سفر إرميا – الإصحاح ٥٢
سقوط أورشليم وسبي يهوذا
يعتقد بعض المفسرين أن هذا الإصحاح الأخير كتبه باروخ، لا إرميا. وهو يشهد على صدق عمل إرميا الطويل الأمين ونزاهته كنبي لله.
“يَظهر أن الإصحاح التالي ليس من عمل النبي. فهو ليس أسلوبه. فالكاتب يكتب “يهوياكين، بينما كان إرميا يكتب دائمًا ’يكنيا‘ أو ’كونياهو.‘ وهو تاريخي محض، وهو مشابه جدًّا لنص ٢ملوك ٢٤: ١٨-٢٥: ٣٠.” كلارك (Clarke)
“كل آية تقريبًا من آيات الإصحاح ٥٢ نبوّة تحققت. وفي واقع الأمر، فإن قراءة هذا الإصحاح طريقة جيدة لمراجعة سفر إرميا كله. فالحقائق تتحدث عن نفسها. فقد نطق إرميا بكلمات الله الصحيحة.” رايكن (Ryken)
“يبدو أن الإصحاح يقول في سياقه الحالي: ’لقد تحققت كلمة الله، وستتحقق أيضًا!.‘” كيدنر (Kidner) نقلًا عن برايت (Bright)
“وضعت الترجمة السبعونية هذا العنوان لهذا الإصحاح: “حدث أنه بعد أن سُبيت إسرائيل، وصارت أورشليم مقفرة، جلس النبي إرميا وهو يبكي ويولول بمرارة على شعبه.” وبهذا ربطت هذا الإصحاح بمراثي إرميا التالية، والتي يقال إن اليهود ما زالوا يقرؤونها في مجامعهم في اليوم التاسع من شهر آب العبري، والذي يوافق شهر تموز عندنا، لأنه أُخذت المدينة ودُمِّرت على أيدي الكلدانيين [إرميا ٥٢: ٧].” تراب (Trapp)
أولًا. حصار أورشليم وغزوها
أ ) الآيات (١-٣): حكم صدقيا الشرير وتمرده
١كَانَ صِدْقِيَّا ٱبْنَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ إِحْدَى عَشَرَةَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ، وَٱسْمُ أُمِّهِ حَمِيطَلُ بِنْتُ إِرْمِيَا مِنْ لِبْنَةَ. ٢وَعَمِلَ ٱلشَّرَّ فِي عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ حَسَبَ كُلِّ مَا عَمِلَ يَهُويَاقِيمُ. ٣لِأَنَّهُ لِأَجْلِ غَضَبِ ٱلرَّبِّ عَلَى أُورُشَلِيمَ وَيَهُوذَا حَتَّى طَرَحَهُمْ مِنْ أَمَامِ وَجْهِهِ، كَانَ أَنَّ صِدْقِيَّا تَمَرَّدَ عَلَى مَلِكِ بَابِلَ.
١. كَانَ صِدْقِيَّا ٱبْنَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ: تشرح ٢ ملوك ٢٤: ١٧ أن نبوخذنصّر نصّب الشاب صدقيّا على عرش يهوذا كملك دُمية بعد تمرد يهوياكين.
• تشرح ٢ ملوك ٢٤: ١٧ أيضًا أن اسم صدقيا الأصلي كان متّنيا، وأن نبوخذنصّر غيّره إلى صدقيا، وهو يعني ’الرب بار.‘ وسرعان ما ستشهد يهوذا دينونة الله البارة عليها.
٢. وَعَمِلَ ٱلشَّرَّ فِي عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ: تخبرنا ٢ أخبار ٣٦: ١١-٢٠ المزيد عن شر صدقيا، ولاسيما أنه لم يكن يستمع إلى إرميا أو رسل الله، بل كان يتهكم على رسالتهم ويتجاهلها.
• “يتم شرح شرّ صدقيا (الآية ١٩) بشكل وافٍ في ٢ أخبار ٣٦: ١٢-١٤. ١. لم يكن مستعدًّا للاستماع إلى كلمة الله على لسان إرميا. ٢. حنث بقسمه الذي قسمه باسم الرب كتابع لبابل. ٣. لم يتب، ولم يمنع القادة والكهنة من تدنيس الهيكل بإعادة تقديم الممارسات الوثنية.” وايزمان (Wiseman)
٣. طَرَحَهُمْ مِنْ أَمَامِ وَجْهِهِ: وأخيرًا، نفد صبر الله وطول أناته، فسمح لبابل بغزو مملكة يهوذا، بل دفعها إلى ذلك.
• “إن غياب كل تعبير من العواطف لافت جدًّا للنظر. ففي عبارة واحدة، يشار إلى غضب الله على أنه سبب كل شيء. وأمّا بالنسبة للباقي، فإن الحقائق المأساوية التي عصرت قلب الكاتب تُسرَد في عبارات خالية من العواطف.” ماكلارين (Maclaren)
• “يبكي وينشج سفر المراثي بلوعة اليهودي التقي. لكن المؤرخ يخنق المشاعر أثناء حديثه عن دينونة الله البارة.” ماكلارين (Maclaren)
٤. كَانَ أَنَّ صِدْقِيَّا تَمَرَّدَ عَلَى مَلِكِ بَابِلَ: يخبرنا إرميا أنه كان هنالك أنبياء كذبة في تلك الأيام يكرزون برسالة انتصار لصدقيا. وقد صدّقهم صدقيا بدلًا من أن يصدق إرميا وأنبياء آخرين مثله، ولهذا تمرد على ملك بابل.
• فعلى سبيل المثال، تخبرنا إرميا ٣٢: ١-٥ أن إرميا أخبر صدقيا إنه لن ينجح في تمرده على بابل. فألقى صدقيا القبض عليه وسجنه على ذلك. لكن النبي بقي ثابتًا على موقفه، وأمينًا للرسالة التي أعطاها إياه الله.
ب) الآيات (٤-٦): حصار أورشليم الأخير
٤وَفِي ٱلسَّنَةِ ٱلتَّاسِعَةِ لِمُلْكِهِ، فِي ٱلشَّهْرِ ٱلْعَاشِرِ، فِي عَاشِرِ ٱلشَّهْرِ، جَاءَ نَبُوخَذْرَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ هُوَ وَكُلُّ جَيْشِهِ عَلَى أُورُشَلِيمَ وَنَزَلُوا عَلَيْهَا وَبَنَوْا عَلَيْهَا أَبْرَاجًا حَوَالَيْهَا. ٥فَدَخَلَتِ ٱلْمَدِينَةُ فِي ٱلْحِصَارِ إِلَى ٱلسَّنَةِ ٱلْحَادِيَةِ عَشَرَةَ لِلْمَلِكِ صِدْقِيَّا. ٦فِي ٱلشَّهْرِ ٱلرَّابِعِ، فِي تَاسِعِ ٱلشَّهْرِ ٱشْتَدَّ ٱلْجُوعُ فِي ٱلْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَكُنْ خُبْزٌ لِشَعْبِ ٱلْأَرْضِ.
١. وَنَزَلُوا عَلَيْهَا وَبَنَوْا عَلَيْهَا أَبْرَاجًا حَوَالَيْهَا: استخدم نبوخذنصّر الطريقة الشائعة في تلك الأيام للهجوم على المدن المحصّنة بالأسوار، وهي الحصار. فكانت المدينة المحصَّنة تُحاصَر لمنع كل تجارة أو عمل من الدخول إلى تلك المدينة أو الخروج منها، ما يؤدي في نهاية الأمر إلى تجويع السكّان حتى الاستسلام.
• “كان سقوط أورشليم مهمًّا جدًا حتى إن كلمة الله تتحدث عنه أربع مرات – في إرميا ٣٩: ١ – ١٤ ٥٢، و٢ ملوك ٢٥، وفي ٢ أخبار ٣٦، وفي هذا النص.” فينبيرغ (Feinberg)
٢. ٱشْتَدَّ ٱلْجُوعُ فِي ٱلْمَدِينَةِ: كان هذا هو الهدف المقصود من الحصار. ويشير هذا إلى أن نبوخذنصّر والبابليين كانوا على وشك الانتصار على أورشليم.
• “تُكَثَّف ١٨ شهرًا من العذاب في ثلاث آيات (إرميا ٥٢: ٤-٦).” ماكلارين (Maclaren)
ج) الآيات (٧-١١): القبض على صدقيا وإعدامه
٧فَثُغِرَتِ ٱلْمَدِينَةُ وَهَرَبَ كُلُّ رِجَالِ ٱلْقِتَالِ، وَخَرَجُوا مِنَ ٱلْمَدِينَةِ لَيْلًا فِي طَرِيقِ ٱلْبَابِ بَيْنَ ٱلسُّورَيْنِ ٱللَّذَيْنِ عِنْدَ جَنَّةِ ٱلْمَلِكِ، وَٱلْكَلْدَانِيُّونَ عِنْدَ ٱلْمَدِينَةِ حَوَالَيْهَا، فَذَهَبُوا فِي طَرِيقِ ٱلْبَرِّيَّةِ. ٨فَتَبِعَتْ جُيُوشُ ٱلْكَلْدَانِيِّينَ ٱلْمَلِكَ، فَأَدْرَكُوا صِدْقِيَّا فِي بَرِّيَّةِ أَرِيحَا، وَتَفَرَّقَ كُلُّ جَيْشِهِ عَنْهُ. ٩فَأَخَذُوا ٱلْمَلِكَ وَأَصْعَدُوهُ إِلَى مَلِكِ بَابِلَ إِلَى رَبْلَةَ فِي أَرْضِ حَمَاةَ، فَكَلَّمَهُ بِٱلْقَضَاءِ عَلَيْهِ. ١٠فَقَتَلَ مَلِكُ بَابِلَ بَنِي صِدْقِيَّا أَمَامَ عَيْنَيْهِ، وَقَتَلَ أَيْضًا كُلَّ رُؤَسَاءِ يَهُوذَا فِي رَبْلَةَ، ١١وَأَعْمَى عَيْنَيْ صِدْقِيَّا، وَقَيَّدَهُ بِسِلْسِلَتَيْنِ مِنْ نُحَاسٍ، وَجَاءَ بِهِ مَلِكُ بَابِلَ إِلَى بَابِلَ، وَجَعَلَهُ فِي ٱلسِّجْنِ إِلَى يَوْمِ وَفَاتِهِ.
١. فَثُغِرَتِ ٱلْمَدِينَةُ: في هذه النقطة اليائسة ليهوذا عند حصار أورشليم، بذل صدقيا محاولة أخيرة شبه ناجحة للإفلات من قبضة الحصار. فقد خطّط لاختراق سري عبر أسوار المدينة وخطوط الحصار البابلي، مستخدمًا تكتيكًا لتشتيت الانتباه.
٢. فَتَبِعَتْ جُيُوشُ ٱلْكَلْدَانِيِّينَ ٱلْمَلِكَ، فَأَدْرَكُوا صِدْقِيَّا فِي بَرِّيَّةِ أَرِيحَا: كانت هذه مسافة لا بأس بها من أورشليم. ويرجح أنه اعتقد أن إستراتيجيته نجحت، وأنه أفلت من الدينونة التي تنبّأ بها أنبياء مثل إرميا. غير أنه ثبتت صحة كلمة الله، حيث أُسر الملك في سهول أريحا.
• “يبدو أن من المفارقات أنه في نفس المكان الذي وطأت فيه قدم إسرائيل أرض الموعد لأول مرة، يتم القبض على آخر ملك داودي، وتُنزع منه مملكته. وكان المكان الذي اختبرت فيه إسرائيل أول انتصار، عندما سقطت أسوار أريحا أمام رجال عُزَّل متكلين على الله، مسرح آخر هزيمة لها.” ديلداي (Dilday)
٣. فَقَتَلَ مَلِكُ بَابِلَ بَنِي صِدْقِيَّا أَمَامَ عَيْنَيْهِ، وَأَعْمَى عَيْنَيْ صِدْقِيَّا: لم يكن البابليون معروفين بنفس وحشية الأشوريين الذين سبق أن غزوا مملكة إسرائيل الشمالية قبل حوالي ١٥٠ عامًا، لكنهم كانوا خبراء في القسوة في حد ذاتهم. فعملوا على التأكد من أن آخر منظر يشهده صدقيا هو ذبح أولاده، وبعد ذلك سيمضي بقية حياته في الظلمة.
• كان هذا تحقيقًا للوعد الغامض الذي قدّمه الله على لسان حزقيال بشأن صدقيا قبل وقت قصير من سقوط أورشليم: “وَأَبْسُطُ شَبَكَتِي عَلَيْهِ فَيُؤْخَذُ فِي شَرَكِي، وَآتِي بِهِ إِلَى بَابِلَ إِلَى أَرْضِ ٱلْكَلْدَانِيِّينَ، وَلَكِنْ لَا يَرَاهَا وَهُنَاكَ يَمُوتُ.” (حزقيال ١٢: ١٣)
• “مع قلع عينيه، وتقييده بسلاسل، حُمل إلى بلاط الإمبراطور، كان رمزًا للشعب الذي سبق أن تمرد على الله وحُطِّم إلى أشلاء. مورجان (Morgan)
• “لقد عميت عينا عقله قبل وقت طويل، وإلا لكان أمكنه أن يتوقع هذا الشر ويمنعه، لأن الرؤية المسبقة أفضل وسيلة للوقاية، لو أنه استمع إلى التحذيرات التي تنبّأ بها إرميا.” تراب (Trapp)
• “يقول يوسيفوس (Josephus) (Antiquities x.٨.٨) إن نبوخذنصّر ’أبقى صدقيا في السجن حتى مات، ورتّب له دفنًا رائعًا.‘ ويتفق هذا مع إرميا ٣٤: ٥.” كناب (Knapp)
د ) الآيات (١٢-١٤): دمار أورشليم
١٢وَفِي ٱلشَّهْرِ ٱلْخَامِسِ، فِي عَاشِرِ ٱلشَّهْرِ، وَهِيَ ٱلسَّنَةُ ٱلتَّاسِعَةُ عَشَرَةَ لِلْمَلِكِ نَبُوخَذْرَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ، جَاءَ نَبُوزَرَادَانُ رَئِيسُ ٱلشُّرَطِ، ٱلَّذِي كَانَ يَقِفُ أَمَامَ مَلِكِ بَابِلَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، ١٣وَأَحْرَقَ بَيْتَ ٱلرَّبِّ، وَبَيْتَ ٱلْمَلِكِ، وَكُلَّ بُيُوتِ أُورُشَلِيمَ، وَكُلَّ بُيُوتِ ٱلْعُظَمَاءِ، أَحْرَقَهَا بِٱلنَّارِ. ١٤وَكُلَّ أَسْوَارِ أُورُشَلِيمَ مُسْتَدِيرًا هَدَمَهَا كُلُّ جَيْشِ ٱلْكَلْدَانِيِّينَ ٱلَّذِي مَعَ رَئِيسِ ٱلشُّرَطِ.
١. وَأَحْرَقَ بَيْتَ ٱلرَّبِّ: صار هيكل سليمان الآن خرابًا. وسيبقى على حاله هذه لسنوات كثيرة إلى أن يُبنى من جديد بشكل متواضع من قبل المسبيين في زمن عزرا.
• فِي عَاشِرِ ٱلشَّهْرِ: “في اليوم العاشر (إرميا ٥٢: ١٢)، بينما تقول ٢ ملوك ٢٥: ٨ ’اليوم السابع.‘ وربما يشمل الاختلاف الفرق بين وصول نبوزردان وبداية الدمار.” هاريسون (Harrison)
• “يعلن التلمود أنه عندما دخل البابليون الهيكل، أقاموا هنالك وليمة مدة يومين لتدنيسه. وبعد ذلك، في اليوم الثالث، أشعلوا النار فيه. ويضيف التلموذ أن النار اشتعلت طوال ذلك اليوم واليوم الذي تلاه.” ديلداي (Dilday)
• وَهِيَ ٱلسَّنَةُ ٱلتَّاسِعَةُ عَشَرَةَ لِلْمَلِكِ نَبُوخَذْرَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ: “يمكننا أن نشرح بسهولة التناقض بين الآيتين ١٢ و٢٩. ففي الآية الأولى [١٢] وُضعت سنة صعود نبوخذنصّر إلى العرش في الحسبان، بينما لم توضع في الحسبان في الآية اللاحقة [٢٩].” كندال (Cundall)
٢. أَحْرَقَهَا بِٱلنَّارِ. وَكُلَّ أَسْوَارِ أُورُشَلِيمَ مُسْتَدِيرًا: والآن هُدمت أسوار أورشليم التي مثّلت أمانها المادي. فلم تعد المدينة مكانًا للأمان والطمأنينة. وستبقى الأسوار هكذا إلى أن يعيد المسبيون العائدون بناءها في أيام نحميا.
• نبوزردان رَئِيسِ ٱلشُّرَطِ: “هذا اللقب بالعبرية حرفيًّا هو ’الجلّاد الرئيسي‘ (رئيس الجلادين)، أو ’الذّبّاح‘ (الجزّار). وقد شرع بشكل منهجي في هدم المدينة الجميلة، وحرق القصور، والمباني الرئيسية، وهدم الأسوار، وتدمير الهيكل.” ديلداي (Dilday)
ثانيًا. يهوذا وأورشليم تحت البابليين
أ ) الآيات (١٥-٢٣): المسبيون، والباقون في الأرض، والنهب
١٥وَسَبَى نَبُوزَرَادَانُ، رَئِيسُ ٱلشُّرَطِ، بَعْضًا مِنْ فُقَرَاءِ ٱلشَّعْبِ، وَبَقِيَّةَ ٱلشَّعْبِ ٱلَّذِينَ بَقُوا فِي ٱلْمَدِينَةِ، وَٱلْهَارِبِينَ ٱلَّذِينَ سَقَطُوا إِلَى مَلِكِ بَابِلَ، وَبَقِيَّةَ ٱلْجُمْهُورِ. ١٦وَلَكِنَّ نَبُوزَرَادَانَ، رَئِيسَ ٱلشُّرَطِ، أَبْقَى مِنْ مَسَاكِينِ ٱلْأَرْضِ كَرَّامِينَ وَفَلَّاحِينَ. ١٧وَكَسَّرَ ٱلْكَلْدَانِيُّونَ أَعْمِدَةَ ٱلنُّحَاسِ ٱلَّتِي لِبَيْتِ ٱلرَّبِّ، وَٱلْقَوَاعِدَ وَبَحْرَ ٱلنُّحَاسِ ٱلَّذِي فِي بَيْتِ ٱلرَّبِّ، وَحَمَلُوا كُلَّ نُحَاسِهَا إِلَى بَابِلَ. ١٨وَأَخَذُوا ٱلْقُدُورَ وَٱلرُّفُوشَ وَٱلْمَقَاصَّ وَٱلْمَنَاضِحَ وَٱلصُّحُونَ وَكُلَّ آنِيَةِ ٱلنُّحَاسِ ٱلَّتِي كَانُوا يَخْدِمُونَ بِهَا. ١٩وَأَخَذَ رَئِيسُ ٱلشُّرَطِ ٱلطُّسُوسَ وَٱلْمَجَامِرَ وَٱلْمَنَاضِحَ وَٱلْقُدُورَ وَٱلْمَنَايِرَ وَٱلصُّحُونَ وَٱلْأَقْدَاحَ، مَا كَانَ مِنْ ذَهَبٍ فَٱلذَّهَبَ، وَمَا كَانَ مِنْ فِضَّةٍ فَٱلْفِضَّةَ. ٢٠وَٱلْعَمُودَيْنِ وَٱلْبَحْرَ ٱلْوَاحِدَ، وَٱلِٱثْنَيْ عَشَرَ ثَوْرًا مِنْ نُحَاسٍ ٱلَّتِي تَحْتَ ٱلْقَوَاعِدِ، ٱلَّتِي عَمِلَهَا ٱلْمَلِكُ سُلَيْمَانُ لِبَيْتِ ٱلرَّبِّ. لَمْ يَكُنْ وَزْنٌ لِنُحَاسِ كُلِّ هَذِهِ ٱلْأَدَوَاتِ. ٢١أَمَّا ٱلْعَمُودَانِ فَكَانَ طُولُ ٱلْعَمُودِ ٱلْوَاحِدِ ثَمَانِيَ عَشَرَةَ ذِرَاعًا، وَخَيْطٌ ٱثْنَتَا عَشَرَةَ ذِرَاعًا يُحِيطُ بِهِ، وَغِلَظُهُ أَرْبَعُ أَصَابِعَ، وَهُوَ أَجْوَفُ. ٢٢وَعَلَيْهِ تَاجٌ مِنْ نُحَاسٍ، ٱرْتِفَاعُ ٱلتَّاجِ ٱلْوَاحِدِ خَمْسُ أَذْرُعٍ. وَعَلَى ٱلتَّاجِ حَوَالَيْهِ شَبَكَةٌ وَرُمَّانَاتُ، ٱلْكُلِّ مِنْ نُحَاسٍ. وَمِثْلُ ذَلِكَ لِلْعَمُودِ ٱلثَّانِي، وَٱلرُّمَّانَاتِ. ٢٣وَكَانَتِ ٱلرُّمَّانَاتُ سِتًّا وَتِسْعِينَ لِلْجَانِبِ. كُلُّ ٱلرُّمَّانَاتِ مِئَةٌ عَلَى ٱلشَّبَكَةِ حَوَالَيْهَا.
١. وَسَبَى نَبُوزَرَادَانُ بَقِيَّةَ ٱلشَّعْبِ ٱلَّذِينَ بَقُوا فِي ٱلْمَدِينَةِ: كانت هذه هي الموجة الرئيسية الثالثة للسبي التي أخذت بقية الشعب باستثناء جزء من فُقَرَاءِ ٱلشَّعْبِ.
٢. وَحَمَلُوا كُلَّ نُحَاسِهَا إِلَى بَابِلَ… وَأَخَذَ رَئِيسُ ٱلشُّرَطِ مَا كَانَ مِنْ ذَهَبٍ فَٱلذَّهَبَ، وَمَا كَانَ مِنْ فِضَّةٍ فَٱلْفِضَّةَ: كما أُخذت بقية الشعب إلى بابل، كذلك أُخذت الأشياء الثمينة المتبقية من الهيكل. فتُركت أورشليم مقفرة منهوبة بالكامل تحت دينونة الله.
• لا تمثل إرميا ٥٢: ١٧-٢٣ جردًا مفصَّلًا بكل ما نهبه البابليون من الهيكل. “ولهذا، فإن المادة في إرميا ٥٢ مجرد تلخيص. وليس أمرًا مستغربًا أنه ليس من الممكن دائمًا مطابقة هذه الرواية مع تلك الموجودة في رواية ١ ملوك ٧. فلم يكن الهدف إعطاء رواية مفصّلة دقيقة، بل توكيد حقيقتين: أولًا، كانت هنالك كميات كبيرة من النحاس. ثانيًا، كانت الأعمدة جميلة جدًّا، ما جعل الدمار أكثر مأساوية.” ثومبسون (Thompson)
ب) الآيات (٢٤-٢٧): سلطة نبوخذنصّر على أورشليم ويهوذا
٢٤وَأَخَذَ رَئِيسُ ٱلشُّرَطِ سَرَايَا ٱلْكَاهِنَ ٱلْأَوَّلَ، وَصَفَنْيَا ٱلْكَاهِنَ ٱلثَّانِي وَحَارِسِي ٱلْبَابِ ٱلثَّلَاثَةَ. ٢٥وَأَخَذَ مِنَ ٱلْمَدِينَةِ خَصِيًّا وَاحِدًا كَانَ وَكِيلًا عَلَى رِجَالِ ٱلْحَرْبِ، وَسَبْعَةَ رِجَالٍ مِنَ ٱلَّذِينَ يَنْظُرُونَ وَجْهَ ٱلْمَلِكِ، ٱلَّذِينَ وُجِدُوا فِي ٱلْمَدِينَةِ، وَكَاتِبَ رَئِيسِ ٱلْجُنْدِ ٱلَّذِي كَانَ يَجْمَعُ شَعْبَ ٱلْأَرْضِ لِلتَّجَنُّدِ، وَسِتِّينَ رَجُلًا مِنْ شَعْبِ ٱلْأَرْضِ، ٱلَّذِينَ وُجِدُوا فِي وَسْطِ ٱلْمَدِينَةِ. ٢٦أَخَذَهُمْ نَبُوزَرَادَانُ رَئِيسُ ٱلشُّرَطِ، وَسَارَ بِهِمْ إِلَى مَلِكِ بَابِلَ، إِلَى رَبْلَةَ، ٢٧فَضَرَبَهُمْ مَلِكُ بَابِلَ وَقَتَلَهُمْ فِي رَبْلَةَ فِي أَرْضِ حَمَاةَ. فَسُبِيَ يَهُوذَا مِنْ أَرْضِهِ.
١. فَضَرَبَهُمْ مَلِكُ بَابِلَ وَقَتَلَهُمْ: أسر البابليون آخر قادة أورشليم ويهوذا وقتلوهم. وقد صار لملك بابل سيطرة تامة على مملكة يهوذا السابقة.
• ضَرَبَهُمْ: “من الصعب ترجمة جذر الفعل العبري Nkh المترجم إلى ’يضرب‘ هنا. وتترجم كلمة Hiphil في الغالب إلى ’يضرب بقوة،‘ لكن يمكن أن تعني ’يجرح، أو يؤلم،‘ أو ’يعذّب،‘ أو ’يجلد،‘ إلخ.” ثومبسون (Thompson)
٢. فَسُبِيَ يَهُوذَا مِنْ أَرْضِهِ: كانت هذه هي الأرض التي أعطاها الله لشعبه، أسباط إسرائيل. فقد امتلكوا تلك الأرض حوالي ٨٦٠ سنة، حيث أخذوها بالإيمان والطاعة، لكنهم أضاعوها من خلال عبادة الأوثان والخطية.
• “لا يسع المرء إلا أن يُذهل للنبرة القاسية للسرد في هذا الإصحاح. فلا يُظهر الكاتب عواطفه ولو مرة واحدة، رغم أنه يصف سقوط بلده المأساوي. وعلينا أن نلجأ إلى سفر مراثي إرميا للبحث عن البكاء والأنين.” ديلداي (Dilday)
ج) الآيات (٢٨-٣٠): سجل المرحلة النهائية من السبي
٢٨هَذَا هُوَ ٱلشَّعْبُ ٱلَّذِي سَبَاهُ نَبُوخَذْرَاصَّرُ فِي ٱلسَّنَةِ ٱلسَّابِعَةِ: مِنَ ٱلْيَهُودِ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ. ٢٩وَفِي ٱلسَّنَةِ ٱلثَّامِنَةِ عَشَرَةَ لِنَبُوخَذْرَاصَّرَ سُبِيَ مِنْ أُورُشَلِيمَ ثَمَانُ مِئَةٍ وَٱثْنَانِ وَثَلَاثُونَ نَفْسًا. ٣٠فِي ٱلسَّنَةِ ٱلثَّالِثَةِ وَٱلْعِشْرِينَ لِنَبُوخَذْرَاصَّرَ، سَبَى نَبُوزَرَادَانُ رَئِيسُ ٱلشُّرَطِ مِنَ ٱلْيَهُودِ سَبْعَ مِئَةٍ وَخَمْسًا وَأَرْبَعِينَ نَفْسًا. جُمْلَةُ ٱلنُّفُوسِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ وَسِتُّ مِئَةٍ.
١. هَذَا هُوَ ٱلشَّعْبُ ٱلَّذِي سَبَاهُ نَبُوخَذْرَاصَّرُ: هذا وصف لجزء من السبي الأخير والتهجير القسري من الأرض. لقد جاء غزو يهوذا وسبيها على موجات، وكانت هذه آخرها.
٢. جُمْلَةُ ٱلنُّفُوسِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ وَسِتُّ مِئَةٍ: عادة ما يُفهم هذا العدد الصغير نسبيًّا على أنه يشير إلى جزء من المسبيين البالغين من الذكور من هذا الجزء فقط.
• “إن كان اليهود المعدودون في إرميا ٥٢: ٢٨-٣٠ ذكورًا فقط، فلا شك أن المجموع النهائي للمسبيين كان أعلى من ذلك بكثير.” فينبيرغ (Feinberg)
• “تختلف الأرقام الواردة هنا عن تلك الموجودة في ٢ ملوك ٢٤: ١٤، ١٦. ربما كان المجموع الفعلي للذكور البالغين المرحَّلين ٣٠٢٣، بينما تورد رواية الملوك الثاني العدد الكلي للمرحَّلين.” هاريسون (Harrison)
د ) الآيات (٣١-٣٤): بصيص أمل في تحسين وضع يهوياكين في بابل
٣١وَفِي ٱلسَّنَةِ ٱلسَّابِعَةِ وَٱلثَّلَاثِينَ لِسَبْيِ يَهُويَاكِينَ، فِي ٱلشَّهْرِ ٱلثَّانِي عَشَرَ، فِي ٱلْخَامِسِ وَٱلْعِشْرِينَ مِنَ ٱلشَّهْرِ، رَفَعَ أَوِيلُ مَرُودَخُ مَلِكُ بَابِلَ، فِي سَنَةِ تَمَلُّكِهِ، رَأْسَ يَهُويَاكِينَ مَلِكِ يَهُوذَا، وَأَخْرَجَهُ مِنَ ٱلسِّجْنِ. ٣٢وَكَلَّمَهُ بِخَيْرٍ، وَجَعَلَ كُرْسِيَّهُ فَوْقَ كَرَاسِيِّ ٱلْمُلُوكِ ٱلَّذِينَ مَعَهُ فِي بَابِلَ. ٣٣وَغَيَّرَ ثِيَابَ سِجْنِهِ، وَكَانَ يَأْكُلُ دَائِمًا ٱلْخُبْزَ أَمَامَهُ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِهِ. ٣٤وَوَظِيفَتُهُ وَظِيفَةٌ دَائِمَةٌ تُعْطَى لَهُ مِنْ عِنْدِ مَلِكِ بَابِلَ، أَمْرَ كُلِّ يَوْمٍ بِيَوْمِهِ، إِلَى يَوْمِ وَفَاتِهِ، كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِهِ.
١. وَفِي ٱلسَّنَةِ ٱلسَّابِعَةِ وَٱلثَّلَاثِينَ لِسَبْيِ يَهُويَاكِينَ: لم يكن يهوياكين آخر ملوك يهوذا. إذ خلفه صدقيا. لكنه أُخذ إلى بابل في قيود نحاسية (٢ ملوك ٢٤: ١٠-١٢). وحدثت هذه الرواية عندما مضت سنوات كثيرة على سبي يهوياكين.
• “سبع وثلاثون سنة في السجن! هذا حكم قاس طويل على ملك لم يحكم إلا ثلاثة أشهر!” كيدنر (Kidner)
٢. وَكَلَّمَهُ بِخَيْرٍ، وَجَعَلَ كُرْسِيَّهُ فَوْقَ كَرَاسِيِّ ٱلْمُلُوكِ ٱلَّذِينَ مَعَهُ فِي بَابِلَ: هذا وصف لكرم قليل وبركات صغيرة تعطى في أسوأ الظروف. إذ كانت يهوذا خالية من السكان، حيث كان الشعب مسبيين، وكان ملك يهوذا أسيرًا في بابل. غير أن المؤرخ الإلهي (النبي) في بحثه عن إشارات إلى عودة نعمة الله وفضله، لاحظ أن الملك يهوياكين بدأ يتلقى معاملة أفضل في بابل.
• رَفَعَ أَوِيلُ مَرُودَخُ مَلِكُ بَابِلَ رَأْسَ يَهُويَاكِينَ مَلِكِ يَهُوذَا: “هذه العبارة مأخوذة من تكوين ٤٠: ١٣، وهي ترتكز على أولئك الذين في حزن مطأطئين رؤوسهم. وعندما يعزَّون، أو عندما يزول سبب حزنهم، فإنهم يرفعون رؤوسهم. وتدل عبارة ’رفع الرأس‘ العبرية إلى التعزية، وإدخال البهجة، والشعور بالسعادة.” كلارك (Clarke)
• “تثبّت الألواح المستخرجة من آثار بوابة عشتار في بابل أن يهوياكين كان يحصل على مِنَحٍ من الملك.” هاريسون (Harrison)
• “ربما بدت حقيقة أن يهوياكين عاش فترة طويلة بعد السبي، وأنه تم إطلاقه من السجن أخيرًا، كعلامات أولى على تحقيق وعد إرميا بيوم استرداد.” ثومبسون (Thompson)
• كان هذا شيئًا صغيرًا، غير أنه كان دليلًا على أن الله لم ينتهِ من مباركة شعبه واستردادهم. فهذه صورة رمزية مسبقة لبركة واسترداد أعظم قادمين. “جلب الله أخيرًا العقاب الموعود على شعبه المرتد، عابدي الأوثان. وقد بدأ بتأديب المسبيين. فرغم هذه الكارثة المروعة، إلا أنه كان ما زال هنالك رجاء في أن يرد الله شعبه، فيعيد البقية الأمينة لتسكن وطنها من جديد.” هاريسون (Harrison)
• “لا يمكن لأي جنود معسكرين ضد شعب الله أن يكسبوا ميزة عليهم ما داموا موالين لملكهم الأوحد فكرًا وقلبًا وإرادةً. لكن عندما لا يكونون موالين له، ومصرّين على عدم الولاء هذا، فلا يمكن لأية قوة أن تنقذهم من الجنود المقاومين لهم.” مورجان (Morgan)
• “إن كان ملك بابل قد فعل هذا من أجل ملك مأسور، فهل سيفعل أبوك السماوي ما هو أقل من هذا؟” ماير (Meyer)
• يقدم كندال تذييلًا جيدًا لإرميا. “ربما فشل في جهوده المضنية في إعادة شعبه إلى الرب. لكن، في إدراكه للدين الحقيقي كعلاقة حيوية وداخلية بالإله الحي (على سبيل المثال، إرميا ٩: ٢٤)، كان عليه أن يضع المعيار الضروري، ليس للمستقبل الفوري فحسب، بل لكل زمن.”