سفر التكوين – الإصحاح ٣١
يهرُب يعقوب من عند لابان إلى كنعان
أولًا. نزاعات يعقوب مع لابان وأبنائه
أ ) الآيات (١-٢): الخصام بين لابان ويعقوب يجعل لابان ينظر إلى يعقوب بشكلٍ مُختلِفٍ.
١فَسَمِعَ كَلَامَ بَنِي لَابَانَ قَائِلِينَ: «أَخَذَ يَعْقُوبُ كُلَّ مَا كَانَ لِأَبِينَا، وَمِمَّا لِأَبِينَا صَنَعَ كُلَّ هَذَا ٱلْمَجْدِ». ٢وَنَظَرَ يَعْقُوبُ وَجْهَ لَابَانَ وَإِذَا هُوَ لَيْسَ مَعَهُ كَأَمْسِ وَأَوَّلَ مِنْ أَمْسِ.
- أَخَذَ يَعْقُوبُ كُلَّ مَا كَانَ لِأَبِينَا: لم يكُن الأمر كما ولو أنَّ يعقوب قد أخذ أيَّ شيءٍ يمتلكه لابان. بل أنَّ ثروته كانت تتزايد بما يتناسب مع ثروة لابان. ولم تكُن المشكلة في أنَّ يعقوب قد سرق؛ بل كانت في أبناء لابان المملوئين بالحسد.
- يُحرِّف الحسد الحقّ. لم يأخذ يعقوب أيَّ شيءٍ للابان، لكنَّ الحسد قد يُؤدِّي إلى الكَذِب. لذلك قال أبناء لابان أَخَذَ يَعْقُوبُ كُلَّ مَا كَانَ لِأَبِينَا.
- وَجْهَ لَابَانَ … لَيْسَ مَعَهُ: سمَّم حسدُ الأبناء قلبَ لابان وحوَّلوه ضدَّ يعقوب. قبلًا، كان لابان مسرورًا بالاتِّفاق بالكامل.
- يُعتبَر الحسد (الغيرة) سيِّئًا ليس بحدِّ ذاته فقط، بل لأنَّه أيضًا يؤثِّر في الآخرين: لِأَنَّكُمْ بَعْدُ جَسَدِيُّونَ. فَإِنَّهُ إِذْ فِيكُمْ حَسَدٌ وَخِصَامٌ وَٱنْشِقَاقٌ، أَلَسْتُمْ جَسَدِيِّينَ وَتَسْلُكُونَ بِحَسَبِ ٱلْبَشَرِ؟ (١ كورنثوس ٣:٣). لِأَنَّهُ حَيْثُ ٱلْغَيْرَةُ وَٱلتَّحَزُّبُ، هُنَاكَ ٱلتَّشْوِيشُ وَكُلُّ أَمْرٍ رَدِيءٍ (يعقوب ١٦:٣).
- على العكس، ٱلْمَحَبَّةُ تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ. ٱلْمَحَبَّةُ لَا تَحْسِدُ. ٱلْمَحَبَّةُ لَا تَتَفَاخَرُ، وَلَا تَنْتَفِخُ (١ كورنثوس ٤:١٣).
- يُريد الله أن يُحرِّرنا من الحسد والغيرة: لِأَنَّنَا كُنَّا نَحْنُ أَيْضًا قَبْلًا أَغْبِيَاءَ، غَيْرَ طَائِعِينَ، ضَالِّينَ، مُسْتَعْبَدِينَ لِشَهَوَاتٍ وَلَذَّاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، عَائِشِينَ فِي ٱلْخُبْثِ وَٱلْحَسَدِ، مَمْقُوتِينَ، مُبْغِضِينَ بَعْضُنَا بَعْضًا (تيطس ٣:٣).
- ليس الحسد خطيَّة صغيرة. فهو مَن وضعَ يسوع على الصليب: لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُمْ أَسْلَمُوهُ حَسَدًا (متَّى ٢٧: ١٨).
ب) الآية (٣): يطلب الله من يعقوب العودة إلى أرض الموعد.
٣وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِيَعْقُوبَ: «ٱرْجِعْ إِلَى أَرْضِ آبَائِكَ وَإِلَى عَشِيرَتِكَ، فَأَكُونَ مَعَكَ».
- ٱرْجِعْ إِلَى أَرْضِ آبَائِكَ: حتَّى ولو لم يكن يعقوب يعلَم بذلك، فقد كان الله يُحضِّرهُ لهذا الوقت. أوَّلًا، أعطاه الله الشوق للعودة إلى موطنهِ الأصليّ (تكوين ٢٥:٣٠). ثمَّ أصبحت ظروفه الحاليَّة غير مُحتمَلَة. وأخيرًا، أعطى الله يعقوب توجُّهًا شخصيًّا. واليوم، يقود الله شعبه بناءً على النمط ذاته.
- فَأَكُونَ مَعَكَ: كان هذا الجزء الأهمّ. إذا كان الله مع يعقوب، فسيكون في سلامٍ وواثقًا في أيِّ صعاب – أو على الأقلِّ سيحظى بفرصةٍ كي يكون في سلامٍ وثقة. فوعدُ الله بحضورهِ معهُ يعني كلَّ شيء.
ج) الآيات (٤-٩): يشرح يعقوب الوضع وخطَّته لزوجَتَيه.
٤فَأَرْسَلَ يَعْقُوبُ وَدَعَا رَاحِيلَ وَلَيْئَةَ إِلَى ٱلْحَقْلِ إِلَى غَنَمِهِ، ٥وَقَالَ لَهُمَا: «أَنَا أَرَى وَجْهَ أَبِيكُمَا أَنَّهُ لَيْسَ نَحْوِي كَأَمْسِ وَأَوَّلَ مِنْ أَمْسِ. وَلَكِنْ إِلَهُ أَبِي كَانَ مَعِي. ٦وَأَنْتُمَا تَعْلَمَانِ أَنِّي بِكُلِّ قُوَّتِي خَدَمْتُ أَبَاكُمَا، ٧وَأَمَّا أَبُوكُمَا فَغَدَرَ بِي وَغَيَّرَ أُجْرَتِي عَشَرَ مَرَّاتٍ. لَكِنَّ ٱللهَ لَمْ يَسْمَحْ لَهُ أَنْ يَصْنَعَ بِي شَرًّا. ٨إِنْ قَالَ هَكَذَا: ٱلرُّقْطُ تَكُونُ أُجْرَتَكَ، وَلَدَتْ كُلُّ ٱلْغَنَمِ رُقْطًا. وَإِنْ قَالَ هَكَذَا: ٱلْمُخَطَّطَةُ تَكُونُ أُجْرَتَكَ، وَلَدَتْ كُلُّ ٱلْغَنَمِ مُخَطَّطَةً. ٩فَقَدْ سَلَبَ ٱللهُ مَوَاشِيَ أَبِيكُمَا وَأَعْطَانِي».
- وَلَكِنْ إِلَهُ أَبِي كَانَ مَعِي: بالرغم من أنَّ لابان حاول خداع يعقوب، فقد حَفِظَهُ الله طوال الوقت. أظهر الله ليعقوب بأنَّه الأعظَم والقادر على التَّغلُّب على ما يُمكِن أن يفعله أيُّ إنسانٍ بيعقوب. كان حضور الله مع يعقوب، تمامًا كما وعد الله (تكوين ١٥:٢٨).
- عبَّر المرنِّم في وقتٍ لاحقٍ عن هذا الفكر بقوله: ٱلرَّبُّ لِي فَلَا أَخَافُ. مَاذَا يَصْنَعُ بِي ٱلْإِنْسَانُ؟ (مزمور ٦:١١٨).
- وَأَنْتُمَا تَعْلَمَانِ أَنِّي بِكُلِّ قُوَّتِي خَدَمْتُ أَبَاكُمَا: لم يكن يعقوب يعتقد بأنَّه تصرَّف بشكلٍ لائق مع لابان فحسب، بل أنَّ زوجتَيه كانتا تعلمان أيضًا عن سلوكِهِ البار ومُعاملة لابان غير العادِلة معه.
د ) الآيات (١٠-١٣): حُلُم يعقوب عن القطعان.
١٠وَحَدَثَ فِي وَقْتِ تَوَحُّمِ ٱلْغَنَمِ أَنِّي رَفَعْتُ عَيْنَيَّ وَنَظَرْتُ فِي حُلْمٍ، وَإِذَا ٱلْفُحُولُ ٱلصَّاعِدَةُ عَلَى ٱلْغَنَمِ مُخَطَّطَةٌ وَرَقْطَاءُ وَمُنَمَّرَةٌ. ١١وَقَالَ لِي مَلَاكُ ٱللهِ فِي ٱلْحُلْمِ: يَا يَعْقُوبُ. فَقُلْتُ: هَأَنَذَا. ١٢فَقَالَ: ٱرْفَعْ عَيْنَيْكَ وَٱنْظُرْ. جَمِيعُ ٱلْفُحُولِ ٱلصَّاعِدَةِ عَلَى ٱلْغَنَمِ مُخَطَّطَةٌ وَرَقْطَاءُ وَمُنَمَّرَةٌ، لِأَنِّي قَدْ رَأَيْتُ كُلَّ مَا يَصْنَعُ بِكَ لَابَانُ. ١٣أَنَا إِلَهُ بَيْتِ إِيلَ حَيْثُ مَسَحْتَ عَمُودًا، حَيْثُ نَذَرْتَ لِي نَذْرًا. ٱلْآنَ قُمِ ٱخْرُجْ مِنْ هَذِهِ ٱلْأَرْضِ وَٱرْجِعْ إِلَى أَرْضِ مِيلَادِكَ».
- وَقَالَ لِي مَلَاكُ ٱللهِ فِي ٱلْحُلْمِ: من هذه العبارة هُنا نُدرِك أنَّ بركة الانتاج الحيوانيّ من الغنم والماعز الموصوفة في تكوين ٣٧:٣٠-٤٣ أُظهِرت ليعقوب بطريقةٍ ما في حُلُمٍ. لم يستخدِم يعقوب أساليب زراعيَّة ذكيَّة فقط؛ بل الأهمُّ من ذلك، هو أنَّ بركة الله كانت له ومعهُ.
- أَنَا إِلَهُ بَيْتِ إِيلَ: طلب الله من يعقوب أن يعودَ إلى بيت إيل، إلى ذلك المكان حيث التقى بالرَّبِّ بطريقةٍ شخصيَّة. كان هذا أُسلوبُ يعقوب للعودة إلى محبَّته الأُولى وأعماله الأُولى (كما سيتمُّ الشرح فيما بعد في رؤيا ٤:٢-٥).
- أَنَا إِلَهُ بَيْتِ إِيلَ: من الجيِّد أن نتذكَّر تلك الأوقات والأماكن حيث عمل الله أعمالًا عظيمة من أجلنا والتقى بنا بِطُرقٍ عجيبة. وبينما نتذكَّرها، يُذكِّرنا الله بأنَّه ما زال ذلك الإله الَّذي سدَّد احتياجاتنا حينها وسيُسدِّد احتياجاتنا الآن.
- “هل تتذكَّر، كما يتذكَّر البعض منكم، ربَّما، المرَّة الأولى التي فيها أُعلِنت المحبَّة الغافرة لك – عندما أُعطيتَ أن ترى محبَّة الله في ذبيحة يسوع المسيح الكفَّاريَّة الكبرى؟ حسنًا، في هذه اللَّيلة، يقول الرَّبُّ لك، ‘أنا ذات الإله كما وجدتني دائمًا وأبدًا. أنا لم أتغيَّر. أنا لا أتغيَّر؛ لذلك يا بني يعقوب لن تفنَوا، كما أنَّ أباكم يعقوب لم يفنى؛ لأنِّي كنت له نفس الإله’” سبيرجن (Spurgeon)
- ٱلْآنَ قُمِ ٱخْرُجْ مِنْ هَذِهِ ٱلْأَرْضِ وَٱرْجِعْ إِلَى أَرْضِ مِيلَادِكَ: في هذا الحُلُم المذكور آنفًا، أخبر الله يعقوب بوجوب العودة. كانت الأرض تلك الأرض الموعودة لإبراهيم وإسحاق ويعقوب بالعهد.
هـ) الآيات (١٤-١٦): لَيئَة وراحيل تدعمان يعقوب في مسعاه للعودة إلى كنعان.
١٤فَأَجَابَتْ رَاحِيلُ وَلَيْئَةُ وَقَاَلتَا لَهُ: «أَلَنَا أَيْضًا نَصِيبٌ وَمِيرَاثٌ فِي بَيْتِ أَبِينَا؟ ١٥أَلَمْ نُحْسَبْ مِنْهُ أَجْنَبِيَّتَيْنِ، لِأَنَّهُ بَاعَنَا وَقَدْ أَكَلَ أَيْضًا ثَمَنَنَا؟ ١٦إِنَّ كُلَّ ٱلْغِنَى ٱلَّذِي سَلَبَهُ ٱللهُ مِنْ أَبِينَا هُوَ لَنَا وَلِأَوْلَادِنَا، فَٱلْآنَ كُلَّ مَا قَالَ لَكَ ٱللهُ ٱفْعَلْ».
- أَلَنَا أَيْضًا نَصِيبٌ وَمِيرَاثٌ فِي بَيْتِ أَبِينَا؟: لاحظت راحيل ولَيئَة أنَّ أباهما لابان قد استخدم أيَّ إرثٍ مُحتمَلٍ أنَّهما حصلتا عليه قبلًا (وَقَدْ أَكَلَ أَيْضًا ثَمَنَنَا). فقد عنى ذلك أنَّهما كانتا مسرورتَين بترك أرضهما مع يعقوب والرجوع إلى بيت إيل وأرض الموعد التي ليعقوب.
- فَٱلْآنَ كُلَّ مَا قَالَ لَكَ ٱللهُ ٱفْعَلْ: كان دعمهما ليعقوب في خطوةٍ مُكلِفة ولربَّما خطيرة كهذه مُهمًّا. لقد كانت مَهمَّةٌ ضخمة لِنَقل عائلة كبيرة كَهذهِ بعيدًا. فلَولا دعم زوجتَيه، لم يكُن من الممكِن أن يستطيع يعقوب تنفيذ ما طلبه الله منه.
- قد تكون هذه المرَّة الأُولى التي تتَّفِقُ فيها الأختان لَيئَة وراحيل على أمرٍ ما. نراهما تتَّفقان على الاتِّحاد ضدَّ عدوٍّ مُشترَك – أبيهما لابان.
ثانيًا. خروج يعقوب من عند لابان
أ ) الآيات (١٧-٢١): يترك يعقوب بدون وداع.
١٧فَقَامَ يَعْقُوبُ وَحَمَلَ أَوْلَادَهُ وَنِسَاءَهُ عَلَى ٱلْجِمَالِ، ١٨وَسَاقَ كُلَّ مَوَاشِيهِ وَجَمِيعَ مُقْتَنَاهُ ٱلَّذِي كَانَ قَدِ ٱقْتَنَى: مَوَاشِيَ ٱقْتِنَائِهِ ٱلَّتِي ٱقْتَنَى فِي فَدَّانِ أَرَامَ، لِيَجِيءَ إِلَى إِسْحَاقَ أَبِيهِ إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ. ١٩وَأَمَّا لَابَانُ فَكَانَ قَدْ مَضَى لِيَجُزَّ غَنَمَهُ، فَسَرَقَتْ رَاحِيلُ أَصْنَامَ أَبِيهَا. ٢٠وَخَدَعَ يَعْقُوبُ قَلْبَ لَابَانَ ٱلْأَرَامِيِّ إِذْ لَمْ يُخْبِرْهُ بِأَنَّهُ هَارِبٌ. ٢١فَهَرَبَ هُوَ وَكُلُّ مَا كَانَ لَهُ، وَقَامَ وَعَبَرَ ٱلنَّهْرَ وَجَعَلَ وَجْهَهُ نَحْوَ جَبَلِ جِلْعَادَ.
- فَقَامَ يَعْقُوبُ وَحَمَلَ أَوْلَادَهُ وَنِسَاءَهُ عَلَى ٱلْجِمَالِ: تعمَّدَ يعقوب رحيلًا سريعًا وسفَرًا في أسرع وقتٍ مُمكِن. كان يعقوب ثريًّا إلى درجةٍ كافية بحيث يُمكِن لأسرته بأكملها السفَر على الجمال.
- وَخَدَعَ يَعْقُوبُ قَلْبَ لَابَانَ ٱلْأَرَامِيِّ إِذْ لَمْ يُخْبِرْهُ بِأَنَّهُ هَارِبٌ: كان الله قد طلب من يعقوب الذهاب ووعده بمرورٍ آمِن. فقد أظهر خوفُ يعقوب وخروجهُ المخادِع أنَّه يفتقِد إلى الثقة بالله وبوعده، لذلك اعتمد أكثر على حكمته وقدرته.
- “كان من الممكِن أن يُعلِن خروجه وذهابه بمجدِ جيشٍ رافعٍ للرَّايات. لكنَّ الخوف جعل من جَني القَدْر الكامل من البركة أمرًا مُستحيلًا. لقد تسلَّل خلسةً إلى إرادة الله بدل الخروج بانتصار” بارنهاوس (Barnhouse)
- فَسَرَقَتْ رَاحِيلُ أَصْنَامَ أَبِيهَا: سرقت راحيل أَصْنَامَ أَبِيهَا (التَّرافيم). هناك أسبابٌ مُحتمَلَة كثيرة جعلت راحيل تفعل ذلك.
- ربَّما عبدت هذه الأصنام ولم تُرِد الذهاب من دونهم.
- ربَّما لم تُرِد أباها أن يستفسِر عنها، أو أن يستخدمها كأدواتٍ إلهيَّة للِّحاق بهم (كما فعل من قبل، مثلًا في تكوين ٢٧:٣٠).
- ربَّما كان بسبب أنَّ هذه الأصنام تُستخدَم كصكوكِ مُلكيَّة، ففكَّرت أنَّه إذا أخذتها معها تكون قد أخذت الإرث المتروك لأولاد لابان.
- ربَّما سرقت راحيل التَّرافيم للانتقام من أبيها الَّذي شعرت بأنَّه أساء مُعاملتها ومُعاملة زوجها وكلَّ عائلتها.
- بحسب بعض التَّقاليد اليهوديَّة، أخذت راحيل التَّرافيم لأنَّها أرادت أن تحفظ أباها لابان من عبادة الأصنام.
- وَجَعَلَ وَجْهَهُ نَحْوَ جَبَلِ جِلْعَادَ: كانت المسافة بين حاران وجبال جلعاد حوالي ٣٠٠ ميل (٤٨٢ كلم)، لكنَّ الرحلة كانت أطول وأكثر صعوبةً من الناحية النفسيَّة إذا ما قُورِنت بالناحية الجسديَّة بالنسبة إلى يعقوب. فقد ترك مكانًا آمِنًا، حيث عاش في خدمةٍ مُريحة، ليذهب إلى المكان الَّذي دعاه الله إليه، حيث يتواجد الكثير من الأعداء الخطيرين (مثل أخيهِ عيسو الَّذي تعهَّد بأن يقتله).
ب) الآيات (٢٢-٢٤): يسعى لابان وراء يعقوب ويُدرِكَه.
٢٢فَأُخْبِرَ لَابَانُ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ بِأَنَّ يَعْقُوبَ قَدْ هَرَبَ. ٢٣فَأَخَذَ إِخْوَتَهُ مَعَهُ وَسَعَى وَرَاءَهُ مَسِيرَةَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، فَأَدْرَكَهُ فِي جَبَلِ جِلْعَادَ. ٢٤وَأَتَى ٱللهُ إِلَى لَابَانَ ٱلْأَرَامِيِّ فِي حُلْمِ ٱللَّيْلِ وَقَالَ لَهُ: «ٱحْتَرِزْ مِنْ أَنْ تُكَلِّمَ يَعْقُوبَ بِخَيْرٍ أَوْ شَرٍّ».
- فَأُخْبِرَ لَابَانُ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ بِأَنَّ يَعْقُوبَ قَدْ هَرَبَ: هذا يُظهِر بأنّ يعقوب وعائلته كانوا يعيشون بعيدًا عن لابان. فَلَم يُلاحِظ ذهابهم إلَّا بعد ثلاثة أيَّام.
- وَأَتَى ٱللهُ إِلَى لَابَانَ ٱلْأَرَامِيِّ فِي حُلْمِ ٱللَّيْلِ: على ما يبدو، كان للابان نيَّةٌ شرِّيرة ضدَّ يعقوب. بالرغم من ذلك، حَفِظَ الله يعقوب من خلال حُلْمِ ٱللَّيْلِ هذا، وقال للابان أن يتوخَّى الحذَر في مُعاملاتهِ مع يعقوب.
ج) الآيات (٢٥-٣٠): يلتقي لابان بيعقوب ويُواجهُهُ.
٢٥فَلَحِقَ لَابَانُ يَعْقُوبَ، وَيَعْقُوبُ قَدْ ضَرَبَ خَيْمَتَهُ فِي ٱلْجَبَلِ. فَضَرَبَ لَابَانُ مَعَ إِخْوَتِهِ فِي جَبَلِ جِلْعَادَ. ٢٦وَقَالَ لَابَانُ لِيَعْقُوبَ: «مَاذَا فَعَلْتَ، وَقَدْ خَدَعْتَ قَلْبِي، وَسُقْتَ بَنَاتِي كَسَبَايَا ٱلسَّيْفِ؟ ٢٧لِمَاذَا هَرَبْتَ خُفْيَةً وَخَدَعْتَنِي وَلَمْ تُخْبِرْنِي حَتَّى أُشَيِّعَكَ بِٱلْفَرَحِ وَٱلْأَغَانِيِّ، بِٱلدُّفِّ وَٱلْعُودِ، ٢٨وَلَمْ تَدَعْنِي أُقَبِّلُ بَنِيَّ وَبَنَاتِي؟ ٱلْآنَ بِغَبَاوَةٍ فَعَلْتَ! ٢٩فِي قُدْرَةِ يَدِي أَنْ أَصْنَعَ بِكُمْ شَرًّا، وَلَكِنْ إِلَهُ أَبِيكُمْ كَلَّمَنِيَ ٱلْبَارِحَةَ قَائِلًا: ٱحْتَرِزْ مِنْ أَنْ تُكَلِّمَ يَعْقُوبَ بِخَيْرٍ أَوْ شَرٍّ . ٣٠وَٱلْآنَ أَنْتَ ذَهَبْتَ لِأَنَّكَ قَدِ ٱشْتَقْتَ إِلَى بَيْتِ أَبِيكَ، وَلَكِنْ لِمَاذَا سَرَقْتَ آلِهَتِي؟».
- فِي جَبَلِ جِلْعَادَ: حتَّى هذه اللَّحظة، لم يكُن يعقوب بعيدًا عن نهر الأردن وعن أرض الموعد. يُظهِر هذا أنَّ ارتحالَهُ كان سريعًا وأنَّ لابان كان مُصمِّمًا على اللِّحاق به كلَّ هذه المسافة.
- لِمَاذَا هَرَبْتَ خُفْيَةً: حاول لابان في البداية أن يؤنِّب يعقوب باللُّطف، مُقترِحًا أنَّه كان بالإمكان الاحتفال برحيله. على ما يبدو، قُوبِلَت هذه الفكرة بردِّ فعلٍ غير مُتعاطِف، فمن أجل ذلك هدَّد لابان يعقوب (فِي قُدْرَةِ يَدِي أَنْ أَصْنَعَ بِكُمْ شَرًّا).
- بَنِيَّ وَبَنَاتِي: في هذا السياق، تعني هاتان الكلمتان أحفاد وحفيدات لابان.
- وَلَكِنْ لِمَاذَا سَرَقْتَ آلِهَتِي؟: ختم لابان كلماته ليعقوب بسؤالٍ اتِّهاميّ. عرف أنَّ التَّرافيم خاصَّته مفقودة وهو لديه سببٌ وجيهٌ للاعتقاد بأنَّ يعقوب قد سرقها. يُظهِر سؤال لابان غباوة عبادة الأصنام. فمن المحزِن والغريب أن يكون هناك إلهٌ يُمكِن سَرِقته.
د ) الآيات (٣١-٣٢): يُعلِن يعقوب براءته.
٣١فَأَجَابَ يَعْقُوبُ وَقَالَ لِلَابَانَ: «إِنِّي خِفْتُ لِأَنِّي قُلْتُ لَعَلَّكَ تَغْتَصِبُ ٱبْنَتَيْكَ مِنِّي. ٣٢اَلَّذِي تَجِدُ آلِهَتَكَ مَعَهُ لَا يَعِيشُ. قُدَّامَ إِخْوَتِنَا ٱنْظُرْ مَاذَا مَعِي وَخُذْهُ لِنَفْسِكَ». وَلَمْ يَكُنْ يَعْقُوبُ يَعْلَمُ أَنَّ رَاحِيلَ قد سَرَقَتْهَا.
- فَأَجَابَ يَعْقُوبُ وَقَالَ لِلَابَانَ: أجاب يعقوب من خلالِ شرحهِ رحيلَهُ السرِّيّ (إِنِّي خِفْتُ)، وباعتقاده الرَّاسِخ أنَّه وعائلته لم يأخذوا أصنام بيت لابان.
- اَلَّذِي تَجِدُ آلِهَتَكَ مَعَهُ لَا يَعِيشُ: فيعقوب الَّذي لم يكن يعلَم أنَّ راحيل زوجته المحبوبة هي مَن سرقت أصنام البيت، أعلن براءته وتفوَّه بلعنةٍ قاسية على السارق، غير عالِمٍ بأنَّه يستدعي الحكم على زوجته.
هـ) الآيات (٣٣-٣٥): يبحث لابان عن أصنام بيته.
٣٣فَدَخَلَ لَابَانُ خِبَاءَ يَعْقُوبَ وَخِبَاءَ لَيْئَةَ وَخِبَاءَ ٱلْجَارِيَتَيْنِ وَلَمْ يَجِدْ. وَخَرَجَ مِنْ خِبَاءِ لَيْئَةَ وَدَخَلَ خِبَاءَ رَاحِيلَ. ٣٤وَكَانَتْ رَاحِيلُ قَدْ أَخَذَتِ ٱلْأَصْنَامَ وَوَضَعَتْهَا فِي حِدَاجَةِ ٱلْجَمَلِ وَجَلَسَتْ عَلَيْهَا. فَجَسَّ لَابَانُ كُلَّ ٱلْخِبَاءِ وَلَمْ يَجِدْ. ٣٥وَقَالَتْ لِأَبِيهَا: «لَا يَغْتَظْ سَيِّدِي أَنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقُومَ أَمَامَكَ لِأَنَّ عَلَيَّ عَادَةَ ٱلنِّسَاءِ». فَفَتَّشَ وَلَمْ يَجِدِ ٱلْأَصْنَامَ.
- فَدَخَلَ لَابَانُ خِبَاءَ يَعْقُوبَ: كان لابان مُقتنِعًا بأنَّ أصنامه قد سُرِقت. فقام بعمليَّة بحثٍ دقيقة لِخِباء يعقوب.
- وَكَانَتْ رَاحِيلُ قَدْ أَخَذَتِ ٱلْأَصْنَامَ وَوَضَعَتْهَا فِي حِدَاجَةِ ٱلْجَمَلِ وَجَلَسَتْ عَلَيْهَا: تعلَّمت راحيل جيِّدًا طرق الخداع من أبيها – وربَّما أيضًا من زوجها. ونجحت في خداع والدها بالنسبة إلى الأصنام.
- “في خضَمِّ ما هو مُحزِن وحتَّى قَذِر في هذه القصَّة … وفي وسط الاحتيال والخداع والكذب في كلِّ الاتِّجاهات، لا يُمكننا إغفال يدَ الله المتسلِّطة والجاعلة غضب الانسان تسبيحًا له.” جريفيث توماس / Griffith Thomas، مُقتبَس من بارنهاوس (Barnhouse)
و ) الآيات (٣٦-٤٢): يُوبِّخ يعقوب حماهُ لابان.
٣٦فَٱغْتَاظَ يَعْقُوبُ وَخَاصَمَ لَابَانَ. وَأجَابَ يَعْقُوبُ وَقَالَ لِلَابَانَ: «مَا جُرْمِي؟ مَا خَطِيَّتِي حَتَّى حَمِيتَ وَرَائِي؟ ٣٧إِنَّكَ جَسَسْتَ جَمِيعَ أَثَاثِي. مَاذَا وَجَدْتَ مِنْ جَمِيعِ أَثَاثِ بَيْتِكَ؟ ضَعْهُ هَهُنَا قُدَّامَ إِخْوَتِي وَإِخْوَتِكَ، فَلْيُنْصِفُوا بَيْنَنَا ٱلِٱثْنَيْنِ. ٣٨اَلْآنَ عِشْرِينَ سَنَةً أَنَا مَعَكَ. نِعَاجُكَ وَعِنَازُكَ لَمْ تُسْقِطْ، وَكِبَاشَ غَنَمِكَ لَمْ آكُلْ. ٣٩فَرِيسَةً لَمْ أُحْضِرْ إِلَيْكَ. أَنَا كُنْتُ أَخْسَرُهَا. مِنْ يَدِي كُنْتَ تَطْلُبُهَا. مَسْرُوقَةَ ٱلنَّهَارِ أَوْ مَسْرُوقَةَ ٱللَّيْلِ. ٤٠كُنْتُ فِي ٱلنَّهَارِ يَأْكُلُنِي ٱلْحَرُّ وَفِي ٱللَّيْلِ ٱلْجَلِيدُ، وَطَارَ نَوْمِي مِنْ عَيْنَيَّ. ٤١اَلْآنَ لِي عِشْرُونَ سَنَةً فِي بَيْتِكَ. خَدَمْتُكَ أَرْبَعَ عَشَرَةَ سَنَةً بَٱبْنَتَيْكَ، وَسِتَّ سِنِينٍ بِغَنَمِكَ. وَقَدْ غَيَّرْتَ أُجْرَتِي عَشَرَ مَرَّاتٍ ٤٢لَوْلَا أَنَّ إِلَهَ أَبِي إِلَهَ إِبْرَاهِيمَ وَهَيْبَةَ إِسْحَاقَ كَانَ مَعِي، لَكُنْتَ ٱلْآنَ قَدْ صَرَفْتَنِي فَارِغًا. مَشَقَّتِي وَتَعَبَ يَدَيَّ قَدْ نَظَرَ ٱللهُ، فَوَبَّخَكَ ٱلْبَارِحَةَ».
- فَٱغْتَاظَ يَعْقُوبُ وَخَاصَمَ لَابَانَ: يُحتمَل أن يكون غضب يعقوب قد بدأ بالتَّراكُم منذ فترةٍ طويلة – ربَّما لعشرين عامًا. وقد يكون أنَّ خطابه هذا كان يتكرَّر في ذهنه أكثر من مرَّة.
- مَا جُرْمِي؟: خاصم يعقوب لابان ودافع عن براءته مُستخدِمًا عدَّة أمثِلَة.
- مَاذَا وَجَدْتَ مِنْ جَمِيعِ أَثَاثِ بَيْتِكَ؟: وبعد البحث، لم يجِد لابان أيَّ دليلٍ يقوده إلى أصنامه المسروقة التي اتَّهم يعقوب بأخذها.
- اَلْآنَ عِشْرِينَ سَنَةً أَنَا مَعَكَ: أثبتت خدمة يعقوب المخلِصَة التي قامَ بها على مدى عشرين عامًا نزاهته.
- نِعَاجُكَ وَعِنَازُكَ لَمْ تُسْقِطْ: أظهر هذا اهتمام يعقوب بنجاح قطعان لابان.
- وَكِبَاشَ غَنَمِكَ لَمْ آكُلْ: لم يُطعِم أو يُثري يعقوب نفسه على حساب ما كان يَخصُّ لابان.
- فَرِيسَةً لَمْ أُحْضِرْ إِلَيْكَ: كانت عادةٌ قديمة أن يُحضِرَ الراعي جُثَّة فريسةٍ ما إلى مالكها، ذلك كدليلٍ على شجاعته لِمَنع المفترِس من التَّنكيل بها أو أخذها، وهكذا يُعذَر الراعي. شرح يعقوب أنَّه لم يُراعي هذه العادة، بل استبدل الفريسة بحيوانٍ صحيح من قطعانه.
- كُنْتُ فِي ٱلنَّهَارِ يَأْكُلُنِي ٱلْحَرُّ وَفِي ٱللَّيْلِ ٱلْجَلِيدُ، وَطَارَ نَوْمِي مِنْ عَيْنَيَّ: عَمِل يعقوب بجهدٍ وضحَّى من أجل نجاح أعمال لابان.
- وَقَدْ غَيَّرْتَ أُجْرَتِي عَشَرَ مَرَّاتٍ: احتملَ يعقوب ظلمًا مُتكرِّرًا من لابان كَربِّ عمله.
- لَوْلَا أَنَّ إِلَهَ أَبِي إِلَهَ إِبْرَاهِيمَ وَهَيْبَةَ إِسْحَاقَ كَانَ مَعِي، لَكُنْتَ ٱلْآنَ قَدْ صَرَفْتَنِي فَارِغًا: ادَّعى يعقوب أنَّ عناية الله قادته كي يذهب بعيدًا في طريقٍ ويضع حدودًا للابان كي لا يأخذ مالَهُ.
- إنَّه جيِّدٌ أن نرى يعقوب يختبِر حضور الله وحمايته في كلِّ هذا. للأسف، لم يدَّعِ يعقوب في أيِّ مكانٍ أنَّ الله هو له. فقد أشار إلى الله كإله جدِّه إبراهيم وكإله هيبة إسحاق.
- كان من الجيد أن يعقوب رأى حضور الله وحمايته في كل هذا. لسوء الحظ، لم يقل يعقوب في أي مكان أن الله هو ملكه؛ بل قال عنه: مخافة أبيه إسحاق وإله جده إبراهيم.
ثالثًا. يقطَع لابان ويعقوب عهدًا
أ ) الآيات (٤٣-٥٠): يقطَع لابان ويعقوب عهدًا.
٤٣فَأَجَابَ لَابَانُ وَقَالَ لِيَعقُوبَ: «ٱلْبَنَاتُ بَنَاتِي، وَٱلْبَنُونَ بَنِيَّ، وَٱلْغَنَمُ غَنَمِي، وَكُلُّ مَا أَنْتَ تَرَى فَهُوَ لِي. فَبَنَاتِي مَاذَا أَصْنَعُ بِهِنَّ ٱلْيَوْمَ أَوْ بِأَوْلَادِهِنَّ ٱلَّذِينَ وَلَدْنَ؟ ٤٤فَٱلْآنَ هَلُمَّ نَقْطَعْ عَهْدًا أَنَا وَأَنْتَ، فَيَكُونُ شَاهِدًا بَيْنِي وَبَيْنَكَ». ٤٥فَأَخَذَ يَعْقُوبُ حَجَرًا وَأَوْقَفَهُ عَمُودًا، ٤٦وَقَالَ يَعْقُوبُ لِإِخْوَتِهِ: «ٱلْتَقِطُوا حِجَارَةً». فَأَخَذُوا حِجَارَةً وَعَمِلُوا رُجْمَةً وَأَكَلُوا هُنَاكَ عَلَى ٱلرُّجْمَةِ. ٤٧وَدَعَاهَا لَابَانُ «يَجَرْ سَهْدُوثَا» وَأَمَّا يَعْقُوبُ فَدَعَاهَا «جَلْعِيدَ». ٤٨وَقَالَ لَابَانُ: «هَذِهِ ٱلرُّجْمَةُ هِيَ شَاهِدَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ ٱلْيَوْمَ». لِذَلِكَ دُعِيَ ٱسْمُهَا «جَلْعِيدَ». ٤٩وَ«ٱلْمِصْفَاةَ»، لِأَنَّهُ قَالَ: «لِيُرَاقِبِ ٱلرَّبُّ بَيْنِي وَبَيْنَكَ حِينَمَا نَتَوَارَى بَعْضُنَا عَنْ بَعْضٍ. ٥٠إِنَّكَ لَا تُذِلُّ بَنَاتِي، وَلَا تَأْخُذُ نِسَاءً عَلَى بَنَاتِي. لَيْسَ إِنْسَانٌ مَعَنَا. اُنْظُرْ، ٱللهُ شَاهِدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ».
- وَكُلُّ مَا أَنْتَ تَرَى فَهُوَ لِي: قال لابان بجرأة أنَّ كلَّ ما كان ليعقوب هو ملكه. ولكن بتصرُّفٍ من الكَرَم المزعوم، قال ليعقوب، ‘إنَّه لي، ولكن من لُطفِ قلبي سأسمح لك به.’
- لِيُرَاقِبِ ٱلرَّبُّ بَيْنِي وَبَيْنَكَ حِينَمَا نَتَوَارَى بَعْضُنَا عَنْ بَعْضٍ: في هذا العهد، عبَّر لابان عن مدى شكِّه بيعقوب. فكلِمة ٱلْمِصْفَاة (يُراقِب) تعني، ‘إذا عملت إثمًا، سيرى الله وسيُجازي.’
- “في الواقع، يعني عامود المصفاة، ‘إذا عبرت إلى جهَّتي عبر هذه الخطوط المرسومة، فسَتُلغى الاتِّفاقيَّة وسأقتلك.’ فَمَن يكسر العهد سيحتاج إلى الله لحمايته، لأنَّ الآخَر سيضرِب بنيَّةِ القتل” بارنهاوس (Barnhouse). لم تكُن ٱلْمِصْفَاة تعني شعورًا رقيقًا – بالرغم من القول القديم الَّذي يقول بأنَّها عملةٌ مُشترَكَة بين فريقَين.
ب) الآيات (٥١-٥٥): عامودُ انفصالٍ وافتراقٌ كلٌّ في طريقه.
٥١وَقَالَ لَابَانُ لِيَعْقُوبَ: «هُوَذَا هَذِهِ ٱلرُّجْمَةُ، وَهُوَذَا ٱلْعَمُودُ ٱلَّذِي وَضَعْتُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ. ٥٢شَاهِدَةٌ هَذِهِ ٱلرُّجْمَةُ وَشَاهِدٌ ٱلْعَمُودُ أَنِّي لَا أَتَجَاوَزُ هَذِهِ ٱلرُّجْمَةَ إِلَيْكَ، وَأَنَّكَ لَا تَتَجَاوَزُ هَذِهِ ٱلرُّجْمَةَ وَهَذَا ٱلْعَمُودَ إِلَيَّ لِلشَّرِّ. ٥٣إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ وَآلِهَةُ نَاحُورَ، آلِهَةُ أَبِيهِمَا، يَقْضُونَ بَيْنَنَا». وَحَلَفَ يَعْقُوبُ بِهَيْبَةِ أَبِيهِ إِسْحَاقَ. ٥٤وَذَبَحَ يَعْقُوبُ ذَبِيحَةً فِي ٱلْجَبَلِ وَدَعَا إِخْوَتَهُ لِيَأْكُلُوا طَعَامًا، فَأَكَلُوا طَعَامًا وَبَاتُوا فِي ٱلْجَبَلِ. ٥٥ثُمَّ بَكَّرَ لَابَانُ صَبَاحًا وَقَبَّلَ بَنِيهِ وَبَنَاتِهِ وَبَارَكَهُمْ وَمَضَى. وَرَجَعَ لَابَانُ إِلَى مَكَانِهِ.
- أَنِّي لَا أَتَجَاوَزُ هَذِهِ ٱلرُّجْمَةَ إِلَيْكَ: كان الحلُّ الأفضل لِمشاكل يعقوب الحمويَّة الافتراق عن لابان. لذلك أقاما عامودًا كفاصلٍ بينهما.
- هناك حكمةٌ ما في الانفصال عن الأنسباء. يقول الكتاب المقدَّس، لِذَلِكَ يَتْرُكُ ٱلرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِٱمْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا (تكوين ٢٤:٢). يبدو أنَّه كان لِلابان ويعقوب مشاكل كثيرة نسبةً إلى مُعظَم العائلات، لذلك كان افتراقهما شديد الضَّرورة.
- وَرَجَعَ لَابَانُ إِلَى مَكَانِهِ: بعد وداعٍ خجول، رأى لابان بناته وأحفاده للمرَّة الأخيرة. أخذ يعقوب عائلته عائدًا إلى كنعان ولم يَعُد أبدًا إلى حيث كان لابان يعيش.
- “هذه هي المرَّة الأخيرة التي نسمع فيها عن لابان في الكتاب المقدَّس، ويبدو حسنًا أنَّ هذه كانت نهايته. كان لابان من العالَم، واحتاج يعقوب أن يتحرَّر من هذا العالَم كي يعيش بقلبٍ كاملٍ أمام إله آبائه.” بويس (Boice)
- يقول موريس (Morris) عن لابان: “بدلًا من أن يتبع حقيقةَ خطَّة الله المشهود عنها في يعقوب، فقد اشتهى ما ليس له واستاء من بركة الله على يعقوب. وانتهى به المطاف خاليَ الوفاض من كليهما. تُشكِّل حياته تحذيرًا رصينًا لمجموعاتٍ كبيرة من الرِّجال والنساء من أشباه المتديِّنين الَّذين يعبدون أنفسهم ويؤلِّهونها.”
- كانت راحيل ولَيئَة مُخطئتَين إذ تطلَّعتا إلى أبيهما من أجل حصَّتهما في الميراث (تكوين ١٤:٣١) عندما تزوَّجتا بيعقوب. فهو الآن حصَّتهما وميراثهما. “بما أنَّك خَلُصتَ وانضمَمْتَ إلى المسيح، قَيِّم العالَم واسأل، ‘هل ليَ فيهِ بَعدُ من نصيبٍ؟ إذا أجبت بالإيجاب، فأنت مُخطئٌ’” بارنهاوس (Barnhouse)