ شجرة ’التجربة.‘ فتناول ثمر هذه الشجرة سيعطي آدم معرفةً تجريبيَّة عن الخير والشرِّ. أو، من الممكن أنَّها أُسميَت شَجَرَةَ مَعْرِفَةِ ٱلْخَيْرِ وَٱلشَّرِّ لا لكي يعرف الإنسان الخير والشرَّ، بل أنَّ الله أراد أن يمتحن الخير والشرَّ في الإنسان.
ب) الآيات (١٠-١٤): الأنهُر في الجنَّة.
١٠وَكَانَ نَهْرٌ يَخْرُجُ مِنْ عَدْنٍ لِيَسْقِيَ الْجَنَّةَ، وَمِنْ هُنَاكَ يَنْقَسِمُ فَيَصِيرُ أَرْبَعَةَ رُؤُوسٍ: ١١اِسْمُ الْوَاحِدِ فِيشُونُ، وَهُوَ الْمُحِيطُ بِجَمِيعِ أَرْضِ الْحَوِيلَةِ حَيْثُ الذَّهَبُ. ١٢وَذَهَبُ تِلْكَ الأَرْضِ جَيِّدٌ. هُنَاكَ الْمُقْلُ وَحَجَرُ الْجَزْعِ. ١٣وَاسْمُ النَّهْرِ الثَّانِى جِيحُونُ، وَهُوَ الْمُحِيطُ بِجَمِيعِ أَرْضِ كُوشٍ. ١٤وَاسْمُ النَّهْرِ الثَّالِثِ حِدَّاقِلُ، وَهُوَ الْجَارِي شَرْقِيَّ أَشُّورَ. وَالنَّهْرُ الرَّابعُ الْفُرَاتُ.
- وَكَانَ نَهْرٌ يَخْرُجُ مِنْ عَدْنٍ: نشعر وكأن شاهد عيان كتب هذه المعلومات عن الأنهُر والأماكن المحيطة.
- اِسْمُ ٱلْوَاحِدِ فِيشُونُ: أُعطيت هذه الأنهُر أسماء مُحدَّدة شبيهة بأسماء الأنهُر في العالَمَين الحديث والقديم. لكن، لا يمكِن استخدام هذه الأنهُر لإيجاد موقع جنَّة عدن لأنَّ الطوفان غيَّر بشكلٍ دراماتيكيّ المناظر الطبيعيَّة للأرض ومحى أو أزال هذه الأنهُر.
- نعلم عن الأنهُر الحديثة مثل نهرَي دجلة والفرات لأنَّ نوح وأبناءه أسمَوا بعض الأنهُر في عالَم ما بعد الطوفان نسبةً إلى أنهُرٍ مشابهة قبل الطوفان.
ج) الآيات (١٥-١٧): وصيَّة الله لآدم.
١٥وَأَخَذَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَوَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا. ١٦وَأَوْصَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ قَائِلاً: «مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلاً، ١٧وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ».
- وَوَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا: وضع الله آدم في أجمل جنَّةٍ في العالَم، لكنَّ الله وضعه هناك لكي يعمل (لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا). إنَّ العمل لأَمرٌ جيِّد بالنسبة إلى الإنسان، وقد كان جزءًا من وجود آدم الكامل قبل السقوط.
- “إنَّ الحالة المثاليَّة للإنسان الَّذي بلا خطيَّة ليست حالة من الكسل من دون مسؤوليَّة. فالعمل كما المسؤوليَّات ينتميان إلى حالةٍ الكمال.” ليوبولد (Leupold)
- وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ ٱلْخَيْرِ وَٱلشَّرِّ فَلَا تَأْكُلْ مِنْهَا: إنَّ وجود هذه الشجرة – وجودُ خيارٍ لآدم – كان صالحًا وجيِّدًا لأنَّ آدم كان مخلوقًا حُرَّ الإرادة، لذلك كان لا بدَّ من وجود خيار، ووجود فرصة للتَّمرُّد على الله. لو لم يكن هناك وصيَّة أو شيءٍ ممنوعٍ، لما كان هناك من وجودًا للخيار. فالله يريد لمحبَّتنا وطاعتنا له أن تكونا محبَّة وطاعة بالاختيار.
- آخذين كل هذا بعين الاعتبار، أنظروا إلى المزايا التي كان يتمتَّع بها آدم. كانت أمامه طريقة واحدة فقط للخطية، أما نحن، فلنا طرقًا لا تُحصى. هناك أشجارٌ كثيرة للتجربة في حياتنا، أمَّا آدم فكانت لديه واحدة فقط.
- وضع الله هذه الوصيَّة لآدم في الأصل، وليس لحوَّاء؛ فلم يكن الله قد خلق المرأة بعد.
- لِأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ: لم يجعل الله الوصيَّة لآدم واضحةً فحسب، بل شرح بوضوح نتائج عدم الطاعة.
ثالثًا. خلق الله المرأة الأولى
الآية (١٨): يُعلِن الله أنَّه سيصنع مُعينًا نظيرًا لآدم.
١٨وَقَالَ ٱلرَّبُّ ٱلْإِلَهُ: «لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ».
- لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ: لأوَّلِ مرَّةٍ، رأى الله أنَّ شيئًا ما لَيْسَ جَيِّدًا – عُزلة (وحدة) الرجُل. لم يكن في قصد الله بتاتًا أن يبقى الإنسان وحيدًا، سواء في إطار الزواج أو المجتمع.
- إنَّ الزواج، بالتَّحديد، له تأثيرٌ حضاريٌّ على الإنسان. نرى أنَّ أكثر الرجال شراسةً وعنفًا وعدائيةً كانوا دائمًا وحيدين، فَهُم ليسوا أبدًا ضمن خطَّة الله الرَّامية للتَّأثير على الإنسان إيجابًا. فبالنسبة إلى المجتمع ككلٍّ، هذا أمر سيء – لَيْسَ جَيِّدًا.
- فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ: إنَّ ’المخطط الأساسي‘ الذي وضعه الله لخلقِ شريكٍ لآدم كان بصنع مُعِينًا نَظِيرَهُ.
- إنَّ ترجماتٍ مختلفة للكتاب المقدَّس باللغة الإنجليزية تنقل هذه الفكرة بطرقٍ مُتعدِّدة، إلَّا أنَّ الفكرة ضمنيًّا هي نفسها في جميعها:
- مساعد (مناسب، متأقلِم، مُكمِّل). (Amplified)
- رفيق … معين يعرف كيف يتمم رغباته (Living Bible).
- رفيق يحتاجه (Beck).
- معين يُشبههُ (التَّرجمة السَّبعينيَّة / Septuagint Bible).
- معين مخصص له (NIV, NASB).
- مُساند له (KJV).
- إنَّ ترجماتٍ مختلفة للكتاب المقدَّس باللغة الإنجليزية تنقل هذه الفكرة بطرقٍ مُتعدِّدة، إلَّا أنَّ الفكرة ضمنيًّا هي نفسها في جميعها:
- مُعِينًا نَظِيرَهُ: بالرجوع أو الإشارة إلى العلاقة الزوجيَّة، خلق الله المرأة كي تكون مناسبة تمامًا للرجُل. هذا يعني أنَّ الله أعطى الخطَّة والبرنامج لآدم، وعليه بالتعاون مع المرأة أن يعملان معًا من أجل إنجازها.
- استخدمت العبارة ’بالرجوع أو الإشارة إلى العلاقة الزوجيَّة‘لأنَّ الله لم يمسح للمرأة أن تُعين الرجُل في السلطة (إلا إن كانت في موقع السلطة)، إلَّا في الزواج وفي الكنيسة (١ تيموثاوس ١٢:٢-١٣).
- وهب الله المسؤوليَّة للرجُل (والمحاسبة) ليكون قائدًا في البيت وليعطي المرأة المسؤوليَّة في مساعدته.
- هذا لا يعني عدم مساعدة الرجل للمرأة (رغم أن هذا صحيح للأسف في كثير من الحالات). بل المقصود هو أنه عندما ينظر الله من السماء على العائلة، يرى رجلًا قائدًا، قد يكون قائدًا صالحًا أم طالحًا، أمينًا أم غير أمين لدعوته للقيادة. إنَّ القائد الحقيقيّ سيساعد، بالطَّبع، أولئك الَّذين يساعدونه.
- إن فكرنا كما يفكر العالم، سنرى ’المعونة أو المساعدة‘ وكأنها موقف أدنى. لكن تراتبيَّة الخدمة شيءٍ مهم بنظر الله (متَّى ٢٥:٢٠-٢٨).
- مُعِينًا نَظِيرَهُ: لم تكن المرأة مُعِينًا فحسب بل أيضًا صُنِعت نَظِيرَ الرجُل. ينبغي أن تُعتبَر وتُكرَّم هكذا. فالمرأة أو الزوجة لا يمكن النظر إليها كمجرَّد أدواتٍ أو عاملات، بل كشركاء متساوين بنظر النعمة الإلهيَّة وكأُناسٍ متساوين.
ب) الآيات (١٩-٢٠): لم يوجد أيُّ معينٍ نظير آدم بين الحيوانات.
١٩وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ مِنَ الأَرْضِ كُلَّ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ وَكُلَّ طُيُورِ السَّمَاءِ، فَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ لِيَرَى مَاذَا يَدْعُوهَا، وَكُلُّ مَا دَعَا بِهِ آدَمُ ذَاتَ نَفْسٍ حَيَّةٍ فَهُوَ اسْمُهَا. ٢٠فَدَعَا آدَمُ بِأَسْمَاءٍ جَمِيعَ الْبَهَائِمِ وَطُيُورَ السَّمَاءِ وَجَمِيعَ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ. وَأَمَّا لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَجِدْ مُعِينًا نَظِيرَهُ.
- فَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ لِيَرَى مَاذَا يَدْعُوهَا: بما أنَّ آدم كانت له القدرة على تسمية الحيوانات بذكاء، فهذا يُظهِر أنَّه كان رجلًا لامعًا. ولأنَّ ذكاء آدم في ذلك الوقت لم يتأثَّر بالسقوط، فربما كان أكثر رجلٍ عبقري عاش على هذه الأرض. كان آدم أوَّل وأعظم عالِمٍ بيولوجيٍّ ونباتيّ.
- فَدَعَا آدَمُ بِأَسْمَاءٍ: لم يُسمِّ آدم أيَّ حيوانٍ باسمه، ولم يدعو أيَّ حيوانٍ ’رجُل‘ أو ’إنسان.‘ بذلك، نرى أنَّه فهِم أنَّه مختلفٌ جوهريًّا عن كلِّ الحيوانات. فالحيوانات لم تُصنَع على صورة الله.
- كان لمارك توين (Mark Twain) نكتة يصِف فيها آدم راجعًا إلى البيت إلى حوَّاء بعد تسميته لكلِّ الحيوانات. نظرت حوَّاء إلى فيلٍ وقالت، ’ماذا أسمَيت هذا الحيوان الكبير؟‘ أجاب آدم، ’أسمَيته فيلًا.‘ فسألته حوَّاء، ’لماذا أسميته فيلًا؟‘ فأجاب آدم، ’لأنَّه يبدو كالفيل!‘
- وَأَمَّا لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَجِدْ مُعِينًا نَظِيرَهُ: كان واضحًا لآدم أنَّ الحيوانات أتت بشكلٍ ثنائيّ، أمَّا هو فلم يكن له شريك. بما أنَّ الله عن قصدٍ أراد من آدم أن يُسمِّيَ الحيوانات بعد رؤيته لحاجته إلى شريك (تكوين ١٨:٣)، فقد استخدم هذا الأمر لكي يُحضِّر آدم لعطيَّة المرأة.
ج) الآيات (٢١-٢٢): صنع الله المرأة الأولى من ضلعِ آدم.
٢١فَأَوْقَعَ الرَّبُّ الإِلهُ سُبَاتًا عَلَى آدَمَ فَنَامَ، فَأَخَذَ وَاحِدَةً مِنْ أَضْلاَعِهِ وَمَلأَ مَكَانَهَا لَحْمًا. ٢٢وَبَنَى الرَّبُّ الإِلهُ الضِّلْعَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ آدَمَ امْرَأَةً وَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ.
- فَأَوْقَعَ ٱلرَّبُّ ٱلْإِلَهُ سُبَاتًا عَلَى آدَمَ: هذه أوَّلُ عملية جراحية مُسجَّلة في التَّاريخ. حتَّى أنَّ الله استعمل مُخدِّرًا مناسبًا لآدم.
- وَبَنَى ٱلرَّبُّ ٱلْإِلَهُ ٱلضِّلْعَ ٱلَّتِي أَخَذَهَا مِنْ آدَمَ ٱمْرَأَةً: استخدم الله جسم آدم ليخلُق حوَّاء ليُذكِّرهُ للأبد بوحدتهما الأساسيَّة. ولما بدأ آدم بالتَّعرُّف على حوَّاء، كان ينظر إلى عدَّة طرقٍ كانا فيها مختلِفَين، لكن لا يمكنه أن ينسى أنَّهما بشكلٍ أساسيّ واحد وأنَّهما مصنوعان من نفس المادَّة. إنَّهما متشابهان أكثر ممَّا هما مختلِفَان.
- لا ندري حقًّا بالتَّحديد ما الَّذي أخذه الله من جنب آدم كي يصنع حوَّاء، وهذا لا يهمُّ حقًّا. إنَّ البحث الحديث في الاستنساخ والتَّكاثر الجينيّ يُظهِر أنَّ كلَّ خليَّةٍ في جسمنا تحتوي على المادَّة الوراثيَّة للجسم كاملةً. أخذ الله بعضًا من خلايا آدم وغيَّر بصماتها الجينيَّة في خلقه لحوَّاء. ومع ذلك، إنَّ تلك القصَّة التي تقول بأنَّ للمرأة ضلعًا واحدًا أكثر من الرجُل نتيجةً لطريقة خلقها، لَأُسطورة.
- نحن نعلم أيضًا أنَّ عروس المسيح تأتي من جرحٍ أصاب جنبَ آدم الثَّاني، يسوع المسيح.
- هناك تقليدٌ يهوديٌّ جميل يقول أنَّ الله صنع المرأة، ليس من قدم الرجُل كيلا تكون تحته، ولا من رأسه كيلا تتسلط عليه، لكن “أُخِذت من تحت إبطه كي يحميها ومن جانب قلبه كي يُحبَّها.” بارنهاوس (Barnhouse)
- وَبَنَى … ٱمْرَأَةً: إنَّه مهمٌّ جدًّا أن نلاحظ عدم وجود بدايتَين للجنس البشريّ، واحدة في آدم وأخرى في حوَّاء. هناك بدايةٌ واحدة للجنس البشريّ في آدم.
- وَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ: أحضر الله حوَّاء إلى آدم وخلق الله حوَّاء من آدم. كان الأوَّل – المصدر والرأس. خُلِقت كي تكون مُعينًا مناسبًا تمامًا له. لذلك، فإنَّ علاقة خضوع الزوجات لأزواجهنَّ وُجِدت قبل اللَّعنة، وليس بعدها.
د ) الآية (٢٣): فهم آدم العبقري لِمَن هي حوَّاء وعلاقتها به.
٢٣ فَقَالَ آدَمُ: «هَذِهِ ٱلْآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هَذِهِ تُدْعَى ٱمْرَأَةً لِأَنَّهَا مِنِ ٱمْرِءٍ أُخِذَتْ».
- هَذِهِ ٱلْآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي: لاحظ آدم أنَّ حوَّاء كانت تُشبههُ (عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي) ولا تُشبههُ (ٱمْرَأَةً … مِنِ ٱمْرِءٍ أُخِذَتْ) في آنٍ معًا. كانا واحدًا، لكنَّهما مُختلِفَان.
- وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي: فهِم آدم مغزى الوحدة الأساسيّ في علاقته بحوَّاء. هذه النقطة مهمَّةٌ جدًّا إذ أنَّها تكرَّرت مرَّاتٍ عدَّة في العهد الجديد، بما فيها النص العظيم عن الزواج في أفسس ٢٨:٥-٢٩ “كَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى ٱلرِّجَالِ أَنْ يُحِبُّوا نِسَاءَهُمْ كَأَجْسَادِهِمْ. مَنْ يُحِبُّ ٱمْرَأَتَهُ يُحِبُّ نَفْسَهُ. فَإِنَّهُ لَمْ يُبْغِضْ أَحَدٌ جَسَدَهُ قَطُّ، بَلْ يَقُوتُهُ وَيُرَبِّيهِ، كَمَا ٱلرَّبُّ أَيْضًا لِلْكَنِيسَةِ.”
- لا أحد يدخل إلى الغرفة ويُفتِّشُ عن أكثر كرسيٍّ غير مُريح للجلوس. إنَّ القلق الطَّبيعيّ الَّذي لنا حول أنفسنا يدفعنا لأن نهتمَّ بأنفسنا. ففي علاقةٍ زوجيَّة صحيَّة، يلاحظ الزوج مغزى الإتِّحاد الَّذي له مع امرأته، وأنَّه لا يستطيع أن يكون بركةً لها من دون أن يبارك نفسه، وهو لا يستطيع أن يسيء معاملتها أو إهمالها من دون أن يُسيءَ معاملة نفسه أو يُهملها.
- لِأَنَّهَا مِنِ ٱمْرِءٍ أُخِذَتْ: أدرك آدم أنَّه وبالرغم من أنَّه وحوَّاء كانا واحدًا، لكنها لم تكن مثله تمامًا. وفَهِم أنَّ شخصَين مُختلِفَين تمامًا أصبحا واحدًا. يقول ١ بطرس٧:٣ بأنَّ على الأزواج أن يميزوا أنَّهم واحد مع شخص مُختلِف، مع شخص يجب أن يفهموه: “كَذَلِكُمْ أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ، كُونُوا سَاكِنِينَ بِحَسَبِ ٱلْفِطْنَةِ مَعَ ٱلْإِنَاءِ ٱلنِّسَائِيِّ كَٱلْأَضْعَفِ، مُعْطِينَ إِيَّاهُنَّ كَرَامَةً، كَٱلْوَارِثَاتِ أَيْضًا مَعَكُمْ نِعْمَةَ ٱلْحَيَاةِ، لِكَيْ لَا تُعَاقَ صَلَوَاتُكُمْ.”
- إذا كان الرجُل والمرأة مختلفَين، فهل هما متساويَين؟ قالت إليزابيث إليوت (Elisabeth Elliot): “بأيِّ معنًى يمكن أن يكون اللَّون الأحمر مساويًا للَّون الأزرق؟ إنَّهما متساويان بمعنًى أنَّ كلاهما لونان في فسيفساء الألوان. بصرف النظر عن ذلك فَهُما مختلِفَان. بأيِّ معنًى يمكن أن يكون الحامي مساويًا للبارد؟ فكلاهما حرارة، لكن أبعد من ذلك لا معنًى للتكلُّم عن المساواة.” مقتبس من بويس (Boice).
- هَذِهِ تُدْعَى ٱمْرَأَةً: “فُسِّرت كلمة المرأة من قِبَل كثيرين على أنَّها كلمة مركَّبة تعني أنَّها أغرت رجلها كي يأكل من الثمر الممنوع؛ لكن هذا ليس المعنى الأصليّ للكلمة، ولا ما قُصِد بها، لأنَّ التَّعدِّي لم يكن قد حصل بعد.” كلارك (Clarke)
هـ) (٢٤-٢٥): زواج آدم وحوَّاء.
٢٤لِذلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. ٢٥وَكَانَا كِلاَهُمَا عُرْيَانَيْنِ، آدَمُ وَامْرَأَتُهُ، وَهُمَا لاَ يَخْجَلاَنِ.
- وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا: إنَّ مبدأ الزواج المصرَّح به هنا مبنيٌّ على ديناميكيَّة الوحدة بالرغم من الاختلاف. يمكن للرجل والمرأة أن يتَّحدا حقًّا في جسدٍ واحد في العلاقة، لكنَّهما يجب أن يلتصقا معًا. إنَّها حقيقةٌ روحيَّة، لكن فوائد تلك الوحدة لا يمكن الحصول عليها بالصدفة أو الحظ.
- وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا: هذه الفقرة تشكِّل الأساس لمفهوم الكتاب المقدَّس للزواج والعائلة. اقتبس كلٌّ من يسوع (متَّى ٥:١٩) وبولس (أفسس ٣١:٥) هذه العبارة في حديثهما عن الزواج.
- “إنَّ مؤسَّسة الزواج غير التَّعدُّديّ والبيت والعائلة كوسطٍ أساسيّ لازدياد العرق أو الجنس وتدريب الصغار هي شائعة في التَّاريخ البشريّ، حتَّى أنَّ الناس نادرًا ما يتأمَّلوا كيف ولماذا هذه العادة أتت إلى حيِّز الوجود.” موريس (Morris)
- يريد الكثيرون أن يؤمنوا بأنَّ الزواج الأحاديّ، العائلة المكوَّنة من والِدَين، اختُرِع في الخمسينيَّات من القرن العشرين من قِبَل وجوهٍ بارزة في التلفزيون الأمريكي أوزي وهارييت. لكن كان آدم وحوَّاء هُما العائلة الأصليَّة. إنهما العائلة المثاليَّة التي أوجدها الله. فهذا الزواج يختلف تمامًا عن تعدُّد الزوجات، وعن امتلاك السَّراري والعشيقات والزنا ومساكنة مثليِّي الجنس أو ممارسة الجنس أو العيش معًا خارج إطار الزواج، وليس زواجًا في سلسلة من الزيجات. إنَّه الزواج المثالي الذي أراده الله للعائلة، وحتَّى لو لم نعيش على هذا المستوى، فمن المهمِّ بمكان أن نضعه نصب أعيُننا ونسعى لتحقيقه.
- جَسَدًا وَاحِدًا: إنَّ فكرة الجسد الواحد مأخوذة من قِبَل الكثيرين على أنَّها طريقٌ للتعبير عن الاتِّحاد الجنسيّ. بينما الاتِّحاد الجنسيّ هو فعلًا متعلِّق بفكرة الجسد الواحد، إلا أنه مجرد جزءٌ واحدٌ ممَّا يعنيه الجسد الواحد. فهناك أيضًا أبعادٌ روحيَّة للجسد الواحد.
- يوضِّح الرسول بولس أنَّ الاتِّحاد الجنسيّ له تبعاتٌ، فعندما يمارس رجلٌ الجنس مع عاهرة سيكون هناك تبعيات (١ كورنثوس ١٦:٦). يُصبح الزوج والزوجة جسدًا واحدًا تحت مظلَّة بركة الله. في العلاقة الجنسيَّة خارج الزواج، يُصبح الشريكَان ’جسدًا واحدًا‘ تحت مظلَّة لعنة الله.
- في هذا المعنى، لا يوجد شيء اسمه ’الجنس العرضيّ.‘ كلُّ علاقةٍ جنسيَّة تبدأ على الأقلِّ برابطٍ جسمانيّ. هذا الرَّابط إمَّا يؤدِّي إلى شيءٍ جميل، أو تؤدِّي إلى شيءٍ مُنفِّر.
- هذا يعتمد على ما إذا كان الرَّابط ضمن علاقةٍ تتَّسم بالظروف الصحيحة: محبة ثابتة وملتزمة في إطار الزواج، والسعي وراء تكوين علاقة حميمة حقيقية. ولأن الجنس يحدث في إطار الزواج لا يعني أنَّه يُتمِّم حقًّا قصدَ الله المتمثِّل في توثيق علاقة الجسد الواحد معًا.
- وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا: رغم أنَّ الرَّابط الأوَّليّ في علاقة الجسد الواحد يمكنه أن يتشكَّل في المرَّة الأولى التي يمارس فيها الزوجان العلاقة الجنسيَّة، فإنَّ الوصول إلى كمال ما يريده الله في علاقة الجسد الواحد يأخذ وقتًا. يجب أن يتطوَّر هذا الرابط مع الوقت.
- وَكَانَا كِلَاهُمَا عُرْيَانَيْنِ، آدَمُ وَٱمْرَأَتُهُ، وَهُمَا لَا يَخْجَلَانِ: قبل السقوط، كان آدم وحوَّاء كِلَاهُمَا عُرْيَانَيْنِ… وَهُمَا لَا يَخْجَلَانِ. إنَّ فكرة ’العُري‘ هي أكثر من مجرَّد ’تعرِّي.‘ إذ لها مفهوم أن يكون الشخص مفتوحًا بالكامل ومعروضًا أمام الله والإنسان. أن تكون عاريًا … وغير خجلان يعني أنَّك بلا خطيَّة، لا شيء تخجل منه بحقٍّ أو تخفيه.
- كان آدم وحوَّاء عالِمَين بأنَّهما عريانَان جسديًّا – مكشوفَان – قبل السقوط. ما كانا يجهلانه هو حالة الخطيَّة والسقوط، ذلك لأنَّهما لم يكونا في هذه الحالة قبل تمرُّدهما.
- غالبًا ما نشعر بعدم الرَّاحة عندما يُحدِّق بنا شخصٌ ما. هذا لأنَّنا نربط التَّحديق بالتَّطفُّل، ولا نريد الناس اقتناص حياتنا والتَّطفُّل عليها. نريد أن نبقى مُتخفِّين مُظهرين للآخرين فقط ما نريدُ أن نُظهرَه.
- عندما نريد أن نكون في أوجِ جاذبيَّتنا لأحدٍ ما، نعمل ما بوسعنا لتغيير مظهرنا الطَّبيعيّ. ونقول لأنفسنا: “إذا كنت أُريد حقًّا أن أثير إعجاب شخصٍ ما، لا بدَّ لي من إصلاح نفسي.” لم يكن أيٌّ من هذه المشاعر موجودًا مع آدم وحوَّاء عندما كانا عُرْيَانَيْنِ … وَهُمَا لَا يَخْجَلَانِ.