سفر التكوين – الإصحاح ٣٥
انتعاش في حياة يعقوب
أولًا. يعود يعقوب إلى بيت إيل
أ ) الآية (١): يتكلَّم الله مع يعقوب، داعيًا إيَّاه للعودة إلى بيت إيل.
١ثُمَّ قَالَ ٱللهُ لِيَعْقُوبَ: «قُمِ ٱصْعَدْ إِلَى بَيْتِ إِيلَ وَأَقِمْ هُنَاكَ، وَٱصْنَعْ هُنَاكَ مَذْبَحًا لِلهِ ٱلَّذِي ظَهَرَ لَكَ حِينَ هَرَبْتَ مِنْ وَجْهِ عِيسُو أَخِيكَ».
- قُمِ ٱصْعَدْ إِلَى بَيْتِ إِيلَ وَأَقِمْ هُنَاكَ: وقَعت حادثة شَكيم بأكملها بسبب ذهاب يعقوب إلى شَكيم بدلًا من بيت إيل، حيث ينبغي أن يكون. وأخيرًا الآن ذهب إلى المكان الَّذي قال له الله عنه (تكوين ١٣:٣١).
- “إنَّ العلاج الوحيد للدُّنيويَّة هو الانفصال عنها” بارنهاوس (Barnhouse). كان على يعقوب أن يترك شَكيم ويذهب إلى بيت إيل. كان ينبغي الارتحال من واحدة وتحديد وجهة السَّير والهدَف. هناك مكانٌ جديد لِيُقيمَ فيه يعقوب وعائلته.
- لا يذكُر تكوين ٣٤ الله ولا حتَّى مرَّةً واحدة، فهو من أقذَر المحطَّات في التَّاريخ الإسرائيليّ. يذكُر تكوين ٣٥ الله مرَّةً تِلوَ الأُخرى، أكثر من ١٠ مرَّاتٍ، بالإضافة إلى ١١ مرَّة في أسماء بيت إيل و إسرائيل.
- وَٱصْنَعْ هُنَاكَ مَذْبَحًا لِلهِ: طُلِب من يعقوب العودة إلى بيت إيل ومُعاودة حياة العبادة هناك. سيكون لهذه العودة إلى الرَّبِّ تأثيرٌ خاصٌّ على أولاد يعقوب. وهذا يُذكِّرنا بأنَّ أفضل شيءٍ يُمكِن للأهل أن يفعلونه من أجل أولادهم هو اختيارهم طريق الله بأنفسهم.
- وكما تطلَّع يعقوب إلى الوراء مُستذكِرًا مسيرته مع الله، رأى لقاءه الأوَّل مع الله في بيت إيل وكأنَّه في القمَّة (تكوين ٢٨: ١٠-٢٢). ولِمصلحته الشخصيَّة، رفض يعقوب فكرة أنَّ أفضل سنيِّ حياته مع الله أصبحت من الماضي. لقد رجع إلى محبَّته الأُولى – لقد رجِع إلى بيت إيل، وبارَك الله خطوته.
- “إنَّ إعادة إحياء الذكريات القديمة غالِبًا ما تكون نافعةً لنا، خصوصًا عندما نُحيي تغييرنا وتجديدنا. إنَّ ذكرى محبَّة ارتباطنا عندما ذهبنا وراء الرَّبِّ إلى البريَّة ولم تكُن لدينا مشكلة بنكران وتبرُّء الجميع، لطالما اطمأنَّ بالنا لأنَّنا نسكن بقرب الرَّبِّ – هذه الذكرى نافعةٌ جدًّا لنا” سبيرجن (Spurgeon)
ب) الآيات (٢-٤): تطهير عائلة يعقوب.
٢فَقَالَ يَعْقُوبُ لِبَيْتِهِ وَلِكُلِّ مَنْ كَانَ مَعَهُ: «ٱعْزِلُوا ٱلْآلِهَةَ ٱلْغَرِيبَةَ ٱلَّتِي بَيْنَكُمْ وَتَطَهَّرُوا وَأَبْدِلُوا ثِيَابَكُمْ. ٣وَلْنَقُمْ وَنَصْعَدْ إِلَى بَيْتِ إِيلَ، فَأَصْنَعَ هُنَاكَ مَذْبَحًا لِلهِ ٱلَّذِي ٱسْتَجَابَ لِي فِي يَوْمِ ضِيقَتِي، وَكَانَ مَعِي فِي ٱلطَّرِيقِ ٱلَّذِي ذَهَبْتُ فِيهِ». ٤فَأَعْطَوْا يَعْقُوبَ كُلَّ ٱلْآلِهَةِ ٱلْغَرِيبَةِ ٱلَّتِي فِي أَيْدِيهِمْ وَٱلْأَقْرَاطِ ٱلَّتِي فِي آذَانِهِمْ، فَطَمَرَهَا يَعْقُوبُ تَحْتَ ٱلْبُطْمَةِ ٱلَّتِي عِنْدَ شَكِيمَ.
- ٱعْزِلُوا ٱلْآلِهَةَ ٱلْغَرِيبَةَ ٱلَّتِي بَيْنَكُمْ وَتَطَهَّرُوا: انتظمت علاقة عائلة يعقوب بالله فقط عندما قام يعقوب شخصيًّا بفعل ذلك. هذا أيضًا يدلُّ على الدَّور القياديّ المحوريّ للرجال وسط عائلاتهم. فالرجُل الَّذي يُقاوِم الله سيرى تأثيرَه في أولاده. والرجُل الَّذي يسير مُستقيمًا مع الله سيرى أيضًا تأثيرَه في عائلته.
- حافظ أولاد يعقوب على ٱلْآلِهَةَ ٱلْغَرِيبَة لأنَّ أُمَّهم قامت بذلك. استحوذت راحيل على أصنامِ بيتِ أبيها (تكوين ١٩:٣١). مهما تعبنا جاهدين في تعليم أولادنا السلوك في مخافة الله، سيستمرُّون بالقيام بما نعمله نحن.
- “عندما نلاحظ وجود خَطبٍ ما، غالِبًا ما يكون الأمر جيِّدًا إذا دعونا العائلة مُجتمعةً وقُلنا، ’يجب أن نقترب إلى الله بجدِّيَّةٍ خاصَّة، ذلك لأنَّنا ضللنا. لم نتخلَّ عن الصلاة العائليَّة، لكن الآن ينبغي أن يكون هذا مُميَّزًا، وبغَيرةٍ مُضاعَفة نقترب إلى الله‘. أخاف أنَّ بعضنا يُهمِل الصلاة العائليَّة. إذا كنت مُهمِلًا، سيؤثِّر هذا بشكلٍ رديء على بيتك” سبيرجن (Spurgeon)
- وَأَبْدِلُوا ثِيَابَكُمْ: كانت هذه خطوةً مُهمَّة، حرفيًّا وتشبيهيًّا لأمرٍ ما روحيّ. أراد يعقوب منهم التَّطهُّر والاستعداد الفكريّ الكامل ليأتوا أمام الله الَّذي تجاهلونه.
- “في مُختلف أجزاء الكتاب المقدَّس، تُشير الثياب إلى الشخصيَّة. تُشبَّه الحياة الدَّاخليَّة غير المتجدِّدة بالثياب الرثَّة الملوَّثة” بارنهاوس (Barnhouse)
- يُعطي يهوذا ٢٣ هذه الفكرة: وَخَلِّصُوا ٱلْبَعْضَ بِٱلْخَوْفِ، مُخْتَطِفِينَ مِنَ ٱلنَّارِ، مُبْغِضِينَ حَتَّى ٱلثَّوْبَ ٱلْمُدَنَّسَ مِنَ ٱلْجَسَدِ. وفي أفسس ٢٢:٤-٢٤ نُلاحظُ نفس الحضِّ: أَنْ تَخْلَعُوا مِنْ جِهَةِ ٱلتَّصَرُّفِ ٱلسَّابِقِ ٱلْإِنْسَانَ ٱلْعَتِيقَ ٱلْفَاسِدَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ ٱلْغُرُورِ، وَتَتَجَدَّدُوا بِرُوحِ ذِهْنِكُمْ، وَتَلْبَسُوا ٱلْإِنْسَانَ ٱلْجَدِيدَ ٱلْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ ٱللهِ فِي ٱلْبِرِّ وَقَدَاسَةِ ٱلْحَقِّ.
- وَٱلْأَقْرَاطِ ٱلَّتِي فِي آذَانِهِمْ: على ما يبدو، كانت هذه الأقراط أيضًا مُرتبطة بالعبادة الوثنيَّة. بالرغم من أنَّ أحدهم قد يُقدِّم تبريرًا ما كي يحتفِظَ بِٱلْأَقْرَاطِ، إلَّا أنَّهم تخلَّوا عنها كلُّهم.
- من الأهمِّيَّة بمكانٍ ما أن يأخذ كلُّ واحدٍ من مخزون بيته الشرِّير أو الَّذي له علاقة بالشعوذة ويتخلَّص منه بسرعةٍ.
- “لم يقُل أيَّ شيءٍ عن أقراطهم. هل من ضرَرٍ في أقراطهم؟ إنَّه ليس بهذا الأمر المريع أن تضع المرأة أقراطًا، أَوَليس كذلك؟ ربَّما لا، لكنَّي أعتقد أنَّ هذه الأقراط كانت مفاتِن مُعيَّنة استُخدِمَت في تعويذاتٍ مُحدَّدة وفي عاداتٍ وثنيَّة. لا بُدَّ إلَّا وأن يكون هذا اكتشافًا مُحزِنًا ليعقوب، والأمر الَّذي لا يُمكنه تحمُّلَه هو اكتشافه أنَّ خُرافاتٍ شريِّرة قد غزَت خيامَه” سبيرجن (Spurgeon)
ج) الآيات (٥-٧): حماية الله ليعقوب؛ يأتي إلى بيت إيل.
٥ثُمَّ رَحَلُوا، وَكَانَ خَوْفُ ٱللهِ عَلَى ٱلْمُدُنِ ٱلَّتِي حَوْلَهُمْ، فَلَمْ يَسْعَوْا وَرَاءَ بَنِي يَعْقُوبَ. ٦فَأَتَى يَعْقُوبُ إِلَى لُوزَ ٱلَّتِي فِي أَرْضِ كَنْعَانَ، وَهِيَ بَيْتُ إِيلَ. هُوَ وَجَمِيعُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ مَعَهُ. ٧وَبَنَى هُنَاكَ مَذْبَحًا، وَدَعَا ٱلْمَكَانَ «إِيلَ بَيْتِ إِيلَ» لِأَنَّهُ هُنَاكَ ظَهَرَ لَهُ ٱللهُ حِينَ هَرَبَ مِنْ وَجْهِ أَخِيهِ.
- وَكَانَ خَوْفُ ٱللهِ عَلَى ٱلْمُدُنِ ٱلَّتِي حَوْلَهُمْ، فَلَمْ يَسْعَوْا وَرَاءَ بَنِي يَعْقُوبَ: كانت هذه حماية الله ليعقوب وعائلته. لقد كان من الانصاف بمكانٍ ما أن يترك الله يعقوب يواجِهُ تَبِعات خطيَّة غياب القيادة في العائلة. ولكِن، بالرغم من ذلك، غطَّت النعمة يعقوب حتَّى عندما جعلته الخطيَّة مُعرَّضًا للخطر والأذيَّة.
- احتاج يعقوب وعائلته إلى حماية وذلك بسبب أنَّ مجزرة شَكيم جعلتهم مكروهين بين الكنعانيِّين، كما خَشيَ يعقوب الأمر في تكوين ٣٠:٣٤.
- وَبَنَى هُنَاكَ مَذْبَحًا، وَدَعَا ٱلْمَكَانَ إِيلَ بَيْتِ إِيلَ: بالرغم من أنَّه قد أخطأ، فقد قام الآن بفعل ما هو صائب أمام الله. قام بذلك بالرغم من الخطر الدَّاهِم واثقًا بحماية الله. كان من الممكن تبرير عدم وجود الطاعة بسبب الخوف لكنَّه آثَرَ أن يثق بالله بدلًا من ذلك.
- “جاءوا إلى بيت إيل، ويمكنني تخيُّل فرحة الامتنان لدى يعقوب عندما تطلَّع لِيَرى تلك الحجارة العظيمة التي استخدمها لِينام عليها لـمَّا كان بعدُ رجلًا وحيدًا. لّربَّما فتَّش عن تلك الحجرة التي استخدمها كَوِسادة؛ قد تكون منصوبة كجزءٍ من عامودٍ أقامَهُ كتذكارٍ عن حسنات الرَّبِّ معه وعن الرؤية التي رآها. هناك الكثير من الندم والاعترافات والشكر عند بيتِ إيل” سبيرجن (Spurgeon)
- كان خطَرًا على يعقوب أن يذهب إلى بيت إيل، لكنَّ الخطر كان أكبر لو أنَّه لم يُطِع الله. إنَّ الشيءَ الوحيد الَّذي يُمكِن أن يُنجِّيه هو الطَّاعة الجوهريَّة والأساسيَّة للرَّبِّ. بغضِّ النظر عن شكل الظروف، إنَّ الشيء الأكثر أمنًا لنا هو أن نعمل إرادة الله.
د ) الآية (٨): موت دَبُورة، مُرضِعة رفقة.
٨وَمَاتَتْ دَبُورَةُ مُرْضِعَةُ رِفْقَةَ وَدُفِنَتْ تَحْتَ بَيْتَ إِيلَ تَحْتَ ٱلْبَلُّوطَةِ، فَدَعَا ٱسْمَهَا «أَلُّونَ بَاكُوتَ».
- وَمَاتَتْ دَبُورَةُ مُرْضِعَةُ رِفْقَةَ: لا نعلَمُ أيَّ شيءٍ عن هذه المرأة قبل هذه الحادثة. على ما يبدو، إنَّها جاءت مع رفقة كرفيقة عندما أتت من حاران للزَّواج بإسحاق. من الواضح أنَّها كانت عضوًا محبوبًا في العائلة، ذلك لأنَّهم أسمَوا المكان حيث دُفِنت أَلُّونَ بَاكُوتَ، الَّذي يعني ‘بلُّوطة البكاء’ أو ‘بلُّوطة الباكيات.’
- مُرْضِعَةُ رِفْقَةَ: يظنُّ بعض المفسِّرين أنَّه، ولِسببٍ ما، جاءت إلى بيت يعقوب من بيت أُمِّه، لكنَّنا لسنا مُتأكِّدين من أنَّ هذه هي الحالة.
هـ) الآيات (٩-١٥): يُكلِّم الله يعقوب مرَّةً ثانية في بيت إيل.
٩وَظَهَرَ ٱللهُ لِيَعْقُوبَ أَيْضًا حِينَ جَاءَ مِنْ فَدَّانِ أَرَامَ وَبَارَكَهُ .١٠ وَقَالَ لَهُ ٱللهُ: «ٱسْمُكَ يَعْقُوبُ. لَا يُدْعَى ٱسْمُكَ فِيمَا بَعْدُ يَعْقُوبَ، بَلْ يَكُونُ ٱسْمُكَ إِسْرَائِيلَ». فَدَعَا ٱسْمَهُ «إِسْرَائِيلَ». ١١وَقَالَ لَهُ ٱللهُ: «أَنَا ٱللهُ ٱلْقَدِيرُ. أَثْمِرْ وَٱكْثُرْ. أُمَّةٌ وَجَمَاعَةُ أُمَمٍ تَكُونُ مِنْكَ، وَمُلُوكٌ سَيَخْرُجُونَ مِنْ صُلْبِكَ. ١٢وَٱلْأَرْضُ ٱلَّتِي أَعْطَيْتُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ، لَكَ أُعْطِيهَا، وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ أُعْطِي ٱلْأَرْضَ». ١٣ثُمَّ صَعِدَ ٱللهُ عَنْهُ فِي ٱلْمَكَانِ ٱلَّذِي فِيهِ تَكَلَّمَ مَعَهُ. ١٤فَنَصَبَ يَعْقُوبُ عَمُودًا فِي ٱلْمَكَانِ ٱلَّذِي فِيهِ تَكَلَّمَ مَعَهُ، عَمُودًا مِنْ حَجَرٍ، وَسَكَبَ عَلَيْهِ سَكِيبًا، وَصَبَّ عَلَيْهِ زَيْتًا. ١٥وَدَعَا يَعْقُوبُ ٱسْمَ ٱلْمَكَانِ ٱلَّذِي فِيهِ تَكَلَّمَ ٱللهُ مَعَهُ «بَيْتَ إِيلَ».
- وَظَهَرَ ٱللهُ لِيَعْقُوبَ أَيْضًا … وَبَارَكَهُ: عندما حطَّ يعقوب ترحالَهُ أخيرًا في المكان الَّذي قال له الله عنه، وجدَ على الفورِ بركةً عظيمة. ظهر له الله وباركهُ ودعاهُ باسمهِ الجديد (إِسْرَائِيل).
- إنَّ التَّذكير بالاسم الجديد كان مُهمًّا، ذلك لأنَّ يعقوب تصرَّف وكأنَّه يعقوب القديم بدلًا من إسرائيل. بالرغم من ذلك، أرادَه الله أن يُركِّز ذهنَهُ على الإنسان الجديد الَّذي يريده الله أن يكون. يعمل الله معنا بذات الأسلوب، مُذكِّرًا إيَّانا بِمَن نكون نحن فيه. يُريدنا الله أن نتذكَّر ونعيش وِفقًا لِتلك الأسماء العظيمة التي أعطانا إيَّاها.
- بَلْ يَكُونُ ٱسْمُكَ إِسْرَائِيلَ: “إنَّ الأمر التالي نتيجةَ هذا هو تأكيد مقام يعقوب الجديد كأمير، الأمر الَّذي أضفى كرامةً على العائلة كلِّها. أن يكون الأبُ أميرًا، فهذا يُعظِّم ويُشرِّف كلُّ العشيرة. يُضفي الله عليهم هذه الكرامة وهذا الشرف اللَّذَين لم يختبرانه قبلًا، فالشعب المقدَّس هو شعبٌ شريف” سبيرجن (Spurgeon)
- وَظَهَرَ ٱللهُ لِيَعْقُوبَ أَيْضًا: لقد استُعيدَت العلاقة. كان هذا مثالًا ممتازًا على العودة إلى المحبَّة الأُولى، كما في رؤيا ٤:٢-٥: تذكَّر يعقوب العودة إلى بيت إيل. فقد تاب بتخلِّيه عن كلِّ الأصنام، وابتدأ بِعَمل الأعمال الأُولى وذلك ببنائه مذبحًا وبعبادته الله كالسَّابق.
- وَٱلْأَرْضُ ٱلَّتِي أَعْطَيْتُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ، لَكَ أُعْطِيهَا، وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ أُعْطِي ٱلْأَرْضَ: أعطى الله يعقوب تذكيرًا ثمينًا عن مكانته في عهد الله العظيم، الَّذي ابتدأ مع جدِّه إبراهيم. وفي هذا، لم يكُن يعقوب بحاجةٍ إلى سَماع أيِّ شيءٍ جديدٍ من الله. فقد كان مُحتاجًا لأن يتذكَّر ما كان حقيقيًّا ويتشجَّع بالتَّمسُّك به كلَّه.
- ثُمَّ صَعِدَ ٱللهُ عَنْهُ فِي ٱلْمَكَانِ ٱلَّذِي فِيهِ تَكَلَّمَ مَعَهُ: على ما يبدو، فقد ظهر الله ليعقوب هُنا في هيئةٍ جسميَّة. وبارك الله يعقوب بكثرة بعد عودته إلى محبَّته الأُولى. هناك الكثير من البركات التي تنتظرنا، فهي لنا عندما نقوم بعمل ما يقوله الله لنا.
- وَسَكَبَ عَلَيْهِ سَكِيبًا، وَصَبَّ عَلَيْهِ زَيْتًا: بدأ يعقوب بالقيام بأعمال تضحيةٍ بشكلٍ مُناسِب في عبادته لله الَّذي باركَهُ كثيرًا.
- إنَّ فكرة وَسَكَبَ عَلَيْهِ سَكِيبًا موجودة في عدَّة أماكِن من الكتاب المقدَّس. فهذه المراجع: خروج ٤٠:٢٩-٤١ و لاويِّين ١٣:٢٣ وعدد ٥:١٥-٧ تُظهِر أنَّ السَّكيب كان يُقدَّم مع الخمرِ كتقدمةٍ للرَّبِّ على المذبَح. يعتبِر بولس انسكابَ حياتهِ أمام الله شبيهٌ بانسكاب التَّقدمة على مذبح الله (فيلبِّي ١٧:٢ و٢ تيموثاوس ٦:٤).
- أظهر قلب يعقوب في العبادة امتنانًا تجاه الله. عندما نتطلَّع إلى حياته في الماضي، لا ينبغي علينا بتاتًا تبنِّي هذا الموقِف، ‘لقد سُرِقَت.’ بدلًا من ذلك، على قلوبنا أن تقول، ‘لقد بارك الله.’ قد يُحدِّد هذا ربَّما ما إذا كُنَّا سنكون بائسين تمامًا أو مسرورين تمامًا عند تقدُّمنا في الأيَّام.
ثانيًا. ولادة بَنيامِين وموت راحيل
أ ) الآيات (١٦-١٧): ولادة ابنٍ آخَر.
١٦ثُمَّ رَحَلُوا مِنْ بَيْتِ إِيلَ. وَلَمَّا كَانَ مَسَافَةٌ مِنَ ٱلْأَرْضِ بَعْدُ حَتَّى يَأْتُوا إِلَى أَفْرَاتَةَ، وَلَدَتْ رَاحِيلُ وَتَعَسَّرَتْ وِلَادَتُهَا. ١٧وَحَدَثَ حِينَ تَعسَّرَتْ وِلَادَتُهِا أَنَّ ٱلْقَابِلَةَ قَالَتِ لَهَا: «لَا تَخَافِي، لِأَنَّ هَذَا أَيْضًا ٱبْنٌ لَكِ».
- وَلَدَتْ رَاحِيلُ وَتَعَسَّرَتْ وِلَادَتُهَا: بحسب الظَاهر، لا نشهد أيًّا من الخلاف أو المنافسة يحومُ حول ولادة هذا الابن الأخير، ربَّما لأنَّهم أصبحوا كبارًا في هذا الوقت. على الأغلَب، كان ذلك بسبب تواجدهم الآن في أرض الموعِد فبدا ذلك الأمر وكأنَّه ليس بذي أهمِّيَّة كما كان قبلًا.
- وِلَادَتُهَا: لا ندري كم من الوقت أمضاهُ يعقوب في بيت إيل، لكن من الممكِن أنَّ هذا الابن الأخير حُبِل به في هذا المكان حيث رجع يعقوب إلى محبَّته الأُولى للرَّبِّ.
ب) الآية (١٨): تسمية الابن الأخير.
١٨وَكَانَ عِنْدَ خُرُوجِ نَفْسِهَا، لِأَنَّهَا مَاتَتْ، أَنَّهَا دَعَتِ ٱسْمَهُ «بَنْ أُونِي». وَأَمَّا أَبُوهُ فَدَعَاهُ «بَنْيَامِينَ».
- أَنَّهَا دَعَتِ ٱسْمَهُ «بَنْ أُونِي»: أسمَت راحيل هذا الابن الأخير – الَّذي كان من الممكِن أن يُعتبَر مصدر فرحٍ وانتصارٍ في منافستها مع أُختِها – بَنْ أُونِي، الَّذي يعني ‘ابنُ الحزَن.’
- في نهاية المطاف، يُظهر هذا عبَثَ منافسة راحيل مع أُختِها لَيئَة. والآن في وقت ’’انتصارها‘‘ الأخير، كلَّ ما وجدته كان الحزن.
- وَأَمَّا أَبُوهُ فَدَعَاهُ «بَنْيَامِينَ»: أسمى يعقوب الولد بَنْيَامِين بحكمةٍ، الَّذي يعني ‘ابنُ ذراعي اليُمنَى.’ ربَّما شعر يعقوب بالمكانة الخاصَّة التي لهذا الطفل من الله، أو ربَّما ببساطة ثمَّن بنيامين بشكلٍ كبير لأنّه كان حلقة الوَصْل الأخيرة بينه وبين المرأة التي أحبَّها كثيرًا.
- بَنْيَامِينَ: كانت الذراع اليُمنى مُرتبِطة بقوَّةٍ وكرامةٍ كبيرَتَين، ذلك لأنَّ مُعظم الناس يستخدمون اليد اليُمنَى. لذلك، فإنَّ بَنْيَامِينَ (ابنُ ذراعي اليُمنَى) يحملُ مفهوم ’ابنُ قوَّتي‘ أو ’ابنُ كرامتي.‘
- ظهرت هذه الفكرة في العديد من المقاطع الكتابيَّة مثل خروج ٦:١٥: يَمِينُكَ يَا رَبُّ مُعْتَزَّةٌ بِٱلْقُدْرَةِ. يَمِينُكَ يَا رَبُّ تُحَطِّمُ ٱلْعَدُوَّ.
- الرَّبُّ قوَّتي وعزِّي، كما في مزمور ٨:١٦: جَعَلْتُ ٱلرَّبَّ أَمَامِي فِي كُلِّ حِينٍ، لِأَنَّهُ عَنْ يَمِينِي فَلَا أَتَزَعْزَعُ.
- قوَّة الله وعزُّهُ لنا: اِلْتَصَقَتْ نَفْسِي بِكَ. يَمِينُكَ تَعْضُدُنِي (مزمور ٨:٦٣). إِنْ سَلَكْتُ فِي وَسَطِ ٱلضِّيْقِ تُحْيِنِي. عَلَى غَضَبِ أَعْدَائِي تَمُدُّ يَدَكَ، وَتُخَلِّصُنِي يَمِينُكَ (مزمور ٧:١٣٨).
- يجلِس يسوع عن يمين الآب، مقام القوَّة والعزَّة، ونحن أيضًا نجلس هناك معه! فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ قُمْتُمْ مَعَ ٱلْمَسِيحِ فَٱطْلُبُوا مَا فَوْقُ، حَيْثُ ٱلْمَسِيحُ جَالِسٌ عَنْ يَمِينِ ٱللهِ (كولوسي ١:٣).
ج) الآيات (١٩-٢٠): موت ودَفن راحيل.
١٩فَمَاتَتْ رَاحِيلُ وَدُفِنَتْ فِي طَرِيقِ أَفْرَاتَةَ، ٱلَّتِي هِيَ بَيْتُ لَحْمٍ. ٢٠فَنَصَبَ يَعْقُوبُ عَمُودًا عَلَى قَبْرِهَا، وَهُوَ «عَمُودُ قَبْرِ رَاحِيلَ» إِلَى ٱلْيَوْمِ.
- فَمَاتَتْ رَاحِيلُ وَدُفِنَتْ: كان موتُ راحيل تتميمًا مأساويًّا لِلَعنة يعقوب على مَن سرق أصنام لابان (تكوين ٣٢:٣١).
- يذكُر الكتاب المقدَّس في تكوين ١:٣٠ أنَّ راحيل فارتجَت يعقوب قائلةً، هَبْ لِي بَنِينَ، وَإِلَا فَأَنَا أَمُوتُ! وكما حدث، كِلَا الأمرَين أصبحا واقِعًا. أُعطيَت البنين لكنَّها ماتت نتيجةً لذلك.
- فَنَصَبَ يَعْقُوبُ عَمُودًا عَلَى قَبْرِهَا: يُظهِر هذا أنَّه ولو تصالَحنا مع الله ورجِعنا إلى محبَّتنا الأُولى، فهذا لا يعني أنَّ الحياة ستكون سهلة ومُريحة. هناك الكثير من التَّحدِّيات لنا كي نثِق بالله.
- لا يمكننا أن نُثمِّن الرَّاحة أكثر من التَّصالُح مع الله. فبالنسبة للبعض، تكون الرَّاحة كصنمٍ – كإلهٍ كاذبٍ يعبدونه بسعيٍ وانتباهٍ مُستديمَين. يريد البعض الآخَر فقط حياةً مُريحة، وليس حياةً تقيَّة. فالعلامة بالنسبة إلى بعض المسيحيِّين تبدو كرسيًّا مُريحًا وليس صليبًا.
د ) الآيات (٢١-٢٢أ): رأوبين الابنُ مع سُرِّيَّة أبيه.
٢١ثُمَّ رَحَلَ إِسْرَائِيلُ وَنَصَبَ خَيْمَتَهُ وَرَاءَ مَجْدَلَ عِدْرٍ. ٢٢وَحَدَثَ إِذْ كَانَ إِسْرَائِيلُ سَاكِنًا فِي تِلْكَ ٱلْأَرْضِ، أَنَّ رَأُوبَيْنَ ذَهَبَ وَٱضْطَجَعَ مَعَ بِلْهَةَ سُرِّيَّةِ أَبِيهِ، وَسَمِعَ إِسْرَائِيلُ.
- أَنَّ رَأُوبَيْنَ ذَهَبَ وَٱضْطَجَعَ مَعَ بِلْهَةَ سُرِّيَّةِ أَبِيهِ: كان رأوبين الابن البكر. يمكننا أن نتوقَّع منه أفضل سلوكٍ وأفضل مُتلقٍّ لِعهدِ آبائه. بالرغم من ذلك، فقد أخطأ هُنا بطريقةٍ فظَّة إلى والده والعائلة بأكملها.
- ومع ذلك، لا داعي لأن نتساءل من أين أتى هذا التَّصرُّف الآثِم. ففي بيتٍ مليءٍ بالخصام والفتنة والخلاف والمنافسة والسَّعي وراء الجسد، من الممكِن توقُّع ذلك.
- وَسَمِعَ إِسْرَائِيلُ: فبسبب خطيَّتهم التي اقترفوها في حياتهم، تنحَّى كلٌّ من رأوبين وشمعون ولاوي من دعوة الله العليا لِبَركة إبراهيم. لذلك نرى أنَّ الإتيان بالمسيَّا أصبح على عاتق يهوذا الابن الرابع.
هـ) الآيات (٢٢ب-٢٦): أبناءُ يعقوب الاثنا عشَر.
وَكَانَ بَنُو يَعْقُوبَ ٱثْنَيْ عَشَرَ: ٢٣بَنُو لَيْئَةَ: رَأُوبَيْنُ بِكْرُ يَعْقُوبَ، وَشِمْعُونُ وَلَاوِي وَيَهُوذَا وَيَسَّاكَرُ وَزَبُولُونُ. ٢٤وَٱبْنَا رَاحِيلَ: يُوسُفُ وَبَنْيَامِينُ. ٢٥وَٱبْنَا بِلْهَةَ جَارِيَةِ رَاحِيلَ: دَانُ وَنَفْتَالِي. ٢٦وَٱبْنَا زِلْفَةَ جَارِيَةِ لَيْئَةَ: جَادُ وَأَشِيرُ. هَؤُلَاءِ بَنُو يَعْقُوبَ ٱلَّذِينَ وُلِدُوا لَهُ فِي فَدَّانِ أَرَامَ.
- كَانَ بَنُو يَعْقُوبَ ٱثْنَيْ عَشَرَ: بناءً على ما تقدَّم في الأصحاحات السَّابقة القليلة، لم تكُن هذه مجموعة من الرِّجال الروحيِّين المدهِشين.
- “نتعجَّب كثيرًا عندما نُفكِّرُ بهذه الأحداث التي قادت نسل إبراهيم، الجدير بالذِّكرِ، بُعيد وفاته إلى مستوًى من الدِّركِ والانحطاط لامس مواقع دَنيَّة لأبناء يعقوب في هذا الأصحاح” ليوبولد (Leupold)
- كَانَ بَنُو يَعْقُوبَ: في واقع الحال، كانت هذه العائلة في اختلالٍ عمليٍّ شديد. سيستخدِم الله هذه العائلة، ليس لأنَّهم رجالٌ عظامٌ أو روحيُّون، بل لأنَّه اختارهم بنعمته فقط.
ثالثًا. موت يعقوب
أ ) الآية (٢٧): يزور يعقوب أباهُ إسحاق للمرَّة الأخيرة.
٢٧وَجَاءَ يَعْقُوبُ إِلَى إِسْحَاقَ أَبِيهِ إِلَى مَمْرَا، قِرْيَةِ أَرْبَعَ، ٱلَّتِي هِيَ حَبْرُونُ، حَيْثُ تَغَرَّبَ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْحَاقُ.
- وَجَاءَ يَعْقُوبُ إِلَى إِسْحَاقَ أَبِيهِ: منذ أكثر من عشرين عامًا، ترك يعقوب بيته وهو يفتكِر بأنَّ أباه سيموت في وقتٍ قريب. من المحتمَل أنَّ يعقوب لم يتوقَّع أبدًا أن يرى أباه ثانيةً قبل وفاته.
- يجب أن نتذكَّر أنَّ أيَّام حياتنا هي في يدَي الله. يمكننا أن نتوقَّع حياةً قصيرة أو مديدة للآخرين ولأنفسنا ونكون مُخطئين بالفعل. الله وحدَه يعلَم.
- إِسْحَاقَ أَبِيهِ: يبدو أنَّه لم يحدث أيُّ شيءٍ دراماتيكيّ بين إسحاق ويعقوب في هذا الاجتماع. لم يُسجِّل الوحي أيَّة كلماتٍ أو بركاتٍ إضافيَّة. من المحتمَل أنَّ يعقوب كان مُعوَّقًا بسبب كِبَر سنِّه.
ب) الآيات (٢٨-٢٩): يدفُن يعقوب وعيسو أباهُما سويًّا.
٢٨وَكَانَتْ أَيَّامُ إِسْحَاقَ مِئَةً وَثَمَانِينَ سَنَةً. ٢٩فَأَسْلَمَ إِسْحَاقُ رُوحَهُ وَمَاتَ وَٱنْضَمَّ إِلَى قَوْمِهِ، شَيْخًا وَشَبْعَانَ أَيَّامًا. وَدَفَنَهُ عِيسُو وَيَعْقُوبُ ٱبْنَاهُ.
- وَدَفَنَهُ عِيسُو وَيَعْقُوبُ ٱبْنَاهُ: كان الأخَّان قد التقيا معًا بيدٍ إلهيَّة. والآن عَمِلا سويًّا، مُتَّحِدَان بموت أبيهما يعقوب.