سفر التكوين – الإصحاح ٢٢
كان إبراهيم مُستعدًّا لتقديم إسحاق
أولًا. وصيَّة الله لإبراهيم وجوابه
أ ) الآيات (١-٢): يمتحِن الله إيمان إبراهيم.
١وَحَدَثَ بَعْدَ هَذِهِ ٱلْأُمُورِ أَنَّ ٱللهَ ٱمْتَحَنَ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ لَهُ: «يَا إِبْرَاهِيمُ!». فَقَالَ: «هَأَنَذَا». ٢فَقَالَ: «خُذِ ٱبْنَكَ وَحِيدَكَ، ٱلَّذِي تُحِبُّهُ، إِسْحَاقَ، وَٱذْهَبْ إِلَى أَرْضِ ٱلْمُرِيَّا، وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ ٱلْجِبَالِ ٱلَّذِي أَقُولُ لَكَ».
- ٱللهَ ٱمْتَحَنَ إِبْرَاهِيمَ: لم يكُن هذا اختبارًا لقياس الإيمان، بقدر ما هو اختبارٌ لإظهار الإيمان. بنى الله حياة إبراهيم رويدًا رويدًا، قطعةً بقطعة، سنةً بعد سنة، إلى أن أصبح رجُلَ إيمان. يُظهِر هذا الامتحان بعضًا من هذا الإيمان الَّذي بناه الله في إبراهيم.
- “لا يمكنني أن أتخيَّل امتحانًا أعظم من ذلك الَّذي طبَّقه الله على إبراهيم. يقول اليهود عادةً أنَّ إبراهيم امتُحِن عشرُ مرَّاتٍ. بكلِّ تأكيد، امتُحِن في هذه الحالة عشرَ مرَّاتٍ في مرَّةٍ واحدة.” سبيرجن (Spurgeon)
- هَأَنَذَا: كان جواب إبراهيم السريع للنداء مثالًا رائعًا على كيف ينبغي أن يُجاوِب الله كلٌّ من رجُل الإيمان وامرأة الإيمان. عندما قال إبراهيم، ‘هَأَنَذَا،’ عنى بذلك أنَّه كان مُستعدًّا للتَّعلُّم ومُستعدًّا للطاعة ومُستعدًّا للتسليم ومُستعدًّا لأن يمتحنَهُ الله.
- خُذِ ٱبْنَكَ وَحِيدَكَ … إِسْحَاقَ: بشكل هامٍّ، سمَّى الله إسحاق ٱبْنَكَ وَحِيدَكَ … إِسْحَاقَ، بينما في الحقيقة كان لإبراهيم إبن آخَر، إسماعيل. بما أنَّ إسماعيل قد طُرِد من عائلة إبراهيم (تكوين ٨:٢١-١٤)، فقد كان لإبراهيم ابنٌ وحيدٌ فيما يختصُّ بعهدِ الله.
- خُذِ ٱبْنَكَ وَحِيدَكَ، ٱلَّذِي تُحِبُّهُ: مُبتدئين من تكوين ١:١، هذا هو أوَّل ذكرٍ لـ المحبَّة في الكتاب المقدَّس. يأتي الذكر الأوَّل في سياق المحبَّة بين الأبِ وابنه، مُرتبطًا بفكرة تقديم الابن كذبيحة.
- كلُّ عبارةٍ من أمر الله كانت كالسكِّين بالنسبة إلى إبراهيم.
- خُذ ابنك.
- ابنك الوحيد إسحاق.
- الَّذي تُحبُّه.
- قدِّمه هناك.
- كذبيحة مُحرقة.
- كلُّ عبارةٍ من أمر الله كانت كالسكِّين بالنسبة إلى إبراهيم.
- وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً: طلب الله من إبراهيم أن يُقدِّمه ذبيحة مُحرقة. لم تكُن هذه تقدمةً تُحرَق حيَّةً، بل واحدةً تؤخَذ الحياةُ منها أوَّلًا كذبيحة ثمَّ تُحرَق بالكامل أمام الرَّبِّ.
- عاش إبراهيم كغريب، كمُرتحِل، في أرض كنعان. إنَّ الكثيرين من كهنة آلهة الكنعانيِّين قالوا أنَّ آلهتهم طلبت ذبائح بشريَّة. لم يجد شعب كنعان أيَّ أمرٍ، خصِّيصًا غريب، مُتعلِّقٍ بالذبائح البشريَّة، لكنَّ إبراهيم آمن أنَّ يهوه كان مُختلِفًا.
- بهذه الوصيَّة، ربَّما تساءل إبراهيم إذا كان يهوه، إله العهد وخالق السماء والأرض، شبيهًا بالآلهة الوثنيَّة التي عبدها الكنعانيُّون وآخرون. بنهاية القصَّة، علِم إبراهيم أنَّ الله ليس كالآلهة الوثنيَّة التي تُطالِب بذبائح بشريَّة. في الحقيقة، كان العكس تمامًا.
- كيف نتفاعل إذا سألنا الله أن نقوم بأمرٍ كهذا؟ لسنينٍ خلَت، كتب جاك سميث، كاتبٌ في جريدة لوس أنجلوس تايمز، عن هذا الحدث الكتابيّ. قال إنَّه كان سيطلب من الله أن يهتمَّ بشؤونه الخاصَّة. هذا ما يقوله العالَم دائمًا لله.
- لا يمكن إنكار ذلك سواء بدافع الجنون أو الخداع الشيطاني، فقد قام البعض بعملِ أشياء فظيعة وبرَّروا أفعالهم على هذا المنوال. في سنة ١٩٩٣، حُكِم على رجُلٍ اسمه أندرو كايت بالسجن مدَّة ٦٠ عامًا بعد إدانته بإطلاق النار على ابنته البالغة من العمر عامين، ثمَّ المشي عاريًا في الحي حاملًا جسدها. ادَّعى كايت أنَّه كان يتصرَّف بناءً على قصَّة إبراهيم وإسحاق الكتابيَّة، وأنَّ الله سيعمل معجزةً كي يربح أخاه للمسيحيَّة. اعتقد كايت أنَّ الله سيتدخَّل بشكلٍ عجائبيّ في اللَّحظة الأخيرة قبل قتل ابنته. كان الرجل، بشكلٍ واضح، مُختلًّا. ما فعله إبراهيم كان أمرًا فريدًا في تاريخ الله الفدائيّ، الَّذي أُعطيَ لقصدٍ خاص وتُمِّم مرَّةً واحدة. لا يمكن أنَّ يوجِّه الله شخصًا ما ليفعل نفس الشيء اليوم. كما سنُظهِر بعد قليل، إنَّ جزءًا هامًّا من هذه القصَّة هو إظهار أنَّ الله لم يُرِد، في الحقيقة، هذا النوع من الذبائح.
- وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً: كان هذا الاختبار صعبًا من ناحية أخرى، لأنَّه بدا وكأنَّه يُناقِض وعد الله السابق. لقد وعد الله بالفعل أنَّه بإسحاق يُدعى لك نسل (تكوين ١٢:٢١). يبدو غريبًا ومُناقضًا أن يُقتل الابن الَّذي وُعِد بأن يحمل العهد عندما لم يتمّ بعد فيه. يبدو وكأنَّ الله أمر إبراهيم بقتل ذلك الوعد الَّذي قطعه له.
- كان على إبراهيم أن يتعلَّم الفرق بين الثقة بالوعد والثقة بالَّذي وعد. يمكننا أن نضع وعد الله قبل الله نفسه ونشعر بأنَّ المسؤوليَّة تقع على عاتقنا لتحقيق الوعد، حتَّى ولو كان علينا عصيان الله لفعل ذلك. ثق بالَّذي وعد مهما كان الأمر، وسيتمُّ الاهتمام بالوعد.
- “إخوتي، هناك أوقاتٌ نمرُّ بها عندما نُدعى لاتِّخاذ إجراءٍ ما يبدو وكأنَّه يُعرِّض للخطر آمالنا العظام … الوفاء بوعد الله ليس من شأنك ولا من شأني، فلا تفعل أقلَّ قدرٍ من الخطأ كي تُنتِج أعظم خير. أن نفعل الشرَّ كي يكثر الخير هو عملُ أخلاقٍ زائفة وسياسةٍ شرِّيرة. بالنسبة إلينا إنَّها مسؤوليَّة وبالنسبة لله إنَّها تحقيق لوعدهِ وحفظٌ لفوائدنا.” سبيرجن (Spurgeon)
- إِلَى أَرْضِ ٱلْمُرِيَّا، وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ ٱلْجِبَالِ ٱلَّذِي أَقُولُ لَكَ: كان هناك مكانٌ خاصٌّ أمر الله إبراهيم أن يذهب إليه، مكانٌ مُعيَّنٌ حيث سيحدث ذلك. وجَّه الله بعناية كلَّ تفصيلٍ في هذه الدراما.
ب) الآية (٣): استجابة إبراهيم الفوريَّة للإيمان.
٣فَبَكَّرَ إِبْرَاهِيمُ صَبَاحًا وَشَدَّ عَلَى حِمَارِهِ، وَأَخَذَ ٱثْنَيْنِ مِنْ غِلْمَانِهِ مَعَهُ، وَإِسْحَاقَ ٱبْنَهُ، وَشَقَّقَ حَطَبًا لِمُحْرَقَةٍ، وَقَامَ وَذَهَبَ إِلَى ٱلْمَوْضِعِ ٱلَّذِي قَالَ لَهُ ٱللهُ.
- فَبَكَّرَ إِبْرَاهِيمُ صَبَاحًا: لم تكُن هناك من أيَّةِ علامةٍ للتَّردُّد من جهَّة إبراهيم. فَبَكَّرَ إِبْرَاهِيمُ صَبَاحًا ليفعل ذلك. لا بدَّ أنَّها كانت ليلة طويلة بالنسبة لإبراهيم لم تغمض له فيها عين.
- أظهرت طاعة إبراهيم أنَّه وثِق بالله، حتَّى عندما لم يكُن مُستوعِبًا الأمور. أحيانًا نقول، ‘لن أُطيع أو أُؤمن حتَّى أفهم كلَّ شيء،’ لكن هذا يجعلني مُساويًا لمقام الله.
- أظهرت طاعة إبراهيم أنَّه لم يُجادِل أو يأخذ مشورةً من الآخرين. عرف ماذا ينبغي أن يعمل ورفض استخدام تكتيكات المماطلة.
- أظهرت طاعة إبراهيم أنَّه وثِق بالله، حتَّى عندما لم يشعر بالرغبة في ذلك. لا يوجد أيُّ سطرٍ في هذا النص يُعبِّر عمَّا شعر به إبراهيم، لا لأنَّه لم يشعر بأيِّ شيءٍ بل لأنَّه سلك بالإيمان وليس بالمشاعر.
- “لا مجال لأيِّ كلمةٍ جدليَّة؛ ولا حتَّى أيِّ سؤالٍ انفراديّ يبدو وكأنَّه تردُّدًا. يبدو وكأنَّه يقول ‘الله هو الله،’ وليس لي أن أسأله لماذا أو أُفتِش عن سببٍ لمزايدته. قال الله: ‘سأفعل ذلك’” سبيرجن (Spurgeon)
- درَّب الله إبراهيم على مدى عقودٍ طويلة، آتيًا به إلى تلك الدرجة من الثقة الكبيرة. في الفصل الأخير فقط، سأل الله إبراهيم أن يتخلَّى عن إسماعيل بطريقة أقلّ خطورة. لقد استخدَم الله ذلك، وكلَّ شيءٍ آخَر، لِيُدرِّب إبراهيم ويبني إيمانًا عظيمًا فيه.
- وَشَدَّ عَلَى حِمَارِهِ: تقترح هذه العبارة أنَّ إبراهيم قام بهذا العمل شخصيًّا؛ فقد شَدَّ عَلَى حِمَارِهِ و شَقَّقَ حَطَبًا. بالرغم من أنَّه كان لديه الكثير من الغلمان ليقوموا بذلك من أجله، قام إبراهيم بذلك بنفسه، حتَّى في سنِّه المتقدِّم. ربَّما كان هذا لأنَّه كان مملوءًا بطاقةٍ عصبيَّة.
- “كان شيخًا ورجلًا مُقتدِرًا في مُخيَّمه لكنَّه أصبح قاطعًا للخشب، ظانًّا أن لا وجود لعملٍ وضيع إذا عُمِل لله، ومُعتبرًا العمل مُقدَّسًا لِيُعمَل بأيِّ أيادٍ أُخرى. وبقلب مكسور يقطع الخشب. كان ذلك الخشب لإشعال وريثه! خشبٌ لذبيحة ولَدِهِ العزيز.” سبيرجن (Spurgeon)
- وَذَهَبَ إِلَى ٱلْمَوْضِعِ ٱلَّذِي قَالَ لَهُ ٱللهُ: بطاعةٍ رائعة وواثقة، ذهب إبراهيم مباشرةً إلى البقعة أو الموضع ٱلَّذِي قَالَ لَهُ ٱللهُ. فعل ذلك بالرغم من أنَّه كان من الأسهل بنظر إبراهيم لو أنَّ الله طلب منه أن يُقدِّم حياته بدلًا من حياة ابنه إسحاق.
ثانيًا. تقديم إبراهيم إسحاق كذبيحة
أ ) الآيات (٤-٨): يُسافر إبراهيم إلى مكان التقدمة مع إسحاق.
٤وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ رَفَعَ إِبْرَاهِيمُ عَيْنَيْهِ وَأَبْصَرَ ٱلْمَوْضِعَ مِنْ بَعِيدٍ، ٥فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لِغُلَامَيْهِ: «ٱجْلِسَا أَنْتُمَا هَهُنَا مَعَ ٱلْحِمَارِ، وَأَمَّا أَنَا وَٱلْغُلَامُ فَنَذْهَبُ إِلَى هُنَاكَ وَنَسْجُدُ، ثُمَّ نَرْجِعُ إِلَيْكُمَا». ٦فَأَخَذَ إِبْرَاهِيمُ حَطَبَ ٱلْمُحْرَقَةِ وَوَضَعَهُ عَلَى إِسْحَاقَ ٱبْنِهِ، وَأَخَذَ بِيَدِهِ ٱلنَّارَ وَٱلسِّكِّينَ. فَذَهَبَا كِلَاهُمَا مَعًا. ٧وَكَلَّمَ إِسْحَاقُ إِبْرَاهِيمَ أَبِاهُ وَقَالَ: «يَا أَبِي!». فَقَالَ: «هَأَنَذَا يَا ٱبْنِي». فَقَالَ: «هُوَذَا ٱلنَّارُ وَٱلْحَطَبُ، وَلَكِنْ أَيْنَ ٱلْخَرُوفُ لِلْمُحْرَقَةِ؟». ٨فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: «ٱللهُ يَرَى لَهُ ٱلْخَرُوفَ لِلْمُحْرَقَةِ يَا ٱبْنِي». فَذَهَبَا كِلَاهُمَا مَعًا.
- وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ: وصل إبراهيم إلى المكان فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ. ترتبط منطقة المريَّا بجبل المريَّا، وهي القدس الحديثة (٢ أخبار الأيَّام ١:٣).
- كان لإبراهيم ثلاثة أيَّامٍ كي يفتكِر بما أمره الله أن يعمله. جعلت هذه المدَّةُ الامتحانَ أكثر شدَّةً. “أن تحترق سريعًا حتَّى الموت تحت الحُزمة الملتهِبَة هو استشهادٌ سهلٌ نسبيًّا، لكن أن تكون مُقيَّدًا تتحمَّص على نارٍ بطيئة وأن يكون القلب تحت الضغط ساعةً بعد ساعة كما في فعل الرذيلة، هذا ما يمتحن الإيمان؛ وهذا ما تحمَّله إبراهيم خلال ثلاثة أيَّامٍ طويلة” سبيرجن (Spurgeon)
- فَنَذْهَبُ إِلَى هُنَاكَ وَنَسْجُدُ: هذا هو الاستخدام الأوَّل لكلمة سجد في إشارة إلى الله في الكتاب المقدَّس. تعني الكلمة العبريَّة shachah ببساطة، ينحني. بينما لم يذهب إبراهيم وإسحاق إلى الجبل كي يقضيا وقتًا من التسبيح والفرح، فقد ذهبا كي ينحنيا أمام الرَّبِّ.
- ثُمَّ نَرْجِعُ إِلَيْكُمَا: كان إبراهيم مملوءًا بالإيمان عندما تكلَّم إلى غلمانه الَّذين كانوا معه. آمن أنَّ كليهما، هو وإسحاق، سيعودان؛ ثُمَّ نَرْجِعُ إِلَيْكُمَا، وقال لهم هكذا.
- لا يعني هذا أنَّ إبراهيم عرف بطريقةٍ ما أنَّ هذا كان امتحانًا وأنَّ الله لن يطلب هذا منه حقًا. على العكس، كان إيمان إبراهيم في فهمه أنَّه إذا قتل إسحاق، فالله سيقيمه من الموت، لأنَّ الله قد وعد أنَّ إسحاق سيحمل نسل البركة والعهد.
- لقد عرف أَنَّهُ بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ (تكوين ١٢:٢١)، ولم يكن لإسحاق أولاد بعد. “إذا مات إسحاق، فلَن يبقى سليلٌ آخَر، ولا توجد احتمالات لأيِّ شخصٍ آخَر لوراثته؛ فنورُ إبراهيم سيُطفَأ ويُنسى اسمه” سبيرجن (Spurgeon)
- يوضِّح سفر العبرانيِّين ١٧:١١-١٩ هذا المبدأ بوضوحٍ: بِٱلْإِيمَانِ قَدَّمَ إِبْرَاهِيمُ إِسْحَاقَ وَهُوَ مُجَرَّبٌ. قَدَّمَ ٱلَّذِي قَبِلَ ٱلْمَوَاعِيدَ، وَحِيدَهُ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُ: «إِنَّهُ بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ ».إِذْ حَسِبَ أَنَّ ٱللهَ قَادِرٌ عَلَى ٱلْإِقَامَةِ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ أَيْضًا، ٱلَّذِينَ مِنْهُمْ أَخَذَهُ أَيْضًا فِي مِثَالٍ.
- عرف إبراهيم أنَّ أيَّ شيءٍ كان مُمكِنًا، لكن من المستحيل أن يكسر الله وعده. عرف أنَّ الله ليس كاذبًا. إلى تلك اللَّحظة في التَّاريخ الكتابيّ، لا نمتلك أيَّ سجلِّ لأيِّ شخصٍ أُقيم من الموت، من أجل ذلك لم تكُن لإبراهيم سابقة لهذا الإيمان، بعيدًا عن وعد الله. بالرغم من ذلك، عرف إبراهيم أنَّ الله قادر. من الممكن أن يفعلها الله.
- فَأَخَذَ إِبْرَاهِيمُ حَطَبَ ٱلْمُحْرَقَةِ وَوَضَعَهُ عَلَى إِسْحَاقَ ٱبْنِهِ: أخذ إسحاق الحطب من أبيه لأجل ذبيحته وحملهُ إلى تلَّة الذبيحة.
- وَأَخَذَ بِيَدِهِ ٱلنَّارَ وَٱلسِّكِّينَ: أخذ إبراهيم السكِّين إلى التلَّة. لم يتركها وراءه أو تظاهر أنَّه نسيها. كان هذا مظهرًا آخَر من طاعته وثقته؛ حتَّى ولو كان ذلك ضروريًّا، أيقن أنَّ الله سيُقيم إسحاق من الموت.
- “كان ذلك السكِّين يخترق قلبه إلى حين، ولكن بالرغم من ذلك أخذه. كان يُمكن لعدم الإيمان أن يترك ذلك السكِّين في البيت، إلَّا أن الإيمان الحقيقيّ يأخذه.” سبيرجن (Spurgeon)
- فَذَهَبَا كِلَاهُمَا مَعًا: يعني هذا حرفيًّا ذهب كلاهما بِتوافق. فعل إسحاق هذا بعلمه وبإرادته. تكرَّرت العبارة مرَّتين للتَّوكيد.
- ٱللهُ يَرَى لَهُ ٱلْخَرُوفَ لِلْمُحْرَقَةِ يَا ٱبْنِي: علِم إبراهيم أنَّ الله سيؤمِّن الذبيحة، لكن أين؟ أين الخروف؟ سُئِل هذا السؤال من قِبَل جميع الأمناء، من إسحاق إلى موسى إلى داود إلى إشعياء، على طول الطريق حتَّى زمن يوحنَّا المعمدان الَّذي أعلن: هُوَذَا حَمَلُ ٱللهِ ٱلَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ ٱلْعَالَمِ! (يوحنَّا ٢٩:١).
- في هذا الوقت، لم يعرف إبراهيم كيف يرى الله الذبيحة. ما زال يثق بقدرة الله على إقامة إسحاق من الموت، لكنَّه لم يتوقَّف عن الثقة لأنَّه لم يعرف كيف يُتمِّم الله وعده.
- لنا في هذا صورةٌ استثنائيَّة عن عمل الرَّبِّ يسوع على الصليب، آلاف السنين قبل حدوث ذلك. ذهب ابن الوعد إراديًّا كي يُقدِّم الذبيحة طاعةً لأبيه، حاملًا حطبَ الذبيحة إلى التلَّة، مملوءًا ثقةً بوعد القيامة.
ب) الآية (٩): يضع إسحاق نفسه طوعًا على المذبح.
٩فَلَمَّا أَتَيَا إِلَى ٱلْمَوْضِعِ ٱلَّذِي قَالَ لَهُ ٱللهُ، بَنَى هُنَاكَ إِبْرَاهِيمُ ٱلْمَذْبَحَ وَرَتَّبَ ٱلْحَطَبَ وَرَبَطَ إِسْحَاقَ ٱبْنَهُ وَوَضَعَهُ عَلَى ٱلْمَذْبَحِ فَوْقَ ٱلْحَطَبِ.
- فَلَمَّا أَتَيَا إِلَى ٱلْمَوْضِعِ: على ما يبدو، حتَّى على جبل المريَّا يوجد مكانٌ خاص طلب الله من إبراهيم أن يتوقَّف عنده، لأنَّه المكان للقيام بذلك.
- بَنَى هُنَاكَ إِبْرَاهِيمُ ٱلْمَذْبَحَ وَرَتَّبَ ٱلْحَطَبَ وَرَبَطَ إِسْحَاقَ: في هذا الوقت، كان إبراهيم أكثر من مئة سنة، وإسحاق في عمرٍ يسمح له بالهروب من الموت ومن كلِّ هذا إن هو أراد ذلك. بالرغم من ذلك، خضع لأبيه بشكلٍ كامل. عندما نتذكَّر إيمان إبراهيم، لا يجب أن ننسى إيمان إسحاق.
- يعتقد بعض المفسِّرين اليهود أنَّ إسحاق كان في الثلاثين من عمره خلال هذه الحادثة. “الرجل الأصغر، ربَّما في الخامسة والعشرين من عمره – هكذا يعتقد يوسيفوس – ومُحتمَل أن يكون في الثلاثة والثلاثين من عمره، وإذا كان كذلك، فمن الواضح أنَّه يُشبه المسيح الَّذي كان في هذا العمر عندما جاء ليموت” سبيرجن (Spurgeon)
- فَوْقَ ٱلْحَطَبِ: كابنٍ مطيع، تمدَّد إسحاق على الحطب مُستعدًّا للذبيحة.
ج) الآيات (١٠-١٤): تدخُّل الله الرحوم.
١٠ثُمَّ مَدَّ إِبْرَاهِيمُ يَدَهُ وَأَخَذَ ٱلسِّكِّينَ لِيَذْبَحَ ٱبْنَهُ. ١١فَنَادَاهُ مَلَاكُ ٱلرَّبِّ مِنَ ٱلسَّمَاءِ وَقَالَ: «إِبْرَاهِيمُ! إِبْرَاهِيمُ!». فَقَالَ: «هَأَنَذَا». ١٢فَقَالَ: «لَا تَمُدَّ يَدَكَ إِلَى ٱلْغُلَامِ وَلَا تَفْعَلْ بِهِ شَيْئًا، لِأَنِّي ٱلْآنَ عَلِمْتُ أَنَّكَ خَائِفٌ ٱللهَ، فَلَمْ تُمْسِكِ ٱبْنَكَ وَحِيدَكَ عَنِّي». ١٣فَرَفَعَ إِبْرَاهِيمُ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَإِذَا كَبْشٌ وَرَاءَهُ مُمْسَكًا فِي ٱلْغَابَةِ بِقَرْنَيْهِ، فَذَهَبَ إِبْرَاهِيمُ وَأَخَذَ ٱلْكَبْشَ وَأَصْعَدَهُ مُحْرَقَةً عِوَضًا عَنِ ٱبْنِهِ. ١٤فَدَعَا إِبْرَاهِيمُ ٱسْمَ ذَلِكَ ٱلْمَوْضِعِ «يَهْوَهْ يِرْأَهْ». حَتَّى إِنَّهُ يُقَالُ ٱلْيَوْمَ: «فِي جَبَلِ ٱلرَّبِّ يُرَى».
- ثُمَّ مَدَّ إِبْرَاهِيمُ يَدَهُ وَأَخَذَ ٱلسِّكِّينَ لِيَذْبَحَ ٱبْنَهُ: ينبغي أن نؤمن أنَّ إبراهيم أراد بشكلٍ كامل أن يغرز السكِّين في إسحاق لأنَّ إيمانه كان في قدرة الله على إقامة إسحاق من الموت، وليس في رغبة الله أن يُوقِف الذبيحة. لم يعتقد إبراهيم أنَّ هذه كانت دراما أو مجرَّد احتفال.
- “لاحِظ طاعة خليل الله – لم يكن يتلاعب بإعطاء ابنه: كان الأمر يحصل بالفعل. لم يكن يتحدَّث عمَّا يمكن أن يفعله وما سيفعله لربَّما، لكنَّ إيمانه كان عمليًّا وجبَّارًا” سبيرجن (Spurgeon)
- يمكن القول، “إنَّه ليس عادلًا أو صحيحًا. طلب الله من إبراهيم أن يقوم بعمل شيء، ثمَّ طلب منه ألَّا يفعله. إذا أراد الله فعلًا أن يمتحن إبراهيم، كان يجب أن يسمح له بغرز ذلك السكِّين في صدر ابنه.”
- مع ذلك، غالبًا ما يأخذ الله الإرادة لـ الفعل مع شعبه. عندما يكتشف أنَّهم يريدون حقًّا أن يُقدِّموا الذبيحة التي يُطالِب بها، في كثيرٍ من الأحيان لا يطلبها. هكذا يمكننا أن نكون شهداء من دون أن نموت من أجل يسوع. نعيش حياة الشهيد الآن.
- لكن، “في كثيرٍ من الأحيان هناك مؤمنون يتساءلون عن كيف يمكنهم معرفة مشيئة الله. نؤمن أنَّ تسعين في المئة من معرفة مشيئة الله تتضمَّن إرادةً لفعلها قبل معرفتها” بارنهاوس (Barnhouse)
- لَا تَمُدَّ يَدَكَ إِلَى ٱلْغُلَامِ وَلَا تَفْعَلْ بِهِ شَيْئًا: بقَوله هذا، أظهر الله بشكلٍ قاطعٍ لإبراهيم أنَّه ليس كالآلهة الوثنيَّة التي يعبدها الكنعانيُّون وآخرون، آلهة تُطالِب بذبائح بشريَّة وتُسرُّ بها. أظهر الله بشكلٍ جليٍّ وقويّ أنَّه لا يريد ذبائح بشريَّة.
- فَلَمْ تُمْسِكِ ٱبْنَكَ وَحِيدَكَ عَنِّي: عرض إبراهيم قلبه أمام الله بكونه كان مستعدًّا أن يُقدِّم ابنه الوحيد. يُظهِر الله قلبه لنا بنفس الطريقة، بإعطائنا ابنه الوحيد (يوحنَّا ١٦:٣).
- عندما أراد الله من إبراهيم إظهار المحبَّة والالتزام الكاملَين، طلب منه ابنَهُ. عندما أراد الله الآب إظهارَ كمال محبَّته والتزامه لنا، أعطانا ابنه. يمكننا أن نقول للرَّبِّ، ‘أنا أعلم الآن بأنَّك تحبُّني عندما رأيت أنَّك لم تمنع ابنك، ابنك الوحيد عنّي.’
- فَذَهَبَ إِبْرَاهِيمُ وَأَخَذَ ٱلْكَبْشَ وَأَصْعَدَهُ مُحْرَقَةً عِوَضًا عَنِ ٱبْنِهِ: مع كلِّ هذا، لا يزال الله يطلب الذبيحة. لم يُلغِ الله الذبيحة. على العكس، طلب تأمين بديلٍ أمَّنه الله بنفسه.
- فَدَعَا إِبْرَاهِيمُ ٱسْمَ ذَلِكَ ٱلْمَوْضِعِ: إنَّ تسمية المكان مُهمَّة. دعاه إبراهيم فِي جَبَلِ ٱلرَّبِّ يُرَى (يَهْوَهْ يِرْأَهْ)؛ في هذا الجبل، يجب أن تُرى.
- لم يُسمِّ إبراهيم المكان نسبةً لما اختبره. لم يُسمِّه جبل التجربة أو جبل العذاب أو جبل الطاعة. بدلًا من ذلك، سمَّى التلَّة نسبةً لما عمله الله؛ جَبَلِ ٱلرَّبِّ يُرَى. سمَّى المكان عالِمًا أنَّ الله سيرى – سيؤمِّن – الذبيحة الكاملة للخلاص على تلك التلَّة في يومٍ من الأيَّام.
- سابقًا، سأل إسحاق أباه عن الذبيحة وأجاب إبراهيم، ٱللهُ يَرَى لَهُ ٱلْخَرُوفَ لِلْمُحْرَقَةِ يَا ٱبْنِي (تكوين ٨:٢٢). بتسمية المكان يَهْوَهْ يِرْأَهْ، “لا يقول إبراهيم شيئًا عن نفسه بتاتًا لكنَّ التسبيح لله، الَّذي يرى ويُرى؛ فالعبارة هي، ‘يَهْوَهْ يِرْأَهْ،’ يعجبني هذا الإنكار للذات؛ أُصلِّي أيضًا أن يكون لنا حجم قوَّة هذا الإيمان كي نُعلِّق الذات على الحائط.” سبيرجن (Spurgeon)
- حَتَّى إِنَّهُ يُقَالُ ٱلْيَوْمَ: على ما يبدو، هذا ما قصده موسى حتَّى في أيَّامه عندما كان الناس ينظرون إلى تلك التلَّة ويقولون، ‘فِي جَبَلِ ٱلرَّبِّ يُرَى.’ لاحظ إبراهيم، ومن بعده موسى، أنَّ الله فعلًا رأى و أعطى، وأشار هذا إلى الذبيحة الكاملة التي سيراها الله بنفسه. “رأى الله الخروف بدلًا من إسحاق. كان هذا كافيًا لهذه المناسبة من هذا النوع؛ لكنَّ الَّذي يُمثِّله الخروف أعظم ممَّا لا يُقاس. لكي يُخلِّصنا، قدَّم الله ذاته. لا أستطيع أن أضعها بشكلٍ مُبسَّطٍ أكثر. لم يُقدِّم ملاكًا ولا مجرَّد رجُل، بل الله نفسه” سبيرجن (Spurgeon)
- هذه الحادثة هي نبوَّةٌ أيضًا عن قيامة يسوع من الأموات في اليوم الثالث، كما في ١ كورنثوس ٤:١٥ يقول: وَأَنَّهُ دُفِنَ، وَأَنَّهُ قَامَ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ حَسَبَ ٱلْكُتُبِ. هذه إحدى الآيات في العهد القديم التي تُشير إلى أنَّ المسيَّا سيقوم أيضًا في اليوم الثالث. يقول هذا من خلال صورة إسحاق. اعتُبِر إسحاق ‘ميِّتًا’ بالنسبة إلى إبراهيم عندما أمره الله بتقديمه، ‘وأُحييَ’ (أُقيم) بعد ثلاثة أيَّام.
- إنَّ حياة إسحاق، كصورةٍ عن يسوع، تتوضَّح حتَّى أكثر:
- كلاهما أحبَّاهما أبواهما.
- كلاهما قدَّما أنفسهما إراديًّا.
- كلاهما حملا الحطب إلى رأس التلَّة التي شهدت الذبيحة.
- كلاهما قُدِّما كذبيحة على تلك التلَّة عينها.
- كلاهما أُعتِقا من الموت في اليوم الثالث.
د ) الآيات (١٥-١٩): يؤكِّد الله الوعد لإبراهيم في ضوء إيمانه.
١٥وَنَادَى مَلَاكُ ٱلرَّبِّ إِبْرَاهِيمَ ثَانِيَةً مِنَ ٱلسَّمَاءِ ١٦وَقَالَ: «بِذَاتِي أَقْسَمْتُ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، أَنِّي مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ فَعَلْتَ هَذَا ٱلْأَمْرَ، وَلَمْ تُمْسِكِ ٱبْنَكَ وَحِيدَكَ، ١٧أُبَارِكُكَ مُبَارَكَةً، وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ تَكْثِيرًا كَنُجُومِ ٱلسَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ ٱلَّذِي عَلَى شَاطِئِ ٱلْبَحْرِ، وَيَرِثُ نَسْلُكَ بَابَ أَعْدَائِهِ، ١٨وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ ٱلْأَرْضِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي». ١٩ثُمَّ رَجَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى غُلَامَيْهِ، فَقَامُوا وَذَهَبُوا مَعًا إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ. وَسَكَنَ إِبْرَاهِيمُ فِي بِئْرِ سَبْعٍ.
- وَنَادَى مَلَاكُ ٱلرَّبِّ إِبْرَاهِيمَ ثَانِيَةً مِنَ ٱلسَّمَاءِ: يبدو أنَّ هذا هو صوت الله الابن نفسه، المرسَل الفريد أو مَلَاكُ ٱلرَّبِّ. تبدو العبارة التي تلي بصيغة الأنا أو الذات (بِذَاتِي أَقْسَمْتُ). كان يسوع المسيَّا، الله الابن، حاضرًا بفرادة في هذا الحدَث الرائع.
- أَنِّي مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ فَعَلْتَ هَذَا ٱلْأَمْرَ، وَلَمْ تُمْسِكِ ٱبْنَكَ وَحِيدَكَ: للمرَّة الثالثة، يُشير الله إلى إسحاق كابنِ إبراهيم الوحيد (سابقًا في تكوين ٢:٢٢ و١٢:٢٢).
- أُبَارِكُكَ مُبَارَكَةً: عرف إبراهيم البركة التي تأتي إلى أولئك الَّذين يثقون بوعد الله ويثقون به تمامًا إلى درجة أنَّهم يأخذون الإجراءات المبنيَّة على هذا الإيمان. بثقته بقدرة الله على إقامة ابنه من الموت، أخذ إبراهيم بركةً عظيمة.
- وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ تَكْثِيرًا: كانت طاعة إبراهيم مبنيَّة على الثقة بوعد الله بإقامة نسلٍ بواسطة إسحاق (تكوين ١٢:٢١). لذلك، كرَّر الله وأكَّد الوعد بعد طاعة إبراهيم الرائعة.
- كَنُجُومِ ٱلسَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ ٱلَّذِي عَلَى شَاطِئِ ٱلْبَحْرِ: بحسب موريس، من خلال حساباتٍ تقريبيَّة، إنَّ أعداد النجوم في السماء وحُبيبات الرمل التي على شاطئ البحر هي نفسها:١٠ اس ٢٥.
- وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ ٱلْأَرْضِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي: تكرَّر الوعد بأن يأتي المسيَّا من نسل إبراهيم (سابقًا في تكوين ٣:١٢). فالمسيَّا – الابن الوحيد لله الآب – سيُتمِّم هذا الوعد لجميع أُمم الأرض.
هـ) الآيات (٢٠-٢٤): قائمة عائلة ناحور.
٢٠وَحَدَثَ بَعْدَ هَذِهِ ٱلْأُمُورِ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ أُخْبِرَ وَقِيلَ لَهُ: «هُوَذَا مِلْكَةُ قَدْ وَلَدَتْ هِيَ أَيْضًا بَنِينَ لِنَاحُورَ أَخِيكَ: ٢١عُوصًا بِكْرَهُ، وَبُوزًا أَخَاهُ، وَقَمُوئِيلَ أَبَا أَرَامَ، ٢٢وَكَاسَدَ وَحَزْوًا وَفِلْدَاشَ وَيِدْلَافَ وَبَتُوئِيلَ». ٢٣وَوَلَدَ بَتُوئِيلُ رِفْقَةَ. هَؤُلَاءِ ٱلثَّمَانِيَةُ وَلَدَتْهُمْ مِلْكَةُ لِنَاحُورَ أَخِي إِبْرَاهِيمَ. ٢٤وَأَمَّا سُرِّيَّتُهُ، وَٱسْمُهَا رَؤُومَةُ، فَوَلَدَتْ هِيَ أَيْضًا: طَابَحَ وَجَاحَمَ وَتَاحَشَ وَمَعْكَةَ.
- هُوَذَا مِلْكَةُ قَدْ وَلَدَتْ هِيَ أَيْضًا بَنِينَ لِنَاحُورَ أَخِيكَ: عندما ترك إبراهيم أور الكلدانيِّين، ترك أيضًا أخاه ناحور (تكوين ٢٧:١١-٢٩). هنا نعلَم عن الأولاد الَّذين وُلِدوا لأخي إبراهيم، في أور.
- وَوَلَدَ بَتُوئِيلُ رِفْقَةَ: كان لأحد أبناء ناحور المسمَّى بَتُوئِيل ابنةٌ اسمها رِفْقَةَ. ذُكِرت لأنَّها لاحقًا ستصير امرأة ابنِ إبراهيم إسحاق.
- وَأَمَّا سُرِّيَّتُهُ: هذا أوَّل ذكرٍ لكلِمة سُريَّة في الكتاب المقدَّس. بالإضافة إلى امرأته مِلْكَة، أخذ ناحور سُريَّة اسمها رَؤُومَةُ.
- قدَّم ماثيو بوله (Poole) شرحًا جيِّدًا عن السُريَّة: “كانت السُريَّة زوجةً أقلَّ شأنًا، بحسب الممارسة المنتشرة في تلك الأيَّام، وخاضعة لسلطة المرأة الرئيسيَّة والتي أولادها لا حقَّ لهم في الميراث، لكنَّهم يوهبون عطايا.”
- كان يُعتبَر اتِّخاذ زوجةٍ إضافيَّة أو سُريَّة أمرًا قانونيًّا ومقبولًا اجتماعيًّا في العالَم القديم، بما فيه العالَم الَّذي كان يعيش فيه إبراهيم والآباء. رغمًا عن ذلك، لم يكن هذا في خطَّة الله. نعلم هذا من النموذج المعطى في تكوين ٢٤:٢، لِذَلِكَ يَتْرُكُ ٱلرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِٱمْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. في معرض كلامه عن مبدأ تكوين ٢٤:٢، أشار يسوع بوضوح إلى أنَّ هذا هو قصد الله منذ البدء (متَّى ٤:١٩-٦). لم يُعطِ الله أبدًا وصيَّة مُحدَّدة ضدَّ تعدُّد الزوجات حتَّى العهد الجديد، لكنَّ الله أظهر، في المبدأ، أنَّ هذا ليس في قصده. بالإضافة إلى ذلك، كلَّما نظرنا إلى حياة عائلةٍ فيها تعدُّديَّة زوجيَّة في الكتاب المقدَّس، كلَّما لاحظنا أنَّها عائلاتٌ موسومة بالفوضى والنزاع.