سفر التكوين – الإصحاح ٥٠
دَفن يعقوب؛ موتُ يوسُف
أولًا. دُفِنَ يعقوب في كنعان
أ ) الآيات (١-٣): تحنيط يعقوب والبكاء عليه.
١فَوَقَعَ يُوسُفُ عَلَى وَجْهِ أَبِيهِ وَبَكَى عَلَيْهِ وَقَبَّلَهُ. ٢وَأَمَرَ يُوسُفُ عَبِيدَهُ ٱلْأَطِبَّاءَ أَنْ يُحَنِّطُوا أَبَاهُ. فَحَنَّطَ ٱلْأَطِبَّاءُ إِسْرَائِيلَ. ٣وَكَمُلَ لَهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا، لِأَنَّهُ هَكَذَا تَكْمُلُ أَيَّامُ ٱلْمُحَنَّطِينَ. وَبَكَى عَلَيْهِ ٱلْمِصْرِيُّونَ سَبْعِينَ يَوْمًا.
- فَوَقَعَ يُوسُفُ عَلَى وَجْهِ أَبِيهِ وَبَكَى عَلَيْهِ وَقَبَّلَهُ: كان موتُ يعقوب في حضورِ أبنائه مشهدًا مُؤثِّرًا ودراماتيكيًّا.
- وَبَكَى عَلَيْهِ ٱلْمِصْرِيُّونَ سَبْعِينَ يَوْمًا: ناحَت الأُمَّة المصريَّة بأكملِها على يعقوب مُدَّة ٧٠ يومًا. كانت تمتدُّ فترة المناحة الملكيَّة في مصر إلى ٧٢ يومًا. فَمِن الواضِح بمكانٍ ما أنَّه كانت لِيعقوب مكانةٌ رفيعة ومُوقَّرة بين الناس.
ب) الآيات (٤-٦): يستأذِن يوسُف فرعون لِدَفن أبيهِ في كنعان.
٤وَبَعْدَ مَا مَضَتْ أَيَّامُ بُكَائِهِ كَلَّمَ يُوسُفُ بَيْتَ فِرْعَوْنَ قَائِلًا: «إِنْ كُنْتُ قَدْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عُيُونِكُمْ، فَتَكَلَّمُوا فِي مَسَامِعِ فِرْعَوْنَ قَائِلِينَ: ٥أَبِي ٱسْتَحْلَفَنِي قَائِلًا: هَا أَنَا أَمُوتُ. فِي قَبْرِيَ ٱلَّذِي حَفَرْتُ لِنَفْسِي فِي أَرْضِ كَنْعَانَ هُنَاكَ تَدْفِنُنِي، فَٱلْآنَ أَصْعَدُ لِأَدْفِنَ أَبِي وَأَرْجِعُ». ٦فَقَالَ فِرْعَوْنُ: «ٱصْعَدْ وَٱدْفِنْ أَبَاكَ كَمَا ٱسْتَحْلَفَكَ».
- كَلَّمَ يُوسُفُ بَيْتَ فِرْعَوْنَ قَائِلًا: إنَّ حقيقة طلَب يوسُف الأوَّليّ بشكلٍ غير مُباشِر من الحاكِم المصريّ، ذلك من خلال كلامهِ مع بَيْتَ فِرْعَوْنَ، يُظهِرُ تفصيلًا يجدر الإشارة إليه بأنَّ الأحداث المدوَّنة هي لِشاهدِ عيانٍ وليست لِراوي قِصَص.
- أَبِي ٱسْتَحْلَفَنِي قَائِلًا: شرحَ يوسُف وعدَ أبيه المهيب والجليل المطلوب منه، وهكذا سمح فرعون لِيوسُف بالوفاء بوعدهِ بِدَفْنِ إسرائيل في كنعان.
ج) الآيات (٧-١١): يُنقَل جُثمان يعقوب إلى كنعان.
٧فَصَعِدَ يُوسُفُ لِيَدْفِنَ أَبَاهُ، وَصَعِدَ مَعَهُ جَمِيعُ عَبِيدِ فِرْعَوْنَ، شُيُوخُ بَيْتِهِ وَجَمِيعُ شُيُوخِ أَرْضِ مِصْرَ، ٨وَكُلُّ بَيْتِ يُوسُفَ وَإِخْوَتُهُ وَبَيْتُ أَبِيهِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ تَرَكُوا أَوْلَادَهُمْ وَغَنَمَهُمْ وَبَقَرَهُمْ فِي أَرْضِ جَاسَانَ. ٩وَصَعِدَ مَعَهُ مَرْكَبَاتٌ وَفُرْسَانٌ، فَكَانَ ٱلْجَيْشُ كَثِيرًا جِدًّا. ١٠فَأَتَوْا إِلَى بَيْدَرِ أَطَادَ ٱلَّذِي فِي عَبْرِ ٱلْأُرْدُنِّ وَنَاحُوا هُنَاكَ نَوْحًا عَظِيمًا وَشَدِيدًا جِدًّا، وَصَنَعَ لِأَبِيهِ مَنَاحَةً سَبْعَةَ أَيَّامٍ. ١١فَلَمَّا رَأَى أَهْلُ ٱلْبِلَادِ ٱلْكَنْعَانِيُّونَ ٱلْمَنَاحَةَ فِي بَيْدَرِ أَطَادَ قَالُوا: «هَذِهِ مَنَاحَةٌ ثَقِيلَةٌ لِلْمِصْرِيِّينَ». لِذَلِكَ دُعِيَ ٱسْمُهُ «آبَلَ مِصْرَايِمَ». ٱلَّذِي فِي عَبْرِ ٱلْأُرْدُنِّ.
- فَصَعِدَ يُوسُفُ لِيَدْفِنَ أَبَاهُ: كان هذا الدَّفنُ مُؤثِّرًا. لقد اجتمعت العشيرة بأكملِها لِتوارِيَ الثَّرى ذلك الرَّجُل الَّذي كان آخِر حلقةٍ من الآباء. فَحياةُ جَدِّ هذا الرَّجُل كانت مُتداخِلة ومُتشابِكة مع أبناء نوح.
- “يُشير لوثر إلى أنَّه لا يوجَد في الكتاب المقدَّس أيُّ سجلٍّ لِدَفنٍ مَهيبٍ وجليلٍ كَدَفنِ يعقوب المؤرَّخ بغنًى تفصيليٍّ عظيم” ليوبولد (Leupold)
- وَنَاحُوا هُنَاكَ نَوْحًا عَظِيمًا وَشَدِيدًا جِدًّا: كان هذا، بدون أدنى شكٍّ، يومًا لإعادة تكريس أبناءِ إسرائيل لإله إسرائيل، إله العهد الَّذي أُعطيَ لإبراهيم وإسحاق ويعقوب. سَيُمتَحَن تكريسهم لله على مدى مئات السِّنين، وسينجحون.
د ) الآيات (١٢-١٤): دَفنُ يعقوب في مغارة المكفيلة.
١٢وَفَعَلَ لَهُ بَنُوهُ هَكَذَا كَمَا أَوْصَاهُمْ: ١٣حَمَلَهُ بَنُوهُ إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ وَدَفَنُوهُ فِي مَغَارَةِ حَقْلِ ٱلْمَكْفِيلَةِ، ٱلَّتِي ٱشْتَرَاهَا إِبْرَاهِيمُ مَعَ ٱلْحَقْلِ مُلْكَ قَبْرٍ مِنْ عِفْرُونَ ٱلْحِثِّيِ أَمَامَ مَمْرَا. ١٤ثُمَّ رَجَعَ يُوسُفُ إِلَى مِصْرَ هُوَ وَإِخْوَتُهُ وَجَمِيعُ ٱلَّذِينَ صَعِدُوا مَعَهُ لِدَفْنِ أَبِيهِ بَعْدَ مَا دَفَنَ أَبَاهُ.
- وَفَعَلَ لَهُ بَنُوهُ هَكَذَا كَمَا أَوْصَاهُمْ: غالِبًا ما كان أبناءُ يعقوب يُناقِضُون ويُخيِّبُون أباهُم في حياته. لكنَّهم كانوا حريصين على إكرامهِ في مماته.
- وَدَفَنُوهُ فِي مَغَارَةِ حَقْلِ ٱلْمَكْفِيلَةِ: كانت هذه هي المغارة التي اشتراها إبراهيم (تكوين ٩:٢٣)، ذلك الجزء الوحيد من أرضِ كنعان الَّذي كان فيه لإبراهيم صكُّ مُلكيَّةٍ (تكوين ١٧:٢٣). وكانت هذه أيضًا مَدفَنًا لسارة (تكوين ١٩:٢٣) وإبراهيم (تكوين ٩:٢٥) وإسحاق وراحيل ولَيئَة (تكوين ٣١:٤٩).
ثانيًا. يُشجِّع يوسُف إخوته ويتعامَل مع مخاوفهم
أ ) الآية (١٥): مخاوِف إخوة يوسُف.
١٥وَلَمَّا رَأَى إِخْوَةُ يُوسُفَ أَنَّ أَبَاهُمْ قَدْ مَاتَ، قَالُوا: «لَعَلَّ يُوسُفَ يَضْطَهِدُنَا وَيَرُدُّ عَلَيْنَا جَمِيعَ ٱلشَّرِّ ٱلَّذِي صَنَعْنَا بِهِ».
- لَعَلَّ يُوسُفَ يَضْطَهِدُنَا: لَرُبَّما خَشِيَ إخوة يوسُف من أن ينقلِبَ عليهم بعد موتِ يعقوب. عالِمين بطبيعة البشَر، فقد كان هذا احتمالًا مُؤكَّدًا.
- وَيَرُدُّ عَلَيْنَا جَمِيعَ ٱلشَّرِّ ٱلَّذِي صَنَعْنَا بِهِ: هُنا نرى أنَّ الإخوة يعترِفون علانيةً بجَمِيعِ ٱلشَّرِّ ٱلَّذِي صَنَعُوهُ بِهِ. فالأمر الَّذي كان يُقلِقَهُم لَهو العدالة. فقد خَشَوا من العقاب والجزاء العادِل. وقد كان بمقدورِ يوسُف، وهو صاحب المقام العالي والهَيبة والاعتبار، أن يجلِبَ هذا العقاب.
ب) الآيات (١٦-١٨): قصَة إخوة يوسُف البعيدة الإحتمال.
١٦فَأَوَصَوْا إِلَى يُوسُفَ قَائِلِينَ: «أَبُوكَ أَوْصَى قَبْلَ مَوْتِهِ قَائِلًا: ١٧هَكَذَا تَقُولُونَ لِيُوسُفَ: آهِ! ٱصْفَحْ عَنْ ذَنْبِ إِخْوَتِكَ وَخَطِيَّتِهِمْ، فَإِنَّهُمْ صَنَعُوا بِكَ شَرًّا. فَٱلْآنَ ٱصْفَحْ عَنْ ذَنْبِ عَبِيدِ إِلَهِ أَبِيكَ». فَبَكَى يُوسُفُ حِينَ كَلَّمُوهُ. ١٨وَأَتَى إِخْوَتُهُ أَيْضًا وَوَقَعُوا أَمَامَهُ وَقَالُوا: «هَا نَحْنُ عَبِيدُكَ».
- أَبُوكَ أَوْصَى قَبْلَ مَوْتِهِ قَائِلًا: لَرُبَّما كانت هذه القِصَّة مُختلَقَة. لم يشعروا بامتلاكهم للحقِّ الأخلاقيّ كي يسألوا الرَّحمة والرَّأفةَ من يوسُف، ذلك لأنَّهم أخطأوا إليه بشكلٍ كبير. من أجل ذلك وضَعوا طلَب الرَّحمة بكلِماتٍ ردَّدها فمُ أبيهِم الميِّت والـمُكرَّم.
- فَبَكَى يُوسُفُ حِينَ كَلَّمُوهُ: لَرُبَّما بكى يوسُف لأنَّ إخوته بدَوا وكأنَّهم يُفكِّرون عنه بهذه الحقارة والتَّصاغُر ولأنَّهم ظنُّوا السُّوءَ أيضًا بشخصيَّته بشكلٍ كبير.
- وَأَتَى إِخْوَتُهُ أَيْضًا وَوَقَعُوا أَمَامَهُ وَقَالُوا: هَا نَحْنُ عَبِيدُكَ: لقد دعَّموا نداء استغاثتهم للرَّحمة باستعراضٍ حقيقيٍّ للتَّواضع أمامَهُ.
ج) الآيات (١٩-٢١): يُعزِّي يوسُف إخوته.
١٩فَقَالَ لَهُمْ يُوسُفُ: «لَا تَخَافُوا. لِأَنَّهُ هَلْ أَنَا مَكَانَ ٱللهِ؟ ٢٠أَنْتُمْ قَصَدْتُمْ لِي شَرًّا، أَمَّا ٱللهُ فَقَصَدَ بِهِ خَيْرًا، لِكَيْ يَفْعَلَ كَمَا ٱلْيَوْمَ، لِيُحْيِيَ شَعْبًا كَثِيرًا. ٢١فَٱلْآنَ لَا تَخَافُوا. أَنَا أَعُولُكُمْ وَأَوْلَادَكُمْ». فَعَزَّاهُمْ وَطَيَّبَ قُلُوبَهُمْ.
- لِأَنَّهُ هَلْ أَنَا مَكَانَ ٱللهِ: لقد فَهِمَ يوسُف أوَّلَّا بأنَّه ليس في مَكَانِ ٱللهِ. لم يكُن مسؤولًا عن إنزال العقاب بإخوته. وإذا أرادَ الرَّبُّ أن يُجازِيَهُم، فَسَيجِدُ أداةً أُخرى غيرَ يوسُف.
- بحسب المنظور البشريّ، كان لِيوسُف الحقَّ والقُدرة على إنزال العقاب بإخوته، لكنَّه كان مُوقِنًا بأنَّ الله هو الله، أمَّا هو فَلا. فالعقاب هو، بمعنًى مجازيّ، مَكَانُ ٱللهِ، وليس مكان يوسُف.
- أَنْتُمْ قَصَدْتُمْ لِي شَرًّا، أَمَّا ٱللهُ فَقَصَدَ بِهِ خَيْرًا: لَم يُصوِّر يوسُف أخطاء إخوته بطريقةٍ رومانسيَّة كما فعلوا هُم. فقد قال ببساطة، ‘أَنْتُمْ قَصَدْتُمْ لِي شَرًّا.’ بالرغم من صحَّة هذا الكلام، فَلَم يكُن يُمثِّل الحقيقة الأعظَم. فالحقيقةُ العُظمى كانت أنَّ ‘ٱللهُ قَصَدَ بِهِ خَيْرًا.’
- ينبغي على كلِّ مسيحيٍّ أن يرى ويُدرِك يدَ الله القادِرة والـمُسيطِرة في حياته؛ وأن يعلَم أيضًا أنَّهُ مهما جاءَ الإنسان بالشرِّ ضدَّه، سيستخدِمَه الله للخير.
- لَم يكُن يوسُف يمتلِك النصَّ في رسالة رومية ٢٨:٨، لكنَّه امتلك الحقَّ الَّذي يعنيه: وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ ٱلْأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ ٱللهَ، ٱلَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ. للأسَف، هناك الكثيرون مِمَّن يمتلِكون النصَّ الكتابيّ لكنَّهم لا يعرفون الحقَّ.
- في نهاية المطاف، حياتنا ليست في أيدي الناس بل في يدَي الله الَّذي يفرِض سلطانَهُ ويتحكَّم بكلِّ الأشياء لِمَجده.
- يُحكى عن راعٍ مُتقدِّمٍ في السنِّ يمتلِك موهبة الخدمة بين المحزونين والـمُحبطين. كان يحمِل في كتابه المقدَّس شريطةً (أو مُؤشِّرة) قديمة من خيوط الحرير كشعارٍ له. يُمكِنك أن ترى على خلفيَّة الشَّريط حياكة مُتشابكة ومُربِكة وغير مفهومة. فكان غالِبًا ما يحمل الشَّريط ويُريه للشخص الَّذي يُعاني من مشاكِل عدَّة ويسأله إن كان هذا يعني أيَّ شيءٍ. لَم يستطِع أحدٌ فَهمَ هذا التَّشابُك في الخيوط. ثُم يلويها الراعي إلى الجهَّة المقابِلة فترى عندها أحرُفًا بيضاء على خلفيَّةٍ سوداء تقول: ‘الله محبَّة.’ عندما تبدو الأحداث في حياتنا مُتشابكة وبدونِ معنًى، ذلك لأنَّنا نرى فقط جزءًا من هذا النَّسيج في هذه الحياة المتشابِكة.
- لِيُحْيِيَ شَعْبًا كَثِيرًا: كانت هذه النَّتيجة الفوريَّة الصَّالِحة لهذه الحالَة. لَو لَم تأتِ هذه العائلة الكبيرة إلى مصرَ وتعيشَ هُناك، لَكان من الـمُمكِن أن تزولَ بسبب الجوع. ولَو استطاعت العائلة أن تستمرَّ بالكاد، لَكان من الـمُمكِن انصهارهم بين عشائر الكنعانيِّين المحيطين بهم. لذلك نرى أنَّ نزولَهُم إلى مصرَ كان المخرجَ الوحيد الَّذي يؤمِّن حِفظَهُم واستمراريَّتهُم ونموَّهُم إلى أُمَّةٍ مُنفصِلة.
- وكما ذكرنا سابقًا، لَو لَم يبِع إخوة يوسُف أخاهُم إلى المديانيِّين، لما جاء يوسُف إلى مصرَ أبدًا.
- لَو لَم ينزِل يوسُف إلى مصرَ، لما بيعَ إلى فوطيفار.
- لَو لَم يُبَع يوسُف إلى فوطيفار، لما اتَّهمته زورًا امرأة فوطيفار بالاغتصابِ.
- لَو لَم تَتَّهِمْهُ امرأة فوطيفار زورًا بالاغتصاب، لما وُضِعَ يوسُف في بيت السجن.
- لَو لَم يوضَع يوسُف في بيت السجن، لما التقى بخبَّاز وساقي فرعون.
- لَو لَم يلتقِ يوسُف بخبَّاز وساقي فرعون، لما فسَّر لهما حلمَيهما.
- لَو لَم يُفسِّر يوسُف حُلمَيهما، لما تمكَّن من تفسير حُلُم فرعون بتاتًا.
- لَو لَم يُفسِّر يوسُف حُلُم فرعون، لما أصبح رئيسًا للوزراء وثاني رجُلٍ في مصرَ بعد فرعون.
- لَو لَم يُصبِح يوسُف رئيسًا للوزراء، لما استطاع أن يُحضِّر بحكمةٍ للمجاعة الرَّهيبة على الأبواب.
- لَو لَم يُحضِّر يوسُف بحكمةٍ للمجاعة الرَّهيبة على الأبواب، فقد كان مُمكِنًا أن تموتَ عائلته في كنعان بسبب المجاعة.
- لَو ماتت عائلة يوسُف في كنعان بسبب المجاعة، لما استطاع المسيَّا أن يأتي من عائلةٍ ميِّتة.
- لَو لَم يأتِ المسيَّا، لما جاء يسوع إطلاقًا.
- لَو لَم يأتِ يسوع، كُنَّا سنموت جميعنا في خطايانا بدون رجاءٍ في العالَم.
- نحن مُمتَنِّين لِعَظَمة وحكمة خُطَّة الله.
- وكما ذكرنا سابقًا، لَو لَم يبِع إخوة يوسُف أخاهُم إلى المديانيِّين، لما جاء يوسُف إلى مصرَ أبدًا.
- فَعَزَّاهُمْ وَطَيَّبَ قُلُوبَهُمْ: لأنَّ يوسُف وَثِقَ بيد الله الـمُهَيمِنة، حتَّى في خضَمِّ كلِّ الشرِّ الَّذي أصابه بسبب إخوته، فقد أظهر لهُم ما أظهرَهُ من محبَّةٍ وعطفٍ.
- غالِبًا ما تكون المشكِلة في محبَّتنا للآخَرين وفي انعتاقِنا من المرارة تجاهَهُم تلك الـمُتعلِّقة بعدم معرفة مَن هو الله وبعدم ثقتنا بما أعلَنه لنا عن نفسه.
- أَنَا أَعُولُكُمْ وَأَوْلَادَكُمْ: أظهر يوسُف محبَّته لإخوته ليس بالعواطف والكلام، بل بالعملِ والحقِّ. فهو أعال بالفعل إخوته وعائلاتهم.
ثالثًا. موتُ يوسُف
أ ) الآيات (٢٢-٢٤): يوسُف لم يزَل في مصرَ، لكنَّ قلبَهُ في كنعان.
٢٢وَسَكَنَ يُوسُفُ فِي مِصْرَ هُوَ وَبَيْتُ أَبِيهِ، وَعَاشَ يُوسُفُ مِئَةً وَعَشَرَ سِنِينَ. ٢٣وَرَأَى يُوسُفُ لِأَفْرَايِمَ أَوْلَادَ ٱلْجِيلِ ٱلثَّالِثِ. وَأَوْلَادُ مَاكِيرَ بْنِ مَنَسَّى أَيْضًا وُلِدُوا عَلَى رُكْبَتَيْ يُوسُفَ. ٢٤وَقَالَ يُوسُفُ لِإِخْوَتِهِ: «أَنَا أَمُوتُ، وَلَكِنَّ ٱللهَ سَيَفْتَقِدُكُمْ وَيُصْعِدُكُمْ مِنْ هَذِهِ ٱلْأَرْضِ إِلَى ٱلْأَرْضِ ٱلَّتِي حَلَفَ لِإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ».
- وَعَاشَ يُوسُفُ مِئَةً وَعَشَرَ سِنِينَ: كان عمرُ يوسُف الطَّويل دليلًا على بركة الله في حياته، فهو قد رَأَى لِأَفْرَايِمَ أَوْلَادَ ٱلْجِيلِ ٱلثَّالِثِ. فمَصَاعِب الحياة لَم تُؤثِّر في نعمة الله الـمُطلَقة في حياته.
- وَلَكِنَّ ٱللهَ سَيَفْتَقِدُكُمْ وَيُصْعِدُكُمْ مِنْ هَذِهِ ٱلْأَرْضِ إِلَى ٱلْأَرْضِ ٱلَّتِي حَلَفَ لِإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ: كان يوسُف الواسِطة البشريَّة المسؤولة عن الاتيانِ بعائلته إلى مصرَ. بالرغم من ذلك، فقد عرفَ أنَّه بسبب العهد الَّذي قطعه الله مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب، فلَن يكون هذا المكان مكانَهم للرَّاحة. فقد كانوا مُتوجِّهين – في نهاة المطاف – رجوعًا إلى كنعان، وطنهم الأصليّ.
ب) الآيات (٢٥-٢٦): موتُ وتحنيط يوسُف.
٢٥وَٱسْتَحْلَفَ يُوسُفُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلًا: «ٱللهُ سَيَفْتَقِدُكُمْ فَتُصْعِدُونَ عِظَامِي مِنْ هُنَا». ٢٦ثُمَّ مَاتَ يُوسُفُ وَهُوَ ٱبْنُ مِئَةٍ وَعَشَرِ سِنِينَ، فَحَنَّطُوهُ وَوُضِعَ فِي تَابُوتٍ فِي مِصْرَ.
- وَوُضِعَ فِي تَابُوتٍ فِي مِصْرَ: بحسب هذه الفقرة وبحسب سفر العبرانيِّين ٢٢:١١، لَم يُدفَن يوسُف أبدًا. فقد ظلَّ كَفَنُهُ فوق الأرض لِمُدَّةِ ٤٠٠ سنة أو أكثر حتَّى تمَّت إعادته إلى كنعان. فقد كان شاهِدًا صامتًا لكلِّ هذه السِّنين بأنَّ إسرائيل سيعود إلى أرض الموعِد، تمامًا كما قال الله.
- عاش يوسُف حياة الإيمان بشكلٍ دراماتيكيٍّ. ولكن في النِّهاية، هكذا ذَكَر سفرُ العبرانيِّين يوسُف ضِمن قائمة أبطال الإيمان: بِٱلْإِيمَانِ يُوسُفُ عِنْدَ مَوْتِهِ ذَكَرَ خُرُوجَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَوْصَى مِنْ جِهَةِ عِظَامِهِ (عبرانيِّين ٢٢:١١).
- كان هذا إيمانًا، ذلك لأنَّه وَثِقَ بوعدِ الله لِشَعبهِ.
- كان هذا إيمانًا، ذلك لأنَّه عرفَ انتماءَ شعبِ الله.
- كان هذا إيمانًا، لأنَّه نظر إلى المستقبَل.
- كان هذا إيمانًا، لأنَّه أعلَن أمانة وعدِ الله بكلِّ الأساليب الممكِنة – حتَّى من خلالِ عظامِ رَجُلٍ ميِّتٍ!
- عاش يوسُف حياة الإيمان بشكلٍ دراماتيكيٍّ. ولكن في النِّهاية، هكذا ذَكَر سفرُ العبرانيِّين يوسُف ضِمن قائمة أبطال الإيمان: بِٱلْإِيمَانِ يُوسُفُ عِنْدَ مَوْتِهِ ذَكَرَ خُرُوجَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَوْصَى مِنْ جِهَةِ عِظَامِهِ (عبرانيِّين ٢٢:١١).
- فَتُصْعِدُونَ عِظَامِي مِنْ هُنَا: تحقَّقَ هذا الوعدُ بعد ٤٠٠ سنةٍ عندما ترك إسرائيل مصرَ (خروج ١٩:١٣). أظهرت هذه الوصيَّة أنَّ قلبَ يوسُف كان في أرضِ الموعِد. كما وأظهرته أيضًا بأنَّهُ رَجُلُ إيمانٍ عظيم يثِقُ بالأمور التي لا تُرى (عبرانيِّين ٢٢:١١).
- ففي خلال كلِّ هذه الفترة، عندما كان يرى ابنٌ من إسرائيل كَفَن يوسُف مُتسائلًا لماذا هو موجودٌ هُناك ولَم يُدفَن، كان الجواب يأتي على الشكل التالي: “لأنَّ الرَّجُلَ العظيم يوسُف لَم يُرِد أن يُدفَن في مصرَ، بل في أرض الموعِد التي سيقودنا الله إليها في يومٍ من الأيَّام.”
- تستغرِق بعضُ وعودِ الله وقتًا طويلًا لِتَتحقَّق، لذلك يجب أن نحتمِل واثقين بالله. كان جورج مولِر رجُلًا مُميَّزًا في الإيمان ومسؤولًا عن أحد دُور اليتامى في إنكلترا. ففي عظةٍ ألقاها لـمَّا كان في الخامسة والسَّبعين من عمره، ذكر أنَّ عدد المرَّات التي استجاب فيها الرَّبُّ لِصلاته في نفس اليوم الَّذي صلَّى فيه كان حوالي ٣٠،٠٠٠ مرَّة خلال ٥٤ سنة من خدمته المسيحيَّة. ولكن، ليست كلُّ صلاةٍ صلَّاها قد استُجيبَت بشكلٍ سريع. تذكَّر صلاةً رفعها أمام الله حوالي ٢٠،٠٠٠ مرَّة في فترةٍ امتدَّت على مدى أكثر من ١١ سنة وظلَّ واثِقًا باستجابة الله: “أثِق بالله وأُصلِّي وأنتظِر الجواب. لذلك أيُّها الإخوة والأخوات الأحبَّاء فَلْنستمرَّ بانتظار الله والصَّلاة.”
- مات يوسُف وهو كان ينظُر بالإيمان إلى تكشُّفِ خُطَّة الفداء. فَهُنا نرى أيضًا نهاية سفر التَّكوين – أي سفر البدايات. يُختَتَمُ السِّفرُ بالتَّطلُّعِ إلى الأمام إلى استمراريَّة خُطَّة الله الأبديَّة والـمُحِبَّة والحكيمة.